نضد القواعد الفقهيّة على مذهب الاماميّة

جمال الدين مقداد بن عبد الله السيوري الحلّي

نضد القواعد الفقهيّة على مذهب الاماميّة

المؤلف:

جمال الدين مقداد بن عبد الله السيوري الحلّي


المحقق: السيد عبد اللطيف الحسيني الكوه‌كمري الخوئي
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي
المطبعة: مطبعة الخيام
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٦٢

المشقة أصل التكليف المؤدي إلى الثواب ومداره ، فكلما عظمت عظم. وقد تخلف ذلك في صور تنقسم إلى قسمين :

أحدهما : أمران متساويان وثواب أحدهما أكثر كتكبيرة الإحرام مع باقي التكبيرات ، وكذبح الهدي والأضحية وللضعيف ، وكالصلاة في مسجدين أحدهما أكثر جماعة وقربهما والبعد واحد ، وكسجدة التلاوة مع سجدة الصلاة ، وكركعتي النافلة مع ركعتي الفريضة. وهو كثير.

الثاني : أمران متفاوتان ، والأقل منهما أكثر ثوبا كتسبيح الزهراء عليها‌السلام مع أضعافه من التسبيحات ، وكالصيام ندبا في الحضر والسفر ، وقد ورد في الخبر عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من قتل الوزغة في الضربة الأولى فله مائة حسنة ، ومن قتلها في الثانية فله سبعون حسنة (١). قالوا لأن الوزغة حيوان ضعيف ، فحمية الدين يقتضي قتلها بضربة واحدة ، فإذا لم يحصل دل على ضعف العزم.

فائدة :

تظهر من كلام المرتضى أن قبول العبادة وإجزاءها غير متلازمين ، فيوجد الإجزاء من دون القبول ودون العكس. وهو قول بعض العامة ، لأن المجزي ما وقع على الوجه المأمور به شرعا وبه يخرج عن العهدة ويبرأ الذمة ويسمى فاعله مطيعا ، والقبول ما يترتب عليه الثواب.

والذي يدل على انفكاكه عنه وجوه :

( الأول ) سؤال إبراهيم وإسماعيل عليهما‌السلام التقبل ، مع أنهما لا يفعلان إلا فعلا صحيحا مجزيا.

__________________

(١) البحار ط الكمپاني ١٤ / ٧١٦ ، حياة الحيوان ٢ / ٣٢٣.

٢٠١

وفيه نظر ، لأن السؤال قد يكون للواقع كقوله « رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ » (١) ، وكذا الذي بعده « رَبَّنا وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ » (٢) وقد كانا مسلمين.

( الثاني ) قوله تعالى « فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِما وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ » (٣) مع أنهما معا قربا ، فلو كان عمل الذي لم يتقبل منه غير صحيح لعلل بعدم الصحة.

وفيه نظر أيضا ، لإمكان التعبير عن عدم الإجزاء بعدم القبول لأنه غايته.

( الثالث ) قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أما من أسلم وأحسن في إسلامه. فإنه يجزي بعمله في الجاهلية والإسلام شرط في الجزاء أن يحسن في إسلامه ، والإحسان هو التقوى.

وفيه نظر ، إذ الظاهر أن الإحسان هو العمل بالأوامر على شرائطها وأركانها وارتفاع موانعها ، ونحن نقول به.

( الرابع ) قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله إن من الصلاة لما تقبل نصفها وثلثها وربعها ، وإن منها لما يلف كما يلف الثوب الخلق فيضرب بها وجه صاحبها (٤) مع أنها مجزية عند الفقهاء إلا من شذ من بعض فقهاء العامة والصوفية.

وفيه نظر ، لأنه يمكن أن يكون ذلك مع استحقاق الثواب لكنه ناقص ، أما حديث النصف إلى العشر فظاهر ، وأما الملفوفة هنا غير المجزية لاشتمالها على نوع من الخلل.

( الخامس ) الناس مجمعون على أن الدعاء بقبوله العمل ، فلو كان القبول هو الإجزاء لم يحسن إلا قبل الشروع في العمل ، بمعنى تيسر الشرائط والأركان

__________________

(١) سورة الأنبياء : ١١٢.

(٢) سورة البقرة : ١٢٨.

(٣) سورة المائدة : ٢٧.

(٤) أورد في هذا المعنى أحاديثا في الباب ١٧ من أبواب أعداد الفرائض ونوافلها.

٢٠٢

وارتفاع الموانع وهم يسألون (١) قبل وبعد.

وفيه نظر ، لأن السؤال قد يكون لزيادة القبول أي زيادة لازمة ، أعني الثواب أو على وجه الانقطاع إلى الله تعالى.

( السادس ) قوله تعالى ، « إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ » (٢) فظاهره أن غير المتقي لا يتقبل منه ، مع أن عبادته مجزية بالإجماع.

وفيه نظر ، لأن بعض المفسرين قال : يراد من المؤمنين لأن الإيمان هو التقوى قال تعالى « وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوى » (٣).

سلمنا لكن المراد من المتقي في ذلك العمل بحيث لا يكون ذلك العمل على غير التقوى كما يحكى عن الشيخ أبي جعفر مؤمن الطاق أنه مر معه بعض رؤساء العامة في سوق الكوفة على بائع رمان ، فأخذ العامي منه رمانتين اختلاسا ثمَّ مر على سائل فدفع إليه واحدة ثمَّ التفت إلى أبي جعفر وقال : عملنا سيئتين وحصلنا عشر حسنات فربحنا ثمان حسنات. فقال له : أخطأت ، إنما يتقبل الله من المتقين (٤).

( هداية ) كل عبادة أريد بها غير الله تعالى بل ليراه الناس متصفا بها أو ليجلب نفعا منهم أو يدفع ضررا لا من حيث العبادة فهي الرياء ، وأما دفع الضرر بعبادة التقية فليس برياء ، وكذا دافع الضرر بترك الصلاة والصيام.

( الرابعة ) وكل عبادة علم سببها وشك في فعلها وجب فعلها إن كانت واجبة واستحب إن كانت مستحبة ، كمن شك في الطهارة بعد تيقن الحدث ، وفي فعل

__________________

(١) في ص : يسلمون.

(٢) سورة المائدة : ٢٧.

(٣) سورة الفتح : ٢٦.

(٤) الاحتجاج ٢ / ١٢٩ ، البحار ٤٧ / ٢٣٨ ، عن الصادق صلوات الله عليه.

٢٠٣

الصلاة ووقتها باق ، وفي أداء الزكاة وباقي العبادات ويجزم الناوي بالوجوب لاستصحاب الوجوب المعلوم.

وكذا لو توقف الخروج عن العهدة على فعل زيادة على الواجب نوى الوجوب في الجميع ، كالصلاة المنسية غير المعلوم عينها ، وتكون النية جازمة.

ومنه الصلاة في الثياب الكثيرة المشتبهة بالنجس. وطعن فيه بعض الأفاضل بأن الناوي غير جازم وصار إلى الصلاة عاريا. وعلى ما قلناه الصلاة في الجميع بنية الوجوب الجازم.

وظن بعض العامة أن الشك في هذه الصورة سبب في الوجوب. وليس الأمر كما ظن ، بل السبب هو ما قيل الشك من المقتضيات للحكم لكن لما توقف الخروج عن العهدة (١) بالزائد على الواجب وجب ، ولو كان الشك سببا للوجوب لاطرد ، فيلزم تحريم الزوجة لو شك في طلاقها ووجوب اجتنابها ، ويلزم وجوب مقتضي السهو لو شك هل عرض له في صلاته سهو ، وليس كذلك قطعا.

( الخامسة ) قد وقع التعبد المحض في مواضع لا يكاد يهتدى فيها إلى العلة ، كالبدأة بظاهر الذراع وباطنه في الوضوء ، وكالجريدة إن لم تعلل بدفع العذاب ما دامت خضراء ، وكرمي الجمرات والنهي عن بيع الطعام حتى يكال أو يوزن وكونه لا يكتفى به في المكيال لو قلنا به تعبد (٢).

وإذن الواهب في قبض ما بيد الموهوب في مضي (٣) زمان عند الشيخ ، والسرف في استعمال الماء على شاطئ نهر أو بحر فإنه مكروه ، ووجوب طلب المتيمم وإن علم عدم الماء ، ووجوب إمرار الموسى على رأس الأقرع أو

__________________

(١) في ص : على العهدة.

(٢) في ص : بعد.

(٣) في ص : بمضي.

٢٠٤

استحبابه.

ولا تدخل هذه الصورة تحت قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه بما استطعتم إذ لم يأت بشي‌ء من المأمور.

ووجوب العدة على المتوفى عنها زوجها مع عدم الدخول ، ووجوبها على الصغيرة واليائسة عند المرتضى رحمه‌الله ومن تبعه ، وعدم إجزاء القيمة في الكفارة وفي الأنعام الزكوية عند بعض الأصحاب مع أن مشروعية الزكاة لسد خلة الفقراء وهو حاصل بالقيمة ، وتحريم الرياء مع اشتماله على المحلصات (١) الخصوصية يخرج عن التحريم والتفاضل حاصل.

( السادسة ) الفعل يوصف بالأداء والقضاء بحسب الوقت المحدود ولا يوصف به ما لا وقت له محدود ، فعرف الأداء بأنه إيقاع الفعل في وقته المحدود له شرعا [ والقضاء بأنه الإيقاع خارج وقته المحدود له شرعا ] (٢).

وأورد أن الواجبات الفورية ـ كالحسبة والحج ورد المغصوب وإنقاذ الغريق والأمانات الشرعية والوديعة والعارية ـ إذا طلبتا فإن الشرع [ قد ] (٣) حد لها زمانا للوقوع ، فأوله زمان التكليف وآخره الفراغ منها بحسبها في طولها وقصرها ، فيصدق عليها المحدود شرعا مع انتفاء الأداء والقضاء عنها في الوقت وبعده ، وكذلك مقتضى الطلب إذا جعلنا الأمر للفور.

والجواب بمنع التحديد هنا ، لأن المراد بالمحدود ما ضربه الشارع وقتا مخصوصا للعبادة بحسب المصلحة الباعثة عليه [ بحيث ] لا يتقدم ولا يتأخر ولا يزيد ولا ينقص ، وما ذكر المصلحة فيه راجعة إلى المأمور ، إذ المأمور به لا بحسب

__________________

(١) في ك : على المختلطات.

(٢) ليس ما بين القوسين في ص.

(٣) في ص : فإن الشارع.

٢٠٥

الوقت وهو قابل بالتقدم والتأخر والزيادة والنقصان ، فإن الحسبة تابعة لوقوع المنكر أو ترك المعروف في أي وقت اتفق وزمانها يقصر ويطول ، والتكليف بالحج يتبع الاستطاعة وحصول الرفقة.

فإن قلت : يلزم أن يكون استدارك رمضان الفائت في سنة الفوات موصوفا بالأداء ، لأن الله تعالى جعل له وقتا موسعا محدودا بالرمضان الثاني.

قلت : لما كان يصدق عليه أنه فعل في غير وقته المحدود مع (١) الجملة كان أداء ، والتحديد بالسنة أمر اقتضاه الأمر الثاني بالقضاء ، لا على معنى أنه بعد السنة يخرج وقته بل بمعنى وجوب المبادرة فيها وإلا فوقته بحسب الأجزاء مدة العمر وهذا هو معنى غير المحدود.

فائدتان :

( الأولى ) القضاء يطلق على معان خمسة :

أ ـ بمعنى الفعل والإتيان به ، ومنه قوله تعالى « فَإِذا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ » (٢) « فَإِذا قَضَيْتُمْ مَناسِكَكُمْ » (٣).

ب ـ المعنى السابق.

ج ـ استدراك ما تعين وقته إما بالشروع فيه كالاعتكاف [ فيه ] أو بوجوبه فوريا كالحج إذا أفسد (٤) فإنه يطلق على المأتي به ثانيا قضاء وإن لم ينوبه القضاء.

د ـ ما وقع مخالفا لبعض الأوضاع المعتبرة فيه ، كما يقال فيمن أدرك ركعتين

__________________

(١) في ص : في الجملة. وفي هامشه : كان قضاء.

(٢) سورة النساء : ١٠٣.

(٣) سورة البقرة : ٢٠٠.

(٤) في ك : إذا فسد.

٢٠٦

مع الإمام « يقضي ركعتين بعد التسليم ». ولو حمل هذا على المعنى الأول أمكن ولكن إنما يتأتى على الرواية المتضمنة لصيرورة (١) آخر الصلاة أولها بحيث يأتي بالركعتين الأخيرتين من العشاء الآخرة جهرا ، فإن وضع الشريعة أن يكون الجهر قبل الإخفات ، وكما يقال في السجدة والتشهد تقضى بعد التسليم.

هـ ـ ما كان بصورة القضاء المصطلح عليه في أنه يفعل بعد خروج الوقت المحدود ، ومنه قولهم في الجمعة تقضى ظهرا. وهو أولى من حمله على المعنى الأول ، لأن الأول لغوي محض وأما هذا ففيه مناسبة للمعنى الشرعي ، وخصوصا عند من قال الجمعة ظهر مقصورة (٢).

( الثانية ) لا يجتمع الأداء والإثم فيه ، وما ورد من أن تأخير الصلاة إلى آخر الوقت إنما يجوز لذوي الأعذار فيأثم غيره (٣). محمول على التغليظ ، وكذا ما ورد أن أول الوقت رضوان الله وآخره عفو الله (٤). ولو سلم يمنع الإثم.

( السابعة ) الإخلال بالفعل لا يستعقب القضاء إلا بأمر جديد ، وقد نص على قضاء عبادات واستدراكها ، ولكن يعرض ما يمنع من وجوبه في صور ، كمن فاته شهر رمضان لمرض استمر به إلى رمضان آخر فإنه لا قضاء عليه ، وكذا الشيخان العاجزان وذو العطاش ، وكذا من نذر أن يصلي جميع الصلوات في أول أوقاتها فإنه لو أخل به ثمَّ صلى في آخر الوقت سقط القضاء.

ومن نذر صوم الدهر وفاته شي‌ء منه لا يقضي لعدم زمانه ، ولكن قيل يفدي عنه.

__________________

(١) في ص وهامش ك : لضرورة.

(٢) في ص : مقصودة.

(٣) راجع باب مواقيت الصلاة من الكافي والتهذيب والفقيه وغيرها من كتب الأحاديث.

(٤) الفقيه : ١ / ١٤٠.

٢٠٧

وكذا من نذر الحج كل عام وفاته عام فإنه لا يقضي ، ويمكن وجوب الاستئجار وإذا دخل مكة بغير إحرام ناسيا أو متعمدا فإن الظاهر أنه لا يجب عليه التدارك ، ولو وجب فليس قضاء للأول بل هو واجب مستقل لأجل كونه الآن خارج الحرم.

ولو نذر أن يتصدق بما فضل عن قوته كل يوم ثمَّ فضلت فضلة فأتلفها فكل ما فضل بعدها في الأيام المستقبلة واجب عن يومه لا عن الغرم ، فإذا لم يكن له مال فات التدارك.

ولو نذر أن يعتق كل عبد يملكه فملك ولما يعتق حتى مات ففي وجوب الإعتاق نظر ، لأنهم انتقلوا إلى الوارث. إلا أن يقال تعلق بهم وجوب العتق فلا يجري فيهم الإرث إلا مع الحجر كالمرهون وتركة المديون.

ومما لا يستدرك نفقة القريب وإن قدرها الحاكم ، وهذا داخل في القاعدة. وكذا زكاة الفطرة إذا قلنا بعدم نقصانها ، وكذلك الجمعة والعيدان.

المرصد الثاني

وهو قسمان :

الأول ـ في العبادات المشهورة

وهي أنواع :

( الأول ـ الطهارة )

قاعدة :

الاستجمار رخصة ، وهو أمر خارج عن إزالة النجاسة المعتبرة ولكن اكتفى

٢٠٨

الشارع به تخفيفا لعموم البلوى ، فلا بد فيه من النقاء وعدد الأحجار جمعا بين النص والمعنى.

والعامة اضطربوا هنا : فمنهم من رأى هذا دالا على العفو فجوز ترك الاستجمار ثمَّ عداه إلى كل نجاسة بقدر الدرهم إذ هو مقدار المسربة (١) غالبا ، ومنهم من اعتبر النقاء ولو بواحد نظرا إلى المعنى ولم يعد الحكم إلى غيره ، ومنهم من حمل على النص واعتبر التعدد لا النقاء.

وإذا اعتبرنا النص فالمراد بالحجر المسحة فيجزي ذو الوجوه. والمأخذ ما روي أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله حمل إليه حجران وروثة فألقى الروثة واستعمل الحجرين (٢). فإن الظاهر أنه استعمل وجهي أحدهما.

قاعدة :

ألحق بعض العامة إزالة النجاسة بالماء بالرخص. قال : لأن الماء إن كان قليلا فالجزء الذي يلاقي النجاسة ينجس ثمَّ ينجس المجاور له ثمَّ المجاور له حتى ينجس جميع ما في الآنية التي يصيب (٣) بها كل جزء من الماء الكثير ، لو كان ماء البحر فإنه منفصل في الحقيقة وإن كان متصلا في الحس ، فإذا لاقته نجاسة ينجس ذلك الجزء فينجس ما يجاوره وهلم جرا فحينئذ إزالة النجاسة من باب الرخص والغرض بها إنما هو زوال الأعيان عن الحس.

__________________

(١) المسربة : بفتح الميم وسكون السين وفتح الراء : مجرى الغائط ومخرجه سميت بذلك لانسراب الخارج منها فهي اسم للموضع.

(٢) صحيح البخاري : باب الاستنجاء بالحجارة من أبواب الوضوء.

(٣) في ص : التي يصب بل كل جزء.

٢٠٩

وهذا الإلحاق باطل ، لأن الطهارة والنجاسة حكمان شرعيان ، وقد جعل الشارع للنجاسة علامات خاصة كالتغير في الكثير واستواء السطح أو علو النجاسة في القليل ، فلا يحكم بالنجاسة بدون ما نصبه الشارع أمارة لها.

قاعدة :

النجاسة ما حرم استعماله في الصلاة والأغذية للاستقذار وللتوصل إلى الفرار [ فبالاستقذار تخرج السموم والأغذية الممرضة وبالتوصل إلى الفرار ] (١) ليدخل الخمر والعصير فإنهما غير مستقذرين.

وكل عين يحكم بنجاستها يزيد إبعادا من النفس ، لأنها مطلوبة بالفرار عنها وبالنجاسة يزداد الفرار ، وحينئذ يبقى ذكر الأغذية مستدركا ، إلا أن يذكر لزيادة البيان ولبيان موضوع التحريم ، فإن في الصلاة تنبيها على الطواف ودخول المسجد ، وفي الأغذية تنبيها على الأشربة.

ويقابلها الطاهر ، وهو ما أبيح ملابسته في الصلاة اختيارا ، فحينئذ مرجع النجاسة إلى التحريم ومرجع الطهارة إلى الإباحة ، وهما حكمان شرعيان.

والحق أن عين النجاسة والطاهر ليسا حكما وإنما هما متعلقا الحكم من حيث استعمال المكلف ، [ فموضوع الحكم هو فعل المكلف ] (٢) في النجس والطاهر.

وربما قيل : النجاسة معنى قائم بالجسم يوجب اجتنابه في الصلاة والتناول لعينه ، وفيه تنبيه على أن الجسم من حيث [ هو ] جسم لا يكون نجسا وإلا لعمت

__________________

(١) ما بين القوسين ليس في ص.

(٢) ما بين القوسين ليس في ص.

٢١٠

النجاسة كل الأجسام ، بل معنى قائم به من قذارة أو إبعاد عن الحرام.

وقوله « لعينه » احتراز عن الأعيان المغصوبة ، فإنه يجب اجتنابها في الصلاة لكن [ لا ] لعينها بل باعتبار تعلق حق الغير بها.

وعطف التناول تحقيقا للخاصة ، لأن لقائل أن يقول : أكثر محرمات الصلاة حرمت لعينها ، كالكلام والحدث والفعل الكثير والاستدبار ، فيكون الحد غير مطرد. إلا أن هذه لا تحرم في التناول أكلا وشربا ، وذكرهما أيضا لبيان محل إيجاب الاجتناب.

قاعدة :

كل الأجسام على الطهارة إلا العشرة المشهورة ، وكل الحيوان على الطهارة إلا الكلب والخنزير وما تولد منهما أو من أحدهما والكافر ، وكل الميتات على النجاسة إلا ما لا نفس له كالسمك والجراد والجنين بذكاة أمه ، وأما الصيد المقتول بمحدد وكلب معلم فذكي ، وكذا المجروح من الحيوان لاستعصابه وترديه [ ولو في غير موضع الذكاة. وكل الحيوانات تقبل التذكية إلا النجس منها عينا والآدمي ] (١) والحشرات ، وقيل يقع على الحشرات الذكاة.

قاعدة :

كل النجاسة مانعة من صحة الصلاة إلا في مواضع ما لا تتم الصلاة فيه وحده ودون الدرهم البغلي عن الدم وثوب المربية للصبي والجروح والقروح الدائمة (٢) وعند تعذر إزالتها عن البدن وكذا عن الثوب إذا اضطر إلى لبسه

__________________

(١) ليس ما بين القوسين في ص.

(٢) في هامش ك : الدامية.

٢١١

وكذا لو لم يضطر على قول التخيير بينه وبين العري وإذا جهلها ولم يعلم حتى خرج الوقت ، وقيل لا يعيد مطلقا وإذا نسيها وخرج الوقت [ وآثار ] الاستجمار إن حكمنا بنجاستها.

قاعدة :

الحدث هو المانع من الصلاة المرتفع بالطهارة ، ويطلق على نفس السبب الموجب للوضوء.

والمراد بقولهم « ينوي رفع الحدث » هو المعنى الأول ، لأن الأول واقع والواقع لا يرتفع ، والمانع وإن كان واقعا إلا أن المقصود [ بالرفع ] منع استمراره (١) ، كما أن عقد النكاح يرفع استمرار منع الوطء في الأجنبية.

وهذا يبين قوة قول من قال برفع التيمم الحدث ، لأن المنع متعلق بالمكلف وقد استباح الصلاة بالتيمم إجماعا والحدث مانع من الصلاة إجماعا.

وقوله عليه‌السلام لحسان لما تيمم وصلى بالناس أصليت بأصحابك وأنت جنب؟ لاستعلام فقهه ، كما قال « صلى‌الله‌عليه‌وآله » لمعاذ بم تحكم؟

وأما وجوب استعمال الماء عند تمكنه منه فلأن القائل بأنه يرفع الحدث يغييه به كما يغييه (٢) بطريان حدث.

قاعدة :

حكم الحدث متعلق بالمكلف ، لأن الحدث هو المنع الشرعي ، فلا يتعلق

__________________

(١) في ص : إلا أن المقصود منع استقراره.

(٢) في ص : يعنيه به كما يعنيه.

٢١٢

إلا بالمكلف. فالقول بأنه يتعلق بالأعضاء بعيد.

وتظهر الفائدة في عدم الحكم بارتفاع الحدث عن العضو بغسله وحده ، إذ العضو لا يقال إنه ممنوع. ولا ريب أن المنع من الصلاة باق ما بقي لمعة من الأعضاء ، فعلى هذا لا يجوز له لمس المصحف بالعضو المغسول قبل تمام الغسل والمسح.

فإن قلت : ما تقول في وضوء الجنب للنوم ، فإنه قد رفع الحدث بالنسبة إلى النوم.

قلت : هذا ليس مما نحن فيه ، إذ لا نقول يرتفع الحدث عن أعضاء الوضوء دون باقي البدن ولا رفع هنا حقيقة ، وإنما هو تعبد محض أو لوقوع النوم على الوجه الأكمل بغسل هذه الأعضاء.

والظاهر أن تعقب ريح أو بول لا ينقضه ، إذ لم يجعل رافعا للحدث الأصغر فيقال فيه : أين معنى وضوء لا ينقضه الحدث؟

قاعدة :

كل دم يمكن أن يكون حيضا فهو حيض تجانس أو اختلف ، ويتعلق بالحيض أحكام :

( منها ) ما يترتب عليه ، وهو : البلوغ ، والغسل ، والعدة ، والاستبراء ، وقبول قولها فيه ، وسقوط فرض الصلاة ، وعدم صحة الصوم ، وعدم ارتفاع الحدث ، وجواز الاستنابة في الطواف على قول مخرج لم أقف فيه على نص.

( ومنها ) ما يحرم بسببه ، وهو : الصلاة ، والصوم ، والاعتكاف ، ودخول المسجد وقراءة العزائم ، ومس كتابة المصحف. وفي سجدة العزيمة قولان.

٢١٣

( ومنها ) ما يكره ، وهو : كتب المصحف ، وحمله ، ولمس هامشه ، وقراءة ما عدا العزائم.

( ومنها ) ما يحرم على الزوج ، وهو : الطلاق ، والوطء قبلا ، والمباشرة بين السرة والركبة عند بعض الأصحاب.

( ومنها ) ما يجب ، وهو : الاستبراء عند تجويز الانقطاع ، وقضاء الصوم.

( ومنها ) ما يستحب ، كالوضوء ، والجلوس في المصلى ، وذكر الله بقدر زمان الصلاة.

قاعدة :

مما يستثنى من الأصول الكلية من الفروع الجزئية للضرورة أو مس الحاجة صحة صلاة المستحاضة ودائم الحدث للضرورة ، وعدم الحكم بكون الماء مستعملا ما دام على عضو الجنب وإلا لم يرتفع حدث أصلا ، وكالحكم بأن ملاقاة النجس للماء لا ينجسه إذا كان كرا فصاعدا وإلا لعسرت (١) الطهارة ، وطهارة الميتة من غير ذي النفس السائلة والمني منه ، والعفو عن ماء الاستنجاء وعن ما لا يدركه الطرف من الدم عند كثير من الأصحاب ، والعفو عن سؤر الهرة وشبهها وقد نجس فوها بزوال العين غابت أو لا ، والعفو عن محل الاستجمار وعن زيادة ركن [ مع القدوة ] (٢) للحاجة إلى الاقتداء وعسر المتابعة في بعض الأحيان لتباعد المأموم ، وتغيير الكيفية في صلاة الخائف لمصلحة الجماعة وللحاجة إليها وإلى حراسة المجاهدين ، ولبس الحرير لدفع القمل وللمحارب ، وكاختصاص

__________________

(١) في ص : وإلا اعتبرت.

(٢) ليس في ص.

٢١٤

النسكين (١) بعدم الخروج [ منها بالمفسد ] (٢) وشرط العتق لما فيه من تحصيل الحرية وتشوق الشرع إليها بدليل السراية إلى نصيب الشريك.

وهل يصح اشتراط الوقت في البيع؟ نظر ، لقربه من العتق ومن قصوره عنه ، لعدم (٣) التغليب فيه والسراية.

( الثاني ـ الصلاة )

قاعدة :

الصلاة أفضل الأعمال البدنية ، لأن تصرفات العباد أربعة : حق الله تعالى كالمعرفة ، وحق العبد وهو ما يتمكن من إسقاطه وإلا فكل حق العبد حق الله تعالى كأداء الدين ورد الغصب والوديعة ، وحقهما والمغلب فيه جانب العبد كالزكاة والصدقة والكفارات والنذور والضحايا والهدايا والأوقاف والوصايا ، وحق الله ورسوله والعباد كالأذان والصلاة مشتملة على الجميع. فحق الله كالنية والأذكار والكف عن الكلام والمنافيات ، وحق الرسول وآله صلوات الله عليهم وهي الصلاة عليهم والشهادة لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بالرسالة ولهم بالإمامة ، وحق المكلفين (٤) وهو دعاؤه لنفسه ولهم بالهداية. وفي القنوت وغيره يجوز الدعاء له ولهم بما شاء وفي السلام يسلم عليهم بعد السلام على النبي وآله ومن ثمَّ ورد صلاة فريضة أفضل من عشرين حجة « (٥) وفي خبر آخر » من ألف

__________________

(١) في ص : السكين.

(٢) ليس ما بين القوسين في ص.

(٣) في ص : لتقدم.

(٤) في ك : المكلف.

(٥) الفقيه ١ / ١٣٤ ، الكافي ٣ / ٢٦٥. وتمامه وحجة خير من بيت مملو ذهبا يتصدق منه حتى يفنى.

٢١٥

حجة « وعن النبي » صلى‌الله‌عليه‌وآله « واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة » (١) رواه العامة والخاصة ، وما في الأذان والإقامة من حي على خير العمل صريح في ذلك.

فإن قلت : هذا معارض بأن الأفضلية تتبع الأشقية ، وبأن النبي « صلى‌الله‌عليه‌وآله » لما سئل : أي الأعمال أفضل؟ فقال : الإيمان بالله. قيل : ثمَّ ما ذا؟ قال : جهاد في سبيل الله. قيل : ثمَّ ما ذا؟ قال : حج مبرور (٢).

ومن البعيد كون صلاة الصبح أفضل من حجة مبرورة [ فضلا عن العدد المذكور وكون نافلتها أفضل من حجة مسنونة ] (٣) ، وأبعد منه أفضلية الصلاة التي لا كثير تحمل فيها (٤) على الجهاد الذي فيه بذل النفس في سبيل الله تعالى.

قلت : أما الإيمان فخرج بقولنا « الأعمال البدنية » فلا كلام فيه ، ولهذا قالوا صلوات الله عليهم ما تقرب العبد إلى الله تعالى بشي‌ء بعد المعرفة أفضل من الصلاة (٥).

وأما الحج فلعل المعارضة بين الصلاة الواجبة وبين الحج المندوب أو بين المتفضل به في الصلاة وبين المستحق به في الحج مع قطع [ النظر عن ] المتفضل به في الحج ، أو يراد به أن لو حج (٦) في ملة غير هذه الملة.

وأما الصلاة المندوبة فيمكن أن لا يراد أن الواحدة أفضل من الحج ، إذ ليس في الحديث إلا الفريضة.

__________________

(١) الأشعثيات : ٣٤.

(٢) صحيح البخاري باب « فضل الحج المبرور » من كتاب الحج.

(٣) ما بين القوسين ليس في ص.

(٤) وكذا في هامش ك وفي متنه : لا كثير عمل فيها.

(٥) الكافي ٣ / ٢٦٤.

(٦) في هامش ك : أنه لو حج.

٢١٦

وأما حديث خير أعمالكم الصلاة (١) فيمكن حمله على المعهودة وهي الفرائض. ويؤيده الأذان والإقامة لاختصاصه بها ، أو نقول : لو صرف زمان الحج والعمرة في الصلاة المندوبة كان أفضل منهما ، أو يختلف بحسب الأحوال والأشخاص ، كما نقل أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سئل : أي الأعمال أفضل؟ فقال : بر الوالدين (٢) [ وسئل أي الأعمال أفضل؟ فقال : الصلاة لأول وقتها ] (٣) وسئل أيضا أي الأعمال أفضل؟ فقال : حج مبرور (٤). فيختص بما يليق بالسائل من الأعمال ، فيكون لذلك السائل والدان محتاجان إلى بره ، والمجاب بالصلاة يكون عاجزا عن الحج والجهاد ، والمجاب بالجهاد في الخبر السابق يكون قادرا عليه ـ كذا ذكره بعض علماء العامة دفعا للتناقض عن الأخبار.

قاعدة :

كل مكلف دخل عليه وقت الصلاة وجبت عليه بحسب حاله ولا عذر في تأخيرها عن وقتها إلا في مواضع : المكره على تركها حتى إنه يمنع من فعلها بالإيماء ، والناسي والمشغول عنها بدفع صائل عن نفس أو بضع أو بإنقاذ غريق أو بالسعي إلى عرفة أو المشعر في وجه ، وفاقد الطهور.

ولا يؤخر بعذر من لا تنتهي النوبة إليه في البئر إلا في آخر الوقت أو النوبة في الثوب بين العراة ، أو المحبوس في بيت لا يمكن للقيام فيه (٥) ، أو راكب

__________________

(١) الأشعثيات : ٣٤.

(٢) الكافي ٢ / ١٥٨. فيه : عن منصور بن حازم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : قلت أي الأعمال أفضل؟ قال : الصلاة في وقتها وبر الوالدين والجهاد في سبيل الله عزوجل.

(٣) ما بين القوسين ليس في ص.

(٤) في ص : أبر.

(٥) في ص : لا يتمكن من القيام فيه.

٢١٧

السفينة لا يمكنه الخروج منها ، ولا المقيم العادم للقابل (١) يصلون في الوقت بحسب الحال ، ولكن يستحب التأخير إلى زوال العذر لإدراك الكمالية إن أمكن زواله.

ولهذا يستحب لطالب الجماعة ، والمسافر [ و ] المستوفر ، والمبرد للظهر لشدة الحر منفردا ومجتمعا ، والمتنفل قدر السبحتين ، والعصر إلى المثلين ، والعشاء إلى ذهاب الشفق ، نافلة الليل إلى السحر ، والمفيض العشاءين إلى المشعر ، والمستحاضة الظهر والمغرب إلى دخول ثانيهما ، والقاضي يؤخر الأداء إلى آخر الوقت على الوقت ، وللصائم المتوقع إفطاره والمتمكن من استيفاء الأفعال لمن يباح له رخصها والمتمكن من المندوبات.

فائدة (٢) :

الأذان مستحب للخمس ، وقد يعرض له ما يخرجه عن ذلك ، إما لعدم وقوعه صحيحا كأذان غير المميز من الطفل والمجنون وقبل الوقت في غير الصبح وأذان الكافر وغير المرتب وأذان السكران الذي لا تحصيل له.

وأما الكراهية كأذان الجماعة الثانية قبل تفرق الأولى أو لعصري عرفة والجمعة وعشاء المشعر ، وإما لعروض مبطل له كالارتداد والإغماء إذا طال الزمان والسكوت الطويل وعروض الجنون أو السكر والكلام الكثير في أثنائه الذي يخرجه عن الموالاة والإغماء والنوم مع الطول وترك شي‌ء من كلماته عمدا.

أما الطهارة والاستقبال والذكورية وشبهها فشرط في كماله.

__________________

(١) في ص : العادم للمسائل. وفي القواعد وهامش ك : العادم للماء بل يصلون.

(٢) في ص : قاعدة.

٢١٨

فائدة (١) :

لا ريب أن الطهارة والاستقبال والستر معدودة من الواجبات في الصلاة مع الاتفاق على جواز فعلها قبل الوقت والاتفاق في الأصول أن غير الواجب لا يجزي عن الواجب ، فاتجه هنا سؤال ، وهو أن يقال : أحد الأمرين لازم ، وهو إما أن يقال بوجوب هذه الأمور على الإطلاق ولم يقله أحد ، أو يقال بإجزاء غير الواجب عن الواجب وهو باطل ، لأن الفعل إنما يجزي عن غيره مع تساويهما في المصلحة المطلقة ، ومحال تساوي الواجب وغير في المصلحة.

وجوابه : أنا قد بينا أن الخطاب قد ينقسم إلى خطاب التكليف وخطاب الوضع ، أعني الخطاب بنصب الأسباب ، ولا يشترط فيه العلم والقدرة ولا عدمهما ولا التكليف ، لأن معنى قول الشارع اعلموا كذا إنه حتى وجد كذا فقد وجب كذا أو حرم كذا أو أبيح كذا أو ندب كذا ، ومن ثمَّ حكم بضمان الصبي والمجنون ما أتلفاه مع عدم تكليفهما.

وقد يكون خطاب الوضع بالمانع [ له ] أيضا ، كما يقول عدم كذا عند وجود المانع أو عند عدم الشرط.

إذا تقرر ذلك فالطهارة من باب خطاب الوضع ، إذ هي شرط في صحة الصلاة ، وكذلك الاستقبال والستر ، وذلك لا يشترط فيه شرط التكليف من إيقاعه على الوجه المخصوص ، فإن دخل الوقت على المكلف وهو موصوف بهذه الأوصاف تمَّ الفرض وصحت الصلاة ، وإن لم يتصف بها أو ببعضها توجه عليه حينئذ خطاب التكليف وخطاب الوضع وصارت حينئذ واجبة.

ولا استبعاد في وجوب الطهارة في حالة دون حالة ، لأن بيان الشرع تخصص

__________________

(١) في ص : قاعدة.

٢١٩

الوجوب (١) ببعض الحالات دون البعض وببعض الأزمنة دون البعض.

فإن قلت : أليس ينوي في الطهارة قبل دخول الوقت الاستحباب ، وذلك خطاب التكليف ، فكيف جعلها من خطاب الوضع؟

قلت : ذلك وإن احتيج إليه في الطهارة فهو غير محتاج إليه في الاستقبال والستر ، ولهذا لو اتفق كونه قائما إلى القبلة وقد لبس ساترا للعورة حياء من الناس أو ألبسه غيره كرها أجزأ ذلك في الصلاة.

وأما وقوع الطهارة بنية الاستحباب فهو باعتبار أنها في نفسها مستحبة لاستحباب الدوام على الطهارة ، ولا امتناع في كون الشي‌ء من خطاب الوضع باعتبار ومن خطاب التكليف باعتبار ، فإذا وجد سبب الوجوب كدخول الوقت مثلا على متطهر (٢) ندبا فقد خوطب بالصلاة حينئذ من غير أمر بتجديد طهارة لامتناع تحصيل الحاصل.

وإن كان محدثا اجتمع عليه خطاب التكليف بفعل الطهارة وجوبا وخطاب الوضع ، ومن قبله كان عليه خطاب التكليف باستحباب الطهارة ، فلا امتناع في ذلك.

وهذا الإشكال البين (٣) هو الذي ألجأ بعض العلماء إلى اعتقاد وجوب الوضوء وغيره من الطهارات لنفسه ، غير أنه يجب وجوبا موسعا قبل الوقت وفي الوقت وجوبا مضيقا عند آخر الوقت. ذهب إلى ذلك القاضي أبو بكر ابن العنبري من الجمهور وحكاه الرازي في التفسير عن جماعة ، وصار بعض الأصحاب إلى

__________________

(١) في ك : لأن شأن الشرع تخصيص الوجوب.

(٢) في ص : مطهر.

(٣) في ك : اليسير.

٢٢٠