نضد القواعد الفقهيّة على مذهب الاماميّة

جمال الدين مقداد بن عبد الله السيوري الحلّي

نضد القواعد الفقهيّة على مذهب الاماميّة

المؤلف:

جمال الدين مقداد بن عبد الله السيوري الحلّي


المحقق: السيد عبد اللطيف الحسيني الكوه‌كمري الخوئي
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي
المطبعة: مطبعة الخيام
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٦٢

إنه يكتفى بالظاهر ، إذ يقع غالبا في العوام وأهل البوادي والقرى ، فاشتراط العدالة في نفس الأمر ودوام العدالة شرط للقاضي والمفتي ، لأنا محتاجون إلى دوام الاعتماد على قولهما ، وإنما يتم بالعدالة.

وأما ما هو في محل الحاجة فكعدالة الأب والجد في الولاية على الولد والمؤذن ، لاعتماد أصحاب الأعذار على قوله في الأوقات وإمام الجماعة أبلغ ، لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الأئمة ضمناء (١).

وأما ما هو في محل التتمة فكالولاية في عقد النكاح ، لأن طبع الولي يردعه عن الخيانة والتقصير في حق المولى عليه ، إلا أنه لما كان بعض الفساق لا يبالي بذلك جعلت العدالة من المكملات ، إذ ينعقد عندنا إنكاح الفاسق من الأولياء.

وفيه للشافعية اثنا عشر وجها ، ومنه ولاية تجهيز المولى ، لأن فرط شفقة القريب تبعثه على الاحتياط في ذلك ولكن مع العدالة يكون أبلغ ، فلذلك كانت العدالة هنا تستحب اعتبارها.

وأما المستغنى عنه لعدم ظهور اعتبار الحاجة إليه فكالإقرار ، لأن قضية الطبع حفظ النفس والمال عن الإتلاف فلا يقر بما يضره.

ومن اعتبر عدالة المقر في المرض فلأن المال قد صار في قوة ملك الغير فصار الإقرار كالشهادة التي يعتبر فيها العدالة في محل الضرورة.

وأما المستغنى عنه لقيام غيره مقامه التوكيل (٢) والإيداع إذا صدرا من المالك فإنه يجوز توكيل الفاسق وإيداعه إذا وثق به ، إذ طبع المالك يردعه عن إتلاف

__________________

(١) كنوز الحقائق : ٩٦ ، عن ابن ماجه. وفيه : الإمام ضامن فإن أحسن فله ولهم وإن أساء فعليه لا عليهم.

(٢) في هامش ك : فكالتوكيل.

١٦١

ما له فيكفي ظنه في جوازهما ، فلو كان المالك سفيها قاصر النظر لم يجز له التصرف.

وإن كان المودع غير المالك لضرورة اعتبر في الودعي العدالة ، لوجوب الاحتياط عليه في مال غيره بالوادع (١) الشرعي. وكذا التوكيل فيما يحتاج إلى الأمانة ، كإمساك السلعة والتصرف فيها ، أما في مجرد العقد فلا.

قاعدة :

يجوز الاعتماد على القرائن في مواضع ، وهذه مأخوذة من إفادة الخبر المحتف بالقرائن العلم إما بمجرد القرينة أو بها وبالإخبار.

ولكن معظم هذه المواضع فيها ظن غالب لا غير ، كالقبول من المميز في الهدية وفتح الباب واللوث وجواز أكل الضيف بتقديم الطعام من غير إذن والتصرف في الهدية من غير لفظ والشهادة بالإعسار عند صبره على الجوع والعرى في الخلوة وشبهه.

قاعدة :

عمد الصبي في الدماء خطأ مع نص الأصحاب على حل ذبيحته واصطياده ، مع أن ذينك مشروطان بالقصد فكيف اعتبر القصد هنا ولم يعتبر في الدماء؟

وقد بنى الشيخ مباشرته لمحظور الإحرام على أن عمده عمد أو خطأ ، وأجمعنا على أنه لو تعمد الكلام في الصلاة والإفطار في الصوم لبطلا.

ويترتب على ذلك تحريم المصاهرة بوطئه إما مع عقد أو شبهه أو إيقاب

__________________

(١) في ك : بالوازع.

١٦٢

ذكر ، والمجنون أبعد في اعتبار عمده.

واعتبر بعض الأصحاب في الزنا محصن أو غير محصن.

قاعدة :

كلما كان هناك دليل على وجوب جزئي معين في الماهية الكلية اتبع ولو قلنا بأن المطلق لا يتناول الجزئي المعين ، لوجوب إخراج الزكاة عند الحلول من الخمس ، وكالبيع بثمن المثل نقدا بنقد البلد.

ويقرب من هذه القاعدة أن الإذن في الشي‌ء إذن في لوازمه ، كالتوكيل في التصرفات التي لا يضبطها اليد الواحدة ، فيوكل في الزائد عن الممكن له ، وكالإذن في أداء الدين فإن من لوازمه إثباته.

قاعدة :

النهي في غير العبادات قد يقتضي الفساد ، بأن يكون النهي عن الشي‌ء لعينه أو لوصفه اللازم. والأول كبيع الميتة والخمر ونكاح المحرمات ، والثاني كبيع الملامسة والمنابذة والحصاة والربا ونكاح الشغار.

ومنه عدم جواز ترخص العاصي بسفره ، كقاطع الطريق والآبق عن مولاه ، لأن تحريم السفر عليه لوصفه الذي أنشأه لأجله ، ففي إباحة الترخص له بالقصر وشبهه من رخص السفر إعانة له على عصيانه.

فإن قلت : ذبح الغاصب الشاة منهي عنها ، لوصف لازم ، وهو كونها ملك الغير مع وقوع الزكاة عليها.

قلت : الوجه اللازم هنا خارج عن الذبح ، إذ الذبح هنا يستوفي شرائطه

١٦٣

والشاة باقية على ملك مالكها. وهذا بخلاف النهي عن ذبح الذمي ، فإنه يحرم الذبيحة أو بالظفر والسن أو بغير الحديد مع إمكانه ، فإن هذا النهي يرجع إلى وصف لازم للذكاة من حيث هي ذكاة.

فائدة :

نهي الإنسان عن جرح نفسه وإتلافها ، ويكفي في التحريم عدم علم إباحة الجرح وإشكال جوازه ، فمن ثمَّ قيل : لا تختن الخنثى لأنه جرح مع الإشكال فلا يكون مباحا ، ووجه وجوبه عملا بصورة القلفة (١). ولا يجوز له حلق لحيته لجواز رجوليته ، ويجب عليه الستر في الصلاة كالمرأة ، فلو ترك احتمل عدم البطلان للشك في كونه امرأة.

ويحرم عليه النظر إلى النساء والرجال كما يحرم على القبيلتين النظر إليه ، وهو في الشهادة كالمرأة.

قاعدة :

الألف واللام يستعمل من معانيهما عند الفقهاء والأصوليين ثلاثة ، لأنه إما أن ينظر إلى متعلقهما من حيث هو هو وهو الحقيقة كقوله « اشتر الخبز واللحم » ولا يريد شيئا (٢) بعينه ، أو من حيث هو مستغرق تام لما يندرج تحته وهو الجنس ، أو من حيث هو خاص جزئي وهو العهد.

فمتى كان في الكلام معهود يمكن عود التعريف إليه تعين له ، وإن لم يكن

__________________

(١) القلفة الجلدة التي تقطع في الختان ، وجمعها قلف مثل غرفة وغرف.

(٢) في ص : ولا يقصد شيئا.

١٦٤

معهودا ولا قرينة عهدا فالأصل أنها لاستغراق الجنس ، لأن الأعم أكثر فائدة فالحمل عليه أولى ، فإن تعذر الجنس حمل على الحقيقة كقوله « لا آكل الخبز ولا أشرب الماء » ، ومنه قوله تعالى حكاية عن يعقوب على نبينا وآله وعليه‌السلام « وَأَخافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ » (١).

ومن قال اسم الجنس لا يعم قال لاشتباهه بتعريف الحقيقي.

ويرد على العامة إشكال في قولهم « الطلاق يلزمني » لم لا يقع الثلاث وإن لم ينوها ، لأن التعريف للجنس (٢) يقتضي العموم وتعميم جميع عدد الطلاق متعذر والجائز الثلاث (٣) فيحمل عليه.

أجاب بعضهم : بأن الأيمان تتبع المنقولات العرفية غالبا دون الأوضاع اللغوية ويقدم عليها عند التعارض ، وقد انتقل الكلام في الحلف بالطلاق إلى حقيقة الجنس دون استغراقه ، فلذلك كان الحالف لا يلزمه إلا الماهية المشتركة ، فلا يزاد على الواحدة.

ووجهه [ الحنفية ] (٤) فيه : بأنه لما امتنع حمله على جميع الجنس من أعداد الطلاق انصرف إلى تعريف حقيقة الجنس ، فكأنه قال : أنت طالق بعضها من الطلاق ، وذلك البعض مجهول والواحدة فيه متيقن ، فيصرف اللفظ إليه.

قاعدة :

الموالاة معتبرة في العقد ونحوه ، فهو مأخوذ من اعتبار الاتصال بين الاستثناء

__________________

(١) سورة يوسف : ١٣.

(٢) في ك : لأن التعريف الجنسي.

(٣) في ص : والحال الثلاث. في القواعد : والحمل على الثلاث ممكن وأجاب.

(٤) ليس « الحنفية » في ص. في القواعد : ووجهه أنه لما امتنع.

١٦٥

والمستثنى منه.

وقال بعض العامة : لا يضر قول الزوج بعد الإيجاب « الحمد لله والصلاة على رسوله قبلت النكاح ».

( ومنه ) الفورية في استتابة المرتد فيعتبر في الحال ، وقيل إلى ثلاثة أيام.

( ومنه ) السكوت في أثناء الأذان ، فإن كان كثيرا أبطله ، وكذا الكلام عند طول الفصل.

( ومنه ) السكوت الطويل في أثناء القراءة وقراءة غيرها خلالها ، وكذا التشهد.

( ومنه ) تحرم (١) المأمومين في الجمعة قبل الركوع ، فلو تعمدوا أو نسوا حتى ركع فلا جمعة. واعتبر بعض العامة تحرمهم معه قبل الفاتحة.

( ومنه ) الموالاة في التعريف بحيث لا ينسى لأنه تكرار والموالاة في سنة التعريف ، فلو رجع في أثناء المدة استؤنف (٢) ليتوالى الإنجاش (٣) ، وقيل يبنى.

__________________

(١) في ص : تحريم. وفيه : تحريمهم معه.

(٢) في ص : استأنف.

(٣) قال في حاشية القواعد : اضطربت النسخ في هذه العبارة ، ففي بعضها « الإيجاس » بالياء قبل الجيم والسين المهملة من الوجس ، فتخيل أنه من قبيل قوله تعالى « فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً » بمعنى أدرك ، والمعنى على هذا أن الاستيناف لأجل حصول التوالي في أدرك صاحب المال اللقيط.

وفي بعضها « الإيحاش » بالياء قبل الحاء المهملة والشين المعجمة ، وهو بمعنى البعد والتباعد من الناس وحشة. ولا يخفى عدم مناسبته للمقام.

وفي بعضها بالنون ثمَّ الجيم ثمَّ الشين المعجمتين ، وهو بمعنى إثارة الصيد ليدركه الرامي ، ولعل هذا المعنى أنسب من غيره فليتأمل.

١٦٦

فائدة :

الأحكام اللازمة باعتبار جماعة قد تكون موزعة على رءوسهم وقد تكون موزعة باعتبار تعلقهم ، وكذا الحكم المعلق على عدد قد يوزع على ذلك العدد وقد يوزع على صنف ذلك العدد ، ولا ضابط لذلك هنا يشمل الجميع.

نعم قد يشترط بعضها في ذلك فكانت قاعدة في الجملة ، كالشفعاء والمتقاسمون يكون أنصباء والمؤن تابعة إما للرءوس أو للانصباء ، وهو قوي.

وأقوى في الشفعة ما إذا أورث جماعة شقصا من واحد ، لأنهم يأخذون لمورثهم ثمَّ يتلقونه لأنفهسم.

ويحتمل أن يقال : يأخذون لأنفسهم ، لأن الميت لا يملك شيئا. ويضعف بأنهم يمنعون حينئذ لتأخر ملكهم عن الشراء إذا ملكهم بالإرث المتأخر عن الشراء.

ولا يحمل على حدهم القذف حيث هو ملكهم بالسوية ، لأن الحدود على غير مجاري المعاملات ، فالشركاء في عبد إذا أعتق جماعة منهم يقوم حصص الرق بينهم بالسوية ـ قاله بعض الأصحاب. ويحتمل على الحصص.

ولو استأجر دابة لقدر فزاد فتلفت ففي كيفية ضمانها الوجهان ، وكذا لو زاد الجلاد أو ضرب جماعة واحدا ضربا متفاوتا في العدد فمات أو جرحوا. والمشهور بين الأصحاب التساوي هنا ولا اعتبار بعدد الضربات والجراحات. ويمكن الفرق بأن السياط مضبوطة باعتبار وقوعها على ظاهر البدن والجراحة غير مضبوطة لأنها ذات غور ونكاية في الباطن لا يعلم قدره.

قلت : الفرق ضعيف ، إذ السياط أيضا يمكن اعتبار تأثيرها في النكاية باعتبار قوة وقوعها على البدن وتأثر اللحم والفصل عنها ، فإذن لا فرق.

١٦٧

القطب الثاني

وفيه مقاصد :

المقصد الأول

( في العبادات )

وفيه مرصدان :

الأول ـ في العبادة بقول مطلق

واعلم أن كل حكم شرعي الغرض الأهم منه الآخرة إما لجلب نفع أو دفع ضرر يسمى عبادة أو كفارة.

ثمَّ العبادة تنتظم ما عدا المباح ، فتوصف العبادة بالوجوب والتحريم والاستحباب والكراهة ، كالصلاة المنقسمة إلى الواجبة والمستحبة والمحرمة والمكروهة ، فالأوليان ظاهرتان ، وأما الثالثة فكصلاة الحائض وأما الرابعة فكالصلاة في الأماكن المكروهة والأوقات المكروهة. وكذا الصوم ينقسم إلى الأربع كرمضان

١٦٨

وشعبان مثلا والعيد والنافلة سفرا.

ثمَّ إن النسبة بين العبادة والكفارة العموم المطلق ، فكل كفارة عبادة ولا ينعكس.

وما ورد من أن الصلوات الخمس كفارة لما بينهن ، وأن غسل الجمعة كفارة من الجمعة إلى الجمعة ، وأن الحج والعمرة ينفيان الذنوب (١) ، وأن العمرة كفارة لكل ذنب. لا ينافي ذلك ، فإن الصوم (٢) والحج يقعان ممن لا ذنب له كالمعصوم ، بل الكلام خرج مخرج الأغلب ، أو التسمية مجاز تسمية الشي‌ء بما يتعقبه ، فإن كثرة الثواب يستتبع التفضل لعدم المؤاخذة بالذنب.

وهنا قواعد :

الأولى ـ في النية

وفيها فوائد :

( الأولى ) أنه يعتبر فيها القربة ، ودل عليه الكتاب والسنة ، أما الكتاب فقوله تعالى « وَما أُمِرُوا إِلّا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ » (٣) أي وما أمر أهل الكتابين بما فيهما إلا لأجل أن يعبدوا الله على هذه الصفة ، فيجب علينا ذلك لقوله تعالى « وَذلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ » (٣).

وقال تعالى « وَما لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزى. إِلَّا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلى » (٤)

__________________

(١) راجع التهذيب ٥ / ٢١ ، ٢٢.

(٢) في ص وهامش ك : فإن الصلاة.

(٣) سورة البينة : ٥.

(٤) سورة الأعلى : ١٩ ـ ٢٠.

١٦٩

أي لا يؤتى ماله إلا ابتغاء وجه ربه ، إذ هو منصوب على الاستثناء المنفصل ، وكلاهما يعطيان أن ذلك يعتبر في العبادة ، لأنه تعالى مدح فاعله عليه.

وأما السنة فقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله عن الحديث القدسي من عمل لي عملا أشرك فيه غيري تركته لشريكي.

( الثانية ) معنى الإخلاص فعل الطاعة خالصة لله وحده ، وهنا غايات ثمان :

١ ـ الرياء ، ولا ريب أنه مخل بالإخلاص ، ويتحقق الرياء بقصد مدح المرائي أو الانتفاع به أو دفع ضرره.

فإن قلت : فما تقول في العبادة المشوبة بالتقية. قلت : أصل العبادة واقع على وجه الإخلاص ، وما فعل منها تقية فإن له اعتبارين بالنظر إلى أصله وهو قربة وبالنظر إلى ما طرأ من استدفاع الضرر وهو لازم لذلك فلا يقدح في اعتباره. أما لو فرض إحداثه صلاة [ مثلا ] تقية فإنها من باب الرياء.

٢ ـ قصد الثواب أو الخلاص من العقاب أو قصدهما معا.

٣ ـ فعلها شكرا لنعم الله تعالى واستجلابا لمزيده.

٤ ـ فعلها حياء من الله تعالى.

٥ ـ فعلها حبا لله تعالى.

٦ ـ فعلها تعظيما لله ومهابة وانقيادا وإجابة.

٧ ـ فعلها موافقة لإرادته وطاعة لأمره.

٨ ـ فعلها لكونه أهل للعبادة. وهذه الغاية مجمع على كون العبادة تقع بها معتبرة ، وهي أكمل مراتب الإخلاص ، وإليه أشار الإمام الحق أمير المؤمنين عليه‌السلام بقوله ما عبدتك طمعا في جنتك ولا خوفا من نارك ولكن وجدتك أهلا للعبادة فعبدتك (١).

__________________

(١) البحار ٧٠ / ١٨٦.

١٧٠

وأما غاية الثواب والعقاب فقد قطع الأصحاب بكون العبادة تفسد (١) بقصدهما ، وكذا ينبغي أن يكون غاية الحياء والشكر وباقي الغايات [ الظاهر ] أن قصدها مجز ، لأن الغرض بها الله في الجملة.

ولا يقدح كون تلك الغايات باعثة على العبادة ـ أعني الطمع والرجاء والشكر والحياء ـ لأن الكتاب والسنة مشتملة على المرهبات من الحدود والتعزيرات والذم والإيعاد بالعقوبات ، وعلى المرغبات من المدح والثناء في العاجل والجنة ونعيمها في الأجل.

وأما الحياء فغرض مقصود ، وقد جاء في الخبر عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم استحيوا من الله حق الحياء (٢) ، أعبد الله كأنك تراه فإن لم تك تراه فإنه يراك (٣). فإنه إذا تخيل الرؤية انبعث على الحياء والتعظيم والمهابة.

وعن أمير المؤمنين صلوات الله عليه وقد قال له ذعلب اليماني ـ بالذال المعجمة المكسورة والعين المهملة الساكنة واللام المكسورة ـ هل رأيت ربك يا أمير المؤمنين؟ فقال عليه‌السلام : أفأعبد ما لا أرى. فقال : وكيف تراه؟ فقال لا تدركه العيون بمشاهدة العيان ولكن تدركه القلوب بحقائق الإيمان ، قريب من الأشياء من غير ملامس ، بعيد منها غير مباين ، متكلم بلا رؤية ، مريد لا بهمة (٤)

__________________

(١) في ص : فقد جزم الأصحاب بكون العبادة فاسدة.

(٢) الأمالي : ٣٦٦ ، البحار ٧١ / ٣٣٣. تمام الحديث قالوا وما نفعل يا رسول الله؟ قال : فإن كنتم فاعلين فلا يبيتن أحدكم إلا وأجله بين عينيه ، وليحفظ الرأس وما حوى والبطن وما وعى وليذكر القبر والبلى ، ومن أراد الآخرة فليدع زينة الحياة الدنيا.

(٣) روضة المتقين ١٣ / ١٣ وفيه قيل : يا رسول الله ما الإحسان؟ قال : أن تعبد الله كأنك تراه ـ إلخ.

(٤) في ص : مريد بلا همة.

١٧١

صانع لا بجارحة ، لطيف لا يوصف بالخفاء [ كبير لا يوصف بالجفاء ] (١) بصير لا يوصف بالحاسة رحيم لا يوصف بالرقة ، تعنو (٢) الوجوه لعظمته وتجل (٣) القلوب من مخافته (٤).

وقد اشتمل هذا الكلام الشريف على أصول صفات الجلال والإكرام التي عليها مدار علم الكلام ، وأفاد أن العبادة تابعة للرؤية وتفسير معنى الرؤية ، وأفاد الإشارة إلى أن قصد التعظيم بالعبادة حسن وإن لم يكن تمام الغاية ، وكذلك الخوف منه تعالى.

( الثالثة ) لما كان الركن الأعظم في النية هو الإخلاص وكان انضمام تلك الأربعة غير قادح فيه ، فخليق أن يذكر ضمائم أخر ، وهي أقسام :

١ ـ ما يكون منافيا له كضم الرياء ، وتوصف بسببه العبادة بالبطلان ، بمعنى عدم استحقاق الثواب. وهل يقع مجزيا بمعنى سقوط التعبد به والخلاص من العقاب؟ الأصح أنه لا يقع مجزيا ، ولم أعلم فيه خلافا إلا من السيد الإمام المرتضى قدس الله لطيفه ، فإن ظاهره الحكم بالإجزاء في العبادة المنوي بها الرياء.

٢ ـ ما يكون من الضمائم لازما للفعل ، كضم التبرد والتسخن أو التنظيف إلى نية القربة. وفيه وجهان ينظران إلى عدم تحقق معنى الإخلاص فلا يكون الفعل مجزيا وإلى أنه حاصل لا محالة ، فنيته كتحصيل الحاصل الذي لا فائدة فيه.

__________________

(١) ما بين القوسين ليس في ص.

(٢) عنا عنوا من باب قعد : خضع وذل.

(٣) وجل يجل : خاف. في شرح النهج لابن أبي الحديد « وتجب القلوب » أي تخفق وأصله من وجب الحائط : سقط.

(٤) شرح النهج لابن أبي الحديد ١٠ / ٦٤ ، توحيد الصدوق : ٣٠٤ مع اختلاف بينهما.

١٧٢

وهذا الوجه ظاهر أكثر الأصحاب ، والأول أشبه ولا يلزم من حصوله نية حصوله.

ويحتمل أن يقال : إن كان الباعث الأصلي هو القربة ثمَّ طرأ التبرد عند الابتداء في الفعل لم يضر ، وإن كان الباعث الأصلي هو التبرد فلما أراد ضم القربة لم يجز. وكذا إن كان الباعث مجموع الأمرين ، لأنه لا أولوية فتدافعا فتساقطا ، فكأنه غير ناو.

ومن هذا الباب ضم نية الحمية إلى القربة في الصوم ، وضم ملازمة الغريم إلى القربة في الطواف والسعي والوقوف بالمشعرين.

٣ ـ ضم ما ليس بمناف ولا لازم ، كما لو ضم إرادة دخول السوق مع نية التقرب في الطهارة ، أو إرادة الأكل ولم يرد بذلك (١) الكون على طهارة في هذه الأشياء ، فإنه لو أراد الكون على طهارة كان مؤكدا غير مناف ، وهذه الأشياء وإن لم يستحب لها الطهارة بخصوصياتها إلا أنها داخلة فيما يستحب لعمومه.

وفي هذه الضميمة وجهان مرتبان على القسم الثاني وأولى بالبطلان ، لأن ذلك تشاغل عما يحتاج إليه بما لا يحتاج إليه.

( الرابعة ) (٢) يجب في النية التعرض لمشخصات الفعل من غيره ، فتجب نية جنس الفعل ثمَّ فصوله وخواصه المميزة التي لا يشاركه فيها غيره ، كالوجوب والندب والرفع والاستباحة في الطهارة حيث يمكن أو الاستباحة وحدها حيث لا يمكن ، فلو ضم نية الواجب والندب في فعل واحد ـ كما لو نوى بغسل الجنابة والجمعة بطل لتنافي الوجهين. ويحتمل الإجزاء ، لأن نية الوجوب هي المقصودة

__________________

(١) كذا في القواعد ، وفي ص : إلا الكون.

(٢) الفائدة الرابعة.

١٧٣

فتلغى نية الندب أو نقول : يقعان له ، فإن غاية غسل الجنابة رفع الحدث وغاية غسل الجمعة النظافة ، فهو كضم التبرد إلى التقرب.

ومن هذا الباب لو جمع في الصلاة على الجنازة الوجوب والندب إذا اجتمع من تجب عليه الصلاة ومن لا تجب ، ولو اقتصر على نية الوجوب أجزأ في الموضعين.

ويجوز اجتماع نية الندب مع الواجب في مواضع :

( منها ) نية الصلاة ، فإنها تشتمل على الواجب منها والمستحب ، ولا يجب التعرض لنية المستحب لخصوصيته ولا إلى نية فعل الواجب لوجوبه والندب لندبه وإن كان ذلك هو المقصود ، لأن المندوب في حكم التابع للوجوب ، ونية المتبوع تغني عن نية التابع.

( ومنها ) إذا صلى الفريضة في جماعة ، فإنه ينوي الوجوب في الصلاة من حيث هي صلاة وينوي الندب في الصلاة من حيث هي جماعة ، سواء كان إماما أو مأموما ، وإن كان قد اختلف في استحباب نية الإمام للإمامة.

( ومنها ) إذا أدرك المأموم بتكبيرة الركوع مع الإمام فكبر ناويا للركوع والإحرام ، فقد حكم الشيخ بالإجزاء ، وهو مروي.

( الخامسة ) لو اجتمع أسباب الوجوب في مادة واحدة ـ كما لو نذر الصلاة اليومية وقلنا بالانعقاد كما هو مذهب المتأخرين وكذا لو نذر الصوم الواجب أو الحج الواجب أو استؤجر للصلاة الواجبة عن الغير أو صلى عن أبيه بالتحمل ـ ففي هذه الصور يكفي نية الوجوب ولا يجب التعرض للخصوصيات ، لأن الغرض إبراز الفعل على وجهه وقد حصل. ولا حاجة إلى أن ينوي النائب لوجوبه علي وعليه يعني المنوب ، لأن الوجوب عليه إنما هو الوجوب عن المنوب صار متحملا له.

١٧٤

ولو اشتمل النذر على هيئة زائدة فإن كانت زمانا ـ كما لو نذر الصلاة في أول وقتها أو أداء الزكاة عند رأس الحول أو قضاء شهر رمضان في رجب ـ أمكن أن يجب التعرض لنية تعينه في ذلك الزمان ، لأنه أمر لم يجب بالسبب الأول. والأقرب عدم الوجوب ، لأن الوجوب الأصلي صار متشخصا بذلك المشخص (١) الزماني ، فنيته منصبة عليه.

وإن كانت هيئة زائدة ـ كما لو نذر قراءة سورة معينة في الصلاة ـ ففي التعرض لها وجهان ، والأقرب عدم الوجوب.

ولو نذر قراءة القرآن في صومه فهما أمران متغايران يجب أن يفرد لكل منهما نية.

( السادسة ) الأصل أن كلا من الواجب والندب لا يجزي عن صاحبه ، لتغاير الجهتين. وقد يتخلف (٢) هذا الأصل في مواضع ، منها إجزاء الواجب عن الندب في صلاة الاحتياط الذي يظهر الغناء عنها ، وكذا لو صام يوما بنية القضاء عن رمضان فتبين (٣) أنه كان قد صامه فإنه يستحق على ذلك ثواب الندب.

وأما إجزاء الندب عن الواجب ففي مواضع :

( منها ) صوم يوم الشك.

( ومنها ) صدقة الحاج بالتمر ما دام الاشتباه باقيا ، فلو ظهر أن عليه واجبا فالظاهر الإجزاء عنه إذا كان من جنس المؤدى ، كما يجزي الصوم عن رمضان لو ظهر أنه منه.

__________________

(١) في ص والقواعد : بذلك الشخص.

(٢) في ص والقواعد : وقد يختلف.

(٣) في ص : فتيقن.

١٧٥

( ومنها ) الوضوء المجدد لو بان أنه محدث ، ففيه الوجهان ، والإجزاء أقوى.

( ومنها ) لو جلس للاستراحة فلما قام تبين أنه نسي سجدة ، فالأقرب قيامها مقام جلسة الفصل ، فيجب السجود ولا يجب الجلوس قبله.

( ومنها ) هذه الجلسة لو قام عقيبها إلى الخامسة سهوا وأتى بها وكانت بقدر التشهد. فإن الظاهر إجزاؤه عن جلسة التشهد وصحة الصلاة بسبق (١) نية الصلاة المشتملة عليها. بخلاف من توضأ احتياطا ندبا فظهر الحدث ، فإن النية هنا لم تشتمل على الواجب في نفس الأمر.

ولو جلس بنية التشهد ثمَّ ذكر ترك سجدة أجزأت هذه الجلسة عن جلسة الفصل قطعا ، لأن التغاير هنا في القصد إلى تعيين الواجب لا بالوجوب والندب.

( ومنها ) لو أغفل (٢) لمعة في الغسلة الأولى فغسلها في الثانية بنية الاستحباب وفيها وجهان من حيث مخالفة الوجه ومن اشتمال نية الوضوء عليها.

( ومنها ) لو نوى الفريضة فظن أنه في نافلة فأتى بالأفعال ناويا للندب أو ببعضها فإن الأصح الإجزاء للرواية ، وقد أوضحناه في الذكرى.

أما لو ظن أنه سلم فنوى فريضة أخرى ثمَّ ذكره نقض الأولى ، فالمروي عن صاحب الأمر صلوات الله عليه وعلى آبائه الإجزاء عن الفريضة الأولى. والسر فيه أن صحة التحريم بالثانية موقوف على التسليم من الأولى في موضعه أو الخروج منها ولم يحصلا ، فجرى التحريم مجرى الأذكار المطلقة التي لا تخل بصحة الصلاة. ونية الوجوب في الثانية لغو لعدم مصادفته محلا. وحينئذ هل يجب نية العدول في الأولى؟ الأقرب عدمه ، لعدم انعقاد الثانية ، فهو بعد في الأولى.

__________________

(١) في ص والقواعد : لسبق.

(٢) أي لو ترك غسل لمعة من العضو.

١٧٦

نعم يجب القصد إلى أنه في الأولى من حين الذكر.

( السابعة ) يجب الجزم في مشخصات النية من التعيين والأداء والقضاء والوجوب أو الندب مع إمكانه ، ولا يجزي الترديد حيث يمكن الجزم ، لأن القصد إلى الفعل إنما يتحقق مع الجزم ، وقد جاء الترديد في مواضع :

( منها ) الصلاة المنسية المشتبهة بين الثلاث الرباعيات أو المشتبهة في الأداء والقضاء.

( ومنها ) الزكاة المترددة بين الوجوب والندب على تقديري بقاء المال وعدم بقائه.

( ومنها ) نية الصوم آخر شعبان المرددة بين الوجوب أو الندب ، فإنه غير واجب هنا وإن وجب في الأولين. ولو فعل ففي إجزائه نظر أقربه الإجزاء ، لمصادفته الواقع.

ولو ردد ليلة الشك في العيد بين الصوم وعدمه ففيه الوجهان. وأولى بالمنع لأنه تردد لا في محل الحاجة ، إذ يجب عليه الصوم من غير تردد.

( ومنها ) لو شك في تعيين الطواف المنسي ، فإنه تردد. ولو شك في تعيين النسك المنذور من التمتع أو القران أو الإفراد أو العمرة المفردة أو عمرة التمتع ، فإن التردد يجزي في الأول. وفي إجزائه عن العمرتين تردد من حيث اختلافهما في الأفعال وترتب الحج على إحداهما دون الأخرى.

وليس الصلاة في الثياب المتعددة عند الاشتباه بالنجاسة أو الطهارة بالماء المطلق والمضاف عند اشتباههما من هذا القبيل ، لأن الجمع هنا واجب لأنه من باب ما لا يتم الواجب إلا به.

( ومنها ) لو نسي تعيين الكفارة مع علمه بوجوبها ، فإنه تردد بين الأقسام المحتملة ، أما لو نوى الوجوب مع ظهور أمارة فإن فيه صورا :

( منها ) لو شهد عدل أو جماعة من الفساق أو النساء برؤية الهلال فنوى

١٧٧

الوجوب فصادف ، ففي الإجزاء وجهان ، وظاهر الأكثر عدمه.

( ومنها ) لو توهمت الحائض انقطاع الدم فنوت فصادف انقطاعه ، أو كان سائلا فنوت ثمَّ انقطع قبل الفجر ، ففي الإجزاء الوجهان. ويقوى الإجزاء عند قوة الأمارة ، ككونه عند رأس عادتها أو قريبا منها.

( ومنها ) لو ظن المسافر القدوم عادة قبل الزوال فنوى ليلا ، ففي إجزائه لو وافق الوجهان. وكذا الجنب لو نوى بعد الجنابة ثمَّ اغتسل.

( ومنها ) لو نذر يوم قدوم زيد فظنه في الغد فنوى ليلا ، ففي وجوب الصوم هنا وجهان. وكذا في إجزاء هذه النية إن قلنا بالوجوب.

( ومنها ) لو ظن دخول الوقت فتطهر بنية الوجوب فظهر مطابقته ، فإن كان لا يمكنه العلم أجزأ قولا واحدا ، وإن كان متمكنا من العلم ففيه الوجهان.

( ومنها ) لو ظن ضيق الوقت فتيمم فرضا ، فإن صادف التضييق أجزأ ، وإن صادف السعة أجزأ مع عدم التمكن من العلم ، ومع التمكن الوجهان.

وكذا لو ظن ضيق الوقت إلا عن العصر فصلاها ثمَّ تبين السعة ، فالأقرب الإجزاء إذا وقعت في المشترك بينها وبين الظهر أو دخل المشترك وهو فيها. ولو دخل المختص بالعصر وهو فيها ففيه الوجهان.

ولو وقعت العصر في الأربع المختصة بالظهر بحيث يكون قد بقي بعد العصر مقدار أربع ركعات لا أزيد ، فالأقرب أنها لا تجزي ويعيد العصر الآن ويقضي الظهر. ويحتمل الإجزاء إما بناء على اشتراك الوقتين دائما وإما لتعارضهما (١) ، فكأن العصر قد اقترضت من الظهر وقتها وعوضتها بوقت نفسها. وهو ضعيف وإلا لكان يقوى (٢) في الظهر الأداء في هذه الأربع ، وظاهرهم عدمه ،

__________________

(١) في هامش ك : لتقارضهما. وفي القواعد : لتعاوضهما.

(٢) في القواعد وهامش ك : ينوي.

١٧٨

وإنما ينوي القضاء لو قلنا بإجزاء العصر.

( ومنها ) لو ترك الطلب فتيمم ثمَّ ظهر عدم الماء.

( ومنها ) لو صلى إلى جهة فشك أنها القبلة فصادفت ، أو شك في دخول الوقت فصلى فصادف ، فالأقرب عدم الإجزاء إلا مع الظن حيث لا طريق إلى العلم.

( ومنها ) لو صلى خلف الخنثى فظهر أنه رجل. وفيه التفصيل المذكور.

( ومنها ) لو صلى على ميت شك أنه من أهل الصلاة فصادف ، أو تيمم للصلاة على الميت شاكا في تغسيله وقلنا لا يشرع التيمم قبل الغسل فصادف كونه قد غسل.

( ومنها ) إذا كان في مطمورة (١) فتحرى شهر رمضان صادف. وهنا قد نص الأصحاب على إجزائه ما لم يتقدم على شهر رمضان ، ولو أوجبنا الاجتهاد هنا فصام من غير اجتهاد فصادف ففيه الوجهان.

( ومنها ) لو صام من عليه كفارة مرتبة قبل علمه بعجزه عن العتق فصادف عجزه.

( ومنها ) إذا شك في دخول شوال فأحرم بالحج أو بعمرة التمتع فصادف دخول شوال.

( ومنها ) إذا أحرم بالعمرة المفردة ناسيا للتحلل من الإحرام بالحج أو أحرم بحج التمتع ناسيا للإحلال من العمرة فصادف التحلل.

( الثامنة ) تعتبر النية في جميع العبادات إذا أمكن فعلها على وجهين إلا النظر لوجوب معرفة الله تعالى فإنه عبادة ولا تعتبر فيه النية لعدم تحصيل المعرفة قبله ، ولا إرادة الطاعة ـ أعني ـ النية فإنها عبادة ولا تحتاج إلى نية وإلا تسلسل.

وما لا يمكن فيه اختلاف الوجه ـ كرد الوديعة وقضاء الدين ـ لا يحتاج إلى نية وإن احتاج في استحقاق الثواب إلى قصد التقرب إلى الله تعالى.

__________________

(١) المطمورة : حفرة تحفر تحت الأرض.

١٧٩

( التاسعة ) للنية غايتان : إحداهما التمييز ، والثانية استحقاق الثواب. وإن كان الفعل واجبا فإن يستفيد المكلف بالفعل الخلاص من الذم والعقاب وبالترك التعرض لاستحقاقهما. وهذه غاية ثالثة.

ثمَّ ينقسم الواجب إلى قسمين :

أحدهما ـ ما الغرض الأهم بروزه إلى الوجود كالجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وقضاء الدين وشكر المنعم ورد الوديعة ، وهذا القسم يكفي مجرد فعله عن الخلاص من تبعة الذم والعقاب ، ولا يستتبع الثواب إلا إذا أريد به التقرب إلى الله تعالى.

والثاني ـ ما الغرض الأهم منه تكميل النفس وارتفاع الدرجة في المعرفة والإقبال على الله تعالى واستحقاق الرضا من الله تعالى وتوابعه من المنافع الدنيوية والأخروية كالتعظيم في الدنيا والثواب في الآخرة ، وهذا القسم لا يقع مجزيا في نظر الشرع إلا بنية القربة.

( العاشرة ) يجب ترك المحرمات ويستحب ترك المكروهات ، ومع ذلك لا يجب فيه النية ، بمعنى أن الامتثال حاصل بدونها ، وإن كان استحقاق الثواب بالترك يتوقف على نية القربة.

وهذه التروك يمكن استناد عدم وجوب النية فيها إلى كونها لا تقع إلا على وجه واحد ، فإن الترك لا تعدد فيه.

ويمكن استناد عدم الوجوب إلى كون الغرض الأهم منها هجران هذه الأشياء ليستعد بواسطتها للعمل الصالح.

ومن هذا الباب الأفعال الجارية مجرى الترك ، كغسل النجاسة عن الثوب والبدن ، فإنه لما كان الغرض بها هجران النجاسة وإماطتها جرى مجرى الترك.

( الحادية عشر ) التميز الحاصل بالنية ـ بأن يكون لتمييز العبادة عن غير

١٨٠