نضد القواعد الفقهيّة على مذهب الاماميّة

جمال الدين مقداد بن عبد الله السيوري الحلّي

نضد القواعد الفقهيّة على مذهب الاماميّة

المؤلف:

جمال الدين مقداد بن عبد الله السيوري الحلّي


المحقق: السيد عبد اللطيف الحسيني الكوه‌كمري الخوئي
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي
المطبعة: مطبعة الخيام
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٦٢

بالخيار حق الفسق والإمضاء وهما راجعان إلى نفس العقد.

( ومنها ) بطلان تعليق الطلاق والظهار على النكاح وتعليق العتق على الملك ، لأن الصيغة المعلقة سبب لوقوع الطلاق عندهم والظهار عندنا ، ولا بد من كون المحل صالحا لاتصال (١) الصيغة به حتى يمكن تأخيره وقبل النكاح ليس صالحا.

قاعدة :

المانع ثلاثة أقسام :

أحدها ـ ما يكون مانعا ابتداء واستدامة كالمعصية في السفر وكالردة يمنع صحة النكاح ابتداء وتبطله استدامة إما في الحال كقبل الدخول أو كون الرجوع (٢) عن فطرة أو بعد انقضاء العدة في غيرهما. والرضاع كذلك وفي الزنا ووطء الشبهة خلاف. ومنه أن الملك يمنع من العقد ، ولو طرأ بعد النكاح أبطله. وفي منع الكر من النجاسة استدامة كالابتداء قولان يعبر عنهما بإتمام النجس كرا ، ونية القينة في العين (٣) والجنون في الرجل ابتداء يمنع لزوم العقد ، وكذا يمنع استدامة النكاح.

الثاني ـ ما يكون مانعا ابتداء لا استدامة ، كالإحرام يمنع من ابتداء النكاح وطريانه لا يبطله ، والإسلام يمنع من ابتداء السبي ولا يمنع استدامته ، والتمكن واستعمال الماء مانع من ابتداء الصلاة ولا يبطل استدامتها في الأصح ، والدين لا يصح ابتداء الرهن فيه ويصح الاستدامة ، كما لو أتلف متلف الرهن فعوضه رهن وقد صار دينا لأنه ثبت في ذمة المتلف.

__________________

(١) في ص : لاتصال.

(٢) في ص والقواعد : أو كون الزوج.

(٣) في ص : ومنه القينة. وفي القواعد : ومنه العنة في العنين.

١٤١

ولو سبي الذمي لم يحكم بالإسلام المسبي ، ولو طرأ تملك ما سباه المسلم لم يخرج عن حكم الإسلام وكذا ما عدا العنة والجنة (١) من العيوب.

وعصف الريح يوجب الضمان لو كان ابتداء لا استدامة ، والإسلام يمنع ملك الذمي إياه ولو طرأ الإسلام لم يزل ملك الذمي ، والارتداد يمنع من ابتداء الإحرام وفي منعه استدامة وجه ضعيف ، فلو أسلم بعد الردة نفي (٢) على الأقوى كالمعصية في السفر. والمأخذ أن المؤمن لا يكفر ، وقد بين (٣) فساده في الكلام ، ولو سلم لم يكن مما نحن فيه ، لأن ذلك يكشف عن سبق الكفر.

والإحرام يمنع التوكيل في [ النكاح ، ولو كان له وكيل لم ينعزل إلا أنه لا يباشر إلا بعد تحلل الموكل. ولا فرق بين الحاكم وغيره في أن إحرامه يمنع من ] (٤) عقد النكاح ، وهل يمنع إحرامه [ نوابه ] (٥) المحلين من عقد النكاح؟ نظر. والإمام الأعظم أقوى في عدم المنع ، لأدائه إلى تعطيل حكام الأرض من التصرف.

والعدد في الجمعة شرط في الابتداء لا الدوام.

ولو جنى المرهون على سيده الراهن خطأ لم يثبت له الفك ، ولو جنى على مورث السيد فالأقرب أن له الفك ، لأن الفك وقع أولا للمورث.

الثالث ـ ما يكون مانعا استدامة لا ابتداء ، كابتداء الرهن ، فإن أمانته (٦) ترفع ضمان الغاصب على احتمال ، مع أنه لو تعدى في الاستدامة ضمن.

__________________

(١) في ك : والجبب. وفي هامشه : والجب.

(٢) في ك : بني. وفي هامشه : فهي.

(٣) في ك : وقد ثبت.

(٤) ليس ما بين القوسين في ك.

(٥) في القواعد : نيابة المحلين.

(٦) في ك : فإن إثباته. وفي هامشه : فإنه أمانة.

١٤٢

فائدة :

من فروع المجاز أن المشرف على الزوال هل له حكم الزائل أو حكم نفسه؟ ويترتب عليه دخول المكاتب في عتق عبده (١) إذا كان مطلقا أو مشروطا ، ولو أدى المطلق اتجه الكلام في الباقي (٢).

وكذا إقامة الحد عليه هل هي للسيد أو الحاكم ، وجواز وطء المشتري الجارية بعد التنازع (٣) في الثمن قبل التحالف ، وتغريم الغاصب المثل إذا بل الحنطة وتمكن فيها العفن (٤) بحيث لا يرجى عودها ، وكذا لو جعل منها هريسة أو غصب تمرا ودقيقا وسمنا واتخذ منه عصيدة ، فإن مصيرة الهلاك لمن لا يريده.

وبيع العبد الجاني بما يوجب القصاص في النفس ، وبيع المرتد وخصوصا عن فطرة ، ورهن ما يسارع إليه الفساد قبل الأجل ولم يشترط بيعه ورهن ثمنه. والحجر لظهور أمارة الفلس كأن يكون الديون مساوية لماله إلا أن كسبه لا يفي لمئونته ، فإنه مشرف على قصور ماله عن ديونه. وينعكس فيما لو كان أمواله أقل إلا أن كسبه يزيد على مئونته فهو مشرف على الغنى.

فائدة :

من المبني على أن ما لا يتم الواجب إلا به واجب : وجوب غسل الثوب كله عند اشتباه النجاسة في أجزائه ، وغسل الثياب المحصورة عند اشتباه النجس منها ، ووجوب إعادة ثلاث صلوات أو خمس عند اشتباه الفائتة ،

__________________

(١) في ص : عبيده.

(٢) في ص وهامش ك : في الثاني.

(٣) في ص : بعد النزاع.

(٤) في ص : العين.

١٤٣

ووجوب أجرة الكيال والوزان على البائع في المبيع وعلى المشتري في الثمن ، ووجوب الإكاف (١) والحزام والزمام والقتب على المؤجر.

فائدة :

روى ابن عباس رضي‌الله‌عنهما عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال إن الله تجاوز لي عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه (٢). رواه ابن ماجه والدار قطني بإسناد حسن وصححه الحاكم في المستدرك ، ورويناه نحن عن أهل البيت عليهم‌السلام (٣).

وفي حكم الخطأ الجهل ، ولا بد فيه من تقدير ، ويعبر عنه بالمقتضي إما حكم أو إثم أو لازم أو الجميع على خلاف الأصوليين.

وعن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لعن الله اليهود حرمت عليهم الشحوم فباعوها وأكلوا أثمانها (٤). رواه مسلم. وفيه دلالة على إضمار جميع التصرفات المتعلقة بالشحوم في التحريم وإلا لما توجه الذم على البيع.

وقد وقع في الأحكام ارتفاع الحكم ، كمن نسي صلاة الجمعة ، أو تكلم في الصلاة ناسيا ، أو فعل المفطر في الصوم المتعين ناسيا ، أو أخطأ فصلى بغير طهارة صحيحة ، أو ظن طهارة الماء فتطهر ، أو أكره على أخذ مال الغير. وورد فيها ارتفاع الإثم ، كمن نسي صلاة الظهر ، أو ظن جهة القبلة فأخطأ فإنه لا يرتفع

__________________

(١) الإكاف للحمار معروف ويقال بالفارسية : پالان.

(٢) الجامع الصغير : ٦٨ نقلا عن ابن ماجه والطبراني وغيرهما.

(٣) الخصال : ٢ / ١٨٤.

(٤) كنوز الحقائق : ٦٥ نقلا عن مسند أبي يعلى ومستدرك الحاكم. وأخرجه البخاري في الصحيح في « باب بيع الميتة والأصنام » من كتاب البيوع.

١٤٤

الحكم ، إذ يجب القضاء وإنما يرتفع المؤاخذة به والإثم عليه.

ووجوب التدارك هنا من أمر جديد كقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها (١).

وقد يقع النسيان والخطأ في المنهيات عنها لذواتها ، وهو ثلاثة أقسام :

فالأول ـ ما لا يتعلق بالغير ، كمن نسي فأكل طعاما نجسا أو جهل كون هذا خمرا فشربه. وهذا أيضا يرتفع فيه الحكم والإثم ، لأن الحد مثلا للزجر وذلك إنما يكون مع الذكر.

الثاني ـ ما يتعلق بالغير ، كمن أكل ما أودعه ناسيا (٢) أو مخطئا ، فالمرفوع هنا الإثم والمؤاخذة بالتعزير وإن كان عليه الضمان.

الثالث ـ ما يتعلق بحق الله وحق العباد كالقتل خطأ أو نسيانا أو الإفطار في الصوم المتعين. وهذا كالثاني فتجب الكفارة والدية.

وربما جعل هذا من باب خطاب الوضع ، كوجوب القيمة على النائم المتلف والصبي المجنون وإن لم يتصور فيهم تكليف. ومثله الوطء بالشبهة ويمين الناسي.

وفي حنث الجاهل نظر ، كما لو حلف على ترك شي‌ء في وقت معين ففعله جاهلا به ، والأقرب العدم للحديث.

ولو علق الظهار على فعل ففعله جاهلا فالإشكال أقوى في وقوع الظهار.

واتفق الأصحاب على أن الجاهل والناسي لا يعذران في قتل الصيد في الإحرام ولا في ترك شرط أو فعل من أفعال العبادة المأمور بها ، إلا ما ذكروه من الجهر والإخفات والقصر والتمام ، وبعضهم جعل ما هو من قبيل الإتلاف في

__________________

(١) كنوز الحقائق : ١٢١ نقلا عن ابن ماجه.

(٢) في ك : نسيانا.

١٤٥

محرمات الإحرام لاحقا بالصيد ، كحلق الشعر وقلم الظفر وقلع الحشيش والشجر في الحرم ، وقالوا يعذر المخطئ في دفع الزكاة إلى من ظهر غناه أو فسقه إذا اجتهد ، وفي بقاء الليل مع المراعاة فيظهر خلافه ، وفي دخول الليل فيكذب ظنه.

ومن ذلك الصلاة خلف من يظنه أهلا فبان غير ذلك. ويشكل في الجمعة ، لأن من شرط صحتها الإمام فينبغي البطلان لو ظهر عدم الأهلية. وكذا في العبد مع الوجوب.

ولو أخطأ جميع الحاج فوقفوا العاشر فالأقرب الإجزاء للمشقة العامة وكثرة وقوعه بخلاف الثامن لندور شهادة الزور مرتين في شهرين ، بخلاف ما إذا أخطأ شر ذمة قليلة فوقفوا العاشر ، فإن التفريط منهم حيث لم يبحثوا.

قاعدة :

الإكراه يسقط أثر التصرف إلا في مواضع :

الأول ـ إسلام الحربي والمرتد عن ملة والمرأة مطلقا إلا الذمي.

الثاني ـ الإرضاع ينشر الحرمة لارتباطه بصورة وصول اللبن إلى الجوف لا بالقصد.

الثالث ـ الإكراه على القتل.

الرابع ـ الإكراه على الحدث بالنسبة إلى الصلاة والطواف.

الخامس ـ طلاق المظاهر والمولى ، ومع الاشتباه بين الزوجين حيث حكمنا بصحة الإكراه.

السادس ـ بيع المال في الحقوق الواجبة ولا سبيل إلا به.

السابع ـ قبض الزكاة والخمس فإنه معتبر مع الإكراه.

١٤٦

الثامن ـ اختيار من أسلم على أكثر من النصاب لو أدى الأمر إلى إكراهه عليه.

التاسع ـ تولى الحد والقصاص لو لم يباشر أحد إلا بالإكراه.

واختلف في الإكراه على فعل المنافي في الصلاة عدا الحدث.

وفي تحقق الإكراه على زنا الرجل ، والأظهر تحققه ، لأن الانتشار طبيعي والإكراه إنما هو على الإيلاج وهو متصور.

قاعدة :

لا تكليف على الغافل ، لأنه في معنى النائم المرفوع عنه القلم ، ووجوب قضاء الصلاة على النائم والغافل والساهي بأمر جديد ، ولبعد وقوع ذلك هنا والأمر بالتحفظ من ذلك مع القدرة عليه غالبا.

وعليه يتخرج عدم وجوب سجود العزيمة على السامع مع دلالة صحيحة عبد الله بن سنان عن الصادق صلوات الله عليه ، وكذا باقي أسباب العقوبات إذا صدرت حال الغفلة إلا ما كان قبيل الإتلاف ( لمال الغير ) (١) أو البضع أو صيد الإحرام أو الحرم فإنه لا خلاف في عدم توجه الإثم وإن وجب الضمان.

قاعدة :

الأمر والنهي متعلقهما إما أن يكون معينا أو مطلقا ، والمعين إما أن تنجز أو لا.

والأول يشترط في الأمر الاستيعاب ، كمن حلف على الصدقة بعشرة فلا يكفي البعض. وفي النهي يكفي الانتهاء من البعض ، فلو حلف على أن لا يأكل رغيفا

__________________

(١) ليس « لمال الغير » في ص. وفيه « التضيع » بدل « البضع ».

١٤٧

أو علق الظهار به فلا بد من استيعابه في تحقق الحنث فلا يحنث بالبعض ، لأن الماهية المركبة تعدم بعدم جزء منها.

وقال بعض العامة : يحنث في النهي بمباشرة البعض ، فلو أكل بعض الرغيف المحلوف على تركه حنث ، لأنه إذا أكل منه شيئا فقد أخرجه عن مسمى الرغيف ، لأن الحقيقة المركبة تعدم بعدم أجزائها.

قلنا : توجه النهي إنما هو المجموع ، وأما ما لا يتجزأ فلا فرق بين الأمر والنهي ، كالقتل لو حلف على فعله أو تركه. وأما المطلق ففي الأمر يخرج عن العهدة بجزئي من جزئياته ، وفي النهي لا بد من الامتناع من جميع جزئياته ، فلو حلف على أكل رمان بر بواحدة ، ولو حلف على تركه لم يبر إلا بترك الجميع ، لأن المطلق في جانب النهي كالنكرة المنفية في العموم مثل « لا رجل عندنا ».

قاعدة :

النهي في العبادات مفسد وإن كان بوصف خارج ، كالطهارة بالماء المغصوب والصلاة في المكان المغصوب. وفي غيرها يفسد إذا كان عن نفس الماهية لا لأمر خارج ، فالبيع المشتمل على الربا فاسد لا يملك المساوي ولا الزائد ، والبيع وقت النداء صحيح ، لأن النهي في الأول لنفس ماهية البيع وفي الثاني لوصف خارج. وفي ذبح الأضحية والهدي بالآلة المغصوبة نظر.

فائدة :

مما يشبه الأمر الوارد بعد الحظر النظر إلى المخطوبة وهل هو مجرد الإباحة أم مستحب ، والإبراد في شدة الحر كذلك ، ورجوع المأموم إذا سبق الإمام

١٤٨

بركن ظاهر الأصحاب وجوبه ، وكقتل الأسودين الحية والعقرب في الصلاة قد ورد الأمر به مع أن الأفعال الكثيرة في الصلاة محرمة والقليلة مكروهة ، فهل هذا مع القلة مستحب أم مباح؟

قاعدة :

في العام والخاص حكم ما يتصرف من جميع في العموم حكم جميع كأجمع وجمعاء وأجمعين وتوابعها المشهورة كأكتع وأخواته ، و « سائر » شاملة (١) إما لجميع ما بقي أو للجميع على الإطلاق على اختلاف تفسيرها ، وكذا « معشر » و « معاشر » و « كافة » و « عامة » و « قاطبة » ومن الشرطية والاستفهامية ، وفي الموصولة خلاف.

وقال بعضهم : ما الزمانية للعموم وإن كانت حرفا مثل « إِلّا ما دُمْتَ عَلَيْهِ قائِماً » ، وكذا المصدرية إذا وصلت بفعل مستقبل مثل « يعجبني ما يصنع ».

و « أي » في شرط والاستفهام وإن اتصل بها ما مثل « أيما امرأة نكحت ».

ومتى وحيث وأين وكيف وإذا الشرطية إذا اتصلت بواحد منها ما ومهما وأنى وأيان.

وإذ ما إذا قلنا باسميتها كما قاله المبرد ، وعلى قول سيبويه بأنها حرف ليست من الباب.

قيل : وكم الاستفهامية.

وحكم اسم الجمع كالجمع كالناس والقوم والرهط ، والأسماء الموصولة كالذي والتي إذا كان تعريفها للجنس وتثنيتهما وجمعهما وأسماء الإشارة المجموعة

__________________

(١) صفة لسائر ، وتأنيث الضمير إما باعتبار تأنيثها معنى أو باعتبار تأنيث ما بمعناه ، كلفظة عامة وكافة.

١٤٩

مثل قوله تعالى : « أُولئِكَ هُمُ الْفائِزُونَ » (١) « ثُمَّ أَنْتُمْ هؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ » (٢) وكذا مثل « لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلّا أَحْصاها » (٣) و « فَلا تَدْعُ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ » ، (٤) وكذا الواقع في سياق الشرط مثل « لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ » بعد قوله « إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ » (٥).

وقال الجويني في البرهان : أحد للعموم في قوله « إِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ » (٦) وكذا قيل النكرة في سياق النفي الذي هو الإنكار مثل قوله « هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا » (٧) « هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ » (٨).

قيل : وإذا أكد الكلام بالأبد أو الدوام أو الاستمرار أو السرمد أو دهر الداهرين أو عوض أو قط في النفي أفاد العموم في الزمان ، وهو أن (٩) الإفادة لذلك.

قيل : وأسماء القبائل بالنسبة إلى القبيلة ، مثل ربيعة ومضر والأوس والخزرج وغسان ، وإن كان التسمية لأجل ماء معين.

__________________

(١) سورة التوبة : ٢٠ ، سورة النور : ٥٢.

(٢) سورة البقرة : ٨٥.

(٣) سورة الكهف : ٤٩.

(٤) سورة القصص : ٨٨.

(٥) سورة النساء : ١٧٦.

(٦) سورة التوبة : ٦

(٧) سورة مريم : ٦٥.

(٨) سورة مريم : ٩٨.

(٩) في ص : وهو بين الإفادة.

١٥٠

فائدة (١) :

اشتهر أن العام لا يستلزم الخاص المعين ، يعنون به في الأمر والخبر ، ومن ثمَّ قالوا إذا وكله في بيع شي‌ء فلا إشعار في اللفظ بثمن معين ، وإنما جاء التعيين من جهة العرف ، فإن العرف ثمن المثل لا الغبن ولا النقصان.

واعترض عليهم بأن مطلق الفعل أعم من المرة والمرات ووجوده يستلزم المرة قطعا ، لأن المرة إن وجدت فظاهر وإن وجدت المرات وجدت المرة بالضرورة. فالحاصل أن الحقيقة العامة تارة تقع في رتب مترتبة بالأقل والأكثر والجزء والكل ، وتارة تقع في رتب متبانية ، فالقسم الأول يستلزم فيه العام الخاص والقسم الثاني لا يستلزم كالحيوان. وحينئذ مسألة الوكالة يستلزم الأمر بالبيع بأقل ثمن يمكن الذي هو مطلق الثمن ، وهو لازم للعمل بمقتضى اللفظ ضرورة ، فاللفظ دال عليه بالالتزام.

فإن قيل : لا نسلم أن هذا من قبيل العام بل من قبيل الكل والجزء ، ولا ريب أن وجود الكل أو الجزء مستلزم لوجود الجزء ، فالأمر بالكل أمر بالجزء.

والجواب : أن الأقل مع الأكثر لهما ماهية كلية مشتركة بينهما ، وذلك معنى العموم ، كقولنا « تصدقت بمال » فإنه مشترك بين الأقل والأكثر ، فيكون أعم منهما أو يحمل على الأقل أو على الأكثر كما يحمل الحيوان على الإنسان والفرس.

فائدة (٢) :

قسم بعض الأصوليين ترك الاستفصال في حكاية الحال إلى أقسام :

__________________

(١) في ك : قاعدة.

(٢) في ك : قاعدة.

١٥١

( الأول ) أن يعلم اطلاع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله على خصوصية الواقعة ، فلا ريب أن حكمه لا يقتضي العموم في كل الأحوال.

( الثاني ) أن يثبت بطريق ما ( كيفية ) استفهام (١) كيفيتها ، وهي تنقسم إلى حالات يختلف بسببها الحكم ، فينزل إطلاقه الجواب عنها منزلة اللفظ الذي يعم تلك الأحوال كلها.

( الثالث ) أن يسأل عن الواقعة باعتبار دخولها الوجود لا باعتبار أنها وقعت ، فهذا أيضا يقتضي الاسترسال على جميع الأقسام التي ينقسم عليها ، إذ لو كان الحكم خاصا ببعضها استفصل ، كما فعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لما سئل عن بيع الرطب بالتمر : أينقص الرطب إذا يبس؟ قالوا : نعم. قال : فلا إذن.

( الرابع ) أن تكون الواقعة المسئول عنها قد وقعت في الوجود والسؤال عنها مطلق بالالتفات إلى العقد الوجودي لمنع القضاء على الأحوال كلها والالتفات إلى إطلاق السؤال ، وإرسال الحكم من غير تفصيل يقتضي استواء الأحوال في غرض المجيب ، فمن قال بالعموم لأجل ترك الاستفصال التفت إلى هذا الوجه ، وهو أقرب إلى مقصود الإرشاد وإزالة الإشكال.

والفرق بين ترك الاستفصال وقضايا الأحوال : أن الأول ما كان فيه لفظ وحكم

__________________

(١) في ك والقواعد : بطريق ما استبهام كيفيتها. قال المحشي في توضيحه : لما كان علم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والإمام عليه‌السلام بالنسبة إلى الوقائع الحادثة أمرا مفروغا التجأ في مقام فرض عدم العلم لهم عليهم‌السلام إلى أن ثبت بقول بطريق مجهول عندنا استبهام كيفية تلك الواقعة عندهم بمعنى أنه علمنا بطريق من الطرق عدم علمهم بكيفية الطرق الواقعة. ودعوى امتناع ذلك مع معلومية ثبوت علمهم بالوقائع على ما هي عليه غير مسموعة بعد معلومية أن علمهم بالوقائع إرادي لا حضوري كما هو مذهب أهل الحق ، ويظهر ذلك للمتأمل. وفي بعض النسخ المصححة « استفهام » بدل « استبهام » وهو غلط ظاهر وإن أمكن توجيهه بوجه بعيد ركيك.

١٥٢

من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بعد سؤال عن قضية يحتمل وقوعها على وجوه متعددة ، فيرسل الحكم من غير استفصال عن كيفية القضية كيف وقعت ، فإن جوابه يكون شاملا لتلك الوجوه ، إذ لو كان مختصا ببعضها والحكم يختلف (١) لتنبه النبي « صلى‌الله‌عليه‌وآله » ، وأما قضايا الأعيان فهي الوقائع التي حكاها الصحابي ليس فيها سوى مجرد فعله « صلى‌الله‌عليه‌وآله » أو فعل الذي ترتب الحكم عليه ، ويحتمل ذلك الفعل وقوعه على وجوه متعددة ، فلا عموم له في ، جميعها ، فيكفي حمله على صورة منها ، فمن ترك الاستفصال وقائع من أسلم على أكثر من أربع وخيره النبي « صلى‌الله‌عليه‌وآله » كغيلان بن سلمة وقيس بن الحارث وعروة بن مسعود الثقفي ونوفل بن معاوية.

ومنه حديث فاطمة بنت أبي خنيس (٢) أن النبي « صلى‌الله‌عليه‌وآله » قال لها وقد ذكرت أنها مستحاضة (٣) : إن دم الحيض أسود يعرف فإذا كان ذلك فأمسكي عن الصلاة وإذا كان الآخر فاغتسلي وصلي (٤).

ولم يستفصل هل لها كان عادة قبل ذلك أم لا؟ وبه احتج من قدم من الأصحاب التمييز على العادة.

ومنه سؤال كثير من الحجاج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله عند الجمرة في التقديم والتأخير ، فيجيب « لا حرج » (٥) ولم يستفصل بين العمد والجهل والسهو والعلم.

__________________

(١) في ك والقواعد : والحكم مختلف لبينه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله.

(٢) في الكافي والتهذيب : أبي حبيش.

(٣) في ص : أنها تستحاض.

(٤) الكافي ٣ / ٨٣ ، التهذيب ١ / ٣٨١ ، صحيح البخاري باب الاستحاضة من أبواب كتاب الحيض.

(٥) أخرجه البخاري في صحيحه في باب : إذا رمى بعد ما أمسى أو حلق قبل أن يذبح ناسيا من أبواب كتاب الحج.

١٥٣

ومنه جوابه بنعم للمرأة التي سألته عن الحج عن أمها بعد موتها (١) ، فلا يستفصل هل أوصت أم لا.

ومن القضايا الأعيان ترديد ( النبي « صلى‌الله‌عليه‌وآله » ) ماعز (٢) أربع مرات في أربع مجالس ، فيحتمل أن يكون قد وقع ذلك اتفاقا وقع ذلك اتفاقا لا أنه يشرط فيكفي فيه حمله على أقل مراتبه.

وحديث أبي بكرة لما ركع ومشى ـ إلى الصف حتى دخل فيه ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم زادك الله حرصا ولا تعد (٣). إذ يحتمل كون المشي غير كثير عادة كما يحتمل الكثرة ، فيحمل على ما لم يكثر ، فلا يبقي في الحديث حجة على جواز المشي في الصلاة مطلقا.

( ومنها ) صلاة النبي « صلى‌الله‌عليه‌وآله » على النجاشي (٤) إن حملت على غير الدعاء فقيل يحتمل أن يكون رفع له سريره حتى شاهده كما رفع له بيت المقدس حتى وصفه. ورد ببعد هذا الاحتمال ولو رفع لأخبرهم به ، لأن فيه خرق العادة فيكون معجزا كما أخبرهم (٥) بقصر بيت المقدس.

وحمله بعضهم على أن النجاشي لم يصل عليه لأنه كان يكتم إيمانه ولم يصل

__________________

(١) أخرجه البخاري في الصحيح في باب « الحج والنذر عن الميت » من أبواب كتاب الحج.

(٢) هو ماعز بن مالك الأسلمي ذكره في أسد الغابة وذكر قضيته.

(٣) أخرجه البخاري في الصحيح في « باب : إذا ركع دون الصف » من أبواب كتاب الصلاة.

(٤) أخرجه البخاري في الصحيح في « باب : الصفوف على الجنازة » من أبواب كتاب الجنائز.

(٥) في ص : برفع وفي هامشهما والقواعد : بقصة.

١٥٤

عليه [ قومه ] الصلاة الشرعية فمن ثمَّ قالوا : يصل على الغائب الذي صلى عليه ولك أن تقول : لعل هذه خصوصية للنجاشي رحمه‌الله.

قاعدة :

في المطلق والمقيد ، الأجود حمل المطلق على المقيد ، لأن فيه إعمال الدليلين.

وليس منه في كل أربعين شاة زكاة مع قوله في الغنم السائمة الزكاة (١) حتى يحمل الأول على السوم لأن الحمل هناك يوجب تخصيص العام فلا يكون جامعا بين الدليلين ، بل هذا راجع إلى أن العام هل يخص بالمفهوم أم لا.

وكذا ليس منه لا تعتقوا رقبة ولا تعتقوا رقبة كافرة قضية للعموم ، فهو تخصيص أيضا ولا دليل عليه. بخلاف النكرة في سياق الأمر ، فإنها مطلقة لا عامة وكذا في النفي. فالحاصل أن حمل المطلق على المقيد إنما هو في الكلي كرقبة لا في الكل كما مثلنا به.

فرع :

لو قيد بقيدين متضادين فتساقطا وبقي المطلق على إطلاقه إلا أن يدل دليل على أحد القيدين كما ورد عن النبي « صلى‌الله‌عليه‌وآله » إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعا إحداهن بالتراب. وبهذا عمل ابن الجنيد ، وروينا « ثلاثا » ، وروى العامة « آخرهن بالتراب » ، وروينا ورووا « أولاهن بالتراب » ، فيبقى المطلق على إطلاقه ، لكن رواية « أولاهن » أشهر فترجحت بهذا الاعتبار.

__________________

(١) البخاري : باب زكاة الغنم من أبواب كتاب الزكاة.

١٥٥

قاعدة :

أفعال النبي « صلى‌الله‌عليه‌وآله » حجة كما أن أقواله حجة ، ولو تردد الفعل [ بين ] الجبلي والشرعي فهل يحمل على الجبلي لأصالة عدم التشريع أو على الشرعي لأنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعث لبيان الشرعيات. وقد وقع ذلك في مواضع :

( منها ) جلسة الاستراحة ، وهي ثابتة من فعله « صلى‌الله‌عليه‌وآله » ، وبعض العامة زعم أنه إنما فعلها بعد أن بدن حمل اللحم فتوهم أنها للجبلة.

( ومنها ) دخوله من ثنية كداء (١) وخروجه من ثنية كداء ، فهل ذلك لأنه صادف طريقه أو لأنه سنة. وتظهر الفائدة في استحبابه لكل داخل.

( ومنها ) نزوله « صلى‌الله‌عليه‌وآله » في ، المحصب (٢) لما نزل (٣) في الأخير وتعريسه لما بلغ ذا الحليفة وذهابه بطريق في العيد ورجوعه في آخر ، والصحيح حمل ذلك كله على الشرعي.

__________________

(١) الثنية كسجية : الطريق العالي والجبل وقيل كالعقبة فيه ، ومنه الخبر : كان يدخل مكة من الثنية العليا ويخرج من السفلى. والثنية العليا التي تنزل منها إلى المعلى مقابر مكة والسفلى عند باب شبكة قيل والسر في ذلك قصد أن يشهد له الطريقان. وكدي جمع كدية مثل مدي ومدية وبالجمع سمي موضع بأسفل مكة بقرب شعب الشافعيين. ويجوز بالألف لأن المقصور إن كان لامه ياء نحو كدي ومدي جازت الياء تنبيها على الأصل وجاز بالألف اعتبارا باللفظ. وكداء بالفتح والمد : الثنية العليا بأعلى مكة عند المقبرة وتسمى تلك الناحية : المعلى بالقرب من الثنية. المعلى موضع يقال له : كدي مصغرا وهو طريق الحاج من مكة إلى اليمن.

(٢) المحصب : موضع بمكة على طريق منى. والمحصب أيضا مرمى الجمار بمنى.

(٣) في ك : لما نفر في الأخير ، وفي هامشه كما في المتن.

١٥٦

قاعدة :

ما فعل « صلى‌الله‌عليه‌وآله » ويمكن فيه مشاركة الإمام دون غيره فالظاهر أنه على الإمام ، كما كان « صلى‌الله‌عليه‌وآله » يقضي الديون عن الموتى لكونه أولى بالمؤمنين من أنفسهم ، وهذا حاصل في الإمام ، والمروي عن أهل البيت عليهم‌السلام أن على الإمام أن يقضي عنه ، ولما أقر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أهل خيبر (١) على الذمة قال أقركم ما أقركم الله (٢) ، فيجوز ذلك أيضا للإمام.

وقيل بالمنع ، لأن المعنى الذي فعله النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لأجله هو انتظار الوحي ، وهو لا يمكن في حق الإمام.

مسألة :

كل فعل ظهر منه قصد القربة ولم يعلم وجوبه اختلف فيه هل هو على الوجوب في حقنا أم على الندب ، خلاف وذلك في مواضع :

( منها ) الموالاة في الوضوء والتيمم وفي الغسل وفي الطواف والسعي وخطبة الجمعة وصلاتها وكذلك العيد. وعندنا يراعى ذلك حسب ما يأتي في الأحكام. ومنه القيام في الخطبة والحمد والثناء والمبيت بمزدلفة ، وكل ذلك صح عندنا وجوبه.

مسألة :

لو تعارض الفعل والقول ـ كما نقل عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه أمر

__________________

(١) في ك : أهل حنين.

(٢) أخرجه البخاري في صحيحه في « باب إذا اشترط في المزارعة إذا شئت أخرجتك » من أبواب كتاب الشروط.

١٥٧

بالقيام للجنازة وقام لها ثمَّ قعد ـ فالظاهر أن الثاني ناسخ للأول.

فائدة (١) :

تصرف النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : تارة بالتبليغ وهو الفتوى ، وتارة بالإمامة كالجهاد والتصرف في بيت المال ، وتارة بالقضاء كفصل الخصومة بين المتداعيين بالبينة أو اليمين والإقرار. وكل تصرف في العبادة فإنه من باب التبليغ ، وقد يقع المتردد (٢) في بعض الموارد بين القضاء والتبليغ :

( فمنه ) قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله من أحيا أرضا ميتة فهي له (٣) ، فقيل تبليغ وإفتاء ، فيجوز الإحياء لكل أحد أذن الإمام فيه أو لا ، وهو اختيار بعض الأصحاب وقيل تصرف بالإمامة فلا يجوز الإحياء إلا بإذن ، وهو قول الأكثر.

( ومنه ) قوله لهند بنت عتبة امرأة أبي سفيان حين قالت له صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إن أبا سفيان رجل شحيح لا يعطيني وولدي ما يكفيني. فقال لها : خذي لك ولولدك ما يكفيك بالمعروف. (٤) فقيل : إفتاء فيجوز المقاصة للمسلط بإذن الحاكم وبغير إذنه ، وقيل تصرف بالقضاء فلا يجوز الأخذ إلا بقضاء قاض.

ولا ريب أن حمله على الإفتاء أولى ، لأن تصرفه صلى‌الله‌عليه‌وآله بالتبليغ أغلب والحمل على الغالب أولى من النادر.

__________________

(١) في ص : قاعدة.

(٢) في ص : التردد.

(٣) الكافي ٥ / ٢٧٩ وفيه : من أحيا مواتا فهو له. التهذيب ٧ / ١٥٢ وفيه : من أحيا أرضا مواتا فهي له.

(٤) أخرجه البخاري في صحيحه : باب « إذا لم ينفق الرجل فللمرأة أن تأخذ بغير علمه ما يكفيها وولدها بالمعروف » من كتاب النفقات.

١٥٨

فإن قيل : فلا يشترط إذن الإمام في الإحياء حينئذ. قلنا : اشتراطه يعلم من دليل خارج لا من هذا الدليل.

( ومنه ) قوله « صلى‌الله‌عليه‌وآله » من قتل قتيلا فله سلبه (١). فقيل فتوى فنعم ، وهو قول ابن الجنيد. وقيل تصرف بالإمامة ، فيتوقف على إذن الإمام. وهو أقوى هنا ، لأن القضية في بعض الحروب ، فهي مختصة بها. ولأن الأصل في الغنيمة أن تكون للغانم لقوله تعالى « وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ‌ءٍ » (٢) الآية ، فخروج السلب منه ينافي ظاهرها. ولأنه كان يؤدي إلى حرصهم على قتل ذي السلب دون غيره ، فيختل نظام المجاهدة. ولأنه ربما أفسد الإخلاص المقصود من الجهاد.

ولا يعارض بالاشتراط ، لأن ذلك إنما يكون لمصلحة (٣) غالبة على هذه العوارض.

قاعدة :

الإجماع وهو حجة ، والمعتبر فيه قول المعصوم عندنا.

وإنما تظهر الفائدة في إجماع الطائفة مع عدم تمييز المعصوم بعينه ، فعلى هذا لو قدر خلاف واحد أو ألف معروفو النسب فلا عبرة بهم ، ولو كانوا غير معروفين قدح ذلك في الإجماع.

وعند العامة خلاف في اعتبار النادر هل يلحق بجنسه أو بنفسه.

ويتفرع على ذلك طول مجلس المتعاقدين بما يخرج به عن العادة ، فعندنا

__________________

(١) المناقب ١ / ٣١٩.

(٢) سورة الأنفال : ٤١.

(٣) في ص : عند مصلحة.

١٥٩

يبقى الخيار إلحاقا له يجنسه. ولو أتت بالولد لستة أشهر التحق به وإن ندر وكذا السنة في الأصح.

ومن الإجماع المسمى بالسكوتي ، ولا أثر له عندنا ولا لما يترتب عليه من حضور المالك عقد الفضولي وسكوته ، ومن سكوت البائع على وطء المشتري في مدة الخيار.

أما حلق [ المحل ] رأس المحرم فالسكوت فيه موجب لكفارة ، وكذا سكوت المحمول عن المجلس عن الفسخ مع تمكنه من الكلام.

واعتبر الشيخ السكوت فيمن قال لرجل « هذا ابني » وألحق به نسبه.

قاعدة :

الشرع معلل بالمصالح ، فهي إما في محل الضرورة أو محل الحاجة أو محل التتمة أو مستغنى عنها إما لقيام غيرها وإما لعدم ظهور اعتبارها.

فاشتراط عدالة المفتي في محل الضرورة لصون الأحكام وحفظ دماء الناس وأموالهم وأبضاعهم وأعراضهم وأبلغ (١) منه الإمام.

وكذا شرط عدالة القاضي وأمين الحاكم والوصي وناظر الوقف والساعي ، للضرر العظيم بالاعتماد على الفاسق فيها.

وكذا في الشهادة والرواية ، لأن الضرورة تدعو إلى حفظ الشرع وصونه عن الكذب.

وكل موضع تشترط العدالة فهي معتبرة في نفس الأمر ، وفي الطلاق وجه

__________________

(١) أي اعتبار العدالة أشد وآكد في الإمام عليه‌السلام ولهذا يعتبر فيه العصمة التي هي أعلى مراتب العدالة.

١٦٠