نضد القواعد الفقهيّة على مذهب الاماميّة

جمال الدين مقداد بن عبد الله السيوري الحلّي

نضد القواعد الفقهيّة على مذهب الاماميّة

المؤلف:

جمال الدين مقداد بن عبد الله السيوري الحلّي


المحقق: السيد عبد اللطيف الحسيني الكوه‌كمري الخوئي
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي
المطبعة: مطبعة الخيام
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٦٢

وقيل يقتصر على الوجه والكفين كالحرة.

ويجوز النظر إلى المرأة للشهادة عليها والمعاملة إذا احتاج إلى معرفتها ، ويقتصر على الوجه. والفرق بينه وبين النظر المباح على الإطلاق من وجهين :

الأول ـ تحريم التكرار في ذلك بخلافه هنا ، فإنه ينظر حتى يستثبت ويحرم الزائد.

الثاني ـ أن ذلك قد يصدر من غير قصد ، حتى قيل بتحريمه مع القصد بخلافه هنا ، ولو خاف الفتنة حرم مطلقا.

ومنه نظر الطبيب والفاصد إلى ما يحتاج إليه ، بحيث لا يعد الكشف فيه هتكا للمروءة. ويعذر فيه لأجل هذا السبب عادة ، وهو مطرد في جميع الأعضاء. نعم في السوأتين مزيد تأكيد في مراعاة الضرورة ، والظاهر جواز نظر الشهود إلى العورتين ليتحملوا الشهادة على الزنا وإلى فرج المرأة لتحمل شهادة الولادة وإلى الثدي لتحمل شهادة الرضاع.

البحث الرابع

قاعدة :

نفي الضرر ، وحاصلها الرجوع إلى تحصيل المنافع أو تقريرها لدفع المفاسد أو احتمال أخف المفسدتين. وفروعها كثيرة ، حتى إن القاعدة الأولى لكاد تداخل هذه القاعدة :

فمنها وجود تمكين الإمام لينتفي به الظلم ويقاتل به المشركين وأعداء الدين.

ومنها ـ صلح المشركين مع ضعف المسلمين ، ورد مهاجريهم دون مهاجرينا وجواز رد المعيب أو أخذ أرشه ، ورد ما خالف الصفة أو الشرط ، وفسخ البائع

٨١

عند عدم سلامة شرطه من الضمين أو الرهن ، وكذا فسخ النكاح بالعيوب.

ومنه الحجر على المفلس ، والرجوع في عين المال ، والحجر على الصغير والسفيه والمجنون للدفع (١) عن أنفسهم الحلاق بنقص مالهم (٢).

ومنه شرعية الشفعة والتغليظ على الغاصب بوجوب أرفع القيم ، وتحمل مئونة الرد ، وضمان المنفعة بالفوات ، وشرعية القصاص والحدود ، وقطع السارق في ربع دينار مع أنها تضمن بيد مثلها أو خمسمائة دينار صيانة للدم والمال ، وقد نسب إلى المعري (٣) :

يد بخمس مئين عسجد (٤) وديت

ما بالها قطعت في ربع دينار

فأجابه السيد المرتضى رحمه‌الله :

حراسة الدم أغلاها وأرخصها

حراسة المال فانظر حكمة الباري

وقلت :

خيانتها إهانتها وكانت

ثمينا عند ما كانت أمينا

نظرا ) (٥) لقول بعض العلماء : لما كانت أمينة كانت ثمينة فلما خانت هانت

__________________

(١) في ك : لدفع الضرر عن أنفسهم.

(٢) في هامش ص : بتقصير مالهم.

(٣) هو أحمد بن عبد الله بن سليمان التنوخي المعري ، شاعر فيلسوف ، ولد ومات في معرة نعمان ، أصيب بالجدري صغيرا فعمي في السنة الرابعة من عمره ، وقال الشعر وهو ابن إحدى عشرة سنة ، ورحل إلى بغداد سنة ٣٩٨ فأقام بها سنة وسبعة أشهر ومات سنة ٤٤٩.

(٤) العسجد : الذهب والجوهر كله والدر والياقوت.

(٥) ما بين القوسين ليس في ص.

٨٢

( وتذكير الثمين والأمين باعتبار موصوف مذكر أي شيئا ) (١).

ومن احتمال أخف المفسدتين صلح المشركين ، لأن فيه إدخال ضيم (٢) على المسلمين ، وإعطاء الدنية في الدين ، لكن في تركه قتل المؤمنين والمؤمنات الذين كانوا خاملين بمكة لا يعرفهم أكثر الصحابة كما قال تعالى « وَلَوْ لا رِجالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِساءٌ مُؤْمِناتٌ » الآية (٣). وفي ذلك مفسدة عظيمة ومعرة على المسلمين ، وهي أشد من الأولى.

ومنه الإساغة بالخمر ، لأن شرب الخمر مفسدة لكن فوات النفس أعظم منه نظرا إلى عقوبتيهما ، وكذا فوات النفس أشد من أكل الميتة ومال الغير.

ومنه إذا أكره على قتل مسلم محقون الدم بحيث يقتل لو امتنع من قتله ، فإنه يصبر على القتل ولا يقتله ، لأن صبره أخف من الإقدام على قتل المسلم ، لأن الإجماع على تحريم القتل بغير حق والاختلاف في جواز الاستسلام للقتل. ولا كذا لو أكره على أخذ المال ، لأن إتلاف نفسه أشد من إتلاف المال ، فالفساد فيه أكثر. وكذا لو أكره على شرب حرام شربه لكثرة الفساد بالقتل.

فائدة :

قد يقع التخيير باعتبار تساوي الضرر ، كمن أكره على أخذ درهم زيد أو عمرو ووجد في المخمصة ميتين أو حربيين متساويين ، ولو كان أحدهما قريبه قدم الأجنبي ، كما يكره قتل قريبه في الجهاد.

__________________

(١) ما بين القوسين ليس في ص.

(٢) ضام ضيما مثل ضار ضيرا وزنا ومعنى.

(٣) سورة الفتح : ٢٥.

٨٣

ومنه تخيير الإمام في قتال أحد العدوين من جهتين مع تساويهما من كل وجه. ويمكن التوقف في الواقع على أطفال المسلمين إن أقام على واحد قتله وإن انتقل إلى آخر قتله ، وكذا لو هاج البحر واحتيج إلى إلقاء بعض المسلمين فلا أولوية. ولو كان في السفينة مال أو حيوان ألقى قطعا ، ولو كان في الأطفال من أبواه حربيان قدم.

ولو تقابلت المصلحة والمفسدة فإن غلبت المفسدة درئت كالحدود ، فإنها مفسدة بالنظر إلى الألم وفي تركها مفسدة أعظم ، فتدرأ المفسدة العظمى باستيفائها لأن في ذلك مراعاة الأصلح ، وإليه الإشارة بقوله تعالى « يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِما » الآية (١). وإن غلبت المصلحة قدمت ، كالصلاة مع النجاسة أو كشف العورة ، فإن فيه مفسدة لما فيه من الإجلال بتعظيم الله في أنه لا يناجي على تلك الأحوال ، إلا أن تحصيل الصلاة أهم.

ومنه نكاح الحر الأمة ، وقتل نساء الكفار وصبيانهم ، ونبش القبور عند الضرورة ، وتقرير الكتابي على دينه ، والنظر إلى العورة عند الضرورة. وقد قيل منه قطع فلذة (٢) من الفخذ لدفع الموت عن نفسه ، أما لدفع الموت عن غيره فلا خلاف في عدم جوازه.

ومن انغماز المصلحة في جنب المفسدة فيسقط اعتبار المصلحة رد شهادة المتهم وحكمه كالشاهد لنفسه والحاكم لها ، لأن قوة الداعي الطبيعي قادحة في الظن المستفاد من الوازع الشرعي قدحا ظاهرا لا يبقى منه إلا ظن ضعيف لا يصلح للاعتماد عليه.

__________________

(١) سورة البقرة : ٢١٩.

(٢) الفلذة : القطعة من الشي‌ء ، الجمع فلذ مثل سدرة وسدر.

٨٤

فالمصلحة الحاصلة بالشهادة والحكم مغمورة في جنب هذه المفسدة ، ولهذا لو كان معصوما قبل قوله لنفسه وإن لم يسم حكما ولا شهادة ، كما في قصة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مع الأعرابي في دعوى الناقة وقتل علي عليه‌السلام الأعرابي لما أكذب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وكانا قد تحاكما إليه بعد أن تحاكما إلى غيره وحكم ذلك بغير الواقع (١) ، وكشهادة خزيمة بتصديقه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فسمي ذا الشهادتين (٢).

ويمكن تعليل الحكم في ذلك بدفع سوء القالة والتعرض لإساءة الظن.

وقد تشهد (٣) الله تعالى على المكلفين بالملائكة الحافظين وبالجوارح يوم القيامة ، وهو أحكم الحاكمين مبالغة في الحجة البالغة.

أما شهادته لصديقه أو قريبه فبالعكس ، فإنه لو منع أدى إلى فوات المصلحة العامة من الشهادة للناس ، فانغمرت هذه التهمة في جنب هذه المفسدة العامة ، إذ لا يشهد الإنسان إلا لمن يعرفه غالبا.

ومنه اشتمال العقد على مفسدة تترتب عليه ترتيبا قريبا ، كبيع المصحف أو العبد المسلم من الكافر وبيع السلاح لأعداء الدين. ويحتمل أيضا قطاع الطريق إذا تحقق منهم ذلك ، وهو قوي. وبيع الخشب ليعمل صنما ، والعنب ليصنع خمرا.

وقد يدخل المسلم في ملك الكافر فيزال كالإرث ، والرجوع بالعيب ، وإفلاس المشتري ، والملك الضمني كقوله « أعتق عبدك عني » ، وفيما لو كاتب

__________________

(١) روضة المتقين ٦ / ٢٥٣ ، أمالي الصدوق ٦٢ ( المجلس ٢٢ ) ، الوسائل ١٨ / ٢٠٠.

(٢) روضة المتقين ٦ / ٢٥٨.

(٣) في ص وهامش ك : وقد استشهد الله تعالى.

٨٥

الكافر عبده وملك عبدا فأسلم فعجزه المكاتب فعجزه سيده الكافر ، فإنه يدخل ذلك العبد المسلم في ملك السيد الكافر ثمَّ يزال. وفي شراء من يعتق عليه إما باطنا كقريبه أو ظاهرا كما إذا أقر بحرية عبد ثمَّ اشتراه فيكون شراء من جهة البائع وفداء من جهة المشتري.

وفيما إذا أسلم العبد المجعول صداقا في يد الذمية زوجة الذمي ثمَّ فسخ نكاحها لعيب أو ردتها قبل الدخول أو طلاق أو إسلامها قبل الدخول ، أو في تقويم العبد المسلم على الشريك الكافر إذا أعتق نصيبه ، وفي وطء الذمي الأمة المسلمة لشبهة فتعلق منه فإنه يقوم عليه إن قلنا بانعقاده رقا مع أنه مسلم.

لو تزويج المسلم أمة الكافر الذمية في موضع الجواز وشرط عليه رق الولد وقلنا بجواز في الحر المسلم ، ففي جوازه هنا تردد ، فإن جوزناه دخل في ملك الكافر ثمَّ أزيل.

وفيما لو وهبه الكافر من مسلم وأقبضه وقلنا بجواز رجوعه في موضع جواز الرجوع.

ولا يبطل بيع العبد بإسلامه قبل قبض المشتري الكافر ، بل يزال ملكه عنه ويتولى مسلم قبضه بإذن الحاكم.

البحث الخامس

حكم العادة ، كاعتبار (١) المكيال والميزان والعدد.

وترجيح العادة على التمييز في القول الأقوى ، وفي قدر زمان قطع الصلاة

__________________

(١) في ص : كاعتياد.

٨٦

فإن الكثرة ترجع إلى العادة ، وكذا كثرة الأفعال فيها ، وكذا تباعد المأموم أو علو الإمام.

وفي كيفية القبض ، وتسمية الحرز ، ورق الزوجة بالنسبة إلى استخدام السيد نهارا ، وفتح الباب ، وقبول الهدية وإن كان المخبر امرأة أو صبيا مميزا والاستحمام والصلاة في الصحاري ، والشرب من الجداول والأنهار المملوكة حيث لا ضرر ، وإباحة المثار بعد الإعراض عنها ، وهبة الأعلى للأدنى في عدم استعقاب الثواب ، وفي العكس في تعقبه عند بعض الأصحاب ، وفي قدر الثواب عند بعض ، وفي ظروف الهدايا التي لم تجر العادة بردها كالقوصرة (١) فيها التمر ، وفي عدم وجوب رد الرقاع إلى المكاتب ، وفي تنزيل المبيع المأذون فيه على ثمن المثل نقدا بنقد البلد الغالب ، وكذا عقود المعاوضات ، وتزويج الكفؤ في الوكالة ومراعاة مهر المثل ، والتسمية.

وفي تسمية المال في الوكالة في الخلع من الجانبين ، وإبقاء الثمرة إلى أوان الصرام ، وحمل الوديعة على حرز المثل ، وسقي الدابة في المنزل إذا جرت العادة به ، وفي الركوب أو الحمل في استعارة الدابة مما يحمل مثلها مثله غالبا.

وفي إحراز الودائع بحسب العادة ، فيفرق بين الجواهر والحطب والحيوان وفي أجرة المثل لمن أمر بعمل له أجرة عادة.

وفي الصنائع ، فيخيط الرفيع غير خياطة الكرباس ، وفي ألفاظ الوقف والوصية ، كما لو أوصى لمسجد فإنه يصرف إلى عمارته والوصية للعلماء والقراء وفي ألفاظ الأيمان ، وفي أكل الضيف عند إحضار الطعام وإن لم يأذن المضيف وفي حل (٢) الهدي المعلم.

__________________

(١) القوصرة : وعاء التمر يتخذ من قصب.

(٢) أي الهدي المذبوح بعجزه المعلم بالعلامة الموضوعة للهدي وهي خمس المذكورة في محلها.

٨٧

قاعدة (١) :

يعتبر التكرار في عادة الحيض مرتين عندنا عملا بالنص والاشتقاق ، وكذا في عيب البول في الفراش مع احتمال رجوعه إلى الكثرة العرفية.

أما المرض والإباق فتكفي المرة.

وفي اعتبار العرف الخاص تردد ، والأولى اعتباره مع علم الغريم ، وإلا فلا ، كاعتياد قوم قطع الثمرة قبل الانتهاء أو اعتياد قوم حفظ زروعهم نهارا وتسريح مواشيهم ليلا ، وقسمة البزار والحارس ووجوب إرسال الأمة إليه نهارا ، أما ما ندر كاعتياد النساء الجفاء (٢) في القرى فلا عبرة به بل يجب النعلان.

وفي عطلة المدارس ( في ) أوقات العادة تردد ، وخصوصا من واقف لا يعلم العادة. ويحكم بعض العامة بجوازها من نصف شعبان إلى عيد الفطر.

والظاهر أنه لا فرق بين العادة القولية كاستعمال لفظ « الدابة » في الفرس ، والفعلية كاعتياد قوم أكل طعام خاص وأوصى رجل بالصدقة بطعام.

وقطع بعض العامة بأن العادة الفعلية لا تعارض الوضع اللغوي ، وأنه لم نجد أحدا حكي فيه خلافا إلا الآمدي في الأحكام. ويدل عليه أن كثيرا من العامة حمل قوله عليه‌السلام في الرقيق « أطعموهم مما تأكلون وألبسوهم مما تلبسون » على ما اعتيد في زمن صاحب الشرع من مأكل العرب المتقاربة (٣) الواقعة بحسب

__________________

(١) في ص : فائدة.

(٢) كذا في النسختين ، وفي بعض النسخ : الحفاة ، وهو الصحيح باعتبار « بل يجب النعلان ».

(٣) في ص : المتفاوتة. وفي هامش ك : المتعارفة.

٨٨

ضيق معاشهم. وهذه عادة فعلية ، وحملوه على الاستحباب فيمن يرفع عن ذلك المأكل.

فائدتان :

( الأولى ) ما ذكر أدلة شرعية للأحكام ، وهاهنا أدلة أخر لوقوع الأحكام ولتصرف الحكام ، فأدلة الوقوع منتشرة جدا. فإن « الدلوك » سبب لوجوب صلاة الظهر ، ودليل حصول الدلوك وقوعه في العالم متكثر كالأصطرلاب والميزان وربع الدائرة والأشخاص المماثلة (١) والمشاهدة بالبصر واعتباره بالأدوار في بعض الأحوال وصياح الديكة على ما روي ، وكذا جميع الأسباب والشروط والموانع ، لا يتوقف معرفة شي‌ء منها على نصب دليل يدل على وقوعه من جهة الشرع ، بل كون السبب سببا والشرط شرطا والمانع مانعا ، فأما وقوعه في الوجود فموكول إلى المكلفين به بحسب ما عرفوه (٢) موصولا إلى ذلك.

وأما أدلة تصرف الحكام فمحصورة ، كالعلم وشهادة العدلين أو الأربعة أو العدل مع اليمين ، وإخبار المرأة عن حيضها وطهرها ، واستمرار اليد على الملك والاستطراق من أهل المحلة فيما يستطرقون فيه ، والاستطراق العام ، واليمين على المنكر ، واليمين مع النكول ، وشهادة أربع نسوة في بعض الصور وأقل في مثل الوصية والاستهلال فيثبت الربع بالواحدة ، وشهادة الصبيان في الجراح بشروطه ، ووصف اللقطة بالأوصاف الخفيفة فإنه يبيح (٣) الإعطاء ولا يوجبه فلا يزول الضمان مع قيام البينة بخلافه ، والاستفاضة في الملك المطلق والنسب والنكاح.

__________________

(١) أي المماثلة بين الفي‌ء الزائد والظل الباقي قبله.

(٢) في ص : موصلا إلى ذلك.

(٣) في ك : يقبح الإعطاء.

٨٩

وهذا كله قد يسمى الحجاج ، وهو مختص بالحكام كاختصاص الأدلة الشرعية بالمجتهدين.

( الثانية ) يجوز تغيير الأحكام بتغيير العادات ، كما في النقود المتعاورة والأقران (١) المتداولة ونفقات الزوجات والأقارب ، فإنها تتبع عادة ذلك الزمان الذي وقعت فيه ، وكذا تقدير العواري بالعوائد.

ومنه الاختلاف بعد الدخول في قبض الصداق ، فالمروي تقديم قول الزوج عملا بما كان عليه السلف من تقديم المهر على الدخول.

ومنه إذا قدم شيئا قبل الدخول كان مهرا إذا لم يسم غيره تبعا لتلك العادة ، والآن ينبغي تقديم قول الزوجة واحتساب ذلك من مهر المثل.

ومنه اعتبار الشبر في الكر والذراع في المسافة ، فإنه يعتبر بما تقدم لا بما هو الآن إن ثبت اختلاف المقادير كما هو الظاهر.

المطلب الرابع

( في قواعد من هذا الباب )

قاعدة :

اللفظ إما دال على الكلي أو على الكل ، وكلاهما إما في جانب الثبوت أو النفي ، فالأول إن كان في جانب الثبوت فيكفي في الخروج من العهدة الإتيان بأي جزء اتفق ، إذ اللفظ لا يدل على جزئي معين فيكفي ، وإن كان في جانب النفي لا بد من الامتناع الكلي من جميع الجزئيات والثاني لا يكفي في طرف الثبوت

__________________

(١) في ص وهامش ك : والأوزان المتداولة.

٩٠

الإتيان بجزء منه.

مثال الأول « فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ » ، فإن المحرر لأي رقبة كانت آت بالمأمور به. ومثال الثاني قوله تعالى ، ( فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ) « (١) لا يكفيه بعضه بل لا بد من الإتيان بجميع الشهر.

ويتفرع على ذلك جواز التيمم بالحجر والسبخ ، لأن قوله تعالى » ( صَعِيداً طَيِّباً ) « (٢) يصدق على أقل مراتبه. وقصر الحضانة على سن التربية (٣) بل سن الرضاع لأن قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله » أنت أحق به ما لم تنكحي « فقيد مطلق الأحقية فيكفي أقل مراتبها ، ولا يحمل على الأعلى وهو البلوغ. ولا ينافي الإطلاق تقييد الحكم بعدم النكاح ، لأنه أشار بهذه الغاية إلى المانع ، أي أن نكاحها مانع من ترتب الحكم على سببه ، والمانع وعدمه لا مدخل لهما في ترتب الأحكام بل في عدم ترتيبها ، لأن تأثير المانع منحصر في أن وجوده يؤثر في العدم لا عدمه في الوجود فتبقى قضية لفظ الأحقية بحالها في اقتضائها أقل ما يطلق عليه.

وقصر تحريم الفرقة أيضا على سن التربية (٤) ، لأن قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم » لا تولم والدة على ولدها وإن كان عاما في الوالدات باعتبار النكرة في سياق النفي ، وعاما في المولودين باعتبار إضافته على رأي القائل بعمومه وعام في الأزمنة ، لأن لا لنفي الاستقبال على طريق العموم ، كقوله تعالى ( لا يَمُوتُ فِيها وَلا يَحْيى ) (٥) ، فهو بالنسبة إلى أحوال الولد مطلق ، لأن العام في الأشخاص

__________________

(١) سورة البقرة : ١٨٥.

(٢) سورة النساء : ٤٣.

(٣) في ص : على سن المزيل من الرضاع.

(٤) في ص : في سن المزيل.

(٥) سورة طه : ٧٤.

٩١

والأزمان لا يلزم أن يكون عاما في الأحوال.

والاكتفاء في الرشد (١) بإصلاح المال حملا على أقل مراتبه ، وهذا أظهر [ في الدلالة ] مما قبله ، لاقتران تلك بما احتيج إلى الجواب عنه به.

واستدل بعض العامة على الاقتصار في حكاية الأذان على حكاية التشهد ، [ فإن قوله صلوات الله عليه « إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول » مطلق ، فحمل على مطلق المماثلة وهو صادق على التشهد ] (٢) ، فيكون كافيا.

قلت : هذا يناقضه قولكم بعموم المفرد المضاف ومثل مضاف.

فائدة :

استثني من هذه القاعدة ما أجمع على اعتبار أعلى المراتب فيه ، وهو ما نسب إليه تعالى من التوحيد والتنزيه وصفات الكمال ، وما أجمع على الاكتفاء فيه بأقل المراتب ، كالإقرار بصيغة الجمع ، فإنه يحمل على أقل مراتبه والفرق أن الأصل تعظيم جانب الربوبية بالقدر الممكن ، والأصل براءة ذمة المقر ، قال الله تعالى « وَما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ » (٣) وقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لا أحصي ثناء عليك. والباقي هو المحتاج إلى دليل.

ولك أن تقول : محل النزاع هو الجاري على الأصل ، وكذلك الإقرار. وأما تعظيم الله تعالى فهو دليل من خارج اللفظ ، فلا تخرج القاعدة عن حقيقتها.

__________________

(١) في ص : بالرشد في إصلاح المال.

(٢) ما بين القوسين ليس في ص.

(٣) سورة الأنعام : ٩١.

٩٢

قاعدة :

الأصل في اللفظ الحمل على الحقيقة الواحدة ، فالمجاز والمشترك لدليل من خارج ، والحقيقة ثلاثة لغوية وعرفية وشرعية ، وكذا المجاز.

ولا مجاز في الحروف ، بل الكلام فيها في أصل الوضع.

وأما الأسماء فمنها الماهيات الجعلية ، كأسماء العبادات الخمس ، وهي حقائق شرعية. ومن الأسماء المتصلة بالأفعال كالمصدر واسم الفاعل واسم المفعول ، فاسم الفاعل معتبر في الطلاق عندنا ، ولا يجزي غيره في الأصح ولا يجزي في البيع والصلح والإجارة على الظاهر والنكاح ك « أنا بائعك » أو « مصالحك » أو « مؤجرك » أو « بائع منك » أو « منكح ».

ويكفي في الضمان والوديعة والعارية والرهن وكذا اسم المفعول ك « أنا ضامن » أو « هذا مودع عندك » ، وفي العتق كعتيق ومعتق ، ويقرب منه « أنت حر » و « أنت كظهر أمي » ، ويكفي المصدر في الوديعة والعارية والرهن والوصية.

وأما الأفعال فالماضي منها منقول إلى الإنشاء في العقود والفسوخ والإيقاعات في بعض مواردها ، ويعتبر في اللعان والشهادة بصيغة المستقبل ، فلو قال « شهدت بكذا » لم يقبل ، ولو قال « أنا شاهد عندك بكذا » فالظاهر القبول لصراحته. ولا يجزي في البيع والنكاح المستقبل على الأصح ولا في الطلاق والخلع ، ويكفي في اليمين صيغة الماضي والآتي.

وأما الأمر فجائز (١) في العقود الجائزة كالوديعة والعارية ، وفي النكاح على قول ضعيف ، وفي المزارعة والمساقاة في وجه وفي بذل الخلع. والمأخذ في

__________________

(١) في ك : فجار في العقود. وفي هامشه : فنختار في العقود.

٩٣

صراحة هذه مجيئها في خطاب الشارع كذلك وشيوعها بين حملة الفقه.

قاعدة :

لا يستعمل اللفظ الصريح في غير بابه إلا بقرينة ، فإن أطلق حمل على موضوعه ، كاستعمال السلف في البيع بقرينة التعيين ، فلو لم يعين نفذ في موضوعه واشترط شروط السلف ، لأن الأصل في الإطلاق الحقيقة ، فلو قال « بعتك » وقبل بالشراء أو بمعناه ثمَّ ادعى أحدهما قصد الإجارة حلف الآخر.

وقد تردد الأصحاب في إرادة الحوالة من الوكالة وبالعكس ، إما لعدم استقرار اللفظ في أحدهما ، فيقدم دعوى المخالفة من اللافظ لأنه أبصر بنيته ، وإما لأنه وإن استقر فيعضده أصل آخر ، ولو قدمنا قول مدعي حقيقة اللفظ زال الإشكال.

ولو باع المشتري من البائع بعد قبضه واتفقا على إرادة الإقالة لم يصر إقالة لعدم استعماله فيه ، وفي انعقاده بيعا نظر لعدم القصد إليه مع احتمال جعله إقالة ، إذ لا صيغة لها مخصوصة ، بل المراد ما دل على ذلك المعنى. وتظهر الفائدة في الشفعة والخيار ، فلو تقايلا ونويا البيع فالإشكال أقوى.

ولو قال « بعتك بلا ثمن » فمعناه الهبة. واللفظ يأباه ، فعلى البيع يكون فاسدا لعدم ركنه وهو الثمن وعلى الهبة يصح ويملك الواهب الرجوع ومواضعه اتصل به القبض أو لا ، ولو تلف بعد القبض فلا ضمان على تقدير الهبة إذا كان القبض بإذن الواهب. وعلى تقدير البيع فيه وجهان : الضمان لأنه بيع فاسد ، وعدمه عملا بلفظه الدال على سقوطه.

ولو كان حيوانا فتلف في الثلاثة احتمل على الضمان عدم الضمان لتبعية الفاسد الصحيح ، وهو هنا غير مضمون صحيحا ويحتمل الضمان ، لعموم قوله صلى الله

٩٤

عليه وآله وسلم « على اليد ما أخذت حتى تؤديه » (١).

وهذا البحث مطرد في كل بيع فاسد ، أعني تلفه في زمن الخيار. ويرد أيضا فيما إذا فسخ البائع أو المشتري في زمن الخيار ، [ فإن كان الفاسخ البائع فمن مال المشتري ويحتمل عدمه ، وإن كان الفاسخ المشتري في الخيار ] (٢) المشترك فالضمان أقوى. وفي الخيار المختص به وجهان.

ولو قال « وهبتك بألف » فهل يكون هبة بعوض أو بيعا؟ الظاهر الأول ، والفائدة ثبوت خيار المجلس والشفعة وخيار الثلاثة في الحيوان ، وخيار التأخير عند عدم الإقباض إن جعلناه بيعا لا هبة. ولا يلزم على كونه هبة دفع العوض وإن تفرقا من المجلس ، ويلزم على تقدير البيع. وكذا القبض في المجلس لو كانا نقدين ، وجريان الربا لو حصل التفاوت ، أما خيار الغبن فيقطع بثبوته على تقدير البيع ويشكل على تقدير الهبة.

ولو عقد السلم بلفظ الشراء صح عندنا ، ويجري عليه أحكام السلم إن كان المورد غير عام الوجود عند العقد ، ولو كان موجودا فالأقرب انعقاده بيعا بناء على جواز بيع عين موصوفة بغير أجل إن قلنا باشتراط الأجل في السلف ، وإن منعنا بيع مثل هذا وقلنا باشتراط الأجل في السلم وعري عنه بطل العقد من أصله.

ولو لم يشترط الأجل في السلم مع عموم الوجود ففي انعقاده بيعا نظرا إلى لفظه أو سلما نظرا إلى قصد المتعاقدين وجهان ، فعلى الأول هل يجب قبض أحد العوضين في المجلس؟ الأقرب نعم ، ليخرج عن بيع الدين بالدين ، ولو قلنا هو سلم وجب قبض الثمن فيه. والحق بناء على عدم اشتراط الأجل في السلم

__________________

(١) الجامع الصغير : ٦١ نقلا عن مسند أحمد.

(٢) ما بين القوسين ليس في ص.

٩٥

أنه سلم ، ولا عبرة بلفظ « البيع » هنا ، لأن العبرة بالمعنى ، وخصوصا مع انضمام النية ، ولأنه يلزم أن يكون لنا صورة يجب فيها قبض أحد العوضين لا بعينه وليس ذلك معهودا من الشرع وإنما تضر النية لو قلنا باشتراط الأجل في السلم عملا بأصالة صحة العقد وخروجا عن بيع الدين بمثله.

أما لو كان الثمن معينا في العقد لم يجب قبضه في المجلس إن جعلناه بيعا. احتمال ضعيف.

ولا يشترط في الإجارة على عمل في الذمة القبض في المجلس ، لمباينتها البيع عندنا. ولو عبر عن الإجارة بالبيع أو العارية ففي الانعقاد قولان ، أقربهما عدم الانعقاد.

ومن هذا الباب « قارضتك والربح لي أو لك » ، ففي اعتباره بمعناه فيكون بضاعة أو قرضا أو بطلان العقد فيكون مضاربة فاسدة ، وجهان أقربهما الثاني. فالربح للمالك في الصورتين وعليه أجرة العامل. ويحتمل سقوط الأجرة في الأول لرضاه بالسعي لا بعوض.

وعلى اعتبار المعنى يكون الربح للعامل في صورة جعله قرضا والمال مضمون عليه ، ويكون الربح للمالك في صورة جعله بضاعة. ويقطع بوجوب أجرة العامل هنا ، لأنه عمل مأمور به له أجرة عادة.

ولا يمكن القول بكون الربح بأسره للعامل مع عدم ضمان المال لتلازمهما فإن إعارة النقدين هنا غير ممكنة ، فالربح هنا لمالك المال ، فقد ملك مال الغير بعوض ، إذ صاحبه لم يجعل للعامل سوى الربح ويريد أن أصل المال باق له وليس عين المال باقية ، فوجب المصير إلى مثلها ، وهو معنى القرض.

ومنه تعليق البيع على الواقع أو على ما هو شرط فيه. والأصح انعقاده ،

٩٦

مثل « بعتك إن كان لي » أو « بعتك إن قبلت ». ويحتمل البطلان نظرا إلى صيغ الشرط المحترز عنها في البيع. وفي قوله « إن قبلت » زيادة الشك ، إذ قبوله غير معلوم إلا أن يقال : الإيجاب لا يكون إلا بعد المواطاة على القبول ، وهو يمنع الشك.

فالجواب أن المواطاة لا يوجب بقاء الرضى ، لجواز البداء. والحق أنه تعليق على ما هو من قضية العقد. والشك هنا غير ضائر ، لأنه حاصل وإن لم يتلفظ به عند لحظة إياه فكذا مع التلفظ.

ومثله أنت طالق إن كان الطلاق يقع بك وهو يعلمها على حالة الوقوع أما منكر الوكالة في البيع أو النكاح إذا كان مبطلا ، فإنه يقول للوكيل إن كان لي فقد بعته منك بكذا وللمرأة إن كانت زوجتي فهي طالق إذا امتنع من عدم التعليق فلا يضر هنا ، أما لأنه تعليق على واقع أو لمساس الحاجة إليه. بخلاف ما تقدم ، فإنه إيراد لأمر مستغنى عنه.

ومنه بيع العبد من نفسه في انعقاده كتابة أو بيعا منجزا أو يبطل ، وجوه.

ولو وقف على غير المنحصر كالعلويين صح عندنا ، لأن المقصود الجهة التي يصرف فيها لا الاستيعاب. ومن منع فإنه ينظر إلى أنه تمليك لمجهول ، إذ الوقف مملك.

ولو راجع بلفظ النكاح أو التزويج ففي صحة الرجعة وجهان ، ويقوى الصحة إذا قصد الرجعة به ، ولو قصد حقيقة النكاح أو التزويج ضعفت.

قاعدة :

لا يحمل اللفظ الواحد على حقيقته ومجازه معا عند كثير من الأصوليين ، لأن حمله على حقيقته يستلزم كونه موضوعا لها ، وحمله على مجازه يستلزم كونه غير موضوع لها ، وهو تناقض.

٩٧

فعلى هذا لو أوصى أو وقف لأولاده لم تدخل الحفدة ولو جعلناهم حقيقة دخلوا. ولا فرق بين أولاد البنين وأولاد البنات ، لقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الحسن والحسين ولداي (١) وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله إن ابني هذا سيد ـ يشير إلى الحسن (٢).

ولو حلف السلطان على الضرب أو تركه حمل على الأمر والنهي ، إما لأنه قد صار حقيقة عرفية بالنسبة إليه وإما باعتبار القرينة الصارفة للفظ إلى مجازه. فلو باشره بنفسه فعلى القاعدة لا يحنث ، لأن فيه جمعا بين الحقيقة والمجاز بحسب الاعتبارين المذكورين. والظاهر الحنث ، ويجعل الضرب للقدر المشترك بين صدور الفعل عن رضاه. ومن يجوز استعمال اللفظ في حقيقة ومجازه فلا إشكال عنده.

ومنه « أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ » (٣) في الحمل على الجماع أو اللمس باليد.

ومنه « فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً » (٤) في الحمل على القصاص أو الدية ، فإن السلطان حقيقة في القصاص. وهذا ضعيف ، والظاهر أنه القدر المشترك بين القصاص والدية ، وهو المطالبة بحقه.

فائدة :

الماهيات الجعلية ـ كالصلاة والصوم وسائر العقود ـ لا يطلق على الفاسد ، إلا الحج لوجوب المضي فيه. فلو حلف على ترك الصلاة في الأماكن المكروهة

__________________

(١) الأمالي : ٣٥ ، وفيه : الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة ولداي.

(٢) أخرجه البخاري في صحيحه في باب مناقب الحسن والحسين عليهما‌السلام.

(٣) سورة النساء : ٤٣ ، سورة المائدة : ٦.

(٤) سورة الإسراء : ٣٣.

٩٨

أو الصوم اكتفى بمسمى الصحة ، وهو الدخول فيها ، فلو أفسدها بعد ذلك لم يزل الحنث. ويحتمل زواله ، لأنها لا تسمى صلاة شرعا ولا صوما مع الفساد. أما لو تحرم في الصلاة أو دخل في الصوم مع مانع من الدخول لم يحنث قطعا.

ولو كان الحلف على ترك الصلاة في الدار [ المغصوبة ] ، أو على ترك الصوم مع الجنابة ، أو على ترك بيع الخمر أو الحر (١) ، أمكن الحمل على الصورة ، فيحنث بهما وعدمه ، لأنه حلف على ممتنع شرعا.

ومن فروع الحقيقة :

حمل اللام على الملك ، فلو قال « هذا لزيد » فقد أقر له بملكه ، فلو قال « أردت أنه بيده عارية أو إجارة أو سكنى » لم يسمع ، لأنه خلاف الحقيقة.

وكذا الإضافة ، بمعنى اللازم ، مثل « دار زيد » فلو حلف لا يدخل دار زيد فهي المملوكة ولو بالوقف. وعلى هذا لا يحنث بالحلف على دار العبد (٢) أصلا ، لعدم تصور الملك فيه على الأقوى ، إلا أن يقصد ما عرفت به وشبهه.

قال بعض العامة : لا يحنث ولو قلنا بملكه لنقصه (٣) باعتبار أنه في معرض الانتزاع منه كل آن. ويؤيده (٤) أن الملك ينقسم إلى التام والناقص حقيقة ، إلا أن يمنع القسمة المعنوية.

فيجاب : بأن تسمية المتزلزل ملكا سائغ (٥) على ألسنة حملة الشرع ، كالملك

__________________

(١) في هامش ك : أو الخنزير.

(٢) في ص : على دابة.

(٣) في ص وهامش ك : لنفسه.

(٤) في ص وهامش ك : ويرده.

(٥) في ص وهامش ك : شائع.

٩٩

في زمن الخيال وملك الهبة بعد القبض. ويحتمل الحنث لما يضاف إلى العبد ظاهرا ، لأن اللفظ يمتنع هنا حمله على الحقيقة ، فيحمل على المجاز باعتبار القرينة.

وقد يجاب : بأن امتناع الحمل على الحقيقة لا يوجب المصير إلى المجاز إذ غايته تحصيل حكم شرعي. وبطلان اليمين هنا حكم شرعي ، فليس تحصيل أحدهما أولى من الآخر.

ومن هذا علم أن المشترك لا يحمل على كلا معنييه ، لأن الحمل عليها مجاز وإرادة الحقيقة هنا ممكنة وإنما يبطل لعدم تعيينها ، فكان البطلان أولى من حمله على المعنيين.

فائدة :

مما يشتبه تعارض الحقيقة المرجوحة والمجاز الراجح كالنكاح فإنه حقيقة في العقد ومجاز في الوطء أو بالعكس ، مع أن إطلاقه عليها في حيز التساوي أمور :

( منها ) لو تعارض في الإمامة الأفقه الأقرأ مع الأورع الأتقى ، ففي كل منهما وجه رجحان مفقود في الآخر.

والأقرب ترجيح الأفقه الأقرأ ، لأن ما فيه من الورع يحجزه عن نقص الصلاة إذ العدالة معتبرة فيه وأحد أركانها الورع ويبقى علمه زائدا مرجحا.

وكذا في المجتهدين المختلفين بالنسبة إلى المقلد يرجح الأعلم ، لأن ما فيه من الورع يحجزه عن التهجم على الفتوى بغير حق ، فبقي علمه راجحا بغير معارض.

١٠٠