الحاشية على الروضة البهيّة

الشيخ أحمد بن محمّد مهدي النراقي

الحاشية على الروضة البهيّة

المؤلف:

الشيخ أحمد بن محمّد مهدي النراقي


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-470-632-3
الصفحات: ٨٤٨

ثمّ لا يخفى أنّ القائل بوجوب الثلاث للوزغة هو الصدوق والشيخان وجمع من الأصحاب. وأوجب أبو الصلاح ، والسلار دلوا واحدا. وابن إدريس لم يوجب شيئا.

وقال المحقّق في المعتبر : الذي أراه وجوب النزح في الحيّة ؛ لانّ لها نفسا سائلة وميتتها نجسة. أمّا العقرب والوزغة فعلى الاستحباب ؛ لأنّ ما لا نفس له سائلة ليس بنجس ، فلا ينجس شي‌ء بموته فيه ، بل روى أنّ له سما فيكره لذلك. (١)

حجّة الصدوق والشيخين : صحيحة معاوية بن عمّار المذكورة في التهذيب والاستبصار. قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الفأرة والوزغة تقع في البئر. قال : « ينزح منها ثلاث دلاء ». (٢) وصحيحة عبد الله بن سنان المروية فيهما أيضا ، وهي أيضا مثلها. (٣)

وحجّة أبي الصلاح وموافقيه : رواية يعقوب بن عثيم المروية في الفقيه والتهذيب : أنّه سأل أبا عبد الله عليه‌السلام ، فقال : في البئر في مائها ريح يخرج منها قطع جلود. فقال : « ليس بشي‌ء،لأنّ الوزغ ربما طرح جلده،إنّما يكفيك من ذلك دلو واحد ». (٤)

ومرسلة عبد الله بن المغيرة المروية في الكافي عن أبي عبد الله عليه‌السلام. قال : قلت : بئر يخرج في مائها قطع جلود. قال : « ليس بشي‌ء إنّ الوزغ ربما طرح جلده ». وقال : « يكفيك دلو من ماء ». (٥)

حجة ابن إدريس : رواية جابر بن يزيد عن أبي جعفر عليه‌السلام : أنّه سأله عن سام أبرص يقع في البئر. فقال : « ليس بشي‌ء ، حرّك الماء بالدلو ». (٦) ويدلّ على قوله الروايات العديدة الدالّة على أنّ كلّ ما ليس له دم فلا بأس به. (٧)

وقد ورد في بعض الروايات سبع دلاء أيضا كرواية يعقوب بن عثيم. قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : سام أبرص وجدنا ينفسخ في البئر. قال : « إنّما عليك أن تنزح منها سبع دلاء ».

ولكن لم أعثر على عامل بها.

__________________

(١) المعتبر ص ١٨.

(٢) وسائل الشيعة ١ / ١٨٧.

(٣) وسائل الشيعة ١ / ١٨٧.

(٤) وسائل الشيعة ١ / ١٩٠.

(٥) وسائل الشيعة ١ / ١٨٩.

(٦) وسائل الشيعة ١ / ١٨٩.(٧) وسائل الشيعة ١ / ١٨٥.

٨١

والوجه في ذكر تلك الروايات مع أنّ دأبي عدم ذكر الدليل فيما لم يشر إليه المصنّف غالبا ، لبيان توجيه قول الشارح : ولا شاهد له كما يأتي.

قوله : ولا شاهد له.

ولا يخفى أنّ الظاهر من هذه العبارة أنّ الضمير المجرور راجع إلى إلحاق الوزغة وأنّ اعتراف المصنّف في غير البيان بعدم الشاهد لحكم الوزغة ، ولكن ما ذكرنا من الأحاديث الكثيرة المتقدّمة في بيان حكم الوزغة مع صحّة أسانيدها ، ووجودها في كتابين من الكتب الأربعة مناف لذلك.

واحتمال عدم عثور مثل المصنّف ( رحمه‌الله ) على تلك الأخبار مما لا يقبله العقل ، وكذا ينافي ذلك عبارة المصنّف في الدروس والذكرى اللّذين هما المراد من غير البيان. قال في الدروس : « وثلاث للفأرة مع عدم الأمرين وروي خمس ، وللحيّة ، ولا شاهد له وللوزغة والعقرب. وقيل : يستحبّ لهما. » وقال في الذكرى : « وللحيّة في المشهور إحالة على الفأرة ». انتهى

فإنّ عبارة الدروس صريحة في نفي الشاهد للحيّة ، وأمّا الوزغة فقطع فيها بالحكم كما هنا

وكذا في الذكرى. فإنّ قوله : « إحالة على الفأرة » صريحة في عدم الشاهد للحيّة دون الوزغة فالصحيح ان الضمير راجع إلى المشهور الّذي ذكره فى حكم الحيّة ، او إلى حكم الحيّة والمعنى انه لا شاهد لحكم الحيّة ، أو للمشهور كما اعترف به المصنّف في غير البيان ، وقطع بالحكم أي : الحكم المذكور للحيّة في البيان كما هنا. قال في البيان : « وثلاث للفأرة مع عدم الأمرين ، والحيّة ، والعقرب ، والوزغة ». انتهى.

والوجه في تقديم ذكر الوزغة على ذلك يعلم ممّا ذكرنا في توجيه قول الشارح : « وألحق بها الوزغة ». وبيانه : أنّ المصنّف صدر هذا البحث بقوله : « ويطهر » أي البئر ، فالمقصود ذكره هنا حكم النجاسات الملاقية للبئر دون غيرها ؛ إذ لا ينجس البئر بغيرها حتّى يطهر ، ولمّا وقع الخلاف في الحيّة وقال بعضهم بأنّ لها نفسا سائلة ، فيحتمل أن يكون ذكرها مقصودا بالذات ، فلا يصحّ القطع بأنّ ذكرها تبعيّ ، أو ملحق بشي‌ء آخر

٨٢

بخلاف الوزغة ؛ فإنّه ممّا لم يقل أحد بكونها ذات نفس ، وبأن ميتتها نجسة ، فلا محالة يكون ذكرها هاهنا تبعيّا إلحاقيا ؛ ولذا أقحم لفظ « الإلحاق » كما مر للتنبيه على أنّه لا يصحّ إبقاء كلام المصنّف على ظاهره من كون ذكر الوزغة مقصودا كسائر المعطوفات في ذلك الباب ، بل يجب صرفه من ظاهر ، وجعل ذكر الوزغة مقصودا كسائر المعطوفات في ذلك الباب ، بل يجب صرفه من ظاهره ، وجعل ذكر الوزغة من باب الاستطراد حتّى يكون من تتمّة بحث الحيّة ، وإذا كان ذكره من تتمّة بحثها ، فيجوز تأخير بعض متعلّقات بحث الحيّة عنه ، بل هو الأولى للتسجيل بأنّ ذكر الوزغة أيضا من متمّماته ، لا أنّه حكم مذكور برأسه ؛ ولذا قدّمه الشارح على قوله : « ولا شاهد له » حتّى يكون تنبيها على ذلك. ومن هذا وضح سرّ ما ذكرنا من ترجيح بعض التوجيهات لقول المصنّف : « وألحق بها ».

بقي هاهنا شي‌ء آخر وهو أن الشارح قد صرّح بأنّ المأخذ في الحيّة ضعيف وتعليلهم عليل فان كان مراده من نفي الشاهد ، الشاهد مطلقا : ضعيفا كان أم لا ، تامّا أم غير تام ، فهو باطل ؛ لتصريحه بوجود الشاهد الضعيف. وإن كان مراده نفي الشاهد القوي ، فهو تكرار بلا فائدة ؛ لدلالة قوله : « والمأخذ فيها ضعيف » إلى آخره على ذلك.

ويمكن أن يقال : بأنّ المراد : الثانى ، ولا تكرار ؛ لانّ مدلول كلامه الأوّل أنّ ما تمسكوا به ضعيف ؛ لانّ ال « لام » في « المأخذ » للعهد الذهني أي : المأخذ الذي أخذوا به ، أو لأنّ ذلك مأخوذ في معنى المأخذ ، لانّ المراد بالمأخذ : ما اخذوا به ، وكذا « علل » صريح في ذلك ، ولم يدل على نفي الدليل التام ، بل احتمل مع ضعف ما تمسكوا به أن يكون هناك دليل تام ، فنفاه بقوله : « ولا شاهد عليه ». واستشهد بكلام المصنّف في غير البيان.

ولو قلنا برجوع الضمير في قوله : « له » الى المصنّف يصير دفع هذه الشبهة أظهر ؛ لانّه يتوهّم من قوله : « والمأخذ ضعيف » أنّ المصنّف حكم بما حكم في الحيّة لذلك المأخذ ، فأراد أن يبيّن أنّه ليس كذلك ، بل المأخذ الضعيف إنّما هو للقوم ، ولا شاهد للمصنّف كما اعترف به في غير البيان.

قوله : والحق بها العقرب.

هذا أيضا كسابقه يحتمل البناء للفاعل وللمفعول. وعلى الأوّل يكون المستتر فيه راجعا إلى المصنّف في غير هذا الكتاب. والأظهر الثاني كما أنّ الأظهر في السابق الأوّل.

٨٣

وحينئذ يندفع ما يتوهم أنّه بعد ذكر قوله : « وألحق بها الوزغة » كان يكفي أن يقول : ( والعقرب ) ولا يحتاج إلى ذكر الإلحاق ثانيا.

والمراد بإلحاقه بها : إلحاقه في وجوب النزح ، أو في وجوب ثلاث دلاء.

والقائل باللحوق هو الشيخ في النهاية والمبسوط ، وتبعه ابن البراج وأبو الصلاح.

وذهب الشيخ على بن بابويه في رسالته إلى وجوب شي‌ء في العقرب. وهو مختار ابن إدريس.

قوله : وربما قيل بالاستحباب.

ذهب إليه المحقّق في المعتبر ، والعلّامة.

وقوله : « لعدم النجاسة » علّة للجزء المنفي المفهوم من الاستحباب دون المثبت ؛ فإنّ الاستحباب عبارة عن طلب الفعل مع عدم المنع من النقيض ، وعدم النجاسة يصلح علّة لعدم المنع من النقيض ، دون طلب الفعل.

وإنّما ترك بيان الدليل عليه ؛ لأنّه واضح ، وهو الأخبار ، وإنّما المحتاج إلى الدليل هو حمل الحكم الوارد في الخبر الظاهر منه الوجوب على الاستحباب.

والخبر الوارد فيه : هو ما رواه الشيخ باسناده عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « سألته عن الفأرة والعقرب وأشباه ذلك يقع في الماء فيخرج حيّا هل يشرب من ذلك الماء ويتوضأ منه؟ قال : تسكب منه ثلاث مرّات وقليله وكثيره بمنزلة واحدة ، ثمّ تشرب منه وتتوضّأ منه ». (١)

وجه الاستدلال : أنّه إذا وجب ان ينزح لها مع خروجها حيّا ثلاث دلاء ، فمع الموت بالطريق الأولى.

قوله : ولعلّه لدفع ....

الضمير راجع إلى الاستحباب ، دون القول به ؛ لأنّ القول به إنّما هو للخبر ، ولكن لمّا لم يكن نجسا فكان ورود الخبر باستحبابه مستبعدا ظاهرا ، فدفعه بقوله : « ولعلّ » الاستحباب الوارد في الأخبار لدفع وهم السم ، أي : دفع وهم دخول سمّه في الماء أو دفع وهم سميّة الماء بمجاورته ، فإذا نزح منه شي‌ء يرتفع ذلك الوهم رأسا.

__________________

(١) وسائل الشيعة ١ / ١٨٨.

٨٤

قوله : ودلو للعصفور.

هذا هو المشهور بين الأصحاب ، بل لا يعرف فيه خلاف إلّا أنّ الصدوق قال في الفقيه : وأكبر ما يقع في البئر الإنسان ، فيموت فيها ، فينزح منها سبعون دلوا ، وأصغر ما يقع في البئر الصعوة ينزح منها دلو واحد ، وفيما بين الانسان والصعوة على قدر ما يقع فيها.

وكذا قال أبوه في الرسالة ، وهو في الظاهر يخالف المشهور ؛ إذ الصعوة ليس مطلق العصفور ، بل عصفور صغير ، كما نصّ عليه في القاموس ، لكنّ الظاهر أنّ مرادهما منها :مطلق العصفور إمّا بإطلاق الخاص على العام ، أو بأنّه لم تثبت الأخصّية ، بل يكونان مترادفين.

قوله : وهو ما دون الحمامة.

قد مرّ ما يتعلّق بذلك في بحث الطير.

واعلم أنّ الراوندي ( رحمه‌الله ) حكم بخروج الخفاش عن شبه العصفور معلّلا بأنّه نجس.

واعترضه المحقّق في النجاسة : بأنّه لا دليل عليها ، فلو علّل بانّه مسخ نمنع نجاسة المسخ.

ولا يذهب عليك أنّه على تقدير نجاسته تصير المسألة حينئذ نظير مسألة موت الكافر ، فقس عليها.

قوله : وألحق به المصنّف إلى آخره.

المراد بالإلحاق : هو مجرّد جعل حكمه حكم العصفور ، لا ما يشعر به من اشتراكهما في وجه موجب لذلك.

فإنّه لا وجه مشترك بين العصفور وبول الرضيع.

قوله : قبل اغتذائه إلى آخره.

المراد بالاغتذاء : هو أن يغلب أكله على رضاعه ، أو يساويه بقرينة ما سبق ، دون من يغتذي مطلقا ، ويمكن أن يقال باشعار الاغتذاء بذلك أيضا ، والمضاف في الحولين محذوف أي : في أثنائهما ، أو يقال : إنّ الكون على الحولين أعمّ من كونه في منتهاهما أو في بعض أجزائهما كما يقال : إنّه في الفرسخ الأوّل أو ولد في الشهر الفلاني.

٨٥

ولا يخفى أنّ كلام المصنّف في الثلاثة ليس مقيدا بهذا القيد ، بل ألحق بول الرضيع ، ولكن قيّده الشارح بذلك لما ظهر عليه من أنّهم جعلوا الرضيع المغتذي بالطعام في الحولين في حكم الصبي كما مر.

قوله : وإنّما تركه.

أي : ترك بول الرضيع.

قوله : هنا لعدم النص.

مراده من النص إمّا ما لا يشمل غيره بأن يكون خاصّا ، ولكنّه خلاف المتعارف في هذا المقام ، فإنّ مرادهم بما لا نصّ فيه ما لا حكم له في الأخبار عموما أو خصوصا ، وإمّا النص الذي يصلح لأن يعمل به ويصير مناطا لثبوت الحكم.

وعلى هذا فلا ينافيه ورود حكم البول مطلقا أو قطرات منه في بعض الأخبار كصحيحة ابن عمّار عن أبي عبد الله عليه‌السلام في البئر يبول فيها الصبي ؛ أو يصبّ فيها بول أو خمر. فقال : ينزح الماء كلّه. (١)

ورواية كردويه قال سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن البئر يقع فيها قطرة دم ، أو نبيذ مسكر ، أو خمر. قال : « ينزح منها ثلاثون دلوا ». (٢)

وصحيحة محمد بن اسماعيل بن بزيع قال : كتبت إلى رجل أسأله أن يسأل أبا الحسن الرضا عليه‌السلام عن البئر تكون في المنزل للوضوء ، فيقطر فيه قطرات من بول أو دم ، أو يسقط فيها شي‌ء من العذرة كالبعرة أو نحوها ، ما الذي يطهرها حتّى يحلّ الوضوء منها للصلاة؟فوقّع عليه‌السلام في كتابي بخطّه : « ينزح منها دلاء ». (٣)

فإنّ الأولين ممّا لم يقل بمضمونهما أحد ، فلا يكون معمولا بهما ، بل المصنّف أيضا حكم بخلافهما ، فان الاول يوجب نزح الكل لبول الصبى والثانى ثلاثين دلوا للخمر وقد مر حكم المصنف بخلافهما مع ما في الثانية من الضعف ، والثالثة وإن أوجب الدلاء الصادقة على الثلاث ، وقد حكم بها بعض في بول الرضيع إلّا أنّ مقارنة الدم والعذرة يمنع من حملها على الثلاث ، فلا تكون معمولا بها أيضا.

__________________

(١) وسائل الشيعة ١ / ١٨٢.

(٢) وسائل الشيعة ١ / ١٨٢.

(٣) وسائل الشيعة ١ / ١٧٦.

٨٦

وعلى هذا فيكون معنى كلام الشارح : لعدم النص على ما يحتمل أن يكون حكم بول الرضيع ، وما وجد عليه النص فهو لا يحتمل أن يكون حكمه ، لمخالفته للإجماع.

قوله : مع أنّه في الشهرة إلى آخره.

هذا اعتراض على المصنّف.

وبيانه : أنّ وجه تركه بول الرضيع هنا عدم النص ، إذ لا وجه له غيره ، مع أنّه وحده لا يصلح وجها للترك ؛ لانّه ذكر ممّا لا نصّ فيه أشياء كذرق الدجاج ، ودم الحدث ، وغيرهما.

وتوهم ـ أنّ الفرق لاجل اشتهار الحكم في الأشياء المذكورة دون بول الرضيع ـ مدفوع بأنّه أيضا في الشهرة كغيره ممّا سبق ، فإنّه لم يخالف فيه أحد سوى أبي الصلاح ، وابن زهرة ، وهما أيضا لم يخالفا في وجوب النزح له ، بل حكما فيه بوجوب نزح ثلاث دلاء.

قوله : واعلم أنّ أكثر إلى آخره.

المراد بهذه المقدّرات : مقدّرات البئر ، لا خصوص ما ذكره المصنّف ؛ لأنّ القائل بغير ما ذكره موجود ، بل كثير ، فالمقصود أنّ أكثر مستند مقدّرات البئر ضعيف السند ، ولكن ينجبر ضعفه بالشهرة ، بل لا قائل بغير مدلول المستندات على تقدير القول بنجاسة البئر بالملاقاة ؛ لانّ القول بغيره يستلزم إخراج (١) تلك المستندات ، واطراحها يوجب كون النجاسات التي قدّر النزح لها فيها ممّا لا نصّ فيه ، ولم يقل بذلك أحد ؛ لانّ كلّ من قال بنجاسة البئر قدّر لها عند وقوع أحد تلك النجاسات دلاء مخصوصة.

فالضمير في قوله : « به » راجع إمّا إلى الاكثر أو المستند ، وكذا في « غيره ». ويمكن إرجاعه إلى مدلول الأكثر أو المستند أيضا باعتبار دلالتهما عليه أي : لا قائل بغير مدلوله. والضمير في « اطراحه » أيضا راجع إلى أحدها ، وفي « كونه » راجع إلى ما يدلّ عليه المقام وإن لم يكن مذكورا ، وهو كلّ واحد من النجاسات المقدّرة لها.

__________________

(١) اطراح. ظ

٨٧

فإن قوله : « أكثر مستند هذه المقدّرات » فى قوة هذه المقدرات لكلّ واحد من تلك النجاسات. ويمكن إرجاعه إلى كلّ من النجاسات المتقدّمة ذكرها في كلام المصنّف.

وال « فاء » في قوله : « فإنّ » للتعليل ، وهو علّة لعدم وجود القائل بالغير ، دون التفريع ، كما فهمه بعضهم وفسّره بما لا معنى له.

قوله : ويجب التراوح.

هو تفاعل من الراحة ؛ لانّ كلّ اثنين منهما يريحان صاحبهما يشتغلان بالنزح ، ويستريح الآخران كما ذكره الشارح.

قيل : إنّ نزح الاثنين إنّما هو بأن يكون أحدهما فوق البئر والآخر فيها ، فالثاني يملأ الدلو ، والأوّل ينزح ، ثمّ يستريحان فيقوم الآخران مقامهما.

ولا يخفى أنّه لا دليل على لزوم كون أحدهما فوق البئر والآخر فيها ، بل الظاهر أنّه يكفي أن يكونا معا في أعلى البئر وينزحان ، بل الظاهر أنّه الأولى ؛ لانّه هو المتعارف ؛ إلّا أن يبلغ الماء في القلّة حدّا لا يمتلئ الدلو بمجرّد وضعه في الماء ، بل يحتاج إلى إدخال الماء فيه.

وجملة : « كلّ اثنين » إلى آخر مبتدأ وخبر ، والجملة صفة لأربعة رجال.

قوله : من أوّل النهار إلى الليل.

اعلم أنّه قد اختلف عبارات الأصحاب في تحديد يوم النزح.

فقال المفيد : من أوّل النهار إلى آخره. وتبعه جماعة.

وقال الصدوق والمرتضى : من الغداة إلى الليل.

وقال الشيخ في المبسوط والنهاية : من الغداة إلى العشي.

قال في المعتبر : « ومعاني هذه الألفاظ متقاربة ، فيكون النزح من طلوع الفجر إلى غروب الشمس أحوط ؛ لانّه يأتي على الأقوال ».

وقال المصنّف في الذكرى بعد أن ذكر اختلاف العبارات في ذلك : « والظاهر أنّهم أرادوا به يوم الصوم ، فليكن من طلوع الفجر إلى غروب الشمس ؛ لانّه المفهوم من اليوم مع تحديده بالليل ».

٨٨

قال صاحب المعالم :

« وما ذكره المحقّق من الأحوطيّة حسن ، وأمّا كلام الشهيد ففي موضع النظر ؛ لانّ الحمل على يوم الصوم يقتضي عدم الإجزاء باليوم الذي يفوت من أوّله جزء وإن قلّ ، وعبارتهم لا يدلّ عليه ، بل ظاهرها ما هو أوسع من ذلك ، ولفظ الرواية محتمل لصدق اسم اليوم وإن فات منه بعض الأجزاء إذا كانت قليلة ، وبالجملة هذا التدقيق اللازم من جعله يوم صوم مستبعد ، وقد تبعه على ذلك المتأخّرون ، فأوجبوا على القول بالوجوب إدخال جزء من الليل أوّلا وآخرا من باب مقدّمة الواجب انتهى.

قوله : ووجوب نزح الجميع.

عطف على ال « تعذّر » دون « الغزارة » وإن كان في كلام المصنّف معطوفا عليها ، لانّ إضافة السبب إليها تمنع من عطفه عليها ، كما لا يخفى.

قوله : لأحد الأسباب المتقدّمة.

إنّما خصّ بالأسباب المتقدّمة مع أنّه يجب التراوح عند نزح الجميع بسبب لم يذكر أيضا كالملاقاة مع ما لا نصّ فيه وغيره ممّا لم يذكره المصنّف ؛ لانّه في مقام شرح كلام المصنّف ، والظاهر أنّه لم يرد بنزح الجميع ، إلّا لأحد الاسباب التي ذكرها. ويمكن أن يكون مراده بالمتقدّمة : المتقدّمة ذكرها في كلام المصنّف أو الشارح ، فيكون ما لا نصّ فيه أيضا متقدّما ؛ لكونه مذكورا في كلامه.

قوله : ولا بدّ إلى آخره.

قد سبق من صاحب المعالم أنّ هذا متفرّع على جعل يوم النزح يوم صوم. وهو ما فهم ذلك لأجل أنّ المستفاد من ذلك أنّ النزح أيضا يكون كالصوم ، فلا يكفي لو نقص جزء قليل من اليوم ، بل لا بدّ من استغراق جميع الأجزاء بالنزح ، وهو لا يتحقّق إلّا بإدخال جزء من الليل كما قيل ؛ لانّه لو جعل اليوم من طلوع الشمس إلى الغروب أيضا يصحّ ذلك ؛ لانّه بعد الامر بالنزح في النهار يجب استغراق النهار بالنزح ، وهو لا يتحقّق إلّا بعد إدخال جزء من سابقه ولاحقه ، بل لانّ ساعة بين الطلوعين لا يطلق عليه الليل ، فيكون القول بوجوب إدخال جزء من الليل ، وتهيئة الاسباب قبله مبنيّا على جعل اليوم يوم الصوم.

٨٩

وقوله : « متقدّما » وصف للجزء أي جزء متقدّما ، ولكنّه لا يلائم الفصل. والأولى جعله حالا منه أي : الجزء حالكونه متقدّما ؛ و « متأخرا » إمّا وصف لموصوف محذوف يدلّ عليه الجزء المتقدّم ، أو حال من ذي حال كذلك. ويمكن أن يكونا معا وصفين أو حالين للجزء باعتبار كونه مطلقا ذا أفراد منه مقدّم ومنه مؤخّر ، وكلّ من الوصفين أو الحالين باعتبار فرد كما في قوله : ( الانسان عالم وجاهل ) ، ولا ينافيه التنوين ؛ لانّه ليس تنوين تنكير ، ويمكن جعله للتنكير أيضا وتكون إرادة الفردين من الجزء المنكّر من قبيل استعمال اللفظ في معنييه ، فتأمّل.

قوله : قبل ذلك.

أي : قبل الجزء حتّى يمكن إدخال الجزء.

قوله : ويجزي ما زاد عن الأربعة إلى آخره.

المراد بلفظ « ما » العدد أي : ويجزي في المتراوحين عدد زائد عن الأربعة فردا كان كخمسة أو زوجا كستّة ، نعم في صورة الفرديّة يلزم ضمّ الواحد مع غيره ، ولا يكفي نزح واحد مفردا.

ويمكن أن يكون المراد : الرجال وإن كانوا من ذوي عقول كما في قوله تعالى : ( وَالسَّماءِ وَما بَناها ) (١) وتذكير الفعل باعتبار لفظ الموصول.

وقوله : « دون ما نقص » ردّ على العلّامة في التذكرة حيث استقرب فيها الإجزاء بالاثنين القويّين اللذين ينهضان بعمل الأربعة.

وكأنّ كلام المصنّف في الذكرى أيضا ناظرا إليه حيث قال : « وأمّا الاثنان الدائبان ، فالأولى المنع » حيث قيّد الاثنين بالدائبين.

قوله : جماعة لا جميعا :

الأوّل حال عن الصلاة ، والثاني عن ضمير الجمع في قوله : « بهم » أى : يجوز لهم الصلاة حال كونها جماعة ، ولا يجوز لهم الصلاة حال كونهم جميعا أي : مجتمعين في الصلاة بدون الجماعة.

__________________

(١) الشمس : ٥

٩٠

قوله : ولا الأكل كذلك.

وأي : ولا يجوز لهم الأكل جميعا. والمراد : أنّه يلزم أن يأكل كلّ اثنين منفردين ، ولا يجتمع الأربعة في الأكل. فالمراد بقوله : « كذلك » أي : الأكل على الاجتماع ، وليس المراد جواز الأكل جماعة وعدم جواز أكلهم جميعا ؛ إذ لا يتصوّر للأكل جماعة إلّا الأكل جميعا ، فما ذكره المحشّى الشيخ علي من أنّ المراد أنّ الاكل يجوز لهم مجتمعين جميعا لا منفردين جميعا ؛ اشتباه نشأ من عطف الشارح الأكل على الصلاة فافهم.

قوله : ونبّه بإلحاق ال « تاء » إلى آخره.

حيث إنّ العدد إذا جاوز الاثنين يخالف معدوده تذكيرا وتأنيثا ، فإلحاق ال « تاء » دليل على أنّ معدود الأربعة يجب أن يكون مذكّرا.

ولا يخفى أنّ ما ذكره إنّما يصحّ لو كان الترديد بين الرجال والنساء ، فيكون إلحاق ال « تاء » منبّها على عدم إجزاء النساء ولكنّ الترديد إنّما هو بين الذكور والأعم ولا شك أنّ المعدود الأعم مذكّر أيضا ، فإنّه إمّا الآدمي أو الانسان ، فيكون التقدير أربعة ، أو آدم ، أو الاناسي ، أو مثلهما ، فلا دلالة لالحاق ال « تاء » على عدم إجزاء غير الذكور ؛ لانّه لو أراد الاعم أيضا لا بدّ له من إلحاق ال « تاء » أيضا ، فتأمّل.

قوله : ولكن لم يدل إلى آخره.

لاحتمال الإجزاء بالصبيان.

قوله : عملا بمفهوم القوم إلى آخره.

لأنّ المذكور في النص لفظ « القوم » حيث قال فيه : « ثمّ يقام عليها قوم فيتراوحون اثنين اثنين ، فينزفون يوما إلى الليل ».

والمفهوم من القوم المتبادر منه في العرف كما صرّح به بعضهم ليس إلا الرجال. ونصّ جماعة من أهل اللغة على ذلك أيضا ، قال الجوهري : « القوم : الرجال ، دون النساء ». وقال ابن الأثير في النهاية : « القوم في الأصل مصدر قام ، فوصف به ، ثمّ غلب على الرجال » ولذلك قابلهنّ يعنى في قوله تعالى : ( لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ وَلا نِساءٌ مِنْ نِساءٍ ). وقد قابلهنّ الشاعر أيضا حيث قال :

أقوم آل حصن أم نساء

٩١

وعلى هذا فيخرج غير الرجال من النساء والصبيان ، بل الخناثي أيضا.

قوله : خلافا للمحقّق إلى آخره.

قال في المعتبر : « علمنا بالخبر المتضمّن لتراوح القوم إجزاء النساء والصبيان ». وكأنّه اعتقد إطلاق القوم عليهم أيضا لما في القاموس أيضا وقد نسب إلى غيره أيضا.

قوله : بمعنى إلى آخره.

فيجب النزح حتّى يزول التغيّر ، وإن بقى من القدر شي‌ء يستوفى.

والتفسير لدفع توهّم وجوب النزح حتّى يزول التغيّر ثم نزح المقدر بعده.

قوله : جمعا بين النصوص ....

يعنى ان الجمع بين المقدر وزوال التغيّر بنزح أكثر الأمرين ؛ للجمع بين ما دلّ عليه النص من المقدّر وبين زوال التغيّر الذي هو أيضا هنا معتبر ، لاعتباره في طهارة ما لا ينفعل كثيرة بملاقاة النجاسة من دون تغيّره ، وهو ماء غير البئر فإنّه إذا تغيّر يعتبر في طهارته مضافا إلى إلقاء كرّ أو نحوه زوال تغيّره ، فاعتباره هنا ـ أي : في ماء البئر الذي هو أسهل قبولا للتنجس حيث ينفعل قليله وكثيره ـ أولى. وإنّما لم يقل : ( جمعا بين النصوص الموجبة للمقدّر والدالّة على اعتبار زوال التغيّر ) مع أنّه أيضا منصوص : ففي صحيحة محمد بن إسماعيل : « إلّا أن يتغير ريحه أو طعمه ، فينزح حتى يذهب الريح ويطيب طعمه ». (١) وفي صحيحة الشحام : « فإن تغيّر الماء فخذ منه حتى يذهب الريح » (٢)

لانّ الروايات الدالّة على اعتبار زوال التغيّر إنّما يدلّ على اعتبار زوال تغيّر الطعم أو الريح ، والمطلوب أعمّ من ذلك ؛ لشموله للتغيّر في اللون أيضا ، أو لانّ مفاد اخبار التقدير : وجوب نزح المقدّر ، وإن زال قبله التغيّر ومدلول روايات زوال التغيّر الاكتفاء به وعدم وجوب نزح الزائد ، فوجوب أكثر الأمرين لا يكون جمعا بين تلك النصوص ، فتأمّل.

قوله : أجودهما الثاني إلى آخره.

لانّ ما لا نصّ فيه ينزح له الجميع مع عدم التغيّر ، فمعه يكون نزح الجميع أولى.

__________________

(١) وسائل الشيعة ١ / ١٧٢.

(٢) وسائل الشيعة ١ / ١٨٤.

٩٢

ووجه الأوّل : أنّ النجاسة المغيّرة لا يمكن أن يكون ممّا لا نصّ فيه ؛ لدلالة النصوص على أنّ بعد التغيّر يجب النزح حتّى يزول ، فيكون ممّا فيه نصّ ، فلا يقاس على عدم المغيّر ، وله وجه ، فتأمّل.

٩٣

مسائل :الاولى

الماء المضاف

قوله : أي الشي‌ء الذي إلى آخره.

الأولى تفسير الموصول بالماء حتّى لا يرد أنّ تعريف المصنّف غير جامع ؛ لصدقه على غير الماءين أيضا وتكون القرينة عليه قوله : « المضاف » ، أو كون البحث بحث المياه.

ويمكن أن يقرأ ماء بالمد ، والمراد به : القدر المشترك بين المطلق والمضاف.

ويمكن أن يقال أيضا : إنّ من القواعد المقرّرة أنّ نفي المقيّد والموصوف يرجع إلى القيد والوصف وإثبات الأصل كما يقال : « زيد لا يصدق عليه الانسان الكامل » ، فإنّه يفهم منه نفي صدق الكامل وإثبات الانسانية ، فيكون معنى التعريف : أنّه ما لا يصدق إليه اسم الماء بوصف الإطلاق ، وإن صدق عليه مطلق الماء ـ أى : مع القيد ـ وحينئذ يكون قول الشارح مع صدقه بيانا لقول المصنّف ، لا قيدا زائدا يجب ازدياده.

قوله : كالمعتصر.

المراد بالمعتصر : الماء الذي يكون جزءا لجسم في أصل خلقته ، ثمّ خرج منه بالعصر أو غيره ، لا كلّ ما اعتصر من جسم.

وعلى هذا فإذا جذب جسم يابس كالحمّص ـ مثلا ـ ماء من الخارج ، ثمّ اعتصر ماؤه ، وكان المعتصر ممّا لا يطلق عليه اسم الماء المطلق ؛ يكون من أقسام الممزوج ؛ لأنّه امتزج بعد جذب الجسم إيّاه بأجزاء صغار من ذلك الجسم خارجة معه بعد العصر.

وبقولنا : « ثمّ خرج منه بالعصر أو غيره » دخلت المياه الخارجة من الأثمار والأشجار بمرور الأيّام عليها من دون عصر.

واعلم أنّ المركّب من المعتصر والمطلق من أقسام الممزوج ؛ لصدق المزج وعدم صدق المعتصر على المجموع ، وإن كان صادقا على بعضه. وتوهّم كونه من المعتصر لعدم

٩٤

رفع الإطلاق إلّا بعد استهلاك المطلق ، فيبقى المعتصر على ما كان عليه من الأحكام واه جدّا.

قوله : والممتزج بها.

أي : بالأجسام. والضمير في « يسلبه » راجع إلى ماء أي : مزجا يسلب الماء الإطلاق.

وقد يقال : إنّ الماء المضاف هو مجموع الماء المطلق وما مزج به من الأجسام. والممتزج بها هو الأوّل ؛ لانّه الذي امتزج بها دون المجموع.

ودفعه : أنّ كون الأوّل ممتزجا إنّما هو ليس على الإطلاق ، بل بشرط المزج ، والمضاف أيضا هو الماء المطلق بشرط المزج. ودفع بوجوه اخر أيضا.

ولا يخفي أنّ من أقسام المضاف المصعد من الورد ومثله ، فأقسام المضاف ثلاثة. ومنهم من لم يعد المصعد قسما ثالثا ؛ لأنّه لا يخلو إما يكون هو الماء المطلق الممتزج بماء الورد أو مثله الخارج منه بتأثير النار ، أو يكون هو الماء المطلق المتكيّف برائحة الورد المتصاعد لاجل الحرارة ، أو يكون الهواء المتكيّف برائحة الورد المنقلب ماء لأجل مجاورته الماء ، أو يكون الماء الحاصل من الأبخرة المتصاعدة من الماء والورد بتأثير الحرارة فيها. فعلى الأوّل : لا يصحّ جعله قسما ثالثا وعلى البواقى لا يكون مضافا.

أمّا على الثانى : فظاهر ؛ لعدم تأثير التغيّر بدون المزج في سلب الإطلاق.

وأمّا على الثالث والرابع : فلأنّ ما ينقلب إليه الهواء أو يحصل بسبب الأبخرة من المياه ماء مطلق كالمياه الحاصلة في الحمامات وأمثالها.

ودفع : باختيار الأخيرين.

وردّ ما أورد عليه : بأنّ الماء الحاصل من الأبخرة إنّما يكون مطلقا إذا كانت الأجزاء المائية من البخار ماء مطلقا ، وكذا الماء الحاصل من انقلاب الهواء يكون مطلقا إذا كان الهواء باقيا على المقتضي وحقيقته غير متكيّف بعوارض خارجيّة ، وهاهنا ليس كذلك.

قوله : أو طعمه.

وإنّما لم يذكر اللون ( كذا ) وغيره من الأوصاف ، لانّه إذا لم يخرج بتغيّر اللون والطعم يظهر عدم الخروج بتغيّر غيرهما بطريق أولى.

٩٥

قوله : وإن اضيف إليهما.

أي : الى التراب والملح بأن يقال : ماء التراب وماء الملح.

قوله : في ذاته بحسب الأصل.

يمكن أن يكون قوله : « بحسب الأصل » عطفا تفسيريا لقوله : « في ذاته » ، بحذف حرف العطف. ويمكن أن يكون احترازا عمّا اعتصر من جسم نجس أو امتزج بنجس ، فيكون قوله : « في ذاته » متعلّقا بمحذوف أي : طاهر حالكونه كائنا في حدّ ذاته ، فيخرج ما لم يكن كائنا عليه ، بل لاقى مع نجاسة خارجية ، ولكن يلزم منه طهارة المعتصر من النجس أو الممتزج معه ؛ فإنّه من حيث هو مضاف كائن في حدّ ذاته غير خارج عنه مع أنّه نجس ، فاحترز عنه بقوله : « بحسب الاصل » أي : طاهر إذا كان في حدّ ذاته بحسب الأصل أي : بحسب حقيقته ومبدئه ؛ فإنّ الماء المعتصر من النجس أو الممتزج معه أصله طاهر وإن صار نجسا باعتبار امتزاجه مع النجس أو دخوله في الجسم النجس.

قوله : لغيره.

أي : غيره نوعا أو شخصا. فلا يرد أنّه لا وجه للاختصاص بالغير ؛ فإنّه غير مطهّر للماء المضاف أو النجس أيضا.

قوله : من حدث. إلى آخره.

يحتمل أن يكون بيانا لقوله : « مطلقا » ويحتمل أن يكون المراد بالمطلق : ماء الورد وغيره ، ويكون قوله : « من حدث » كلاما مستأنفا.

قوله : رواية مردودة. إلى آخره.

الرواية المردودة هي ما رواه سهل بن زياد ، عن محمّد بن عيسى ، عن يونس ، عن أبي الحسن عليه‌السلام في رجل يتوضّأ بماء الورد ويغتسل به للصلاة قال عليه‌السلام : « لا بأس » (١).

وكونها مردودة ؛ لكونها شاذة متروكة متروك العمل بها.

قال الشيخ بعد ذكر هذا الخبر : إنّه خبر شاذ شديد الشذوذ ، وإن تكرّر في الكتب والاصول ، فإنّما أصله يونس عن أبي الحسن عليه‌السلام ولم يروه غيره ، وقد أجمعت العصابة

__________________

(١) وسائل الشيعة : ١ / ٢٠٤.

٩٦

على ترك العمل بظاهره ، وما هذا حكمه لا يعمل به. وأيضا يشمل على سهل بن زياد وهو ضعيف وفاقا وأيضا رواها محمّد بن عيسى عن يونس ، وقد نقل الصدوق عن شيخه ابن الوليد أنّه لا يعتمد على حديث محمد بن عيسى عن يونس وأيضا هي غير صريحة في المطلوب ؛ لجواز أن يراد بالوضوء : التنظف و ... ، وبالاغتسال : معناه اللغوي ولا ينافيه مقارنتهما للصلاة ، المراد : أنّه مطيب للصلاة ، ويراد بماء الورد : الماء الواقع فيه الورد دون المعتصر منه.

قوله : برفعه مطلقا.

أي : رفع المضاف مطلقا من غير اختصاص بماء الورد.

ويقابله أيضا قول ابن أبي عقيل بجواز استعماله اضطرارا في رفع الحدث والخبث. وفي المشهور ( كذا ) نسب المخالفة إليه في تجويزه رفع الخبث فقط اضطرارا ، وكلامه أعم.

قوله : بالاتصال إلى آخره.

لا يخفى أنّه ورد صحيحة سعيد الأعرج عن الصادق عليه‌السلام قال : سألته عن قدر فيها جزور وقع فيها قدر أوقية من دم أيؤكل؟ فقال : « نعم ». قال : « النار تأكل الدم ». (١)

ومثلها رواية زكريا بن آدم عن الرضا عليه‌السلام (٢).

وقريب منها رواية على بن جعفر عن أخيه المروية في كتاب المسائل (٣).

واللازم حملها على الدم المتخلف في الذبيحة أو الطاهر غيره كدم السمك ونحوه كما ذكره في المختلف ؛ لتحقّق الإجماع ووجود المعارض على خلافه.

وقد أفتى الشيخان بمضمونها إلّا أنّ الأخير منهما قيّد الدم بالقليل.

والظاهر أنّ الشارح وغيره من المدعين للإجماع في هذا المقام على الإطلاق لم يلتفتوا إلى مخالفتهما ؛ لمعروفية نسبهما أو تحقّق الإجماع قبلهما أو بعد هما ، أو لانّ افتائهما بمضمون تلك الروايات لا ينافي النجاسة ؛ لاحتمال أن يكون فتواهما على

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٢٤ / ١٩٧.

(٢) وسائل الشيعة : ٢٥ / ٣٥٩.

(٣) وسائل الشيعة : ٢٤ / ١٩٧.

٩٧

حصول الطهارة بعد الملاقاة لأجل الطبخ كما يشعر به قوله عليه‌السلام : « النار تأكل الدم ». (١)

ثمّ إنّ قول المصنّف : « بالاتصال » يشمل بإطلاقه ما إذا تساوت سطوح المضاف أو اختلفت ولاقى الأسفل منها النجاسة.

وصرّح صاحب المدارك بعدم سراية النجاسة إلى الأعلى في المضاف مع اختلاف السطوح مطلقا.

وذهب بعض سادة مشايخي في منظومته في الفقه إلى عدم السراية إلى الأعلى مع الجريان.

وتردّد فيه والدي العلّامة ( طاب ثراه ) في المعتمد.

ولم أعثر على مصرّح غيرهم بذلك ، وإن صرّح غيرهم أيضا به في الماء المطلق ، ولعلّه مع تأخّر المصرّحين عن الشارح ادّعى الإجماع على التنجس بالاتّصال على سبيل الإطلاق.

قوله : على القول الأصح.

متعلّق بقوله : « طهره » ولا يتعلّق بقوله : « لا مطلقا » ؛ إذ لم يقل أحد بطهره مطلقا حتّى يكون « لا مطلقا » هو الأصح. وقوله : « لا مطلقا » ليس ردّا على المصنّف ، بل بيان لما أهمله ؛ فإنّ قوله : « وطهره إذا صار مطلقا » ليس معناه : أنّه إذا صار مطلقا يصير طاهرا ، بل معناه : أنّ طهره لا يكون إلّا بعد صيرورته مطلقا ، ولا يطهر قبله ، وإن توقّف بعده أيضا على أمر آخر كالاتصال بالكثير المطلق.

قوله : وإن بقي الاسم.

هذا إمّا قيد للقول الأخير فقط ، أو للقولين معا ، وشي‌ء منهما لا يكاد يصح.

أمّا على الأوّل : فلأنّ الوجه الثاني ـ الذي ذكره الشارح لدفع القولين ـ يدلّ على كون الماء مضافا وبقاء الاسم على القولين معا ، فلا وجه لاختصاص القيد بأحدهما. وتوزيع الوجهين على القولين ، مع أنّه مناف لصريح العبارة ؛ غير صحيح إذ لو اشترط على القول الأوّل عدم بقاء الاسم لصار المضاف طاهرا قطعا ، وإنّما تكون المقابلة والمخالفة في

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٢٤ / ١٩٧.

٩٨

اشتراط الامتزاج ـ المستفاد من الاغلبية ـ وعدمه لا فى النجاسة والطهارة فلا معنى لاصالة بقاء النجاسة بل يجب عليه أن يقول : ويدفعه عدم اشتراط الامتزاج في التطهير وكفاية الاتصال كما مر.

وأمّا على الثانى : فلأنّ القول بطهره بأغلبية الكثير وزوال الأوصاف وإن بقى الاسم ؛ غير متحقّق ، فإنّ الأقوال في المسألة كما يظهر بالتتبع لا يزيد على خمسة :

الأوّل : طهره بامتزاجه بما زاد على الكر من المطلق مع البقاء على الإطلاق وزوال التسمية وعدم تغيّر أحد أوصاف الماء وهو منسوب إلى المبسوط.

والثاني : ما اختاره في التحرير ، وهو أنّه يشترط جميع ما ذكر ، سوى زيادة المطلق على الكر.

والثالث : ما ذهب إليه في النهاية والتذكرة ، وهو أنّه يشترط امتزاجه بالكر مع البقاء على الإطلاق سواء تغيّر أحد الأوصاف أو لا.

والرابع : ما رجّحه في القواعد والمنتهى ، وهو أنّه يشترط الامتزاج بالكر سواء بقي على الإطلاق أو لا.

والخامس : ما جعله في الذكرى أحد قولي العلّامة ، وهو أنّه يطهر بمجرّد اتصاله بالكر المطلق وإن لم يسلب اسم المضاف عن المضاف.

وليس في هذه الأقوال ـ كما ترى ـ القول بالطهر بالامتزاج وزوال الأوصاف وإن بقي الاسم ، بل الظاهر من مطابقة العبارة بعبارة المبسوط أنّ القول الأوّل هو مختار المبسوط حيث نقل عنه في الذكرى أنّ طهر الماء المضاف باغلبيّة الكثير المطلق عليه وزوال أوصافه ليزول التسمية التي هي متعلّق النجاسة. وهذا صريح في اشتراط زوال الاسم ، بل يدلّ على أنّ زوال الأوصاف ، مستتبع لزوال الاسم ، ولا يمكن زوالها وبقاؤه والظاهر اشتباه الشارح ، وزعمه أنّ من يقول باغلبيّة الكثير وزوال الأوصاف لم يشترط زوال الاسم ، وهو عنه بعيد.

قوله : والسؤر إلى آخره.

السؤر في اللغة : الفضل والبقية. قال في الصحاح : « إذا شربت فأسئر أي : أبق شيئا من الشراب في قعر الإناء ».

٩٩

وفي قوله : « في قعر الإناء » إشارة إلى اعتبار القلّة في مفهومه لغة كما يعتبر فيه عرفا ؛ لعدم صدق السؤر على النهر الجاري ، والشط ، والحياض الكبيرة إن شرب منه.

قوله : هو الماء القليل إلى آخره.

لا يخفى أنّه يدلّ على اختصاص السؤر بالماء وعدم اشتراط المباشرة بالفم ، بل يعمّ سائر الأعضاء أيضا. ومنهم من خصّه بما باشره بالفم فقال : « إنّه ماء قليل لاقاه فم حيوان ». ومنهم من لم يخصّه وفسّره : بأنّه ما باشره جسم حيوان أعمّ من أن يكون ماء قليلا أو أحد المائعات ، بل الجوامد بشرط المباشرة بالرطوبة.

فالنزاع في تعيين السؤر في موضعين :

أحدهما : أنّه هل يعتبر في مفهومه المباشرة بالفم أو يعمّ سائر الأعضاء أيضا؟ فالأكثر على عدم اعتبار خصوصية الفم ، وهو الملائم لبعض الأخبار.

وثانيهما : أنّه هل يختصّ بالماء أو يعمّه وسائر المائعات أيضا ، أو يعمها وسائر الجوامد التى لاقاها الحيوان بالرطوبة؟ ومقتضى اللغة والعرف هنا التعميم ، ويدلّ عليه قوله عليه‌السلام في صحيحة زرارة : « لا بأس بسؤر الهر ، وانى لاستحي من الله ان ادع طعاما لانّ الهر أكل منه ». (١)

قوله : في الطهارة والنجاسة والكراهة.

يعني : كلّ ما كان جسمه طاهرا فسؤره طاهر ، وكلّ ما كان نجسا فنجس ، وكلّ ما كان لحمه مكروها فسؤره مكروه. فالمراد بالطهارة والنجاسة : طهارة البدن ونجاسته ، وبالكراهة : كراهة أكل لحمه. والتخصيص بالكراهة دون غيرها من الحرمة والإباحة لعدم التبعيّة فيهما ، فيباح سؤر بعض ما يحرم لحمه كالجلّال والفأرة وغيرهما ، ويكره سؤر بعض ما لا يكره لحمه كالدجاج على قول ، فالتبعيّة منحصرة في الكراهة.

ويمكن أن يكون مراد المصنّف محض التبعيّة في الطهارة والنجاسة دون الكراهة ، ويكون الكراهة مختصّة بما نصّ عليه كما ذهب إليه جماعة ولكن تصريح الشارح به يدلّ على أنّه علمه من مذهبه من الخارج. وجعله مختار الشارح دون المصنّف يأباه قوله بعد ذلك : وإنّما خصهما لتأكّد الكراهة فيهما.

__________________

(١) وسائل الشيعة : ١ / ٢٢٧.

١٠٠