الحاشية على الروضة البهيّة

الشيخ أحمد بن محمّد مهدي النراقي

الحاشية على الروضة البهيّة

المؤلف:

الشيخ أحمد بن محمّد مهدي النراقي


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-470-632-3
الصفحات: ٨٤٨

الصحيح المروي في تفسير علي بن ابراهيم ، والمرفوع : « لا يقيم حدود الله من في عنقه حدّ » (١). وفي مرسلة ابن أبي عمير : « من فعل مثل فعله فلا يرجمه ولينصرف ». (٢) ونحوهما خبران (٣) آخران.

قوله : القول المحكي على وجه التحريم.

المراد بالقول المحكي : « عدم رجم من لله في قبله حد ». وقوله : « على وجه التحريم » خبر للمصدر. والضمير في « حكايته » راجع الى المحكي ، و « قولا » متعلّق بالحكاية أي :لحكايته على سبيل القول حيث قال : « قيل ». ومؤذنا حال عن الحكاية ، وقوله : « اذ لا يتّجه » دليل لكون الحكاية قولا ، ظاهرا في كون القول المحكي على وجه التحريم.

ووجه عدم اتّجاه التوقّف في الكراهة : عدم القول بالإباحة ومراده بالكراهة : هو طلب الترك المتحقّق في ضمن التحريم أيضا ، والّا فالتوقّف في الكراهة بالمعنى الأخص ممكن. ولما كان قوله : « لا يرجم » مختصا بطلب الترك ، ولا يدلّ على عدم النهي من النقيض ، فلو لم يرد منه التحريم لزم التوقّف في الكراهة بالمعنى الأعم ، وهو غير متّجه.

قوله : صنفا.

مع أنّ توصيف الحد بالمثل يدلّ على الاتحاد الصنفى ؛ اذ على إرادة الاعم يكون الوصف توضيحيا ، وعلى الاتحاد الصنفي يكون احترازيا ، والتأسيس أولى من التأكيد.

قوله : مع احتمال إرادة ما هو أعم.

ويؤكّد هذا الاحتمال آخر هذا الحديث من انصراف الناس ما خلا أمير المؤمنين والحسنين عليهم‌السلام ، فانّه يستبعد غاية الاستبعاد أن يكون على الجميع مثل حدّ الامرأة المرجومة.

قوله : ويظهر من الخبر الثاني.

لا يخفى أنّه لا دلالة لرجوع الناس وانصرافهم على عدم الفرق شرعا ؛ اذ لعلّهم لا يعلمون أنّ التوبة توجب سقوط الحد ، ولا استبعاد فيه ؛ لأنّ هذه المسألة ليست ممّا تعمّ به

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٢٨ / ٥٥.

(٢) وسائل الشيعة : ٢٨ / ٥٤.

(٣) وسائل الشيعة : ٢٨ / ٥٥ و ٥٦.

٨٢١

البلوى حتّى يعلمها كلّ أحد ، ولو علموا فلا حجيّة في فعلهم ؛ اذ لا اجماع قطعا ؛ لخروج المعصوم قطعا ، ولا تقرير من الامام على فعلهم ؛ لأنّه انّما هو لو كان الامام عالما بفعلهم ما يوجب الحد وتحقّق التوبة لهم أو لبعضهم.

وثالثها

قوله : ولأن الزنا بالنسبة إليها تام.

لأنّ زنا المرأة لا يشترط فيها عقل الزانى. والمفروض أنّها محصنة أيضا ، فيجب الحد تامّا. ويمكن أن يكون المراد بتمام الزنا بالنسبة إليها حصول كمال اللذة لها ، ولكنّه بعيد على أنّه لا يصلح دليلا شرعيّا لثبوت الحكم.

قوله : بخلاف زنا العاقل.

هذا متعلّق بقول المصنّف : « ولو زنا بها المجنون فعليها الحد تامّا ». [ أي ] في زنا المجنون عليها الحد ، بخلاف زنا العاقل بالمجنونة ؛ فانّه ليس على العاقل الحد تاما على المشهور للنص والأصل.

وقد يقال بتعلّقه بقوله : « تام » أي : لأن الزنا بالنسبة إليها تامّ ، بخلاف زنا العاقل بالمجنونة ؛ فانّ الزنا حينئذ بالنسبة الى العاقل ليس بتامّ ؛ لدلالة الشهرة. والنص والأصل انّما يدلّان على عدم تماميّة الحد ، دون عدم تماميّة الزنا ، بل الزنا بالنسبة الى العاقل هنا أيضا تامّ ، وان اشتهر عدم تمامية الحد للنص.

قوله : مع عدم سلامة سندها.

هذا مع أنّها معارضة بأخبار كثيرة عامّة وخاصّة ، أقوى سندا وأكثر اعتضادا مثل حديث رفع القلم عن المجنون ، وبه استدلّ امير المؤمنين عليه‌السلام على عمر حين أمر بحدّ المجنونة وخصوصية المورد مدفوعة بعموم التعليل.

قوله : أدوارا أو لغيره.

فيكون حال الفعل عاقلا زائلا عنه الجنون. والمراد بغيره : حصول الافاقة له في هذا الآن وان لم يكن أدوارا

قوله : لقوله تعالى.

٨٢٢

لا يخفى أنّه لا دلالة للآية ؛ اذ المراد بعدم أخذ الرأفة هو التخفيف عمّا يثبت شرعا ، فما لم يثبت الشدّة لم يكن تركها رأفة ، نعم يدلّ عليه ما في الموثّق من أنّ حدّ الزاني كأشدّ ما يكون من الحدود. (١) وفيما كتب مولانا الرضا لمحمّد بن سنان : « وعلّة ضرب الزاني على جسده بأشدّ الضرب لمباشرته الزنا واستلذاذ الجسد كلّه به ». (٢) ويدلّ بعض أخبار اخر أيضا.

قوله : سواء في ذلك الذكر.

لا يخفى أنّ ظاهر هذه العبارة يدلّ على أنّ تلك التسوية مصرّح بها في الرواية ، وليس كذلك. وكأنّ مراده : أنّ التسوية لأجل لفظ الزاني من غير تخصيص بالذكر والانثى.

وفيه أيضا نظر يأتي.

قوله : والأجود الأوّل لما ذكرناه.

لكن ينبغي تقييده بما إذا لم يمنع الثوب من ايصال شي‌ء من ألم الضرب ، كما هو ظاهر المبسوط ، وصريح السرائر ؛ تحصيلا لفائدة الجلد ، وعملا بما دلّ على ضربه ؛ فانّه لا يتحقّق الضرب الّا بعد امساس الألم.

قوله : والرواية ضعيفة.

هذا مع أنّ في الأخبار ما يدلّ على سترها كما ورد في امرأة أقرّت عند أمير المؤمنين عليه‌السلام بالفجور قال : فحفر لها حفيرة في الرحبة وخاط عليها ثوبا جديدا ، وادخلها الحفيرة. (٣) وروي أيضا أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله أمر فشدّ على الجهنية ثيابها ، ثمّ رجمت. (٤)

قوله : والرواية ضعيفة السند.

هذا مع أن في دلالتها أيضا تأمّلا ؛ لأنّه مختصّ بالرجل لظاهر الصيغة ، وإرادة الجنس منه بحيث يشمل الزانية ... مجاز يحتاج الى القرينة ، وهي مفقودة ، بل الأخبار الدالّة على ستر المرأة قرائن منفصلة على خلافه.

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٢٨ / ٩٣.

(٢) وسائل الشيعة : ٢٨ / ٩٤.

(٣) وسائل الشيعة : ٢٨ / ١٠٧.

(٤) راجع جواهر الكلام : ٤١ / ٣٦١.

٨٢٣

ورابعها

قوله : وان لم يملك.

أي البضع.

قوله : لاطلاق الحكم على البكر.

أي : اطلاق الحكم في الحديث على البكر ، كما في النبوي : « البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام ، والثيّب بالثيّب جلد مائة ، ثمّ الرجم ». (١)

قوله : والّا لزم تأخير البيان.

استثناء عن قوله : « فلا يتخصّص » أي : فلا يخصّص ؛ لأنّه لو تخصّص لكان لمخصص مؤخّر ؛ لفقد المقارن ، وتأخير المخصّص يوجب تأخير البيان ؛ لأنّ التخصيص بيان.

ولا يخفى أنّ اللازم منه هو تأخير البيان عن وقت الخطاب ، والذي اتّفقوا على بطلانه هو تأخير البيان عن وقت الحاجة ، دون وقت الخطاب والّا لزم بطلان التخصيص بالمخصّصات المنفصلة ، مع أنّها أكثر من أن تحصى.

قوله : والقائل الشيخ ( رحمه‌الله ).

وهو مختار صاحب الجامع ، والغنية والاصباح ، وظاهر المقنع ، والمقنعة ، والمراسم ، والوسيلة بل ادّعى عليه في التحرير الشهرة ، واختاره فيه ، وفى المختلف ، وصاحب الايضاح والمختصر. وذهب الى الأوّل الشيخ في المبسوط ، والخلاف ، وابن ادريس وابن عقيل ، وابن الجنيد ، والحلبي وأكثر المتأخرين وظاهر السرائر وصريح الخلاف كونه مجمعا عليه بين الطائفة.

قوله : وهما اللذان قد أملكا الى آخره.

في بعض نسخ الرواية الاولى : « والذي قد أملك ولم يدخل بها ». (٢) وعلى هذا فلا تشمل تلك الرواية على نفي المرأة.

__________________

(١) كتاب النفي والتغريب للطبسي ص ١٤٩ نقلا عن صحيح مسلم وغيره ، وعوالي اللئالى ٢ / ١٥٢.

(٢) وسائل الشيعة : ٢٨ / ٦٣.

٨٢٤

قوله : وفي الثانية.(١)

هذا مع أنّ في دلالتها أيضا ضعفا ؛ اذ يحتمل أن يكون تفسير البكر والبكرة فيها عن الراوي ، دون الامام.

قوله : وان انتفت.

أي : فائدة الجزّ ، وهي الاهانة والزجر ؛ فانّهما منفيان فى غير المربّي. والتقييد بقوله : « ظاهرا » لامكان ترتّب فائدة واقعية غير معلومة لنا على جزّ مطلق شعر الرأس سواء كان مربيا أم غيره.

قوله : بل مطلق وطنه.

أي : سواء كان مصرا ، أم قرية ، أو بادية ، أو يكون هذا الترقّي للاشارة الى وجوب النفي عن جميع الأوطان اذا كانت متعدّدة.

قوله : حتّى يكمل ثانيا على ما سبق.

أي : يكمل العام الأوّل ثانيا وقوله : « على ما سبق » متعلّق بقوله : « اعيد » أي : اعيد على ما سبق من كون الاعادة الى بلد يصدق عليه اسم الغربة سواء كان قريبا أو بعيدا ، أو متعلّق بقوله : « يكمل » أي : يكمل على النحو الذي سبق أي : عاما هلاليا.

ويمكن أن يكون ما سبق عبارة عمّا سبق من أيام الغربة ، فيكون « يكمل » بمعنى : ضيف أي : يضيف ما نقص على ما سبق ثانيا. وقوله : « وان طال الفصل » أي : ان طال الفصل بين الاعادة وبين التغريب الأول بأن لا يطّلع الحاكم على اعادته. ويمكن أن يكون قوله : « ثانيا » صفة لموصوف محذوف أي : حتى يكمل عاما ثانيا على ما سبق من أيّام الغربة ، ويكون المراد من قوله : « وان طال الفصل » حينئذ : انّه وان طال الفصل بين أيام الحد والتغريب الأوّل وبين هذا التغريب.

وفي بعض النسخ « بانيا » بالباء الموحدة التحتانية ، و « النون » و « الياء » والمعنى حينئذ واضح أي : يتمّ العام الأول بضم ما سبق على ما يأتي.

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٢٨ / ٦٢.

٨٢٥

وخامسها

قوله : وكان هذا كلّ الواجب.

اذ لو وجب غيره ، لزم تأخير البيان. وفيه نظر مرّ في نظيره.

وقوله : « لا قائل بالفرق ».

أي : بين الأمة والعبد ، والأولى الاستدلال في هذه المطالب بالأخبار المستفيضة الصريحة الواردة في المقام منها : الصحيح : قضى أمير المؤمنين عليه‌السلام في العبيد اذا زنى أحدهم أن يجلد خمسين جلدة ، وان كان مسلما أو كافرا ، وأن لا يرجم ولا ينفى. (١)

ومنها : في الأمة تزني قال : تجلد نصف الحد كان لها زوج أو لم يكن لها زوج. (٢)

ومنها : اذا زنى العبد والأمة ، وهما محصنان ، فليس عليهما الرجم ، انّما عليهما الضرب خمسين ، نصف الحدّ. (٣) والمراد بالضرب : ضرب السوط الذي هو الجلد.

هذا ، وممّا يدلّ على نفى التغريب في العبد والأمة أنّه اضرار بالسيّد ، وأيضا هذه الامور للتشديد ، والمملوك اعتاد الانتقال من بلد الى آخر.

قوله : بذلك على نفي التغريب.

أي : بعدم ثبوت الجزّ والتغريب على الأمة.

قوله : على الأمة نصفها.

بأن تغرب نصف المدّة التي تغرب فيها الحرّة.

وسادسها

قوله : لا يبلغ القتل.

فانّه اذا كان الحد القتل ، فيقتل المبعض أيضا ؛ اذ لا فرق في موجبات القتل من الزنا بين الحر والعبد.

وسابعها

قوله : الضغث.

يعني : أنّ الضغث ، وان كان في الأصل اسما بمعنى الحزمة من الشي‌ء ، ولكن المراد

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٢٨ / ١٣٤.

(٢) وسائل الشيعة : ٢٨ / ١١٣.

(٣) وسائل الشيعة : ٢٨ / ١٣٤.

٨٢٦

هنا : المعنى المصدري مجازا بقرينة المقابلة مع الأقسام الستّة المتقدّمة ؛ فانّها مصادر أفعال ، فكذا هنا ، فالمراد به هنا : القبض على المشتمل على العدد وضربه دفعة.

تتمّة

قوله : لإمكان عود البكارة.

فان قيل : انّ بين عدم حدّ المرأة وعدم حدّ الشهود لإمكان عود البكارة تناقضا ؛ لأنّ عدم حدّ المرأة ؛ لأجل تعارض شهادة النساء مع شهادة الرجال ، وهذا التعارض انّما يكون اذا لم يجتمع البكارة مع الزنا. وأمّا مع امكان اجتماعهما بعود البكارة ، فلا تعارض ، واستند عدم حدّ الشهود بامكان الاجتماع ، فلا يكون بين الشهادتين تعارض ، فلا بدّ امّا من القول بعدم امكان عود البكارة فيحدّ الشهود أو بامكانه ، فيحدّ المرأة ؛ لعدم منافاة شهادة النساء مع زناها حينئذ.

قلنا : انّ امكان عود البكارة وان كان ممكنا ، ولكنّه خلاف الظاهر ، ومن الامور النادرة الوقوع ، والاحتمال المخالف للظاهر والنادر الوقوع صالح لدرء الحدود كما عرفت من نظائره صورا كثيرة. ولكن لا يحمل عليه الواقعة ما لم يكن عليه دليل ، سيما اذا كان حمل الواقعة عليه موجبا لثبوت حد لهذا الاحتمال يصلح لدرء الحد عن الشهود ، ولكن لا يحمل عليه شهادة النساء ؛ لايجابه ثبوت الحد على المرأة.

هذا ثمّ لا يخفى أنّ بعض المتأخّرين استدلّ على سقوط الحد عن الشهود بتعارض الشهادات ، واحتمال صدق كلّ منهما وكذب الآخر وهو خطأ ؛ لأن احتمال الصدق لا يدفع حدّ القذف ، والّا لم يحد أكثر ما حكموا بحدّه للقذف ، بل يدفعه اثبات ما ادعاه فالتعارض انّما هو صالح لدفع الحد عن المرأة فقط كما فعله الشارح.

نعم يرد هذا على الشارح أيضا على ما في بعض النسخ من قوله : « ولإمكان عود البكارة » بـ « واو » العطف.

قوله : في الأوّل للتعارض.

أي : لتعارض الشهادات في الأوّل أي : في الشهادة على كونها رتقاء ؛ فانّه كما يمكن صدق الرجال يمكن صدق النساء أيضا ، فيتعارضان ، بخلاف الشهادة على الجب ؛ فانّه

٨٢٧

أمر يمكن مشاهدته ولا يشهد عليه في صورة عدم وجوده ، وليس أمرا مخفيا ، فلا يحتمل كذب الشاهدين عليه وهذا انّما يناسب النسخ التي عطف فيها قوله : « لامكان عود البكارة » على « تعارض الشهادة » حتى يكون تعارضها دليلا لسقوط حد الشهود أيضا ، وعلى النسخ الاخرى فيمكن ان يحمل قوله للتعارض على تعارض الاحتمالات فيكون المراد : امكان تجدّد الرتق للمرأة ، بخلاف الجب ؛ فانّ المفروض أنّهم يشهدون على كونه مجبوبا في زمان شهادة الزنا ، والّا فهو خارج عن البحث.

قوله : ومن افتضّ بكرا باصبعه.

الظاهر أنّ التخصيص بالاصبع من باب التمثيل ، والّا فكلّ ما يوجب الافتضاض بشرط أن لا يوجب الجراحة فهو في حكم الاصبع ، ولذا قال جماعة : « ولو باصبعه ».

ولا يخفى أنّه لا فرق في المفتضّ بين أن يكون رجلا أو امرأة.

قوله : لأنّه موجب الجناية.

الضمير راجع الى الأرش ، والموجب بفتح الجيم.

قوله : وهذا الحكم.

أي : حكم لزوم مهر النساء في الحرّة ، وعشر القيمة في الأمة عرضيّ ؛ لأن المقصود بالذات في هذا الباب بيان الحدود ، دون الحقوق اللازمة في المال بل المناسب بيانه في هذا الباب بيان ما في هذا العمل من التعزير.

قوله : الى تسعة وتسعين.

ونقل عن الشيخ الى سبعة وتسعين. و [ أظهر ] الأقوال أوّلها حملا للحد في الصحيح على التعزير ؛ لعدم ثبوت الحقيقة فيه ، وتأويلا للصحيحة الاخرى ؛ لعدم عامل بتعيين الثمانين.

الفصل الثانى في اللواط

قوله : فيقتل حيث يقتل

يمكن تصحيح العبارة بوجوه ثلاثة :

٨٢٨

الأوّل بأن يقرأ : فيقتل حيث يقبل ، فالأوّل من القتل ، والثاني من القبول ، ويكون المعنى أنّه فيقتل العبد حيث يقبل الشهادة أي : يتحقق الشهادة بشرائطها.

والثاني : فيقتل حيث يقتل بأن يكون كلاهما من القتل أي : فيقتل العبد بالشهادة كما يقتل الحر بها او فيقتل بالشهادة حيث يجب القتل

والثالث : فيقبل حيث يقبل بان يكون كلاهما من القبول والمعنى فيقبل الشهادة على العبد حيثما يقبل فيه الشهادة على الحقوق مع تحقّق شرائط الشهادة. أمّا عكس الأوّل فلا معنى له.

قوله : غلاما بشهوة.

احترز بقيد « الشهوة » عما يكون برأفة ، أو صداقة دنياوية ، أو عادة عرفية ؛ فانّه لا حرج في ذلك ، ولا اثم كما صرّح به ابن ادريس. ويدلّ عليه الأصل مع التقيد في الروايات بالشهوة. ويؤيّده عموم ما روي من استحباب تقبيل القادم من مكّة. ولا فرق في الغلام بين الصغير والكبير ، والمحرم والأجنبي ، ولا فرق أيضا في أن يكون التقبيل من الرجل أو المرأة.

قوله : فيما بين الحدّين.

التقييد بقوله : « فيما بين الحدّين » لأنّ كلّ عدد بينهما منوط برأي الحاكم من جميع الوجوه ، فان أراد اقتصر عليه ، وان أراد قلّة ينقص عنه ، وان شاء يتجاوز ، بخلاف الحدّين ؛ فان الثلاثين ممّا يجب الاتيان به قطعا ، فليس له النقص ، والتسعة والتسعين وان جاز له النقص عليه ، الّا أنّه ليس له التجاوز ، فلكل منهما جهة حتمية ، وان كانت جهة اختيار أيضا بخلاف ما بين الحدّين ؛ فانّه ليس فيه جهة تحتّم ، فالرجوع فيه الى رأي الحاكم مطلقا ، ثمّ كون ذلك طريق الجمع مع امكانه بوجه آخر لوجود الشاهد عليه ، وهو الشهرة بل الاجماع المنقول ، ثمّ طريقة الجمع بأن يراد من الأوّل أكثر ما يضربان ، ومن الثاني : أقلّه.

قوله : فيحمل على الجلد جمعا.

٨٢٩

أي : جمعا بينه وبين ما دلّ [ على ] أنّ فيه الجلد كالموثّق « السّحاقة تجلد ». (١) والمرسل عن أمير المؤمنين عليه‌السلام أنّه قال : « السحق في النساء كاللواط في الرجال ، ولكن فيه جلد مائة ». (٢)

ولا يخفى أنّه وان أمكن الجمع بحمل هاتين الروايتين على غير المحصنة أيضا. الّا أن ما ذكره الشارح أرجح ؛ لموافقته لعمل الأكثر ، بل عامّة من تأخّر.

وأمّا ما في الاحتجاج عن القائم عليه‌السلام : « وأمّا اذا ساحقت ، فيجب عليها الرجم » (٣) فلقصور سنده لا يوجب علما ولا عملا. نعم في الصحيح في امرأة موطوءة ساحقت جارية فحملت الجارية : « أنّه ترجم المرأة ؛ لأنّها محصنة ». (٤) ويمكن تخصيصه بمورده ، وان لم يلائمه التعليل.

قوله : وقيل : تقتلان في الثالثة.

يمكن أن يكون المراد بالثالثة : المرة الثالثة من الفعل. وأن يكون : المرة الثالثة التي حدّ قبلها مرّتين ، ولكن المصرح به في كلامهم هو المعنى الأول.

والقائل بهذا الحكم ـ أي : القتل في الثالثة ـ ابن ادريس في السرائر. وقال الشيخ في النهاية : « إنّهما يقتلان في الرابعة ». ويدلّ عليه خبر يشمل على احكام مخالفة للإجماع وذلك مع ضعف سنده يمنع عن العمل به.

قوله : لأنّه مخلوق من مائه الى آخره.

المراد : انّ المقتضي للالحاق ، وهو الخلق من الماء الموجب لصدق الولد عرفا ولغة موجود ، والمانع عنه مفقود ؛ لأنّ المانع الثابت مانعيّته ليس الّا الزنا والسحق منه لغة وعرفا ، فيشمله اطلاق ما دلّ على أحكام الولد من حرمة التناكح ، وثبوت التوارث ، مع أنّ الأوّل ثابت في ولد الزنا اتفاقا ، فهاهنا أولى.

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٢٨ / ١٦٥.

(٢) مستدرك الوسائل : ١٨ / ٨٦.

(٣) الاحتجاج ( بتحقيق السيد محمد باقر الخرسان ) : ٤٦٣.

(٤) وسائل الشيعة : ٢٨ / ١٦٨.

٨٣٠

وما يتوهّم كونه مانعا من انتفاء الفراش غير صالح للمانعية ؛ اذ لم يثبت اشتراط الفراش ، ولذا يحكم بإلحاق ولد الشبهة. نعم يمكن التردّد في شمول الإطلاقات نحو المقام ؛ لعدم تبادر منه ، ورجوع المطلق الى الفرد الشائع ، وشمولها لولد الشبهة ، مع كونه أظهر ممّا نحن فيه للاجماع فلا يصلح قرينة على التعميم بناء على كونه منه أيضا ؛ لاحتمال كون الاجماع دليلا مستقلّا على الشمول ، لا قرينة على الدخول تحت الاطلاق ، الّا أنّ وجود الرواية الصحيحة الدالّة على الالحاق بالرجل ، كما يأتي ، يدفع هذا التردّد. ثمّ انّه قد يمنع كونه مخلوقا من مائه ؛ لاحتمال كونه من ماء الزوجة ، وهو توهّم فاسد ؛ اذ لا يحصل الولد من ماء الانثيين ، بل يشترط وجود ماء الذكر وليس غير هذا بالفرض.

قوله : ولا بالبكر على الأقوى.

لا وجه للتفرقة بين الرجل والبكر على ما ذكر من الدليل ؛ لأنّ الصدق العرفي وانتفاء المانع الشرعي الثابت مانعيّته متحقّق في البكر أيضا ، ولا مانع الّا التردّد في شمول اطلاقات احكام الولد لمثل ذلك ، وهو بعينه جار في حق الرجل.

فالحق عدم التفرقة بينهما من هذه الجهة ، كما صرّح به بعضهم. نعم التفرقة بينهما حاصلة من جهة اخرى ، وهي دلالة الخبر الصحيح على الالحاق بالرجل ، وعدم دليل على الالحاق بالبكر ، والخبر الصحيح هو ما روي من أنّه يعمد الى المرأة فيؤخذ منها مهر الجارية البكر في اوّل وهلة ؛ لأنّ الولد لا يخرج منها حتّى تشق فتذهب عذرتها ، ثم ترجم المرأة ، لأنّها محصنة ، وينتظر بالجارية حتّى تضع ما في بطنها ، ويرد الولد الى أبيه صاحب النطفة ، ثم تجلد الجارية الحد. (١) واشتمالها على رجم الموطوءة غير ضائر ؛ لأنّ خروج بعض الرواية عن الحجيّة بدليل خارج ، لا يوجب خروجها عنها ، مع احتمال القول برجم المحصنة هنا خاصّة.

قوله : استنادا الى رواية ضعيفة السند.

قد ذكرنا رواية صحيحة دالة على رجم الموطوءة. وبمعناها أخبار اخر كان بعضها صحيح ، وأمّا صحّة أخبار عدم الرجم ، ففي محل المنع ، ولذا قيل : ان دعوى الشارح

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٢٨ / ١٦٨ ، و ١٦٩.

٨٣١

ضعف سند رواية الرجم مع الاحصان ، وصحّة ما دلّ على عدمه مطلقا ؛ غريبة ، بل الأمر بالعكس.

قوله : والقائل الشيخ ( رحمه‌الله ).

واختاره جماعة اخرى ، وادّعى عليه في الغنية والانتصار الاجماع. ونسبه بعض آخر الى المشهور.

قوله : لمدّة نفيه.

اعلم أنّه ورد في فقه الرضا : أنّ المراد بالنفي عن البلد حبسه سنة أو يتوب (١) ، ولكن لا يعدل به لضعف سنده عن ظاهر الرواية المتقدّمة.

قوله : الّا مع العذر المانع.

كبرء المريض ، أو وضع الحبلى ، أو اجتماع الناس ، ومثلها.

قوله : ولا شفاعة في اسقاطه.

ويدلّ على عدم الشفاعة قوله تعالى : ( وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ ) (٢) والشفاعة لا تنفك عن الرأفة ، والآية وان كانت في الزاني والزانية ، الّا أنّها تدلّ على تمام المطلوب بعدم القول بالفصل ، مع أنّ هذا الحكم كعدم الكفالة والتأخير ممّا لا خلاف فيه.

الفصل الثالث في القذف

قوله : للأب خاصّة.

تظهر الفائدة في الاسقاط ، فلو أسقط الأب الحدّ سقط وان لم يسقطه الولد ، وكذلك في البواقي.

قوله : فالظاهر القذف للأبوين.

لا يخفى أنّ الظاهر عدم ثبوت القذف بالنسبة إلى شي‌ء من الأب والام في مثل : ولدت من الزنا. أمّا الام ؛ فلاحتمال الشبهة من جانبها ، أو الاكراه ، وأمّا الأب فلعدم تعين الزاني حينئذ لأنّه لا يدلّ على انّ أبه الشرعي زان ، بل غاية ما يدلّ عليه أنّه من ماء الرجل الزاني ،

__________________

(١) فقه الرضا عليه‌السلام : ٣١٠.

(٢) النور : ٢.

٨٣٢

وهو ليس بمعيّن ، فيكون مثل قوله : زنا رجل ولا يثبت بمثل ذلك الحد ، مع أنّ احتمال الشبهة والاكراه فيه أيضا قائم.

وأمّا ما استدلّ به القائل بأنّ القذف لهما من أنّ تولّده بهما ، وقد نسب التولد الى الزنا ؛ ففيه : أن كون التولّد منهما لا يصير سببا لان لا يصح نسبة التولد الى الزنا بزنا احدهما فانّه لو زنا احدهما فيصدق ان التولد من الزنا. وأمّا ما ذكره من أنّه الظاهر عرفا ، فهو في حيّز المنع.

قوله : مدلول.

نائب الفاعل للمنسوب. وقوله : « من الأفعال » بيان للمدلول. وضمير « هو » راجع الى المدلول. ولا يخفى أنّ المدلول على ما ذكره هو أنّه قواد على زوجته ، أو غيرها من أرحامه ، والمنسوب إليه هذا المدلول هو الشخص المواجه بهذه الألفاظ أي : القائد ، وليس هذا المدلول قذفا ، لأنّه كما عرفه به الشارح ، هو الرمي بالزنا ، أو اللواط ، وأمّا الرمي بالقيادة ، فليس من القذف ، وان كان شتما يوجب التعزير ، فلا وجه لايجاب الحد بذلك ، وكذا لا يثبت بهذا اللفظ الحد للزوجة ، والقيادة على الزوجة لا تستلزم وقوع الزنا منها ، وهذا ظاهر. ولم يستعمل هذه الألفاظ في معنى دال على الرمي بالزنا أو اللواط في عرف أصلا ، فلا حدّ فيها أصلا ، وان أوجب التعزير على كثير من الاصطلاحات.

قوله : مدلول هذه الألفاظ من الأفعال.

بيانه : أنّ دلالة اللفظ على معنى امّا بالعرف الخاص ، أو اللغة ، أو العرف العام ، ونسبة اللغة والعرف العام الى الجميع على السواء ، ولكن العرف الخاص يتفاوت بالنسبة الى الطوائف ، فيمكن افادته بالنسبة الى طائفة معنى ، دون طائفة اخرى ، ولكن اذا كان موضوعا في اللغة ، أو في العرف العام فيفيد ذلك المعنى عند كلّ أحد. وعلى هذا فلمّا كانت هذه الألفاظ غير موضوعة لغة ، ولا في العرف العام ، فيمكن عدم افادته القذف في عرف طائفة فيكون قوله : « نظرا » علّة لعدم الافادة أي : لقوله : « لم تفد ».

ولكن فيه أنّ اختلاف [ العرف ] الخاص واللغة ممكن ، والعرف الخاص يقدّم حينئذ على الأشهر ، وحينئذ فلا يصير عدم الوضع اللغوي سببا لعدم الافادة في عرفه ، لإمكان عدم الافادة في عرفه ، ولو كانت في اللغة موضوعة لذلك المعنى. فتأمّل.

٨٣٣

قوله : والتعريض بالقذف.

اعلم أنّ الظاهر المتبادر من التعريض أن لا يكون المعرض له معنى اللفظ ، لا احد احتمالاته ولا معناه التضمّني ، ولا الالتزامى ، بل كان معناه غيره ، ويراد به المعرض له ، مفهما ايّاه بالقرائن الحاليّة أو المقاليّة. مثل : يا ولد الحلال أو يا حلال بن حلال وأمثالهما.

ولا شك أن أحد احتمالات الحرام الزنا ، وقد سبق من المصنّف : « أن قوله : ولدت من الزنا قذف » ، فيكون أحد احتمالات « هو ولد حرام » أنّه ولد زنا فلا يكون تعريضا. فالظاهر أنّ هذا مثال للتأذّي وما عطف عليه مثال للتعريض.

وامّا قوله لزوجته : « لم أجدك عذراء » فهو أيضا تعريض ، لأنّ الزنا ليس أحد معاني هذا اللفظ ، بل أحد أسبابه.

قوله : فانّه تعريض بكونها.

الظاهر أنّ كونه تعريضا لأجل عدم كون القذف معناه ، ولا أحد احتمالاته ، بل كونه تعريضا لما ذكرنا من عدم كونه موضوعا له ، وفهمه منه بالقرائن الخارجيّة ، بل الزنا أحد أسبابه كما لا يخفى.

ثمّ لا يخفى أنّ ايجاب هذا القول للتعزير انّما هو اذا أراد وهن الزوجة ، وكان في مقام الايذاء لها لا مطلقا ، كما صرّح ابن ادريس ، ومن الأصحاب من قال بايجابه الحد ، لدلالة خصوص رواية عليه.

قوله : وكذا يعزّر بكلّ الى آخره.

لا خلاف في ذلك بين الأصحاب ، بل نقل عليه الاجماع في المعتبر ، والنصوص المستفيضة العامّة أو الخاصة ببعض الأمثله دالّة عليه ، كما في الخبر عن رجل قال لآخر : يا فاسق. فقال : « لا حدّ عليه ، بل يعزّر ». (١) وفي آخر : « اذا قال الرجل أنت مخنّث ( خبيث خ ل ) وأنت خنزير فليس فيه حدّ ، ولكن فيه موعظة وبعض العقوبة ». (٢)

وفي ثالث : قضى أمير المؤمنين عليه‌السلام في رجل دعا آخر : ابن المجنون. فقال الآخر : أنت

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٢٨ / ٢٠٣.

(٢) وسائل الشيعة : ٢٨ / ٢٠٣.

٨٣٤

ابن المجنون فأمر الأوّل أن يجلد صاحبه عشرين جلدة ، وقال له : اعلم أنّه مستعقب مثلها عشرين. فلمّا جلده أعطى المجلود السوط ، فجلده. (١)

وفي رابع : شكا رجل الى أمير المؤمنين عليه‌السلام من قال له : احتلمت بامّك فقال عليه‌السلام : « سنوجعه ضربا وجيعا حتّى لا يؤذي المسلمين فضربه ضربا وجيعا ». (٢)

ويستفاد منه الحكم عموما أيضا وفي خبرين أنّه عليه‌السلام كان يعزّر في الهجاء ، (٣) فلا اشكال في الحكم مطلقا.

قوله : لم يكن له حرمة.

هذا صريح قول مولانا الصادق عليه‌السلام في ما روى عنه أنّه قال : « اذا جاهر الفاسق بفسقه ، فلا حرمة له ، ولا غيبة » (٤) فالضمير المجرور راجع الى المتظاهر بالفسق ، والمراد بالحرمة ؛ الاحترام. ويحتمل أن يكون راجعا الى القول بما يكرهه ، والمراد بالحرمة : الحكم المقابل للواجب.

قوله : فيشترط شروطه.

أي : طريق النهي عن المنكر ، فيشترط فيه شروطه من تجويز التأثير ، والاذن الخاص أو العام على قول ، وغيرهما

قوله : فيعزّر الصبي خاصة.

قيد للتعزير أي : لا حدّ فيه. وينبغي تقييد الصبي بكونه مميّزا ، والّا فتعزيره قبيح عقلا ، وكذا شرعا. ويمكن التوجيه : بأن القذف لا يتحقق في غير المميّز ، لأنّ المعرفة بمعنى اللفظ والقصد الى القذف يشترط فيه ، ولا يتحققان في غير المميّز غالبا.

وقيل : ينبغي تقييد تعزير الصبي والمجنون بكونه ممّن يرجى منه الكف به ، ولا بأس به.

ولا يخفى أنّه لا نصّ هناك يدلّ على تعزيرهما. واستدلّوا عليه : بأنّ فيه جسم مادة الفساد ، وهو الأصل في شرعيّة الحدود والتعزيرات.

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٢٨ / ٢٠٣.

(٢) وسائل الشيعة : ٢٨ / ٢١٠.

(٣) وسائل الشيعة : ٢٨ / ٢٠٤.

(٤) وسائل الشيعة : ١٢ / ٢٨٩.

٨٣٥

قوله : ويظهر من اقترانهنّ.

وجه الظهور : أنّه لو لا أنّ المراد بها الزنا لما كان وجه للتقييد بالمحصنات ؛ اذ لا عذاب على المحصنات من حيث انهنّ محصنات ، حيث ان التعليق بالوصف مشعر بعلية وصف الزنا.

ويمكن هذا اذا اريد بالاحصان : الاحصان الذي يكون في الرجم. وأمّا لو قيل : انّ المراد بالمحصنات : هو الأحرار كما فسر به الشارح فيما بعد لما ظهر منه ما ذكره.

قوله : والمحصنات من النساء.

قد يفسر المحصنات في الآية الثانية بالعفائف. وقوله : « غير مسافحات » أي : غير مجاهرات بالسفاح ، فسّره البيضاوي ، والاستشهاد بها هاهنا بناء على تفسيرها بالزوجات.

قوله : والمحصنات من المؤمنات.

وقد يطلق أيضا على اجتماع القيود الثمانية التي ذكرها في الرجم.

قوله : ووجهه عموم الأدلّة.

المراد بالأدلّة : أدلّة تعزير قاذف غير المحصن كما في الخبر : من افترى على أهل الذمة وأهل الكتاب قال : « لا ، ولكن يعزّر ». (١) وبإطلاقهما يشمل المتظاهر وغيره ، والمورد وان كان مخصوصا ، الّا أنّه يعمّ بالأولويّة وعدم القول بالفصل.

وفي خبر آخر : « كلّ بالغ من ذكر أو انثى افترى على صغير أو كبير ، أو ذكر أو انثى ، أو مسلم أو كافر ، أو حرّ أو مملوك فعليه حد الفرية ». (٢) والمراد بالحد أعمّ من التعزير ، كما لا يخفى.

قوله : في أهل الريب.

لا يخفى أنّ الظاهر من أهل الريب أهل الشك والشبهة في الدين فلا يصدق على المتظاهر بالفسق. نعم في بعض النسخ : في أهل الذنب. وعلى هذا فيتم الاستدلال.

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٢٨ / ٢٠٠.

(٢) وسائل الشيعة : ٢٨ / ١٨٦.

٨٣٦

ويمكن الاستدلال بالرواية : « لو اتيت برجل قد قذف عبدا مسلما بالزنا ، لا نعلم منه الّا خيرا ، لضربته الحد حدّ الحر الّا سوطا » (١) حيث قيد بقوله : « لا نعلم » الى آخره.

قوله : فلا حدّ.

أي : فلا حدّ له لو واجهه بما يوجب [ الحدّ ] لكونه كافرا.

قوله : من هذه للتأويل.

وجه التأويل في هذه العبارة : أنّ المراد بقوله : « وورثها الكافر » ؛ أنّه كان بحيث يرثها لو كان مسلما ، والمراد بقوله : « فلا حدّ » : أنّه لا حدّ للكافر ، وان كان للامام حيث انّه وارث من لا وارث له ، فيرث الحدّ وليس له العفو كما ادعى عليه الاجماع في الغنية وغيره.

قوله : بحمل الأولى الى آخره.

توضيح المقام : أنّه لا تعارض بين الجزءين الأولين من الخبرين ولا بين الأخيرين منهما ، لاتحاد حكم الأوّلين وكذا الأخيرين. وانّما التعارض بين الأوّل من كلّ منهما والأخير من الآخر. والتعارض بالعموم والخصوص من وجه ، ولا ترجيح حتّى يعمل في مادة الاجتماع بالراجح مطلقا ، فيعمل في أحد المتعارضين وهو أوّل الأوّل وآخر الآخر بآخر الآخر ، وفي ثانيهما وهو آخر الأوّل وأوّل الآخر بآخر الأوّل ؛ ليحصل الجمع بينهما فيكون معنى أوّل الأوّل : رجل افترى على قوم جماعة بلفظ واحد ان أتوا به مجتمعين ضرب حدّا واحدا.

ويكون معنى أوّل الآخر : رجل قذف قوما جميعا ، وجاءوا به مجتمعين الى آخره. وبعد ذلك الجمع وان لم يكن حاجة الى تخصيص كلّ من الجزءين الأخيرين بما خصّ بهما الأوّلان ، ولكن لعطفهما على الأوّلين يلزمه تخصيصهما أيضا لوجوب اتحاد حكم المتعاطفين.

ومن هذا يظهر وجه ما ذكره الشارح من حمل الاولى على ما كان بلفظ واحد مطلقا. والثانية على ما جاءوا به مجتمعين مع عدم الحاجة الى هذا الحمل في الجزءين الأخيرين.

ومن هذا يظهر أيضا وجه كون قول ابن الجنيد عكسا لذلك ؛ فانّه عمل في أوّل

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٢٨ / ١٧٨.

٨٣٧

المتعارضين بأوّل الأوّل ، وفي ثانيهما بأوّل الآخر ، فيكون عمل ابن الجنيد في مادّة الاجتماع بعكس ما ذكره الشارح. ثم انّه لمّا وجب اتحاد حكم المتعاطفين يلزمه حمل الاولى بغير اللفظ الواحد ، والثانية بغير المجتمعين.

ومن هذا يظهر وجه آخر لكون قول ابن الجنيد عكسا أيضا ، ويكون المراد : أنّ حمل ابن الجنيد على عكس الحمل الذي ذكره الشارح. ويمكن أن يكون المراد بالعكس : العكس في الحكم أيضا ويكون المراد أنّه حكم بعكس ما حكم به المصنّف ؛ فانّ المصنّف حكم في صورة تعدّد اللفظ بتعدّد الحد مطلقا. وقال بالتفصيل في صورة اتّحاده [ وعدم ] تعدّد اللفظ.

قوله : والظاهر أنّ قوله فيه جماعة الى آخره.

اعلم أنّه يمكن أن يكون المراد بقوله ، اجتماعهم في الفرية بمعنى قذفهم بكلمة واحدة. وعلى هذا فلا يكون القذف في الخبر أعمّ من المتّحد لفظا والمتعدّد ، بل يختصّ بالأوّل ، ويكون التعارض بينه وبين الخبر الآخر بالعموم والخصوص مطلقا ، فيجب حمل المطلق ، وهو الأخير على المقيّد وهو الأوّل.

مسائل

قوله : ومن ثمّ أطلق.

أي : من جهة أنّ عدم الفرق أصح القولين ولا يخفى أنّ المصنّف صرّح قبل ذلك بالتردّد في ذلك ، فلعلّ اطلاقه هناك لأجل أنّه بيّن التردد ، بل هو كذلك ، لا لأجل أنّ عدم الفرق أصحّ القولين عنده.

قوله : ومقتضى العبارة الى آخره

يريد أنّ المفهوم من هذه العبارة اعتبار الاقرار في ثبوت ما يوجب التعزير مرّتين مطلقا ، مع أنّه حكم فيما سبق بأنّ المقرّ باللواط دون الأربع الشامل للمرّة يعزّر ، فبين الحكمين تناف.

أقول : لا تنافي بين الحكمين ؛ لأنّ المراد هنا أنّ موجب التعزير لا يثبت الّا بالاقرار مرّتين ، ولا يعزّر لأجل ذلك الّا بعد الاقرار مرّتين والمراد فيما سبق : أنّ المقر باللواط و

٨٣٨

لو مرّة يعزّر لأجل ذلك الاقرار ، لا لأجل ثبوت ما يوجب التعزير عليه ، وبينهما بون بعيد.

قوله : الّا مع اتحاد الصيغة الى آخره.

أي : معه لا يتعدّد الحد مطلقا ، بل يتعدّد اذا تفرقوا في المطالبة.

ولا يخفى أنّ المراد بتكرّر القذف : تكريره لفظا ، فلو قال لجماعة : يا زناة لم يكن القذف متكرّرا وان تعدّد المقذوف ، بخلاف ما لو قال لكلّ منهم : يا زاني ، فانّه تكرّر للقذف ، ويتكرّر الحد بتكرّره.

ومن هذا يظهر ما في قوله : « الّا مع اتحاد الصيغة كما مر ». اذ ما مرّ أنّه يتعدّد الحد لو تفرقوا في المطالبة ، فيكون المعنى : إلّا مع اتّحاد الصيغة ، فإنّ التعدّد حينئذ ليس مطلقا ، بل في صورة التفرّق فىّ المطالبة ، ولا خفاء في أنّ التعدّد حينئذ ليس لتكرّر القذف بل لتعدّد المقذوف ، فلا تعدّد للتكرّر في صورة اتّحاد الصيغة مطلقا وان تعدّد لتعدّد المقذوف.

ويمكن أن يكون مراده بقوله : « الّا مع اتحاد الصيغة » أنّه لا يتعدّد حينئذ مطلقا ، ولكن لا يكون وجه لقوله : « كما مر » ، كما لا يخفى.

قوله : وبلعان الزوجة

اضافة « اللعان » الى « الزوجة » اضافة المصدر الى المفعول أي : لعان الزوج الزوجة وأمّا لعان الزوجة الزوج فهو مسقط للحد عن الزوجة ، دون الزوج.

قوله : لكن هل يسقط الى آخره.

لا يخفى أنّ لفظة « يسقط » انّما يصح استعمالها فيما اذا ثبت وسقط ، ولا كلام في أنّه لا تعزير قبل الأربعة ، بل انّما يقول بثبوته ؛ لأجل سقوط الحد. [ قوله ] : « لأنّ الواجب » هذا علّة لاحتمال السقوط ، لا للخصوصية المذكورة بقوله : « خصوصا في الأخيرين » لعدم اختصاص الدليل المذكور بهما ، وأمّا الخصوصية فوجهها ظاهر خارجا.

أمّا السقوط عند العفو ؛ فلأنّ الظاهر من العفو عن الحدّ العفو عن التعزير أيضا ، فيسقط ، وأمّا عند اللعان ؛ فلأنّ اللعان موجب لدرء العذاب اللازم بسبب هذا اللفظ ، فلا يكون بسببه عذاب بعد اللعان ، بخلاف البيّنة والتصديق.

٨٣٩

قوله : لأنّ قيام البيّنة.

المراد أنّ قيام البيّنة والاقرار لا يجوّز القذف ، ولم يتحقّق ما يصلح لدفع التعزير ، بخلاف الأخير ، فان العفو واللعان وان لم يجوّزا القذف أيضا ، الّا أنهما صالحان لدفع التعزير لما مرّ من أنّ الظاهر من العفو عن الحد العفو عن التعزير أيضا ، وأنّ اللعان لدرء العذاب اللازم من هذا اللفظ الشامل للحد والتعزير.

قوله : تعزير عبده.

الاضافة بمعنى : « اللام » أي : التعزير الذي هو لعبده وأمته أي حقّهما.

قوله : سواء كان التأديب لقذف الى آخره.

تأديب المملوك للقذف اذا قذف غير المحصن.

قوله : فلا يبلغ أقلّه وهو خمسة وسبعون.

لا خلاف في أنّ نهاية التعزير في جانب النقصان موكول الى نظر الامام ، ولا في أنّه في جانب النهاية لا يصل الى حدّ الزنا ، ولكن وقع الخلاف فيما عدا ذلك الى أقوال.

أحدها : ما اختاره المصنّف من أنّه يجب أن لا يبلغ هذا الحد المخصوص.

وثانيها : أنّه يجب أن لا يبلغ حد الزنا مطلقا ، ففي الحر من سوط الى تسعة وتسعين ، وفي العبد الى تسعة وأربعين.

وثالثها : ما يظهر من بعضهم الميل إليه ، وهو أن لا يبلغ حدّ القذف مطلقا ولكن صرّح بأنّه ليس به قائل.

قوله : وسابّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله.

سواء كان الساب رجلا أو امرأة ، مسلما أو كافرا ، ويدل عل حكم الكافر بخصوصه ، بل المرأة ، ما روي عن على عليه‌السلام ؛ « أنّ يهودية كانت تشتم النبي وتقع فيه ، فخنقها رجل حتّى ماتت ، فأبطل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله دمها ». (١)

قوله : قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : « فيّ ».

بتشديد « الياء » يعني أنّ الناس كلّهم في حقي اذا سمعوا من يشتمني اسوة أي : قدوة و

__________________

(١) جواهر الكلام : ٤١ / ٤٣٩ ، نقلا عن سنن النسائى.

٨٤٠