الحاشية على الروضة البهيّة

الشيخ أحمد بن محمّد مهدي النراقي

الحاشية على الروضة البهيّة

المؤلف:

الشيخ أحمد بن محمّد مهدي النراقي


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-470-632-3
الصفحات: ٨٤٨

في المزارعة في بعض الصور إلّا أنّ العقد اللازم [ يوجب ] نقل الحصّة المخصوصة إلى كلّ منهما ، وللعامل نقل حصّته إلى من شاء مطلقا فلا يفيد تبعيّة النماء للأصل في التفرقة.

ولكن على هذا التوجيه لا بد أن يحمل قوله : « وإن لم يكن البذر منه » وكذا قوله :« حين المزارعة » وكذا قوله : « على الأرض ، والعمل والعوامل والبذر » على التمثيل ، وترك ذكر المساقاة قياسا على المزارعة. والأوّل أظهر.

قوله : شرط الوجوب.

أي : شرط وجوب الزكاة عليه ، وهو ـ أي شرط وجوبها عليه ـ تعلّق الوجوب بالزكاة حال كون النصاب في ملكه.

قوله : قبل تعلّق الوجوب.

متعلّق بقوله : « ثمرة أو زرعا ». أي : ثمرة أو زرعا كائنا قبل تعلّق وجوب الزكاة به.

قوله : ملكها كذلك.

أي : قبل تعلّق الوجوب.

٧٠١
٧٠٢

كتاب الاجارة

... حيث إنّه يكفي في الإجارة ضبط المنفعة بالمدّة مع أنّها مجهولة كيفيّة وقدرا غالبا ، وأيضا المشهور عدم خيار الغبن في الإجارة وتحقّقه في البيع.

قول : بهذا الإمكان.

المصدر بمعنى الفاعل. أي : بهذا الممكن وهو الجواز ، لا أنّه أفتى بالإمكان ، فإنّه ليس فتوى بل تردّد.

قوله : له بتقصيره.

ينبغي أن يجعل « الباء » في قوله : « بتقصيره » بمعنى : « في » أي : مع التهمة له في تقصيره وتفريطه أي : يكون في التقصير متهما بعداوة ، أو تطميع ، أو أمثال ذلك ليصحّ الاستثناء مع قوله : « أو مع قيام البيّنة على تفريطه ».

٧٠٣
٧٠٤

كتاب الوكالة

قوله : بالذات.

متعلّق بالاستنابة. والمراد : أنّ الوكالة هي ما كانت دالّة على الاستنابة بالذات ، وكانت هي المقصودة بالذات حتى لا يرد مثل القراض والمزارعة والمساقاة ، فإنّها أيضا استنابة ، لكنّها ليست مقصودة بالذات مدلولة عليها كذلك ، بل المقصود بالذات أمر آخر وإن تضمن الاستنابة أيضا.

قوله : لا استنابة.

لأنّ من شرط الاستنابة أن يكون ما حصل للنائب بالاستنابة حاصلا للمنوب عنه أيضا حال كون النائب نائبا.

قوله : على نهج الألفاظ.

أي : بصيغة الماضي ، بل يصحّ بالجملة الاسميّة والفعلية غير الماضي.

قوله : بالإذن.

يتعلّق بصحّة التصرّف.

قوله : كون الفاسد.

هذا منشأ الصحّة.

قوله : ولأنّ الوكالة.

هذا أيضا دليل صحّة التصرّف.

قوله : وأنّ الوكالة ليست أمرا.

هذا منشأ عدم صحّة التصرّف.

٧٠٥

قوله : لأنّ العقود.

هذا تعليل لما يستفاد التزاما من قوله : « وإن كان في معنى التعليق » وهو أنّ التعليق لا يصحّ مع كونه مفيدا لما يفيد المنجّز المشروط.

قوله : وإن أفاد فائدتها.

أي : أفاده هو بدونها فائدة العقود المتلقاة.

قوله : واحد منهما.

أي : من الموكّل والوكيل ، فلو مات الموكل لم يجز للوكيل التصرّف ، ولو مات الوكيل لم ينتقل الوكالة إلى ورثته.

قوله : من التوكيل فيه.

توجيهه : أنّ الوكالة لما كانت من العقود الجائزة ، فلا يفيد التوكيل في وقت ثبوت الوكالة بعده إلى زمان معيّن أو إلى زمان العزل ، بل يستفاد وكالة الوكيل في كلّ زمان من استصحاب رضاه ، فالوكالة في كل آن ناشئة ومسبّبة من رضاه المستصحب ، لا من التوكيل الأوّل ، وإن كان هو أيضا كجزء السبب ، فكان الموكّل في كلّ آن منشئ التوكيل ، فمنعه من مباشرة الفعل يمنع من هذا التوكيل ، لا من التوكيل الواقع قبل الحجر.

قوله : كوكيل الوكيل.

لمّا كان الوكيل بحيث لم يمكن فيه اشتراط العدالة ؛ لأنّ الموكّل إن وكّله صار وكيلا عادلا كان أم لا ، وإن قال : أنت وكيلى بشرط عدالتك بطلت الوكالة ، فأراد بيان ما يمكن فيه اشتراط العدالة فمثل بوكيل الوكيل. والمراد اذن الموكّل لوكيله توكيل عدل ، ووكيل الولي حيث إنّه يشترط فيه العدالة شرعا.

قوله : يقبل.

صفة لقوله : « وديعة ». ذكرها لبيان كونها فردا خفيّا كما تدلّ عليه « إن » الوصلية ، فإنّها بقبول قوله في ردّها أبعد عن الاحتياج إلى الإشهاد من غيرها.

قوله : وإن كان صادقا.

متعلّق بقوله : « فله دفعها بالإشهاد ». أي : له ذلك لأجل دفع اليمين ، وإن كان صادقا في يمينه لو لم يشهد وحلف.

٧٠٦

قوله : ولا فرق في ذلك.

أي : [ في ] إنّ له الدفع بالاشهاد بين أن يكون طالب الحق الذي يريد الدافع الإشهاد عليه ، من يكون له على الحق الذي يطلبه بيّنه وبين غيره أي : من لا يكون له بيّنة.

والتصريح بعدم الفرق ؛ لأجل دفع توهّم أنّه إذا لم تكن للطالب بيّنة على كون حقّه عند الدافع ، فلا يمكنه الإثبات لو أنكر بعد الأخذ ، وليس له شاهد ، فلا يضر عدم الاشهاد للدافع أيضا. و « لما ذكرناه » إشارة إلى الاقتصار على اليمين.

قوله : في الوديعة.

الوديعة هنا بمعنى : الإيداع.

قوله : لا يفيد ضمانه.

فلا يفيد الاشهاد عليه كثير فائدة ؛ إذ لو أراد الإنكار على الاشهاد يدّعي الرد ، فلا يتوجّه عليه إلّا اليمين كما أنّه مع الاشهاد كذلك.

قوله : فيما لو كانت الوكالة إلى آخره

يعني : أنّه إذا شرط في عقد لازم أن يوكّل أحدهما الآخر في أمر مضى وقته حين النزاع كأن يشترط أن يوكّله في بيع دار له ـ مثلا ـ في هذا الشهر ، فتنازعا بعد انقضاء الشهر فقال الموكّل : وكلتك بعد العقد وحصل الشرط وأنت ما بعت الدار وأهملت في العمل بمقتضى التوكيل [ وقال الوكيل ] ما وكلتني ، فلم يحصل الشرط فالعقد متزلزل ولي الفسخ. وفائدة تقييد الأمر بما لا يتلافى حين النزاع ، الاحتراز عمّا لو اشترطا التوكيل في بيع الدار ـ مثلا ـ مطلقا فان حين النزاع وإنكار الوكيل يكون للموكّل أن يقول : وكلتك الآن فحصل الشرط.

قوله : فإنّ اليمين سبيل.

هذه العبارة تحتمل معنيين :

أحدهما : أنّ السبيل المنفي في الآية على المحسنين مخصوص قطعا ، والعام المخصّص ليس بحجّة. وحينئذ يرد عليه ما أورده الشارح في الحاشية من أنّ التخصيص في بعض الأفراد لا ينفي الحجيّة في الباقي عند المحققين.

٧٠٧

وثانيهما : أنّ السبيل المنفي مخصوص بغير هذا الموضع قطعا ؛ إذ ثبت السبيل فيه ؛ لأنّه إمّا يضمن مع حلف الموكّل أو يحلف الوكيل بنفسه ، والحلف أيضا سبيل ، كما أنّ ضمانه سبيل ، فالسبيل ثابت قطعا.

غاية الأمر وقع الخلاف في تعيين السبيل أنّه هل هو الضمان مع حلف الموكّل ؛ أو هو حلف الوكيل. فلا يرد اعتراض الشارح.

قوله : ضعيف السند.

هذا يمكن أن يكون كالشاهد لضعف السند أي : لو كان صحيحا مع موافقته لعمل الأكثر لم يقع عنه عدول ، ولم يحصل في المسألة خلاف ، مع أنّه وقع الخلاف فيه ، فيعلم أنّ الخبر ليس بصحيح.

ويمكن أن يكون تحقيقا من الشارح على حدة ، وغرضه بيان أنّه لو لم يكن الخبر ضعيفا لزم اختيار مضمونه وما كنت أعدل عنه.

قوله : حسب ما ضمن.

الظاهر أنّ المراد بقوله : « حسب ما ضمن » أي : يضمن بحساب ما ضمن ، فإن ضمن الكل يلزمه النصف وإن ضمن النصف يلزمه الربع وهكذا.

وأمّا ما توهّم هنا من : أنّ المفروض أنّه لا يثبت المهر على الزوج ظاهرا ، فضمان الوكيل ضمان ما لم يجب ، وهو فاسد.

فمدفوع : بأنّ الوكيل لادّعائه الوكالة يدّعي الوجوب على الزوج ، فهو يدّعي ضمان ما يجب ، وإن لم يكن الوجوب ظاهرا علينا ، وهو غير لازم في صحّة الضمان.

٧٠٨

كتاب الشفعة

قوله : نعم يمكن.

لا يخفى أنّه لو جعلت لفظة « في » سببية كما في الحديث : « عذبت في هرّة حبستها » ، يدفع النقض من غير حاجة إلى القيدين المذكورين ؛ لانّ الاستحقاق في البيع ليست بسبب الشركة ، بخلاف الشفعة ، وأيضا يندفع النقض باستحقاق أحد الشركاء الحصّة المبيعة بسبب الإرث ونحوه ، فإنّه وارد مع التقييد الأوّل أيضا.

وكذا يندفع استحقاق أحدهم الحصّة المبيعة بسبب وصيته له قبل قبوله ، فإنّه وارد مع التقييد بالثاني أيضا ، إذ لم يتحقّق الملك قبل القبول.

قوله : لأنّ استحقاق التملّك.

فإن استحقاق الملك إنّما يكون بعد حصول التملك ، بخلاف التملّك وفي الحصّة المبيعة للمستحق استحقاق للملك لحصول التملّك ، بخلاف الشفعة فإنّ فيها استحقاق التملّك دون الملك ؛ إذ لا ملك إلّا بعد التملك.

قوله : الا أن يرضى الشفيع.

صرّح في القاموس بمجي‌ء « رضي » متعدّيا فقال : رضيته فهو مرضو. وعلى هذا فيمكن أن يكون الشفيع مفعولا وفاعله المشتري أي : يرضى المشتري الشفيع. ويمكن أن يكون من الإرضاء ، ويكون الشفيع فاعلا ، والمفعول وهو المشتري محذوفا. ويمكن أن يكون « الباء » محذوفا أي : يرضى بالشفيع ، ويكون قوله : « بكونه » بدلا. ويمكن أن يكون المعنى : إلّا أن يرضى الشفيع بعد طلب المشتري والتماسه بكونه في ذمّته حيث إنّ البقاء على ذمّته أيضا موقوف على رضاه. وعلى هذه التقادير لا حاجة إلى ارتكاب التجوز البعيد الذي ذكره الشارح ، أو الحمل على السهو.

٧٠٩

قوله : لما ذكرناه.

من أنّه جبر لقهر المشتري ، فلا يفيد رضى الشفيع الحقيقي ، بل الجابر لقهر المشتري هو رضاه. ويمكن أن يكون قوله : « ما ذكرنا » إشارة إلى قوله : « لأنّ الحق في ذلك للمشتري » والمآل واحد.

قوله : بقدره.

أي : بقدر الثمن.

قوله : ولو قال أخذته.

أي : الشقص بهما كان الثمن.

قوله : للغرر.

متعلّق بقوله : « لغى ».

قوله : ويغتفر.

أي : لا ينافي ذلك الفورية ، ويغتفر التأخير بقدر ما ذكر.

قوله : عوّضه عنه.

الضمير [ المنصوب ] في قوله : « عوّضه » إمّا راجع إلى البائع أي : أعطاه عوضا وإمّا راجع إلى المشتري أي : أخذه منه عوضا ، كما في قوله : « أبرأه » وإمّا راجع إلى الثمن أي : أبدله. والضمير في قوله [ عنه ] راجع إلى الثمن الكثير على الاولين ، وإلى الكثير خاصة على الثالث.

قوله : استحقاق ملكه.

الضمير يمكن أن يكون راجعا إلى المشتري ، وإلى الشفيع ، وإلى الشقص. فعلى الأوّل الإضافة بمعنى « اللام ». وعلى الثاني من باب الإضافة إلى الفاعل. وعلى الثالث من باب الإضافة إلى المفعول.

قوله : جميع ما سبق.

أي : جميع ما ذكره المعتذر حيث إنّه يكون حينئذ له دعوى على الشفيع ، ويدعي شيئا في ذمّته ، ويدّعي استحقاقه الأكثر على الشفيع ويطلب تغريمه إيّاه.

٧١٠

كتاب السبق والرماية

قوله : وأطلق السبق.

أي : أطلق المصنّف السبق على ما يعمّ الرمي حيث قال : « ينعقد السبق على الخيل والبغال والحمير ، وعلى السيف والسهم والحراب » تبعا للنصّ المتقدّم حيث قال : « لا سبق إلّا في نصل » ومن باب التغليب ، فغلب اسم الرهان على الخيل والبغال والحمير ، عليه وعلى الرهان بالسيف وأخويه.

قوله : نفي المصدر.

فإنّه [ ان ] نفي المصدر تعلّق النفي بأصل الفعل ولمّا لم يكن النفي على حقيقته أي :

الإخبار ، يكون المراد به النهي فيكون العمل منهيا عنه ، فيحرم.

قوله : تعلّق غرض صحيح بها.

كما إذا كان الغرض بالسبق بالمصارعة التمرّن فيها حيث إنّه ينجر الأمر إليها في القتال ، فيسلم العالم بها عن العدو ، وكذلك السفن ؛ فإنّه كثيرا ما يقع الحرب في البحر ، والطير أيضا يمكن فيه الاحتياج اذ كثيرا ما يحتاج إلى الطير في الحروب لحمل الكتب ، واستعلام أحوال العدو ، فيحتاج إلى معرفة السابق منها ، ومثله السبق بالأقدام والعدو.

قوله : فاحتمال الأمرين.

جواب للشرط يعني : لو قلنا بعدم ثبوت رواية الفتح واحتمل السكون والفتح معا فاحتمالهما يسقط الدلالة على منع أصل العمل ؛ لأنّ المنع [ فرع ] السكون ، وهو غير ثابت. والأصل عدم المنع ، فتبقى أصالة الجواز خالية عن المعارضة ؛ لقيام الاحتمال.

قوله : لعموم قوله تعالى.

٧١١

وجه الدلالة : أنّ الآية والحديث يدلّان على لزوم كلّ عقد وشرط ، وهذا أيضا عقد وشرط ، فيكون لازما ، وقد سبق أن كلّ عقد لازم يفتقر إلى إيجاب وقبول ، فهو اكتفى عن الكبرى بما سبق ، وعن الصغرى بذكر سنده.

قوله : على ما لا يوثق بحصوله.

وذلك لأنّ العوض إنّما هو على السبق. ويحتمل أن لا يكون لأحدهما سبق ، بل تساويا ، فلا وثوق بحصول ما يبذل العوض عليه.

قوله : وهو موضع النزاع.

لأنّ من يجعله جعالة يقول بعدم احتياجه إلى لفظ ، فلا يكون عقدا.

قوله : لزوما وجوازا.

متعلّقان إمّا بقوله : « بمقتضاه » أو بقوله : « العمل » يعني : من حيث اللزوم والجواز. والمراد أنّ الوفاء بالعقد هو العمل بما يقتضيه من حيث اللزوم والجواز بأن يعمل به بنوع اللزوم إن كان لازما ، وبنوع الجواز إن كان جائزا ، لا أنّه هو العمل بمقتضاه لزوما.

قوله : العمل بمقتضاه دائما.

لا يقال : هذا لا يصلح ردّا لما ذكره المستدل من أنّ الوفاء به هو العمل بمقتضاه لزوما وجوازا ؛ لأنّ معناه أيضا العمل بمقتضاه من حيث اللزوم والجواز دائما ، فلا يردّه قوله : « والأصل في الوفاء العمل بمقتضاه دائما ».

لأنّا نقول : إنّ معنى العمل بمقتضاه جوازا أن يترك في بعض الأوقات مقتضى العقد أي :يكون مقتضاه ترك العمل به أحيانا فيصح ردّه : بأنّ معنى الوفاء العمل بمقتضاه دائما. هذا إذا تعلّق « لزوما » و « جوازا » بالمقتضى ، وأمّا إذا تعلّق بالعمل ، فيكون المعنى : يجوز العمل بمقتضاه ، ويجوز تركه ويكون وجه الرد حينئذ أوضح.

وقوله : « وخروج العقد الجائز » ردّ لقوله : « وإلّا لوجب الوفاء » يعني ، أنّ عدم وجوب الوفاء بالعقود الجائزة وخروجها من باب تخصيص العام حيث إن العقود في الحديث ( كذا ) عامّ ، فيشمل جميع العقود ، ثم وقع التخصيص في بعضها فيبقى العموم حجّة في الباقي.

٧١٢

قوله : نعم بقي الشك في كونه عقدا.

إشارة إلى ورود ما ذكره المستدل بقوله : « الأمر بالوفاء بالعقد مشروط بتحقّقه وهو موضع النزاع » يعني : أنّ هذا الدليل باق بحاله.

واورد عليه : بأنّه لا خلاف في كونه عقدا ، وإنّما الخلاف في جوازه ولزومه.

وفيه : أنّ القائل بكونه جعالة يقول بعدم اشتراط القول فيه ، فلا يكون عقدا أيضا ، لأنّ العقد لا يكون بدون القول. نعم ، يرد : أنّه وإن بقي الشك في كونه عقدا ، إلّا أنّه لا شك في كونه شرطا فتبقى دلالة الحديث بحاله.

قوله : وإنّما يعتبر تعيينه لو شرط.

يعنى : أنّه قال في التذكرة : « إنّ العوض ليس بشرط في هذا العقد حتّى يشترط تعيين العوض في صحّته ، بل يمكن انعقاده بدون العوض ، نعم لو شرط العوض ، فحينئذ يعتبر تعيينه ، لئلّا يجهل الشرط ».

قوله : أحرز ماله.

الضمير في « أحرز ماله » راجع إلى السابق أو الباذل. وفي قوله : « كان » إلى السابق. وفي قوله : « غيره » إلى « الباذل ». والمستتر في « احرزه » إلى الغير ، والبارز إلى المال.

قوله : سواء كان الإمام أم غيره.

ردّ على بعض العامّة حيث منع من بذل غير الإمام.

قوله : بالشرط في عقده.

الجار والمجرور متعلّق بقوله : « يدخل » والضمير في « عقده » راجع إلى الرهان المدلول عليه بقوله : « المتراهنين ».

قوله : وبه سمّي محلّلا.

« الباء » سببيّة ، والضمير لقوله : « شرط » أي : بسبب كونه شرطا سمي محلّلا.

قوله : لأنّهما بإخراج السبق متنافران.

تعليل لقوله : « فيجري دابّته بينهما ، أو إلى أحد الجانبين مع الإطلاق ». لأنّ شرعيّة دخوله بينهما لأجل قطع التنافر ، فلا بدّ من قربه منهما. والمراد بكونه بينهما : كونه معهما حيث كأنه يقحم نفسه فيهما.

٧١٣

قوله : وهو العوض إن شرطاه أو مطلقا.

يعني : إن شرطاه يلزم تقدير العوض عند من يقول بعدم لزوم العوض كما نقله عن التذكرة ، واستحسنه ، ويلزم التقدير مطلقا أي : بدون الشرط عند المصنّف ومن يقول باشتراط العوض في هذا العقد وعدم صحّته بدونه. ثمّ ذكر تقدير الخطر هنا مع أنّه ذكر أوّلا تعيين العوض ؛ لأنّه كان في الأوّل في موقع بيان شرائط مطلق السبق الشامل للسبق والرمي ، وهنا يبين شرائط السبق خاصّة كما يذكر بعد ذلك شرائط الرمي ، ويعدّ منها تعيين السبق أي : العوض أيضا ، فهو كان أوّلا في بيان شرائط الأعم. ولما كان يحتمل أن يكون اشتراط تعيين العوض في الأعم باعتبار بعض أفراده صرّح به في كلّ فرد أيضا ، مع ما في التصريح ثانيا من التنبيه على أنّ العوض فى السبق يسمّى خطرا وفى الرمي سبقا ، مع أنّه يمكن أن يكون مراد المصنّف من قوله سابقا : « وتعيين العوض » تعيين من يعطي العوض ، لا قدرا وجنسا ووصفا كما يشعر به قوله : « ويجوز كونه منهما » إلى آخره ويكون المراد هنا : تقدير القدر والجنس والوصف.

٧١٤

كتاب الجعالة

قوله : لا يقتضي صحّة العقد.

لما كان قول المصنّف : « يثبت بالرد اجرة المثل » من تتمّة تفصيل الدليل على صحّة العقد حيث قال : إذ العلم بالعوض غير شرط مطلقا بل تفصيله أنّه مع الإرادة يذكر ، وبدونها ثبت اجرة المثل ، فذكر الشارح أنّ هذا لا تقتضي صحّة العقد ، فإنّ عدم اشتراط العلم بالعوض مع ثبوت اجرة المثل غير مقتض للصحّة ، بل ظاهر في الفساد.

قوله : كما لو استدعاه.

لا يخفى ما في هذه العبارة فإن الشارح جعل لقول المصنف : « وإلّا يثبت اجرة المثل » فردين : أحدهما : ما لم يذكر فيه العوض. والآخر : ما ذكر فيه ولم يعيّن. ثمّ استشكل فيهما بما ذكره ثمّ استشهد بما لو استدعاه من غير تعيين عوض ؛ فإن جعلنا عدم تعيينه أعمّ من أن يذكر العوض يكون فردا منه.

ويمكن التوجيه بأنّ مراده من المستشهد له ما لم يكن بلفظ الاستدعاء ... ومن الشاهد ما كان فيه استدعاء حيث إنّه أبعد من كونه عقدا ، ويدلّ على ذلك قوله : « لا تنحصر في لفظ ».

ويمكن أيضا أن يكون الاستشكال مخصوصا بما إذا ذكر العوض حيث إنّ العقد يختصّ به ، ويكون الشاهد هو الفرد الآخر.

والأوّل أظهر.

قوله : بخلاف العامل ... ومن عدم القصد.

أي : قصد العامل حيث إنّ غير المميز والمجنون لا قصد لهما ، ويشترط في صحّة العقد قصد المتعاقدين.

٧١٥

قوله : وهذا في الحقيقة لا يخرج إلى آخره.

هذا اعتراض على المصنّف. وحاصله : أنّ وجوب اجرة المسمّى بالنسبة إلى الماضي لا يوجب كون العقد لازما بالنسبة إلى ما مضى ، ولا يخرج العقد عن كونه جائزا مطلقا حيث إنّ مستند المصنّف وموافقيه في اللزوم بالنسبة ، هو لزوم المسمّى بالنسبة.

وقوله : « فإن المراد » إلى آخره ، تعليل لعدم إيجاب لزوم المسمّى بالنسبة للزوم العقد بالنسبة. وبيانه : أنّ العقد الجائز هو ما يصحّ فسخه ، وهذا العقد أيضا يصحّ فسخه ، فيكون جائزا مطلقا.

وما يتوهّم كونه مانعا لصحّة الفسخ وهو ثبوت العوض بالنسبة لا ينافي الجواز كما بعد تمام العمل.

أقول : لا يخفى أنّ معني فسخ العقد إبطال مقتضاه والرجوع إلى ما يجب لو لا هذا العقد ، فلو كان العقد منفسخا بالنسبة إلى ما مضى لزم اجرة المثل له أيضا ، لأنّ بعد فسخ العقد بالنسبة إليه لا وجه للزوم العوض ، بل نقول : المراد بالعقد اللازم : هو ما يلزم الإتيان بمقتضاه ، والمقتضى بالنسبة إليه.

وأمّا قوله : « كما أنّها بعد تمام العمل » ففيه : أنّه إن اريد أنّه بعد تمام العمل أيضا من العقود الجائزة في هذا الزمان يعني : أنّه يجوز فسخه بعد التمام والرجوع إلى اجرة المثل فممنوع. وإن اريد أنّه من العقود الجائزة بمعنى : أنّه من العقود التي يجوز فسخه حين إمكان الفسخ أي : قبل تمام العمل ، فنسلّم جوازه بهذا المعنى ، ولا يفيد له.

قوله : اشكل ذلك.

أي : كونه من العقود الجائزة مطلقا ، أو بالنسبة إلى ما بقي على اختلاف القولين.

قوله : وإن قصد العامل.

متعلّق بقوله : « تبرّع ». أي : عالما بأنّ هذا العمل وإن كان مع قصد العامل العوض تبرّع.

قوله : مالكه إليه.

أي الى مالكه.

٧١٦

كتاب الوصايا

الفصل الاوّل

قوله : الوقف والهبة.

فإنّ فيه تمليك المنفعة دون العين.

قوله : كالثمرة المتجدّدة.

أي : المتجدّدة بعد الوصية. وفي التقييد بها احتراز عن الوصية بالثمرة الموجودة ؛ فإنها تمليك عين موجود بالفعل.

قوله : والولاية.

عطف على « الانفاذ » وقد يتوهّم كونها معطوفة على الوصيّة ، وهو خطأ محض كما لا يخفى.

قوله : ببعدية الموت.

إضافة « البعدية » إلى « الموت » من قبيل إضافة المصدر إلى المفعول أي : بعديّة التمليك والتسليط الموت.

قوله : وينتقض في عكسه بالوصية.

يمكن أن يجاب عن جميع الانتقاضات المذكورة : أمّا عن غير التدبير فبكونها تسليطا على التصرّف.

أمّا الوصيّة بالعتق ؛ فإنّها تسليط لمن اوصي إليه على التصرف في المملوك ؛ لأنّ عتقه إيّاه تصرّف منه فيه.

٧١٧

وأمّا الوصية بالإبراء ؛ فلأنّ ما في ذمّة المديون مال للموصي لا يجوز لغيره التصرف فيه ، إلّا بتسليطه إيّاه ، والابراء نوع تصرّف ، فالوصيّة به نوع تسليط على التصرّف.

وأمّا الوقف ؛ فلأنّ الموقوف مال للموصي ، ووقفه تصرّف فيه ، وكذا التجارة في مال المضاربة ، والعمل فيما وقع فيه المساقاة.

وأمّا عن التدبير ؛ فبأن الحق أنّه ليس بوصيّة كما ذهب إليه جمع ، بل هو ايقاع مستقل ، لكنّه بمنزلة الوصيّة في الأحكام من نفوذه من الثلث وجواز الرجوع فيه.

قوله : وبوقف المسجد.

إضافة « الوقف » إلى المسجد يمكن أن تكون بمعنى « اللام » أي : وقف الشي‌ء لمنفعة المسجد ، وأن تكون من باب إضافة المصدر إلى المفعول ، ويكون إطلاق المسجد على الموقوف من باب تسمية الشي‌ء باسم ما يؤول إليه.

قوله : وإن أفادا إلى آخره.

مراده : أن قوله : « الوصية تمليك » يدلّ على أنّ التمليك حقيقة المعرف ، وتمليك الحصّة من الربح والثمرة لازم للمضاربة والمساقاة مستفاد منهما ، وحقيقتهما ليست تمليكا لهما ، فمعنى قوله : « وإن أفادا » إلى آخره ، أنّ المضاربة والمساقاة وإن كانا ملزومين لتمليك الحصة من الربح والثمرة ، إلّا أنّه غير حقيقتهما ، والظاهر من التعريف أن التمليك حقيقة المعرف.

قوله : وقد لا يحصل ربح إلى آخره.

وفيه أنّ عدم حصول الربح أو الثمرة لا يستلزم انتفاء التمليك ؛ لأنّ التمليك أعمّ من التمليك المنجز والمعلّق على امر ولو لا تعميمه لزم انتقاض الحد بالوصية بالثمرة المتجدّدة ؛ لأنّها أيضا قد لا تحصل ، فيلزم انتفاء التمليك.

وأيضا لو لم يكن التمليك أعم من المنجز والمعلّق لزم أن لا تكون إجارة عين في مدّة معيّنة تمليكا للمنفعة في هذه المدّة مطلقا ؛ لجواز سلب المنفعة.

قوله : لأنّها أعمّ ممّا بعد الوفاة إلى آخره.

اعلم أنّه ليس المراد بالموصول في قوله : « ممّا بعد الوفاة » ، العموم ، وهو ظاهر ، و

٧١٨

لا الصيغة الثانية كما يوهمه ظاهر العبارة ؛ إذ لا معنى محصل له كما لا يخفى على المتأمّل.

بل المراد منه : هو التمليك الذي هو مقتضى الصيغة ، ولا بدّ حينئذ من تقدير حيثية بأن يقال : إن معنى قوله : « لأنّها » إلى آخره ، أي : لأنّ الصيغة الثانية من حيث المقتضى الذي هو التمليك أعم من التمليك الواقع بعد الوفاة. واعلم أنّ المشار إليه في قوله : « كون ذلك بعد الوفاة » هو الموصول المذكور أي : مقتضى الصيغة الاولى كون التمليك بعد الوفاة.

قوله : ونحو ذلك.

كاعطوا فلانا كذا أو جعلت له كذا بعد وفاتى.

قوله : واستفيد من افتقارها إلى آخره.

يمكن أن يكون الافتقار مفهوما من قول الشارح : « وإنّما يفتقر إليه » إلى آخره. وأن يكون مفهوما من قول المصنّف : « وايجابها » إلى آخره ، حيث إنّه لا إيجاب ولا قبول لما لا يفتقر إليه.

ودلالة هذا الافتقار على كونها من جملة العقود ظاهرة ، فإن كلّ ما يحتاج إلى إيجاب وقبول فهو عقد ، ولكن لا يخفى أنّ الحكم بكونها مطلقا من جملة العقود بعد حكمه أوّلا بأنّ بعض أفرادها لا يحتاج إلى القبول ، بل لا يمكن فيه القبول كالوصية للفقراء والفقهاء والمسجد ليس بجيّد.

قوله : والموصى له كذلك إلى آخره.

أي : ما دام كان الموصى له حيّا.

والحاصل : أنّ العقد الجائز هو ما جاز لكلّ واحد من المتعاقدين الرجوع في كلّ وقت شاء وأراد من أيّام حياته [ فيدلّ ] جواز رجوع الموصي ما دام حياته ، وكذا جواز رجوع الموصى له ما دام حياته أي : في كلّ وقت أراد وإن مضت مدّة كثيرة من وفاة الموصي ما لم يقبل بعد الوفاة ، على أنّ الوصية من العقود الجائزة.

ولقائل أن يقول : إنّ هذا إنّما يصحّ على مذهب من جوّز القبول حين حياة الموصي ، وأمّا على ما هو المشهور من اشتراط كون القبول متأخّرا عن حياته ، فلا يصحّ ذلك ؛ لأنّ العقد لا يتحقّق إلّا بتحقّق الايجاب والقبول معا ، ولا يتحقّق القبول على هذا إلّا بعد

٧١٩

الوفاة ، ومتى تحقّق القبول بعد الوفاة لا يجوز الرجوع ، فمتى تحقّق العقد لا يجوز الرجوع ، فيكون من العقود اللازمة مطلقا. وجواز رجوع الموصي ما دام حيّا إنّما هو لأجل عدم تحقّق العقد ؛ لعدم تحقّق القبول ، لا لعدم كون العقد لازما ، فلا يستفاد من جواز الرجوع كون العقد جائزا على هذا القول مطلقا.

قوله : وقد تلحق باللازمة إلى آخره.

قد يجعل قوله : « على بعض الوجوه » متعلّقا باللازمة ، وليس كذلك ، بل هو متعلّق بالفعل كما لا يخفى.

والمراد بالقيود : القيود السابقة كقوله : « ما لم يقبل بعد الوفاة » فإنّه يدلّ على عدم جواز الرجوع بعد القبول بعد الوفاة ، فتكون من العقود اللازمة حينئذ.

ويمكن أن يراد بالقيود : القيود الآتية في كلام المصنّف حيث يقول : « وإن ردّ بعد القبول لم تبطل » وإطلاق القيد عليه ، لكون الوصية مطلقة شاملة لما يقبل بعد الوفاة ، أو قبلها ، ولا يتحقّق فيه قبول ، فكلّ من هذه الامور قيد لها تصير به مقيّدة. فتأمّل.

قوله : ولمّا كان الغالب عليها حكم الجواز إلى آخره.

توضيح الكلام على وجه يكشف النقاب عن وجه المرام يحتاج إلى تمهيد مقدّمة وهي : أنّ كلّ عقد لازم بالذات يلزمه أمران : أحدهما : كون القبول لفظيّا ، والآخر كونه مقارنا للإيجاب ، كما علم ذلك بالتتبع والاستقراء ، ودلّ عليه أصالة عدم اللزوم إلّا فيما تحقّق فيه الأمران ، أو عرضه اللزوم بسبب خارجي ، وكلّ عقد جائز بالذات لا يشترط فيه شي‌ء منهما.

والمراد بكون العقد لازما بالذات : أن يكون نفس الإيجاب والقبول موجبا للّزوم من دون مدخليّة شي‌ء آخر ، وإن أمكن عروض الجواز له والمراد بكونه جائزا بالذات : أن لا يوجب نفس الإيجاب والقبول لزوما أصلا وإن أمكن عروض اللزوم له بأمر خارجي.

والتقييد بالذات فيهما ؛ لئلّا ينتقض الأوّل بمثل الإجارة التي اشترط فيها الخيار لكلّ من الموجر والمستأجر في تمام مدّة الإجارة ؛ فإنّه يشترط فيها اللفظيّة والمقارنة ، مع أنّه يجوز لكلّ من المتعاقدين الرجوع ، ولكنّه بسبب خارجي هو شرط الخيار. ولئلّا ينتقض

٧٢٠