الحاشية على الروضة البهيّة

الشيخ أحمد بن محمّد مهدي النراقي

الحاشية على الروضة البهيّة

المؤلف:

الشيخ أحمد بن محمّد مهدي النراقي


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-470-632-3
الصفحات: ٨٤٨

قوله : وما يترتّب.

وجه الترتّب : أنّهم إذا انتفعوا بالوقف من حيث الحاجة ، فيشتغلون بشرب الخمر وسائر المحرمات ، بخلاف ما إذا كانوا محتاجين ، فيذهبون إلى تحصيل حاجتهم ، ويشغلون عن الامور المحرمة. أو الوجه أنّ الوقف عليهم إعانة على معاشهم ، وبقاؤهم ومعاشهم يستلزمان شرب الخمر ومثله ، فيكون الوقف عليهم إعانة على هذه المحرّمات ؛ لأنّ الإعانة على الملزوم إعانة على اللازم.

قوله : لا مستحلّا.

متعلّق بقوله : « لم يصلّ » وفائدته بعد قوله : « اعتقد الصلاة » أنّ اعتقاد الصلاة إليها أعمّ من اعتقاد وجوب الصلاة وحرمة تركها ؛ لجواز أن يستحل أحد ترك الصلاة ، ولكن يعتقد أنّه لو وجب صلاة لوجب إلى القبلة ، أو يعتقد استحباب الصلاة ، ولكن أوجبها إلى القبلة وجوبا شرطيا ، أو يعتقد وجوب الصلاة إلى القبلة شرعا ، ولكن استحلّ تركها لنفسه كما عن بعض المتصوّفة المدعين للوصول إلى مرتبة سقط معها العبادة عنهم.

قوله : وقيل : يختص بالمؤمن.

القائل باختصاص المسلمين بالمؤمنين يقول باختصاصهم بهم عند كون الواقف منهم ؛ عملا بشهادة الحال لا مطلقا.

قوله : أي : اتبعه.

أي : كان بناء مذهبه على متابعته ، وإن عصى في الأعمال ككثير من فساق الشيعة.

قوله : والجارودية.

تخصيص الجارودية من فرق الزيديّة ، لأنّ من سواهم من فرق الزيدية لا يقولون باختصاص الخلافة بعلي عليه‌السلام ، بل يقولون بامامة الشيخين أيضا ، وإن اختلفوا في غيرهما كالصالحية ، والسليمانية ، والبترية من الزيدية ، والشيعة من هذه الطوائف هم الجارودية فقط.

قوله : الزيدية.

هم القائلون بإمامة علي بن الحسين عليه‌السلام ومن خرج من ولد فاطمة عليها‌السلام عالما زاهدا

٥٤١

شجاعا داعيا إلى نفسه بالسيف ، ولذا قالوا بإمامة زيد ، دون أبيه علي عليه‌السلام ؛ لعدم قيامه بالسيف.

قوله : الإسماعيلية.

الإسماعيلية : كلّ من قال بامامة إسماعيل بن جعفر الصادق. والملاحدة من الإسماعيلية هم الذين استباحوا وتركوا الأحكام الشرعية ، وقالوا بالإباحة ، وهم أكثر تابعي حسن الصباح.

قوله : والواقفية.

الواقفية : هم الذين وقفوا في الإمامة على موسى بن جعفر عليه‌السلام وينكرون موته ، ويدّعون أنّه قائم الأئمة عليهم‌السلام ، وسمّوا في بعض الأخبار بحمير الشيعة ، وفي آخر منها بالكلاب الممطورة.

والفطحيّة هم القائلون بإمامة الأفطح عبد الله بن جعفر بن محمّد ، وسمّي بذلك لأنّ كان أفطح الرأس ، وقال بعضهم : إنّه أفطح الرجلين. وقيل : إنّما سموا أفطحيّة لأنّهم نسبوا إلى رئيس لهم من أهل الكوفة يقال له : عبد الله فطيح.

وغيرهم كالناوسية الواقفين على جعفر بن محمّد نسبوا إلى رجل يقال له ناووس. وقيل : إلى قرية يقال لها ذلك.

والكيسانية : القائلين بامامة محمّد بن الحنفية بعد الحسين عليه‌السلام وهم أصحاب مختار بن أبي عبيدة وغير ذلك.

قوله : وربما قيل بأن ذلك إلى آخره.

أي : قيل بأنّ انصراف الشيعة إلى جميع هذه الطوائف إذا كان الواقف من غير الشيعة خارجا من جميعهم ، وأمّا لو كان من الشيعة فينصرف إلى أهل نحلته ، فوقف الاثني عشري إلى الاثني عشرية ، والجارودي إلى الجارودية وهكذا.

وقد يقال : بأن هذا إنما هو في الأزمنة القديمة ، وأما في زماننا وما ضاهاه صارت الشيعة حقيقة في الاثني عشرية خاصة ، بل لا يكاد يخطر ببال أحد صدق الشيعة على غيرهم من الفرق الباقية ، ولو بالمجاز.

٥٤٢

قوله : يستوي فيه الذكور والإناث.

أي : استحقاقا. وأمّا قدرا فيذكره بقوله : « وإن اختلفوا بالذكورية والانوثية ». ثمّ إنّ ظاهر كلامهم عدم الفرق في استواء الذكور والإناث فيما إذا أتى باللفظ الحقيقة في الذكور كالهاشميين والعلويين أو أتى بغيره.

المسألة الثالثة

قوله : ومن خالف إلى آخره.

أي : من خالف قول المصنّف في هذا الكتاب من دخول أولاد الأولاد في الأولاد وقال بعدم دخولهم فيه فرض مسألة دخول أولاد البنين والبنات فيما لو وقف على أولاده وقال :إذا وقف على أولاد أولاده اشترك أولاد البنين والبنات واشتراكهم بالسوية ، فانّه حينئذ أي : حين فرض المسألة الوقف على أولاد الأولاد يدخل أولاد البنين والبنات بغير اشكال.

والحاصل : أن المسألة التي ذكرها المصنّف هنا من دخول أولاد البنين والبنات في الوقف على الأولاد ، إنّما يصحّ على قول من قال إنّ الأولاد تشمل أولاد الأولاد ، وأمّا من لم يقل بذلك ، فلا يصحّ هذا الحكم عنده ، ولكنّه يصحّ في الوقف على أولاد الأولاد ، فهو فرض المسألة ذلك ، وحكم باشتراكه حينئذ بين أولاد البنين والبنات ، وهو لا إشكال فيه ؛ لشمول أولاد الأولاد أولاد البنين والبنات قطعا.

٥٤٣
٥٤٤

كتاب المتاجر

قوله : وهو ما يكتسب به.

قد خلط الشارح هنا بين الموضوع بالمعنى اللغوي ـ الذي هو عبارة عن محل الشي‌ء وهو هنا : محل أصل التجارة ـ وبين الموضوع العرفي الذي هو عبارة عن موضوع العلم أي : ما يبحث فيه عن عوارضه ، والموضوع هنا بالمعنى الأوّل دون الثاني ؛ لأنّ موضوع علم التجارة هو نفس التجارة ، لا ما يكتسب به ؛ فإنّ البحث عنه في علم التجارة باعتبار كونه موضوعا للتكسب أيضا ، وعروض الأحكام الشرعية له بواسطته ، فالبحث عنه هنا لأجل كونه موضوعا لغويا للموضوع العرفي ، لا لكونه موضوعا عرفيا ، والظاهر أنّ نظر الشارح إلى أنّ البحث يقع عنه في علم التجارة ، وإن كان بواسطته ، ولأجل ذلك يصحّ جعله موضوعا عرفيا ، فتأمّل.

قوله : وأجزاؤها

عطف « الأجزاء » على « الميتة » بناء على ما هو الظاهر من أنّ المراد بالميتة مجموعها من حيث إنّها مجموع.

ويمكن أن يريد بالميتة مسلوب الحياة ممّا تحلّه منها فيشمل الجملة والأجزاء والمبانة من الحي.

ويكون كلام الشارح من قبيل عطف الخاص على العام ؛ لكونه أخفى من العام في الحكم وكون العام أظهر في إطلاق الميتة عليه.

قوله : مع طهارة أصله بحسب ذاته.

أي : طهارة الحيوان الذي هذه الأجزاء أجزاؤها بحسب ذاته ، وإن عرضه النجاسة بسبب الموت.

٥٤٥

فالمراد بالأصل : هو ذو الاجزاء.

والحاصل : أنّ ما لا تحلّه الحياة من الأجزاء إنّما يجوز بيعها لو كانت من الحيوان الطاهر حين حياته ، فلو كانت من نجس العين كالكلب والخنزير لا يجوز التكسّب بها.

قوله : على الترجيع المطرب.

يحتمل أن يكون المطرب صفة للترجيع ، وأن يكون صفة للصوت.

قوله : وإن لم يطرب.

كأنّ الوجه في التخصيص بعدم الإطراب وعدم تعرضه لعدم الترجيع : أنّ ما لا ترجيع فيه لا يسمّى في العرف غناء.

قوله : إذا لم تتكلّم بباطل.

لا يخفى أنّ التكلم بالباطل والعمل بالملاهي وإسماع الصوت للاجانب محرّمات مستقلّة ، فمع اشتمال الغناء في الأعراس عليها لا يوجب حرمة الغناء بنفسها ، بل إنّما يحرم هذه الامور من حيث هي هي.

قوله : بالشعر.

وأمّا بغير الشعر ، ففي الحضور سبّ ، وفي الغيبة غيبة.

قوله : أو عن ظهر القلب

إنّما عطف قوله : « أو عن ظهر القلب » بلفظة « أو » الدالّة على منع الجمع مع أنّ الحفظ عن التلف وعن ظهر القلب كليهما محرّمان ، كما صرّح في المسالك ، احترازا عن استعمال اللفظ في معنييه الحقيقي والمجازي.

ولا يخفى أنّه على القول بجوازه كما هو الحق يكون الأولى العطف بـ « الواو » وإرادة المعنيين من الحفظ حتى يكون أضبط للمقصود.

قوله : من أهلهما.

الضمير إما راجع إلى إثبات الحق ونقض الباطل أو إلى قوله : « النقض لها أو الحجّة على أهلها » والمعنى واحد.

٥٤٦

قوله : وتعلّم السحر.

السحر في اللغة : صرف الشي‌ء عن وجهه ، ومناسبته مع المعنى الاصطلاحي ظاهرة.

قوله : إلى علامات وأمارات.

لا بدّ من تقييد العلامات والأمارات بكونها في بدن انسان ليخرج الاستناد إلى القرائن والإشارات الخارجيّة كالإسناد في إلحاق النسب بشخص بمشاهدة مباشرته في وقت يظن معها عقد النطفة مع عدم ظنّ مباشرة غيره وأمثال ذلك.

وقوله : « يترتّب عليها » صفة للعلامات والأمارات. والمراد بالترتّب : الترتّب الظاهري ، أو الحاصل من التجربة أي : علامات وأمارات من شأنها أن يترتّب عليها إلحاق نسب ونحوه ، كالحكم بالصفات الباطنيّة ، والأخلاق النفسانية ، بالعلامات الظاهرية.

قوله : وإنّما يحرم إذا رتب عليه.

لا يخفى أنّ الاستناد إمّا يكون في الحكم بالترتّب أو في العلم أي : الجزم بها ، فبعد تعريف القيافة بالاستناد لا يناسب هذا الشرط ؛ لأنّه لا ينفك عن القيافة حينئذ ، اللهم إلّا أن يقال : إنّ الاستناد أعمّ من أن يكون في الحكم ، أو العلم ، أو الظن ، وإن كان ضعيفا.

ولا شك أنّ الاستناد إليها في حصول الظن من دون حكم ولا جزم لا يحرم ؛ لأنّ حصوله ليس اختياريا ، ولكن صحّة استعمال الاستناد في مثل ذلك محلّ تأمّل وكلام. أو يقال : إنّ الحكم بالترتّب قد يكون غير محرّم كما إذا ألحقه بمن هو منسوب إليه شرعا أيضا.

قوله : حتّى اللعب بالخاتم إلى آخره.

إما عطف على القمار بالآلات وهو الأظهر أي : يحرم القمار حتّى اللعب بالخاتم.

ويشكل حينئذ : بأنّ الخاتم والجوز والبيض ليست من الآلات المعدّة للقمار لأنّ الظاهر من الآلات المعدّة أن يكون السبب في وضعها هو القمار كالنرد ، والشطرنج ، والأربعة عشر ، وليست الخاتم وأخواه وأمثالها من هذا القبيل ، إلّا ان يقال : انّ المراد بالمعدّة ليس هو المعدّة له بخصوصه ، بل المراد : القابلة المستعدّة له أو ... للقمار فيها وإن كانت لها فوائد اخر.

٥٤٧

وإما عطف على الآلات أي : يحرم القمار بالآلات المعدّة له حتى باللعب بالخاتم ومثله ، ويكون إطلاق الآلة على اللعب على سبيل التجوّز.

قوله : وإن وقع من غير المكلّف إلى آخره.

قد اشتبه معنى هذه العبارة على بعضهم ، فجعل قوله : « وإن وقع » ابتداء الكلام وقوله :« فيجب » جزاء للشرط ، و « لو قبضه » عطفا على « إن وقع » فقال : إنّ المعنى : إن وقع من غير مكلّف أي : كان هو المقبوض منه ، وقبضه المكلّف. وهو سهو محض ، بل لفظة « إن » في قوله : « إن وقع » وصلية. وقوله : « فيجب » تفريع على قوله : « ولايملك ». وقوله : « لو قبضه » ابتداء الكلام والمعنى : ويحرم القمار ولا يملك ما يترتّب عليه ، وإن كان واقعا من غير المكلّف ، فإذا لم يملك فيجب ردّ ما يترتب عليه على مالكه ، ولمّا كان الوجوب حكما شرعيّا لا يخاطب به إلّا المكلّفون ، فيشكل الحكم بوجوب الرد في صورة كون القابض غير المكلّف ، إذ لا معنى للوجوب في حقّه ، فبين حكمه بقوله : « ولو قبضه » إلى آخره.

قوله : إلى أن يبلغ القامة.

إنّما قيّد به ؛ لأنّه في مقام بيان المندوب من أفعال الموتى ، والحفر زيادة على قدر القامة ليس مندوبا.

قوله : من مكان زائد.

لا يخفى أنّ متعلّق الزيادة هاهنا محذوف أي : مكان زائد في الشرافة كالنقل إلى المشاهد المشرفة ، أو في المسافة فقط ، كالنقل إلى خارج البلد إذا لم يكن له شرف.

وتقدير الأوّل هاهنا أنسب ؛ لأنّه في مقام بيان المندوبات حيث قال : « ولو اشتملت هذه الأفعال على مندوب ». ولا شك أنّ المندوب هو النقل إلى مكان زائد شرفا ، لا مسافة مطلقا.

قوله : وما يتوقّف.

عطف على قوله : « الواجب من التكليف ». أي : والاجرة على تعليم ما يتوقّف عليه الواجب.

٥٤٨

لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : فشرّ ( كذا ) الناس.

لفظة « فاء » ( كذا ) هنا للسببية. أي : وبسبب كراهة بيع الرقيق في الواقع ورد في الحديث : « أنّ شرّ الناس من باع الناس ». فبيّن السبب الظاهري للكراهية ، وهو الرواية ، مع الإشعار بأنّ الكراهة الواقعية سبب لهذا الحكم الظاهري.

الفصل الثاني في عقد البيع

قوله : وهذا كما هو تعريف للعقد.

اعلم أنّ توضيح المقام يتوقّف على بيان أمرين :

الأوّل : أنّهم اختلفوا في أنّ البيع هل هو أثر العقد المخصوص أي : انتقال الملك ، أو نفس العقد المخصوص؟ فذهب المصنّف وجماعة إلى أنّه نفس العقد.

الثاني : أنّه إذا كان البيع نفس العقد يكون البيع أخص مطلقا من العقد ؛ لأنّ العقد يكون لنقل الملك وتحليل البضع والتوكيل والمضاربة وغيرها.

وإضافة العامّ المطلق إلى الخاص يمكن أن تكون لاميّة ، وإن لم يصح التصريح بـ « اللام » فيها ، بل يكون المراد : إفادة الاختصاص الذي هو مدلول « اللام » كما في « يوم الأحد » و « بلدة بغداد » و « علم الفقه » و « شجرة الاراك ».

ويمكن أن تكون بيانية بناء على كفاية صلاحيّة حمل المضاف على المضاف إليه في صحّة الإضافة البيانية.

وأمّا على اشتراط كون النسبة بينهما عموما من وجه ، أو كون المضاف إليه اسما للجنس الذي منه المضاف ، كما هو المشهور بين النحاة ، فلا تصح البيانية في إضافة العام المطلق ، بل لا بدّ أن تكون لاميّة.

إذا عرفت ذلك ، فاعلم أنّ مراد الشارح : أنّ البيع لو كان هو الأثر لكان التعريف هنا مخصوصا للعقد المخصوص ، ولم يكن صالحا للبيع نفسه ، ولكن لمّا كان مذهب المصنّف أنّ البيع هو نفس العقد المخصوص ، وتعريف أحدهما حينئذ يصلح أن يكون تعريفا للآخر أيضا ، بل يكون تعريفهما واحدا في الحقيقة ، فمراد المصنّف يمكن أن يكون بيان تعريف

٥٤٩

العقد المخصوص فقط ، وإن كان التعريف في نفسه صالحا للبيع نفسه أيضا ، وأن يكون مراده تعريفهما معا.

فالأوّل إنما يكون على أن يرجع الضمير إلى « العقد » كما هو الظاهر المتبادر من الضمير الواقع بعد المضاف والمضاف إليه المذكور لبيان التعريف ولذا قال أوّلا : أي : عقد البيع.

والثاني على أن يرجع الضمير إلى « البيع ».

وهذان الاحتمالان مبنيان على أن تكون الاضافة « لاميّة » حتّى يتحقّق التغاير بين المضاف والمضاف إليه ، ولم يمكن جمعهما في تعريف واحد.

والثالث على أن تكون الإضافة « بيانية » بناء على الاكتفاء فيها بصلاحيّة الحمل فقط ، فيكون كلّ منهما عين الآخر أي : يكون المضاف مع قيد الإضافة عين المضاف إليه ، فالضمير إلى أيّهما يرجع يكون التعريف لهما معا ؛ للاتّحاد المفهوم من صحّة الحمل.

فإلى الأوّل أشار الشارح بقوله : « وهذا كما هو تعريف للعقد ». وإلى الثاني بقوله : « ويمكن أن يكون الضمير ». وإلى الثالث بقوله : « وأن يكون إضافة البيع » إلى آخره.

وقد يجعل قوله : « وأن يكون إضافة بيانيّة » من تتمّة الاحتمالات ( كذا ) الثاني ، ويقال :إنّ المراد : أن يعود الضمير إلى « البيع » نفسه في صورة كون الإضافة « بيانية » حيث إن المناسب لقوله : « في عقد البيع وآدابه » كون التعريف لعقد البيع ، أو ما كان عليه.

ويخدشه : أنّ كونه من تتمّة الاحتمال الثاني لا يجامع مع لفظة « أن » في قوله : « وأن يكون ».

قوله : وبقي فيه دخول عقد الإجارة.

قال بعض المحشين : « هذا مناف لجعل اللفظ جنسا بعيدا لدخوله في القريب فيرد على التعريف المذكور هاهنا ». انتهى.

ويمكن التوجيه : بأنّ المراد بالجنس البعيد والقريب ليس ما هو مصطلح المنطقيين ، بل المراد القريب والبعيد من حيث شدّة الملائمة مع المعرف وقلّتها ، ولا شك أنّ ملائمة الايجاب والقبول مع البيع أشد من ملائمة اللفظ ، حيث إنّه لا عقد الّا وفيه الإيجاب والقبول ، بخلاف اللفظ.

٥٥٠

قوله : كاشفة عن صحّة العقد.

صحّة العقد عبارة عن ترتّب الأثر عليه ، والمراد بالأثر هنا : الانتقال الاعم من المتزلزل أو الانتقال اللازم ، والمراد بكون الإجازة كاشفة عن صحّة العقد بأحد المعنيين :أنّ العقد حين إيقاعه صار موجبا لأحد الانتقالين ، وترتّب عليه هذا الأثر في الواقع ونفس الأمر ، ولكن لم يكن ذلك مكشوفا عندنا معلوما لنا ، فلمّا تحقّقت الإجازة علمنا بذلك وبأنّ أحد الانتقالين كان متحقّقا عند وقوع العقد ، وإن لم يتحقّق الإجازة نعلم فساد العقد أوّلا.

فإن قيل :

إن لم يتوقّف ترتّب أحد الانتقالين على الإجازة ، فيحصل العلم به عند وقوع العقد ، ولم تكن الإجازة كاشفة ، وإن توقّف عليها وكان مشروطا بها ، فلا معنى لحصول أحد الانتقالين قبل تحقّق الشرط وحصوله.

قلنا :

الإجازة شرط في ترتّب الأثر ، ويتوقّف الترتّب واقعا عليها ، ولكن لا على وجودها عند العقد ، بل على وجودها في وقت ما عند العقد [ أو ] بعده.

والحاصل : أنّه يتوقّف تأثير العقد على وجود الإجازة ، ولكن لا بمعنى أنّه يتوقّف على وجودها الفعلي حتّى أنّه متى لم توجد لم يؤثّر ، بل على وجودها ولو في وقت آخر ، فلو كان العقد في الواقع بحيث يتعقّبه الإجازة بعد مدّة يكون ناقلا وسببا تامّا ، وإن كان في الواقع بحيث لم يتعقّبه الإجازة يكون فاسدا.

وعلى هذا فإذا وقع العقد فهو لا يخلو في الواقع إمّا متعقّبا للإجازة ، أو غير متعقّب له فعلى الأوّل يكون في الواقع ناقلا من حين العقد وإن لم يعلم به. وعلى الثاني يكون فاسدا وإن لم يعلم به.

وإذا تحقّقت الإجازة علمنا أنّه كان في الواقع متعقّبا لها وصحيحا ، فمرادهم عن قولهم : « السبب الناقل هو العقد المشروط بشرائطه التي منها رضا المالك » : أنّ العقد المشروط بهذا الشرط المتضمّن لحصوله ولو في وقت ، سبب ناقل ؛ لا أنّ العقد المشروط

٥٥١

بهذه الشروط المتضمّن لحصوله حين العقد هو السبب الناقل وبذلك يظهر مراد الشارح ممّا ذكره بقوله : « لأنّ السبب الناقل » إلى آخر الدليل ؛ فإنّ مراده : أنّ السبب الناقل هو العقد المشروط بشرائطه ، وكلّها كانت حاصلة ـ أي : معلوم الحصول ـ حين العقد ، إلّا رضا المالك ؛ فإنّ وجوده في وقت ، ولو بعد العقد من الشرائط أيضا ، ولكنّه ليس بمعلوم الحصول ولا عدمه ؛ إذ لعلّه يحصل بعد ذلك ، وهو كاف في تأثير العقد حينئذ ، فإذا حصل الشرط ـ أي : علم حصوله ـ علم عمل السبب التام الذي كان حاصلا قبل ذلك ، وهو العقد ، وإن لم يعلم تماميته إلّا بعد علمنا بالإجازة ، وحينئذ فلا يرد على الشارح ما أورده المحشون في هذا المقام.

قوله : وأمّا ما قابل الثمن إلى آخره.

المراد بالثمن : ما دفعه المشتري إلى البائع الفضولي ، وبالقيمة : ما يأخذه المالك من المشتري عوضا من العين التالفة. والمراد بما قابل الثمن من القيمة : هو القدر الذي يساوى الثمن من هذه القيمة. والمراد بالعوض : هو الثمن الذي يرجع به المشتري إلى البائع وأخذه منه ، وبالمعوّض : هو ما قابل الثمن من القيمة.

والتوضيح : أنّه لمّا حكم المصنّف برجوع المشتري إلى البائع بالثمن وبكلّ ما اغترم الذي هو غير الثمن وكان ممّا اغترم ما يأخذه منه المالك عوضا عن المبيع التالف ، فكان يوهم ذلك أنّ المشتري يرجع إلى البائع بالثمن ، وبجميع ما أخذه المالك من القيمة.

فدفع ذلك التوهّم : بأنّ مراده ممّا اغترم من القيمة غير ما قابل الثمن ؛ لأنّه حكم بأنّه يرجع إلى الثمن وبعد رجوعه به ، فلو رجع بما قابله أيضا يلزم الجمع بين العوض والمعوّض.

ثمّ المناقشة بأنّ جعل الثمن عوضا غير موجّه ، مردودة : بأنّ الثمن لمّا كان عوضا عن المبيع ، وكذا ما قابله الثمن من القيمة ، بل مجموع القيمة يصحّ بهذا الاعتبار جعله عوضا منه حيث إنّ القيمة بمنزلة المبيع.

وقد يجعل العوض ، المبيع التالف حيث ان تلفه لا اثر له في رفع رجوعه إليه. وفيه أنّ اللازم حينئذ هو الحكم بعدم رجوع المشتري بالثمن لأنّه عوض المبيع ، دون ما قابل

٥٥٢

الثمن ؛ لأنّه ليس عوضه ، نعم لو كان مراد الشارح أنّه لا يرجع بالثمن ولا بما قابل الثمن وعلّله بذلك لكان له وجه ، وليس كذلك ؛ لأنّ الرجوع بالثمن في الجملة إجماعي.

قوله : كما لو تلفت العين.

أي : العين التي يشتريها من مالكها ؛ فإنّها مضمونة عليه ، ولو كان البيع فاسدا ، ولا يرجع إلى البائع بالثمن مطلقا.

قوله : وفيه أنّ ضمانه

توضيحه : أنّ القائل قال : « إنّ المشتري دخل في البيع على أن تكون العين مضمونة عليه يعني : أنّه أخذها على أنّه لو تلفت كانت تالفة من ماله ، كما هو شأن المبيع ، من غير رجوع إلى البائع ، فلا يرجع إليه بالمثل أو القيمة بعد التلف ».

وردّه الشارح : بأنّ قدومه على الضمان إنّما على ضمان التلف بمعنى : أنّها إن تلفت تكون من ماله ، وهاهنا ضمان آخر ، وهو : ضمانه للمثل أو القيمة ودفعه إلى المالك ، والمشتري إنّما قدم على الضمان الأوّل ، دون الثاني ، بل مغرور فيه من البائع بكون المجموع ، أي : مجموع المبيع المركّب ممّا قابل الثمن ومن الزائد ، له بالثمن ، فيجوز له الرجوع بالقيمة ، ولكن لما لم يجز الرجوع بما قابل ؛ لما مر ، فيختصّ الرجوع بالزائد ، ويكون بمنزلة ما يرجع المشتري على البائع به مع حصول نفع له كسكنى الدار ، مع أنّه دخل في البيع على أن يكون كلّ ذلك مضمونا عليه ، بل الرجوع في الزائد أولى ؛ لعدم حصول نفع له في مقابلته ، « فالزائد » تتمة لقوله : « فيه » إلى آخره وتفريع عليه. ولفظة « الواو » في قوله : « وقد حصل » حالية والكلام في قوّة : أنّ ضمانه للمثل أو القيمة غير الضمان الذي دخل عليه [ ورجوعه عليه ] بالقيمة بمنزلة ما رجع به عليه وقد حصل له في مقابلته نفع ، ولكن ما قابل الثمن منها خارج بدليل ، فيبقى الزائد بمنزلته.

والحاصل : أنّه لمّا علمت أنّ المشتري لم يدخل على ضمان المثل أو القيمة ، فيكون المثل أو القيمة المركّبة ممّا قابل الثمن والزائد بمنزلة ما رجع عليه به مع حصول النفع حيث لم يقدم على ضمان ما اغترم فيه ، بل هنا أولى ، ولكن لقيام [ الدليل ] على عدم الرجوع بما قابل الثمن يبقى الزائد على هذا الحكم ، ولذا خصّه بالذكر.

٥٥٣

قوله : ولم يجز المالك.

أي : لم يصرّح بالإجازة إلى أن يردّه.

فلا يرد ما ذكره بعض المحشّين من : أنّه لا يصحّ قول الشارح : « ووقف » ، إلى آخره ، بعد قول المصنّف : « ولم يجز المالك ».

قوله : وبحكم الحاكم المقاص.

أي : بحكم الحاكم ، المقاص في صحّة العقد منه ، أو في كونه قائما مقام المالك في صحّته منه.

ثمّ المراد بالعقد : إن كان الإيجاب والقبول اللفظيين ، فالمعنى : وبحكمه المقاص في الجملة أي : في بعض الصور ، وهو ما إذا باع المأخوذ من غيره ، وقلنا بعدم تملّك غير جنس حقّه بالأخذ بنيّة البيع من الغير ، وأمّا في باقي الصور ، فلا عقد بهذا المعنى حتّى يكون المقاص بحكم الحاكم في صحّته منه. وإن كان كلّ ما يترتّب عليه انتقال الملك من شخص إلى آخر ، فالمعنى وبحكمه المقاص مطلقا ، والوجه ظاهر.

قوله : عنده في الأشهر.

الظرف متعلّق بقوله : « المقبولة ». والضمير راجع إلى الحاكم أي : المقبولة عند الحاكم الموجود. والتقييد به ؛ للاحتراز عن البيّنة المقبولة عند حاكم آخر غير موجود ، وغير المقبولة عند الحاكم الموجود ؛ فإنّ من شرائط قبول البيّنة العدالة وهي مختلف فيها عند الحكّام ، بل وقع الخلاف في شرائطه الاخرى أيضا.

قوله : على نقب جدار.

الأولى تقييده بما إذا كان الجدار أو القفل ممّن عليه الحق ؛ فإنّه إذا توقّف على نقب جدار الغير ، فالظاهر عدم الجواز والضمان.

قوله : ولو تلف من المأخوذ.

لا يخفى أنّ تلف المأخوذ قبل التملّك إنّما يتصوّر فيما إذا أخذ من غير جنس حقّه بنيّة بيعه من غيره لو قلنا بأنّ هذه النيّة لا توجب تملكه بنفسه كما هو الظاهر ، بل هو المناسب لجعل المقاص بحكم الحاكم في صحّة عقده ؛ فإنّه لو تملّك بالنية لكان مالكا ،

٥٥٤

وإنّما قلنا : إنّ تلفه قبل التملّك إنّما يتصوّر في هذه الصورة خاصّة ، دون غيرها ؛ لأنّه إذا كان المأخوذ من جنس حقّه وكفى في التملّك النيّة ، فيملك بمجرّد الأخذ لو نوى التقاص ، ولو لم ينوه لكان ضامنا قطعا بلا خلاف ؛ لتصرّفه في مال الغير من دون جهة شرعية ، وكذا لو أخذ من غير جنس حقّه بنيّة أخذه لنفسه.

قوله : وفي حكم بيعه منه إلى آخره.

أي : في حكم بيع المسلم من الكافر إجارة الكافر للمسلم إجارة واقعة على عينه بأن يؤاجر الكافر رقبة المسلم إلى سنة أو شهر ـ مثلا ـ وينقل جميع منافع رقبته إليه ، فلا يصحّ تلك الإجارة ، لا الإجارة الواقعة على ذمّة المسلم أي : ليست هي في حكم البيع ، بل هي يصحّ بأن يستأجره بأن يعمل له عملا خاصا ، فإنّه يصحّ ، ويبقى العمل في ذمّته كما لو استدان المسلم من الكافر ؛ فإنّه جائز ، وإن اشتغل ذمّته بحقّ الكافر.

هنا مسائل

المسألة الثانية

قوله : ويضعّف بأنّ الغاية إلى آخره.

هذا تضعيف للدليل الثاني المذكور بقول : « وكون الشرط التسليم ». وقوله : « والموجب للضميمة » إلى آخره ، تضعيف للدليل الأوّل يعني : أنّ دلالة النص على إيجاب الضميمة مع صدق الإباق إنّما هو للعجز عن تحصيله ، فإذا لم يعجز يكون خارجا عن النص.

قوله : لو لم يعلم بإباقه.

يعني : ولا يتخيّر المشتري في فسخ بيع المجموع حتّى الضميمة لو لم يعلم بإباق العبد ؛ لأنّ الضميمة بيع على حدة حينئذ ، وإنّما كان مخيّرا في فسخ بيعها عند عدم القدرة على تسلّمه.

وقد يقال : إنّ المعنى : ولا يتخيّر في فسخ بيع العبد من حيث الجهل بالإباق إن لم يعلم بإباقه ، وإن تخيّر من حيث العيب.

وهذا وإن كان صحيحا ، إلّا أنّه لا مدخل له في بيان أحكام الضميمة ، والشارح إنّما هو في بيانها لا بيان أحكام العبد.

٥٥٥

قوله : لأنّ ذلك يصير بمنزلة ضمائم.

و « يصير » إمّا من باب المجرّد ، وحينئذ فيكون المشار إليه بقوله : « ذلك » الضميمة المتمولة إذا وزعت على كلّ واحد ، ... ، ويكون المفعول حينئذ محذوفا ، فالمشار إليه قوله :« كونها متمولة » أي : كونها كذلك يصيّر الضميمة بمنزلة الضمائم.

المسألة الثالثة

قوله : لا يمكن الانتفاع إلى آخره.

أي : في الجهة المقصودة من وقفه وهي أمران :

أحدهما :

المصلحة الموقوف عليها الخاصّة أي : ما اعدّ له كالافتراش في الحصير.

وثانيهما :

ما في ضمن الاولى ، وهي المصلحة الموقوف عليها مطلقا ؛ فإن المصلحة الخاصّة تتضمّن المطلقة.

والظاهر من الجهة المقصودة ، وإن كان هو الأوّل ، فيحمل قوله : « مطلقا » على الأعم من القليل والكثير ، إلّا أنّه ينافي قوله : ولا يمكن صرفهما الى آخره فالمعنى لا يمكن في الجهة المقصودة من وقفه وهي المصلحة الموقوف عليها مطلقا سواء كانت المصلحة خاصّة أو غيرها.

قوله : فتوى.

مضافة إلى قوله : « واحد » أي : فتوى شخص واحد.

المسألة الثامنة

قوله : ويختلف باختلافه إلى آخره.

عطف على قوله : « يتغيّر » والضمير في قوله : « باختلافه » للمدّة بتأويل الزمان. وقوله :« زيادة ونقصانا » متعلّق بقوله : « يختلف » لا بقوله : « باختلافه » أي : بشرط أن لا يمضي مدّة يزيد المبيع فيها ، أو ينقص كالحيوان يسمن أو يهزل والفاكهة ينقص وزنا أو ينمو إذا كانت في اصلها.

٥٥٦

قوله : ويختلف.(١)

مستأنف. والمستتر فيه للمدّة ، والضمير في « اختلافه » للمبيع. ويحتمل أن يكون قوله :« زيادة ونقصانا » متعلّقا بقوله : « يختلف » أيضا أي : وذلك المدّة يختلف زيادة ونقصانا باختلاف المبيع ، ففي بعضه يتغيّر بيوم ، وفي بعضه لا يتغيّر بعشرة أيّام وهكذا ، ولكن هذا لا يلائم ما في بعض النسخ من عطف النقصان على الزيادة بلفظة « أو » ولا تقديم هذه الجملة على التمثيل بالفاكهة وغيرها كما لا يخفى.

قوله : ان ظهر زائدا.

أي : ظهر الوصف زائدا على ما كان حال المشاهدة.

قوله : بهذه الصفة.

لأنّه يدّعي عدم تغيّر وصف المبيع في حال البيع عمّا كان عليه حال المشاهدة ، ولازمه أنّ وصف المبيع هو ما كان حال المشاهدة ، وعلم به المشتري ، فهو يكون مدّعيا.

قوله : ولأنّ الأصل إلى آخره.

وذلك ؛ لأنّ حقّه بعد المبايعة عوض الثمن الذي رضي به وهو لم يكن بيده أوّلا ، بل كان بيده الثمن ، فالأصل عدم وصول عوض ثمنه الذي رضي به بيده إلى أن يعلم ، ولم يعلم أنّ هذا المبيع هو العوض الذي رضي به.

قوله : ولأصالة بقاء يده.

أي : بقاء تسلّطه على الثمن ؛ فإنّه كان قبل المبايعة مسلّطا على الثمن ، ويرفع التسلّط بلزوم البيع اللازم لعدم التغيّر ، والأصل عدم رفع تسلّطه ، للتغيّر الموجب للخيار.

قوله : لعين ما ذكر في المشتري.

أي : الأدلّة الثلاثة : أمّا الأوّل ، فظاهر. وأمّا الثاني ؛ فلأن حقّه هو ثمن المبيع ولا محالة يكون جزء من الثمن في مقابل الزيادة ، فما يقابل الزيادة من الثمن حقّه ، وهو لم يكن واصلا إليه قبل البيع ، والأصل عدم وصوله إليه. وأمّا الثالث ؛ فلأن الأصل بقاء يده على المثمن.

__________________

(١) هر دو حاشيه بر يك جمله است اما با يكديگر متفاوتند.

٥٥٧

المسألة الحادية عشرة

قوله : لا يجوز بيع سمك الى آخره.

المراد عدم الجواز إذا لم يكن محصورا مشاهدا ، وأمّا مع الحصر والمشاهدة فلا خلاف في جوازه كما صرّح به بعضهم ، وإطلاق العبارة إنّما هو لأجل أن الغالب عدم الحصر والمشاهدة.

المسألة الثالثة عشرة

قوله : مع وزنه معه.

يجوز ارجاع أوّل الضميرين إلى المبيع والثاني إلى الظرف ، ويجوز عكسه أيضا والأوّل أولى.

قوله : واسقط ما جرت العادة إلى آخره.

أي : اسقط من المبيع قدر ما جرت العادة بإسقاطه مقابلا للظرف وبإزائه ، ثمّ يدفع عن الثاني إلى البائع ، وذلك كما يتعارف الآن أنّه يسقط لجلد السمن من كلّ عشرة واحدا.

قوله : لم يجز اسقاط ما يزيد.

لما كان الاسقاط من جانب المشتري ، فلا احتياج إلى بيان تراضيه ، بل الأمر بيده ، ولذا خصّ إسقاط ما يزيد بالذكر.

قوله : مغاير للمظروف.

أي : لعين المظروف ، وإن لم يكن مغايرا لنوعه ، والتخصيص بالمغاير ؛ لأنّ جعل بعض المظروف ثمنا للظرف يتوقّف على انتقال المظروف إلى المشترى ، وهو يتوقّف على تحقّق المبايعة الموقوف على تعيين المبيع الموقوف على الإسقاط.

قوله : بمقدار كلّ منهما.

لا يخفى أنّه يشكل فيما إذا لم يكن الظرف من الموزون كالجلد ؛ فإنّه حينئذ يجهل وزن الموزون ، ولا اعتبار بوزن الظرف ؛ لكونه غير موزون.

القول في الآداب

قوله : بالتفقّه.

٥٥٨

يمكن أن يقال : إن كون التفقّه هو معرفة الأحكام بالاستدلال عرف طار ، وهو غير عرف زمان المعصوم ، بل يحمل فيه على معناه اللغوي ، وهو معرفة الأحكام بأي نحو كان ، فيشمل معرفتها بالتقليد أيضا.

قوله : ترك الزيادة في السلعة.

أي : يستحبّ ترك الزيادة في قيمة السلعة وقت نداء المنادي الذي هو المشتري بقيمة.

والحاصل : أنّه إذا كانت سلعة في معرض البيع ، فنادى مناد أنا أشتريها بالقيمة الفلانية ، فيكره لغيره أن يزيد في القيمة حتّى يسكت ذلك المنادي ولم يرض البائع بما نادى به ، من الثمن ، وحينئذ فلا كراهة.

وتقييد السكوت بعدم رضى البائع ممّا لا بدّ منه لتحقّق الكراهة مع رضاه ، صرّح بذلك العلّامة كما نقل عنه في الدروس. وليس المراد أنّه يستحب ترك الزيادة وقت نداء المنادي الذي هو البائع ؛ لأنّه لا كراهة حينئذ ؛ لأنّ البائع حينئذ يطلب الزيادة ، وسيأتي أنّ مع طلبه الزيادة لا كراهة في الزيادة ، وأيضا لا وجه لارتفاع الكراهة بالسكوت حينئذ.

وأما قول الشارح من الدلال فظاهره أنّه حمل النداء على نداء البائع ؛ لأنّه ينادي على البيع ، لا على الشراء.

ويمكن أن يقال : إنّ المراد بالدلال : من يدلّ البائع على ما يشتريه المشتري من الثمن يعني : أنّه إذا نادى الدلّال بما يشتريه المشتري حتّى يستعلم رضى البائع وعدمه ، فتكره الزيادة حتّى يسكت ذلك المنادي ، ولم يرض البائع.

فإن قلت : إنّ ما ذكرت لا يلائم ما سيأتي من تخصيص الكراهة بما بعد التراضي أو قربه ؛ فإنّ وقت نداء المنادي بالثمن لا يعلم رضى البائع ولا قربه.

قلنا : قول الشارح بعد قول المصنّف : « بعد التراضي ، أو قربه » : « فلو ظهر له ما يدلّ على عدمه فلا كراهة » إشارة إلى أنّ المناط في ارتفاع الكراهة هو ظهور ما يدلّ على عدم الرضا ، فلو لم يظهر من البائع شي‌ء ، وكان الرضا محتملا ، فتكون الكراهة باقية ، لا أنّ المناط في الكراهة هو ظهور ما يدلّ على الرضا أو قربه ، فتأمّل.

٥٥٩

قوله : في سوم أخيه.

أي : سواء كان دخوله مع الزيادة ، أو بدونها ، فيكون هذا أعمّ من السادس عشر على ما ذكرنا ، وله جهة خصوصية أيضا ، لاختصاصه بأخيه المؤمن ، وعموم السادس عشر.

قوله : زيادة عنه.

لا يخفى أنّه لا يشترط في صدق دخول السوم بذل الزيادة.

قوله : لإعانته له.

لا يخفى أنّ المكروه هو طلب الترك والإجابة إنّما تكون بعده ، فلا تكون إعانة عليه ، لأنّ الإعانة إنما تكون لو كانت الإجابة قبل الطلب ، وكان باعثا على الطلب وليس كذلك.

هذا مع أنّ إجابة الطلب المكروه قد يكون مستحبّا كالسؤال ، فإنّه مكروه مع أنّ ردّ السائل أيضا مكروه ، واعطاؤه مستحبّ.

قوله : والأقوى تحريمه.

ظاهر هذه العبارة يشعر بأنّ الحكرة التي كرهها المصنّف هي التي حرّمها الشارح ، وأنّ قول المصنّف في الحكرة ليس بقويّ ، مع أنّه لا اختلاف بين قوليهما هاهنا أصلا ؛ لأنّه إنّما يتحقّق المخالفة إذا كان قول المصنّف : « وترك الحكرة » باقيا على عمومه أي : يكون مراده : أنّه يستحبّ ترك الحكرة مطلقا سواء احتاج الناس أم لا ، وحينئذ فيكون قول الشارح : « والأقوى تحريمه » في موقعه ، ولكن قول المصنّف : « ولو لم يوجد غيره وجب البيع » يخصّص الحكرة المكروهة بما إذا اوجد باذل غيره كما ذكره الشارح ، وحينئذ لا يكون الناس محتاجا إليه ، فيكون قول المصنّف موافقا مع قول الشارح ، ولا تكون بينهما مخالفة ، فلا يكون قوله : « والأقوى تحريمه » في موقعه.

قوله : يؤمر بالنزول.

نعم لو لم ينزل مع الأمر بالنزول ، فلا بدّ من التسعير عليه ، كما لا يخفى.

الفصل الثالث في بيع الحيوان

قوله : لا حائلا.

عطف على قوله : « مجهضا » [ أي ] بأن لا يقوم حائلا. وقوله : « للاختلاف » تعليل لعدم

٥٦٠