الحاشية على الروضة البهيّة

الشيخ أحمد بن محمّد مهدي النراقي

الحاشية على الروضة البهيّة

المؤلف:

الشيخ أحمد بن محمّد مهدي النراقي


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-470-632-3
الصفحات: ٨٤٨

من هذه الثلاثة والأربعة بانضمام كسر العظام أيضا مالا ؛ لا قصاصا لما في إيجابها القصاص على تقدير العمد من التغرير أي لو أوجبت هذه الامور القصاص على تقدير العمد لزم التغرير ؛ فإنّه لا بدّ في القصاص من المساواة مع الجناية.

وكسر العظم على نحو كسر الجاني غير ممكن عادة أو متعسّر ؛ إذ ربّما يتعدّى ، وكذا الثلاثة الأخيرة.

والتقييد بقوله : « على تقدير العمد » ؛ لأجل أنّها لو أوجبت قصاصا لكان على هذا التقدير ، وأمّا على تقدير الخطأ فمقتضى القاعدة عدم القصاص أيضا ، فلا يحتاج في نفيه إلى التعليل.

قوله : فينبغي القطع بثبوت المال.

أي : ينبغي القطع بثبوت المال الذي يتضمّنه دعوى الخلع بالشاهد واليمين ، وإن لم يثبت بهما ما انضمّ معه من دعوى إزالة قيد النكاح.

قوله : لأنّ مضمون الدعوى.

لا يخفى أنّ الرجعة وإن كان مضمونها إثبات حقّ الزوجيّة وخرجت النفقة عن حقيقتها ، إلّا أنّه إذا كانت المدّعي المرأة تتضمّن دعوى النفقة أيضا ، وإن انضم إليها أمر آخر فينبغي القطع بثبوت النفقة بالشاهد واليمين.

والحاصل : أن الرجعة كالخلع بعينه ، فلا وجه للتفصيل فيه ، وعدمه فيها ، بل لا بدّ إمّا من التفصيل فيهما أو عدمه فيهما.

ويمكن التفرقة بين الرجعة والخلع بأنّ النفقة من لوازم الرجعة المترتّبة عليها شرعا ولا تتوقّف صحّتها على النفقة ، فيمكن دعوى الرجعة مع عدم الالتفات إلى النفقة ، بل مع عدم دعواها إذا كانت المرأة جاهلة بوجوب النفقة ، بل قد يتخلّف النفقة عن الرجعة كما في صورة النشوز ، بخلاف الخلع ؛ فإنّ صحّته موقوفة على الفدية ، ودعوى الخلع لا تسمع إلّا إذا ادعى الخلع الصحيح ، فدعواه مستلزمة لدعواها قطعا.

قوله : والتدبير والاستيلاد.

لا يخفى أنّ إتيان البحث في دعوى التدبير والاستيلاد إنّما هو إذا كانت الدعوى على

٥٠١

الوارث حيث إنّ التدبير والاستيلاد يوجبان زوال ملكيّة المدبّر والمستولدة عن الوارث ، وأمّا المولى فلا يزول ملكيّته قطعا ، وإن لم يجز له بيع المستولدة ، بل لا يمكن دعوى التدبير مع المولى ، حيث يجوز له الرجوع متى شاء.

وأمّا الاستيلاد فيمكن الدعوى معه كما إذا ادعت الأمة العلوق بعد دخولها في ملكه وادعى المولى قبله.

ومن هذا يظهر أن المعنى المراد بقوله : « والتدبير والاستيلاد » أي : دعواهما الدعوى مع الوارث.

قوله : ولو فرض.

أي : حين رجوع المدّعي. والحاصل : أنّه إذا تحقّق شروط ثلاثة أمكن ضمان الشاهد تسلم الشاهد ، ورجوعه مع رجوع المدّعي ، لا إذا لم يرجع أيضا ؛ لأنّه لا وجه حينئذ ، لجواز تضمين المدّعي للجميع الذي أشار إليه بقوله : « فيتخيّر المالك في التضمين » ، ولأنّ رجوع الشاهد لا يثبت إلّا غرامته النصف ، وأمّا النصف الآخر فهو ثابت بيمين المدّعي ، فيكف يستحقّه المدّعى عليه برجوع الشاهد.

قوله : تسلم الشاهد المال.

قد يكون ابتداء أي : من المدعى عليه ، وقد يكون بعد تسلّم المدّعي ، والترتّب إنما يكون في الثاني. أمّا في الأوّل فلا ترتّب ، بل وقعت يده على المغصوب ، ولو اريد ذلك يجب تجريد الترتّب عن معنى التعاقب.

قوله : فان ادعى بعده.

أي : بعد الحضور.

قوله : أقام به البيّنة ، وإلّا احلف.

أي : وإن لم تكن له البينة ، فهو استثناء من محذوف يدلّ عليه الكلام ، ويمكن أن يكون استثناء عن قوله : « أقام ». أي : وإن لم يقم البيّنة احلف المدّعي.

قوله : ومحلّه.

أي : محلّ القضاء على الغائب.

٥٠٢

قوله : على الغائب احتياط.

أي : احتياط لحقوق الناس ، وحفظ لها عن التضييع ؛ فإنّه لو لم يقض على الغائب لأمكن للمدّعى عليه الغلبة بحيث لم يمكن إحضاره ، إذا كانت الدعوى جليلة فيضيع حقّ المدّعي. وأمّا احتمال كون الحق مع المدّعى عليه فهو منجبر ببقائه على حجته.

قوله : وتجب اليمين.

أي : في القضاء على الغائب.

قوله : ويسلّم المال.

عطف على قوله : « فلا يمين عليه » يعني : أنّه لو كان المدّعي وكيلا أو وليا فلم يمكن إحلافه لا يسلّم المال إليه إلّا بكفيل بخلاف ما لو كان المدّعي لنفسه ؛ فإنّه يسلّم إليه المال بلا كفيل بعد اليمين.

وقوله : « إلى أن يحضر » بيان لانتهاء هذه الكفالة ، ومتعلّق بقوله : « كفيل ». والمراد بالمالك من يدّعى له أي : يسلّم المال إلى المدّعي مع كفيل إلى زمان حضور موكّله إن كان وكيلا ، أو كماله وبلوغه إن كان وليا وكانت الدعوى للمولّى عليه.

وقوله : « ويحلف » عطف على كلّ من قوله : « يحضر » أو « يكمل » أي : انتهاء مدّة الكفالة حضور المالك أو كماله وحلفه ، فإذا حضر أو كمل وحلف يبرأ الكفيل.

وقوله : « ما دام المدّعى عليه غائبا » يحتمل ثلاثة أوجه :

الأوّل ـ وهو الأظهر ـ : أن يكون متعلّقا بقوله : « بكفيل إلى أن يحضر » ويكون تقييدا لما ذكره من انتهاء مدّة الكفالة. يعني أنّ كفالة الكفيل إلى زمان الحضور أو الكمال والحلف وكون ذلك انتهاء كفالته إنّما هو ما دام كون المدّعى عليه غائبا وأما لو حضر المدعى عليه قبل حضور المالك أو كماله ، فليس انتهاء الكفالة ما ذكر ؛ لأنّ المدّعى عليه إما يعترف فيبرأ الكفيل ، أو يدّعى قضاء أو إبراء ، فيجب على الوكيل أو الولي ردّ المال ؛ إذ لم يثبت كونه حقّا للموكّل أو المولّى عليه بعد.

وثانيها : أن يكون متعلّقا بقوله : « ويحلف » حيث انّ حلف المدّعي على الغائب إنّما هو مختصّ بزمان غيبة المدّعى عليه حتّى إنّه لو لم يحلف إلى حضوره لم يحلف بعد [ ه ] من جهة الدعوى السابقة ، فقيّده بذلك لبيان الواقع.

٥٠٣

وثالثها ـ وهو أبعدها ـ : أن يكون متعلّقا بقوله : « وتجب اليمين » ، والمعنى ظاهر.

وهاهنا وجه رابع أيضا ، وهو : أن يكون قوله : « ويحلف » جملة استينافية ، وقوله : « ما دام » متعلّقا به أي : يحلف المدّعي بالحلف المشار إليه بقوله : « وتجب اليمين » ما دام المدّعى عليه غائبا ، وحينئذ يكون منتهى الكفالة حضور المالك ، أو كماله من غير حاجة إلى حلفه أي : حضوره أو كماله منتهى الكفالة مطلقا ؛ لأنه إما يحلف المالك فيبرأ الكفيل ، أو لا يحلف ، فيجب على المتسلّم ردّ المال فينتهي الكفالة.

قوله : فى العلة المومى إليها.

اعلم أنّ العلة في النص هكذا : لأنا لا ندري لعلّه قد وفاه ببيّنة لا نعلم موضعها ، أو بغير بينة قبل الموت ، فمن ثمّ صارت عليه اليمين مع البيّنة. وبهذا يظهر الوجه في قوله :« المومى إليها » لا المصرّح بها ، فإنّ العلّة المذكورة ليست عين ما ذكره الشارح ، بل يؤمي إليها ويشعر بها وإنّما لم يقل بمشاركتهم في العلّة المصرّح بها ولم يذكرها لعدم تصورها في حقّ الطفل ، بل أكثر المجانين لعدم امكان الوفاء في حقّهما.

قوله : وفيه نظر.

أي : في أصل الحكم وإلحاق المذكورين بالميّت ، لا في كونه من باب اتحاد الطريق ، دون القياس ؛ إذ فقد النص لا مدخلية له في ذلك.

قوله : الابراء منه.

أي : من الدين ، وغيره أي : غير الإبراء كالهبة والايفاء وغيرهما.

قوله : على نفي استحقاق الآخر.

أي : لما في يده ـ أي : يد الحالف ـ لا المجموع ولا لما في يد الآخر ؛ لأنّ كلا منهما منكر بالنسبة إلى ما في يده ، وأمّا بالنسبة الى ما في يد الآخر فمدّع ، فلا يتوجّه عليه فيه يمين إلّا مع الرد ، أو النكول ، وهو اليمين الإثباتي.

قوله : فإن كانت يمينه إلى آخره.

« الفاء » للتفصيل أي : تفصيل صورة حلف أحدهما ونكول الآخر. فإنّها تتصوّر على وجهين ؛ لأنّه إما يكون الناكل هو الذي بدأ الحاكم بالأمر بحلفه ، أو يكون هو الذي أخّره فعلى الأوّل تكون يمين الحالف بعد نكول صاحبه ، وحينئذ يكون على الحالف يمينان :

٥٠٤

أحدهما : اليمين المتوجّهة عليه أوّلا ، وهي اليمين على النفي ؛ لأنّ توجهها عليه لأجل كونه منكرا كما عرفت فيحلف.

وثانيهما : اليمين التي يردها عليه الحاكم ؛ لأجل نكول صاحبه ، وهي اليمين الإثباتية لما في يد الناكل.

ويمكن جمعهما في يمين واحدة ؛ لتحقّق نكول صاحبه قبل حلفه على النفي ، فيعلم الحاكم بأنّ عليه الحلف على النفي والإثبات معا ، فيجمعهما في يمين واحدة ، وهذه الصورة هي التي أشار إليها بقوله : « فإن كانت يمينه بعد نكول صاحبه ».

وعلى الثاني : تكون يمين الحالف قبل نكول صاحبه ، فلا يعلم الحاكم أوّلا إلّا توجه اليمين على النفي عليه ، فلا يمكنه حلفه على الإثبات أيضا ، نعم بعد إتمام حلفه وتوجّه اليمين إلى صاحبه ونكوله وردّ الحاكم اليمين عليه يعلم الحاكم بأنّ عليه اليمين على الإثبات أيضا ، فيحلّفه لأجله ، ولذا يفتقر حينئذ إلى يمين نفيية أوّلا ، وإثباتية ثانيا ، وهذا هو الذي ذكره بقوله ( قدس‌سره ) : « وإلّا افتقر إلى يمين اخرى ».

قوله : بما في يد صاحبه.

أي : النصف وذلك لأنّه إذا كانت في يد اثنين ولم يعلم القدر المتشبث لكلّ منهما فيه يحكم بكون ما في يد كلّ منهما نصفه كما يأتي.

ثمّ لا يخفى أنّه لكون النصف الذي في يد كلّ منهما مشاعا ليس تصريحه بذلك لترتّب فائدة على ذلك ، بل للإشارة إلى دليل الحكم وبيان الواقع ، وهو أنّه يحكم للمدعي ببيّنته فكلّ منهما مدّع بالنسبة إلى ما في يد صاحبه ، فبيّنته مثبتة لما في يد صاحبه ، فيستحقّه.

قوله : ولو خرجا

أي : لو خرج المتداعيان عن العين بأن كانت في يد ثالث ، فذو اليد منهما من صدّقه من تكون العين بيده تامّة ، وهو الثالث.

وقوله : « مع اليمين » أي : يمين ذي اليد ، وهو الذي صدقه الثالث ، وهذه اليمين إنما تكون على النفي. والظرف ليس شرطا لقوله : « فذو اليد » كما يوهمه ظاهر العبارة ؛ إذ كونه ذا اليد إنّما هو ثبت بمجرّد تصديق الثالث من غير اشتراطه بيمين ، بل هو شرط لما يشعر به بكونه ذا اليد من القضاء بها له.

٥٠٥

قوله : وعلى المصدّق.

ولكن ذلك مشروط بأن يدّعي الآخر بأنّها له ، لا لمن صدقه.

قوله : إن ادّعيا علمه.

أي : ادّعى كلّ منهما علمه بأنّه له. وفائدة هذه الدعوى عليه ليست القضاء بالعين لأحدهما لو اعترف له ؛ لأنّ إقراره الأوّل يمنع عن نفوذه ، بل الفائدة غرامته لمن اعترف له ثانيا.

وكذا تظهر فائدتها لو نكل عن الحلف لهما ، وترك ( ردّ ظ ) اليمين عليهما ؛ فإنّه يغرم النصف للحالف منهما إن حلف أحدهما ، ويغرم لكلّ منهما النصف لو حلفا معا.

قوله : « ولو أنكرهما قدّم قوله بيمينه ».

سواء ادعاها لنفسه أم لا ، ولا يجب عليه نسبة الملك إلى نفسه ، أو إلى أحد معيّن.

قوله : فهي لذي البيّنة مع يمينه.

قيل : يشكل هذا في صورة تصديق أحدهما خاصّة بأنّه ذو اليد كما ذكر أوّلا ، فكيف يحكم بالبيّنة مع اليمين ؛ لأنّ ذا البيّنة إن كان المصدّق له ، وهو ذو اليد ، فوظيفته اليمين ، وبيّنته لغو ، وإن كان الآخر فتكفي بيّنته ؛ لأنّه خارج فوظيفته البيّنة ، ولا احتياج له إلى اليمين ، إلّا أن يقال : قوله : « جميع هذه الصور » إشارة إلى الصورة الأخيرة من تصديقهما أو إنكارهما وحلفهما ونكولهما ، وكذا قوله : « لو أقاماها » ؛ إذ على تقدير أحدهما خاصّة ، وصيرورته ذي اليد يرجع [ الى ] المسألة الآتية من تشبث أحدهما ، ويأتي فيها الخلاف ، وترجيح الداخل والخارج ، فتأمّل.

ويمكن دفع الإشكال : بأنّ ذا اليد في صورة تصديق أحدهما ليس ذا اليد حقيقة كما صرّحوا به ، بل هو في حكم ذي اليد ، وحينئذ فنقول :

أوّلا : إن ذا البيّنة هو المصدّق له ، وكون بيّنته لغوا لا ينافي الحكم بأنّه له مع يمينه ، ولا إشكال ؛ لأن الحكم كذلك في الواقع غاية الأمر أنّه لا احتياج له إلى البينة.

وثانيا : أنّه هو الآخر ، ولا يلزم أن لا تكون عليه يمين ؛ لأنّه إنّما هو إذا كان خصمه ذا اليد حقيقة ، لا حكما.

٥٠٦

قوله : ولو تشبّث أحدهما إلى آخره.

قال بعض المحشّين : « ذكر هذا الحكم هنا بلا خلاف ، وكذا كثير من الأصحاب ، مع أنّهم نقلوا الخلاف في مسألة تعارض البيّنتين في أنّه هل يرجّح بيّنة الداخل وهو المتشبّث أو الخارج من غير ترجيح.

ولا يخفى أنّ من قال بترجيح بيّنة المتشبث على تقدير تعارض بيّنة الآخر من غير يمين بمحض أنّه رجّح بيّنته بأنّه ذو اليد ، فلا بدّ له من الحكم باعتبار بينته على تقدير عدم معارض له بطريق أولى ». انتهى [ ما ذكره السلطان في حاشيته على شرح اللمعة ]

ولا يخفى أنّ ما ذكروه هنا من عدم اعتبار بيّنة المتشبث مرادهم : أنّه لا يوجب سقوط ما ثبت عليه بالإجماع والأخبار من ليمين فاعتبارها بمعنى سقوط اليمين عنه ، وأمّا عند تعارض البينتين فبيّنة الخارج مسقطة ليمين المتشبّث قطعا ، فلا وجه لعدم اعتبار بيّنته ، فإنّ معارضها هو اليمين ، وهي قد اسقطت.

والحاصل : أنّ الوجه في عدم اعتبار بيّنة المتشبث هو ثبوت اليمين عليه ، فإذا اسقطت عنه ، فلا وجه لعدم اعتبارها ، وأمّا بينة الخارج فلم يثبت كونها لاغية لبيّنة المتشبث ، ولو سلّم إيجابها لإلغائها فتكون كيمين المتشبث ، فلا وجه لحكم هذا الفاضل لأولوية اعتبار بيّنة المتشبّث عند عدم تعارضها مع بيّنة الخارج.

قوله : فيرجع إلى آخره.

إمّا لأجل تعارضهما وتساقطهما فتبقى اليد بلا معارض ، أو لأجل أنّ اليد كالبيّنة ، وذو الحجّتين مقدم على الحجّة الواحدة.

قوله : دون العكس لمصادقته.

هذا تعليل لقوله : « من دون العكس » أي : لا يحلف مدّعي الكل للآخر ، فيقتسمان نصفين ؛ لأنّ النصف له بتصديق مدّعي النصف ، فلا يحتاج في القضاء له به إلى يمين ، بخلاف مدّعي النصف ؛ فإنّ مدّعي الكل لا يصدقه فلا بدّ في القضاء له به من اليمين.

قوله : والفرق ان كلّ جزء إلى آخره.

الصواب في التفرقة أن يقال : إنّه سيأتي في كلام الشارح أنّ النصف حين الاشاعة في

٥٠٧

يد مدّعي النصف ، وسنذكر وجهه. ووجه تخصيصه بصورة الإشاعة أنّ مدعي الكل خارج بالنسبة إلى النصف ، ولا شك أنّ الحكم حينئذ أن يكون النصف لمدعيه مع يمينه. وأمّا حين التعيين فلا يمكن أن يكون مدّعي الكل خارجا بالنسبة إلى النصف الأخير غير متشبث به ؛ لأنّه يخرج المسألة حينئذ عن المتنازع فيه ؛ إذ لو فرض تشبّث مدّعي الكل بالنصف فقط لكان بنصفه المعيّن ، ولا نزاع فيه ، والنصف المتنازع فيه لا يكون متشبّثا به وعلى هذا فيكون كلّ من المتداعين متشبّثا بالنصف المتنازع فيه ، فيكون من باب الدعوى على عين تكون في أيديهما ، وهي النصف المتنازع فيه ، وقد مرّ أنّ الحكم فيه حلفهما واقتسامهما سويّة ، فعليهما الحلف في المتنازع فيه الذي تشبثا به ، وهو النصف وتقسيمه سويّة ، ويلزمه أن يكون لمدّعي النصف الربع.

والحاصل : أنّ بناء الفرق على ما سيأتي من أنّ في صورة الإشاعة تكون اليد في النصف لمدّعي النصف ، وفي صورة التعيين لهما.

وممّا ذكرنا ظهر ضعف ما ذكره بعض المحشين من : عدم التفرقة بين الصورتين ، وإن كان ما ذكره من عدم صلاحيّة الفرق الذي ذكره الشارح للتفرقة صحيحا.

قوله : فهي للخارج على القول بترجيح بيّنته.

أي : الخارج بالنسبة إلى المدّعى به ، وهو النصف ، وإنّما جعل خارجا بالنسبة إليه ؛ لأنّ النصف في يد مدّعي النصف.

والسرّ فيه : أنّ المفروض أنّ كلا منهما يتشبث بالمجموع ، وإن كانت الدعوى على النصف المشاع ، ولا يصحّ تعيّن القدر المتشبث لكلّ منهما.

وإنّما قلنا : إنّ كلا منهما متشبث بالمجموع ؛ لأنّ المفروض أنّ العين في يدهما والمدّعى به مشاع ، فلا يعلم القدر المتشبّث لكلّ منهما ، فيحكم بالتساوي كما هو القاعدة عند عدم المعيّن ، وذلك بخلاف ما إذا كان المتنازع فيها معيّنا ، فإنّ في يد مدّعي النصف حينئذ الربع ؛ لأنّه لاعترافه بكون النصف المعيّن للآخر وتعيينه يحكم بعدم تصرّفه فيه ، لوجوب حمل تصرّفات المسلم على المباح ، فلا تكون يده عليه ، ولأنّ المفروض أنّ كلا منهما يتشبث بالمدّعى به ، وأنّه النصف الآخر فلا بدّ من كون يدهما عليه ؛ ولعدم تعيّن ما

٥٠٨

في يد كلّ منهما من هذا النصف يحكم بالتنصيف فيه. ومن هذا ظهر الفرق بين كون النصف المتنازع فيه معيّنا ، أو مشاعا.

ولتوضيح ذلك وما تقدّم نقول : إنّه لا شكّ في أنّ كون شخص ذا يد على أمر يترتّب عليه أحكام كتوجّه اليمين إليه عند الدعوى وغير ذلك ، وكذا كونه ذا يد على أيّ قدر من هذا المال ، وعلى هذا فإذا وجدنا زيدا وعمروا مثلا متردّدين في بيت داخلين فيه خارجين عنه ، وبالجملة متصرفين فيه بأنواع التصرف وأردنا تعيين ذي اليد منهما ، أو تعيين القدر المتصرّف لكلّ منهما فعلينا أن نحكم بأنّ كلا منهما ذو يد على النصف ، فيحكم بذلك ، ولا ينقض ذلك الحكم إلّا بناقض شرعي.

فلو فرضنا بعد حكمنا بذلك دعواهما في ذلك البيت بأن يدّعي كلا منهما جميعه ، أو واحد جميعه والآخر نصفه ، فنقول : إنّه لم يثبت أنّ محض الدعوى ناقض للحكم المذكور ، فيحكم ببقائه ، ويجري القضاء في الدعوى على مقتضاه من حلف كلّ منهما على نفي استحقاق الآخر في ما يده عليه ، وهو النصف إذا كانت الدعوى على النصفين ، وحلف مدّعي النصف على نفي استحقاق الآخر فقط إذا كانت على النصف.

فنقول : إنّا حكمنا أنّ كلا منهما ذو يد على النصف المشاع ، فمدّعي الكل ذو يد على النصف المعيّن بالإشاعة ، ولم يثبت الناقض. وأمّا مدّعي النصف المعيّن فإقراره بأن النصف الآخر لخصمه نفى استحقاقه فيه ، فيبقى النصف الآخر بينهما ويدهما عليه بالإشاعة ، فيحلف كلّ منهما ، ويقتسمان بالسويّة ، فافهم ذلك ؛ فإنّه دقيق جدّا.

قوله : ويقضى لمن خرج.

أي : يقضى لمن خرج له القرعة مع يمينه.

قوله : الملك بها سابقا.

لأنّ البيّنتين متعارضتان في القدر المشترك ، وتتساقطان ، وتبقى البيّنة القديمة في الزمان السابق على القدر المشترك بلا معارض ، فيثبت لها الملك فيه ، فيستصحب.

قوله : لقوته وتحقّقه.

أي : قوّة الملك في دلالته على استحقاق المالك للمدّعى به بالنسبة إلى دلالة اليد على

٥٠٩

استحقاق ذي اليد له ؛ لأنّ دلالة الملك عليه قطعيّة لاستلزام الملك له ، ودلالة اليد ظاهرة ؛ لاجتماعها مع عدم الملكيّة أيضا كالغصب والإجارة والعارية وغيرها.

وقوله : « وتحقّقه » معطوف على « قوّته ». والضمير راجع إلى « الملك » أي : ولتحقّق الملك أي : الملك المطلق الذي هو جزء ملكية من شهد له به ، حيث إنّ الكلّي جزء للجزئي معلوم التحقّق الآن ، بخلاف اليد ، فإنّه غير متحقّق لجواز أن يكون مال ولم تكن لأحد يد عليه ، فشهادة الملك لأحدهما تكون راجحة على شهادة اليد للآخر ضرورة أنّ تحقّق جزء المشهود به مؤكّدة مرجّحة ، ومؤيدة للشهادة به ، فإنّه إذا أخبر مخبر بأنّ زيدا وعمروا معا في البصرة في اليوم الفلاني ، وآخر بأنّهما في الكوفة فيه ، فتحقّق كون عمرو في هذا اليوم في البصرة ؛ فإنّه مرجّح لخبر المخبر الأوّل ، وكون زيد وعمرو معا فيه ، وكذا إذا أخبر شخص بأنّ الشبح المرئي حجر ، والآخر أنّه انسان فتحقّق حيوانيّته ، فإنه مرجّح ومؤيّد لكونه انسانا.

القول في القسمة

قوله : ويلزمها ويتقدر.

أي : الإجبار يلزم القسمة ، ولا يجوز لأحد الشريكين نقضها بدون رضا الآخر. وذلك بخلاف البيع ، فإنّه وإن دخله الإكراه ، ولكن له خيار الفسخ بعد زوال إكراهه كما سيصرّح به المصنّف والشارح في بحث البيع.

ولا يخفى أنّه سيأتي في كلام الشارح في ذلك البحث أنّ البيع أيضا يدخله الإجبار ويلزمه في مواضع كثيرة كإجبار الحاكم على البيع لوفاء الدين ، ونفقة الواجب ، وغيرها ممّا سيأتي فلا فرق بينهما من هذه الجهة ؛ إذ ظاهر أنّ المراد بدخول الاجبار في القسمة ليس دخولها فيها كلية بل في بعض المواضع ويمكن ان يقال انّ المراد : أنّ الإجبار يدخل القسمة لذاتها ، ومن حيث هي هي ، فإنّه يجوز فيها بمجرّد طلب أحد الشريكين لها وفقد المانع ، بخلاف دخوله في البيع ؛ فإنّه عارضي لأجل عروض بعض المجوّزات ، ولذا لا يجبر بمحض طلب أحد المتبايعين بدون حصول الشرائط.

٥١٠

واعلم أنّه لا يخلو إمّا أن يكون مجموع قوله : « ويدخلها الإجبار » و « يلزمها » دليلا واحدا ، أو يكون قوله : « ويلزمها » دليلا على حدة ، وعلى التقديرين : إمّا يكون المراد بالإجبار : الاجبار المجوّز شرعا ، أو الأعم. وعلى التقادير : إمّا يكون المراد بدخول الإجبار دخوله بالذات ، لا لجهة عارضية كما ذكرنا ، أو الأعم.

فهذه ثمانية احتمالات لا تخلو عن الخدشة على كلّ تقدير منها :

أمّا على تقدير كون المجموع دليلا واحدا وإرادة الاجبار الشرعي الذاتي ، فلزيادة قوله : « ويلزمها » ؛ لعدم تحقّق الإجبار الشرعي الذاتي في البيع.

وأمّا على تقدير الوحدة وإرادة الشرعي الأعم من الذاتي ، فلتحقّقه في البيع أيضا.

وأمّا على تقدير الوحدة وإرادة الإجبار الأعم ، فلتحقّقه في البيع ذاتا وعرضا ، وعدم لزومه في القسمة أيضا.

وأمّا على تقدير التعدّد وإرادة الإجبار الشرعي الذاتي ، فلما مر في الأوّل.

وأمّا على تقدير التعدّد وإرادة الشرعي الأعم ؛ فلما مرّ في الثاني.

وأمّا على تقدير التعدّد وإرادة الاجبار الأعم ؛ فلما مرّ في الثالث والرابع ، فتأمل.

قوله : للشريك بها.

أي : لمن كان شريكا في الملك مطلقا ، لا لهذا الشريك الذي اقتسم معه ؛ إذ لا معنى للشفعة في حقّه. ثمّ ثبوت الشفعة للشريك الآخر يتصوّر على وجوه :

أحدها : أن يكون نصيبه مفروزا وقلنا بثبوت الشفعة في المفروز وفي ما كان الشريك أزيد من اثنين أيضا.

وثانيها : أن يكون أحد الشركاء الثلاث غائبا عند القسمة ، وقسّم الحاكم إجبارا ، وهذا أيضا إنما يتمّ على القول بثبوت الشفعة في أكثر من اثنين.

وثالثها : أن يكون غير الشريكين شريكا مع أحدهما في طريق ، أو نهر. وهذا يصحّ مع اشتراط عدم الزيادة أيضا.

ورابعها : أن تكون الشفعة للجار على القول بثبوتها بالجوار أيضا كما يقول بعض العامّة.

٥١١

قوله : لاستلزامه المعاوضة.

أي : استلزام الرد ، ورود المعاوضة على جزء من المال المقسوم ، وهو الجزء الذي يقابل العوض سواء كان جزءا صوريّا كما إذا كان العوض لأجل زيادة عين نصيب أحد الشريكين ، أو جزءا معنويا كما إذا كان لأجل زيادة وصفه.

فلفظة « من » في قوله : « من مقابله » بيانية ، ويحتمل التبعيضية أيضا : بأن يراد بالمقابل :مجموع نصيب أحد الشريكين ، فإنّه يقابل العوض باعتبار المالك.

والضمير في قوله : « وهو غير لازم » راجع إلى « المعاوضة » باعتبار كونها لازم الرد يعني : والإجبار على المعاوضة غير لازم.

قوله : عدا الثالث في السيف.

المراد بالثالث : عدم الانتفاع به منفردا. والضمير المنصوب في قوله : « فإنّه » راجع إلى « السيف ». ويمكن أن يكون ضمير شأن والضمير المجرور في قوله : « بقسمته » وكذا في « غيره » راجع إلى « السيف ».

وقوله : « بقسمته » يمكن أن يكون بـ « التاء » المثناة الفوقانية ؛ مصدرا ، وب « الياء » المثناة التحتانية تثنية ، والمعنى واحد ، وحاصل المعنى : أنّ الضرر في هذه المذكورات يمكن اعتباره بجميع المعاني الأربعة المذكورة إلّا عدم الانتفاع به منفردا ؛ فإنّه لا يمكن اعتباره في السيف ؛ لأنّ السيف يمكن الانتفاع بنصفيه ، أو مع تقسيمه غالبا ؛ إذ قد يكون نصيب بعض الشركاء قليلا بقدر لا يمكن الانتفاع به.

قوله : وإذا عدّلت السهام.

المراد بالتعديل بالأجزاء : تميّز الأجزاء المتساوية عينا ، فلا يرد : أنّ التعديل بالأجزاء يكون في مختلفة الأجزاء : بأن يعدل بأن يزيد على الجزء الأدنى وينقص من الأعلى ؛ فإن هذا تعديل بالقيمة ؛ إذ قيمة الجزء الأدنى مع الزيادة مساوية للأعلى مع النقص ، لا عينه.

وقوله « كيلا » وما عطف عليه تمييز للتعديل ويتعلّق بقوله : « عدلت » ، وقوله : « بعدد الانصباء » أيضا متعلّق به.

قوله : كالأرض والحيوان.

٥١٢

إنّ التمثيل بهما من جهة الغلبة ؛ فإنّ الغالب أن أجزاء الأراضي سيّما الدور وأفراد الحيوانات مختلفة ، وإلّا فيمكن أن يكون الأرض متساوية الأجزاء فعدّلت بالذراع ، والحيوانات فعدّلت بالعدد.

قوله : مع التراضي الموجبة.

صفة للقسمة المقيّدة أي : القسمة مع التراضي.

قوله : اتّفقت السهام.

كالعين المشتركة بين اثنين ، أو ثلاث ، أو أربع ، أو أزيد ، على التساوي ، فالمراد باتّفاق السهام : تساوي أقدارها.

قوله : على أقلّ السهام.

فلو كان لأحد الشريكين ثلث العين ، وللآخر ثلثاه يقسم على ثلاثة أسهم ، ولو كان لأحدهم الربع وللآخر الثلث ، وللثالث الباقي يقسم أربعة أسهم ( كذا ) ، وهكذا ، والمراد بجعل أوّل لها : أن يقرّر جزء منها نصيب أوّل من يخرج اسمه.

قوله : من التفريق.

أي : تفريق سهام من له الأكثر ؛ فإنّه لو كتب أسماء السهام وجعل للشركاء أوّلا فيمكن أن يخرج أوّلا ربع مثلا فيما قسّم على الأرباع لمن له ثلاثة أرباع ، ثمّ يخرج ثانيا ربع آخر غير متّصل بالربع الأوّل ، فيتضرّر مالك ثلاثة أرباع بذلك ، بل قد يكون تفريق أرباعه بحيث لا يمكنه الانتفاع.

قوله : وأكمل نصيبه.

يعني : لو كان من خرج اسمه أوّلا من الشركاء نصيبه أزيد من الأقلّ الذي قسّم السهام عليه يعطى باقي نصيبه ممّا يتّصل بالأوّل من غير احتياج إلى إخراج اسمه ثانيا ؛ لئلّا يتفرّق سهامه.

قوله : إن كانوا أكثر من اثنين.

فإنّه لو كانا اثنين لم يحتج إلى الإخراج ثانيا ؛ لأنّ الباقي يكون له لا محالة. والحاصل :

أنّه يخرج الرقاع إلى أن يبقى واحد من الشركاء فهو لا يحتاج إلى إخراج رقعته.

٥١٣

قوله : بالسويّة.

متعلّق بقوله : « معيّن » أي : بعض كان تعيينه بالسويّة أي : كان ما دخل منه في نصيب أحد المتقاسمين مساويا لما دخل في نصيب الآخر.

وقوله : « لا يخل » صفة موضحة لبعض معيّن بالسويّة. وقوله : « بالتعديل » متعلّق بقوله :« لا يخل ». والمراد : أنّه ظهر بعد القسمة أنّ البعض المعيّن من المقسوم ملك لغير المتقاسمين ، وكان تعيين ذلك البعض بالسوية بينهما ، بحيث لا يخلّ إخراج ذلك البعض وانتزاعه منهما بالتعديل الواقع بينهما ، كأن يقسم بين شريكين بنصفين ، ثمّ ظهر أن ربعه المعيّن ملك الغير ، وكان نصف هذا الربع داخلا في نصيب أحد المتقاسمين ، والنصف الآخر داخلا في نصيب الآخر ، فإذا اخرج ذلك البعض المعيّن يبقى في يد كلّ منهما الربع ( كذا ) ، فلم يختل التعديل ، بخلاف ما إذا لم يكن ذلك البعض المعيّن مساويا في السهام بالنسبة كأن ظهر أنّ ثلث الربع المذكور داخل في حصّة أحدهما ، وثلثيه في حصّة الآخر ، وحينئذ فبعد إخراجه يكون الباقي لأحدهما زائدا عن حصّته وحصّة الآخر ناقصا ويحتاج إلى الرجوع إلى الأوّل.

٥١٤

كتاب الشهادات

الفصل الأوّل

قوله : والمراد حينئذ.

أي : حين بلوغ العشر ، والاجتماع على المباح ، وعدم التفرّق في الشهادة على الجراح. وذكر ذلك ؛ لئلّا يتوهّم أن ذكر الشرائط المذكورة دالّ على أنّه ليس غيرها من الشرائط ، [ معتبرا ] فالمعنى : أنّ المراد حينئذ : أيّ مع هذه الشرائط أن اشتراط البلوغ منتف ، دون غيره من الشرائط الآتية ، بل هي باقية ومعتبرة فيما نحن فيه.

قوله : ولكن روي.

استدرك عن ما يفهم من اشتراط مطابقة بعض الشهود لبعض من أنّه ان لم يطابق ترد شهادة الجميع.

قوله : والتهجّم على الدماء.

هذا ردّ لما روي من الأخذ بأوّل قولهم ، « والتهجم » مبتدأ ، خبره قوله : « ليس بجيّد ». والمراد من الدماء : ما يشمل قصاص الجروح أيضا. يعني : روي الأخذ بأوّل قولهم ، ولكنّه فيما إذا كان أوّل قولهم دالّا على وجوب القصاص ، لا ينبغي الأخذ به ؛ لأنّ التهجّم في غير محلّ الوفاق على الدماء ليس بجيّد ، وأمّا في محلّ الوفاق ، كما إذا كانت الشهادات متطابقة فلا كلام.

قوله : تنبيه عليه.

أي : على اعتبار صورة الأفعال ؛ إذ لو لم يعتبر ذلك ولم يقدح في قبول شهادتهم ارتكاب صورة الحرام لم يكن وجه لاشتراط الاجتماع على المباح.

٥١٥

ويمكن إرجاع الضمير المجرور إلى عدم الدليل على اعتبار صورة الأفعال حيث إنّه لو اعتبرت صورة الأفعال في عدالة الصبي ، وكان العادل من الصبيان من ارتكب صورة أفعال العدول من المكلّفين ؛ لأغنى ذكر العدالة عن اشتراط اجتماعهم على المباح. وأيضا لم يكن وجه لاشتراط اجتماعهم على المباح ، بل كان اللازم اشتراط عدم صدور حرام منهم ، لا مجتمعا ولا منفردا.

قوله : ويضعّف.

أي : يضعّف قول العلّامة بقبول شهادة المستور والفاسق من المسلم ؛ بانّ شهادة غير العادل مطلقا مردود ، فيجب عدم قبوله إلّا في محلّ الوفاق ، وهو الذمي فتعميمه والقول به في غير محل الوفاق وهو الفاسق المسلم غير جائز.

قوله : أقرب منها إلى سبعين وسبعة.

أي : أقرب من حيث الدليل إلى سبعين ، كما في بعض الأخبار ، وإلى سبعة كما في بعض آخر ، لا من حيث العدد.

قوله : من الذنب.

لفظة « من » بيانية للموصول في قوله : « ما دون » ، والتقييد به لصدق ما دون الكبيرة على غير الذنب أصلا ، وليست ببعضية حتّى يكون المجرور متعلّقا بالكبيرة.

قوله : كالمواظبة على نوع أو أنواع.

الظاهر أن المراد من المداومة على الأنواع : أن يداوم على كلّ نوع منها ؛ فإنّ المداومة عليها بأن يفعل كلّ نوع منها مرّة أو مرّتين لا يسمّى مداومة على الأنواع ، بل على جنس الصغائر ، وقد اختلف فيها أيضا أنّها هل هي إصرار أم لا؟ وقد يفسر الإصرار بالإكثار أيضا ، وهو أعمّ من المواظبة.

وممّا ذكرنا تظهر النكتة في ذكره المواظبة على سبيل التمثيل ، والعزم على سبيل الحمل والتخصيص ؛ فإنّ الإصرار الحكمي مختصّ بالعزم ، ولا يتصوّر غيره ، بخلاف الفعلي ، فإنّه اختلف فيه : فمنهم من فسره بالإكثار ، ومنهم من فسّره بالمداومة. ثم اختلفوا في الإكثار والمداومة على الجنس ، وهكذا ، وكلّ ذلك إصرار فعلي.

٥١٦

قوله : بعد وقوعه.

أي : وقوع الفعل. والسرّ في جعل العزم على الفعل ثانيا من الإصرار ، مع أن نفس الفعل ثانيا من غير زيادة لا يوجبه ، أنّ العزم غالبا يكون مستمرا في آنات متتالية ، والعزم في كل آن في حكم الفعل ، فيتحقق نوع مداومة وإصرار ، بخلاف نفس الفعل ثانيا ، فإنّه لم يصدر إلّا فعل واحد.

قوله : يقتضي الشهادة المشاركة.

أي : كان مقتضى شهادته شركته في المشهود به. وهذا احتراز عمّا إذا لم يكن مقتضاها المشاركة ، وإن كانت شهادة في المشترك ، كما إذا ادّعى شريكه جزءا مشاعا من المال المشترك على خصم له ، فشهد الشريك الآخر بصدق دعواه ؛ فإنها تقبل وإن كانت في المال المشترك ؛ إذ مقتضاها ليست مشاركة.

ويمكن أن يقال : إن تلك الشهادة أيضا ليست في المال المشترك ؛ لأنّ الجزء الذي يدّعيه ليس مشتركا فيكون القيد توضيحيّا.

قوله : فى متعلّق وصيّته.

إضافة الوصيّة إلى الضمير إضافة المصدر إلى المفعول ؛ فإنّ الوصيّة على مصطلح الفقهاء : مصدر متعدّ ، فإنّه في مصطلحهم : تمليك عين أو منفعة بعد الوفاة أو تسليط على تصرّف بعدها.

قوله : ولا يقدح في ذلك.

أي : يتوقّف عدم قبول شهادة الوصي على ثبوت وصايته ، فلا يقدح في قبولها محض دعوى الوصي الوصاية ، ولا دعواه مع انضمام شهادة من لا تثبت الوصاية بشهادته كفاسق ؛ لأنّ المانع من قبول شهادته ليس دعواه الوصاية وما يشبهها ، بل ثبوت وصايته التي هي الولاية الموجبة للتهمة.

وقوله : « بادخال المال » متعلّق بالتهمة. أي : بإرادة إدخال المال تحت الولاية ؛ فإن الوصاية توجب إدخال المال الموصى به تحت اختيار الوصي.

قوله : على القول بملكه.

٥١٧

أي : ملك العبد. والتقييد به ؛ لأنّه على القول بعدم ملكه وكون المال للمولى ، لا تتصوّر الشهادة للعبد ، بل تكون للمولى نفسه. والضمير في قوله : « عليه » راجع إلى « العبد » ، ويمكن إرجاعه إلى الملك أيضا على نوع استخدام.

قوله : ويمكن اعتباره.

أي : يمكن اعتبار الأخير في النفع بمعنى : أنّه كما يمكن اعتبار الأخير وجعله من باب دفع الضرر ، كذلك يمكن اعتباره وجعله من باب جلب النفع. وذلك ؛ لأنّه يريد بتلك الشهادة تقليل الغرماء ووصول المال إليه أكثر ، وهو من باب النفع ، دون دفع الضرر ؛ لأنّ الفرق بينهما : أن جلب النفع هو طلب ما ليس في يده ، ودفع الضرر : هو حفظ ما في يده ، ولا شكّ أن كون الأخير من باب الأوّل ممكن ، ووجه جعله من باب دفع الضرر أن قبل شهادة الشهود على دين آخر قد تعلّق حقّه بالمال ، فكأنّه صار في يده ، فيجرح الشهود لحفظه ما في حكم ما في يده ، فتأمّل.

قوله : على الموصي والموكّل.

أي : في متعلّق الوصية والتوكيل.

قوله : ولا يقدح مطلق التهمة.

بل لا بدّ أن يكون على النحو المذكور وهو : أن يجر إليه بشهادته نفعا أو يدفع عنه بها ضرّا ، والمراد بجرّ النفع : جرّه شرعا أي : يعود إليه النفع شرعا. وكذا المراد : أن يكون موجب النفع هو الشهادة بحيث يعود إليه بسبب الشهادة ، فلو توقّف العود على امور اخر يمكن تحقّقها وعدمه لا يكون تهمة.

وأمّا شهادة الصديق ، فهي لمحض الصداقة ، ولا نفع يجلب بها آجلا وعاجلا. وأمّا شهادة الوارث ، فهي يجلب نفعا عاجلا موقوفا على امور كبقاء المال على ملكيّة المورث إلى موته ، وغير ذلك. ومن هذا القبيل شهادة [ من ] ينتفع بمال غيره لأجل الصداقة ؛ فإنّه ليس نفعا عائدا بحكم الشرع.

قوله : إذا لم يكونوا مأخوذين.

يعني : أنّ قبول شهادة الرفقاء على اللصوص مشروط بشرطين :

٥١٨

أحدهما : إذا لم يكن الرفقاء مأخوذين في أيدي اللصوص ، فلو كانوا مأخوذين أيضا لم تقبل شهادتهم ، لأجل العداوة ، أو كونهم شركاء في بعض الحقوق ، ولو في محض الأخذ.

ثانيهما : أنّه لو أخذت اللصوص من مالهم شيئا لم يتعرضوا لذكره في الشهادة ، بل اقتصروا على ذكر ما اخذ من سائر القافلة.

وقوله : « لهم » حال عن الموصول أي : ما أخذ حال كونه لهم. ووجه العدول عن قوله :« منهم » إلى قوله : « لهم » ؛ ليشمل ما لو اخذ مالهم الذي كان عند غيرهم من الرفقاء.

قوله : وتمنع العداوة الدنيوية.

أي : عن قبول الشهادة على العدو ، لا له ، فتقبل له ، وكذا لغيره وعليه ، إلّا إذا كانت تتضمّن فسقا كأن يغتابه ، أو يقذفه ، أو مثل ذلك ، فلا تقبل مطلقا.

قوله : دون العكس مطلقا.

إمّا قيد لقوله : « غير مانعة » ، وتكون العلّة معترضة بين المعلول وقيده. والمعنى : فإنّ العداوة الدينيّة غير مانعة من القبول مطلقا ، سواء كانت الشهادة على العدو أو له. أو المعنى : أنّها غير مانعة على سبيل الإطلاق وإن كانت مانعة في الجملة ، كما منع عن قبول شهادة أهل الأديان على المسلم ، وإن قلنا بعدالتهم ، كما ذهب إليه بعض أصحابنا.

وإمّا قيد لأهل الأديان أي : سواء كانوا مسلمين أم كفّارا. وإمّا قيد لقوله : « دون العكس » أي : لا تقبل شهادة أهل الأديان على المؤمن مطلقا سواء كانوا مسلمين أم كفّارا ، وإمّا قبولها في الوصيّة ففرد نادر ، ومع ذلك مرّ ذكره.

وأمّا قيد للعكس أي : دون العكس على سبيل الإطلاق ، وإن كان العكس في الجملة أيضا كما في الوصية.

قوله : للتهمة.

قيل : « إنّ التهمة غير ظاهرة ، خصوصا إذا كان جاهلا ، فإنّا نجد كثيرا من يشهد قبل الاستشهاد من غير ميل إلى إثبات المشهود به ، بل قد يكون إلى عدمه أميل ، فردّ شهادة العدل بمجرّد ذلك مشكل ».

٥١٩

واجيب : بأنّ التهمة ظاهرة مع التبرّع غالبا وإن أمكن فرض عدمها فيما فرضه من صورة الجهل وغيرها ؛ ولذا أطبق الأصحاب على عدّه تهمة ، ولعلّ مرادهم : الغالب ، دون ما فرض من الصورة النادرة ، كيف لا؟ ولو كان مرادهم عدّه تهمة مطلقا لزم مخالفة ما ذكروه للوجدان جدّا.

وهذا أظهر قرينة على إرادتهم من محل المنع ما أوجب التبرع التهمة كما هو الغالب ، دون غيره ، وإنّما أطلقوا اتكالا منهم على فهمه من تعليلهم المنع بالتهمة.

قوله : في غيرها.

أي : غير الشهادة التي تبرع بإقامتها ، أو غير الواقعة المدلول عليها بقرينة المقام ، أو غير الدعوى التي شهد فيها.

قوله : ولو اشترك الحق كالعتق.

لا يخفى أنّ الوجه في كون العتق مشتركا : أنّه يشترط فيه القربة ، ويملك المعتق ـ بالفتح ـ رقبته. فمن الجهة الاولى يكون حقّا لله سبحانه ، ومن الجهة الثانية حقّا للعبد ، فيكون مشتركا.

وأمّا السرقة فالظاهر أنّ المراد بها حدّها ، دون نفسها ؛ لأنّ نفسها مما اشتمل على الأمرين أي : الحق المشترك ، والحق المختصّ بالناس. ووجه اشتراك حدّها : أنّه مأمور به من جانب الله سبحانه فيكون حقّه ، وشرّعه لاضراره بالغير ، فيكون للغير أيضا حظّ فيه.

وأمّا العفو عن القصاص ، فوجه كونها حقّا لله شرعيّته فيه ، لقوله : ( فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْ‌ءٌ ) (١). ووجه كونه حقّا للناس ظاهر.

وأمّا الطلاق والخلع ، فلم يظهر لي وجه لكونه حقّا مشتركا ، بل الظاهر اختصاصه بحقّ الناس ، مع أنّه سيأتي في بحث الشهادة على الشهادة ما يصرّح بأنّ الطلاق من حقوق الناس المختصّة ، بل العتق أيضا.

قوله : أو سماعا.

الظاهر أنّه مفعول مطلق لفعل محذوف ، وهو قوله : « أن يسمع ». أي : أو أن يسمع سماعا.

__________________

(١) البقرة : ١٧٨.

٥٢٠