الحاشية على الروضة البهيّة

الشيخ أحمد بن محمّد مهدي النراقي

الحاشية على الروضة البهيّة

المؤلف:

الشيخ أحمد بن محمّد مهدي النراقي


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-470-632-3
الصفحات: ٨٤٨

أنّه إذا لم يكن منه فاضل لا يستحبّ الصب من الماء الخارجي ، ويحصل القدر المستحب بالصبّ الدوري فقط ، وهذا هو صريح عبارة فقه الرضا عليه‌السلام.

وعلى هذا يكون ما لا أقلّ منه من الماء هو القدر الذي يتمّ به الصب الدوري ، ولا يستحبّ الزيادة ، بل يكتفى فيه بالاتفاق فإن اتفقت الزيادة يصب على الوسط وإلّا فلا ، أم يستحب عدم صبّ الزيادة أو لا في خارج القبر ، وورد في بعض الروايات الأمر بالرش على الوسط من غير الشرط بكونه فاضلا. وعلى هذا فيستحبّ مراعاة الزيادة أوّلا أو أخذ الماء من الخارج إن لم يبق شي‌ء بعد الرش الدوري.

قوله : في غير التراب.

من طين ، أو رمل ، أو جصّ إذا كان أحدها على القبر.

قوله : ويتخيّر الملقّن إلى آخره

ردّ على ابن إدريس حيث قال : « إنّه يستقبل القبلة والقبر ». وعلى أبي الصلاح وابن البراج ويحيى بن سعيد حيث قالوا : يستدبر القبلة ويكون القبر أمامه ».

والمراد : تخييره من حيث كونه ملقّنا ، فلا يرد أنّ الاستقبال يستحبّ في كلّ حال ، فيكون المعين واردا ، إذ هذا المعين ليس من جهة كونه ملقّنا.

قوله : وكلّ أحكامه إلى آخره

أي : كلّ أحكام الميت المذكورة في هذا الكتاب ، وإلّا فله أحكام اخر مندوبة عينا كالحضور إلى صلاته وزيارته. ولا يخفى أن قد ذكر هنا أيضا أحكاما ليست بكفائيّة ظاهرا كالتربيع والتعزية والاهالة ؛ فإنها امور مستحبّة لكلّ أحد لا يسقط استحبابها عن بعض بفعل بعض آخر.

ويمكن التوجيه بأن يقال : إنّ التربيع الذي يستحبّ علينا التناوب والدوران ولكن التربيع بمعنى حمل الجوانب الأربع فهو مستحبّ كفاية ، وكأنّه مراد المصنّف من التربيع ، وهذا هو السر في تفسير الشارح التربيع في كلامه بذلك.

وأمّا التعزية فهي ليست من أحكام الميّت ، بل هي من أحكام أهله والمصابين به. وأمّا الإهالة ، فهي أيضا مستحبّة على القدر الذي ... القبر أو الميّت حين كونه مشاهدا في القبر ، و

١٨١

لا يستحبّ الزائد ، فيكون أيضا كفائيا في الجملة. ويمكن أن يقال أيضا : إنّ للتربيع بأي معنى أخذ وكذا للإهالة جهتين إحداهما : جهة كونهما من أحكام الميّت أي : يترتّب عليهما الفائدة للميت. واخراهما : جهة كونهما من أحكام فاعلهما. وهما من الجهة الاولى كفائيّة ؛ لحصول الفائدة المترتبة عليهما للميت بفعل واحد أيضا ، وإن كان عينيّا من الجهة الثانية ، فتأمّل.

فى التيمّم

قوله : ولو بمجرّد الجبن.

متعلّق بـ « ذهاب عقل » و « الباء » للسببيّة أي : ولو كان الخوف من ذهاب العقل بسبب الجبن ، وإن علم أنّه ليس أمر آخر يوجب ذهابه سوى الجبن.

ويمكن تعلّقه بقوله : يخاف اى يخاف فيما ذكر بسبب مجرّد الجبن.

والمراد : أن يخاف من أنّ جبنه صار سببا لذلك ، وليس المراد أنّ خوفه كان بمحض الجبن أي : علم أنّه لا يتحقّق شي‌ء من هذه الامور ، ولكن جبنه كان مانعا من السعي إليه.

والحاصل : أنّه يجب أن يكون الخوف من أنّ الجبن صار سببا لتحقّق أحد هذه الامور ، لا أنّ خوفه كان بمحض الجبن ؛ إذ لا يجوز ترك السعي حينئذ.

قوله : بين القليل.

المراد بالقليل هنا : القليل من المال المحترم ، لا مطلقا فلا تنافي بين ذلك وبين تقييد المال في السابق بالمحترم.

قوله : والفارق النص.

هذا جواب عمّا قاله ابن الجنيد حيث أفتى بعدم وجوب بذل المال المحترم في تحصيل الماء وإن كان قليلا ولزوم الانتقال إلى التيمّم محتجّا : بعدم الفرق بين المال الذي يخاف عليه من ذهابه والمال الذي بذل.

قوله : لا أن الحاصل بالاوّل إلى آخره.

هذا ردّ على من أجاب عن احتجاج ابن الجنيد بإبداء الفرق بين الموضعين : بأنّ

١٨٢

الحاصل في الأوّل ليس إلّا العوض ، والحاصل في الثاني هو الثواب ، وبينهما بون بعيد.

وظاهر كلام الشارح مؤذن بأنّه حمل العوض في كلام ذلك المجيب بالعوض الدنيوي حيث قال : « وهو منقطع » وقال أيضا : « بل قد يجتمع في الاوّل » حيث أتى بلفظة « قد » الدالّة على التقليل ، والظاهر من كلام المجيب أنّه أراد العوض الاخروي ، وفرّق بين العوض والثواب : بأنّه إذا ذهب المال بغصب أو نحوه لا يستحقّ في الآخرة إلّا ما يقابله من العوض ؛ لعدم كونه اختياريا ، بخلاف ما لو بذله اختياريا لأجل الوضوء ، فإنّه يعطى من الثواب أضعاف ما يقابل ما بذل ؛ لكونه عبادة اختيارية مطلوبة للشارع كما يدل عليه قوله تعالى : ( مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها ). (١)

ثمّ إنّه على هذا أيضا يجري الردّ الأوّل الذي ذكره الشارح كما لا يخفى ، بل يجري الردّ الثاني الذي ذكره بقوله : « قد يجتمع » أيضا ؛ لإمكان اجتماع العوض الدنيوي مع الثواب الاخروي كما إذا عرف اللص بعد مدّة وأخذ منه العوض ، أو صار الغاصب ضعيفا ، و (٢) المالك قويّا ويأخذ المال منه.

بل يرد على هذه التفرقة أيضا : أنّ الحاصل منه في الأوّل أزيد منه في الثاني ؛ إذ لا يحصل في الثاني إلّا الثواب الذي يقتضيه البذل ، ويحصل في الثاني (٣) هذا الثواب حيث جعل ماله لاجل الوضوء في معرض التلف مع زيادة هو أخذ العوض من اللص أو الغاصب في الآخرة؟

قوله : ولو اختلفت الى آخره

أي : لو اختلفت الأرض : بأن كانت بعض جوانبها حزنة وبعضها سهلة ، فتوزع بحسبهما أي : يطلب من الجانب الحزنة غلوة سهم ، ومن السهلة غلوة سهمين ، أو كان بعض مسافة جانب منها حزنة وبعضها سهلة : بأن كان مقدار سهم حزنة والباقي سهلة ، أو بالعكس.

وحينئذ فإن كانت الحزنة متقدّمة فلا حاجة إلى التوزيع ، بل يطلب في الحزنة فقط ، وإن كانت السهلة متقدّمة فيطلب في تمام السهلة ومقدار نصف غلوة سهم في الحزنة ؛ لانّ

__________________

(١) الانعام : ١٦٠.

(٢) فى الاصل : أو.

(٣) فى الاول ظ.

١٨٣

نصف الغلوة فيها بمنزلة غلوة سهم في السهلة ، ولو كانت نصف غلوة حزنة والباقي سهلة أو بالعكس فعلى الأوّل يطلب بعد الحزنة غلوة سهم في السهلة ، وعلى الثاني بعد السهلة ثلاثة أرباع غلوة في الحزنة ، ولو كان نصف غلوة منها حزنة ونصفها سهلة والباقي أيضا حزنة فيطلب بعد الحزنة الاولى والسهلة مقدار ربع غلوة في الحزنة اللاحقة ، وعلى هذا قس جميع الصور.

قوله : كما لم يخرج الحجر مع أنّه أقوى.

يعني : أنّ الحجر والخزف متّفقان في عدم خروجهما عن الاسم بالطبخ مع أشديّة الحجر في الاستمساك.

قوله : بيديه معا.

« الباء » في قوله : « بيديه » زائدة ، وفي قوله : « بمسمّى » بمعنى : « مع ».

وقوله : « على الظاهر » أي : على الظاهر من كلام المصنّف ، أو الظاهر من الدليل ، أو من الأخبار.

قوله : جعله دالّا إلى آخره

إشارة إلى دليل مجوّز الوضع والضرب أي : المكتفي بالوضع اللازم منه جواز الضرب حيث استدلّوا : بأنّ اختلاف الأخبار وعبارات الأصحاب في التعبير بالضرب والوضع يدلّ على أنّ المراد بهما أمر واحد.

وفي تبديل الشارح لفظة « المراد » كما وقع في كلام بعض المستدلين بلفظ « المؤدى » إشارة إلى التفرقة بين دليل المجوّزين لكلّ منهما ودليل المعيّن للضرب حيث إنّه أيضا استدلّ بحمل المطلق على المقيد ، ومرجعه إلى أنّ المراد بالمطلق هو المقيّد ، فيكون المراد أيضا واحدا ، فلا فرق بين الدليلين.

وبيان الفرق أنّ مبنى حمل المطلق على المقيّد إنّما هو على اتّحاد المراد واختلاف المؤدّين أي : معناهما مختلفان ؛ لأنّ معنى الوضع حينئذ هو المطلق ومعنى الضرب المقيّد ، ومبنى دليل المجوّزين إلى أنّ معناهما واحد ؛ لا أنّ المراد واحد مع اختلاف المعنيين.

نعم بقي هاهنا شي‌ء آخر وهو أنّه إذا دلّ اختلاف الأخبار وعبارات الأصحاب على

١٨٤

اتحاد المعنيين فمن أين يعلم أنّه ما يتحقّق مع الوضع حتى يجوز كلّ من الأمرين ، وليس هو المتحقّق في ضمن الضرب حتّى يتعيّن الضرب.

ويمكن أن يقال : إنّه إذا علم اتحاد المعنيين ، فاللازم هو حمل المشكوك في معناه على المعلوم ، ولا شكّ أنّ معنى وضع اليد على الأرض معلوم ، وإنّما يشك في معنى ضربها عليها فاذا علمنا اتحاد معنييهما يجب الحكم بان مؤدى الضرب ومعناه هو بعينه مؤدى الوضع المعلوم.

قوله : وآخرون مسح الجبينين.

والمنقول عن عليّ بن بابويه وجوب استيعاب الوجه. قاله في الذكرى.

وفي كلام الجعفي إشعار به. ونقل عن السيد المرتضى نقل الإجماع على عدم وجوب الاستيعاب.

قوله : وليس كذلك.

أي : لا يجب مسح الجبهة بالأرض مطلقا إذا كانتا مقطوعتين ، بل قد يجب مسح الجبهة بالارض وقد لا يجب.

وقوله : « بل يمسح » إلى آخره تفصيل لصور نجاسة اليد وحكمها. وتوضيحه : انّه إذا كانتا نجستين فلا يخلو إمّا لا يتعذّر التطهير ، أو يتعذّر. فعلى الأوّل لا يمسح الجبهة بالأرض ، بل يتطهر اليدان ويتيمّم ، وعلى الثاني إمّا لا تكون النجاسة متعدية ولا حائلة ، فيجب الضرب باليدين ومسح الوجه بهما بعد التعفير ، أو تكون متعدّية أو حائلة وحينئذ إمّا يمكن تجفيف المتعدية وإزالة الحائلة أو لا فعلى الأوّل يجب التجفيف والإزالة ومسح الوجه باليدين. وعلى الثاني فإمّا لم تستوعب النجاسة المتعدّية أو الحائلة الظهر أو لا فعلى الأوّل يضرب بالظهر ويمسح به الوجه ، وعلى الثاني فمع كون النجاسة متعدّية يضرب بالوجه على الأرض ، ومع كونها حائلة يضرب باليد النجسة ، فهذه خمس صور يضرب بالوجه على الأرض في واحدة وباليدين في البواقي.

قوله : فما يتوقّف عليه.

إمّا مبنى للمفعول ونائب فاعله الواجب ، أو مبني للفاعل ، والمستتر فيه راجع إلى الواجب.

١٨٥

قوله : بدلا من الغسل إلى آخره

مفعول له لقوله : « إحداهما » أي : إحداهما لأجل البدليّة من الغسل.

وفيه إشعار بكيفيّة النيّة ، فينوي في إحداهما أنّها بدل عن الغسل ، وفي الاخرى أنّها بدل عن الوضوء.

ولا يخفى أنّه لو قلنا بإجزاء الغسل مطلقا عن الوضوء ـ كما ذهب إليه السيّد المرتضى وجمع من المتأخّرين ـ يكون الواجب مرّة واحدة بضربتين بدلا عن الغسل ، ولمّا كان مختار المصنّف عدم الإجزاء أوجب المرّتين. ثمّ إنّ وجوب المرتين على هذا القول أيضا بناء على مذهبه من التفرقة بين التيمّم بدلا عن الغسل وبدلا عن الوضوء.

أمّا لو قلنا بعدم التفرقة في عدد الضربات بينهما بأن نقول : الواجب في الجميع ضربة واحدة ـ كما اختاره السيّد في بعض كتبه ، وابن الجنيد ، وابن عقيل ، والمفيد في الرسالة العزّية ـ أو نقول بأنّ في الجميع ضربتين كما ذهب إليه المفيد في الأركان ، وحكي عن عليّ بن بابويه أو بأنّ في الجميع ثلاث ضربات كما نقل عن عليّ بن بابويه في الرسالة ، وأسنده في المعتبر إلى قوم منّا. فإن لم نقل بوجوب نيّة البدليّة كما هو الظاهر ، و [ قلنا ] بتداخل الأسباب ، يكفي تيمّم واحد ، وإن لم نقل بتداخل الأسباب ، فلا بدّ من تيمّمين. وإن قلنا بوجوب نيّة البدليّة فإن جوّزنا التداخل أيضا يكفي تيمّم واحد أيضا وإلّا فلا يكفي ، بل يجب تيمّمان.

وممّا ذكرنا ظهر ضعف ما قاله بعض المتأخرين من الاكتفاء بالتيمّم الواحد على القول بوحدة الكيفيّة وعدم وجوب نيّة البدليّة مطلقا.

قوله : باختصاص التيمّم بذلك إلى آخره

أي : بالخروج جنبا من أحد المسجدين فإنّ في التيمّم للخروج عنه قولان :

أحدهما : أنّه إن أمكن الغسل فهو الواجب ، وإلّا فيجب التيمم ، وعلى هذا يدخل هذا التيمّم فى ما كان بدلا عن الغسل.

وثانيهما : أنّه لا يجوز له الغسل وإن أمكن وكان زمانه أقل من زمان التيمّم ، فلا يكون التيمّم بدلا عن الغسل.

١٨٦

فذكر الشارح أنّ عدم البدليّة على القول باختصاص التيمّم وعدم جواز الغسل ، وقوله « لم يكن بدلا » جزاء للشرط المذكور بقوله : « فلو كان ».

ولا يخفى أنّ الملائم للعبارة أن يقول في الجزاء : « لم يجب نيّة البدليّة » ولكن لمّا كان عدم البدليّة ملزوما لذلك اكتفى بذكر ملزومه ، والمراد هو اللازم.

وقوله : « مع احتمال بقاء العموم » يعني : احتمال بقاء العموم الظاهر من قول المصنّف :« ويجب في النيّة البدليّة » فإنّ ظاهره أنّه يجب نيّة البدليّة في جميع أنواع التيمّم من غير تخصيص ببعض أفراده حيث يصحّ منه الاستثناء.

والضمير في قوله : « بجعله » راجع إلى « التيمّم » ، وفي قوله : « فيها » إلى الثلاثة المذكورة أي : صلاة الجنازة وأخويها يعنى : يحتمل بقاء العموم وإيجاب نيّة البدليّة في جميع أفراد التيمّم حتّى هذه الثلاثة بجعل التيمّم فيها بدلا اختياريّا وفي غيرها اضطراريّا.

والمراد بالبدل الاضطراري ما كان بدلا مع تعذّر المبدل منه ، وبالبدل الاختياري : ما كان الواجب بالأصالة هو المبدل منه ، ولكن جاز البدل بدلا عنه مع إمكانه أيضا.

ثمّ كون التيمّم به في الأوّلين بدلا اختياريّا ظاهر ، وكذا في الأخير على القول بعدم اختصاص التيمّم به ، وأمّا على القول به كما هو مفروض الشارح فمشكل ؛ لأنّ البدليّة إنّما تصحّ لو كان المبدل منه أيضا جائزا ، وعلى هذا القول لا يجوز الغسل ، فكيف يكون التيمّم بدلا منه؟

وعلى أن يقال : إنّ البدل إنّما يتحقّق مع وجود مقتضي الوجوب للمبدل منه سواء أثّر وحصل الوجوب ، ثمّ سقط لعذر ، أو لم يؤثّر مطلقا ؛ لوجود المانع ، والمقتضي لوجود الغسل فيمن أجنب في المسجد متحقّق ، ولكن منع الإيجاب مانع خفي علينا أو ظاهر وهو لزوم زيادة مكث في المسجد جنبا ، وفرض أقلّية زمان الغسل ، أو مساواته لزمان التيمّم نادر لا يصلح لمنشئيّة أثر في الأحكام ، فلا يلتفت إليه ، فتأمّل.

قوله : بمراعاة الضيق.

أي : بوجوب مراعاة ضيق الوقت في التيمّم وعدم جوازه في السعة مطلقا أي : سواء

١٨٧

كان العذر مرجوا لزوال أم لا يظهر (١) قوّة القول الأوّل أي : البطلان مطلقا.

وإنّما قيّد بقوله : « مطلقا » ؛ لأنّه على القول بالتفصيل يقوى القول بالتفصيل في البطلان أيضا ، دون القول الأوّل الذي هو البطلان مطلقا.

ويمكن أن يكون [ المراد ] بقوله : « مطلقا » يعني : سواء قلنا بمراعاة الضيق في جميع الاحوال أو في بعضها ، فيكون المعنى : وعلى القول بمراعاة الضيق سواء قلنا به في جميع الأحوال أو بالتفصيل ، يظهر قوّة البطلان ، أما على القول بها في جميع الأحوال فظاهر [ و ] أمّا على القول بالتفصيل ؛ فلعدم القول بالفصل.

ثمّ الظاهر أنّ الوجه في قوّة القول بالبطلان على القول بمراعاة الضيق : أنّ الإخلال بالموالاة لا يمكن إلّا بأن يقع بعض أفعاله في سعة الوقت ، وهو غير جائز على هذا ، فيكون باطلا.

ولا يخفى أنّ الضيق الذي يجب مراعاته هو أن يبقى مقدار التيمّم وسائر الشرائط والاتيان بتمام أفعال الصلاة في الوقت ، وعلى هذا فيمكن الإخلال بالموالاة مع القول بالضيق ، وعدم وقوع شي‌ء من التيمّم في السعة بأنّ تيمّم غير موال بحيث لا يدرك من الوقت إلّا قدر ركعة ، فإنّه يصحّ الصلاة حينئذ أيضا.

قوله : وإلّا فالأصل يقتضي الصحّة إلى آخره

لا يخفى أنّ ثبوت هذا الأصل إنّما هو بواسطة أصل آخر ، وذلك لانّ الصحّة في العبادة هي موافقة المأمور به والنزاع هنا في أنّ هذا التيمّم هل هو موافق للمأمور به أم لا؟ ولا وجه لأصالة كونه موافقا للمأمور به ، فإنّه [ لا ] دليل على ذلك الأصل. ولا بدّ أن يقال : إنّ الأصل عدم كون شي‌ء آخر وصفا أو جزءا للمأمور به ، فإذا أتى بالمعلوم جزئيّته وشرطيّته فقد أتى بما علم أنّه مأمور به ، والأصل عدم الزائد ، فيكون المأتي به صحيحا.

ولا يخفى ما فيه أيضا ، فإنّ المفروض هو العلم بثبوت الوصف الذي هو الموالاة أي : الإتيان بهذا الفعل مواليا لما تقدّم عليه ، فمع الإخلال به اختل وصف المأمور به ، فلا يكون موافقا له.

__________________

(١) فى الاصل : فظهر.

١٨٨

ونعم ما فعله بعضهم حيث جعل القول بمراعاة الضيق مبنى القول بوجوب الموالاة وخلافه يعنى : لعدم وجوبها لا للبطلان وعدمه على القول بوجوبها ، (١) فتأمّل.

قوله : والصلاة تامّة.

هذا التقييد لدفع توهّم أنّ ضيق الوقت إنّما يتحقّق بإدراك ركعة من الصلاة فقط حيث تكون أداء حينئذ. وقوله : « علما أو ظنّا » متعلّق بقوله : « بقي » أي : بقي بحسب علمه أو ظنّه.

والضمير في قوله : « فيه » راجع إلى « الظن » أي : لو ظهر بعد التيمّم والصلاة أو بعد التيمّم خاصّة خلاف ظنّه لم يؤثّر في الظن. والمراد بتأثيره في الظن : أنّه لا يبطل مقتضاه الذي هو صحّة التيمم والصلاة والاجتزاء بهما.

قوله : ورجاء حصوله.

إمّا عطف تفسيري على أن يكون المراد بالطمع في الماء : الطمع في حصوله ووجوده ، ويكون التخصيص بذلك ؛ لأنّ وجود الماء ممّا يتوقّع ويرجى حصوله غالبا ، دون رفع سائر الأعذار المجوّزة للتيمّم ، فإنّها مع وجودها في أوّل الوقت لا تكون بحيث يتوقع رفعها إلى آخر الوقت ، إلّا نادرا.

ويمكن أن يكون من باب عطف الخاص على العام بأن يكون المراد بالطمع في الماء : الطمع في استعماله إمّا لوجوده أو برفع العذر ، وذكر الخاص لغلبته.

قوله : راجحة بالطهارة.

لفظة « الباء » في قوله : « بالطهارة » بمعنى : « مع » ، وهي إمّا متعلّقة بالراجحة أي : نذر عبادة راجحة مع الطهارة أو متعلّقة بالعبادة ، أو بالنذر. فعلى الأوّل لا تكون الطهارة منذورة ، وعلى الثانيين تكون الطهارة أيضا منذورة.

قوله : كوجوب.

أي : كوجوبها الظاهري. والحكم به إلى الوجوب الواقعى.

__________________

(١) بعدم وجوبها ، ظ.

١٨٩

قوله : لاستحالة التكليف بعبادة.

لا يخفى أنّه لقائل أن يقول : إنّ وجود الماء ناقض للتيمّم لأجل وجوده ، لا لأجل كونه مكلّفا بالتطهير به حتّى يرد ذلك. وأيضا إن اريد بالتكليف بالعبادة التكليف بمجموع الفعل ، فاستحالته مسلّم ، ولكن يجوز أن يكون التكليف بالشروع في التيمّم بناء على ظنّه ويكون التكليف بالشروع [ مؤثرا ] في رفع أثر التيمّم. ( كذا ) وإن أراد استحالة التكليف بالفعل مطلقا ، فاستحالته ممنوع ، والمستند ظاهر.

وممّا ذكرنا ظهر [ قوّة ] ما يذكره بقوله : « مع احتمال انتقاضه مطلقا ».

ويمكن أن يكون قوله : « لاستحالة التكليف » إلى آخره دليلا على اشتراط استقرار الوجوب في الصلاة والحج فقط ، ولم يكن دليلا لعدم انتقاض التيمّم. وعلى هذا فلا يرد الإيراد الأوّل كما لا يخفى.

قوله : الوارد عن قطع الأعمال.

لا يقال : إنّ هذا القول بانتقاض التيمّم في الأثناء ليس قطعا للصلاة ، بل يفسد الصلاة ؛ لأجل فساد الطهارة ومثل ذلك ليس قطعا لها وبتقرير آخر : قطع الأعمال للنهي عنه إنّما هو إذا لم يطرأ المفسد ، والنزاع هاهنا إنّما هو في طريان المفسد وعدمه ، فلا يصير النهي عن إبطال العمل دليلا على عدم طريان المفسد ولا معاضدا له.

لأنّا نقول : إنّه إذا ثبت النهي عن إبطال العمل بدون طريان المفسد ، فيصير هذا أصلا يجب الأخذ به ما لم يقطع بتحقّق المفسد ، فإذا كان المفسد مشكوكا فيه يصحّ دفعه بهذا الأصل ؛ لأنّ الحكم بكونه مفسدا يوجب قطع الصلاة ، والأصل عدم جواز قطعه إلّا مع العلم بالمفسد ، فإذا وقع النزاع في كون شي‌ء مفسدا أم لا يكون هذا الأصل معاضدا لعدم الإفساد كما يعاضد الإباحة في مقام النزاع بالأصل والوجوب أو التحريم بالاستصحاب.

قوله : من أنّه مشروط إلى آخره

لا يقال : إنّه احتمل الانتقاض مطلقا أيضا ، فلا يكون مشروطا.

لأنّا نقول : إنّ الاحتمال لا ينافي قوّة الاشتراط ؛ ولذا حكم أوّلا صريحا بالاشتراط ، ثمّ احتمال الانتقاض. وقوله : « ولم يحصل » أي : لم يحصل التمكّن ؛ لأنّ بعد الصلاة

١٩٠

لا يتمكّن من الطهارة كما هو المفروض وفي أثنائها وإن تمكن عقلا ، ولكنّه غير متمكن شرعا ، لأنّ هذه الصلاة لا ينتقض ويتم الصلاة ( كذا ) وقد عرفت أنّها إذا لم ينتقض يحرم قطعها ، فيكون الاشتغال بالطهارة المائيّة حراما شرعا ، فلا يتمكّن منه ، وهذا مراده من قوله ( طاب ثراه ) : « والمانع الشرعي كالعقلي » أي : في إيجابه عدم التمكّن.

١٩١
١٩٢

كتاب الصلاة

الفصل الاول

قوله : تغليبا.

التغليب يكون في النسبة ؛ فإنّه يقال في المنسوب إلى اليوم : « يومي » وإلى الليل :« الليلي » وإذا غلب اليوم يقال : « اليوميّة ».

وقوله : « أو بناء على إطلاقه » أي : إطلاق اليوم. يريد أن التجوّز في لفظة « اليوم » حيث يراد به ما يشمل الليل أيضا أي : الزمان من باب عموم المجاز.

قوله : بالكسوفين.

« الباء » إمّا السببية أي : جعلها ثلاثا بسبب الكسوفين ، أو بمعنى : « مع » أي : مع الكسوفين.

ووجه أسدّية عدّها سبعة بادخال الكسوفين في الآيات : أنهما قسمان من الآيات ؛ لدخولهما فيها فعدّهما قسمين لها من عيوب القسمة.

وقد تعد تسعة بجعل الآيات ثلاثا بالزلزلة فالكسوفين وغيرها. وهو أيضا غير سديد.

وجعل التسعة في القواعد بذلك وبجعل شبه المنذور قسما على حدة وإخراج صلاة الأموات.

قوله : صلاة الأموات اختيار إطلاقها.

وذلك لأنّه صرّح كثير من الاصوليين ومنهم العلّامة وولده : بأنّ التقسيم يدلّ على

١٩٣

كون المقسم مشتركا بين الأقسام ، ولكن وقع الخلاف في أنّه يدلّ على الاشتراك المعنوي أو اللفظي ، وعلى التقديرين يثبت مطلوب الشارح هنا كما لا يخفى.

وإنّما قيّد الحقيقة بالشرعيّة ؛ لأنّها إذا كانت حقيقة فيها لم يكن إلّا شرعيّة ؛ إذ لا يحتمل خلاف في عدم كونها حقيقة لغويّة فيها. وأمّا الحقيقة المتشرعيّة وإن جازت إلّا أن جعلها قسيما لسائر المعاني التي هى حقائق شرعيّة عند المصنّف يشعر بكونها أيضا كذلك.

قوله : ونفي الصلاة إلى آخره

هذا إشارة إلى اعتراض على المصنّف بجعل صلاة الأموات صلاة حقيقة.

وتوضيحه : أنّه ورد في الأخبار : « أنّه لا صلاة إلّا بفاتحة الكتاب » « ولا صلاة إلّا بطهور » و « أنّ تحليل الصلاة بالتسليم » ، فنفي الصلاة عمّا لا فاتحة فيها ولا طهور في الأوّلين ، وحكم بأنّ تحليلها التسليم. [ و ] هذا ينافي كون الصلاة حقيقة في صلاة الأموات ؛ إذ لا فاتحة فيها ، ولا طهور ، ولا تسليم ؛ فإنّ الظاهر من نفي الصلاة في الأوّلين هي الماهيّة والحمل على نفي الصحّة والكمال تأويل بلا دليل.

وما قيل من أنّ الظاهر من هذه الهيئة نفي الصفة ، دون الذات فممنوع. نعم يرد أنّ تماميّة دلالة ما ورد إنّما يتوقّف على كون المنفي في الأوّلين باقيا على المعنى الحقيقي. والمراد من الصلاة في الثالثة جميع أفرادها أو مطلق ، ويمكن منع ذلك.

والتمسّك باصالة الحقيقة مخدوشة : بأنّ الصلاة مستعملة في صلاة الميّت أيضا ، والأصل فيه أيضا الحقيقة ، فيتعارض الأصلان. (١)

ولكن في ذلك نظر كما لا يخفى على المتدرّب في الاصول.

قوله : وله وجه وجيه.

أمّا وجه دخول الأوّل في الملتزم ؛ فلانّ حقيقة الملتزم ما صار المكلّف نفسه سببا للزومه ، وصلاة الاحتياط كذلك ، حيث إنّ شكّه صار سببا لها ، فالسببية منه ولو كان بغير اختياره.

وأمّا وجه دخول الثاني في اليوميّة فظاهر.

__________________

(١) في الاصل : فيتعارض الأصل.

١٩٤

والظاهر أنّ الأوجه دخول صلاة الاحتياط أيضا في اليوميّة لما مر. وأمّا صلاة الاستيجار فيمكن دخولها في الملتزم وهو ظاهر ، وفي اليوميّة حيث إنّها قضاء أو احتياط عنها.

قوله : التي هي ضعفها.

الضعفيّة باعتبار عدّ ركعتي الوتيرة جالسا بركعة واحدة.

فإن قيل : يصرح المصنّف بجواز القيام في الوتيرة ، وعلى هذا فإذا صلّيت من قيام يكون عدد النوافل خمسا وثلاثين ركعة ، ولا يتحقّق الضعفيّة.

قلنا : صرّح الشارح بأن الواجب بالأصل هو الجلوس ، فيكون الركعتان من قيام بدل الركعتين من جلوس المحسوبتين بركعة واحدة ، فلا يلزم ذلك.

قوله : ثابت فيهما بالأصل.

بمعنى : أنّه ليست مشروعيّته لتخفيف وسهولة كما هو مقتضى الرخصة ، ويكون كذلك فى سائر مواضع تجويز الجلوس ، فليست الركعتان من جلوس بدلا عن القيام.

وقوله : « لأنّ الغرض » علّة لكون الجلوس ثابتا بالأصل لا رخصة ، وحاصله : أنّ الثابت بالأصل ما كان ثبوته مقتضى الغرض ، والرخصة ما كان الغرض يقتضي غيره ولكنه شرع لاجل غرض آخر من سهولة أو تخفيف أو مثلهما ومقتضى الغرض هنا هو وجوب الجلوس ؛ لأنّ الغرض من الركعتين ركعة واحدة ؛ لأجل تكميل ضعف الفريضة ، فإنّ الباقي من ضعفها ركعة واحدة ، وذلك الغرض يحصل بالجلوس فيهما ، لأنّ الركعتين من جلوس ركعة واحدة ، فالجلوس لأجل تحقّق الغرض به ، لا لأجل تخفيف أو سهولة حتّى يكون رخصة.

ويمكن على بعد أن يكون قوله : « لأنّ الغرض » بيانا لعلّة الرخصة عند من قال بها أي : ليس رخصة لأجل ذلك كما قيل.

وتوضيح التعليل حينئذ : أنّ الثابت بالأصل وإن كان القيام ، إلّا أنّه رخص في الجلوس لحصول الغرض أيضا مع أخفّيته. وعلى هذا يكون دليل ثبوت الجلوس بالأصل وتضعيف دليل الرخصة غير مذكور لوضوحهما.

١٩٥

وقد يقال : إنّ « ضعف الفريضة » بفتح الضاد أي : ذلك لتكميل نقص الفريضة كما ورد في الأخبار. ولا يخفى أنّه لا يلائم تخصيص الغرض بركعة واحدة.

قوله : للتصريح به.

أي : بكونه أفضل. في بعض الأخبار وهو خبر سليمان بن خالد عن الصادق عليه‌السلام : « ركعتان بعد العشاء يقرأ فيهما مائة آية قائما أو قاعدا ، والقيام أفضل ». (١)

وقوله : « وعدم دلالة ما دلّ » إلى آخره دفع لتوهّم أنّ ذلك معارض بدلالة ما دلّ على الجلوس على أفضليته.

وقوله : « مضافا » حال عن التصريح به أي : حال كون هذا التصريح مضافا إلى ما دلّ إلى آخره.

قوله : البعديّة.

فإنّ الظاهر من كون شي‌ء بعد شي‌ء أن لا يكون بينهما فصل ، وإلّا كان بعد ذلك الفصل لا بعد ذلك الشي‌ء.

فإن قيل : ظهور ذلك فى البعديّة إنّما هو إذا لم يكن هناك فاصلة اخرى ، وظاهر كلام الشارح أنّ اختلاف المصنّف في خصوص نافلة شهر رمضان دون غيرها ، فيكون غيرها فاصلة بين العشاء والركعتين.

قلنا : يمكن أن يكون غرض الشارح من قوله : « والأفضل جعلهما » إلى آخره بيان مختاره ، لا أنّ المصنّف أيضا يقول بذلك ، بل كان المصرّح به في كلام المصنّف في غير هذا الكتاب هو التقديم والتأخير على نافلة شهر رمضان ، ويكون الظاهر في هذا الكتاب هو التقديم.

ويمكن أن يكون غرضه ظهور البعديّة في عدم الفصل بما لم يثبت إجماع على فصله ، وأمّا غير نافلة شهر رمضان فلم أظهر ( كذا ) خلاف في أفضليّة تقديمه ، فتأمّل.

قوله : ركعة الوتر.

لعلّ النكتة في عدم تقييد ركعة الوتر بقوله : بعدهما أو « بعدها » ، أنّه يجوز فعل ركعة

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٤ / ٥١.

١٩٦

الوتر قبل تمام صلاة الليل إذا تخوف طلوع الفجر بعد ما صلّى أربعا ؛ فإنّه يوتر ويؤخر الركعات حتّى بعضها في صدر النهار ، وأنّه يجوز الإتيان بها بدون صلاة الليل إذا ضاق الوقت عن صلاة الليل ، فإنّه يقتصر حينئذ على الوتر ، فلا يكون وقتها بعد صلاة الليل ، أو بعد ركعتي الفجر دائما ؛ فلذا لم يذكره.

قوله : وحمل.

أي : حمل كلّ من روايات ثلاث وثلاثون ، وتسع وعشرون ، وسبع وعشرون على المؤكّد من النوافل.

قوله : تطوّعا.

إمّا مميّز للخمسين ، أو متعلّق بقوله : « زيادة ».

وتوجيه التعليل : أنّ عدم سقوطها ؛ لأجل أن الوتيرة ليست نافلة منسوبة إلى العشاء حتّى يدلّ تنصيف العشاء على سقوطها ، بل هي زيدت في الخمسين ؛ لأجل تتميم ضعف الفريضة ، فنسبتها إلى الكل على السواء ، فلا يسقط بتنصيف العشاء.

وقوله : « بدل » إلى آخره فاعل لقوله : « ليتم ».

قوله : الإجماع عليه.

الضمير المجرور في قوله : « عليه » راجع إلى قوله : « خلافه ». وفي قوله : « بعدمه » إلى « السقوط » أو إلى « الإجماع ».

قوله : بعد الثنائية إلى آخره

فيصلى ركعتان بتشهّد وتسليم ، ثمّ بتشهّدين والسلام ، ثمّ أربع كذلك.

الفصل الثانى فى شروطها

الاوّل الوقت

قوله : وقت اليوميّة.

بدليل التفصيل الذي يذكره بعد ذلك للوقت ؛ فإنّه مختصّ بها.

١٩٧

وقوله : « مع أن السبعة » كالاعتراض على المصنّف حيث خصّ الوقت باليوميّة مع كون السبعة شروطا لمطلق الصلاة.

وقوله : « في الجملة » متعلّق بقوله : « شروط » أي : هذه السبعة شروط في الجملة لمطلق الصلاة ؛ فإنّ كلّ صلاة تشترط بوقت أيضا وإن لم يكن وقتا مخصوصا ، غير صلاة الأموات ؛ فإن السبعة ليست شرطا لها ، وإن كانت ستّة منها أيضا شرطا لها في الجملة ، فإنّ الطهارة من الحدث والخبث ليست شرطا لها مطلقا.

قوله : فيجوز.

« الفاء » للتفريع ، ومدخولها تفريع على كون السبعة شروطا لمطلق الصلاة في الجملة غير الأموات.

قوله : شرطا.

متعلّق بقوله : « يؤخذ » وليس خبرا للكون ، والمعنى : إلّا أن يؤخذ الشرط كون مطلق الوقت أي : شرط الصلاة وجود مطلق الوقت ، ولمّا لم يحتج ذلك إلى التفصيل فيما ليس له وقت بخصوصه لم يذكر التفصيل إلّا لليوميّة حيث إنّ لها وقتا بخصوصها.

فلفظة « كون » تامّة ، لا ناقصة. ولفظة « ما » في قوله : « وما بعد » مبتدأ ، خبره قوله : « حكم آخر ». والضمير في « ذكره » راجع إلى الوقت من باب إضافة المصدر إلى المفعول ، أو إلى المصنّف من باب إضافته إلى الفاعل وقوله : « مجملا » حال إما عن « الذكر » أو عن « الوقت ». وقوله : « من التفصيل » بيان للموصول أي : والتفصيل الذي بعد ذكر الوقت على سبيل الإجمال حكم آخر ، غير الحكم باشتراط وقت مختصّ باليوميّة.

قوله : لعدم المميّز.

أي : لا يحسن عود ضمير « شروطها » إلى « اليوميّة » ؛ لعدم المميّز في كلام المصنّف لذلك حيث إنّ المذكور قبل الضمير ينحصر باليوميّة مع أنّه ليست قرينة حالية صالحة للتمييز ، لأجل اشتراك الجميع في الشرائط ، أو لعدم مرجّح لذلك واقعا حيث إنّ الجميع مشترك في الشرائط بقول مطلق أي : في الجملة إذا اخذ الشرط مطلقا ؛ فإنّ للجميع شرائط وإن اختلفت في الجملة.

١٩٨

فالمراد بقول مطلق : أي : في الشرط من غير تخصيص بشرط ، وإذا كان الجميع مشروطا بشروط فلا يحسن تخصيص بعضها بذكر شرائطها.

وليس المراد بقول مطلق : أنّه في الجملة إذا أخذ كلّ من الشرائط مطلقا ـ كما قيل ـ لأنّ من الشرائط المذكورة الطهارة ، وهي ليست شرطا في صلاة الأموات مطلقا ، ولو في الجملة.

وكذلك ليس المراد منه : أنّه يقول : لا خلاف فيه ، والوجه ظاهر.

قوله : إلّا أنّ عوده إلى آخره

لمّا ذكر أن الضمير يحتمل رجوعه إلى المطلق وإلى خصوص اليوميّة ، وذكر لكلّ منهما وجه محذورا أراد أن يرجّح الأخير فقال : إلّا أنّ عود الضمير إلى اليوميّة أوفق لنظم الشروط وذكرها وتفصيلها ، حيث إنّه فصّل الوقت ، وليس ذلك التفصيل في غير اليوميّة ، واشترط الوقت وهو غير شرط للطواف والأموات والملتزم إلّا بتكلف وتجوّز بأن يجعل وقت صلاة الطواف بعد الفراغ منه ، ووقت صلاة الأموات بعد التجهيز المعلوم ووقت الملتزم العمر في غير المعيّن ، ووقت المعيّن فيما إذا عيّن. وتكلّفه ظاهر. وأمّا التجوّز ؛ فلأن مصطلح الفقهاء في الوقت المشروط ما كان للوقت المخصوص مدخليّة في الفعل.

فقوله : « وعدم اشتراطه » عطف على « التفصيل » وقرينة ثانية لأوفقية العود إلى اليوميّة لنظم الشروط ، لا أنّه يتمم القرينة الاولى أي : تفصيل الوقت.

ثمّ أقول : إنّ ممّا يدلّ على إرجاع الضمير إلى « اليوميّة » ذكر صلاة الأموات بشرائطها فيما سبق من القبلة وغيرها وكذا قوله : « الفصل الثالث في كيفية الصلاة » ؛ فإنّها في كيفيّة الصلاة اليوميّة فقط ، وكذا قوله : « الفصل الرابع في باقي مستحباتها » ؛ فإنّ منها ما يختصّ باليوميّة ، وكذا التروك التي يذكرها في الفصل الخامس ، وكذا قوله : « الفصل السادس في بقيّة الصلوات ». فتأمّل.

قوله : واختصاص اليوميّة بالضمير إلى آخره

لمّا ذكر أوفقيّة رجوع الضمير إلى اليوميّة لنظم الشروط وأنّه مراد المصنّف ظاهرا

١٩٩

فكان لأحد أن يقول : إنّه يرد على المصنّف : أنّ هذا الاختصاص مع اشتراك الضمير بين رجوعه إلى اليوميّة وإلى الجميع غير جيّد.

فدفع ذلك : بوجود ما يصلح قرينة لتعيين المراد حيث إنّ اليوميّة الفرد الأظهر من بين الصلوات ، والأكمل ثوابا مع ما مرّ من القرائن اللفظيّة.

والضمير في « اشتراكه » راجع إلى « الضمير » لا إلى « الغير » بمعنى : مع اشتراك غير اليوميّة لليوميّة في الشرائط كما قيل.

قوله : وذلك في الظل المبسوط.

احترز به عن الظلّ المعكوس وهو الحادث من المقاييس القائمة على سطح قائم على سطح الافق الواقعة في سطح دائرة الارتفاع الموازية للخط الواقع في سطح دائرة الأفق ؛ فإنّ هذا الظل على عكس الظل المبسوط المسمّى بالمستوي أيضا ، فإذا طلعت الشمس يكون هذا الظل معدوما ، فكلّما زاد ارتفاع الشمس يزيد هذا الظل حتّى إذا انتهت إلى دائرة نصف النهار ، فيكون حينئذ غاية زيادة الظل في ذلك اليوم.

قوله : مخالفا لميل الشمس في المقدار.

أي : مخالفا لميلها عن المعدل في ذلك اليوم سواء كان زائدا أو ناقصا. والظلّ الباقي في نصف النهار حينئذ قد يكون جنوبيا في الشاخص ، وقد يكون شماليّا.

وتوضيح ذلك : أنّ عرض المكان إمّا جنوبي أو شمالي ، وعلى التقديرين يكون ميل الشمس إمّا جنوبيّا أو شماليّا ، وعلى التقادير إمّا يكون الميل ناقصا عن العرض أو زائدا ، فهذه ثمان صور يكون الظل في أربع منها جنوبيا وهي ما إذا كان العرض جنوبيا ، والميل شماليا زائدا أو ناقصا او الميل جنوبيا ناقصا ، أو العرض شماليا والميل شماليا زائدا ، وفي أربع اخرى شماليا ، وهي الأربعة الباقية. ولا يخفى أنّه إذا لم يكن للبلد عرض وكانت الشمس ذات ميل ، أو لم يكن للشمس ميل وكان البلد ذا عرض يكون الحكم كذلك أيضا ، والعبارة قاصرة عن أداء ذلك ، كما لا يخفى.

وكذلك لا يخفى أنّه كان الأولى زيادة قيد آخر وهو أن يقول : أو مختلفا في الجهة.

٢٠٠