الحاشية على الروضة البهيّة

الشيخ أحمد بن محمّد مهدي النراقي

الحاشية على الروضة البهيّة

المؤلف:

الشيخ أحمد بن محمّد مهدي النراقي


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-470-632-3
الصفحات: ٨٤٨

١
٢

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الحمد لله المتجلّي بأعلامه التكوينية والمطاع بأعلامه التشريعية ، المخوف المرهوب مع كونه أرحم الراحمين ، والمحبوب المرغوب مع أنّه أشدّ المعاقبين ، وصلّى الله على آخر المصطفين الأخيار محمّد وآله المنتجبين الأبرار.

وبعد ، فقد بقي لمعان « اللمعة الدمشقية » ساطعا مع تمادي الأيّام والأعوام ، والّتي هي نتاج ما خطّه يراع الفقيه المتبحّر الشهيد الأوّل محمّد بن مكّي الدمشقي العاملي رحمه‌الله ( ٧٣٤ ـ ٧٨٦ ).

وقد زاد في تألّقها وشهرتها ما أضفاه الشهيد الثاني زين الدين العاملي رحمه‌الله ( ٩١١ ـ ٩٦٥ ) في شرحه لها المسمّى بـ « الروضة البهية » من رونق وبهاء ، وشفّافية وجلاء ، فاقترنا لأكثر من أربعة قرون في كلّ حوزة علمية ومدرسة فقهية ، فانتهل منهما المجتهدون ورشف منهما العلماء والمتعلّمون ، ومدحهما وأكبرهما الموالون والمناوئون ، وليس ذلك إلّا لسلامة منهجيهما ووافر علميهما وشهادتيهما رضوان الله عليهما.

ولأهمّية هذا الشرح المبارك فقد علّق عليه وحشّاه عدّة من العلماء ، ولعلّ أشهرهم هو صاحب هذا الأثر المبارك وهو العلم الحجّة المحقّق الفقيه الملّا أحمد النراقي نوّر الله روحه وضريحه ( ١١٨٥ ـ ١٢٤٥ ). حيث تناول رحمه‌الله فيه التعليق على أبواب الفقه ـ من الطهارة إلى الحدود ـ ببيان علميّ فذّ ، واسلوب تعليميّ سلس. أثابه الله على مجهوده أفضل الثواب إن شاء الله.

٣

ولما يشتمل عليه هذا السفر القيّم من حلول لمشكلات الشرح ومعضلاته وتسهيلا لطلبة العلوم الفقهية (١) قام اثنان من أساتذة الحوزة العلمية المعظّمين هما آية الله الشيخ رضا الاستادي وحجّة الإسلام الشيخ محسن الأحمدي حفظهما الله بتحقيقه وإنجازه بهذه الصورة الّتي بين يديك عزيزنا القارئ الكريم ، فشكر الله سعيهما ومنّ عليهما وعلى الساعين لإخراجه إلى النور بلباس العافية والسلامة ، وطول العمر بالبركة والعطاء الكثير النافع ، آمين.

ومؤسّستنا إذ تقوم بطبع ونشر هذا الكتاب العلميّ المفيد لطلبة العلوم الفقهية والمحافل العلمية خدمة للحقّ والدين ترجو الله أن يتقبّل عمل جميع القائمين على ذلك وأن يشمل الماتن والشارح والمعلّق والمحقّقين بلطف عنايته ووافر رحمته ، وأن يحفظ للمسلمين عزّ دولتهم وتأيّدات وليّ أمرهم وسداد مراجعهم ، وأن يسلّمهم من كلّ سوء ويقطع عن بلدانهم أيدي المستعمرين والمستكبرين إنّه سميع عليم وبعباده رءوف رحيم ، والحمد لله ربّ العالمين.

مؤسّسة النشر الإسلامي

التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرّفة

__________________

(١) وببركة المؤتمر التكريمي للملّا مهدي والملّا أحمد النراقي رضوان الله عليهما الّذي عقدته أخيرا الجمهورية الإسلامية في إيران.

٤

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

من مؤلّفات الشهيد الأوّل محمّد بن مكّي بن محمّد الدمشقي العاملي الجزيني قدس‌سره ( ٧٣٤ ـ ٧٨٦ ) المطبوعة :

١ ـ أجوبة مسائل الفاضل المقداد

٢ ـ الأربعون حديثا

٣ ـ أيضا الأربعون حديثا حديث واحد

٤ ـ البيان

٥ ـ تفسير الباقيات الصالحات

٦ ـ جواز إبداع السفر في شهر رمضان

٧ ـ شرح قواعد الأحكام الحاشية على قواعد الأحكام

٨ ـ خلاصة الاعتبار في الحجّ والاعتمار المناسك

٩ ـ الدروس الشرعية في فقه الإمامية

١٠ ـ ذكرى الشيعة في أحكام الشريعة

١١ ـ الرسالة الألفية

١٢ ـ الرسالة النفلية

١٣ ـ العقيدة الكافية

١٤ ـ غاية المراد في شرح نكت الإرشاد

١٥ ـ القواعد والفوائد

١٦ ـ المزار

١٧ ـ المسائل الأربعينية

١٨ ـ المقالة التكليفية

١٩ ـ المنسك الكبير المناسك

٢٠ ـ الوصية

٢١ ـ أيضا الوصية

٢٢ ـ أيضا الوصية

٢٣ ـ الإجازة لابن الخازن

٢٤ ـ الإجازة لابن نجدة

٢٥ ـ اللمعة الدمشقية (١)

وللّمعة الدمشقية شروح متعدّدة ( مطبوعة وغير مطبوعة ) وقد ذكرها العلّامة الطهراني

__________________

(١) راجع مقدّمة غاية المراد المطبوع في قم.

٥

في « الذريعة ». و « الروضة البهية » للشهيد الثاني رحمه‌الله هي إحدى تلك الشروحات.

* * *

ومن مؤلّفات الشهيد الثاني زين الدين بن عليّ العاملي قدس‌سره ( ٩١١ ـ ٩٦٥ ) المطبوعة :

١ ـ مسالك الأفهام في شرح شرايع الإسلام

٢ ـ منية المريد

٣ ـ تمهيد القواعد الاصولية ...

٤ ـ فوائد القواعد

٥ ـ المقاصد العلية في شرح الألفية

٦ ـ روض الجنان

٧ ـ كشف الريبة

٨ ـ مسكّن الفؤاد

٩ ـ التنبيهات العلية

١٠ ـ حقيقة الإيمان

١١ ـ حاشية شرايع الإسلام

١٢ ـ البداية في علم الدراية

١٣ ـ حاشية الإرشاد

١٤ ـ الحاشية الوسطى على الألفية

١٥ ـ الحاشية الصغرى على الألفية

١٦ ـ تخفيف العباد في بيان أحوال الاجتهاد

١٧ ـ تقليد الميّت

١٨ ـ العدالة

١٩ ـ ماء البئر

٢٠ ـ تيقّن الطهارة والحدث والشكّ

٢١ ـ الحدث الأصغر أثناء غسل الجنابة

٢٢ ـ النية

٢٣ ـ صلاة الجمعة

٢٤ ـ الحثّ على صلاة الجمعة

٢٥ ـ خصائص يوم الجمعة

٢٦ ـ نتائج الأفكار في بيان ...

٢٧ ـ المناسك

٢٨ ـ المناسك

٢٩ ـ المناسك

٣٠ ـ طلاق الغائب

٣١ ـ ميراث الزوجة

٣٢ ـ الحبوة

٣٣ ـ أجوبة المسائل ...

٣٤ ـ أجوبة المسائل ...

٣٥ ـ أجوبة المسائل ...

٣٦ ـ أجوبة المسائل ...

٣٧ ـ أجوبة المسائل ...

٣٨ ـ أجوبة المسائل ...

٣٩ ـ أجوبة المسائل ...

٤٠ ـ تفسير آية البسملة

٤١ ـ الاسطنبولية في الواجبات العينية

٤٢ ـ الاقتصاد ...

٤٣ ـ وصية نافعة

٤٤ ـ شرح حديث « الدنيا مزرعة الآخرة »

٤٥ ـ تحقيق الإجماع في زمن الغيبة

٤٦ ـ مخالفة الشيخ الطوسي لإجماعات نفسه

٤٧ ـ حاشية خلاصة الأقوال

٤٨ ـ حاشية رجال ابن داود

٦

٤٩ ـ الإجازات ( ١١ إجازة )

٥٠ ـ الفوائد المتفرّقة

٥١ ـ الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية (١)

ولعلّ أشهر مؤلّفاته رحمه‌الله كتاب « مسالك الأفهام » وهو شرح لشرائع الإسلام ، و « الروضة البهية » وهو شرح للّمعة الدمشقية ، وقد طبعتا مرّات عديدة.

وللروضة البهية أيضا شروح وحواش كثيرة ذكر أكثرها العلّامة الطهراني في ج ٦ و ١٣ من « الذريعة ». وحاشية الملّا أحمد النراقي رحمه‌الله هي إحدى الحواشي الّتي لم تذكر في « الذريعة ».

* * *

ومن مؤلّفات الملّا أحمد النراقي ( ١١٨٥ ـ ١٢٤٥ ) المطبوعة :

١ ـ مناهج الاصول

٢ ـ معراج السعادة

٣ ـ مستند الشيعة

٤ ـ عوائد الأيّام

٥ ـ طاقديس

٦ ـ سيف الامّة

٧ ـ رسائل ومسائل تشمل حدود ٨٠٠ مسألة فقهية وغير فقهية

٨ ـ خزائن

٩ ـ اجازات

١٠ ـ رساله در وجوب حجّ بر مديون

١١ ـ رساله در مسائل شك وسهو

١٢ ـ رساله درباره اينكه ارواح رسول خدا وائمه بى‌حساب داخل بهشت مى‌شوند يا ...

١٣ ـ رساله در رضاع

١٤ ـ رساله در پاسخ به سيزده سؤال درباره روح

١٥ ـ رساله درباره اينكه معيار در جواز تكفير چيست؟

١٦ ـ رساله در حكم ادراك اضطرارى مشعر

١٧ ـ رساله در دفاع از كاشف الغطاء

١٨ ـ رساله در پاسخ به پنج سؤال

١٩ ـ رساله در علم خداى متعال

٢٠ ـ نيز رساله در علم بارى

٢١ ـ رساله در منجّزات مريض

٢٢ ـ رساله در عدم حجّيت ظنّ

٢٣ ـ رساله در شرح حديثى در توحيد

٢٤ ـ رساله در جواز استفاده صاحب قناة ...

٢٥ ـ الحاشية على الروضة البهيّة ، وهو الكتاب الّذي بين يديك.

* * *

__________________

(١) لقد طبعت هذه الآثار حديثا ـ عدا مسالك الأفهام والروضة البهية ـ بصورة أنيقة في ثلاثة عشر جزءا.

٧

وكانت عندي نسختان لهذه الحاشية ، إحداهما إلى نهاية كتاب الحجّ ، والاخرى إلى نهاية الروضة ، وقد تمّ تصحيح هذه الحاشية طبقا لما جاء في النسختين.

والظاهر أنّ المؤلّف رحمه‌الله كان قد علّق على الروضة قبل تدريسه لها ، وقد جمعها ولده الملّا محمّد تقي بأمر منه رحمه‌الله فأصبحت بهذه الصورة الّتي تراها عزيزنا القارئ.

وذكر ولده رحمه‌الله في بداية الكتاب بأنّ الغرض من تعليق والده قدس‌سره هو حلّ مشكلات الروضة ومعضلاتها لا غير ، أمّا فقهه الاستدلالي فهو كتاب « مستند الشيعة ».

وختاما أشكر سماحة حجّة الإسلام والمسلمين الشيخ الربّاني لقيامه باستنساخ ما جاء في النسخة الخطّية ، وكذلك سماحة حجّة الإسلام والمسلمين الشيخ الأحمدي الطهراني الّذي قام بعد نضد الحروف بمقابلته وتصحيحه ، والحمد لله ربّ العالمين.

رضا الاستادي

١٣٨٢

٨

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

وبه نستعين

يا من عجزت ( كذا ) عن شرح لمعة من لوامع حواشي روضة أنوار جلالك منتهى مدارك العلماء ، وقصرت عن بيان تذكرة من دروس قواعد إرشاد كنز عرفانك نهاية تحرير الحكماء.

نحمدك على تهذيب مسالك الشرائع بمصباح الاستبصار ، ونشكرك على معالم الهداية لمن لا يحضره الفقيه بكافي الأخبار.

ونصلّي ونسلّم على سيّدنا الجامع لسرائر النبوّة الكامل في إيضاح قواعد الرسالة ، وعلى وصيّه مستند الشيعة وعلى آله وعترته مفاتيح حدائق الجنان ومصابيح تبصرة حقائق القرآن.

وبعد ، فهذه حواش متعلّقة على « الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقيّة » حاوية على حلّ ما لم يحلّه المحشّون من المعضلات وصور احتمال العبارات ، خالية في الأغلب عن التعرّض لفقه المسائل وما يدلّ عليه الأصول والدلائل. علّقها المولى الجليل الأعظم ، والشيخ النبيل المعظّم العالم العامل المحقّق الفقيه ، والفاضل الجامع المدقّق النبيه ، البحر الزاخر والنحرير الماهر ، علّامة فقهاء الزمان ، اعجوبة فضلاء الدوران ، المستخرج لكنوز العلم والعرفان ، المؤيّد بتأييدات الملك المنّان ، الجامع للعلوم العقليّة والنقليّة ، الحاوي للفنون الأصليّة والفرعيّة ، صدر العلماء المحقّقين ، بدر الفقهاء المدقّقين ، الذي عجز عن عدّ مدائحه القلم ، مصداق ( عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ ) ، مؤسّس أبكار القواعد الكلّية ، مروّج آثار الشريعة النبويّة ، مربّي العلماء المتبحّرين ، ظهر الإسلام والمسلمين ، غوث العباد والامم ، المشتهر في العرب والعجم ، سمّى خاتم الأنبياء ، مولانا

٩

« أحمد » ، لا زال العالمين ( كذا ) مقتبسين من مشكاة إفاداته الزاهرة ، وما برح المؤمنين ( كذا ) مستفيضين من مصباح إفاضاته الباهرة ، استجمعتها حسب أمره الأعظم وحكمه المعظّم ، تبصرة لنفسي الخاطئة ، ولمن أراد الاطّلاع على حلّ المطالب والعبارة.

وهذا حين الاقتباس من أنوار علومه العليّة قد كان عنوان الدرس « الروضة البهيّة » ، وكان التعرّض أولا لحلّ مشكلات العبارة ، ثمّ الاشتغال بعده بفقه المسألة في كتابه المسمّى بـ « مستند الشيعة ».

وأنا المفتقر إلى رحمة ربّه العليّ ، محمّد تقيّ بن أحمد بن محمّد مهدي النراقي حشرهم الله مع النبيّ والوصيّ.

فقال ـ دام ظلّه العالى ـ :

١٠

كتاب الطهارة

قوله : بناء على ثبوت الحقائق الشرعيّة ـ إلى آخره ـ

متعلّق بقوله : « شرعا ».

أي : كون هذا المعنى شرعيّا بناء على ثبوت الحقائق الشرعيّة ، وأمّا على عدم ثبوتها فيكون هذا المعنى اصطلاحيّا للمتشرّعة.

ولا يخفى أنّ القول بثبوت الحقائق الشرعيّة لا يستلزم كون هذا المعنى شرعيّا ؛ إذ يمكن أن يقال بثبوتها ، ولكن لا في لفظ الطهارة ، بل في غيرها.

فلو قال : على القول بثبوت الحقيقة الشرعيّة فيها لكان أولى. نعم ، يصحّ هذا على القول بكون النزاع في ثبوت الحقيقة الشرعيّة على سبيل الكلّيّة ، بمعنى : أنّ من يقول بثبوتها يقول به في جميع الألفاظ المستعملة في المعاني الشرعيّة ، ومن يقول بنفيها يقول في الجميع ، ولكنّه [ غير ] موافق للتحقيق ، كما بيّنّا في موضعه.

قوله : كالأكول.

يحتمل وجوها :

أحدها : أن يكون متعلّقا بالمبالغة ، والتشبيه كان في كونه مبالغة ، والمعنى : الطهور مبالغة في الطاهر ، كالأكول في الآكل.

وثانيها : أن يكون متعلّقا بقوله : « جعل بحسب الاستعمال متعدّيا ». وكان التشبيه في نفس التعدية فقط ، وإن تعدّدت جهة التعدية.

وثالثها : أن يتعلّق به أيضا ، ولكن كان التشبيه في كيفيّة التعدية ؛ فإنّ التعدية في الطهور معنويّ لا لفظي ؛ ولذا لا يترتّب عليه جميع آثار المتعدّي اللفظي ، فلا يقال : الماء طهور الثوب ، أو طهور من الحدث ، وإن شارك المتعدّي في اقتضاء المفعول معنى.

١١

ورابعها : أن يتعلّق بقوله : « وإن كان بحسب الوضع اللغوي لازما ». والتشبيه في نفس اللزوم ، حيث إنّ الأكول لازم لفظا ، وإن تعدّى معنى ؛ فإنّه لا يقال : زيد أكول الخبز وهذا بعيد جدّا.

وخامسها : أن يتعلّق بمجموع قوله : « جعل » ـ إلى آخره ـ وكان التشبيه في جعل اللازم متعدّيا ، ولكن يكون الأمر في الأكول بالعكس أي : جعل المتعدّي لازما ، حيث إن أكل متعدّ والأكول لازم لفظا ، وإن كان في المعنى أيضا متعدّيا ، ويكون التشبيه حينئذ لرفع استبعاد جعل اللازم متعدّيا حيث تحقّق عكسه.

قوله : وفي ترتّب الثواب على فعله.

عطف بيان للكمال ؛ ذكره لبيان أنّ المراد بالكمال هو ذلك دون ما ينقض الإزالة.

قوله : واجبة ومندوبة.

حال عن الطهارات ، ويكون لفظة « الواو » بمعنى « أو » أي : واجبة كانت أو مندوبة.

ويمكن إبقاء « الواو » على معناه ، وكان اجتماع الواجب والندب في الطهارات باعتبار أفرادها ، كما يقال : الإنسان عالم وجاهل ، أو جاءني الكوفيّون ، عالما وجاهلا.

قوله : أو ينتقض في طرده.

عطف على قوله : « وبقيت الطهارات الثلاث ». ومراده : أنه يرد على هذا التعريف بقاء مطلق الطهارات الثلاث مبيحها وغير مبيحها ، واختيار أنّ المراد من الطهارة ما هو أعمّ من المبيح ، وهو مخالف لاصطلاح الأكثر ، إن أريد بالطهور ما هو الظاهر منه أي مطلق الماء والأرض.

ويرد عليه الانتقاض في الطرد : بالغسل المندوب ، والوضوء الغير الرافع ، والتيمّم بدلا منهما إن لم يرد بالطهور مطلق الماء والأرض ، بل اريد الماء والأرض المستعملان في الطهارة المبيحة للصلاة ، كما هو اصطلاح الأكثر.

ووجه الانتقاض : أنّ مراده لمّا كان حينئذ هو الماء والأرض المستعملان في المبيح ، فيكون مراده من الطهارة ـ المذكورة تعريفها ـ أيضا هي المبيحة ؛ إذ لا معنى لإرادة مطلق الطهارة من المعرّف ، وإرادة الماء والأرض المستعملان في المبيح من الطهور المأخوذ في

١٢

المعرّف ، فيجب أن يكون التعريف بحيث لا يصدق على غير المبيح ، مع أنّه يصدق على الغسل المندوب وما بعده أيضا ؛ إذ يصدق أنّها استعمال طهور مشروط بالنيّة.

وإرادة المستعمل في المبيح من الطهور لا يوجب دفع النقض ؛ لأنّ الطهور بحسب المعنى عامّ شامل للمستعمل في المبيح وغيره ، ولا يخصّص إلّا بالقرينة والإرادة لا يكفي في التخصيص وفي صحّة الاستعمال في الخاص ، وإلّا لصحّ استعمال اللفظ العام في الخاص بدون القرينة المخصّصة مع إرادة الخصوص ، واستعمال اللفظ في المعنى المجازي بدون القرينة الصارفة مع إرادة المعنى المجازى.

والحاصل : أنّه إن اريد من الطهور ما هو ظاهره ليكون المعرّف هو الطهارة المطلقة يلزم مخالفة اصطلاح الأكثر ، وإن اريد منه المستعمل في المبيح ليكون المعرّف هو الطهارة المبيحة يلزم دخول غير المبيح في التعريف ؛ لأن إرادة المقيّد من اللفظ المطلق لا يوجب تقييده ، بل يحتاج إلى القرينة المقيّدة.

وقد يقال : إنّ قوله : « أو ينتقض » عطف على قوله : « اريد بالطهور ». والمعنى ـ حينئذ ـ وإن كان أيضا هو ما ذكرناه ، ولكن لا يكون اللفظ ـ حينئذ ـ خاليا عن حزازة كما لا يخفى ، فافهم.

قوله : الغير الرافع منه.

بدل عن الوضوء ، لا وصف له. والضمير المجرور راجع إلى الوضوء ، فالمعنى : وينتقض الطرد بالغير الرافع منه ، كما في ضربت زيدا رأسه.

قوله : إن قيل به. أى : بالتيمّم ؛ فإنّ في جواز التيمّم بدلا عن الغسل والوضوء المندوب الذي منه الغير الرافع [ خلافا ] والنقض إنّما هو على القول بعموم البدليّة.

قوله : في طرده أيضا.

أي : زيادة على أحد المحذورين المذكورين يلزم هذا النقض أيضا ، فهو لازم على كلّ من شقّي الترديد ، ويكون قوله : « وينتقض » عطفا على قوله : « وبقيت الطهارات الثلاث » ؛ ولذلك كرّر قوله : « وينتقض في طرده ».

١٣

قوله : بأبعاض كلّ واحد.

يمكن أن يجاب عنه : بأنّ المراد بالنية ما يسمّى في العرف والاصطلاح نيّة ، والابعاض مشروطة بالاستدامة الحكميّة لا بالنية ، والاستدامة الحكمية لا يسمّى في العرف نيّة سواء قرنت بالأمر الوجودي أو العدمي.

فإن قيل : النقض بالأبعاض لأجل اشتراطها بنيّة الكلّ من حيث إنّ البعض جزء للمنوي لا من حيث انفرادها بالنية كالكل.

قلنا : المتبادر من قوله : « مشروط بالنية » كونه مشروطا بنيّة ، ونيّة الكلّ لا يسمّى نية البعض. وقد يجاب : بأنّ كون الأبعاض مشروطة بنيّة الكل ـ أي : كون نيّة الكلّ شرطا للأبعاض ـ غير معلوم. وأمّا بطلان البعض بدون نيّة الكل ؛ فلأجل بطلان الكلّ المستلزم لبطلان الجزء ، وتشترط حقيقة للكل ، لا البعض.

وفيه : أنّ الشرط ما يستلزم من عدمه العدم سواء كان الاستلزام بلا واسطة كاستلزام عدم النيّة لعدم الكل ، أو بواسطة كاستلزام عدم النيّة لعدم البعض بواسطة استلزامه لعدم الكل ، فيصدق على نيّة الكلّ أنّها شرط لوجود البعض أيضا من حيث هو بعض لهذا الكلّ وإن لم تكن شرطا له مع قطع النظر عن هذه الحيثيّة ، وعدم الاشتراط مع قطع النظر عنها لا يفيد ؛ لعدم إطلاق الطهارة على البعض مع انضمام هذه الحيثيّة أيضا.

قوله : وبما لو نذر تطهير الثوب ونحوه من النجاسة ناويا

التقييد بقوله : « ناويا » لأنّه لو [ لاه ] لم يحصل النقض إمّا لعدم الاحتياج إلى النّية حينئذ وكفاية الإتيان بالتطهير ، وإمّا لأنّه يكفي فيه نيّة كون فعله هو الفعل المنذور ، ومثل هذه النيّة فيما لم يشترط فيه القربة لا يسمّى نيّة شرعا ، نعم لو نذر ما له نيّة شرعا احتاج إليها وتوقف براءة الذمة عليها من حيث الشرطية ، ومثل تطهير الثوب ليس له نية شرعا فكان الإتيان بالفعل حين عدم نذر النيّة كافيا.

ثمّ إنّه يمكن أن يجاب عن النقض : بأن تقييد المصنّف التعريف بـ « المشروط » يدفع ذلك النقض ؛ إذ النذر لا يجعل النيّة شرطا في تطهيره حتى لو تركت في غسل الثوب ـ مثلا ـ بقي الثوب نجسا كما هو شأن الشرط ؛ لأنّه ما ينتفي المشروط بانتفائه ، أو ما يتوقّف

١٤

تأثير المؤثر عليه ، بل يجعلها واجبا ، وتركها في صورة انعقاد يوجب الكفّارة لا غير ، والفرق واضح. وانتفاء المنذور ـ وهو تطهير الثوب بالنجاسة ناويا ـ بانتفاء النيّة غير نافع ؛ إذ هو من باب انتفاء المركّب بانتفاء أحد جزأيه لا من باب انتفاء المشروط بانتفاء شرطه.

فإن قيل : هذا إنّما يتمّ إذا كان مراد الناقض بنذر التطهير ناويا أن يجعل النية جزءا من المنذور مع قطع النظر عن الشرطيّة وأمّا إذا كان مراده نذر الشرطيّة ، فلا يتمّ ذلك ؛ لأن النيّة حينئذ يكون شرطا.

قلنا : الشرط من الأحكام الوضعيّة ، لا الشرعيّة ، والوضعي لا يكون من أفعال المكلّفين ولو بالعرض ، والقول بأنّ مشروعيّة النيّة في مثل التطهير ثابتة ، وحينئذ فالرجحان حاصل ، فيجوز نذره إنّما يفيد جواز نذر النيّة ـ أي : جعلها جزء ـ لا جعلها شرطا ؛ فإنّ شرطيّتها لم يثبت مشروعيّتها ورجحانها. ويدلّ على عدم انعقاد نذر المشروطيّة أنّه لو نذرها يطهر الثوب ولو لم ينو أيضا إلّا أنّه لو نذر النيّة لم يمتثل المنذور بدون الإتيان بها ؛ لا أن لا يطهر الثوب بدونها أيضا حتّى تكون شرطا.

قوله : ناويا.

أي : ناويا للقربة لا لمجرّد تطهير الثوب ؛ لأنّ ما له الرجحان ويوجب ترتّب الثواب هو الأوّل ، دون الثاني.

قوله : ومع ذلك إلى آخره.

أورد على هذا التعريف أيضا لزوم الدور ، حيث أخذ لفظ الطهور. وردّ : بإرادة المعنى اللغوي أو العرفي دون الشرعي أو مصطلح المتشرّعة.

ومنها : الانتقاض برمى الجمار واستلام الحجر ؛ فإنّه أيضا استعمال طهور مشروط بالنيّة.

واجيب تارة : بأنّ ... الذي هو الاستعمال لا يكون بالجميع ، وكلّ واحدة لا يصحّ بها التيمّم.

وفيه : أولا : منع عدم تعلّقه بالجميع. وثانيا : أنّ عدم صحّة التيمّم بكلّ واحدة لا يوجب خروجه عن كونه طهورا كقطرتين من الماء.

١٥

واخرى : باعتبار الحيثيّة أي : استعماله من حيث إنّه طهور.

ومنها : النقض بسجدتي السهو.

وأجيب عنه أيضا : باعتبار الحيثيّة المذكورة وبعدم تعيّن الأرض للسجود.

ويرد على الاخير : بقاء النقض لو نذر السجدة على الأرض ، فإنّه صحيح راجح قطعا.

ومنها : النقض بازالة النجاسة باعتبار الثواب.

وفيه : أنّ المشروط بالنيّة حينئذ هو درك الثواب ، دون استعمال الطهور.

قوله : والطهور هو الماء والتراب قال الله تعالى : ( وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ) إلى آخره.

إن قيل : إنّ قوله : « الطهور هو الماء والتراب » يفيد مطلبين : أحدهما : طهوريّة الماء والتراب. والثاني : انحصار الطهور فيهما وعدم طهوريّة غيرهما : لأنّه مقتضى تقديم الخبر الذي حقّه التأخير ، بل ظاهر ما تقدّم فيه ما حقّه التأخير أنّ المقصود الأصلي من الكلام هو إفهام الحصر.

وعلى هذا فالصواب إمّا الاستدلال على المطلبين أو للثاني ، فلا يحسن الاستدلال على الأوّل فقط. وذلك كما أنّه إذا قيل : القديم هو الله. فالمستحسن الاستدلال على عدم قدم غيره ، لا على قدمه.

قلنا : نعم كذلك ، ولكنّه إنّما هو إذا لم تكن لاختصاص الاستدلال بالأوّل [ نكتة ] وهي هنا موجودة وهي أنّ الطهورية من الأحكام الشرعية التي يحكم بانتفائها مع انتفاء الدليل عليها في موضع ، فاللازم هو الاستدلال على طهورية ما يكون طهورا. أمّا ما ليس بطهور فلا يحتاج نفيه عنه إلى دليل ، فالمحتاج إلى الاستدلال حقيقة هو أوّل المطلبين دون ثانيهما ، بل هو أمر معلوم ، فلذا لم يذكره.

وأيضا المهم في هذا المقام هو إثبات الجزء الأوّل ؛ لأنّ هنا ليس مقام بيان ما ليس بطهور ؛ فلذا اقتصر على ما هو المهم وترك غير المهم ؛ لعدم الحاجة إليه.

قوله : وكان الأولى إبداله إلى آخره.

١٦

قيل : لأنّ الدليل الذي استدل به ـ وهو قوله : « جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا » ـ أعمّ من التراب.

ثمّ قيل : المناسب أن يقول بدل « الأولى » الصواب.

قلت : التعبير « بالأولى » ؛ لاحتمال أن يكون رأي المصنّف هنا عدم جواز التيمّم بغير التراب ، وإن تغيّر اجتهاده بعد ذلك.

أقول : لا يخفى ما فيه :

أمّا أوّلا : فلأن الأولوية إن كانت لأجل الدليل ـ كما ذكره ـ فلا تأثير لتغيّر الاجتهاد فيه ، أو كون رأيه عدم الجواز بغير التراب. وأمّا ثانيا : فلأنّه لو كان رأيه ذلك لم يصحّ الإبدال بلفظ الأرض فضلا أن يكون أولى. وأمّا ثالثا : فلأنّ أعميّة الدليل عن المدّعى ليس بفاسد حتّى يكون المناسب الصواب ، بل الفاسد هو أخصّيته عنه. نعم المطابقة أحسن وأولى ، فالصحيح هو الأولى ؛ لأجل المطابقة المذكورة.

وإلى هذا أيضا نظر الشارح كما يشعر به قوله : « كما يقتضيه الخبر » ، نعم لو نظر إلى استفادة الحصر من تقديم الخبر في قوله : « الطهور هو الماء والتراب ». لصحّ أن يقال : إنّ الصحيح هو الإبدال دون الأولى ، ولكن ليس نظر الشارح إلى ذلك.

قوله : خصوصا على مذهبه.

متعلّق بقوله : « وكان الأولى ».

قد يقال : إنّ في مقام يستعمل لفظ خصوصا يجب تحقّق أمرين : أحدهما : تحقّق الحكم السابق عليه ، ولو لم يتحقّق ما بعده. وثانيهما : أولويّة وجود السابق عند وجود ما بعده. والأمر الأوّل غير متحقّق هاهنا ؛ لأنّ على مذهب من لا يجوّز التيمّم بغير التراب من اصناف الأرض لا يكون غيره من الطهور المأخوذ في تعريف الطهارة ؛ لأنّ الطهور مشروط استعماله بالنيّة لا يكون إلّا المطهّر من الحدث وغير التراب لا يكون مطهرا من الحدث على هذا ، فلا يكون من أفراد الطهور المأخوذ في الحد ومراد المصنّف بقوله : « والطهور هو الماء والتراب » هو بيان الطهور المأخوذ فيه.

١٧

وفيه : أنّ عدم جواز استعمال غير التراب في الطهارة من الحدث لا يوجب أن يكون المراد من الطهور في التعريف هو غير التراب من أفراد الأرض ؛ لأنّ الطهور هو الطاهر المطهّر من الحدث والخبث ، بخلاف ما إذا لم يكن من مذهبه ذلك ؛ فإنّه يتحقّق فرق بينهما حينئذ ، فيحصل وجه للتخصيص بالذكر.

قوله : بقول مطلق.

أي : بقول غير مقيّد بفرد من أفراد الماء من كونه كثيرا أو جاريا ، قليلا أو راكدا.

والحاصل أنّ مطلق الماء مطهّر من الحدث. وإنّما لم يقل : مطلقا ؛ للاحتراز عن مجى‌ء الحال من المبتدأ قبل مضيّ الخبر وإيجاب ذكره بعد الخبر لتوهّم كونه قيدا له ، أو للإشارة إلى كون هذا القول متفق عليه أي : بقول واحد مطلقا ، ولو قال : مطلقا. لم يفد هذه الفائدة.

وحمل قوله « مطلق » على أنّ الماء المطلق مطهّر أي : غير المضاف بعيد ؛ لمكان قوله : « بقول ».

قوله : وشبهه.

أي : شبه المكلّف. ذكره لدخول المجنون والنائم والمغمى عليه ؛ فإنّ الجنون والنوم والإغماء موجب لحصول الحدث بمجرّد وجوده.

ولا شك في أنّ في أوّل آن وجوده ليس شي‌ء من المجنون والنائم والمغمى عليه مكلّفا ، وإنّما يصير مكلّفا بعد رفعه مع أنّه محدث قطعا.

وقوله : « المانع من الصلاة » ؛ للاحتراز عن الأثر الحاصل عند عروض الموت الموجب لغسل الميّت ؛ فإنّه ليس حدثا. وعن الأثر الحاصل عند مسّ الميّت الموجب للغسل عند من لا يمنع عن الصلاة قبل غسل مسّ الميّت ؛ فإنّ هذا الأثر ليس حدثا عنده.

ولا يبعد أن يكون هذا احترازا أيضا عن الأثر الحاصل عند عروض الأسباب الموجبة لاستحباب الوضوء كمس الفرج والرعاف وغيرهما.

وقوله : « المتوقّف رفعه على النيّة ». احتراز عن النجاسة الظاهرية الحاصلة عند خروج البول والغائط ، أو المني ، او الحيض والاستحاضة ؛ فإنّه حاصل عند عروض أحد أسباب الوضوء والغسل مانع من الصلاة ، ولكن ليس حدثا.

١٨

هذا إذا كان قوله : « المانع من الصلاة ». صفة للأثر ، وأمّا إذا جعل صفة لأحد الأسباب فيكون قوله : « المتوقّف رفعه » احترازا عمّا ذكر وعن جميع الخواص والآثار الحاصلة عند عروض أحد الأسباب كاللذة عند خروج المني ، والحرقة عند خروج الحيض ، والخفة عند خروج الغائط وغيرها.

قوله : بالتغيّر بالنجاسة.

« الباء » للسببيّة أي : التغيّر الحاصل بسبب وقوع النجاسة. والمراد : التغيّر الحاصل بسبب وقوعها فيه ؛ لأنّ تغيّر رائحة الماء بمجاورة النجاسة ومرور رائحتها غير منجّس للماء إجماعا.

وقد يجعل « الباء » للمصاحبة للاحتراز عن هذا التغيّر.

ويرد عليه حينئذ : التغيّر بغير أوصاف النجاسة مع مصاحبة الماء لها ، إلّا أن يقال : إنّ معنى التغيّر بمصاحبة النجاسة التغيّر المتّصف بكونه حاصلا بمصاحبتها ، وتعليق الشي‌ء بالوصف يشعر بعلّيّة الوصف ، فيفهم منه التغيّر بأوصاف النجاسة ؛ لأنّ التغيّر المعلول لمصاحبة النجاسة ليس إلّا التغيّر بأوصافها.

قوله : واحترز بتغيّره بالنجاسة إلى آخره.

قيل : قوله هذا صريح في أنّ الماء القليل غير داخل تحت الإطلاق المذكور بقوله : « وينجس الماء مطلقا » ؛ لأنّ الماء القليل ينجس بمجرّد ملاقاة المتنجس ، فضلا عن التغيّر به.

أقول : هذا سهو فاحش ، وتوضيحه : أنّ لنجاسة الماء أسبابا مختلفة بعضها يجري في جميع أنواع الماء كالتغيّر بالنجاسة ، وبعضها تختص ببعضها كالملاقاة. ومراد المصنّف هاهنا هو بيان السبب الأوّل. ومراد الشارح : أنّ تأثير هذا السبب إنّما هو إذا كان التغيّر بالنجاسة ، دون المتنجّس ، فإذا تغيّر الماء مطلقا قليلا كان أم كثيرا بالمتنجّس لم ينجّس بسبب التغيّر ، ولا يكون هذا التغيّر سببا للنجاسة ، وإن كان الملاقاة حينئذ سببا في بعض الأفراد ، وهذا سبب آخر غير التغيّر.

وقول الشارح : « فإنّه لا ينجس بذلك » ـ أي : بالتغيّر بالمتنجّس ـ إشارة إلى هذا أي : لا ينجس الماء حينئذ بالتغيّر الذي هو أحد السببين وإن نجس بسبب آخر الذي هو الملاقاة ، فافهم.

١٩

قوله : من غير أن تؤثّر نجاسته فيه.

الضمير في قوله : « فيه » يحتمل أن يكون راجعا إلى الماء وأن يكون راجعا إلى طعمه ، وأن يكون راجعا إلى الدبس.

وعلى التقادير الثلاثة يكون قوله هذا احترازا عمّا لو تغيّر طعم الماء بالدبس ، ومع ذلك ظهر في الماء أثر أصل النجاسة أيضا من طعمها أو ريحها أو لونها. فعلى الأوّل يكون المعنى : من غير أن تؤثر نجاسة الدبس في طعم الماء. وعلى الثالث يكون المعنى : من غير أن تؤثر نجاسة الدبس [ في الدبس ] بمعنى : أنّه ينجس الدبس ولم يتغيّر أحد أوصاف الدبس بالنجاسة حتّى يتغيّر بسببه وصف الماء بالنجاسة أيضا.

وأولى التقادير أوّلها لما في الثاني من التخصيص بالطعم مع أنّه لو تغيّر طعم الماء بالدبس ورائحته بالنجاسة ينجس الماء أيضا ، وفي الثالث من إمكان تأثير النجاسة في الدبس وعدم تأثيره في الماء ؛ فإنّه لا ينجس الماء بذلك ، إلّا أن يخصّ بالتأثير في طعم الدبس ، وهو أيضا تخصيص بلا مخصّص.

قوله : لا التقديري على الأقوى.

إشارة إلى خلاف العلّامة وولده فخر المحقّقين ، حيث ذهبا إلى وجوب تقدير التغيّر ووجوب تقدير النجاسة على أوصاف موجبة لحصول التغيّر

ثمّ التقدير يكون في صور :

أحدها : أن يكون النجاسة باقية على أوصافها الموجبة للتغيّر ، ولكن حصل في الماء ما يمنع عن احساس التغيّر كما إذا كان الماء أحمر بسبب عارضي كوقوع البقّم فيه ، ثمّ وقع فيه من الدم بقدر لو لا حمرة الماء لاحمرّ بالدم ، فيقدر التغيّر اللوني بالدم حينئذ.

وثانيها : أن يكون الماء باقيا على حالته الأصليّة ، ولكن زال عن النجاسة وصفها الأصلي الموجب للتغيّر ، كالغائط الذي زالت رائحته بسبب عارضي ، فيقدر بقاء الوصف ، ويقال بنجاسة الماء لو وقع فيه من هذا الغائط بقدر لو لم تسلب رائحته لكان موجبا لتغيّر رائحة الماء.

٢٠