الكافي في الفقه

أبي الصّلاح تقيّ بن نجم الحلبي

الكافي في الفقه

المؤلف:

أبي الصّلاح تقيّ بن نجم الحلبي


المحقق: رضا الاستادي
الموضوع : الفقه
الناشر: مكتبة الإمام أمير المؤمنين عليه السلام العامّة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٤٤

مع بعض القبائح وان كان صغيرا ، لأن أول ما في ذلك أنه ترك المعلوم من مذهبهم في ان الصغائر لا يقدح في العدالة ، فكيف نسوا ذلك هاهنا؟ للغفلة أم عنادا أم رغبة عنه ، والغفلة والعناد لا يليقان بالمحققين من العلماء لا سيما منتحلي الحذق والتحقيق والتدقيق ، والرغبة عنه توجب عليهم نفى عدالة الأنبياء والأئمة وإجماع الأمة ، لاتفاقهم على صحة الصغائر منهم ووقوعها من أكثرهم ، وذلك ضلال ، فلم يبق الا تمسكهم بأن الصغائر لا يقدح في العدالة فتسقط الشبهة ، ويلزمهم الحكم بكبر كل معصية منعت من العدالة ، فإذا كانت الأمة وهم من جملتهم ينفون عدالة من اثر بعض القبائح فعلا وإخلالا كحكمهم ذلك في معاصي الحدود وجب عليهم ان يحكموا بكبر الجميع.

وبعد فليس بين التعديل والتفسيق. اما أن يثبت الفسق فتنفى العدالة ويتبعها رد. أو يجهل ما يقتضي أحد الأمرين فيتوقف على البيان. من دين الأمة ووجدناها ترد شهادة من علمته مرتكبا. كفعلها مثل ذلك في الزاني والقاذف دل ذلك على. وكون ما أتاه كبيرا لاتفاقنا جميعا على أن طريق إثبات أسماء أهل الطاعة أو المعصية السمع دون العقل والإجماع آكد دلالة السمع بغير اشكال.

ان قيل : فاذا كان الوعيد ثابتا بكل معصية ومن جملته صريح الخلود والتأبيد وكيف يتم لكم ما تذهبون اليه من انقطاع عقاب بعض العصاة؟

قيل : ثبوت الوعيد على كل معصية لا ينافي قولنا في عصاة أهل القبلة ، لأنا نقول بموجبه ، وانما نمنع من دوامه لغير الكفار ، وثبوته منقطعا يجوز سقوطه بأحد ما ذكرناه لا يمنع منه إجماع ولا ظاهر قرآن ، من حيث كان الإجماع حاصلا باستحقاق العقاب وسمة الفسق في العاجل دون دوامه وفعله في الأجل ، وانما يعلم به دوام عقاب الكفر وفعله في الآخرة.

٤٨١

فأما آيات الخلود والتأبيد فقد بينا فيما سلف واستوفيناه في الكتاب المذكور انه ليس في لغة العرب لفظ يفيد ما لا آخر له ، فلا يجوز حمل خطابه تعالى على ما لا يعرفه المخاطبون ، وقلنا : ان لفظة الخلود مختصة بالسكون والطمأنينة فمن قوله تعالى ( أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ ) (١) أي سكن إليها واطمأن ، وقولهم : قد أخلد فلان الى كذا إذا سكن اليه واطمأن ، وان لفظ التأبيد عبارة عما يعهده المخاطبون. حسب من قولهم لا أكلمك أبدا ولا أقاتل أبدا لا يخطر له ببال مما (٢) لا آخر له وبينا انا انما علمنا ان. الكفار لا آخر لهما من قصده. العقاب دائما أو منقطعا على كل معصيته أو منقسما. برهانه لا يمنع مما نذهب اليه من جواز سقوطه عن عصاة الملة لعفو مبتدء أو عند شفاعة كما لم يمنع كونه دائما عند جميعهم من جواز سقوطه عند أكثرهم عقلا وعند كافتهم بتوبة أو زائد ثواب.

وفي هذا القدر من الكلام في أحكام المستحق كفاية ومريد الغاية منه يجده في كتاب « التقريب ».

__________________

(١) سورة الأعراف ، الاية ١٧٦.

(٢) ما. ظ.

٤٨٢

الحال التي يثبت فيها

المستحق والتي يفعل فيها

٤٨٣
٤٨٤

فصل في بيان الحال التي يثبت فيها المستحق والتي يفعل فيها

إذا كان الغرض بالتكليف التعريض للثواب واقتضت المصلحة ما ورد السمع به من الزجر بالعقاب ، وجب الحكم بثبوت استحقاقهما عقيب الطاعة والمعصية لوقوع كل منهما على الوجه المقتضى للاستحقاق ، فلو لم يكونا مستحقين عقبيهما لم يثبت استحقاقهما ، لأنه لا حال بثبوته أولى من حال ، والحكمة تقتضي تأخيرهما عن زمان التكليف وحال انقطاعه زمانا غير معلوم ، لأنهما لو أوصلا الى مستحقهما. لاقتضى ذلك الإلجاء إلى فعل الواجب واجتناب القبيح وذلك مناف. شاق تنغمر مشقته في جنبه ، والى ضرر عظيم متى أخل به تنغمر في جنبه راحة تركه. تنفع على الاجتناب والضرر على الفعل هو ملجأ.

والحال المفعول فيها الثواب والعقاب غير معلومة. وقد نص عليها سبحانه في كتابه وعلى لسان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وعين المستحقين وكيفيتهما ومحل ايصالهما فوجب القطع به.

وتأخيرهما إلى تلك الحال وهو يوم البعث ، للمانع الذي ذكرناه ، لا يمنع من استحقاقهما عقيب الطاعة والمعصية ، لأنه قد يعرض في الحقوق ما يقتضي تأخيرها إذا علم أو ظن ان في تعجيلها فسادا ، فإذا أوصل المثاب الى مستحقه فرقت عليه في أوقات الإثابة ما فاته من الاقساط المستحقة في الأزمنة الماضية

٤٨٥

إلى حين وصل اليه ، من حيث كان منع ذلك ظلما لا يجوز عليه تعالى.

وكذلك القول في عقاب الكفار وما لا يتفضل سبحانه بإسقاطه من ماضى عقاب الفساق ، لقيام الدلالة على قبح العفو عن الكفار وحسنه فيمن عداهم ، وذلك يقتضي انقطاع تكليف كل عاقل ، لأنه ان لم ينقطع تكليفه مع ما ثبت قبحه من إيصاله إلى مستحقه عقيب فعله اقتضى ذلك انتقاض الغرض المجرى بالتكليف اليه ، وقد كان جائزا من جهة العقل استمرار إيجاد جميع الخلق حالا بعد حال الى ما لا نهاية له وتكليفهم أبدا ، وإيصاله جميع من انقطع تكليفه منهم الى مستحقه ، لكن السمع ورد بانقطاع تكليف البشر واماتتهم اجمع وقطع إيجاد أمثالهم. بعد الموت للاثابة والمعاقبة والتعويض والتفضل ، فقطعنا بذلك وارد ( كذا ).

وبقينا في الجن والملائكة على ما كنا عليه من جواز إيجادهم وتكليفهم حالا فحالا لفقد دليل فيهم بمثل ما علمناه في البشر والدلالة. بمقدوره سبحانه العالم في كل ما يصح تعلق القدرة به والجواهر. الاعراض الباقية في مقدوراته تعالى وقد أحدثها تعالى ابتداء. بكونه سبحانه قادرا على إعادتها بعد الفناء ثانية إذ كانت. للثانية فما له وجب تعلق الأولة به تعالى له يصح تعلق الثانية ، والدلالة على ذلك حصول العلم بفناء العالم بقوله تعالى ( هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ ) (١) وانما كان أولا لكونه تعالى سابقا للموجودات ، فكذلك انما يكون آخرا ببقائه بعدها.

وقوله تعالى : ( كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ وَيَبْقى ). (٢).

والدلالة على وجوب اعادة الخلق بعد فنائه حصول العلم بذلك من دينه صلى‌الله‌عليه‌وآله

__________________

(١) سورة الحديد ، الاية ٣.

(٢) سورة الرحمن ، الاية ٢٧.

٤٨٦

وتضمن القرآن له.

والواجب من جهة العقل اعادة من له مستحق لم يصل إليه في دار التكليف من أهل الثواب ، ومن لم يستوف عوض إيلامه به سبحانه أو بغيره ، لما تقتضيه حكمته سبحانه من ذلك ، وما في منعه من وجوه القبح التي لا تجوز عليه تعالى.

فاما المعاقب والمتفضل عليه فاعادتهما غير واجبة لحسن العفو عن المعاقب أو إيقاف معاقبته ابدا وانتفاء وجوه القبح عن منع التفضل.

وانما علمنا وجوب اعادة الجميع بالسمع المعلوم من دينه صلى‌الله‌عليه‌وآله.

والواجب إعادته من جملة الحي عقلا ما به يكون حيا من البنية وهي التي إذا انتقضت خرج عن كونه حيا ، دون أعضائه وسمته وما ليس من جملته. حيا من دون ذلك اجمع.

وانما قلنا ان الله يعيد الأحياء على. الكاملة لحصول الإجماع بذلك.

وقد أجمعت الأمة على إعادة الحي بعد الموت في القبر والمسائلة والتنعيم أو التعذيب.

وأجمعت الفرقة المحقة على اعادة من محض الكفر أو الإيمان من أمتنا في دولة المهدى عليه‌السلام.

وكل واحد. من جهة العقل لتعلقه بمقدوره سبحانه وطريق القطع.

المذكور.

وليس لأحد أن يقول : كيف يصح احياء الميت في القبر مع. لان محييه سبحانه قادر على توسيعه لبشارة المؤمن وتعذيب الكافر ولأن أجسام متولي التعذيب شفافة لا تفتقر الى كثير سعة.

٤٨٧

ان قيل : فقد كان ينبغي ان يسمع كلام الملائكة والمحى (١) لان حصول ذلك بحيث يكون بقرب القبر سامع ليس بواجب ، فاذا لم يجب وانتفى ادراك ذلك وجب القطع على تخصصه بوقت لا يكون هناك سامع ، وبمثل هذا نجيب من سأل فقال : كيف يصح ذلك ونحن اى وقت كشفنا عن الميت وجدناه بحاله ، لان حالة إحيائه غير مختصة بوقت.

وبعد فالعلم بنشر كل ميت مرتفع.

فان قيل : في الراجعة ( كذا ) أخبرونا عن المكرورين أعقلاء أم لا ، فان كانوا عقلاء فمن كمال العقل التكليف وذلك يصحح ايمان الكافر وكفر المؤمن أو فسقه ، والإجماع بخلاف ذلك.

قيل : المكرورون عقلاء ، ويصح أن يكونوا مكلفين ، ولا يلزم كفر المؤمن لما بيناه من وجوب الموافاة بالايمان وتعذر حصول الكفر بعد ثبوته ، وفسقه مأمون لأنه تعالى لا يرجع من يعلم من حاله أنه يفسق ، وأما ايمان الكافر فذلك جائز من جهة العقل ، لكن الإجماع مانع منه وهو اتفاقهم على أن من مات كافرا فلا بد أن يوافي القيامة بكفره ، وقد نطق القرآن بذلك في غير موضع ونص سبحانه زائدا على ذلك بأنهم لو ردوا لعادوا بقوله تعالى ( وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ ) (٢) فعلى هذا لا يكر من الكفار من يعلم حاله انه يختار الايمان. ويصح ان يكونوا غير مكلفين. في نشرهم تعجيل قسط من الثواب لأهل الإيمان بمشاهدة دولة. ذلك من المسار وتعجيل قسط من العقاب لأهل الضلال. الغم عليهم بما يشاهدونه من علو الحق واهله المستضعفين. أو أمرهم وهلاك إخوانهم فيه والإشارة بذم المعظمين عندهم. بالقتل نكالا فيكون حال الفريقين

__________________

(١) العبارة ناقصة ظاهرا.

(٢) سورة الانعام ، الاية ٢٨.

٤٨٨

في الرجعة كحالهم في الآخرة على ما نبينه.

ان قيل : أفليس قد منعهم من تعجيل المستحق قبل البعث فكيف بذلك وما قطعتم به من عذاب القبر والرجعة وثوابهما؟

قيل : انما منعنا من تعجيل ما يقتضي الإلجاء وذلك مختص بجملة المستحق ، فاما ما ليست له هذه الصفة فتعجيله جائز.

يوضح ذلك المدح والذم واقامة الحد والقصاص.

واما الإعادة القصوى فمختصة بيوم البعث ، وهو يوم القيامة (١) ويوم الازفة ويوم القارعة ويوم الحاقة والصارخة والطامة ويوم النشور وبعثرة القبور ويوم الحساب والمآب ، الى غير ذلك من أسمائه المفيدة للمعاني المختلفة المعلومة وما يقع من المسمى بها وكيفيته بالسمع ، وقد قطع التعذر صحة ( كذا ) بأن الله تعالى يبعث الخلق لهذا اليوم وتكور له الشمس ويخسف القمر وتنثر الكواكب وتكشط السماء وتبدل الأرض وتسجر البحار وتسير الجبال وتدكدك وتنسف وتسعر الجحيم وتبرز وتزلف الجنة وتزخرفت ويضع كتاب الأعمال لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا [ أحصاها ]. وتنشر صحف الأعمال ويضع الموازين القسط فلا تظلم نفس شيئا ويصح ( كذا ) الصراط لأهل النعيم ، ويحشر الخلق كله كاملي العقول عالمين بما كلفوا علمه. ولا مرجئين بل ملجئين الى ترك القبيح. من الحجج المأمونين (٢) وتبدوا ملائكة الغضب. للتنعيم ، وتدعى كل امة بامامها. ويحبسون لأول. الانتصاف للمظلومين فلا يجاوزه أحد عليه تبعة لم تخرج منها ، وكل مرتهن بعمله ، مشغول بنفسه عن اهله و

__________________

(١) أكثر هذه العبارات الى قوله : متميزة. مقتبسة من القرآن الكريم ومستفادة منه.

(٢) في بعض النسخ : المأمومين.

٤٨٩

خاصته واخلائه وأهل مودته ، محاسب في حقه تعالى.

وأصحاب اليمين مبيضة وجوههم ، فرحة قلوبهم ، مبشرون بالرضوان ، لا يحزنهم الفزع الأكبر ، وهم فيما اشتهت أنفسهم خالدون ، كتبهم بأيمانهم ، معظمون في الموقف ، محشورون الى ما وعدوا به من دائم الثواب ، كل على قدر مستحقه ، مستغن به عن غيره ، راض بنعيمه عن كل نعيم لسواه ، بالغ منه غاية مأثوره.

وأصحاب الشمال مسودة وجوههم ، كتبهم بشمائلهم من وراء ظهورهم ، موبخون على فارط زللهم ، مبكتون على قبيح عملهم ، محاسبون على ما أسلفوا ، عاجزون عن عذر ، شاهدة عليهم جوارحهم بقبيح فعلهم ، نادمون على ما فرطوا ، يتمنون الراجعة ( كذا ) ولات حين مناص ، مسحوبون على وجوههم ، في أعناقهم الأغلال ، وفي النار هم يسجرون ، سرابيلهم من قطران ، وتغشى وجوههم النار ، لهم من جهنم مهاد ، ومن فوقهم غواش ، نزلهم الزقوم ، وشرابهم الحميم ، يصهر به ما في بطونهم والجلود ، ولهم مقامع من حديد ، كلما نضجت جلودهم وأشرفوا على الفوت وظنوه الموت بدلوا جلودا طرية ليذوقوا العذاب بما كسبوا وهم لا يظلمون ، ولا يقضى عليهم فيموتوا ولا يخفف عنهم من عذابها ، كذلك نجزي كل كفور ، كل معذب على قدر جريرته.

متميزة حال فساق المؤمنين من الفريقين بخروجهم بالايمان. الكفار وبالفسق عن مرتب الأبرار معرضون. فان يعف عنهم أو يشفع فيهم يصيروا من جملة الأبرار. ثواب الايمان والطاعات وان يحرموهما. عذابا منقطعا لا دليل على غايته ، كل منهم على حسب فارطه ومتى يقطع بالاستيفاء أو الشفاعة فلا بد من مصيرهم الى ما استحقوا من الثواب.

مخالف لحال الكل حال من ابتدأه الله تعالى في النعيم أو عوض ممن ليس بكامل من البهائم والأطفال والمجانين لتعذر استحقاق الثواب والعقاب عنهم.

٤٩٠

ولرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف صلوات الله عليه وآله في ذلك اليوم المقام الأشرف والمحل الأعظم ، له اللواء المعقود ( كذا ) ولواء الحمد والحوض المورود والمقام المحمود والشفاعة المقبولة والمنزلة العلية والدرجة المنيعة على جميع النبيين وأتباعهم.

وكل شي‌ء خص به من التفضيل ورشح له من التأهل فأخوه وصنوه ووارث علمه ووصيه في أمته وخليفته على رعيته أمير المؤمنين وسيد المسلمين علي بن ابي طالب بن عبد المطلب عليه‌السلام شريك فيه وهو صاحب الأعراف وقسيم الجنة والنار بنصه الصريح وقوله الفصيح.

وأعلام الأزمنة وتراجمة الملة بعدهما صلوات الله عليهم أعوان عليه ومساهمون فيه حسب ما أخبر به وأشار بذكره.

ولشيعتهم من ذلك الحظ الأوفر والقسط الأكبر لتحققهم بالإسلام ممن عداهم وتخصصهم بالايمان دون من سواهم. الكفر وشيعتهم وأنصار الباطل. دعونا اليه.

فأهل الجنة على ثلاثة. استحقاقهم وهو دائم غير منقطع. مختلفة بحسب تزايد مستحقهم. على دوامه لأنه لو كان دائما لم يحسن منا إدخال ضرر على أنفسنا ولا تعريض الغير له لنفع منقطع ، والمعلوم خلاف ذلك ، ويجوز ان يتفضل الله تعالى بادامة نعيم المعوضين عقلا وقد قطع السمع به في أهل الجنة. والضرب الثالث أهل التفضل خاصة ممن لم يألم في الدنيا وان كان مستبعدا ، وإذا لم يكن في العقل دليل على لزوم التفضل فكيف بدوامه ، وانما يعلم دوام من يتفضل تعالى بتنعيمه بالسمع ويجوز ان يتفضل على أهل الثواب بمنافع تقترن بثوابهم خالصة من صفة الثواب.

ويجوز ان يقترن الى ذلك ما يستحقونه من أعواض على ما دخل عليهم من

٤٩١

الالام ويجوز أن ينقطع ما يتفضل به تعالى عليهم من النعيم ويجوز ان يديمه بدوام الثواب ، فاما العوض فلا بد من انقطاعه لكون المستحق منه محصورا وإذا قطع التفضل أو انقطع العوض عن المثاب فلا بد ان يصرفه الله تعالى عن الفكر فيه أو يكون يسيرا منغمرا في جنب ثوابه فلا يجد لفقده مسا لان لا يتكدر ثوابه الواجب خلوصه حسب ما أخبر به سبحانه ، ويجوز ان يكون ما يتفضل به تعالى من النعيم على أهل الثواب وغيرهم من أهل الجنة أو يفعل لهم. في المقدار على الثواب انما يبين من العوض والتفضل بوقوعه. التزايد ومن جملة نعيمهم وكامل سرورهم. العذاب وما ورثوه من منازلهم التي كانت أعدت. منازل أهل النار التي كانت أعدت لهم في الجنة لو أطاعوا. في ذلك حال الرجال.

وأهل النار من الأولين والآخرين ضربان : كفار مخلدون وان زاد عقاب بعض على بعض بحسب كفره ، وفساق مقطوع على خروجهم من النار بعفو مبتدء أو عند شفاعة أو انتهاء عقابهم إلى غاية مستحقه ، وحالهم في مراتب التعذيب بحسب عصيانهم ، ولا يجوز ان يبلغ عقابهم في العظم عقاب الكفار لاقتران ما استحقوا به العقاب من المعصية بالمعرفة بالمعصى تعالى والخوف منه والرجاء لفضله وتسويف التوبة ، وانتفاء ذلك اجمع عن عصيان الكفار. ولا سبيل الى العلم بمقدار إقامتهم فيها. فالنار إذا لا يدخلها الا مستحق للتعذيب لقبح الابتداء به ، والجنة يدخلها المستحق والمتفضل عليه لحسن الابتداء بالتنعيم.

ان قيل : ما الوجه الحكمي في ما ذكرتموه من أحوال الموقف واهله؟

قيل : وجه ذلك أولا كونه مستندا إلى إرادة حكيم لا يجوز عليه تعالى العبث ولا يقع منه القبيح.

وبعد فهو محتمل لوجوه كل منها يصح ان يكون مقصودا يحسن لأجله : منها تعجيل قسط من ثواب أهل الايمان وعقاب الكفار.

٤٩٢

ومنها ان العلم بذلك الان لطف في التكليف ، إذ لا شبهة في أن العلم الان بما ذكرناه من حال أهل الموقف داع الى الحسن وصارف عن القبيح.

ومنها ان. أهل الايمان وتسويد وجوه الآخرين. التعظيم فتعظمه الملائكة والمؤمنون. به الملائكة والصالحون فكل من هذه. فيما ذكرناه بل جميعها حاصل فيه لمن تأمل ذلك بحسن بصره لارتفاع الشبهة في كون ما يفعله تعالى بأهل الموقف ثوابا لأهل طاعته وعقابا لأهل معصيته ولطفا للمكلفين العالمين به الان ولتمكنهم من ذلك وكونه مميزا لمستحقي التعظيم من مستحقي الاستخفاف.

ان قيل : فعلى أي وجه تنطق الجوارح وليست حية ولا مبنية بنية يصح منها النطق؟

قيل : يصح ذلك على وجوه :

منها : ان يبني الله تعالى كل جارحة بنية يصح منه النطق فينطق بما وقع من الحي لكونها بعضا له.

ومنها : ان يبنيها الله تعالى بنية يصح بها النطق كاللسان ، فيكون المتكلم الحي وهي آلة في الكلام كاللسان واللهوات ( كذا ) ويصح ان يكون المتكلم الشاهد على نفسه هو الحي وعبر عنه ببعضه كقولهم : يد فلان لا تبطش ولسانه لا ينطق ورجله لا تسعى ، وهم يريدون بالجميع الحي ، وانما عبروا عنه بالالة من حيث كانت آلة في الفعل الموصوف به.

ومنها : ان يريد تعالى بشهادة الجوارح وضوح الأمر وقوة الحجة وحصول العلم لهم بما فعلوه كما يقول الفصيح لمن يعلم مثل هذا من حاله : شهدت عيناك بكذا وأقرت يداك واعترفت جوارحك ، وانما يريد وضوح الأمر له وتيقنه ما أخبر أن جوارحه شاهدة به.

٤٩٣

ومنها : ان يكون تقريره سبحانه العصاة على أفعال جوارحهم المعلوم لهم إضافتها إليها شهادة منها بها بمعنى أنها لو كانت. ( قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ ) (١) ( وَ [ تَقُولُ ] هَلْ مِنْ مَزِيدٍ ) (٢) وهو تعالى. كانت ممن تقول لقالت : أتينا طائعين وهل من مزيد. عيناك تخبرني بكذا وتشهد بكذا قال الشاعر : يخبرني.

وقال الأخر :

امتلأ الحوض وقال : قطني

مهلا رويدا قد ملأت [ بطني ]

[ وقال الأخر ] :

وقالت له العينان : أهلا ومرحبا

وحدرتا كالدر لما يثقب

والمراد ان الحوض لو كان ممن يقول لقال : حسبي ، ولو كانت العينان قائلتين لقالتا : أهلا ومرحبا ، ونظائر ذلك من كلام العرب نظما ونثرا.

ان قيل : على الوجهين الأولين كيف يجوز ان يصف ما بنى بنية حي أو بنية لسان بأنه يد أو رجل وليس كذلك؟.

قيل : ذلك جائز لأن جواهر أيديهم وأرجلهم وما فيها من المعاني إذا كانت هي بعينها المبنية حيا أو آلة نطق جاز ان يطلق عليها بأنها أيديهم وأرجلهم ، لأنها هي هي في الحقيقة وليست غيرها ، كما أن من بنى من جواهر بعض الأجسام جسما أخر فالثاني في الحقيقة هو الأول ويصح ان يسمى باسمه.

ان قيل : فما معنى الموازين والأعمال أعراض يستحيل وزنها أو وزن المستحق بها لعدمه؟.

قيل : الموازين عبارة عن العدل في أهل الموقف وإيصال كل منهم الى مستحقه ، الا ترى قوله تعالى : ( وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ

__________________

(١) سورة فصلت ، الاية ١١.

(٢) سورة ق ، الاية ٣٠.

٤٩٤

شَيْئاً وَإِنْ كانَ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنا بِها وَكَفى بِنا حاسِبِينَ ) (١) فنص سبحانه على أن الموازين عبارة عن عدله في توفية كل ذي حق حقه ، وقد وصفت العرب المخاطبون التسوية الصحيحة والقسمة العادلة بذلك فقالوا : أفعال فلان موزونة وكلامه بالميزان ، وانما يعنون. ان يكون هناك موازين في الحقيقة ويكون الوزن مختصا بصحف الأعمال. يصح وزنها وتكون العبادة بالرجحان والثقل مختصة. من المعاصي والعبادة يخصها من عدم الطاعات جملة. كلها تتضمن القطع بثواب من ثقلت موازينة. بعذاب وعقاب من خفت موازينه وبائنة (٢) من الثواب وذلك يقتضي تخصيص الوزن بمن تخص الايمان أو الكفر دون المؤمن العاصي لقيام البرهان على انتفاء القطع له بالثواب أو العقاب ، وهذا شائع في عرف المخاطبين بالقرآن يقولون : ميزان فلان راجح عندي أو عند فلان ، أي اعماله ثابتة كبيرة ، وميزان فلان خفيفة ولا وزن لأفعاله ، أي لا طاعة له ولا فعل يقتضي مدحه.

ويحتمل ان يجعل سبحانه لذي الطاعات نورا في كفة الميزان فيرجح ، وظلمة للكافر فيخف ، ليكون ذلك دلالة على نجاة الطائع وهلاك الكافر.

وكل هذه الوجوه شائع والمعتمد الوجه الأول.

ان قيل ما معنى الصراط وأنتم لا تجيزون التكليف في الآخرة؟

قيل : يحتمل أحد أمرين : أحدهما أن يكون المراد به طريق الجنة والنار فأما أهل الجنة فيتسع لهم مسلكه مقترنا بتعظيم الملائكة وتبشيرهم بالثواب فيكون ذلك قسطا من ثوابهم ، وأما أهل النار فيضيق عليهم مسلكه ويصعب عليهم قطعه مقترنا بإهانة الزبانية واستحقاقهم وسحبهم على وجوههم الى النار فيكون ذلك قسطا من عذابهم.

__________________

(١) سورة الأنبياء ، الاية ٤٧.

(٢) كذا تقرأ ما في بعض النسخ.

٤٩٥

والذي يقتضيه الظاهر كونه طريقا لأهل الجنة خاصة لأن كل موضوع ذكر سبحانه فيه الصراط وصفه بالاستقامة ومدح سالكه ، فمنه قوله تعالى ( أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلى وَجْهِهِ أَهْدى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ ) (١) وقوله سبحانه ( اهْدِنَا )

( الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضّالِّينَ ) (٢) وأمثال ذلك. وهذا الظاهر مانع من كونه. وقد سمى الله تعالى برهان الحق صراطا فقال تعالى ( وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ) (٣) وقوله تعالى ( وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلى صِراطٍ [ مُسْتَقِيمٍ ] ) (٤) ( وَهذا صِراطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيماً ) (٥) فذكر الصراط هاهنا لا يحتمل الا برهان الحق الذي تعبد به سبحانه.

ان قيل فاذا كان القديم تعالى يستحيل إدراكه واختصاصه بالجهات فعلى اى وجه تقع المحاسبة.

قيل : يصح ذلك منه تعالى بان يفعل لكل واحد من المحاسبين كلاما يتضمن تقريره على اعماله ويضطره الى العلم بكونه كلاما له والى الاعتراف بما عمله وعلم المستحق عليه ثم يأمر ملائكة الرضوان بإدخاله الجنة ان كان من أهلها وملائكة التعذيب بإدخاله النار ان كان من أهلها ، ويصح ان يرد ذلك الى بعض خلقه لولا قوله تعالى متمدحا بتولي المحاسبة ( وَهُوَ أَسْرَعُ الْحاسِبِينَ ) (٦) وما ورد من النص على وقوع المحاسبة على وجه لا يصح من

__________________

(١) سورة الملك ، الاية : ٢٢.

(٢) سورة الحمد.

(٣) سورة الانعام ، الاية : ١٥٣.

(٤) سورة المؤمنون ، الاية ٧٣.

(٥) سورة الانعام ، الاية : ١٢٦.

(٦) سورة الانعام ، الاية : ٦٢.

٤٩٦

محدث من سرعة تجاز (١) حساب الخلق مع كثرتهم.

ان قيل : فاذا كانت الإثابة والمعاقبة مختصتين به تعالى فكيف يصح لكم ما تذهبون اليه من الحوض واللواء والوقوف على الأعراف وقسمة النار وإدخال بعض إليها وإخراج بعض منها مع كون ذلك ثوابا وعقابا.

قيل : لا شبهة في اختصاص أمور الآخرة اجمع به تعالى غير انه تعالى إذا ردها أو ما رد ( كذا ) منها الى المصطفين من خلقه رسول الله وأمير المؤمنين والأئمة من آلهما صلوات الله عليهم فأوردوها عن أمره وأصدروها. كما يضاف تعذيب أهل النار وتنزيل أهل الجنة. حاصلا بملائكة المأذون لهم فيه فأما معنى. ان الله تعالى أعطى أمير المؤمنين عليه‌السلام بمعرفة. فيأمر به الى الجنة والكافر بسيماه فيأمر به الى النار. سبحانه على ذلك بقوله سبحانه ( وَعَلَى الْأَعْرافِ رِجالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيماهُمْ ) (٢) بعينه والأئمة من ذريته عليهم‌السلام وقوله تعالى ( يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيماهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّواصِي وَالْأَقْدامِ ) (٣).

وتحتمل القسمة وجها آخر وهو ان الله تعالى لما جعل ولايته عليه‌السلام علما على الايمان وعداوته علما على الضلال ، لكونهما من جملة المعارف وكان مستحق الايمان الجنة ومستحق الضلال النار صار لذلك قاسما لهما.

وتحتمل وجها آخر وهو انه عليه‌السلام لما كان شفيعا لمرتكبي المعاصي من شيعته دون منكري إمامته صار قسيما للنار ، يخرج منها من استحقها من عصاة شيعته دون منكري ولايته.

وليس لأحد أن يقول : فأي ميزة لهم بتولي هذه الأمور على غيرهم في

__________________

(١) كذا.

(٢) سورة الأعراف ، الاية : ٤٦.

(٣) سورة الرحمن ، الاية : ٤١.

٤٩٧

الفضل وهي موقوفة على اذنه تعالى.

لان الآخرة لما كانت أفضل الدارين بكونها دار الجزاء وغاية المستحقين ، وجعل الله سبحانه إلى هؤلاء المصطفين أفضل منازله وأسنى درجاته من اللواء والحوض والشفاعة وقسمة النار دل على تخصصهم من الفضل بما لا مشارك لهم فيه.

وانما قلنا بسقوط تكليف أهل الآخرة لأمور :

منها إجماع الأمة على انه لا يستحق أحد في الآخرة ثوابا ولا عقابا لم يستحقها في دار الدنيا وتجويز. هذا الإجماع بغير ريب.

وأيضا فإن فتيا الأمة بأسرها بأنه لا تكليف في الآخرة سابق لحدوث المخالف في ذلك فلا يجوز. الثواب ويخرجه عن صفته. ويصحح. المعاقب يقتضي صحة سقوط عقابه. لا يستحق ثوابا ولا عقابا لاحق بهما. الآخرة بحضور المستحق من الثواب والعقاب العظيمي القدر. يقتضي قبحه لكون ذلك ملجئا والإلجاء ينافي التكليف.

ولا اعتراض على ما قلنا بقوله تعالى لأهل الجنة ( كُلُوا وَاشْرَبُوا ) (١) وان هذا أمر والأمر تكليف.

لأن الأمر لم يكن امرا للصيغة وانما كان أمرا بالإرادة ، ولهذا لم يكن قوله تعالى ( وَإِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا ) (٢) ( فَإِذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ ) (٣) امرا وان كانت الصيغة حاصلة ، من حيث لم يرد سبحانه ما تعلقت الصيغة به ، فكذلك قوله تعالى لأهل الجنة ( كُلُوا وَاشْرَبُوا ) انما هو إباحة.

__________________

(١) سورة الحاقة ، الاية : ٢٤ وغيرها.

(٢) سورة المائدة ، الاية : ٢.

(٣) سورة الجمعة ، الاية : ١٠.

٤٩٨

ويصح ان يريد تعالى أكلهم وشربهم لكونه ثوابا مفتقرا إلى إرادة المثيب إيقاع النفع منه على جهة التعظيم ، إذ به يتميز من نوعي العوض والتفضل ، وليس بتكليف لفقد المشقة فيه ، كما لم تكن ارادة أحدنا من غيره ان يلتذ بتناوله الطعام إحسانا إليه تكليفا.

فأما شكر أهل الجنة فما يتعلق منه بالقلب ضروري من فعله تعالى كسائر المعارف على ما نبينه ، وما يتعلق منه باللسان فيه لذة فلا يكون تكليفا.

وقلنا بوجوب إكمال عقولهم وكونهم بجملة المعارف ( كذا ) والمعاقب ( كذا ) والعوض ( كذا ) لأنه لا بد أن يعلم كل واحد منهم وصوله الى مستحقه ليعلم. عليه ويعلم المتفضل عليه كونه محسنا اليه وذلك مفتقر. يقصد فاعل المستحق إلى الإثابة أو المعاقبة. الإحسان وقد يقتضي معرفة القاصد وصفاته. لا تصح من دون كمال العقل.

وقلنا : ان المعرفة. تكليفهم في الآخرة فلم يبق مع وجوب كونهم. ضرورية.

وقلنا : ان أهل الجنة والنار مختارون لأفعالهم من أكلهم وشربهم وغير ذلك من تصرفهم لان ذلك أبلغ في نعيم أهل الجنة.

وقد أجمعت الأمة على وقوع الثواب على أشرف الوجوه وأبلغ المسار.

وأيضا فإنها واقعة على استحقاق ووفاء بوعد ، فيجب وقوعها على الوجه المعهود في الدنيا من الإيثار.

ولان ظواهر قوله تعالى ( كُلُوا وَاشْرَبُوا ) وأمثال ذلك تقتضي وقوع أفعالهم عن إيثار.

وأهل النار لاحقون في ذلك بأهل الجنة لأنه لا أحد فرق بين الفريقين.

٤٩٩

وقلنا : انهم ملجئون الى ترك القبيح لأنه لولا المنع منه مع كونهم متخيرين في أفعالهم لصح منهم إيثاره واستحقاق العذاب به ، والإجماع بخلاف ذلك وانما يكونون ملجئين بأحد أشياء : اما ان يفعل تعالى في قلوبهم العلم بأنهم متى راموا القبيح منعوا منه ، أو بان يغنيهم بالحسن عن القبيح فلا يبقى لهم داع اليه ، أو بان يفعل في قلوبهم العلم بأنهم متى فعلوه نزل بهم الضرر العظيم عقيب فعله.

وقلنا : ان أهل الجنة لا يهرمون ولا يمرضون ولا يحزنون ولا يخافون ولا يتنافسون ولا يتحاسدون ، لإجماع الأمة على ذلك ، ولما نص عليه تعالى في كتابه ، ولا يستبعد ذلك عارف بمثيبهم سبحانه لأنه. والمرض متولدان عن أمور يفعلها تعالى وعن. متخير في أفعاله فيصح ان لا يفعلها وإذا صح. به وكذلك القول في بقائهم ابدا لتعلقه بمقدوره. فحادثان عن أمور هي منتفية عن أهل الجنة بغير شبهة. فمتولدان عن حصول شهوات لمنازل الغير مع تعذرها.منتفى عن أهل الجنة لأنه تعالى لا يفعل لأحد من أهلها شهوة لمنزلة غيره ، وانما يفعل فيه منها بحسب ما يستحقه أو يتفضل عليه به ، وإذا لم يفعل فيهم شهوة لمنازل غيرهم مع بلوغهم أدناهم منزله إلى غاية منتهاه من النعيم العظيم لما يتألموا بفوتها.

وبمثل هذا يجاب من يقول : أخبرونا عن من ذهبت نفسه إلى منزلة لا يستحقها أو الى مناكح غيره ، لأنه إذا لم يفعل له شهوة إلا لما قد أبيح تناوله [ له ] سقطت الشبهة.

وكذلك لو قيل لنا : ماذا يكون حال المثاب ان ذهبت نفسه الى سماع المطربات من الأغاني والملاهي أو الالتذاذ ببعض المحرمات ، لكان الجواب : ان ذلك مما لا يقبح عقلا وانما قبح هاهنا لتعلقه بالتكليف ولا تكليف هناك ، فان فرضنا

٥٠٠