الكافي في الفقه

أبي الصّلاح تقيّ بن نجم الحلبي

الكافي في الفقه

المؤلف:

أبي الصّلاح تقيّ بن نجم الحلبي


المحقق: رضا الاستادي
الموضوع : الفقه
الناشر: مكتبة الإمام أمير المؤمنين عليه السلام العامّة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٤٤

فصل في التفليس

عجز الغريم عن الأداء يسقط حق المطالبة والملازمة والحبس ، ويحرم على مدينة كل من ذلك مع العلم به ، ويلزم الحاكم إذا قامت البينة عنده بذلك أو صدقة الغريم أن يمنعه من ملازمته ولا يحبسه له ، وان ادعى إعسارا وأنكر المدين وفقد البينة في الحال توقف الحاكم حتى ثبت له ما يحكم بمقتضاه فان ثبت له إعساره بعد ما حبسه أطلقه ، وإذا ثبت عند الحاكم الإعسار طالب الغارم بإقامة ضمين لمدينه يحفظ عليه ماله معجلا أو مؤجلا أو مقسطا ، فان تعذر ذلك نظر في مقدار مكسبه فألزمه بتأدية الفاضل منه عن مقدار الحاجة الى مدينة ، فان لم يكن ذا مكسب أو كان مكسبه لا فضل فيه مما يحفظ حياته فلا سبيل عليه.

ويلزم الحاكم إشهار المفلس ليعرفه الناس بذلك فلا يعامل الا من قد رضي بإسقاط دعواه عليه ، وإذا أشهره لم تسمع دعوى أحد علم بتفليسه.

وإذا وجدت عند المفلس سلعة لبعض الغرماء فهي له دون سائرهم ، وان لم يعرف صاحبها فهي بينهم.

وان كان له ملك يزيد على بيت سكناه وستر عورته وخادمه ودابة جهاده

٣٤١

أخذ الحاكم بيعه (١) في حقوق الغرماء ، فان امتنع باع عليه الحاكم وقسم الثمن بين غرمائه على قدر حقوقهم.

وإقرار المفلس بعد الحجر ماض لكونه عاقلا.

ولا يحل الدين المؤجل بالتفليس.

__________________

(١) أخذه الحاكم ببيعه.

٣٤٢

فصل في الشركة وأحكامها

الشركة جهة لإباحة التصرف ، وصحتها مختصة بالأموال المتجانسة بعد الخلط لها ، فان اختلفت قوم أحدهما بالآخر وجعل مالا واحدا. فاذا تكاملت هذه الشروط انعقدت الشركة وأوجبت لكل واحد من الشريكين من الربح بمقدار ماله ومن الوضيعة بحسبه. فان اصطلحوا في الربح على أكثر من ذلك حل تناول الزيادة بالإباحة دون عقد الشركة ، ويجوز لمبيحها الرجوع بها ما دامت عينها قائمة.

وان اشترط في عقد الشركة تفاضل في الوضيعة صحت الشركة وبطل الشرط وكان الوضيعة بحسب الأموال الا أن يتبرع أحد الشريكين على الأخر فإن كان أحد الشريكين عاملا في البضاعة فجعل له الأخر فضلا (١) والربح بإزاء عمله لم يمض الشرط وكان للعامل أجر عمله ومن الربح بحسب ماله.

وان كانا متساويين في العمل لم يكن لأحدهما أجر.

ولا يجوز لشريك أن يعمل في مال الشركة ما لم يجعله له شريكه ، فان تعدى ضمن وان لم يتعد لم يضمن.

ولا تنعقد الشركة بالأبدان في الأعمال والصنائع والاسفار ، لكون ما

__________________

(١) في الربح ، كذا في المختلف.

٣٤٣

تقع عليه الشركة غير متميز ويحل لكل منهم ما تراضيا عليه ، ويجوز الرجوع به والحكم لكل منهم بأجر عمله ، فان لم يتميز عمل كل واحد منهم قضى بينهم بالصلح.

ولا تأثير للتأجيل في عقد الشركة ، ولكل شريك مفارقة شريكه أى وقت شاء وان كانت مؤجلة.

وإذا مات أحد الشركاء بطلت الشركة ، وإذا انفسخت الشركة بموت أو غيره كان لكل شريك من عين المال والمتاع بحساب ماله ، ولا يقسم الدين ، لكن يتقاضونه جميعا فما حصل اقتسموه بحسب أموالهم.

وإذا دفع المرء الى غيره مالا ليتجر به أو متاعا ليبيعه ، وجعل له قسطا من الربح ، لم تنعقد بينهما شركة ، وانما له في الحكم أجر مثله دون ما شرطه والاولى الوفاء به ولا ضمان عليه فيما هلك أو نقص الا أن يتعدى مرسوما فيضمن.

وإذا دفع اليه مالا ليبتاع به متاعا ، فابتاعه ثم بدا لصاحب المال ، لم يكن له الا المتاع ، وللمضارب أجر مثله. وإذا عين ابتياع متاع معين فابتاع غيره فهو في ذمته ، ولذي المال ماله من غير زيادة ولا نقصان ، الا أن يرضى بالمتاع فيكون له.

والشريك المأذون له التصرف مؤتمن على مال الشركة لا يجوز تهمته ، والقول قوله الا أن يرتاب به شريكه فيحلف على قوله.

وكذا حكم المأذون له في التجارة وبيع السلع وابتياعها.

٣٤٤

فصل في ضروب الإجارة

الإجارة سبب يمنع المالك من التصرف في الملك ، ويبيحه للمستأجر ، ويوجب استحقاق الأجر له عليه ، وتفتقر إلى صحة ولايتهما وتميير المستأجر وتسليمه وتعيين الأجر والأجل والمسافة والمقدار والصفة الى غير ذلك مما تتعلق به الإجارة. فإن اختل شرط بحيث تفتقر اليه لم تنعقد ، وإذا انعقدت اقتضت استحقاق الأجر معجلا الا أن يشترط التأجيل.

وهي على ضروب :

منها اجارة الرباع والأرض ، ولا بد فيها من تعيين الأجر والمستأجر ووصفه وتحديده والأجل والتسليم ، فان منع مانع ظالم من التصرف أو هدم المسكن أو قطع الشجر أو أحرق نبات الأرض أو عزلها ( كذا ) قبل التسليم سقطت الأجرة ، وان كان بعد التسليم فالإجارة ماضية والأجرة مستحقة ، ويرجع بها على المتعدي في الدنيا أو يعوضها في الآخرة ، وان كان ذلك بفعل المستأجر فالأجرة لازمة وهو ضامن لما أفسد من بناء أو غرس ، وان كان شي‌ء من قبله تعالى لم يضمن شيئا وسقطت عند الأجرة حتى يعيد المالك الربع والأرض إلى حالتهما الاولى.

ولا يسقط الإجارة والأجر هلاك ثمرة الأرض ولا نبتها بفعله تعالى ولا فعل

٣٤٥

ظالم ، ويرجع على الظالم بالدرك عاجلا فان فات ففي الأجلة.

ولا يجوز للمستأجر أن يؤاجر ما استأجره بأكثر مما استأجره الا أن يحدث فيها ( كذا ) المستأجر شيئا.

ولا تصح اجارة ما لا يصح لمالكه التصرف فيه بحجر أو رهن أو إجارة أو غير ذلك ، ولا يجوز رهن المستأجر ويجوز بيعه وهبته والتصدق به ولا تبطل الإجارة بشي‌ء من ذلك.

وإذا غرس المستأجر أو بنى بغير إذن المؤاجر فهو غاصب يضمن ما نقص ولمؤاجره قلع ما غرس ونقض ما بنى ، وله تركه وتسليم القيمة عنه ، وان كان باذنه فله شرطه ، فان لم يشترط كان له قلع الغرس ونقض البناء ، ولا ضمان على الغارس والباني لما نقص واستدركه (١) وإذا استحقت الأرض بعد عقد الإجارة تسلمها المستحق ورجع المستأجر بما نقد على مؤاجرة.

ومنها إجارة الدابة والسفينة ، وصحتها موقوفة على بيان المدة أو المسافة فإن تعلق شرطها بحمل مقدار معلوم أو سلوك طريق مخصوص لم يجز للمستأجر تجاوزهما ، فان تعدى الشرط في المدة أو المسافة أو المقدار أو سلوك الطريق ضمن الهلاك والنقص وأجر الزائد على الشرط ، وان لم يعين مقدارا ولا طريقا ولا مدة ولا مسافة لم يضمن الا أن يتعدى المعهود في الحمل أو التسيير فيضمن ، ولا تنعقد هذه الإجارة لحمل محظور كالخمر ولا في المعونة على قبيح وكذلك حكم اجارة المسكن والوعاء والإناء في محظور.

ومنها استيجار الغير ليعمل عملا أو يحمل شيئا أو يقطع مسافة بنفسه أو دابته أو يبيع له أو يبتاع الى غير ذلك من الأغراض ، فلا بد في هذه الإجارة

__________________

(١) في بعض النسخ : واستدركه ولمؤاجره قلع ما غرس وإذا.

٣٤٦

تعيين ما انعقدت عليه ووصفه بما يبين به ويتعين (١) الأجر فإن وافق عمل المستأجر لشرط الإجارة استحق الأجر ولم يضمن نقصا ولا هلاكا الا ما جناه مفرطا أو مختارا دون ما هلك من حرزه أو غلب عليه.

فان اختلفا في هلاك ما استوجر لصلاحه كالقصارة والصياغة والنساجة ، وفقدت البينة ، فعليه اليمين بصحة دعواه.

وان خالف شرط الإجارة سقط أجره وضمن ما نقص بفعله أو تلف.

وأجر ما يبتاعه المرء لغيره أو يبيعه باذنه عليه دون من يبتاع له منه أو يبيع عليه ، وأجر الكيال ووزان البضاعة على البائع ، وأجر وزان الثمن وناقده على المبتاع.

والمضاربة خارجة عن باب الإجارة والشركة ، وإمضاء شرطها أفضل فإن تنازعا فللمضارب أجر مثله ولا ضمان عليه ما لم يتعد مأذونا فيه.

ولا يجوز استيجار العبد ولا الأمة ولا المحجور عليه لسفه أو صغر إلا بإذن الولي ، وضمان ما يفسدونه عليه ، ويجوز استيجار العبد والأمة المأذون لهما في التصرف.

ولا يجوز حبس الأجير عن الصلاة ولا الجمعة ولا العيدين ولا صلاة الكسوف ولا الجنازة المتعينة ، ويجوز منعه من الجماعة وايذانه أفضل.

وإذا سقطت الدابة بحملها ضمن مؤاجرها ما تفسده من حملها ، ولا يضمن ما يغصب عليه ، والملاح ضامن لما يغرق من المتاع بتفريطه ، ولا يضمن ما يغلب عليه بفعله تعالى أو تعدى غيره.

وأجر رد الضالة مستحق بحسب ما بذله مالكها لردها ، فان لم يبذل شيئا فأجر وجدان العبد أو الأمة أو البعير في المصر عشرة دراهم فضة ، وفي غير

__________________

(١) وتعيين.

٣٤٧

المصر أربعون درهما وما عدا ذلك يقضى فيه بالصلح.

ومنها مزارعة الأرض أو مساقاتها ، وتفتقر صحة ذين ( كذا ) الاجارتين الى تعيين المدة وصفة ما تتعلقان به.

وكل منهما على ضربين :

أحدهما أن يشترط المالك المزارع والمساقي ثلث غلة الأرض أو ما زاد على ذلك أو نقص عنه ، فيجب له ذلك مما يرتفع (١) قل أم كثر ، فان هلكت الغلة بأحد الأسباب السماوية أو الأرضية فلا شي‌ء له.

الثاني أن يجعل له على مزارعته أو مساقاته أجرا معلوما ، عينا أو ورقا ، أو مكيلا أو موزونا ، منفصلا من مقدار غلتها ، فيجب له ذلك متى وفي بشرط العقد هلكت الغلة أم سلمت.

فان خالف شرط العقد في نوعي المزارعة أو المساقاة بطل المشروط وكان له أجر عمله ان كان صلاحا ، وان كان فسادا ضمن ما أثره بتعديه.

فاذا انقضت مدة المزارعة فللمزارع قلع ما غرس أو زرع ، وتركه بإذن المالك ، وكذلك حكم (٢).

وخراج أرض المزارعة والمساقاة وحق الصلح على المالك الا أن يشترطه المزارع والمساقي فيلزمهما ، وخراج الأرض المتقبلة على المتقبل الا أن يشترطه على المالك.

ولا تبطل الإجارة بالموت ويقوم ورثة كل واحد من المالك والمستأجر مقام موروثة ، والسفر لا يبطل الإجارة وان فسخها المستأجر وحكم بها ( كذا ) حاكم جور الا أن يفسخها المالك.

__________________

(١) في بعض النسخ : مما يرفع.

(٢) كذا في النسخ.

٣٤٨

وإذا لم يشترط في عقد الإجارة تأخير الأجر أو تقسيطه فهو ( فهي خ ) عاجل لجميع المدة.

وإذا كان شرط الإجارة كل يوم أو كل جمعة أو كل شهر بقسط معلوم انعقدت الإجارة وان لم يعين أجر المدة ، واستحق أجر الزمان المذكور بالدخول فيه ، ويجوز الفسخ بخروجه ما لم يدخل في الثاني ولا تجوز الإجارة لمدة قبل دخول ابتدائها لافتقار صحتها الى التسليم.

ولا تصح الإجارة بغير أجر معلوم من سكنى بسكنى ، أو عمل بعمل ، أو خدمة بخدمة ، أو على نظر في كتاب ، أو اطراق فحل ، الى غير ذلك ، ويحل لكل من هؤلاء التصرف للتراضي دون عقد الإجارة المفتقر الى تعيين (١) الأجر.

__________________

(١) في بعض النسخ : تعين.

٣٤٩

فصل في اللقطة

اللقطة على وجهين : أحدهما يحرم التقاطه والثاني يحل وتركه أولى.

فالأول الإداوة والقربة وغيرهما من أوعية الماء ، والحذاء ، والسوط ، والشاة والبقرة والحمار في الأرض ذات الكلاء والماء ، والبعير على كل حال.

والثاني ما عدا ذلك ، وهو على ضربين :

أحدهما يصح التصرف فيه من غير تعريف ، وهو على ضربين : مضمون وغير مضمون ، فالمضمون ما يخاف فساده بالتعريف مما تزيد قيمته على درهم كالأطعمة ، وغير المضمون ما نقصت قيمته عن درهم من جميع اللقطة ، وما يوجد في الملك المتوارث والمباح والدارس في الديار المجهولة (١) من الكنوز وشبهها.

والثاني يجب تعريفه وضمانه وهو على ضروب : منها أن يكون مما يصح بقاؤه ولا يفسد بطول المكث (٢) كالذهب والفضة وسائر العروض ، فيجب تعريفه سنة كاملة في أيام الجمع والأعياد والمواسم والأسواق ، فإن جاء صاحبه

__________________

(١) في بعض النسخ : المهجورة المجهولة.

(٢) في بعض النسخ هكذا : بطول المكث والوسم.

٣٥٠

رده عليه والا فلاقطه بالخيار بين أن يتصرف فيه ويضمن المثل دون الربح ، أو يتصدق به عن صاحبه ، أو يعزله انتظارا للتمكن منه وهو أحوط الأمرين.

فإن هلك في مدة التعريف من غير تعد فلا ضمان عليه ، وان كان هلاكه لتعد أو بعد ما تصرف فيه من غير تعريف فهو ضامن.

وإذا حضر صاحب اللقطة وقد تصرف فيها الملتقط فعليه رد مثلها أو قيمتها ان كان تصرفه بعد التعريف ، وان كان قبله رد معها ما أفادت من ربح فان كان قد تصدق بها فهو بالخيار بين إمضاء الصدقة وله ثوابها وبين الرجوع عليه بها ويكون ثواب الصدقة له دونه.

فان كانت اللقطة حيوانا عرفها ثلاثا فان جاء صاحبها ، والا رفع خبرها الى سلطان الإسلام لينفق عليها من بيت المال ، فان تعذر ذلك فهو بالخيار بين الإنفاق عليها متبرعا أو محتسبا على صاحبها وبين بيعها وعزل ثمنها لصاحبها.

وإذا ملك الطائر جناحه فهو حل لمن صاده من غير تعريف.

ومن وجد شيئا في دار انتقلت اليه من غيره ببيع أو غيره فعليه تعريفه منه فان عرفه رده عليه والا تصرف فيه.

ومن وجد شيئا في داره (١) أو صندوقه أو بيته لا يعرفه وكان هناك متصرف غيره في الدار أو البيت أو الصندوق عرفه منه فان عرفه أعطاه والا تصرف فيه ، وان كان التصرف مختصا به فهو له.

وإذا سيب المرء دابته لجهدها في أرض لا كلاء فيها ، فهي لمن التقطها وان كانت في أرض ذات ماء وكلاء فهي لا يحل التقاطها على ما سلف بيانه وحكمه (٢).

ولقطة العبد والأمة متعلق بالمالك ، وما يلتقطه المحجور عليه لوليه.

__________________

(١) كان في النسخ : في ذلك ، والظاهر ما أثبتناه.

(٢) كذا في بعض النسخ ، وفي بعضها الأخر : وحكم لقطة العبد.

٣٥١

فصل في عقد البيع وشروط صحته وأحكامه

البيع عقد يقتضي استحقاق التصرف في المبيع والثمن وتسليمهما ، وتفتقر صحته الى شروط ثمانية : صحة الولاية في المبيعين ، وتعيينهما بالصفة أو المبلغ أو بهما ، وتعيين الأجل في المؤجل ، وإمكان التسليم ، وقول يقتضي إيجابا من البائع وقبولا من المبتاع ، وافتراق عن مجلس العقد بالأبدان ، وحصول ذلك عن إيثار ، ووقوعه على أمر يسوغ.

واعتبرنا صحة الولاية لتأثير حصولها بثبوت الملك أو الاذن وصحة الرأي ( كذا ) في صحة العقد وعدم ذلك في فساده.

واعتبرنا التعيين بالوصف أو المقدار لفساد العقد على المجهول.

واعتبرنا تعيين الأجل لفساده مؤجلا بما لا يتحدد.

واعتبرنا إمكان التسليم لفساد بيع ما لا يمكن تسليمه كالطير في الجو والسمك في الماء وأمثال ذلك من بيع الغرر.

واشترطنا الإيجاب والقبول لخروجه من دونهما عن حكم البيع.

واعتبرنا الافتراق بالأبدان لوقوف مضيه عليه.

واعتبرنا الإيثار لفساد بيع الإكراه.

واعتبرنا وقوعه على الوجه المشروع احترازا من بيع المحرم أو ابتياعه

٣٥٢

بالمحرم (١) والمحلل وعقود الربا والعقود الفاسدة.

فإن اختل شرط من هذه لم ينعقد البيع ولم يستحق التسليم ، وان جاز التصرف مع اختلال بعضها للراضى (٢) دون عقد البيع ، ويصح معه الرجوع.

وإذا تكاملت الشروط صح العقد وان لم يتقابضا ، واقتضت صحته تسليم المبيع في الحال ان كان العقد مطلقا من التأجيل ، فان امتنع البائع من تسليم المبيع حتى هلك فهو من ماله ويرد ما قبضه من الثمن ، وان امتنع المبتاع من قبض المبيع أو رضي بتركه عند البائع فهلاكه من ماله ، فان شفع ( كذا ) إلى البائع في إنظاره بالثمن وقتا معينا فأجابه فهو من ماله دون البائع.

وان لم يعين وقتا فعلى البائع الصبر عليه ثلاثا ثم هو بالخيار بعدهن بين الفسخ ومطالبة الثمن ، فان هلك المبيع في مدة الثلاثة الأيام فهو من مال المبتاع وبعدهن من مال البائع.

وان اقترن بالعقد شرط الخيار فالعقد صحيح ولمشرط ( كذا ) الخيار في مدته فان لم يعين مدة فله الخيار ثلاثة أيام حسب.

والخيار في جميع الحيوان ثلاثة أيام ، اشترط أو لم يشترط ، وفي الأمة مدة استبرائها ، فإن هلك المبيع في مدة الخيار فهو من مال البائع الا أن يحدث المبتاع فيه حدثا يدل على الرضا ، فيبطل الخيار ويكون هلاكه من ماله.

وإذا تصرف مستحق الخيار في المبيع بغير اذن البائع بطل حكم الخيار.

وإذا وقع العقد بشرط حكم البائع أو المبتاع في الثمن فالعقد فاسد ، وان تراضيا فحكم المبتاع بالقيمة فما فوقها أو حكم البائع بالقيمة فما دونها مضى ما حكما به ، وان حكم المبتاع بأقل والبائع بأكثر منها لم يمض حكمهما.

__________________

(١) في بعض النسخ : بالمحرم أو المحلل.

(٢) للتراضي.

٣٥٣

وإذا اقترن العقد باستثناء لبعض ما تناوله معينا كالشاة الا رأسها أو جلدها أو ربعها ( كذا ) ، والشجر الا الشجرة الفلانية مضى العقد فيما عدا المستثنى ، وان كان مجهولا فالبيع فاسد.

وإذا اشترط البائع أو المبتاع في العقد شيئا معلوما يمكن تسليمه كبيع ثوب على أن يخيطه أو يصبغه ، أو غزل على أن ينسجه ، أو جلد على أن يعلمه حقا (١) أو شرط عليه صفة مخصوصة طول كذا أو عرض كذا أو سلك كذا ، أو شرط ان يبيعه شيئا أو يبتاع منه أو يسلفه أو يستسلف منه فالعقد ماض والشرط ثابت.

وان شرط ما لا يمكن تسليمه كالرطب على أن يصير تمرا ، والحصرم على أن يصير زبيبا أو عنبا ، والزرع على أن يسنبل ، وكثوب من غزل امرأة بعينها ، أو حنطة من أرض بعينها ، وزيت من شجر معين فالعقد فاسد.

وان وقع العقد على ما تصح فيه الولاية وما لا يصح ، فالبيع ماض فيما يصح بيعه وفاسد فيما لا يصح ذلك فيه.

ومن شرط صحة بيع الحاضر اعتبار حال ما يمكن اعتباره ومعرفة مقداره بكيل أو وزن أو عدا أو ذرع أو شم أو ذوق أو مشاهدة وتقليب ، ولا يصح من دون ذلك ، وان تعذر الاختبار الا بالفساد كالبيض والجوز والبطيخ وأشباه ذلك فالبيع ماض بشرط الصحة أو البراء من العيوب ، فان خرج ما لم يبرء اليه منه معيبا فله رد الجميع أو أرش المعيب أو الرضا به ، دون رد المعيب (٢) خاصة

وان كان المبيع (٣) غائبا أو مشدودا في وعاء جاز بيعه موصوفا بما يختصه ، فان وجد على الصفة فالبيع ماض ، وان خالفها فالعقد فاسد.

__________________

(١) يعمله خفا. ظ.

(٢) في بعض النسخ : العيب.

(٣) في النسخ : المعيب ، والظاهر ما أثبتناه.

٣٥٤

ويصح بيع الحيوان والثمار والعقار والأرضين موصوفا بشرط خيار الرؤية ويصح بيع ما استحق تسليمه قبل قبضه وينوب قبض الثاني عن الأول.

وإذا انعقد البيع ولم يتقابضا واختلفا في مقدار المبيع أو الثمن وفقدت البينة لزم كلا منهما ما أقر به وحلف على ما أنكره ، وفسخ البيع أولى.

ومن ابتاع شيئا بثمن معلوم غير متعين فنقده من مال حرام فالبيع ماض والمبيع مستحق ، وتصرفه في المال قبيح ، ولا يحل للبائع مع العلم به قبضه ، وان علم به بعد قبضه فعليه رده ومطالبته بثمن مبيعه من مال حل ، وان وقع العقد على عين المال المحرم فهو فاسد ، وكذلك القول في المبيع المحرم وإذا وقع العقد فاسدا على وجهه (١) يحرم معه التصرف حكم بفسخه والرجوع (٢) على كل منهما بما قبض ، وان كان مع كون العقد فاسدا مما يصح التصرف فيه للتراضي فلكل منهما الرجوع بعين ما رضي بتسليمه خاصة ، فإن هلكت العين في يد أحدهما لم يصح الرجوع.

وإذا وقع العقد على متاع متعين فلم يقبضه المبتاع حتى هلك بعضه أو حدث فيه عيب فهو بالخيار بين رد الجميع ، وبين قبض السليم واسترجاع ثمن الهالك بحساب البيع ، وبين مطالبته بقيمة يوم طالبه فامتنع من التسليم وبين أرش المعيب.

فان هلك جملة المبيع لم يكن له الا ما نقد من الثمن. فان كان لتعد من البائع أو لمنع واجب فالمبتاع بالخيار بين المطالبة بما نقد ، وبين قيمة يوم استحق تسليمه. فان كان تأخيره من قبل المبتاع فهلاكه ونقصه من ماله.

__________________

(١) على وجه.

(٢) كذا في بعض النسخ.

٣٥٥

ولا يصح البيع على من لا يولي على مثله إلا باذنه ، وسكوته ليس بإذن يعتد به.

ولا يصح بيع الثمار سنة واحدة حتى يبدو صلاحها ، ويجوز ذلك سنتين فما زاد ، ولا يجوز بيع الثمرة في رءوس الشجر بكيل ولا وزن منها ، ولا بيع الزرع بكيل ولا وزن ، ويصح ذلك بالعين والورق ، ولا يجوز بيع الصوف على ظهر الغنم ولا اللبن في ضروع الانعام ، ويجوز ذلك أرطالا مسماة ، ويجوز أن يستثني البائع من الثمرة أرطالا مسماة.

ومن باع نخلا قد وبر أو شجرا قد أثمر أو أرضا فيها زرع أو نبات ، فحمل النخل والشجر والزرع والنبات خارج عن البيع الا أن يشترطه المبتاع.

ولا يصح أن يبتاع المرء من تحرم عليه مناكحته من ذوي نسبه ومتى يفعل يعتقوا عليه عند مضى عقد ابتياعهم.

ومن ابتاع أمة حاملا أو حيوانا حاملا فحمله خارج عن البيع (١) ، ولا يصح بيع الآبق الا أن يكون معه شي‌ء آخر ، ومن ابتاع عبدا أو أمة ومعه مال فهو للبائع الا أن يشترطه في عقد البيع فيكون له ، وكذلك حكم ما يصاحب مبيع (٢) سائر الحيوان من الأداة والدثار ( الآثار ـ خ ).

ويجوز ابتياع ما سباه الظالمون من الرقيق ويحل وطؤه بملك اليمين.

وإذا ابتاع رقيقا من سوق المسلمين فادعى الحرية لم تسمع دعواه ، الا أن تقوم بينة فيفسخ العقد ويرجع بالدرك.

ومطلق العقد يقتضي التعجيل في المبيعين ، والتأجيل موقوف على الاشتراط

__________________

(١) المبيع.

(٢) مع. ظ.

٣٥٦

وهو مختص بمبيع العين والورق ، وتحديد الأجل بزمان معين ، ومضى (١) العقد يقتضي تسليم المعجل منهما وتأخير المؤجل وتسليمه عند حلول أجله سواء كان التأجيل مشروطا في المبيع أو الثمن ، وإذا حل الأجل ولم يكن عنده عين ما عقد عليه فعليه إحضاره ، ويصح اقامة العوض عنه من غير جنسه ، ولا يجوز له ابتياعه من مستحقه عليه بمثل ما باعه منه في الجنس ولا بزيادة عليه نقدا ولا نسية ولا نقله الى سلف آخر ، ويجوز له ابتياعه بغير ما قبضه منه نقدا ، ويجوز تقديم المؤخر عن أجله بشرط النقص منه ، ولا يجوز تأخيره عنه بشرط الزيادة فيه.

وتعلق البيع بأجلين إلى مدة كذا بكذا أو الى ما زاد عليها بكذا ، وبأجل واحد غير محدود كقدوم الحاج وقدوم القافلة وبلوغ الغلات يقتضي فساده. ودخول التأجيل في بيع العروض بعض ببعض والعين بالعين والورق بالورق والورق بالعين وسائر ما يكال ويوزن يقتضي فساد العقد وتحريم التصرف لكونه ربا.

ولا يجوز التفاضل بين متماثل ما يكال ويوزن وان اختلفت عليه الأسماء كاللبن والسمن والجبن ، والعنب والزبيب ، والرطب والتمر والبسر ، والحنطة والدقيق والخبز ، كالذهب بالذهب والفضة بالفضة والنحاس بالنحاس والحنطة بالحنطة أو الشعير والأرز بالارز والزيت بالزيت وأشباه ذلك ، ويجوز بين مختلفيه كالعين بالورق والحنطة بالذرة وأمثال ذلك ، وكذلك حكم العروض والحيوان ، بيع الفاضل جائز فيه سواء اتفق الجنس أم اختلف كثوب بثوبين ودار بدارين وفرس بفرسين.

ولا يجوز بيع ما يكال ويوزن في غير السلم الا يد بيد ، ويجوز في غيرهما

__________________

(١) مقتضى.

٣٥٧

من سائر المبيعات بالعين والورق تأخير تسليم المبيع أو الثمن.

ولا يجوز لمن أسلم في متاع إلى أجل أن يبيعه من مستسلمه ولا غيره قبل حلول أجله ، فإذا حل جاز بيعه منه بمثل ما نقد وأكثر منه من غير جنسه ، ومن غير المستسلم بمثل ذلك وأكثر من ذلك من جنسه وغيره.

ومقتضى العقد المطلق يوجب تسليم المبيع صحيحا والثمن جيدا فان ظهر عيب وأحدهما (١) فللمبتاع الرد والأرش ، فإن كان العيب في بعض المبيع فله أرشه أو رد الجميع وليس له رد المعيب خاصة ، وان كان العيب ببعض الثمن أو جميعه فللبائع بدل الردى ، وليس له الفسخ.

وإذا بري‌ء أحدهما من العيوب إلى الأخر فلا درك يلزمه لما يوجد من عيب ، وتعيين العيوب في بيع البر (٢) أحوط.

وإذا علم البائع بالعيب في النقد ورضي به لم يكن له يد (٣) منه ، وإذا علم المبتاع بالعيب في المبيع جاز له أن يمضي البيع ويطلب الأرش ، ولا يكون تصرفه دلالة الرضا بالعيب ، وانما هو دلالة الرضا بالبيع ، وإذا رضي بالبيع والعيب لم يكن له رد ولا أرش.

وحكم الحيوان في العيوب حكم العروض ، ويرد العبد والأمة بالجنون والجذام والبرص إلى مدة سنة ، فان وطئ الأمة لم يجز ردها بشي‌ء من العيوب وله الأرش إلا الحبل فإنها ترد بعد الوطء ويرد معها عشر قيمتها ، فان كان الوطؤ بعد علمه بالحمل ورضاه بالبيع لم يكن له رد وله الأرش.

ويجوز ابتياع أبعاض الحيوان كسائر العروض وإذا ابتاع اثنان أو أكثر من ذلك حيوانا أو متاعا فظهر به عيب فأراد أحدهما الرد والأخر الأرش

__________________

(١) في أحدهما. ظ.

(٢) البرء.

(٣) بدل. ظ.

٣٥٨

لم يكن لهما إلا أحد الأمرين.

وبيع المرابحة مفتقر الى ثبوت العقد وتعيين ما وقع عليه من الثمن بصفته وتعليق الربح بعين المبيع دون ثمنه ، فان كان العقد بعين لم يجز له أن يخبر بورق وان نقد ورقا ، وان كان بورق لم يجز له ان يخبر بعين وان كان ما نقده عينا ، وإذا قوم التاجر المتاع على الواسطة ان كان بيعا منجزا جاز له تخبير (١) الشرى وان كان موقوفا لم يجز له تخبير (٢) الشرى.

ولا يجوز بيع المرابحة بالنسبة إلى الثمن كقوله : أربح عليك في كل عشرة دراهم من ثمنه درهما أو درهمين ، وانما يصح بيع المرابحة بأن يخبر بجملة الثمن ويربح في عين (٣) المبيع. ومن ابتاع متاعا بثمن مؤجل لم يجز بيعه مرابحة حتى يبين كيفية ما وقع العقد به.

ومن حفر بئرا أو قناتا أو نهرا أو كان شريكا في شي‌ء من ذلك جاز له بيع ما يستحقه منه وبعضه كسائر المملوكات ، وكذلك حكم ما يتناوله من الماء المباح وغيره ، لأنه بالحيازة صار ملكا. ويصح بيع ما تنبته أرضه من الكلاء واباحة الغير التصرف فيه بنفسه أو أنعامه كل شهر أو كل سنة بشي‌ء معلوم.

ويصح بيع ما ليس عند البائع ويلزم بعد مضي العقد إحضاره.

ومن ابتاع غصبا يعلمه كذلك فعليه رده الى المالك ولا درك له على الغاصب ، وان لم يعلمه فللمالك انتزاعه منه ويرجع هو بالدرك على من باع ، فان هلك قبل ثبوت استحقاقه رجع على الغاصب بقيمته ، وان كان المغصوب أرضا أو دارا فبنى المبتاع فيها أو غرس فله أعيان ما وقع البناء به من الآلات ونفس

__________________

(١) تخيير.

(٢) تخيير.

(٣) في المختلف : في غير المبيع.

٣٥٩

الغرس ، فان كان ذلك من جملة المغصوب لم يرجع على المالك بشي‌ء منه ، ويرجع على الغاصب بما لزمه من غرامة البناء والغرس وثمن المبيع ان كان جاهلا بالغصب ، وان كان عالما لم يرجع بشي‌ء ، وعليه أجر المسكن والأرض لمدة تصرفه وما نقص بالبناء والغرس من قيمة المسكن والأرض.

ومن قال لغيره : ابتع لي متاعا أو حيوانا على أن أربحك فيه كذا وأرضيك في الربح فابتاع ما سأله فيه لم ينعقد بينهما بيع ، وكان له بيعه منه بما شرطه وهو أفضله وبيعه من غيره.

ويكره لمن سأله غيره ان يبتاع له متاعا أن يبيعه من عنده ، أو يبتاع منه ما سأله بيعه له ، وليس بمحرم.

ويكره تلقى الركبان لابتياع ما يجلبونه الى المصر خارج المصر إلى مسافة أربعة فراسخ فما دونها ، ولا تلقى فيما زاد عليها ، وليس بمحرم.

ولا يحل لأحد أن يحتكر شيئا من أقوات الناس مع الحاجة الظاهرة إليها ، وإذا فعل خوطب ( كذا ) في إخراجها إلى أسواق المسلمين ، فان امتنع اكره على ذلك ، وان كانت الغلاة كثيرة جاز حرسها (١) رجاء للربح فيها وان كان الاولى تجنب ذلك.

ويكره احتكار ما عدا الأقوات من المطعومات.

ويستحب لذوي الأقوات في زمان القحط إخراجها إلى أسواق المسلمين ومشاركتهم في الاقتيات مما يقتاتونه.

__________________

(١) كذا في بعض النسخ ، وفي بعضها الأخر : خزنها ، وفي بعضها : حرثها.

٣٦٠