الكافي في الفقه

أبي الصّلاح تقيّ بن نجم الحلبي

الكافي في الفقه

المؤلف:

أبي الصّلاح تقيّ بن نجم الحلبي


المحقق: رضا الاستادي
الموضوع : الفقه
الناشر: مكتبة الإمام أمير المؤمنين عليه السلام العامّة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٤٤

في أجواف غيره من السمك.

فان تعمد توجيهها الى غير القبلة ، أو ترك التسمية فهي ميتة ، وان كان ساهيا فهي ذكية.

وتصح ذكاة المرأة المسلمة وولد المسلم المراهق ، والذكاة بالحديد مع إمكانه ، وبما يقوم مقامه في (١) النحر وفرى الأوداج عند تعذره.

ويؤكل ما يوجد في ضروع ميتة الانعام وأمثالها من الوحش من اللبن ، وما في أجواف ميتة الطير من البيض ذي القشر دون المائع.

ويجوز الانتفاع من ميتة ما تقع عليه الذكاة بالشعر والصوف والوبر والقرن والظلف والخف والمخلب والسن واللبن والانفحة والريش.

وإذا وجد لحم لا تعلم ذكاته طرح على النار ، فان تقلص واجتمع فهو ذكي ، وان انبسط فهو ميتة ، ويعتبر ذكي السمك من ميتته بطرحه في الماء فان رسب فهو ذكي وان طفا فهو ميتة.

__________________

(١) في بعض النسخ : من النحر.

٣٢١

الضرب الرابع من الأحكام

لا يصح التصرف فيما عدا الملك والمباح إلا بإذن المالك أو نحلة أو منحة أو صدقة أو هدية أو عارية أو قرض أو شركة أو إجارة أو لقطة أو بيع أو قيمة متلف أو أرش جناية أو دية نفس أو عضو أو غنيمة أو وصية أو سكنى أو رقبى أو عمرى أو ميراث ، ولكل حكم.

فصل في الاذن

اذن المالك بالقول أو ما يقوم مقامه من العالم بالقصد وجه مبيح للتصرف ، واباحة القديم تعالى عابري السبيل الانتفاع بما ينبته الحرث من الخضر والثمار والزرع من غير حمل ولا فساد ينوب مناب اذن المالك في حسن التصرف.

فصل في النحلة

النحلة وجه لإباحة التصرف في المنحول ويعبر عنها بالهبة ، وتفتقر صحة تملكها الى قبض المنحول أو وليه فيما يصح قبضه ورفع الحظر عما لا يصح قبضه ، والقبول له ، وهي على ضربين : مقصود بها وجه الله تعالى ومقصود بها التكرم (١)

__________________

(١) في بعض النسخ : المتكرم.

٣٢٢

أو التقرب الى المنحول.

القسم الأول مختص بمن يصح التقرب بصلته من أهل الايمان وذوي الأرحام دون الأجانب من الكفار والفساق المعلنين ، وإذا قبضت لم يجز الرجوع فيها ولا التعوض عنها.

القسم الثاني على ضربين : لذي رحم وأجنبي ، فنحلة ذي الرحم مملوكة بالقبض أو ما يقوم مقامه من قبض الولي ، وإذا كان الموهوب له في حجر الواهب فإمضاؤه لها وعزلها ورفع الحظر عنها ينوب مناب قبضه أو غيره من الأولياء ولا يجوز للواهب الرجوع فيها على حال.

ونحلة الأجنبي معتاض عنها وغير معتاض ، فالمعتاض عنها لا يجوز الرجوع فيه على وجه ، وغير المعتاض منه ( كذا ) على ضربين : قائم العين ومستهلك ، فالقائم العين يصح الرجوع فيه ، والمستهلك لا يصح الرجوع فيه.

فصل في المنحة

المنحة جهة لإطلاق الانتفاع بالممنوح ، وصفتها أن يمنح المرء غيره الشاة أو البقرة أو الناقة يحلبها مدة معلومة ، فإن قصد بذلك وجه الله تعالى مع من يصح التقرب اليه سبحانه بمعونته فعليه الوفاء بالمدة ، وان كان لغير ذلك فله الرجوع أى وقت شاء ، والوفاء أفضل.

فإن هلكت المنحة أو نقصت من غير تعد (١) من الممنوح ولا تفريط لم يضمن ، وان تعدى أو فرط ضمن قيمة هلاكها وأرش نقصانها.

__________________

(١) في النسخ : من غير فعل.

٣٢٣

فصل في الصدقة

الصدقة وجه لتحريم التصرف على المتصدق وإباحته للمتصدق عليه ، وانما يكون كذلك بأن يقع بما يصح التصرف فيه بملك أو اذن ، على من تصح القربة فيه ، بشرط القبض أو ما يقوم مقامه ، وإيقاعها للوجه الذي له شرعت ، مخلصا بها لله تعالى.

فاذا تكاملت هذه الشروط فهي صدقة ماضية لا يجوز الرجوع فيها ، وان اختل شرط فهي على ملك المتصدق.

وهي على ضربين : أحدهما يقتضي تمليك الرقبة والثاني إباحة المنافع.

فالأول أن يتصدق المرء بما يصح تصرفه من الاعراض والأموال أو الحيوان أو الرباع أو الأرض قاصدا الى تمليك الرقبة من غير شرط ، فتقبض أو يرتفع الحظر ويقبل فيخرج عن ملك المتصدق الى ملك المتصدق عليه ان شاء أمسك وان شاء باع أو وهب.

والثاني على ضربين : مشترط ومؤبد.

والمشترط على ضروب :

منها أن يتصدق بمنافع داره أو أرضه أو رقيقه أو دابته على شخص معين مدة معلومة ثم ذلك راجع الى ملكه أو الى جهة من الجهات ، فهي

٣٢٤

على شروطها.

أو يتصدق على أقاربه أو غيرهم بذلك مطلقا ويجعل إليهم بيع الرقبة عند الحاجة أو عند خرابها بالصدقة دون حالتي الغنا وعمارتها.

أو يتصدق بمنافع الدار والأرض على قوم بشرط ان لا يفسقوا في الجملة ، أو فسقا مخصوصا ، أو ينتقلوا عن بلد ، أو مذهب ، فمتى اختل الشرط رجعت الصدقة ملكا ، أو انتقلت إلى جهة غير ذلك (١) من وجوه الاشتراط ، فالحكم إيقاف الصدقة على ما شرط المتصدق.

والمؤبد أن يحبس الرقبة ويجعل منافعها لموجود معين من نسله أو غيرهم من الأقارب أو الأجانب وعلى من يتجدد من ولده وولد ولده أبدا ما تناسلوا أو الى غاية معلومة فإذا انقرضوا أو انتهوا إلى الغاية فذلك راجع الى بنى علي أو حسين أو جعفر عليهم‌السلام أو الى جهة من أبواب البر.

ويشترط ما شاء من مساواة في المنافع بين أهلها ، أو تفضيل بعض على بعض ، أو ترتيب الأعلى على الأدنى أو تساويهم. ويؤبدها ويحرم بيعها ونقلها عن جهاتها وتغيير شروطها.

فاذا وقعت الصدقة على هذا الوجه وجب إمضاؤها على شروطها ، وحرم تغيير شي‌ء منها.

وإذا تصدق على أحد الوجوه المذكورة وأشهد على نفسه بذلك ومات قبل التسليم فكانت الصدقة على مسجد أو مصلحة فهي ماضية ، وان كانت على من يصح قبضه أو وليه فهي وصية يحكم فيها بأحكام الوصايا.

وإذا تصدق على من لم يوجد فقال : هذه الدار أو القربة أو الأرض على من يولد لي أو لفلان لم تمض الصدقة ، وان تعلقت بموجود وبمن لم يوجد

__________________

(١) الى غير ذلك. ظ.

٣٢٥

كقوله : « على فلان ـ وهو حي ـ وعلى ولده من بعده » مضت الصدقة.

ولا يحل لمسلم محق أن يتصدق على مخالف للإسلام أو معاند للحق الا أن تكون ذا رحم ، ولا يوقف على شي‌ء من مصالحهم ، ولا على بيعة ولا على كنيسة ولا بيت نار الى غير ذلك من معابد الضلال ومجامعهم ، فان فعل لم يمض فعله ووجب على الناظر في مصالح الدين فسخه (١).

ويجوز لأهل النحل الفاسدة من اليهود والنصارى والمجبرة والمشبهة وغيرهم أن يتصدق بعضهم على بعض وعلى مصالحهم وبيوت عباداتهم.

وإذا اقتضى شرط صدقة المسلم المحق مصيرها الى من لا يجوز القربة بصلته ، أو تغيرت حال أهلها أو بعضهم عن صفة من تحل معها بشرط (٢) الصدقة أو حكم الملة صلته بطل استحقاقه وصار حكمه حكم الميت.

وإذا تصدق على الإطلاق ، أو حبس شيئا على ولده ولم يخص بالذكر درجة من درجة ، ولا ذكرا من أنثى ، فهي على جميع ولد الصلب وولدهم وان سفلوا ، ذكرانهم وإناثهم بينهم بالسوية ، لدخول الكل تحت اسم الولادة والبنوة لغة وشرعا ، وان خص بعضا من بعض ، أو رتبهم فهي على ما شرط.

وان تصدق على جيرانه ولا يعين ولا علم قصده (٣) فهي على من يلي داره من جميع الجهات إلى أربعين ذراعا.

وان عرف أهل الصدقة بأب كعلي أو الحسن أو عباس أو ربيعة أو قرارة ( كذا ) أو حمير ، أو بلد كمصر أو بغداد ، أو محلة كالكرخ وباب الطاق ، أو صناعة

__________________

(١) في بعض النسخ : نسخه.

(٢) كذا في النسخ.

(٣) في بعض النسخ : ولا علم قصده فهي من بعض أو رتبهم من يلي داره ، والظاهر ما أثبتناه.

٣٢٦

كالنجارة (١) ، أو مذهب كالإمامية أو الزيدية ، أو طريقة كالعدالة ، أو حفظ القرآن ، أو العلم بشي‌ء مخصوص ، أو ملازمة مشهد أو مسجد أو عبادة متميزة ، وجب صرف صدقته الى من تسوغ في الملة معونته من جميع جيرانه وبنى الأب وأهل المصر والمحلة وأرباب الصناعة ومنتحلي المذهب وذوي الطريقة والمحاورة المنسوب إليها الموجودين من الذكور والإناث بالسوية ، الا أن يخص بعضا من بعض ، أو يفضل بعضا على بعض ، فيعمل فيها بموجب شرطه.

وإذا تصدق على قومه أو عشيرته عمل بالمعلوم من قصده ، فان لم يعرف مقصوده عمل بعرف قومه في ذلك الإطلاق وصرفت الصدقة الى من يصح ذلك فيه منهم.

وإذا تصدق على أهل الخمس والزكاة فهي لمن بيناه من المستحقين لذلك من أهل بلده الا أن يشترط صرفها الى غيرهم أو مشاركتهم فيعمل لمقتضى (٢) شرطه.

__________________

(١) كالتجارة.

(٢) بمقتضى. ظ.

٣٢٧

فصل في الهدية

من وكيد السنة وكريم الأخلاق الإهداء.

وقبول الهدية على ضروب ثلاثة :

أحدها أن يدعو إليها داعي الولاية الدينية فيقصد بها وجهها قربة اليه سبحانه ، فيلزم في السنة قبولها ، ويخرج بالقبول عن يد المهدى ويحرم الرجوع فيها والتعوض عنها ، وان لم يقبلها خالف السنة ، وللمهدي التصرف فيها وان كان قد فصلها عن ماله وليست كالصدقة.

وثانيها أن يدعو إليها داعي المودة الدنيوية والتكرم ، فيحس قبولها إذا عريت من وجوه القبح ، ويقبح القبول مع ثبوته ، ويخرج بالقبول عن يد المهدى وله الرجوع فيها ما لم يتصرف فيها من أهديت اليه ، وإمضاؤها أفضل ، ولا تجب المكافاة عليها ، وفعلها أفضل.

وثالثها ان تدعو إليها الرغبة في العوض عنها ، وهي مختصة بهدية الأدنى للأعلى في الدنيا ، فهو مخير في قبولها وردها ، فان قبلها لزمه العوض عنها بمثلها ، والزيادة أفضل ، ولا يجوز له التصرف فيها ولما يعوض عنها أو يعزم على ذلك ، وإذا عوض عنها وقبل المهدى العوض لم يكن له الرجوع فيها وان كان دونها ، وان لم يقبل العوض فله الرجوع فيها ما دامت عينها

٣٢٨

قائمة وان بذل له زيادة عليها ، فان تصرف فيها فعليه قيمتها الا أن يتبرع بالفضل.

فصل في العارية

العارية وجه يحسن التصرف وهو على ضربين : مضمونة ، وغير مضمونة ، فالمضمونة العين والورق على كل حال ، وما عداهما من الأعيان بشرط التضمين أو التعدي ، فمتى هلكت أو نقصت والحال هذه فعلى المستعير ضمان مثل ما هلك من المال وقيمة ما تلف من الأعيان وأرش ما نقص.

فاذا اختلفا في التضمين والتعدي فعلى المالك البينة ، وعلى المستعير اليمين ، وله ردها مع دعوى التضمين عليه ، وأيهما حلف حكم بمقتضى يمينه.

وان اختلفا في مبلغها أو قيمتها أخذ ما أقربه المستعير ، ووقف ما زاد عليه على بينة أو يمين المستعير ( كذا ).

وما ليس بمضمون من العواري ما عدا ما ذكرناه من العين والورق والمضمن والمعتدى فيه من العواري المطلقة من التضمين العرية من التعدي والتفريط ، وما هذه حاله لا يلزم المستعير فيه قيمة ولا أرش.

٣٢٩

فصل في القرض والدين وأحكامهما

القرض أو تأخير الحق ( كذا ) سبب لإباحة التصرف في ملك الغير ، وكل منهما في حق المالك إحسان وفي حق الغير مكروه مع الغنا عنه ، محرم مع فقد القدرة على قضائه وعدم الضرورة اليه ، وأخذ الزكاة مع الحاجة إليه أولى منه ، فان لم يجدها المحتاج فالقرض أفضل من الطلب بالكف ، وليقتصر على ما يحفظ الحياة ، ولينو أداءه في أول أحوال التمكن منه ، ويقتصد (١) في الإنفاق مما يكتسبه على البلغة ويعزل ما فضل لمدينه.

ويكره للمدين المطالبة بالدين مع الغنا عنه وظن حاجة الغريم الى التوسع به ، ولا يحل له ذلك مع العلم أو الظن بعجز الغريم عن أدائه ، ويلزم النظرة إلى حين التمكن منه. وله الاحتساب به من الزكاة إذا كان الغريم من أهلها.

وان كان مخالفا للحق أو منفقا ما استدانه في حرام فله حبسه (٢).

وإذا ألح المدين على غريمه بالمطالبة وأحضره مجلس الحكم فخاف من الإقرار الحبس ، فله الإنكار واليمين عليه والتورية فيها بما تخرج به عن

__________________

(١) ويقتصر. ظ.

(٢) في بعض النسخ ، فله حسابه.

٣٣٠

الكذب ، بشرط العزم على قضائه متى تمكن ، وأعلامه بذلك قبل اليمين وبعدها ، وعليه متى تمكن ، الخروج اليه مما احلف عليه.

ويكره للمدين النزول على غريمه وقبول هديته لأجل الدين ، ويحرم ذلك عليه مشترطا في حال الإدانة ، والنزول عليه أكثر من ثلاث على كل حال.

ولا يجوز بيع المسكن والغلام وستر العورة ودابة الجهاد في الدين ، ويباع ما عدا ذلك.

ولا تحل مطالبة الغريم في الحرم ومسجد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ومشاهد الأئمة صلوات الله عليهم.

ويلزم الزوج قضاء ما استدانته الزوجة وأم الولد وغيرهما ممن تجب عليه نفقته في غيبته بالمعروف.

ويجوز القرض بشرط أن تزوجه أو يخطب له أو يعامله في بيع أو إجارة أو أن يعطيه عوض الغلة (١) صحاحا وعوض المصوغ من الذهب عينا ومن الفضة ورقا وعوض نقد مخصوص من خالص الذهب والفضة من الغش من نقد غيره ، ويلزم ذلك مع الشرط ، ومع عدمه ليس له الا مثل ما أقرض الا أن يتبرع أحدهما.

ويكره للمدين أن يستحلف الغريم المنكر ، لأن في ذلك تضييعا للحق ، وتعريضا لليمين الكاذبة ، وإذا حلف الغريم فتمكن المدين من مقدار حقه لم يحل له أخذه مجاهرة ، فان أذن له أو جاء مبتدئا بحقه حل له أخذه.

وان أنكره فلم يستحلفه جاز له إذا ظفر بشي‌ء من ماله أن يأخذ منه بمقدار حقه ، الا أن تكون وديعة فلا يحل اقتصاص الحق منها الا بإذن الغريم.

وإذا استدان العبد بإذن سيده فعليه القضاء عنه ، فان عتق فالدين في ذمته الا أن

__________________

(١) في مجمع البحرين : الدرهم الغلة : المغشوش.

٣٣١

تكون الاستدانة للسيد فيلزمه القضاء دون العبد ، وان استدان بغير اذن السيد فلا ضمان عليه ولا على العبد الا أن يعتق فيلزمه الخروج إلى مدينة مما عليه.

ومن مات وله وصية وعليه دين بدي‌ء بالكفن ثم الدين وباقي الصداق منه ، ثم الوصية ، ثم الميراث ، فان لم يترك ما يوفى بالدين تحاص الغرماء فان وجد بعضهم عين سلعته قائمة فهي له دون الغرماء ، وهذه حال المفلس ، وان لم يخلف الا ما يكفن به فلا شي‌ء للغرماء ، ويجوز قضاء دينه من مال الزكاة وهو أفضل من إعطائها للحي إذا كان المتوفى من أهلها ، واحتساب المدين ذلك من زكاة ماله أفضل من استيفائه دينه من زكاة غيره على غريمه المتوفى والحي.

ولا يثبت الدين في تركة المتوفى إلا بإقرار جميع الورثة أو بينة المدعى مع يمينه ، فإن أقر بعض الورثة لزمه الأداء بمقدار سهمه من الإرث ولا تحل الدعوى على الورثة ولا تسمع الا أن يعلم علمهم بالدين أو يدعى ذلك وإذا شهد نفسان من الورثة بدين وكانا عدلين لا يرتاب في شهادتهما حكم بالدين في التركة مع يمين المدعي ، وان كانا بخلاف ذلك أو أحدهما فهما مقران يلزمهما من الدين بحساب سهمهما من الإرث.

وإذا قتل الغارم عمدا أو خطاء قضى دينه من الدية وورث ما فضل عنه وإذا لم يخلف المقتول عمدا ما يقضى دينه لم يجز لأوليائه القود (١) حتى تتكلفوا بما عليه منه.

__________________

(١) في بعض النسخ : العفو ، وهو تصحيف.

٣٣٢

وإذا مات حل (١) ماله من دين مؤجل عليه.

وتكره الإدانة بغير رهن ولا بينة ، والاولى الجمع بينهما فمن لم يفعل لم يؤجر على ضياع ماله.

والكفالة والحوالة تسقطان حق المطالبة بالدين وتقتضيان براءة ذمة الغريم منه. وعجز الغارم عن الأداء يسقط حق المطالبة ويوجب التأخير إلى حين اليسر. وينوب فعل الوكيل في المطالبة مناب موكله.

ونحن نذكر أحكام الرهن والوكالة والحوالة والكفالة والتفليس لتعلق ذلك بأحكام الديون.

__________________

(١) في جميع نسخنا هكذا : وإذا مات المؤجل ماله. والصحيح ما أثبتناه كما يظهر من المختلف للعلامة فراجع.

٣٣٣

فصل في أحكام الرهن

تفتقر صحة الارتهان الى قبض الرهن فيما يصح قبضه أو رفع الحظر فيما لا يصح قبضه وقبول ذلك.

وثمر الشجر الظاهر وولد الحيوان الحامل ونبات الأرض الحاصل قبل الارتهان خارج عنه ، وما تجدد من ذلك في حاله لاحق بالأصل.

ولا يجوز للراهن ولا المرتهن التصرف في الرهن ولا الانتفاع به الا عن اتفاق قبل عقدة الرهن أو في حالها ويجوز للمرتهن إذا كان حيوانا فتكفل بمؤنته أن ينتفع بظهره أو خدمته أو صوفه أو لبنه وان لم يتراضيا ، ولا يحل شي‌ء من ذلك من غير تكفل مؤنة (١) ولا مراضاة ، والاولى أن تصرف قيمة منافعه في مؤنته.

وإذا كان للرهن غلة يصح بقاؤها كالحنطة والشعير رهن مع الأصل ، وان كانت مما لا يصح بقاؤها كالخيار والأترج فعلى المرتهن بيعه وقبض ثمنه والاحتساب به عن اذن الراهن ان أمكن والا فهو رهن مع الأصل.

وإذا عمر المرتهن الأرض وغرس فيها عن اذن الراهن في حال الارتهان فله غلة ذلك ، وان كان بغير اذنه فهو اثم وعليه أجر الأرض وله غلتها.

ورهن المشاع جائز كالمقسوم ، وإذا رهن ما يملك بعضه صح الرهن

__________________

(١) مؤنته.

٣٣٤

فيما يملك ، وكان رهنا على جملة الدين ، ويبطل فيما لا يملكه ، ولا يصح بيع الرهن الا عن تراض منهما (١) متقدم أو متأخر ، فإن هلك الرهن في مدة السوم لأجله ( كذا ) وكان البيع سائغا (٢) فهو من مال الراهن وعليه الخروج من الحق إلى المرتهن ، وان كان ممنوعا منه فهو من مال المرتهن.

وإذا كان هلك الرهن من غير تفريط فهو من مال الراهن ، وعليه الخروج الى المرتهن مما عليه من الحق ، وان كان عن تفريط فهو من مال المرتهن ، فان اختلفا في الاحتياط والتفريط فكانت لأحدهما بينة حكم بها والا فالقول قول المرتهن مع يمينه ، وإذا ثبت التفريط واختلف في قيمة الرهن وفقدت البينة فالقول قول الراهن مع يمينه.

وإذا ادعى المرتهن مبلغا من الدين فأقر الراهن ببعضه وأنكر البعض قبل إقراره فيما أقر به وحلف على ما أنكر. وإذا اختلف اثنان في شي‌ء فقال أحدهما هو عندي رهن وقال الأخر هو وديعة ، فعلى مدعي الرهن البينة فإن فقدت طولب الأخر بها ، فان تعذرت حلف أنه وديعة وتسلمه (٣) ، فان نكل عن اليمين فهو رهن.

وإذا حل الدين وتعذر إيذان الراهن في بيعه فالأولى تركه الى حين تمكن الإيذان ، ويجوز بيعه ، فان نقصت قيمته عن الدين لم يكن له غيرها ، وان كان بيعه باذنه فعليه القيام بما بقي من الدين عن ثمن الرهن ، وان فضل عن مقدار الدين فهو للراهن. وإذا لم يعلم ما عليه من دين ضمن قيمته فاذا حضر الراهن فالقول قوله مع يمينه.

__________________

(١) في بعض النسخ : أو متقدم أو متأخر.

(٢) في جميع النسخ : شائعا والصحيح ما أثبتناه.

(٣) ويسلمه.

٣٣٥

وإذا فلس الغريم أو مات فالمرتهن أحق بالرهن من باقي الغرماء ، فان فضل عنه شي‌ء كان لهم ، وان نقص حاصهم فيما عداه.

وإذا رهن عصيرا فصار خلا فهو رهن ، وان صار خمرا بطلت وثيقة الرهن ووجبت إراقته ، وعلى الغريم القيام بالدين ، وان كان مائعا طاهرا فصار نجسا بفعل المرتهن أو تعديه فهو من ماله يوم نجسه ، وان لم يتعد فهو من مال الراهن يهراق ما لا يصح الانتفاع به كالخل ، ويباع ما يصح الانتفاع به كالدهن ويحتسب بثمنه من مال الدين.

ولا يصح للراهن ولا المرتهن وطء الأمة المرهونة ويجوز استخدامها عن تراض من الراهن والمرتهن ، وان وطئها الراهن أثم وعليه التعزير ، وان وطئها المرتهن فهو زان ، وولده منها رق لسيدها ورهن معها.

٣٣٦

فصل في الوكالة وأحكامها

صحة الوكالة تفتقر إلى إيجاب الموكل وقبول الوكيل حاضرا كان أم غائبا بحسب شرطه ، ان أطلق عمت الوكالة سائر الأشياء إلا الإقرار بما يوجب حدا ، وان خصصت بشي‌ء اختصت به. وإذا انعقدت الوكالة قام الوكيل فيما جعل له مقام موكله في المطالبة وقبض الحقوق وإسقاطها ، وان فعل ما لم يجعل له لم يمض ، فان كان فيه درك فهو لازم له دون موكله.

والوكالة في الطلاق جائزة كالنكاح بشرط غيبة أحد الزوجين ، وان كانا في مصر واحد لم تمض ، والاولى ان يتولى ذلك بنفسه حاضرا كان أم غائبا.

ويلزم كل ناظر في أمور المسلمين أن يوكل لأطفالهم وسفهائهم وذوي النقص من ينظر في أموالهم ويطالب بحقوقهم ويؤدي ما يجب عليهم منها.

وينبغي لذوي المروات أن يوكلوا في مطالبة الحقوق وإسقاط الدعاوي ، ولا يباشروا الخصومة بأنفسهم.

ولا يجوز لمسلم أن يوكل الا المسلم العاقل الأمين الحازم (١) البصير بلحن الحجة العالم لمواقع الحكم العارف باللغة التي يتحاور بها ، ولا يحل

__________________

(١) في بعض النسخ : الجازم.

٣٣٧

له أن يوكل كافرا على مسلم ، ويجوز له أن يوكل المسلم والكافر على الكافر ، ولا يتوكل كل لكافر على مسلم ، ويتوكل له على كافر وان اختلفت جهات الكفر ، ولا يحل لأحد أن يتوكل فيما لا يغلب ظنه بالقيام به من حق ولا نصرة باطل على حال.

وإذا أراد الموكل عزل الوكيل أو تخصيص وكالته فليشهد على ذلك ويعلمه به ان أمكن إعلامه ، فإذا فعل بطلت الوكالة فيما أشهد به ولم يمض شي‌ء مما يفعل الوكيل بعد الاشهاد والأعلام مع إمكانه ، ومن دون الأعلام مع تعذره ، فان لم يعلم الوكيل مع التمكن من ذلك لم تنفسخ الوكالة وان أشهد بالفسخ ، وكان ما يفعله الوكيل ماضيا حتى يعلم العزل.

وان اختلفا فادعى الموكل الأعلام وأنكر الوكيل ، فعلى الموكل البينة بإعلامه ، ولم يكفه ثبوت عزله مع إمكان أعلامه ، فان فقدت البينة حلف الوكيل ومضى ما فعله.

وإذا أقام الحاكم قيما للمحجور عليهم مضى فعله الموافق للمعروف لهم وعليهم ، وبطل ما خالف.

٣٣٨

فصل في الكفالة والحوالة

صحة الكفالة والحوالة تفتقر الى تعيين الأجل فيما يحتاج إلى الأجل فيه ، وكون الكفيل والمحال عليه مليا في حالة الكفالة والحوالة ، أو يرضى المكفول له أو المحال بالكفيل والمحال عليه بعد العلم بحاله ، فإذا رضي الغريم وقبل الكفيل أو المحال عليه انتقل الحق إلى ذمته وبري‌ء المكفول عنه والمحيل ، وكان للكفيل الرجوع بما كفله على المكفول عنه ان كان كان مشفوعا مشفوعا إليه في ذلك ، وان كان متبرعا لم يرجع عليه بشي‌ء الا ان يكون قد وافقه على ذلك فيرجع بمال الكفالة عليه.

وإذا ظن المكفول له أو المحال كون الكفيل مليا وانكشف أنه غير ملي في حال الكفالة أو الحوالة رجع الى غريمه الأول بمال الحوالة ، وان كان في الحال مليا ثم أفلس فيما بعد أو كان معلوم الحال ورضي به لم يكن له رجوع على الأول بشي‌ء.

وضمان إحضار الغريم في وقت معين أو أي وقت شاء المضمون له من مدة معلومة بشرط البقاء صحيح يلزم معه إحضاره ، فإن طلبه فلم يحضره وهو حي فعليه الخروج مما ثبت عليه.

وان مات قبل ذلك فلا شي‌ء عليه الا أن يشترط على نفسه أنه ان لم يأت به

٣٣٩

فعليه ما عليه ، فيلزمه متى لم يحضره ، القيام بما ثبت عليه حيا كان أو ميتا.

وضمان المجهول جائز كالمتعين ، كقول الضامن : « كل حق عليه لازم لي » ويلزمه من ذلك ما قامت به البينة أو أقر به الغريم خاصة.

ومن خلص غريما من يد غيره بالغلبة فعليه الخروج الى من خلصه منه مما ثبت له عليه من حق ، وان خلصه بشفاعة لم يضمن شيئا مما عليه الا أن يضمنه.

وإذا لم يبرء الغريم الى المحال في مال الحوالة ورضي (١) المحال عليه (٢) بذلك لم تبرأ ذمته منه ويحسب بما قبضه من المحال عليه ورجع على غريمه الأول بالباقي ، وان بري‌ء اليه ورضي كل منها بذلك لم يرجع عليه بشي‌ء من مال الحوالة.

__________________

(١) في بعض النسخ : وترضى.

(٢) في بعض النسخ هكذا : ورضي المحال أو المحال عليه.

٣٤٠