الكافي في الفقه

أبي الصّلاح تقيّ بن نجم الحلبي

الكافي في الفقه

المؤلف:

أبي الصّلاح تقيّ بن نجم الحلبي


المحقق: رضا الاستادي
الموضوع : الفقه
الناشر: مكتبة الإمام أمير المؤمنين عليه السلام العامّة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٤٤

فصل فيما يحرم فعله

يحرم آلات الملاهي كالعود والطنبور والطبل والمزمار وأمثال ذلك ، وأعمالها للإطراب بها ، والغناء كله ، والنوح بالباطل ، ومدح من يستحق الذم وذم من يستحق المدح بمنظوم أو منثور من الكلام ، وعمل النرد والشطرنج وسائر آلات القمار ، واللعب بها ، والقمار ، وعمل الصلبان والأصنام والتماثيل وعمل آلات الأشربة المحرمة ، وصناعتها ، وغرس المعتصرة (١) منه لذلك ، وعمارته وسقيه وقطافه وصرامه وحمله وعصارة وابعائه (٢) ، وتركيب الأدوية المحرمة والسموم القاتلة ، وافتتاح (٣) المؤذيات كالسباع والهوام والكلب العقور ، وخصاء (٤) شي‌ء من الحيوان ، وذبح ما لم يرد الشرع بذبحه ، وإيلام ما لم يرد بإباحة ذلك منه ، وتعدى ما أبيح من الانتفاع بالحيوان ، وعمل الزينة للرجال ، ووشم وجوه النساء وتدليسهن بزخرفة الأفعال ، وزخرفة المساجد ، وتعدى المشروع في بنائها ، وزخرفة المصاحف ، وبناء البيع والكنائس وبيوت

__________________

(١) في بعض النسخ : المعصرة منه.

(٢) كذا في النسخ.

(٣) كذا في النسخ.

(٤) كان في الأصل : وخصي ، والظاهر ما أثبتناه.

٢٨١

النيران وغير ذلك [ من ] معابد أهل الضلال ، والرمي عن قوس الجلاهق ، والبخس والتطفيف في الكيل والوزن ، والغش في جميع الأشياء ، والجمع بين أهل الفسق للفجور ، وعمل السلاح وغيره لمعونة أعداء الدين من ضروب المحاربين ، والمظالم (١) ، ومعونة فاعلى القبائح وأصناف الظالمين والمتغلبين على البلاد ومؤيدى (٢) ذلك بشي‌ء من الأقوال أو الأفعال أو الآراء ، وتجديد (٣) الكفر والشبه القادحة في الأدلة في الصحف عرية من النقض بالحجة ، والنطق بقبيح الأقوال من الكذب والغيبة وغيرهما ، والسعي والبطش في شي‌ء من القبائح العقلية والسمعية ، وحضور مجالس اللهو والمناكر ، والحكم والفتيا بالباطل أو بما لا يعلمه الحاكم والمفتي حقا ، وتعلم شي‌ء من هذه الأعمال المحرمة ، وتعليمها ، وارادة شي‌ء من القبائح وكراهية الواجب.

__________________

(١) كذا. ولعل الصحيح : الظالم.

(٢) في بعض النسخ : مريدي ذلك.

(٣) كذا في بعض النسخ ، وفي بعضها الأخر : تجليد ، وقال في السرائر : وإيراد الشبه القادحة وتخليدها ـ بالخاء ـ الكتب من غير نقض لها.

٢٨٢

فصل فيما يحرم من المكاسب

كل شي‌ء ثبت تحريمه لعينه أو لوقوعه على وجه أو علمه أو عمله أو تعليمه ، فثمنه وأجر عمله وحمله وابعائه (١) وحفظه والمعونة عليه بقول أو فعل أو رأي والتعوض عنه محرم ، وأجر تعليم المعارف والشرائع وكيفية العبادة من النظر فيها والفتيا بها وتنفيذ الأحكام وتلقين القرآن وعقد الجمع والجماعات والأذان والإقامة وتغسيل الأموات وتجهيزهم وحملهم والصلاة عليهم ومواراتهم وجهاد الكفار والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر وسائر العبادات والمعونة على ذلك محرم.

فصل فيما يكره من المكاسب

يكره التكسب بالصرف وصياغة الذهب والفضة وذبح الحيوان والنياحة والحجامة والنساجة وبيع الأكفان والاطراق واحتكار الغلات.

__________________

(١) كذا.

٢٨٣

فصل فيما يحرم من النكاح

تحريم الاستمتاع بالمباشرة على ضروب ستة :

منها تحريم ذلك بما عدا النساء ، ومنها بهن من غير عقد ولا ملك يمين ، ومنها بهن بعدهما في حال دون اخرى ، ومنها تحريمه بأعيان منهن بهما (١) على كل حال ، ومنها تحريمه معهما في حال دون حال ، ومنها تحريم ذلك عليهن بعض ببعض.

الضرب الأول : التلوط بالغلمان ومباشرتهم بضم أو تقبيل أو اضطجاع ، وإتيان جميع البهائم ، والاستمناء.

الضرب الثاني : الزنا ومقدماته من رؤية وضم وتقبيل ومحادثة وخلوة واضطجاع.

الضرب الثالث : وطؤ الحائض والنفساء حتى تطهرا ، والمستحاضة حتى تستنجي ، والمظاهر منها قبل التكفير ، والمعقود عليها بعد الزنا حتى تستبرئ والمحرم حتى يحل ، وبالمحرمة حتى تحل ، والصائم حتى يفطر ، وبالصائمة حتى تفطر ، وبالأمة المبتاعة حتى تستبرئ بحيضة ، وبالأمة الحامل من غير المبتاع حتى تضع.

__________________

(١) كذا.

٢٨٤

الضرب الرابع : الأسباب الموجبة للتحريم على كل حال ثلاثة : نسب ورضاع وسبب ليس بنسب ولا رضاع.

والمحرمات بالنسب ست : الأمهات وان علون ، والولد وان هبط ، والأخوات من جميع الجهات ، والعمات والخالات وان ذهبن (١) في النسب ، وبنات الاخوة وان بعدت (٢).

والمحرمات بالرضاع ست كالمحرمات بالنسب ، مثال ذلك : غلام رضع من امرأة بلبن بنت لها فصار بذلك ولدا لها ولأبي ابنتها (٣) وتحرم عليه وآباؤها (٤) وأمهاتها وان علون وأخواتها وأولادها من الفحل وغيره بالنسب خاصة ، كما تحرم أم النسب وأمهاتها وأخواتها وأولادها ، ويحرم الزوج وآباؤه وأمهاته وأخواته وأولاده من هذه المرضعة ومن غيرها بالنسب والرضاع كما يحرم أب النسب وآباؤه وأمهاته وأولاده وأخواته ، وتحرم أولاد الاخوة بالرضاع من جميع الجهات كأولاد الاخوة بالنسب.

وانما يقتضي التحريم بشروط :

منها أن يكون الراضع والمرتضع من لبنه ينقص سنهما عن الحولين ،

ومنها أن يكون لبن ولادة لادر.

ومنها أن يكون مما ينبت اللحم ويقوي العظم بكونه يوما وليلة أو عشر رضعات متواليات كل منها تملأ البطن لا يفصل بينهن برضاع امرأة أخرى.

__________________

(١) كذا.

(٢) كذا.

(٣) في بعض النسخ : ولدا لها وأخا لابنتها.

(٤) الظاهر زيادة جملة : وآباؤها.

٢٨٥

فمتى اختل شرط من هذه لم يثبت نسب (١) الرضاع.

وأما المحرمات بالأسباب أم المرأة المعقود عليها ، وابنة المدخول بها ، وأم المزني بها قبل العقد ، وابنتها ، وزوجة الأب وأمته المنظور إليها بشهوة ، وزوجة الابن ، وأمته الموطوءة ، والزانية على أب الزاني وابنه قبل العقد ، والزانية وهي ذات بعل أو في عدة رجعية على الزاني ، وأم الغلام الموقب وأخته وابنته قبل العقد عليهن ، والمعقود عليها في عدة معلومة ، والمدخول بها في عدة على كل حال ، والمعقود عليها في إحرام معلوم ، والمدخول بها فيه على كل حال ، والمطلقة للعدة تسعا يملكها بينها رجلان ، والملاعنة ، والمقذوفة من زوجها وهي صماء أو خرساء عليه.

وحكم الام والأخت والبنت بالرضاع في هذا التحريم حكم ذوات النسب وحكم الإماء في التحريم بالنسب والرضاع والسبب حكم الحرائر.

الضرب الخامس : المحرمات في حال دون حال : الكافرة حتى تسلم وان اختلفت جهات كفرها ، وأخت المعقود عليها حتى يثبت حلها بموت أو ردة أو لعان أو طلاق بائن أو تخرج عن عدة الرجعي ، وأخت الأمة الموطوءة حتى تخرج عن الملك ، والمعتدة من الغير حتى ينقضي أجلها ، والمطلقة للعدة ثلاثا حتى تتزوج ويطلق وتعتد ، والمحرمة حتى تحل ، والمحصنة

حتى تبرأ عصمتها وتعتد ، والخامسة حتى تنقص الأربع بموت أو ردة أو لعان أو طلاق بائن أو تخرج من عدة الرجعي ، وبنت الأخ على عمتها وبنت الأخت على خالتها حتى تأذنا ، والأمة على الحرة حتى تأذن ، والزانية حتى تتوب.

الضرب السادس : تحرم على المرأة مباشرة من لا رحم بينها وبينه بضم أو تقبيل أو نظر لريبة ، والنوم في إزار واحد على كل حال ، وما فوق ذلك من عمل قوم لوط في تمتع بعضهن ببعض على جهة السحق.

__________________

(١) كذا في النسخ.

٢٨٦

باب الأحكام

يلزم من يلي (١) بشي‌ء من الأحكام الشرعية حكما أو فتيا أو عملا أن يعلم ما يلي (٢) به والوجوه والشروط التي تصح عليها وتبطل.

لان الحكم موجب للحكم على الخصم في تسليم ما حكم به ، ولا يحسن منه ذلك من دون العلم بجهة الاستحقاق وكيفيته.

والمفتي مخبر عن الله سبحانه بالإيجاب والترغيب والتحريم والحكم فيجب كونه صادقا في خبره ، والصدق في الفتيا متعذر من دون العلم.

والعامل مستبيح بعقد النكاح أو البيع أو الإجارة أو الإرث أو غير ذلك ما كان محرما قبل ذلك ، ومحرما بالطلاق واللعان والظهار وأمثال ذلك ما كان محللا ، فلا يحسن منه العمل في شي‌ء من ذلك ولما يعلم حكم الله فيه ، لقبح استحلال المحرم وتحريم المحلل من دون العلم بذلك من دينه تعالى.

وهو على ضروب نذكرها ونفصل أحكامها.

ان قيل : أبينوا عن الأحكام الشرعية أمن العبادات هي أم من المحرمات؟ فانا لم نجد أحدا من المصنفين أشار الى ذلك فان كانت خارجة عن القبيلتين

__________________

(١) في بعض النسخ : بلى.

(٢) في بعض النسخ : بلى.

٢٨٧

فليست من الشرعية ، وان كانت داخلة في أحد النوعين وكيف (١) بذلك ، ولا أحد من الأمة يقول : ان النكاح والطلاق والظهار والبيع إلى سائر الأحكام فرض ولا نفل ولا محرم.

قيل : من تأمل حال الأحكام علم لحوقها في التعبد بما يفعل من الطاعات وكونها طريقا الى المحرمات.

أما دخولها في جملة العبادات فمن معلوم الملة تعبد الأئمة ومن استنابوه في التنفيذ بالحكم بمقتضاها من صحة أو فساد أو إمضاء أو رد أو تسليم أو استحقاق أو منع ، كما تعبدوا بأخذ حقوق الأموال وصرفها في وجوهها واقامة الحدود وغير ذلك مما يختصهم من التعبد ويلزم الأمة معونتهم عليه ونصرتهم فيه وثبوت تعبد العلماء بحفظها والفتيا بها على الوجه الذي قرره الشرع منها ولزوم فرض العلم والعمل بها على الوجه المشروع لكل مبتلى ليكون من الاستباحة والتملك والاستحقاق بالعقود الشرعية كالنكاح والبيع والإجارة وما يجرى مجراها من الإرث وغيره ومن الفسخ والتحريم بالطلاق والظهار وما يناسبهما على يقين.

وإذا وجب العلم والعمل بالأحكام مع اقتران المشقة بذلك لحقت بسائر العبادات المقصود بها التعريض للثواب ، فالإباحة إذا انما يتعلق بإرادة النكاح والبيع والإجارة والتصرف بعد العقد في المعقود عليه ، دون العقد نفسه والحكم به والخبر عنه ، لان الله تعالى تعبد العالم بان يخبر بالأحكام على ما علمه منها ، ويعتقد صحة ما وافق المشروع فيها وفساد ما خالفه ، وتعبد الحاكم أن يحكم بصحة العقد الموافق للمشروع وما يقتضيه من استحقاق وتسليم ، وفساد ما خالفه ، ويحكم بالفرقة مع الطلاق واللعان الشرعيين ، والتحريم مع

__________________

(١) فكيف. ظ.

٢٨٨

الظهار والإيلاء الشرعيين ، دون ما خرج عن ذلك ، وتعبد مريد النكاح أو البيع أو الإجارة والطلاق واللعان والظهار بأن يعلم المشروع من ذلك ، ويوقعه على الوجه الذي علمه ، ومريد الإرث بالعلم بما يثبت معه استحقاقه ويسقط ، وأعيان المستحقين وترتبهم في الاستحقاق ، وكيفية سهامهم فيه ليعلم ما يستحق من ذلك مما لا يستحق ، فيقف العمل بحسبه (١) ، ومن بلى بوديعة أو عارية أو رهن أو لقطة الى غير ذلك أن يعلم ما قرره الشرع له من الأحكام فيعمل عليه.

وأما دلالتها على المحرمات فان ورود الشرع بتخصيص اباحة البضع أو التصرف في ملك الغير بعقود مخصوصة من طلاق أو لعان أو ظهار أو غير ذلك ، يقتضي تحليله لثبوت العقد المبيح له من دونها ، (٢) وكذلك ثبوت النص بكيفية سهم الوارث وترتب الوارث يدل على تحريم ما زاد على المسمى على من سمى له وتحريمه جملة على من غيره أولى به.

ويجرى ذلك مجرى لو ابتدأ سبحانه بالنص على تحريم ما عدا المشروع إذ لا فرق بين أن ينص تعالى على تحريم البضع وتناول مال الغير بكل قول وفعل يخالف المشروع الان في الاستباحة ( كذا ) ، وبين أن ينص تعالى على صفة العقد المقتضي للإباحة.

وكذلك لا فرق بين أن ينص على تحريم الإرث على الأخ وبين أن ينص على استحقاق الولد جميع المال معه ، إذ كون الولد أحق بالإرث دلالة على تحريمه على من هو أحق منه.

ووقوف استباحة البضع على عقد غبطة أو متعة أو ملك يمين دلالة على

__________________

(١) في بعض النسخ : العمل به بحسبه.

(٢) كذا في جميع النسخ.

٢٨٩

تحريمه بغير ذلك.

ووقوف التصرف في ملك الغير وانتقاله على عقد بيع أو هبة أو إجارة أو صدقة أو إرث الى غير ذلك من العقود الشرعية دلالة على قبح التصرف وفساد الانتقال من دونها أو مع إيقاعها بخلاف المشروع فيها.

فصار على ما تراه المقصود بالأحكام مساويا للمقصود بسائر العبادات ، ودلالة واضحة على التحريم على الوجه الذي ذكرناه.

ولدخول الأحكام في التكليف هذا المدخل ، لم ندخلها في جملة ما يطلق عليه سمة العبادات ولا سمة المحرمات ، لتعارف أهل الشريعة إطلاق سمة العبادات على ما ابتدأ سبحانه بإيجابه كصلاة الخمس والزكاة وصوم الشهر ، والترغيب فيه كصلاة الليل والصدقة وصوم شهر شعبان ، وليس النكاح والبيع والابتياع والإجارة والطلاق والظهار من ذلك بسبيل ، (١) لأنه تعالى لم يبتدئ العاقل بالتعبد بشي‌ء منه ، وانما تعبده إذا أراد استباحة البضع أن يعقد عقدا مخصوصا ، وإذا أراد تحريمه بإيقاع مخصوص ، وإذا أراد التملك بعقد مخصوص لا تصح الإباحة والتملك والتحريم من دونهما (٢).

فلو وصفنا الأحكام بأنها عبادات لأوهم ذلك لحوقها بالصلاة والزكاة والصوم في كيفية التعبد ، فوضع لها في عرف الشرع عبارة تبين بها من هذه العبادات المبتدءة ، وان كان التعبد بها ثابتا على الوجه الذي تقدم ذكره.

ولو وصفناها بأنها محرمات للحقت بالزنا وشرب الخمر والميتة والدم وأمثال ذلك من محرمات المآكل والمشارب والمناكح والمكاسب ، وليست كذلك ، وانما هي دلالة على التحريم ، والدلالة على المدلول عبادة كان أو

__________________

(١) في بعض النسخ : سبيل.

(٢) من دونها. ظ.

٢٩٠

محرما غيره في الحقيقة.

فليتأمل ما نبهنا عليه من كيفية التعبد في الأحكام ، فمن تأمله علم بلوغنا منه حدا في التحريم (١) لم نسبق عليه مع وضوح حجته وعظيم النفع بفهمه والضرر للجهل به.

والأحكام ضروب ثمانية :

منها أحكام العقود المبيحة للوطء.

ومنها أحكام الإيقاعات الموجبة لتحريمه.

ومنها أحكام الذكاة وما يناسبها.

ومنها أحكام العقود والأسباب الموجبة للاستحقاق واباحة التصرف في ملك الغير.

ومنها أحكام القصاص.

ومنها أحكام الديات.

ومنها قيم المتلفات وأرش الجنايات.

ومنها أحكام الحدود والآداب.

ويتبع ذلك تنفيذها والقضاء بها بين الناس.

__________________

(١) كذا.

٢٩١

الضرب الأول من الأحكام

النكاح على ثلاثة أضرب : نكاح غبطة ونكاح متعة وملك يمين.

فأما نكاح الغبطة وهو نكاح الدوام ، فمن شرط صحته الولاية ، وعقد الولي له بلفظ مخصوص يقتضي الإيجاب ، وقبول المعقود له أو النائب عنه ، والولاية مختصة بأب المعقود عليها وجدها له في حياته ، فاذا حضرا فالجد أولى ، ويصح لكل منهما أن يعقد من دون اذن صاحبه ، والأولى بالأب إيذان أبيه.

فإذا سبق أحدهما إلى العقد لم يكن للآخر فسخه ، فان كانت صغيرة جاز عقدهما عليها ، ولا خيار لها بعد البلوغ.

وان عقد عليها غيرهما كان العقد موقوفا على بلوغها وإمضائها ، وان كانت بالغا (١) لم يجز لهما العقد عليها إلا بإذنها ، فإن عقدا بغير اذنها خالفا السنة ، وكان عليها القبول ولها الفسخ ، فإن أبت العقد بطل.

ولا يجوز لها العقد على نفسها بغير إذنهما ، فان عقدت خالفت السنة ، وكان العقد موقوفا على امضائهما.

فان عضلاها بمنعها من التزويج بالأكفاء ، كان لها أن تعقد على نفسها بغير اذن منهما ، ولم يكن لهما الفسخ.

__________________

(١) كذا.

٢٩٢

وان كانت ثيبا فالأولى أن لا تعقد إلا بإذنهما أو ترد الأمر إليهما ، ويجوز لها تولي ذلك بنفسها من غير إذنهما.

وان لم يكن لها جد ولا أب فالأولى بها رد ولايتها الى بعض أهلها أو غيره من فضلاء المسلمين ، وإذا وضعت نفسها في غير موضعها أو عقدت على غير كفو ، فلأبيها أو جدها فسخ العقد وان كانت ثيبا.

واللفظ الموجب إذا كانت هي المتولية للعقد عليها : « قد زوجتك أو أنكحتك نفسي على صداق مبلغه كذا » ويقول الولي : « فلانة بنت فلان » دون سائر الألفاظ من « أبحتك » و « حللت » و « وهبت لك » و « آجرتك » وغير ذلك.

والقبول أن يقول الزوج : « قد قبلت هذا النكاح » ويقول النائب عنه : « قد قبلت هذا النكاح لفلان بن فلان ورضيت به ».

فاذا تكاملت هذه الشروط انعقد النكاح (١) و [ ان ] لم يذكر المهر ويكون لها مهر مثلها.

ومن السنة في هذا العقد الإعلان به ، واجتماع الناس له ، والخطبة ، وتعيين المهر ، والاشهاد ، وليس ذلك من شروطه.

وإذا عين المهر حين العقد لم يكن للزوجة غيره وان كان درهما أو صاعا من بر أو ذرة أو ما نقص عن ذلك أو زاد عليه أضعافا كثيرة ، ولا يصح العقد على عين محرمة كالخمر ولحم الخنزير وعين الغصب.

ومهر المثل يعتبر فيه السن والنسب والجمال والتحصين ، فان نقص عن مهر السنة لم يكن لها غيره ، وان تجاوزه رد اليه ، وهو خمسمائة درهم فضة أو قيمتها خمسون دينارا.

__________________

(١) كذا في النسخ ، والظاهر : وان لم يذكر.

٢٩٣

وإذا انعقد النكاح استحقت الزوجة الصداق ، والزوج التسليم ، ان كانت ممن يصح الدخول بها ببلوغها تسع سنين فما زاد ، وان نقصت سنها عن هذا وقف استحقاق الأمرين إلى حين البلوغ المذكور.

وإذا صح التسليم وحمل الزوج الصداق ، كان له نقل الزوجة إلى بيته ولم يكن لها خيار ، ولها الامتناع والتمكين ما لم تقبض جميعه ، وإذا سلمت نفسها وقد قبضت شيئا لم يكن لها غيره الا أن توافقه على الباقي وتشهد عليه به ، فان ادعت باقيا ولم تكن لها بينة فعليه اليمين ، وان ثبت بالبينة أو الإقرار فلها مطالبته به وليس لها منع نفسها منه ، وانما لها ذلك قبل الدخول.

ولا يلزم الزوج قبل التسليم إنفاق ولا سكنى الا أن يكون ذلك من قبله مع صحته ببلوغها ومطالبته (١) فيلزمه الأمران.

وإذا تسلم الزوجة فعليه إسكانها من حيث تسكن ( كذا ) ، والإنفاق عليها بالمعروف على الموسع قدره وعلى المقتر قدره ، ويلزمها طاعته في نفسها وملازمة منزله دون ما عدا ذلك ، فان قبضته في منزله فمنعت نفسها أو تسلطت عليه بالقول أو الفعل وعظها وخوفها الله تعالى فإن أثر ذلك والا هجرها بالاعراض عنها في مدخله ومخرجه ومبيته من غير إخلال بما يحفظ حياتها من غذاء ولباس ، فإن أثر ذلك والا ضربها ضربا غير مبرح ، وان خرجت من منزله بغير اذنه أو باذنه وامتنعت من الرجوع اليه فله ردها ، وان أبت فله تأديبها بالاعراض عنها وقطع الإنفاق ، فإن أصرت على الشقاق وهي في منزله أو خارجة عنه رفع خبرها الى الناظر في الأحكام ليبعث حكما من أهله وحكما من أهلها ينظران بينهما فإن أمكنهما الإصلاح أنجزاه وان رأيا الصلاح في الفرقة أعلما الحاكم بذلك فالزم الزوج بالطلاق.

__________________

(١) هكذا كانت العبارة في جميع النسخ.

٢٩٤

ولا يحرم وطؤ الزوجة إلا إيلاء أو ظهار ولا ينفسخ هذا العقد الا برده أو طلاق أو لعان أو موت أحد الزوجين.

ويجوز للحر أن يجمع بين أربع حرائر أو أمتين ، والعبد بين أربع إماء أو حرتين ، ويلزم الزوج إذا كان عنده أربع حرائر أو أمتان والعبد أربع إماء أو حرتان أن يعدل بنيهن في المبيت ، ولا يفضل واحدة على أخرى الا أن ترضى.

ويجوز للحر إذا كان عنده حرتان أو ثلاث ، وللعبد إذا كان عنده أمتان أو ثلاث أن يفضل إحديهن بما زاد على ليلة لكل واحدة من أربع ليال ، فيبيت عند أحد الثلاث ليلتين وعند كل واحدة ليلة ، وعند الواحدة من اثنتين ثلاث ليال وعند الأخرى ليلة.

وإذا سوى الزوج بين الأزواج في القسمة والمبيت والسكنى والكسوة جاز له أن يفضل بعضهن على بعض فيما زاد على الواجب من سني الطعام واللباس.

وإذا تزوج الرجل بحرة فخرجت أمة ، أو بنت حرة فخرجت بنت أمة ، أو سليمة فخرجت برصاء أو عمياء أو رتقاء أو عرجاء أو مجذومة أو مجنونة أو مغضاة أو محدودة أو ممن تحل فخرجت محرمة ، كان له ردها واسترجاع ما نقد من الصداق ما لم يطأها ، فإن وطئها قبل العلم بحالها فلها ما أخذت ، ويرجع به على من دلسها ، فان كانت هي التي دلست نفسها لم يرجع عليها بشي‌ء مما أخذت بعد الوطي فإن وطئها بعد العلم بحالها لم يكن له ردها ولا رجوع بشي مما نقد.

وكذلك الحكم إذا علم بالعيب ورضي به ، ولا تبين منه بعد الأمرين الا بطلاق أو أحد أسباب الفرقة.

٢٩٥

وان حدثت هذه العيوب بعد الدخول لم تقتض (١) الرد ، ولم تبن الزوجة إلا بأحد أسباب الفراق.

وان تزوج بكرا فوجدها ثيبا فأقرت الزوجة بذلك حسب أو قامت به البينة فليس بعيب يوجب الرد (٢) ولا نقصانا في المهر وان فقدت البينة والإقرار فقذفها الزوج بذلك عزر.

وإذا تزوجت المرأة بحر فظهر لها أنه عبد ، وبسليم فظهر لها أنه عنين وبعاقل فظهر أنه به جنة ، وبمن يحل فظهر انه محرم ، فعليها أن تصبر على العنة سنة ، فان تعالج ووصل إليها فيها مرة فلا خيار لها وان لم يصل إليها في السنة كان لها رده وما أخذت منه ، وترده بباقي العيوب بأن تعزله ، فان لم تعلم بالعيب حتى وطئها فلها ما انعقدت عليه النكاح ، وإذا علمت بالعيب ثم رضيت لم يكن لها خيار.

وإذا أراد نكاح امرأة جاز أن ينظر الى وجهها وبدنها وماشية في ثيابها ، وكذلك يجوز للمرأة إذا أرادت نكاح رجل أن ترى وجهه وأطرافه وماشيا ، ولا يحل لأحدهما ذلك من دون ارادة التزويج.

وإذا تزوج الحر أمة بإذن سيدها فولدها حر ، وطلاقها بيده ، فان مات عنها سيدها أو باعها ، فالوارث والمبتاع بالخيار بين إمضاء العقد وفسخه.

وان تزوجت الحرة بعبد بإذن سيده فولدها حر ، فان شرط سيد الأمة على الحر رق الولد وعلى الحرة فولدهما رق.

وإذا تزوج الحر بأمة يعلم رقها والحرة بعبد تعلم عبوديته بغير اذن السيد فولدهما رق لسيد العبد أو الأمة.

__________________

(١) في بعض النسخ : لم يقبض الرد.

(٢) أخذنا هذه الجملة من مختلف العلامة.

٢٩٦

وإذا تزوج الحر بامرأة على أنها حرة فخرجت أمة فولدها لاحق به في الحرية ويرجع السيد بقيمة الولد والصداق على من تولى أمرها ، وان كانت هي التي عقدت على نفسها لم يرجع على أحد بشي‌ء.

وكذلك القول في الحرة إذا تزوجت بحر فخرج عبدا.

وإذا زوج السيد عبده بأمة غيره فالطلاق بيده ، ولسيده أن يجبره على طلاقها فان مات سيد الأمة أو باعها ، فالوارث والمبتاع بالخيار في إمضاء العقد وفسخه.

وان أعتقها فهي بالخيار في الإقامة على نكاح العبد واعتزاله والاعتداد منه وولدها رق لسيدها الا أن يشترط رق الولد سيد العبد فيكون له.

وإذا زوج السيد عبده بأمة (١) فليعطه شيئا من ماله وان قل يجعله صداقا لها وطلاقها بيده ، يأمرها أي وقت شاء باعتزاله والاعتداد منه.

__________________

(١) بأمته ، كذا في بعض النسخ.

٢٩٧

وأما نكاح المتعة

فمن شرط صحته أمران : تعيين الأجر والأجل ، فإن ذكر الأجر ولم يذكر الأجل كان دواما ، وان ذكر الأجل دون الأجر فسد العقد.

وصفته أن يقول مريده لمن يريد التمتع بها وتصح ولايتها في نفسها والعقد عليها ببلوغها وكمال عقلها وخلوها من زوج وعدة وحمل : أريد أن تمتعيني نفسك على كتاب الله وسنة نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله كذا وكذا يوما أو شهرا أو سنة بكذا وكذا درهما أو دينارا أو بما يتعين مما له قيمة على أن لا ترثيني ولا أرثك وأن أضع الماء حيث شئت وأنه لا سكنى لك ولا نفقة وعليك إذا انقضت المدة العدة » فإذا رضيت قال لها : « متعيني نفسك على كتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله كذا وكذا بكذا وكذا على الشروط المذكورة » فإذا أنهى قوله فلتقل : « قد قبلت ورضيت » والاولى أن تقول هي : « قد متعتك نفسي كذا وكذا بكذا وكذا » وتذكر الشروط فيقبل عنها.

فاذا انعقد هذا النكاح فعلى المتمتع تسليم جميع الأجر ، ويجوز تأخير بعضه برضاها وقد استحق بضعها ولا سكنى لها ولا عليها ولا إنفاق ولا توارث بينهما وان شرط ذلك ، ولا يقع بها إيلاء ولا طلاق ، ولا يصح بينهما لعان ، ويصح الظهار.

٢٩٨

فاذا انقضت المدة حرمت عليه ، وله أن يستأنف عقدا ثانيا ، وعليها العدة.

فإن جاءت بولد وكان قد وطئها في الفرج لزمه الاعتراف به وان عزل الماء ، وان كان وطئها دون الفرج لم يجز له الاعتراف به ، فان اعترف به لحق بنسبه (١) ، وان أنكره على كل حال فهو أعلم بنفسه.

ولا يجوز التمتع بالبكر إلا بإذن أبيها ، ويجوز بالثيب من غير اذنه ، ويجوز الجمع في هذا النكاح بين أكثر من أربع ، ولا يلزم بينهن العدل في المبيت.

ويجوز التمتع باليهودية والنصرانية دون من عداهما من ضروب الكفار.

__________________

(١) بنسبته خ.

٢٩٩

وأما ملك اليمين

فيكون بأحد أسباب التمليك من بيع أو هبة أو صدقة أو غنيمة أو ميراث ويحل وطؤ الأمة المبتاعة والمسبية ـ وان لم تخرج منها الخمس إلى أهله ـ لشيعة مستحقي الخمس وآبائهم دون سائر الفرق لتحليلهم شيعتهم وآباءهم (١) من ذلك لتطيب مواليدهم.

ويحل الجمع بين كثير العدد وقليله من الإماء [ في ] الملك والوطئ.

والأمة بعد الولد رق على ما كانت قبل وجوده ، تجري عليها جميع أحكام الرق حيا كان الولد أو ميتا ، الا بيعها وولدها حي في غير ثمنها ، فإنه محرم وإذا مات سيدها وخلف ولدا منها جعلت في نصيبه وعتقت عليه.

ويجوز وطؤ اليهودية والنصرانية بملك اليمين دون غيرهما من الكفار وان صح ملكهن.

وإذا ملك الرجل أبويه أو أحد المحرمات بالنسب عتقوا عليه ، ولا يعتقون إذا كن كذلك بالرضاع وان كانوا محرمات.

ولا يحل وطؤ الأمة المنتقلة إلى ملك الرجل بأحد الأسباب حتى تستبرئ بحيضة ، ولا يحل وطؤ الحامل من غيره حتى تمضى لها أربعة أشهر إلا دون الفرج ، وفيه بشرط عزل الماء ، واجتنابها حتى تضع أولى.

__________________

(١) في بعض النسخ : من ذلك لطيب أموالهم.

٣٠٠