الكافي في الفقه

أبي الصّلاح تقيّ بن نجم الحلبي

الكافي في الفقه

المؤلف:

أبي الصّلاح تقيّ بن نجم الحلبي


المحقق: رضا الاستادي
الموضوع : الفقه
الناشر: مكتبة الإمام أمير المؤمنين عليه السلام العامّة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٤٤

فصل في ما تعبد الله سبحانه لفعل الحسن والقبيح

يجب على كل مكلف علم غيره مؤمنا ـ لتصديقه بجملة المعارف والشرائع ـ عدلا ـ باجتناب سائر القبائح فعلا وإخلالا ـ أن يتولاه ويمدحه ويعظمه بحسب منزلته في الايمان ، ويجرى عليه أحكام المسلمين العدول ، ويقطع له بالثواب ، بشرط مطابقة الباطن للظاهر عن يقين لوجهه.

وان علم ثبوت ايمانه عند الله تعالى ووقوع طاعاته موقعها كعمار وسلمان وأبى ذر بنصه تعالى على ذلك بخطابه أو بعض (١) حججه ، تولاه على الظاهر والباطن ، ومدحه وعظمه على الإطلاق وقطع له بالثواب ، حيا كان من ذكرناه أولا وثانيا أو ميتا.

فإن أخل بواجب عقلي أو سمعي أو فعل قبيحا محرما ، مدحه على ايمانه على الوجه الذي ثبت عنده من ظاهر أو باطن ، وذمه على ما فعله من القبيح ذما مقيدا مشترطا من (٢) العفو والتوبة فيمن لم يعلم إصراره ، وحكم له بالفسق واجرى عليه أحكام الفساق من اجتناب الصلاة خلفه وقبول شهادته وإعطائه

__________________

(١) في بعض النسخ : أو لبعض حجته.

(٢) كذا.

٢٤١

شيئا من حقوق الأموال الواجبة وكراهية مناكحته حيا وميتا (١).

وان علم غيره كافرا أن يلعنه ويبرأ منه ويقطع ولايته ويحرم مودته ويحكم بدوام عقابه ، ويجرى عليه أحكام من تخير (٢) اليه من ضروب الكفار ويدين ذلك فيه حيا وميتا.

فان علم أحدهما تائبا أو نص له على غفران ذنبه سقطت أسماء الفسق والكفر وأحكامهما.

وتلزم كلا منهما التوبة بما اقترفه (٣) من كفر أو فسق ، ليخرج بها عن قبيح الإصرار والعزم على القبيح ، ولكونها من جملة الواجبات الشرعية المؤثرة لاستحقاق الثواب لفعلها والعقاب للإخلال بفرضها ، ولحصول الإجماع على سقوط العقاب بها.

وحقيقتها : الندم على ماضى القبيح لوجه قبحه ، والعزم على اجتناب مثله في المستقبل.

وهذه الحقيقة ثابتة في كل توبة من القبيح ، وربما وقفت صحتها في مواضع على أمور أخر.

والقبيح على ضربين :

أحدهما : يختص بعصيانه سبحانه.

والثاني : ينضم الى عصيانه فيه ظلم غيره.

وما يختص بعصيانه تعالى على ضربين : أحدهما الإخلال بالواجب ، والثاني فعل القبيح.

__________________

(١) كذا.

(٢) كذا.

(٣) في بعض النسخ : اقترنه.

٢٤٢

والواجبات على ضروب : منها ما يجب قضاؤه كصلاة الخمس وصوم الشهر ، ومنها ما يجب أداؤه كالحج وحقوق الأموال ، ومنها ما لا يتلافى بقضاء ولا أداء كصلاة الجمعة والعيدين والفطرة.

فيلزم المفرط في حق الله تعالى التوبة مع الندم والعزم على القضاء والأداء مع الإمكان ، ولا تصح التوبة من دون ذلك ، لان إصراره على الإخلال بواجب القضاء أو الأداء يمنع من كونه نادما ، فان عزم على القضاء أو الأداء وشرع في ذلك وبذل الجهد فتوبته ماضية وان مات قبل أن تبرأ ذمته منهما.

وأما ما لا يتلافى فوته كصلاة الجمعة فحكمه حكم ما فعله من القبائح كالكذب والزنا يكفيه في التوبة الندم والعزم حسب.

ومظالم العباد على ضربين :

أحدهما يصح قبضه واستيفاؤه كالأموال والرباع والحيوان وسائر المملوكات فمن شرط صحة التوبة من ذلك ، الخروج الى المظلوم من عين الظلامة أو بدلها ان كان حيا ، والى ورثته ان كان ميتا ، والاعتذار اليه والرغبة في التحليل مما دخل عليه من غم ، وفات من نفع ، وينوب مناب إيصالها إسقاط مستحقها.

فان تعذر ذلك لفقد عين الظلامة وبدلها أو المظلوم ، ففرضه على الوجه الأول استحلال المظلوم ، فان عفى عن الحق سقطت تبعته ، وان أبى فليعزم على الخروج اليه من الظلامة في أول أحوال الإمكان ، ويلزمه التقتير على نفسه وعياله وعزل ما يفضل عن حفظ الحياة للمظلوم وعلى الوجه الثاني عزل الظلامة من ماله والعزم على إيصالها إلى مستحقها ، والوصية بها ان احتضر دون ذلك ، فان قطع يقينا بانقراض مستحقي الظلامة فهي من جملة الأنفال.

فإذا فعل ما يلزمه من ذلك صحت التوبة وان لم يفعل لم تصح.

والثاني ما لا يصح قبضه واستيفاؤه وهو على ضروب :

٢٤٣

منها السب والتعريض ، فيلزمه من حق التوبة إكذاب نفسه مما قال مفتريا أو معرضا بمحضر ممن (١) سمعه ان كان خاصا أو على رءوس الاشهاد ان كان عاما.

فان كان المقذوف قد علم بالقذف فليعتذر اليه ويكذب نفسه لديه ويستنزله عن الحد والتعزير ، فان عفى سقط ، وان طالب فعليه التمكين من نفسه. وليتول ذلك منه سلطان الإسلام.

وان كان المقذوف جاهلا بالافتراء عليه لم يجز أعلامه به.

وعلى القاذف ان يقيد (٢) نفسه الى سلطان الإسلام أو من يصح منه اقامة الحد ليجلده بحسب ما وقع منه من قذف أو تعريض ، ولا يجوز له إسقاط ما وجب من دون وليه.

ومنها القتل والجراح والضرب ، فيلزم في حق التوبة الانقياد للقصاص أو العفو.

ومنها تحسين القبيح أو تقبيح الحسن والدعوة الى الضلال ، فيلزم في حق التوبة تلافى الفارط (٣) من ذلك بالبيان عن وجه الخطاء واستفراغ الوسع في إيضاح الصواب منه.

فاذا فعل التائب ما يجب عليه من ذلك صحت توبته ، وان فرط فيه واقتصر على مجرد الندم والعزم لم تصح.

وإذا وقعت التوبة من كفر أو فسق بشروطها سقط وعيد التائب وما تبعه من أسماء الذم واستحق بها المدح والثواب وما يتبعهما من أسماء المدح والولاية

__________________

(١) من.

(٢) كذا.

(٣) في بعض النسخ : الفائت.

٢٤٤

في الدين.

وان علم إصرار العاصي على ماضى القبيح والعزم على استينافه (١) وجب على كل مكلف علم ذلك أو ظنه مع ما ذكرناه من الأحكام إنكاره بقلبه وكراهيته وتعين (٢) على المتمكن منعه من القبيح وحمله على الواجب المتوقعين في المستقبل أو الفعل ، لكون ذلك أمرا بمعروف ونهيا عن منكر اتفق الكل على وجوبهما ، ومقابلته بما يستحقه على ما أتاه من كفر أو فسق من قتل أو جلد أو تعزير ، لكون ذلك قسطا من عقابه اقتضت المصلحة تعجيله.

ولكل من المتعبد (٣) على ماضي الكفر والفسق ومستقبلة تفصيل يورده (٤) والفاسق من ثبت ايمانه وأخل بواجب أو أتى قبيحا عقليا أو سمعيا على جهة التحريم ، والكافر من لم يثبت ايمانه.

والكفار أربعة أصناف : كتابيون وهم اليهود والنصارى والمجوس ، ومشركون وهم الوثنيون والصائبون وغيرهم من الكفار ، ومرتدون عن الإسلام ، ومنافقون ، ولكل حكم في الجهاد نبينه.

__________________

(١) في بعض النسخ : استيفائه ، والظاهر ما أثبتناه.

(٢) كذا.

(٣) في بعض النسخ : التعبد.

(٤) نورده.

٢٤٥

فصل في الجهاد وأحكامه.

يجب جهاد كل من الكفار والمحاربين من الفساق ، عقوبة على ما سلف [ من ] كفره أو فسقه ، ومنعا له من الاستمرار على مثله بالقهر والاضطرار ، لكون ذلك مصلحة للمجاهد على جهة القربة إليه سبحانه والعبادة له ، على كل رجل حر كامل العقل سليم من العمى والعرج والمرض مستطيع للحرب ، بشرط وجود داع اليه يعلم أو يظن من حاله السير (١) في الجهاد بحكم الله تعالى لكل من وصفناه من المحاربين.

فان كان ذو العذر غنيا فعليه معونة المجاهدين بماله في (٢) الخيل والسلاح والظهر والزاد وسد الثغر.

وان كان الداعي إليه غير من ذكرناه ، وجب التخلف عنه مع الاختيار ، فان خيف جانبه جاز النفور معه لنصرة الدين دونه.

فان خيف على بعض بلاد الإسلام من بعض الكفار أو المحاربين ، وجب على أهل كل إقليم قتال من يليهم ودفعه عن دار الايمان ، وعلى قطان البلاد النائية عن مجاورة دار الكفر أو الحرب ، النفور إلى أقرب ثغورهم ، بشرط

__________________

(١) في بعض النسخ : السيرة ، وفي بعضها الأخر : الصيرورة.

(٢) من الخيل.

٢٤٦

الحاجة الى نصرتهم ، حتى يحصل بكل ثغر من أنصار المسلمين من يقوم بجهاد العدو ودفعه عنه ، فيسقط فرض النفور عن من عداهم.

وليقصد المجاهد والحال هذه نصرة الإسلام والدفع عن دار الايمان ، دون معونة المتغلب على البلاد من الأمر (١).

وخالف الثاني الأول ، لأن الأول جهاد مبتدأ ، وقف فرض النصرة فيه على داعي الحق لوجوب معونته ، دون داعي (٢) الضلال لوجوب خذلانه ، وحال الجهاد الثاني بخلاف ذلك ، لتعلقه بنصرة الإسلام ودفع العدو عن دار الايمان لأنه ان لم يدفع العدو ، درس الحق وغلب على دار الايمان وظهرت بها كلمة الكفر.

ولا يحل لأحد من اتباع الظالم في (٣) جهاد الكفار للتقية أو الدفع عن الإسلام ، أن يأخذ من الغنيمة شيئا الا على الوجه المشروع في المغانم.

وحكم جهاد المحاربين من المسلمين حكم جهاد من خيف منه على دار الايمان من الكفار ، في عموم الفرض من غير اعتبار صفة الداعي.

ومن السنة الرباط في الثغور الإسلامية ، وارتباط الخيل وأعداد السلاح وان لم يتكامل فيها شروط الجهاد المبتدأ ، انتظارا لدعوة الحق وعزما على اجابة الداعي اليه ودفع العدو ان قصدها وحمايتها من مكيدها.

__________________

(١) كذا في أكثر النسخ ، وفي بعضها : الأمور ، ولعل الصحيح : الأمراء.

(٢) في أكثر النسخ : دواعي.

(٣) في بعض النسخ : من جهاد.

٢٤٧

فصل في سيرة الجهاد

سيرة الجهاد على ضربين : أحدهما أحكام الحرب والمحاربين ، والثاني قسمة الغنائم.

الضرب الأول من السيرة : إذا عزم سلطان الجهاد عليه فليقدم الدعوة اليه والاستنفار (١) في البلاد لتجمع له الأنصار ، فإذا اجتمعوا سار بهم ليطأ دار الكفر أو محل المحاربين ، فاذا انتهى إليهم فليدعهم الى الله تعالى والى رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله وما جاء به ، وليجتهد في الدعاء وليتلطف ، ويكرر ذلك بنفسه وذوي البصائر من أصحابه ، فإذا أجابوا إلى الحق ووضعوا السلاح أقرهم في دارهم ان كانوا ذوي دار ولم يعرض (٢) لشي‌ء منها ، وولى عليهم من صلحاء المسلمين وعلمائهم من يفقههم في دينهم ويحمى بيضتهم ويجبي أموال الله تعالى منهم.

وان كانوا بغاة أو متأولين أو مرتدين أو محاربين ، ردهم الى دار الأمن (٣) ان كانوا قد خرجوا عنها ، والا أقرهم فيها.

__________________

(١) في بعض النسخ : الاستنصار.

(٢) ولم يتعرض.

(٣) في بعض النسخ : دار الحرب.

٢٤٨

وان أبوا الإجابة وسألوا النظرة لينظروا لأنفسهم أنظرهم مدة معلومة ينصب لهم فيها من يحاجهم وينبئهم على فساد ما هم عليه ، فان أقروا بالحق سار فيهم بما ذكرناه وان أقاموا على الإباء وكانوا كتابيين وهم اليهود والنصارى والمجوس عرض عليهم الجزية والدخول تحت الذمة.

فإن أجابوا ضرب الجزية على رءوسهم وأقرهم في دارهم وجعل على أراضيهم قسطا يؤدونه مع جزية رءوسهم ، وان امتنعوا قاتلهم حتى يؤمنوا أو يعطوا الجزية.

وجزية الرؤوس مختصة بأحرار رجالهم العقلاء البالغين السليمين دون النساء والعبيد والأطفال والمجانين وذوي العاهات من فقرائهم بحسب ما يراه مما ينهضهم ويجدون منه في كل سنة مرة في وقت معين فمن أسلم قبل حلول الأجل سقطت عنه (١) الجزية.

ويشترط عليهم أن لا يجاهروا المسلمين بكفرهم ، ولا يتناولوا المحرمات عندهم ، ولا يسبوا مسلما ولا يصغروا به (٢) ، ولا يعينوا على أهل الإسلام بنفس ومال ولا رأى ، ولا يجدوا (٣) بيعة ولا كنيسة ، ولا يعيدوا ما استهدم منها ،

فإنهم متى خالفوا شيئا من ذلك برئت ذمتهم وحلت دماؤهم وأموالهم ونساؤهم وذراريهم.

فإن أجابوا ودخلوا تحت هذه الشروط فهم في ذمة الله تعالى ورسوله ، يجب نصرهم والمنع منهم.

ويلزم إحضارهم مجالس العلماء بالحجة ليسمعوا الدعوة وتثبت عليهم الحجة.

__________________

(١) في المختلف : بقية الجزية.

(٢) ولا يصغرونه : ظ.

(٣) ولا يتخذوا. كذا في بعض الكتب الفقهية.

٢٤٩

وان خرقوا [ خرجوا. خ ] الذمة بمخالفة أحد هذه الشروط فدماؤهم هدر ، وأموالهم وذراريهم في‌ء للمسلمين.

وان كانوا مشركين وهم من عدا الكتابيين من الكفار وأبوا الإجابة قاتلهم حتى يؤمنوا ، ويلزم قتل الجميع مقبلين ومدبرين ، ويجهز على جرحاهم ، وأموالهم وذراريهم وأهليهم ( كذا ) في‌ء للمسلمين.

وان كانوا مرتدين بخلع ربقة الإسلام من أعناقهم أو جحد فرض أو استحلال محرم معلومين من دين النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كصلاة الخمس والزكاة والخمر والميتة ، وكانوا ممن ولدوا على الفطرة قتلوا من غير استتابة.

وان كانوا ممن ولد على كفر ثم أسلم ، عرضت عليه التوبة والرجوع الى الحق ، ونبه على خطائه بالحجة الواضحة ، فان أناب إلى الحق فلا سبيل عليه ، وان أبى الا الإقامة على ردته قتل ، وان كان ممن استتيب مرة قتل من غير استتابة ثانية ولا سبيل على أموالهم الخارجة عن محل الحرب ولا ذراريهم على حال ولا نسائهم المقيمات على الإسلام.

وان ارتددن النساء عرضت عليهن التوبة فإن أبينها خلدن الحبس وضيق عليهن في المطعم والمشرب حتى يؤمن أو يهلكن. فان خرجن الى رجالهن الى دار الحرب سبين ، وحكم واحد المرتدين حكم الجماعة.

وان كانوا متأولين وهم الذين يتظاهرون بجحد بعض الفروض واستحلال بعض المحرمات المعلومة بالاستدلال كإمامة أمير المؤمنين أو أحد الأئمة عليهم‌السلام أو مسح الرجلين أو الفقاع أو الجري أو وصف الله تعالى بغير صفاته الراجعة إليه تعالى نفيا وإثباتا والى أفعاله ، دعوا إلى الحق ويبين لهم ما اشتبه عليهم بالبرهان ، فان أنابوا قبلت توبتهم وان أبوا إلا المجاهرة بذلك قتلوا صبرا.

٢٥٠

وان كانوا مستسرين به في دار الأمن لم يعرض (١) لهم بغير الدعوة الى الحق بالحجة ، فإن خرجوا بتأولهم هذا عن دار الأمن ، وأظهروا السلاح وأخافوا سلطان الحق ومتبعيه (٢) كطلحة والزبير وعائشة وأتباعهم ومعاوية وأنصاره وأهل النهروان ، فان الخلال المذكورة اجتمعت فيهم ، من جحد امامة الامام العادل ، واستحلال دماء المسلمين ، وإظهار السلاح في دار الأمن ، وقتل أنصار الحق على اتباعه وخلافهم ، والسيرة فيمن جرى مجراهم بعد الدعوة واقامة الحجة وحصول الإصرار بمنابذتهم بالحرب وقتلهم والحرب قائمة مقبلين ومدبرين ، والإجهاز على جرحاهم.

فان انهزموا وكانت لهم فئة يرجعون إليها كمعاوية وأصحابه ، فحالهم بعد الانهزام كحالهم والحرب قائمة ، وان لم تكن لهم فئة ترجعون إليها كأنصار الجمل لم يتبع منهزمهم ، ولم يجهز على جريحهم ، ولم يعرض لمن رجع منهم الى دار الأمن أو ألقى سلاحه أو لحق بأنصار الحق.

ويقسم ما حواه معسكر (٣) الجميع وما استعانوا به على الحرب من الأموال والكراع والسلاح دون ما خرج عنه من ذلك ولا يعرض لنسائهم وذراريهم على حال.

وان كانوا محاربين وهم الذين يخرجون عن دار الأمن لقطع الطريق واخافة السبيل والسعي في الأرض بالفساد ، فعلى سلطان الإسلام أو من تصح دعوته أن يدعوهم الى الرجوع الى دار الأمن ويخوفهم من الإقامة على المحاربة من تنفيذ أمر الله فيهم ، فان أنابوا ووضعوا السلاح ورجعوا الى دار الأمن فلا

__________________

(١) لم يتعرض.

(٢) في بعض النسخ : ومشيعيه.

(٣) عسكر.

٢٥١

سبيل عليهم ، الا أن يكونوا قد أخذوا مالا فيردوه أو قتلوا مسلما أو ذميا أو جرحوا فيقتص منهم للمسلم وتؤخذ دية الذمي.

وان أصروا على الحرب قصد بأنصار الإسلام إليهم وهم كل متمكن من الحرب وان كان الداعي ظالما.

وفرض النصرة في قتال المحاربين على الكفاية وإذا ظهر (١) عليهم فدم قتلاهم (٢) هدر وقتلى المسلمين بهم شهداء.

ويرد ما تعين من الأموال إلى أربابها ، ويقسم ما عدا ذلك بين الأنصار ويقبض (٣) ممن بقي بمن قتلوه في حال المحاربة وقبل الدعوة.

ولا يعرض لشي‌ء من أموالهم وأملاكهم الخارجة عن محل الحرب.

وفرضه في الأسرى ان كانوا في محاربتهم قتلوا ولم يأخذوا مالا أن يقتلهم ، وان ضموا الى القتل أخذ المال صلبهم (٤) بعد القتل ، وان تفردوا بأخذ المال أن يقطعهم من خلاف ، وان لم يقتلوا ولم يأخذوا مالا أن ينفيهم من الأرض بالحبس أو النفي من مصر الى مصر حتى يؤمنوا أو يرى الصفح (٥) عنهم.

ولا يجوز له ولا لأحد من الأولياء العفو عن القتل ولا القتل متى استحقا (٦)

__________________

(١) أظهر.

(٢) في بعض النسخ : فدمائهم هدر.

(٣) كذا في النسخ ، ولعل الصحيح : ويقتص.

(٤) كان في نسخنا : وصلبهم ، وحذفنا الواو ، ولعل الصحيح : وان ضموا الى القتل أخذ المال ، أخذ المال وصلبهم بعد القتل.

(٥) في بعض النسخ : التصفح.

(٦) كذا في النسخ.

٢٥٢

بعد الأسر ويصح قبله مع ظهور التوبة العفو عن القتل ، وعن القصاص (١) بالجراح مع الإصرار.

وإذا عزم على قتال أحد الفرق بعد الاعذار والانذار فليستخر الله تعالى في ذلك ، ويرغب إليه في النصر وليعب أصحابه صفوفا ، ويجعل كل بني أب وكل أهل مصر تحت راية أشجعهم وأبصرهم بمكيدة الحرب ، ويجعل لهم شعارا يعرف به بعضهم بعضا ، ويقدم الدارع أمام الحاسر ، ويقف هو في القلب ومعه الرحل ، ويقدم أصحاب الخيل للطراد ، ويجعل بإزاء أهل القوة من العدو اولى ( كذا ) القوة من المسلمين.

وليوصهم بتقوى الله العظيم ، والإخلاص في طاعته ، وبذل الأنفس في مرضاته ، وصدق النية في لقاء عدوه ، ويذكرهم مالهم في ذلك من الثواب ويرغبهم في الشهادة وما لهم من الفضل بالظهور على الأعداء من علو الكلمة ، وما يستحقونه من جزيل الثواب على الشهادة ان فاتهم الظفر ، ويخوفهم الفرار وما فيه من عاجل العار وآجل الدمار ، ويتلوا آيات الجهاد ويأمرهم بسد الخلل وتقوية ما ضعف من الصفوف ، والإقبال براياتهم على اللقاء وبذل الجهد واستفراغ الوسع ، وغض الأبصار ، والإمساك عن الكلام الا بذكر الله والتكبير ، وتوطين الأنفس على الصبر.

وإذا أراد الحملة فليأمر بعضا فليحملوا حملة رجل واحد ويبقى بعض معه فئة لهم يتجاوزوا إليها (٢) وليصدقوا الحملة (٣) ويجمعوا القلوب على الاقدام

__________________

(١) كذا في النسخ.

(٢) في الغنية : يتخير إليها صفوفهم.

(٣) في بعض النسخ : الجملة.

٢٥٣

غير مكذبين ولا متناكسين (١) فيقتلوهم مقبلين ومدبرين ، فان تضعضع لهم القوم فليزحف أمير الجيش بمن معه زحفا يبعث المقابلة (٢) وفرسان الطراد على الأخذ بكظم (٣) القوم حتى يفضوا صفوفهم ويزيلوها عن أماكنها فإذا كان ذلك فليحمل بمن معه حملة واحدة ويحملون امامهم فيوشك الفتح لا محالة.

وليوصهم بما كان أمير المؤمنين عليه‌السلام يوصى به أصحابه إذا صافوا العدو :

عباد الله اتقوا الله وغضوا الأبصار واخفضوا الأصوات وأقلوا الكلام ووطنوا أنفسكم على المنازلة والمجاولة والمبارزة والمنابذة والمعانقة والمكارمة وأنيبوا الى ربكم (٤) واذكروا الله (٥) لعلكم تفلحون (٦).

ان الله تعالى دلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم وتسعى (٧) بكم الى الخير : الايمان بالله والجهاد في سبيله وجعل ثوابه مغفرة الذنب (٨) ومساكن طيبة في جنات عدن (٩) ( إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ ) فسووا صفوفكم كالبنيان (١٠) وقدموا الدارع وأخروا الحاسر وعضوا

__________________

(١) ولا متناكصين.

(٢) المقاتلة.

(٣) كذا في النسخ ، وفي الغنية المطبوعة : بضم القوم.

(٤) في الوسائل : « واثبتوا » مكان « وأنيبوا الى ربكم ».

(٥) في الوسائل : كثيرا.

(٦) الوسائل ١١ ـ ٧١.

(٧) في الوسائل : ويشفي بكم على الخير.

(٨) للذنب.

(٩) وقال عزوجل.

(١٠) المرصوص.

٢٥٤

على النواجد فإنه أنبى للسيوف (١) والتووا على أطراف الرماح فإنه أمر (٢) للأسنة وغضوا الأبصار فإنه أربط للجأش وأسكن للقلوب وأميتوا الأصوات فإنه أطرد للفشل وأولى بالوقار ولا تميلوا براياتكم (٣) ولا تجعلوها الا مع شجعانكم (٤) ولا تمثلوا بقتيل وإذا وصلتم الى رحال القوم فلا تهتكوا سترا ولا تكشفوا عورة (٥) ولا تدخلوا دارا ولا تأخذوا شيئا من أموالهم إلا ما وجدتم في عسكرهم ولا تهيجوا امرأة بأذى وان شتمن أعراضكم وسببن أمراءكم وصلحاءكم فإنهن ضعاف (٦) القوى والأنفس والعقول :

رحم الله امرءا واسى أخاه بنفسه ولم يكل قرنه إلى أخيه فيجتمع عليه قرنه وقرن أخيه فيكتسب بذلك اللائمة (٧) ويأتي بدناءة وكيف لا يكون كذلك وقد فرض الله عليه سبحانه (٨) قتال الاثنين وهو ممسك يده عن قرنه قد خلاه على أخيه (٩) هاربا منه ينظر اليه ومن يفعل ذلك يمقته الله فلا تتعرضوا لمقت الله [ فان ممركم الى الله ] وقد قال الله عزوجل : ( قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرارُ إِنْ فَرَرْتُمْ

__________________

(١) عن الهام.

(٢) كذا في النسخ ، وفي الوسائل : أمور.

(٣) في الوسائل : ولا تزيلوها.

(٤) في الوسائل : فإن المانع للذمار والصابر عند نزول الحقائق هم أهل الحفاظ.

(٥) ليست هذه الجملة في الوسائل.

(٦) في الوسائل : ناقصات القوى.

(٧) كذا في الوسائل ، وفي نسخنا : فيكسب ذلا.

(٨) في الوسائل مكان هذه الجملة : وهو يقاتل الاثنين.

(٩) في الوسائل : وهذا ممسك يده قد خلا قرنه على أخيه.

٢٥٥

مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذاً لا تُمَتَّعُونَ إِلّا قَلِيلاً ) وأيم الله لئن فررتم من سيوف العاجلة لا تسلمون من سيف الأجلة واستعينوا بالصبر والصدق (١) فإنما ينزل النصر بعد النصر ، فجاهدوا (٢) في الله حق جهاده ولا قوة إلا بالله (٣).

ومن السنة أن يؤخر الى أن تزول الشمس ويصلى الصلاتان ، روى عن أمير المؤمنين عليه‌السلام انه كان يقول : « إذا زالت الشمس تفتح أبواب السماء وتنزل الرحمة والنصر وهو أقرب الى الليل وأجدر أن يقل القتل ويرجع الطالب ويفلت المنهزم » (٤).

ولا تبدأ (٥) العدو بالحرب بعد الاعذار حتى يكونوا هم الذين يبدؤن به لتحق الحجة ويتقلدوا البغي.

ولا يجوز لمسلم أن يستبرز كافرا إلا بإذن سلطان الجهاد ، ويجب عليه أن يبرز الا من استبرز (٦) بغير اذن.

ولا يجوز قتل الشيخ الفاني الا أن يكون من أهل الرأي كـ « دريد بن الصمة » ولا المرأة ولا الصبي ولا المريض المدنف ولا الزمن ولا الأعمى ولا المأوف العقل ولا لمتبتل في شاهق الا أن يقاتلوا فيحل قتلهم.

ولا يجوز حرق الزرع ولا قطع شجرة الثمر (٧) ولا قتل البهائم ولا خراب المنازل ولا التهتك بالقتلى.

__________________

(١) في بعض النسخ : والصلاة.

(٢) وجاهدوا.

(٣) الوسائل : ١١ ـ ٧١ ـ ٧٢.

(٤) راجع الوسائل : ١١ ـ ٤٧.

(٥) كذا.

(٦) استبرزه.

(٧) الشجر المثمر.

٢٥٦

ولا يجوز لمسلم أن ينهزم من محاربين ، ويجوز ذلك من ثلاثة نفر ( كذا ) ، والثبوت أفضل ولو كان ألفا.

ولا يجوز أن يستأسر الا أن يغلب على نفسه ويثخن جراحاً.

وإذا أسر المسلمون كافرا عرض عليه‌السلام ورغب فيه فان أسلم أطلق سراحه ، وان أبى وكان أسره والحرب قائمة (١) فالإمام مخير بين قتله وصلبه حتى يموت وقطعه من خلاف وتركه يجوز (٢) في دمه حتى يموت أو الفداء به ، وان كان أسره بعد ما وضعت ( الْحَرْبُ أَوْزارَها ) لم يجز له قتله وكان الامام مخيرا بين استعباده والمفاداة به والمن عليه ، ولا يجوز لغير الامام العادل المن عليه ويسوغ له ما عداه.

ويلزم من يفرد بغنيمة أو أسير أن يرده الى المقسم.

ولا سبيل على من نزل دار الكفر من المسلمين مختارا أو مضطرا ولا على ماله الا أن ينصر الكفار فيحل قتله وأخذ ما استعان به من المال على قتال المسلمين دون ما عداه ، ولا سبيل على أهله وولده ، وحكم رباعه وأراضيه حكم الدار التي هو فيها على كل حال.

ويجوز الابتداء بقتال الكتابيين والمرتدين والمتأولين ومن خرج الى دار الإسلام من ضروب الكفار لكيد أهلها في الأشهر الحرم ، ولا يجوز الابتداء فيها بقتال مشركي العرب ، فان بدؤا بالقتال فيها وجب قتالهم.

ولا يجوز لأحد من المسلمين أن يجير كافرا ولا يؤمن أهل حصن ولا قرية ولا مدينة ولا قبيلة إلا بإذن سلطان الجهاد فإن أجار بغير إذنه أثم ووجبت اجازة جواره ولم تحقر ذمته وان كان عبدا ، وأمسك عمن أجاره من الكفار حتى يسمع كلام الله فإن أسلم والا أبلغ مأمنه وكذلك حكم من أتى مستجيرا من الكفار.

__________________

(١) في المختلف : وكان أسره قبل انقضاء الحرب كان الامام مخيرا.

(٢) كذا.

٢٥٧

الضرب الثاني من سيرة الجهاد

مغانم المحاربين على ضربين :

أحدهما يصح نقله وهو الأموال والسلاح والرقيق والكراع وأمثال ذلك والثاني لا يصح نقله وهو الأرضون والرباع.

الضرب الأول من المغانم

يجب في جميع ما غنمه المسلمون من ضروب المحاربين منفردين به ومتناصرين ، بجملة الجيش أو السرايا ، بحرب وغير حرب ، إحضاره إلى ولى الأمر ، فإذا اجتمعت المغانم ، كان له ان كان إمام الملة أن يصفي قبل القسمة لنفسه الفرس والسيف والدرع والجارية ، وان يبدأ بسد ما ينوبه من خلل في الإسلام وثغوره ومصالح أهله ، ولا يجوز لأحد أن يعترض عليه وان استغرق جميع المغنم.

ويجوز ذلك لمن عداه من أولياء السلطان في الجهاد عن تشاور من صلحاء المسلمين ،

ثم يخرج الخمس من الباقي لأربابه ، ويقسم الأربعة الأخماس الباقية بين من قاتل عليها دون من عداهم من المسلمين ، للراجل سهم ، وللفارس

٢٥٨

سهمان ، فان كان مع الفارس فرس آخر سهم بسهم واحد ، ولا يسهم لما زاد على ذلك.

وغنائم السرايا عن الجيش رد على جميع الجيش ، وغنائم السرايا من المصر يختصهم ، وإذا أنفذت سرية من المصر فأردفت بأخرى ، فغنمت الأولة فالثانية مشاركة لها في الغنيمة.

ومن السنة تنفيل النساء قبل القسمة لأنهن يداوين الجرحى ويعللن المرضى ويصلحن أزواد ( كذا ) المجاهدين.

وإذا غنم المسلمون غنيمة بغير حرب فهي للإمام خاصة لكونها من الأنفال التي خصه الله تعالى بها.

وإذا ركب المسلمون في البحر فغنموا لم يختلف حال الغنيمة للفارس سهمان وللراجل سهم.

وإذا غلب الكفار على شي‌ء من أموال المسلمين وذراريهم ثم ظهر عليهم المسلمين وأخذوا منهم ما كانوا غلبوا عليه ، فالاهل والذراري خارجون عن الغنيمة ، والرقيق قبل القسمة لمالكية ، وبعد القسمة لا سبيل لهم عليه ، والأموال والخيل والكراع والسلاح وغير ذلك بعد حصوله في حرز الكفار وتملكهم له على ظاهر الحال فهي للمقاتلين عليه ، وقبل ذلك راجع الى أربابه من المسلمين.

ويجب صرف الجزية وما صولح عليه الكتابيون على أراضيهم وأنعامهم في أنصار الإسلام خاصة حسب ما جرت به السنة من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله.

القسم [ الضرب ظ ] الثاني من الغنائم

أراضي المحاربين خمس : فأرض أسلم أهلها عليها ، وأرض أخذت عنوة بالسيف ، وأرض صولح أهلها عليها ، وأرض سلمها أهلها من غير حرب أو

٢٥٩

جلوا عنها ، وأرض المرتدين وكفار التأويل والمحاربين.

فأما الأرض التي أسلم أهلها فهي لهم وملك في أيديهم ، وعليهم فيما يخرجه من الأصناف الأربعة الزكاة حسب.

فان باع المسلم الأرض أو وهب أو صدق أو وقف أو آجر لزم من انتقلت اليه ما كان على الأول من حقوق الأرض.

فإن تركها حتى بارت ثلاثا أخذت منه وسلمت الى من يعمرها ويخرج منها الحق.

وأما الأرض المأخوذة عنوة فيلزم الناظر تقبيلها بما يراه مدة معلومة ، ويشترط على متقبلها إخراج الزكاة من أصل ما يخرجه من الأصناف الأربعة إلى أهلها وأخذ ما بقي عن شرط القبالة فيصرف إلى أنصار الإسلام.

فإن قصر المزارع في عمارتها وزراعتها كان له فسخ العقد وأخذ الأرض منه وتسليمها الى من يراه.

وله صرف ذلك في مصالح الإسلام وسد ثغوره وتقويته بالخيل والسلاح على أعدائه ، ولا يجوز لأحد أن يعترض عليه في ذلك.

وأما أرض الصلح فمختصة بأرض الكتابيين دون من عداهم من ضروب الكفار الذين لا تجوز هدنتهم ولا مصالحتهم على شي‌ء ، فلا حد لمقدار ما يقع الصلح عليه ، وانما هو بحسب ما يراه سلطان الإسلام ، ولمن بعده من الأئمة عليهم‌السلام ( كذا ) الزيادة عليه والنقصان منه.

ويصح صلحهم على جزية الرؤوس خاصة وعلى الأمرين.

فإن باع الذمي أو وهب أو صدق أو وقف شيئا من أرض الصلح لذمي حرا أو عبدا فعلى من انتقلت اليه من الخراج ما كان على الأول ، فإن كان انتقالها الى مسلم فعليه فيها ما كان على الذمي : العشر أو نصفه من الأصناف الأربعة إلى

٢٦٠