الكافي في الفقه

أبي الصّلاح تقيّ بن نجم الحلبي

الكافي في الفقه

المؤلف:

أبي الصّلاح تقيّ بن نجم الحلبي


المحقق: رضا الاستادي
الموضوع : الفقه
الناشر: مكتبة الإمام أمير المؤمنين عليه السلام العامّة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٤٤

فصل في العمرة المبتولة

العمرة المبتولة واجبة على أهل مكة وحاضريها مرة في العمر ، متمتعة (١) بالعمرة إلى الحج يجزيه مثل عمرة مفردة ، وكل منهم مرغب بعد تأدية الواجب عليه الى الاعتمار في كل شهر مرة أو في كل سنة مرة وأفضل [ أوقات ] (٢) السنة للاعتمار شهر رجب.

وصفتها أن يحرم حاضروا مكة من أي المواقيت (٣) ويحرم أهل كل مصر من ميقاتهم بعد الغسل ولبس ثوبي الإحرام وصلاة ركعتين ، يقول بعدهما مريده : « اللهم اني أريد العمرة فيسرها لي وأعنى على أدائها ، فإن عرض لي عارض فحلني حيث حبستني لقدرك الذي قدرت علي ، أحرم لك شعري وبشرى » ـ الى آخر الكلام الذي قلناه في إحرام الحج.

ثم ينهض فيلبي ولا يزال ملبيا لتلبيته الواجبة والمندوبة ، ويقول في تلبيته : « لبيك اللهم بعمرة (٤) تمامها عليك لبيك » ، فاذا عاين البيت قطع التلبية وأتى

__________________

(١) كذا.

(٢) زدنا كلمة « الأوقات » لتكميل العبارة.

(٣) هنا بياض في بعض النسخ.

(٤) لعمرة.

٢٢١

المسجد فوقف على بابه ودعا بما ذكرناه في طواف الحج.

ثم يدخل المسجد ، ويطوف بالبيت ، ويسعى بين الصفا والمروة ، على الوجه الذي تقدم شرحه.

ثم يرجع الى البيت فيطوف طوافا آخر وهو طواف النساء لازم في العمرة المبتولة كالحج.

ثم يحلق رأسه ويذبح ان كان قد ساق هديا أو تبرع بالذبح ان شاء.

وحكم هدي العمرة حكم هدى الحج في السياق ، الا انه ينحر أو يذبح هدى العمرة قبالة الكعبة ، وقد أحل من كل شي‌ء أحرم منه.

فإن أحصر بمرض أو صد بعدو فحكمه ما قدمناه في المحصور والمصدود عن الحج.

٢٢٢

فصل في الزيارة

زيارة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عند قبره وكل واحد من الأئمة عليهم‌السلام من بعده في مشاهدهم من السنن المؤكدة والعبادات المعظمة ، في كل جمعة أو في كل شهر أو في كل سنة ان أمكن ذلك ، والا فمرة في العمر.

ويلزم قاصد الزيارة أن يخرج من منزله عازما عليها لوجهها مخلصا بها له سبحانه ، فاذا انتهى الى مسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أو مشهد الامام عليه‌السلام فليغتسل قبل دخوله ، ويلبس ثيابا طاهرة جددا إن أمكن ، أو مغسولة ، ويأت القبر مما يلي الرأس وظهره إلى القبلة ، ووجهه تلقاء وجه المزور عليه‌السلام ويسلم عليه ويذكره بما هو أهله.

فاذا فرغ من الزيارة فليضع خده الأيمن على القبر ويدعو الله تعالى ويتضرع اليه بحقه ويرغب اليه أن يجعله من أهل شفاعته ، ثم يضع خده الأيسر ويدعو ويجتهد ، ثم يتحول الى عند الرأس فيسلم عليه ويعفر خديه على القبر ويدعو ، ثم يصلي عنده ركعتين ، يعقبهما بتسبيح فاطمة عليها‌السلام ويدعو ويتضرع ، ثم يتحول الى عند الرجلين فيسلم ويدعو ويعفر خديه على القبر ويودع وينصرف.

وإذا كانت زيارة أمير المؤمنين عليه‌السلام فليبدأ بالتسليم على آدم ونوح

٢٢٣

ثم عليه عليه‌السلام ، لكون الجميع مدفونا في لحد واحد ، فاذا فرغ من الزيارة فليصل عند الرأس ست ركعات لزيارة كل حجة منهم ركعتان.

وتفصيل ما أجملناه من الزيارات وشرح أذكارها موجود في غير موضع من كتب السلف رضي‌الله‌عنه من طلبه وجده.

ومن لم يتمكن من زيارة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله والأئمة عليهم‌السلام بحيث (١) قبورهم لبعد داره أو لبعض الموانع فليزر من شاء منهم من حيث هو مصحرا أو من علو داره أو من مصلاه في كل يوم أو في كل جمعة أو في كل شهر.

ومن السنة زيارة أهل الإيمان أحياء وأمواتا ، ومن زار أخاه فلينزل على حكمه ولا يحتشمه ولا يكلفه ، ومن زاره أخوه فليستقبله ويصافحه ويعتنقه ويقبل كل واحد منهما موضع سجود الأخر ، وليكرم كل واحد منهما صاحبه ويخفى (٢) له ، وعلى المزور الاعتراف بحق زائره ، وليتحفه بما يحضره من طعام وشراب وفاكهة وطيب ، أو ما تيسر من ذلك ، وأدناه شرب الماء ، أو التوضي وصلاة ركعتين عنده والتأنيس بالحديث ، والتشييع له عند الانصراف.

وإذا زار قبر بعض الأموات فليستظهره ، ويجعل وجهه إلى القبلة ، ويقرأ سورة الإخلاص سبعا وسورة القدر سبعا ، ويدعو له بالرحمة والرضوان ، ويستغفر الله لذنبه وينصرف.

__________________

(١) في السرائر : بجنب.

(٢) كذا في النسخ ، وفي السرائر المطبوع : وذكر بعض أصحابنا في تصنيفه :

ويقبل كل واحد منهما موضع سجود الأخر ـ وقد روى في الاخبار التقبيل للقادم من الحج ـ وليكرم كل واحد منهما صاحبه وليتحف به وعلى المزور.

٢٢٤

فصل في النذور والعهود والوعود

لا ينعقد النذر إلا في طاعة خالصة لله ، مماثلة لما تعبد به الله سبحانه في شريعتنا ، معلقة ببلوغ طاعة أو مباح ، أو نجاة من مخوف ديني أو دنيوي.

فإن نذر مباحا لم ينعقد ، وان علق نذر الطاعة بمعصية لم ينعقد أيضا ، وكذلك ان علقه بفعل ما الاولى تركه ، أو ترك ما الاولى فعله ، أو بطاعة تخالف المشروع.

وهو على ضربين : مفروض ومسنون.

فالمفروض أن يقول الناذر في حال عقده : لله علي ان كان كذا وكذا من الأمور الحسنة كذا من الطاعات فعلا أو تركا أو يعزم (١) على الإيجاب ، فمتى بلغ ما علق النذر به وجب عليه ما نذره على الوجه الذي نذره في وقته.

فان كان متعينا له مثل ، كيوم خميس أو شهر محرم ، فليفعله في أول الأزمنة من تمكنه ، وان كان متعينا لا مثل له ، كشهر معين من سنة معينة أو من كل سنة أو كل خميس ، فعليه فعله فيه ، فان فرط حتى فات فعليه قضاؤه وكفارة من أفطر يوما من شهر رمضان.

__________________

(١) كذا في النسخ ، والظاهر : ويعزم.

٢٢٥

وان حضر الزمان وهو غير متمكن من فعله فهو في ذمته الى حين إمكانه.

وان علق فعله بمكان معين كمكة أو مسجد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أو بعض مشاهد الأئمة عليهم‌السلام ، أو شرط فيه صفة ، فعليه فعله في المكان ، وعلى الصفة ، ولا يجزيه من دونهما.

والمسنون أن يقول المكلف : ان كان كذا وكذا من المباح أو الطاعة فعلت كذا من الطاعات ، ولا يقول لله علي ، ولا يلزم (١) على الإيجاب ، فهو بالخيار في الوفاء بالنذر والإخلال به ، والأداء أفضل.

ومن عاهد الله سبحانه أن لا يفعل قبيحا ، أو يفعل طاعة في زمان معين لا مثل له ، ففعل القبيح فيه ، أو أخل بالطاعة مع ثبوت تكليفه ، لزمه ما يلزم المخل بفرض النذر المعين مختارا. وكذلك حكمه إذا عاهد الله أن لا يفعل قبيحا معينا أبدا ففعله.

وان كان المعهود معلقا بوقت له مثل أو بصفة ففعله في غيره أو بغير صفته فعليه استينافه في وقته وبصفته.

ومن وعد غيره بما يحسن الوفاء به فعليه الوفاء به ، لان خلفه كذب يجب اجتنابه ، وان كان لو لم يف بالوعد لم يجب في الحكم إلزامه به. وان كان الوعد قبيحا لم يجز الوفاء به ويلزم الاستغفار منه لقبحه.

__________________

(١) كذا في النسخ ، ولعل الصحيح : ولا يعزم.

٢٢٦

فصل في الايمان

لا يمين شرعية إلا باسم من أسماء الله تعالى الحسنى دون غيرها من كل مقسم به ، وهو على ضربين : أحدهما يوجب الكفارة والأخر لا كفارة فيه.

فأما ما يوجب الكفارة فمن شرطه ان يتعلق بأن لا يفعل الحالف في المستقبل قبيحا أو مباحا لا ضرر عليه في تركه ، أو يفعل طاعة أو مباحا لا ضرر عليه في فعله معتقدا (١) لليمين بالقصد ، مطلقا لهما من الاشتراط بالمشية ، فيلزم الوفاء ، فان حنث الحالف فعليه التوبة من كذبه في قسمه ، والكفارة بعتق رقبة أو إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم ، فان لم يجد صام ثلاثة أيام.

والكسوة على الموسر ثوبان ، وعلى المعسر ثوب واحد ، والإطعام شبع المسكين في يومه ، فان لم يجد الا واحدا كرر الإطعام عشرة أيام.

ولا يجوز الانتقال الى الصوم الا لمن لم يجد ثوبا زائدا على ستر عورته وطعاما زائدا على قوته وعياله ليومه.

ولا كفارة قبل الحنث. فان علق اليمين بالمشية فقال : « والله لأفعلن كذا ان شاء الله » أبطل حكمها ولم تلزمه كفارة مع الحنث.

__________________

(١) كذا.

٢٢٧

فأما ما لا كفارة فيه فعلى ضروب :

منها أن يتعلق اليمين بفعل تركه أولى ، أو ترك فعله أولى في الدين ، فتكون مخالفتها أولى ولا كفارة.

ومنها أن يحلف على ماض وهو كاذب فيه كقول : والله ما فعلت كذا وقد فعل ، أو والله لقد فعلت كذا وما فعله ، فهو مأزور لكذبه في قسمة تلزمه التوبة دون الكفارة.

ومنها أن يحلف على جحد حق لغيره يتمكن من أدائه إليه ، فهو مأزور يلزمه الخروج إلى ذي الحق منه ولا كفارة عليه.

ومنها أن يحلف على غيره ليفعلن كذا فهو مأثوم يلزمه التوبة ، والمحلوف عليه بالخيار ، والأفضل أن يبر قسمه ما لم يكن عامة (١) ضرر فيه ، ولا كفارة عليهما.

ومنها أن يستحلف غيره شافعا إليه في مندوب أو مباح ، فالمشفوع اليه باليمين بالخيار ، والأفضل قبول الشفاعة ، ولا كفارة عليهما بحال.

ومنها اللغو ، وهو قول القائل : لا والله بلى والله ، من غير أن يعقد (٢) القسم بالنية فلا تلزمه كفارة والاولى تجنب ذلك.

واليمين بالمصحف والنبي والامام وذي الرحم المؤمن خلاف للسنة والحالف مرغب في الوفاء بما حلف عليه ، وان حنث أثم لكذبه ولا كفارة عليه.

ولا يمين بطلاق ولا عتاق ولا ظهار ، والحالف آثم لتدينه بخلاف المشروع ، ولا يلزم حكم ما حلف عليه.

__________________

(١) كذا في النسخ ، ولعل الصحيح : ما لم يكن عليه ضرر فيه.

(٢) في بعض النسخ : أن يقصد.

٢٢٨

ولا يمين للولد مع والده ، ولا للعبد والأمة مع السيد ، ولا للمرأة مع الزوج فيما يكرهونه من المباح.

ولا يجوز لأحد أن يحلف لغيره ليفعل (١) قبيحا أو يخل بطاعته مختارا كاستحلاف الظلمة لأعوانهم ، فان اضطر جاز ذلك ، ولا يحل له الوفاء باليمين.

ومن طالبه ظالم بتسليم ما لا يستحقه لم يجز له ذلك ، فان استحلفه عليه فليحلف ويورى في يمينه بما يخرج به عن الكذب ، ولا شي‌ء عليه ، وهو مأجور وان لم يفعل خوفا من اليمين وسلم ما لا يستحقه تسليمه فهو ضامن له.

ولا يحل لمدين أن يضطر غريمه المعسر الى اليمين ، فان اضطره إليها فهو مأزور.

ويجوز للغريم إذا خاف من الإقرار الحبس أن ينكر حقه ويحلف له ويورى في إنكاره ويمينه عليه بما يخرج به عن الكذب.

وقول القائل : هو بري‌ء من الله أو رسوله أو أحد الأئمة عليهم‌السلام مطلقا مختارا يقتضي كونه مأثوما تجب عليه التوبة وكفارة ظهار ، فان كان مكرها فلا شي‌ء عليه.

وان علق ذلك بشرط أثم ، فان خالف ما علق عليه البراءة فعليه الكفارة المذكورة.

وان قال : هو بري‌ء من الإسلام ، أو هو كافر ، أو هو مشرك ، أو فاسق ان كان كذا ، أو لم يكن ، أو قد كان ، أو ما كان كذا فهو مأزور صادقا كان أم كاذبا. وكذلك حكمه ان استحلف غيره بالبراءة (٢) ، وذلك الغير مرغب في الإجابة ، ولا كفارة في شي‌ء من ذلك على حال.

__________________

(١) أن يفعل.

(٢) كذا في بعض النسخ ، وفي أكثرها : البراء.

٢٢٩

فصل في الوديعة(١)

الوديعة أمانة يجب حفظها وردها عقلا ، ولها أحكام شرعية اقتضت إيرادها هاهنا :

فمنها أن المرء مخير في قبولها ، والامتناع منه أولى ما لم يكن فيه ضرر على المودع ، فاذا قبلها وجب عليه حفظها كماله ، ولم يجز له التفريط ، ولا التصرف في عينها ، ولا تعدى المرسوم ، فان فرط في حفظها أو تعدى مرسوما أو تصرف في عينها ضمنها وما أربحت وهو مأزور ، وتلزمه اضافة ربحها إليها ورد الجميع الى المودع متى طلبها أو من يقوم مقامه في استحقاقها.

فان طلبها من لا يستحقها لم يجز له الإقرار بها ، ولا تسليمها ، فإن أكره على الإقرار بها بالقتل جاز له ولا يجوز له أن يسلمها وان خاف القتل ، فان سلمها بيده أو بأمره ضمنها.

فان هجم الغاصب منزله فأخذها قسرا (٢) فلا ضمان عليه.

فان مات المودع قام ورثته مقامه في حفظها وتسليمها الى مستحقها ، و

__________________

(١) في بعض النسخ : فصل في الأمانات.

(٢) في بعض النسخ : قهرا.

٢٣٠

ان مات المودع لم يجز للمودع ولا من يقوم مقامه تسليمها الى ورثته حتى يحيط علما بتكاملهم وتعين (١) استحقاقهم ، ولا يجوز له تسليمها الى من لا يعلم أنه لا يستحقها (٢) من الأهل وان حكم بها ظالم على غير موجب الشريعة في التوريث ، وليخص بتسليمها من يعلم كونه مستحقا لها في الملة.

فإن اضطر الى الجور (٣) فليسلمها الى من يعلم أنه يستحقها دون غيره فيكون التعدي عليه دون المودع ، فإن أعطاها أو بعضها من لا يستحقها من أقارب المودع فهو ضامن. وان أخذها أو أخذت له غلبة فلا ضمان عليه فيها.

وان لم يخلف المودع وارثا فهي من مال الأنفال.

وان هلكت من غير تفريط ولا تعد لم يضمن ، فان ادعى المودع تفريطا فعليه البينة ، فان لم يقمها فالقول قول المودع ان كان مأمونا ، وان ارتيب به استحلف على ما يقول ، فان اعترف بتعد فيها أو قامت به بينة فعليه قيمتها ، وان اختلفا في القيمة أخذ منه ما أقر به ، وطولب المودع بالبينة على ما زاد على ذلك ، فإن أقام بينة حكم بها والا حلف المودع وبري‌ء ، وقد روى : « ان اليمين في القيمة على المودع » وفي هذا نظر.

وان كان المودع لا يملك الوديعة أو لا يصح منه الإيداع كالغاصب والكافر الحربي فعلى المودع أن يحمل ما أودعه الحربي إلى سلطان الإسلام العادل عليه‌السلام (٤) ويرد المغصوب الى مستحقه ، فان لم يتعين له ولا من ينوب منابه حملها الى الامام العادل ، فان تعذر ذلك في المسألتين فعلى المودع حفظ الوديعة

__________________

(١) تعيين.

(٢) كذا في النسخ ، والظاهر زيادة « لا » في إحدى الجملتين.

(٣) كذا.

(٤) كذا.

٢٣١

الى حين التمكن من إيصالها إلى مستحق ذلك ، والوصية بها الى من يقوم مقامه فيها ، ولا يجوز ردها الى المودع مع الاختيار.

فان كانت الوديعة مختلطة بحلال وحرام فتميز أحدهما من الأخر فعلى المودع رد الحرام إلى أهله ان عرفهم ، والا صنع ما رسمناه ، والحلال الى المودع ، فان لم يتميز له الحلال من الحرام فهي أمانة للمودع يجب ردها متى طلبها.

ويجب على من استوجر لعمل ، أو استأجر شيئا ، أو استعار ، أو منح منيحة (١) ، أو عمل صناعة ، أو كلف رسالة ، أو توسط صلحا ، أو باع شيئا ، أو ابتاع ، أو استسر سرا ، أو استشير في أمر ، أو فعل ما يتعدى ضرره أو نفعه الى غيره أو ترك (٢) أن يؤدى في جميع ذلك الامانة ، ويجتنب الخيانة ، فان لم يفعل فهو مأزور وضامن لما يجنيه بخيانته في مال غيره ، ومحرم عليه ثمن البيع وأجر الصنعة والإجارة والوساطة مع الخيانة ، ومتى علم ذلك كان العقد مفسوخا.

__________________

(١) كذا يقرء ما في بعض النسخ.

(٢) تركه. ظ.

٢٣٢

فصل في الخروج من الحقوق

يجب على من تعين عليه حق لآدمى في ماله بقرض أو بيع أو إجارة أو غير ذلك أن يخرج منه في أول أحوال الإمكان ، ويقصد بذلك الوجه الذي له وجب فان منع حقا أو أخره عن محله مختارا فهو مأزور ، يجب عليه تلافى فارطه (١) بالخروج منه ، والتوبة من عصيانه.

فان كان معسرا وجب على غريمه إنظاره.

وان تعين عليه شي‌ء من حقوق التكليف كالنذور والكفارات وغيرهما وجب عليه فعله على الفور من أحوال تمكنه ، بصفته المشروعة ، لكونه مصلحة متقربا بها اليه سبحانه.

فان تعذر فعله لبعض الاعذار فهو في ذمته ، فان مات قبل الخروج من حقوق الله تعالى أو حقوق الآدميين فهو ثابت في تركته قبل الوصية والميراث ، وسيورد تفصيل ما لم يمض تفصيله من هذه الجملة فيما بعد بعونه تعالى.

__________________

(١) في بعض النسخ : ما فارطه ، وفي بعضها الأخر : ما فاته.

٢٣٣

فصل في الوصايا

الوصية واجبة على كل مكلف وجوبا موسعا مع ظهور أمارات البقاء ، ومضيقا مع ظهور أمارات الموت ، وتقديمها أولى على كل حال وأحوط في الدين.

والواجب منها الإقرار بجمل التكليفين عقلا وسمعا ليظهر ذلك من حال الموصى فيعتقده فيه من لم تتقدم له معرفة ، ويتأكد اعتقاد العارف. وان كان عليه حقوق دينية كالنذور والكفارات والخمس والأنفال والصدقات ، أو دنيوية كالديون وقيم المتلقيات وأروش الجنايات والإجارات وغير ذلك ، بدأ بذكره ثم بحجة الإسلام ، وليس ذلك من الثلث.

فان لم يكن له مال يوفى بما عليه من الحقوق فليوص إلى أوليائه وإخوانه ليقوموا بها من حقوق أموالهم أو يتبرعوا عليه به.

فان لم تكن عليه حقوق يعلمها فهو مرغب في الوصية من ثلثه بجزء في النذور والكفارات ، وجزء في الحج التطوع ، وجزء في الزيارات ، وجزء يصرف الى من لا يرث من ذوي أرحامه ، وجزء في فقراء آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله وأيتامهم وأبناء سبيلهم ، وجزء في فقراء المؤمنين.

وان لم يكن له مال اقتصر على ما ذكرناه من الإقرار بجمل التكاليف والوصية لمن حضره أو غاب عنه بتقوى الله تعالى والتمسك بما هو عليه من الحق وليرغب

٢٣٤

فيه ، ويخوف من خلافه ، ويأمر في وصيته بتغسيله وتحنيطه وتكفينه والصلاة عليه ودفنه على السنة.

وليشر من يتولى ذلك من ذوي البصيرة والورع ، وليستند وصيته الى من يعلم (١) عدالته ومعرفته بالدين واطلاعه بما يستند اليه (٢) وليشهد عليها من أمكن اشهاده من عدول أهل الإيمان أدناه رجلين ، ويجوز إشهاد النساء في الوصية عند عدم الرجال ومع وجودهم.

فان كان بحيث لا يجد مسلما ولا مسلمة فليشهد ذوي العدالة من أهل الكتاب.

ويجوز تغيير الوصية والاستبدال بالأوصياء ، ولا يجوز ذلك لأحد بعد وفاته.

فاذا قبض الموصي فليخرج ما أوصى به من الحقوق الواجبة في حياته من أصل التركة وان لم يوص بها ، وما عدا ذلك من الثلث ، وان تجاوز الوصية به الثلث (٣) رد الى الثلث. فان استغرقت الوصية جملة التركة امضى منها الثلث.

والوصية ماضية للوارث كالأجنبي.

وإذا مات الوصي فعلى الناظر في مصالح المسلمين أن ينصب بدلا منه وان ضعف فليضم اليه غيره.

وإذا نظر الوصي للورثة بالمعروف مضى نظره ، فان خالفه أو تعدى المشروع وان كان أنفع للورثة بطل ما فعله.

وإذا كان الوصي فقيرا فقطعه النظر فيما أسند إليه عن التكسب فله اجرة مثله من مال الورثة بالمعروف ، ويحل له مثل ذلك وان كان غنيا ، والتنزه عنه أفضل.

__________________

(١) في بعض النسخ : من لا يعلم عدالته.

(٢) في بعض النسخ : واضطلاعه بما يسند اليه.

(٣) وان تجاوز في الوصية الثلث.

٢٣٥

فصل في أحكام الجنائز من فروض الكفاية

فيلزم من حضر مسلما قد احتضر أن ينقله الى موضع مصلاه ، وليوجهه إلى القبلة ، ويلقنه جمل المعارف وكلمات الفرج ، فاذا قضى نحبه فليغمض عينيه ، ويطبق فاه ، ويمد يديه مع جنبيه ويمد رجليه ، يتولى ذلك منه الرجال ، وان كانت امرأة تتولى ذلك منها النساء المأمونات العارفات ، وان فقد الرجال ، في حق الرجل تولى ذلك ذو أرحامه من النساء أو المأمونات من الأجانب. وكذلك الحكم في المرأة مع عدم النساء ، ولا يقرب موضعه بنوح (١) ولا غيره من القبائح.

وليكثر عنده من تلاوة القرآن ، وان كان ليلا أسرج عليه في البيت مصباح ، ولا يجعل عليه حديد.

فإذا أريد غسله فلينتقل الى سريره متوجها الى القبلة ويغسل على الوجه الذي ذكرناه في باب الأغسال ، يتولى ذلك العارف ، ويصب الماء عليه آخر ، وليكثر من قوله : عفوك عفوك.

وان كان الميت رجلا بين النساء غسله ذوات أرحامه ، فان لم يكن له

__________________

(١) هذه الكلمة أثبتت في النسخ على أشكال مختلفة ، ويحتمل أن يقرء كما أثبتناه.

٢٣٦

فيهن ذات محرم غسلته المأمونات في قميصه وهن مغمضات ، وان كانت امرأة بين الرجال غسلها زوجها أو بعض محارمها ، فان لم يكن فيهم محرم غسلها المأمون (١) مغمضا في ثيابها.

ويغسل المحرم كالمحل ، ولا يقرب بطيب.

ويغسل القتيل ظالما كان أو مظلوما الا قتيل معركة الجهاد ، فإنه لا يغسل وان كان جنبا ، ويدفن بثيابه الا السراويل والخف والفروة والقلنسوة ، فإن أصاب شيئا من ذلك دم دفن معه الا الخف.

وإذا مات الجنب أو الحائض أو النفساء غسلوا غسلا واحدا.

فاذا فرغ من تغسيله فليغسل يديه الى المرفقين ، ويطرح عليه ثوبا ينشفه به ، ويحشو أسفله بقطن ، ويؤزره بالخامسة ، ثم يكفنه في درع ومئزر ولفافة ونمط ، ويعممه ويحتنكه ويرخي له ذؤابتين على صدره إحديهما على يمينه والأخر عن شماله والأفضل أن يكون الملاف (٢) ثلاثا إحديهن حبرة يمنية ، وتجزى واحدة.

وأفضل الأكفان الثياب البياض ( كذا ) من القطن والكتان ، ويجوز بغيرها مما تجوز فيه الصلاة. وان لم يكن له الا قميص واحد كفن فيه بعد قطع الأزرار حسب.

وليحصل (٣) معه جريدتان خضراوان من جرائد النخل ، إحديهما لاصقة بجلده ، والأخرى بين الدرع واللفافة.

ويحنط بثلاثة عشر درهما وثلث كافورا ، ويجزى مثقال واحد ، يجعل على مساجده السبع (٤) وطرف أنفه.

__________________

(١) في بعض النسخ : المؤمن.

(٢) كذا في بعض النسخ ، ولعل الصحيح : اللفاف.

(٣) ولتجعل. ظ.

(٤) السبعة.

٢٣٧

ثم يعقد كفنه وينقل إلى سريره ، ولتكن حملته أربعة من المسلمين ، وليمش مشيعوه ولا يركبون خلف الجنازة وعليهم السكينة والوقار والخشوع ، مستغفرين الله تعالى له شافعين اليه سبحانه فيه.

ويستحب للرجل أن يحفي ويحل أزراره في جنازة أبيه وجده لأبيه دون من عداهم.

وإذا رأى المرء جنازة فليقل : « الله أكبر الله أكبر ، هذا ما وعدنا (١) الله ورسوله وصدق الله ورسوله ، اللهم زدنا ايمانا وتسليما ، سبحان المتعزز بالاقتدار على العباد سبحان المتفرد (٢) بالبقاء وقاهر الخلق بالموت ».

فاذا أصحر به فليصل عليه حسب ما تقدم وصفه من صلاة الجنائز.

ثم ينتقل الى قبره ، فيحط رأسه الى رجلي (٣) القبر وبينهما مسافة ، فاذا استقرت الجنازة تركت مهلة ثم قربت الى القبر ، فتركت هنيئة ثم قربت الى شفير القبر ، فاذا عاين المشيعون القبر ، فليقولوا : « اللهم اجعلها روضة من رياض الجنة ، ولا تجعلها حفيرة من حفر النار ، هذا ما وعدنا (٤) الله ورسوله وصدق الله ورسوله ».

ثم لينزل (٥) الى القبر من قبل الرجلين اثنان مؤمنان عارفان يحط رأسه أولا ثم يسلانه حتى يضعاه في لحده ، ويحلا (٦) عقد الكفن من قبل رأسه و

__________________

(١) في بعض النسخ : هذا ما وعد الله.

(٢) المنفرد.

(٣) رجل.

(٤) في بعض النسخ : هذا ما وعد الله.

(٥) في بعض النسخ : ثم لينزله.

(٦) يحل.

٢٣٨

رجليه ، ويضع خده على التراب على جانبه الأيمن متوجها الى القبلة ، وليلقنه ملحدة (١) منهما الشهادتين وأسماء الأئمة عليهم‌السلام ويقول : « اللهم صل وحدته وآنس وحشته وارحم غربته واغفر زلته ، نزل بك اللهم وأنت خير منزول به فاجعل نزله لديك اللهم الفوز بالجنة والنجاة من النار ».

ثم يشرح (٢) عليه اللبن ، ويصعدان من قبل الرجلين ، ثم يهال عليه التراب فاذا امتلأ القبر وارتفع التراب عن الأرض فليصب عليه الماء ، يبدء بذلك من عند الرأس ويدور حتى ينتهى اليه من الجانب الأخر ، ويرفع قبره ويسطح ، ولا يرفع أكثر من أربع أصابع مفرجات ، ثم ينادى بالانصراف.

فاذا انصرف المشيعون فليتخلف عنده رجل عارف ، فاذا انقطع عنه حس (٣) المشيعين فليقف مستدبر القبلة ووجهه تجاه وجه الميت وينادى برفيع صوته :

« يا فلان بن فلان اذكر العهد الذي خرجت عليه من دار الدنيا : شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأن محمدا عبده ورسوله ، وأن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب والحسن والحسين ـ ويعد الأئمة إلى الحجة بن الحسن عليهم‌السلام ـ خلفاء رسوله وحفظة شرعه ، وأن الموت حق ، والبعث حق ، والجنة حق ، والنار حق ، والساعة آتية لا ريب فيها ، وأن الله يبعث من في القبور ، إذا أتاك الملكان المقربان فسائلاك (٤) فقل : الله ربي لا أشرك به شيئا ، ومحمد نبي ، وعلي والحسن والحسين (٥) ـ وفلان وفلان الى آخرهم ـ أئمتي ، و

__________________

(١) كذا في بعض النسخ ، وفي بعضها الأخر : وليلقنه أحدهما.

(٢) كذا في بعض النسخ ، وفي بعضها الأخر : يسرح. ولعل الصحيح : يشرج.

(٣) خبر المشيعين. خ.

(٤) يسألانك. خ.

(٥) في بعض النسخ : والأئمة الاثني عشر فلان و.

٢٣٩

الإسلام ديني ، والقرآن شعاري وحجتي ، والكعبة قبلتي ، والمسلمون إخواني » ثم ينصرف.

ومن السنة تعزية أهله ثلاثة أيام ، وحمل الطعام إليهم لشغلهم بمصابهم عن اصطناعه.

٢٤٠