الكافي في الفقه

أبي الصّلاح تقيّ بن نجم الحلبي

الكافي في الفقه

المؤلف:

أبي الصّلاح تقيّ بن نجم الحلبي


المحقق: رضا الاستادي
الموضوع : الفقه
الناشر: مكتبة الإمام أمير المؤمنين عليه السلام العامّة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٤٤

كل شهر ، والخميس والجمعة والسبت من كل شهر محرم ، وصوم الحاجة وستة أيام من شوال ، وصوم داود عليه‌السلام.

ولا يجوز ( كذا ) التطوع بالصوم في غير ما ذكرناه من الأزمنة ، ولا شي‌ء من مفروضه ولا مسنونة في العيدين وأيام التشريق ، وصوم الدهر والوصال ونذر المعصية ويوم الشك على أنه من شهر رمضان.

فصل في صوم شهر رمضان

فرض صوم الشهر يتعين على كل مكلف صحيح مخاطب بتمام الصلاة إلا المتصيد للتجارة.

وعلامة دخوله رؤية الهلال ، وبها يعلم انسلاخه ، ويقوم مقامها شهادة رجلين عدلين في الغيم وغيره من العوارض ، وفي الصحو وانتفاءها اخبار خمسين رجلا ، فان تعذر الأمران وجب تكميل شعبان ثلاثين يوما وعقد النية.

فإن قامت البينة برؤية الهلال ليلة يوم قد أفطر في أوله فعليه قضاؤه ، وان كان قد صام من شعبان فهو مجز في تكليفه ولا قضاء عليه.

ويجزيه أن ينوي ليلة الشهر قبل طلوع الفجر صيامه ، وتجريد النية لكل يوم قبل طلوع فجره أفضل.

والنية هي العزم على كراهية الأمور المذكورة للوجوه المبينة. فأما اجتناب هذه الأمور فواجب في كل حال.

فان كان مريضا مرضا يرجى زواله لم يجز له الصوم ، وفرضه صيام أيام آخر.

فان كان مريضا مرضا لا يرجى زواله فعليه أن يكفر عن كل يوم بإطعام المسكين

١٨١

فان عجز عن الصوم لكبر سقط عنه فرض الصوم وهو مندوب إلى إطعام مسكين عن كل يوم.

والحامل والمرضع إذا أضربهما الصوم أفطرتا وكفرتا عن كل يوم بإطعام مسكين ، فاذا افصلت المرضع وطهرت الحامل قضتا ما أفطرتاه.

وإذا دخل الشهر على حاضر لم يحل له السفر مختارا ، وان وافق دخوله وهو مسافر لم يحل له الصوم ، فان صام لم يجزه.

والنفاس والحيض مانعان من صحة الصوم ، فاذا طهرت المرأة قضت ما تركته لهما.

ولا يجوز لمن سقط عنه فرض الصوم ببعض ما ذكرناه من الأعذار أن يتملى من الطعام والشراب ، بل يقتصر على ما يمسك الرمق ، ولا يجوز له الجماع مختارا ما لم يخف فسادا في الدين.

فاذا قدم المسافر وبري‌ء المريض وطهرت الحائض والنفساء وبلغ الغلام وأسلم الكافر وقد بقيت من النهار بقية أمسك كل منهم عن الطعام تأديبا.

وإذا رأت المرأة الحيض أو نفست وقد بقي من النهار جزء وان قل أفطرت يومها وقضته.

وإذا عزم المرء على السفر قبل طلوع الفجر وأصبح حاضرا فان خرج قبل الزوال أفطر ، وان تأخر الى ان تزول الشمس أمسك بقية يومه وقضاه. وان عزم على السفر بعد طلوع الفجر ليوم قد نفذت نية صومه لزمه صومه.

فان تعمد الأكل والشرب أو الازدراد أو الجماع أو إنزال الماء أو الكذب على الله أو على رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله أو على أحد الأئمة عليهم‌السلام أو الصباح على الجنابة أو عزم على ذلك فسد صومه ، ولزمه القضاء بصيام يوم ، والكفارة عن كل يوم

١٨٢

بعتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكينا ، وقد روى : « أنه ان أفطره بشرب خمر أو جماع حرام فعليه الثلاث كفارات ».

وان تعمد القي‌ء أو السعوط أو الحقنة أو التقطير في الاذن أو ارتمس الرجل في الماء أو جلست المرأة إلى وسطها أو فرط في الغسل حتى أصبح أو أصغى الى حديث أو ضم أو قبل فأمنى أو وقف في غبرة مختارا فعليه القضاء بصيام يوم مكان يوم.

وان اتى شيئا من ذلك ساهيا أو مع فقد التحصيل لجنون أو غيره فلا شي‌ء عليه.

ومن أدخل إلى فمه شيئا لغير ضرورة ولا عبادة فسبق الى حلقه فعليه القضاء وان كان لضرورة أو عبادة فبلغه (١) من غير قصد فلا شي‌ء عليه.

وان أفطر ظانا أن الشمس قد غربت ثم ظهر له أنها كانت طالعة ، أو أكل أو شرب أو فعل ما يفسده ظانا أن ما عليه (٢) ليلا ثم تبين له أن الفجر كان طالعا فعليه القضاء.

فان كان بما فعله مستحلا فهو مرتد (٣) بالأكل والشرب والجماع ، وكافر بما عدا ذلك ، يحكم فيه بأحكام المرتدين أو الكفار.

وان كان محرما فعلى سلطان الإسلام أن يحده ان كان ما أتاه مما يوجب حدا كالزنا أو شرب الخمر ، ويؤدبه لحرمة الشهر ، وان كان مما لا يوجب حدا بالغ في تأديبه ، وتلزمه في حقه التوبة مما أتاه.

__________________

(١) فبلعه. ظ

(٢) في بعض النسخ : ما عينه.

(٣) في بعض النسخ : ان كان بالأكل.

١٨٣

فإن قصد إلى رؤية ذات محرم أو أصغى الى محظور أو نطق بقبيح قول أو بطش أو سعى فيما لا يحل أو عزم على شي‌ء من ذلك فهو مأزور ، وصومه ماض ولا قضاء عليه ولا كفارة.

وان كان عن سهو فلا شي‌ء عليه.

وان خالف في شي‌ء من فضائل الصوم التي ذكرناها نقص ثواب صومه ولا اثم عليه.

فصل في صوم القضاء والكفارة

يلزم من تعين عليه فرض القضاء لشي‌ء من شهر رمضان أن يبادر به في أول أحوال الإمكان ، والموالاة أفضل ، وان دخل الشهر الثاني وعليه شي‌ء من فائت الأول لم يتمكن من قضائه ما بين الشهرين فليصم الحاضر [ ويكفر عن كل يوم من الفائت ] (١) ، فاذا أكمله قضى الفائت ، وان كان ممن تمكن من القضاء بينهما ففرط فيه فليصم الحاضر ، ويكفر عن كل يوم من الفائت بإطعام مسكين ، فإذا أكمل الشهر فليصم ما فاته من الأول.

ولا يجوز لمن عليه فائت أن يتطوع بصوم حتى يقضيه.

فإذا أفطر في يوم عزم على صومه قضاءا قبل الزوال فهو مأزور ، وان كان بعد الزوال تعاظم وزره ، ولزمته الكفارة : صيام ثلاث أيام ، أو إطعام عشرة مساكين ، وان كان القضاء لافطار ما تجب له الكفارة ففرضها متعين مع القضاء.

فصل في صوم النذر والإفطار فيه

من تعين عليه بالنذر صوم كل خميس أو جمعة أو كل رجب أو شعبان أو

__________________

(١) الظاهر زيادة هذه الجملة.

١٨٤

أول الخميس من شهر كذا أو ثاني يوم قدومه الى غير ذلك من الأزمنة المتعينة التي لا مثل لها ، وجب عليه صوم ما نذره بعينه وجوبا مضيقا ، فإن أفطر في شي‌ء (١) مختارا فعليه ما على من أفطر في يوم من شهر رمضان مختارا ، فان كان لضرورة يطيق معها الصوم لمشقة (٢) فعليه كفارة إطعام عشرة مساكين أو صوم ثلاثة أيام ، وان كان لضرورة لا يطيق معها الصوم فلا كفارة عليه ، والقضاء لازم له على كل حال.

وان اتفق نذره المعين في شهر رمضان سقط فرضه ، وان اتفق في يوم فطر أو أضحى أو أيام التشريق فليفطر ولا قضاء عليه لشي‌ء من ذلك ولا كفارة ، لأن النذر انما يتعلق بما يصح صومه وإفطاره قبل النذر فيجب به ، وشهر رمضان واجب قبل النذر بأمره تعالى ، وصوم عيدين وأيام التشريق محرم ، فلا يدخل النذر على شي‌ء منه.

وان علق نذره بزمان معين له مثل يوم (٣) خميس ماء (٤) أو شهر محرم وجب عليه صوم ذلك فان صام غيره لم يجزه ولزمه الصوم في الزمان المتعين بالنذر. وان شرط في نذره الموالاة ففرق مختارا لم يجزه ولزمه الاستيناف وان كان مضطرا بنى على ما مضى.

وان نذر أن يصوم يوما ويفطر يوما صوم داود عليه‌السلام فوالى الصوم أو الإفطار مختارا لم يجزه ولزمه الاستيناف وان كان مضطرا بنى على ما مضى. وان نذر أن يصوم في موضع بعينه كالمسجد الحرام أو مسجد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله أو مسجد الكوفة أو بعض مشاهد الأئمة عليهم‌السلام وجب ذلك.

__________________

(١) في بعض النسخ هكذا : فإن أفطر وأتى بشي‌ء مختارا.

(٢) في بعض النسخ : لمشقته ، ولعل الصحيح : بمشقة.

(٣) كيوم. ظ

(٤) كذا.

١٨٥

وان لم يتمكن وكان نذره متعلقا بزمان معين لا مثل له صام بحيث هو ، وان كان غير ذلك تربص الى حين التمكن ، فان ظن استمرار العذر صام ما وجب عليه بحيث هو.

وان أفطر في يوم عزم على صومه لنذر أوجبه عليه وله مثل فهو مأزور وعليه مثله.

وان نذر أن يصوم شهرا فهو مخير في الشهر ، فإن ابتدأ بشهر لزمه إكماله فإن أفطر فيه مضطرا فليبن على ما صام منه ، وان كان مختارا في النصف الأول فليستأنف الصوم وان كان في الثاني فليبن وهو مأزور.

فصل في صوم الاعتكاف وكفارة الإفطار فيه

الاعتكاف اللبث المتطاول للعبادة في مكان مخصوص ، واللبث ثلاثة أيام فما فوقها ، ولا اعتبار بها من دون التعبد ، والمكان مكة ومسجد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ومسجد الكوفة الأعظم ومسجد البصرة كذلك ، دون سائر الأمكنة ، ومن شرطه الصوم.

وهو على ضربين : أحدهما يجب الدخول فيه والثاني لا يجب.

فالأول ما وجب عن نذر فان كان معلقا بزمان معدود وجب تكميله بحيث نذر وان لم يكن معدودا اعتكف ثلاثة أيام ، وهو بالخيار فيما بعد.

وان كان تطوعا فهو بالخيار ما لم يعزم على صومه ويدخل المسجد عازما عليه فيلزمه المضي فيه ثلاثة أيام ، ثم هو فيما زاد عليها بالخيار.

وان استأنف اعتكافا بعد ما مضى ثلاثة أيام في الواجب والمندوب فهو بالخيار في المضي والفسخ ما لم يمض له يومان ، فإن مضيا لزمه تكميله ثلاثا.

١٨٦

ومن شروطه ملازمة المسجد ليلا ونهارا واجتناب الخروج منه الا لازالة حدث أو عيادة مريض أو تشييع جنازة ، ولا يجلس تحت سقف مختارا حتى يعود اليه ، ويلزمه في النهار ما يلزمه الصائم ، ويجتنب الجماع في الليل كالنهار فإن أفطر نهارا أو جامع ليلا فسخ اعتكافه ووجب عليه استينافه وكفارة من أفطر يوما من شهر رمضان.

ولا يجوز للمرأة أن تعتكف تطوعا إلا بإذن زوجها ، ولا للعبد والأمة إلا بإذن السيد.

وإذا مرض المعتكف فاضطر الى الخروج منه خرج فان زال العذر رجع فبنى على ما مضى من اعتكافه.

فصل في صوم كفارة جزاء الصيد

يجب على من قتل نعامة ولم يتمكن من بدلها ولا الإطعام عنها أن يصوم ستين يوما ، وعن حمار الوحش أو بقرة الوحش صوم ثلاثين يوما ، وعن الذئب (١) أو الثعلب أو الأرنب صوم ثلاثة أيام ، وعن كل ما لا مثل له من النعم بالكل نصف صاع من بر من قيمته صيام يوم.

فان كان قاتل الصيد محرما في الحرم فعليه مثلا ما ذكرناه من الصوم.

وهو بالخيار في تفريق هذا الصوم وموالاته ، والمولاة أفضل.

فصل في كفارة حلق الرأس

يجوز للمحرم إذا أضر به طول الشعر حلق رأسه ، ويكفر عن ذلك ان

__________________

(١) كذا في النسخ ، وفي المختلف : قال أبو الصلاح : يجب أن يصوم عن الظبي والثعلب والأرنب ثلاثة أيام.

١٨٧

لم يقدر على النسك والإطعام بصيام ثلاثة أيام متوالية ، فإن فرق مختارا استأنف وان كان مضطرا بنى.

فصل في صيام دم المتعة

يلزم من تمتع بالعمرة إلى الحج وتعذر عليه الذبح وثمنه أن يصوم ثلاثة أيام في الحج : يوم السابع من ذي الحجة والثامن والتاسع ، وسبعة أيام إذا رجع الى أهله متوالية ، فإن فرق مختارا استأنف ، وان كان مضطرا بنى ، فان لم يصم الا يومين قبل يوم النحر صام بعد أيام التشريق يوما ، وان صام يوما واحدا قبله أو لم يصم شيئا فليصم ثلاثة أيام بعد أيام التشريق ، وان جاور بمكة أو صد عن وطنه فلينتظر أن يمضى من الزمان ما كان يصل فيه الى أهله ويصوم السبعة الأيام ( كذا ).

فصل في كفارة اليمين وفوت عشاء الآخرة

يلزم من حنث في يمين توجب الكفارة وتعذر عليه العتق أو الكسوة أو الإطعام أن يصوم ثلاثة أيام متوالية ، فإن فرق مختارا أو مضطرا فحكمه ما تقدم.

ويتعين على من فرط في صلاة عشاء الآخرة حتى جاوز النصف الأول من الليل أن يصبح صائما ، فإن أفطر يومه فهو مأزور وتلزمه التوبة مما فرط فيه.

فصل في بيان أحكام صيام شهرين متتابعين

ويلزم من تعين عليه صيام شهرين متتابعين لأحد ما ذكرناه من إفطار يوم

١٨٨

من شهر رمضان أو نذر معين أو اعتكاف أو لنقض عهد أو لظهار أو لقتل عمد أو خطأ أو ليمين البر (١) أو لنذر صومهما ، ان يبتدئ صوم شهرين قريبين يمكن الموالاة فيهما ، دون شعبان لأجل شهر رمضان ، ودون شوال لأجل يوم الفطر ودون ذي القعدة وذي الحجة لأجل يوم النحر وأيام التشريق.

فاذا دخل في الصوم وجب عليه المضي فيه حتى يكمل الشهرين فإذا أفطر في شي‌ء منهما مضطرا بنى على ما صامه ولو كان يوما واحدا ، وان كان مختارا في الشهر الأول وقبل أن يدخل في الثاني استأنف الصوم من اوله ، وان أفطر بعد ما يصوم من الثاني يوما فما زاد تم بذلك وجاز له البناء على ما مضى ، والاستيناف أفضل.

ومن مات وعليه شي‌ء من ضروب الصوم لم يؤده مع تعين فرضه عليه وتفريطه فيه فعلى وليه القضاء عنه ، فان لم يكن له ولي اخرج من ماله الى من يقضي عنه ، وان لم يتعين ذلك عليه فلا شي‌ء على وليه ولا حق في ماله.

فصل في مسنون الصيام

أفضل الصوم ثلاثة أيام في كل شهر : خميس في أوله وأربعاء في وسطه وخميس في آخره ، ويليه صوم شعبان ، ويليه صوم رجب ، ويليه صوم الأربعة الأيام : السابع عشر من ربيع الأول مولد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، والسابع والعشرين من رجب وهو يوم المبعث ، والخامس والعشرين من ذي القعدة وهو يوم دحو الأرض من تحت الكعبة ، والثامن عشر من ذي الحجة وهو يوم الغدير ، ويليه صوم أول يوم من ذي الحجة ، ويليه صوم المحرم والأيام البيض من كل شهر إلى باقي ضروبه.

__________________

(١) كذا في النسخ : ولعل الصحيح : أو ليمين البراءة.

١٨٩

باب حقيقة الحج وأحكامه وشروطه

يجب العلم من هذا التكليف بأمور ستة : أولها حقيقة الحج ، وثانيها ضروبه وثالثها تعين (١) مكلفة ، رابعها بيان أحكامه ، وخامسها شروطه ، وسادسها كيفية فعله.

الفصل الأول

الحج في أصل الوضع القصد ، وفي الشريعة مناسك مقصودة في زمان ومكان مخصوصين ، فالمناسك : الإحرام والتلبية والطواف والسعي وشهادة الموقفين ونزول المنى والذبح والحلق والرمي.

واشترطناها بالقصد إذ به تكون مناسك.

والزمان للإحرام (٢) أشهر الحج والحج (٣) يوم التروية للمتعة (٤) والذي

__________________

(١) تعيين ظ.

(٢) في بعض النسخ : والزمان للحج والإحرام ، وفي بعضها الأخر : والزمان للحج للإحرام.

(٣) كذا في النسخ ، ولعل الصحيح : والى يوم.

(٤) كذا.

١٩٠

يليه الوقوف (١) بعرفة ، والذي يليه الوقوف (٢) بالمشعر ونزول المنى والذبح والحلق ورمى جمرة العقبة والطواف والسعي ، وأيام التشريق بعده لرمي الجمرات.

والمكان البيت للطواف به ، والصفا والمروة للسعي بينهما ، وعرفة والمشعر للوقوف بهما ، ومنى للذبح والحلق والرمي.

الفصل الثاني

الحج على ثلاثة أضرب : تمتع بالعمرة إلى الحج وقران من الحج ، وإفراد للحج.

فصفة المتعة أن يضيف المتمتع الى مناسك الحج عمرة يحل منها ويستأنف الإحرام للحج ، والقران أن يقرن إحرام الحج بسياق الهدى ، والإفراد أن يفرد الحج من العمرة وسياق الهدى.

والحج من حيث كان حجا لا يختلف (٣) مناسكه ، وانما تضاف إليه في التمتع عمرة هي : طواف وسعى ، وفي القران سياق الهدى ، ويتجرد في الإفراد منهما.

وأما التمتع ففرض من نأى عن مكة وحاضريها لا يجزيهم في حجة الإسلام غيره ، والتطوع به أفصل من الإقران والإفراد.

فأما الإقران والإفراد ففرض أهل مكة وحاضريها ومن كانت داره اثنى عشر

__________________

(١) للوقوف.

(٢) للوقوف.

(٣) لا تختلف.

١٩١

ميلا من أى جهاتها كان.

وهو على ضربين : واجب ومندوب.

والواجب ضروب ثلاثة : حج الإسلام ، وحج النذور ، وحج الكفارة.

والتطوع ما ابتدأ به.

والفرق بين حج الفرض والنفل أن الفرض يجب الابتداء به ، والنفل بخلاف ذلك ، فاذا دخل فيه بالإحرام له وجب المضي فيه وساوت أحكامه بعد الإحرام في الوجوب لأحكام ما وجب الدخول فيه من ضروب الحج الواجبة.

الفصل الثالث

العلم بالحج واجب على كل مكلف ، لكون ذلك من جملة الايمان المتعين على كل مكلف من حر وعبد ومسلم وكافر وذكر وأنثى وغنى وفقير ومستطيع وممنوع.

وفرض أدائه يختص بكل حر بالغ كامل العقل مستطيع له بالصحة والتخلية والأمن ووجود الزاد والراحلة والكفاية له ولمن يعول والعود إلى كفاية من صناعة أو تجارة أو غير ذلك ، سواء كان مؤمنا أو كافرا ، لكون الكفار مخاطبين بالشرائع مسؤولين عن الإخلال بها ، لصحة وقوعها من جهتهم بأن يؤمنوا ، وجروا في ذلك مجرى المحدث المخاطب بالصلاة الملوم على تركها لكونه متمكنا من فعلها بتمكنه من رفع الحدث.

وصحة الحج موقوفة على ثبوت الإسلام ، والعلم بتفصيل أحكام الحج وشروطه ، وتأديته لوجهه الذي له شرع ، مخلصا به ، مع كون مؤديه مطهرا بالختانة ، من حيث كانت صحته من دون الإسلام محالا ، ومع ثبوته وحصول الجهل به إذ كان العلم شرطا في صحة العمل ، ومع ثبوت الأمرين وفعل الحج

١٩٢

لغير وجهه والإخلاص به لا يكون عبادة صحيحة بالاتفاق ، ومع فقد الإحرام (١) لا يصح كما لا تصح الصلاة من دون الطهارة ، ومع تكامل ما قدمناه من الشروط وكون الحاج أغلف لا يصح حجه بإجماع آل محمد عليهم‌السلام.

الفصل الرابع

أحكام الحج : التلبية والطواف والسعي والوقوف بعرفة والوقوف بالمشعر ونزول منى والمبيت بها لياليها والرمي والذبح والحلق.

فاما التلبية من أركان الحج ، وهي على ضربين : مفروض ومسنون.

والمفروض أربع : لبيك اللهم لبيك [ لبيك ] ان الحمد والنعمة لك والملك [ لك ] لا شريك لك لبيك.

والمسنون : لبيك ذا المعارج لبيك لبيك ذا الجلال والإكرام لبيك لبيك مبدء الخلق ومعيده لبيك لبيك غافر الذنوب لبيك لبيك قابل التوبة لبيك لبيك كاشف الكرب العظام لبيك لبيك فاطر السموات والأرض لبيك لبيك أهل التقوى وأهل المغفرة لبيك.

وأوقات التلبية أدبار الصلوات ، وحين الانتباه من النوم ، وبالأسحار ، وكلما علا نجدا أو هبط غورا أو رأى راكبا.

والسنة فيها على الرجال رفع الصوت.

وابتداء فرضها عقيب الإحرام وآخر وقتها للمتمتع إذا عاين بيوت مكة ولكل حاج زوال الشمس من يوم عرفة ، وللمعتمر عمرة مبتولة إذا عاين البيت.

__________________

(١) كذا في جميع النسخ.

١٩٣

ويجوز فعلها للمحدث كالطاهر ، وعلى طهارة أفضل.

وتعمد الإخلال بها يفسد الحج ، والسهو عنها من دون عقد الإحرام بغيرها كذلك.

ولا يصح شي‌ء في (١) التلبية الابنية هي العزم عليها بوجهها على جهة القربة إليه سبحانه.

واما الطواف فسبعة أشواط حول البيت مشيا فوق الهوينا ودون الهرولة بما يشتمل عليه من الأفعال والأذكار التي نبينها. ولكل طواف صلاة ركعتين قد بيناهما.

وهو على ضربين : مفروض ومسنون.

والمفروض على ثلاثة أضرب : طواف المتعة وطواف الزيارة وطواف النساء.

والمسنون ثلاثمائة وستون شوطا ، وروى : « ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يطوف في كل يوم وليلة عشرة أسابيع ». (٢)

فأما طواف المتعة فوقته من حيث يدخل المتمتع مكة والى أن تغرب الشمس من يوم التروية للمختار ، وللمضطر الى أن يبقى من الزمان ما يدرك في مثله عرفة في آخر وقتها.

فان فاته بخروج وقته وتفريطه بطلت متعته وبطل حجه ان (٣) كان فرض العمرة أو واجبا عن نذر أو كفارة تعينا (٤) وان كان تطوعا فهو مأزور وعليه

__________________

(١) كذا في النسخ.

(٢) راجع الوسائل ، كتاب الحج ، أبواب الطواف ، الباب السادس.

(٣) في المختلف : وان كان.

(٤) وفي بعض النسخ : معينا ، ولم اهتد الى صحيح هذه العبارة.

١٩٤

أيضا الإحرام للحج وقضاء المتعة بعد الفراغ منه ، وان كان فوته لضرورة فحجه ماض على كل حال وعليه قضاؤه بعد الفراغ من مناسك الحج.

وأما طواف الزيارة فركن من أركان الحج ، ووقته للمتمتع بعد الرمي والحلق والذبح من يوم النحر الى آخر أيام التشريق ، وللمفرد والقارن من حين دخولهما مكة الى انقضاء أيام التشريق ، فمن أخل به على حال بطل حجه ، ولزمه استينافه من قابل.

وأما طواف النساء فمن مناسك الحج ، وأول وقته يوم النحر الى آخر أيام التشريق ، فان خرج وقته ولما يطفه لم تحل له النساء حتى يطوف من قابل أو يطاف عنه ، ويأثم ان كان ذلك عن إيثار (١) ولا اثم عليه ان كان لسهو أو لضرورة.

ولا يجوز قطع الطواف الا لصلاة فريضة أو لضرورة ، فإن قطعه لصلاة فريضة بنى على ما طاف ولو شوطا واحدا ، وان كان لضرورة أو سهو وكان ما طاف أكثر من النصف بنى عليه ، وان كان أقل منه استأنف منه.

وان قطعه مختارا أثم وعليه استينافه على كل حال.

فان مسها في شي‌ء منه فليبن على ما تيقنه أو ظنه فان كان شاكا فليبن على الأقل وان لم يحصل له شي‌ء أعاده.

وان ذكر وهو في السعي أنه قد ترك شيئا من أسبوعه فليقطعه ويعد الى البيت فيطوف ما تركه ان كان أقل من النصف وان كان أكثر منه استأنفه.

وان لم يستطع المكلف الطواف ماشيا فليطف راكبا ومحمولا.

ولا يصح طواف فرض ولا نفل لمحدث.

ويلزم مريده افتتاحه بالعزم على أدائه بصفته المخصوصة لكونه مصلحة

__________________

(١) اثارة.

١٩٥

متقربا به اليه سبحانه ، فإن أخل بالنية لم يكن طوافه عبادة ، ولا مجزيا ، فليستأنفه مفتتحا بالنية.

فأما السعي بين الصفا والمروة فمن أركان الحج ، ولا مسنون فيه وهو على ضربين : سعى المتمتع للمتعة وسعى الحج بعد طواف الزيارة.

ووقت كل منهما ممتد بامتداد وقت طوافه وحكم المخل به حكم المخل بطوافه.

والسنة فيه الابتداء بالصفا والختام بالمروة ، والسعي بينهما سبعة أشواط ، يمشي في كل شوط طرفيه ويهرول وسطه ، يبدء المشي من الصفا الى الميل ثم يهرول حتى يقطع سوق العطارين ثم يمشى من الميل إلى المروة ، ثم يعود منها ماشيا الى الميل ثم يهرول من السوق الى الميل ثم يمشى منه الى أن يصعد الصفا ، حتى يكمل سبعا.

ولا يجوز الجلوس بين الصفا والمروة ، ويجوز الوقوف عند الإعياء حتى تستريح (١) ويجوز الجلوس على الصفا والمروة.

فإن عجز عن المشي أو الهرولة فليركب ، ويجوز له السعي راكبا من غير عجز ، والمشي أفضل. وإذا سعى راكبا فليركض الدابة بحيث تجب الهرولة ويجب افتتاحه بالنية.

وحكم من قطعه عن إيثار أو اضطرار أو لسهو حكم الطواف ، فليتأمل ويعمل بحسبه.

ويصح السعي من المحدث وطاهرا (٢) أفضل.

وأما الوقوف بعرفة ـ وحدها من المأزمين إلى الموقف ـ فمن أركان الحج

__________________

(١) كذا.

(٢) في بعض النسخ : والطاهر أفضل.

١٩٦

ووقته للحج للمختار من زوال الشمس من التاسع الى غروبها ، وللمضطر الى طلوع الفجر من يوم النحر ، فان فات الوقوف بها عن إيثار بطل الحج ، وان كان عن اضطرار وأدرك المشعر الحرام في وقت المضطر فحجه ماض.

ويلزم افتتاحه بالنية وقطع زمانه بالدعاء والتوبة والاستغفار.

وأفضل المواقف يسرة (١) الجبل ولا يفيض منه المختار حتى تغرب الشمس ويجوز الوقوف به للمحدث وطاهرا (٢) أفضل.

وأما الوقوف بالمشعر الحرام وهو من جمع وهي المزدلفة ـ وحدها من المأزمين إلى وادي محسر ـ يصح الوقوف بكل منهما ، وأفضله ما قرب من المشعر (٣).

ووقت المختار من طلوع الفجر من يوم النحر الى طلوع الشمس يلزمه (٤) افتتاحه بالنية ، وقطع هذا الزمان بالدعاء والتوبة والاستغفار.

ووقت المضطر ممتد الى الليل كله والى أن تزول الشمس من نهاره أقل ما يقع عليه اسم الوقوف داعيا.

فان فات الوقوف به على حال بطل الحج ووجب استينافه.

ولا يجوز للمختار أن يفيض منه حتى تطلع الشمس ، فان اضطر إلى الإفاضة فلا يجاوز وادي محسر حتى تطلع الشمس.

ويجوز للنساء إذا خفن مجي‌ء الدم الإفاضة ليلا وإتيان منى والرمي والذبح والتقصير ودخول مكة يوم النحر لطواف الزيارة والسعي وطواف

__________________

(١) ميسرة.

(٢) في بعض النسخ : وطاهر أفضل وفي بعضها الأخر : والطاهر أفضل.

(٣) كذا.

(٤) يلزم فيه.

١٩٧

النساء.

ويستحب للصرورة أن يطأ المشعر.

ويصح الوقوف به للمحدث وطاهرا أفضل.

وأما نزول منى فمن وكيد السنة المبيت بها ليلة عرفة ، وصلاة المغرب وعشاء الآخرة والغداة ، ليكون الإفاضة منها الى عرفات ، ولا يفيض امام الصلاة منها حتى تطلع الشمس.

ومن مناسك الحج المبيت بها ليالي أيام التشريق الى حين الإفاضة منها فان بات بغيرها مختارا لغير عبادة فعليه دم ، ويجوز الخروج منها للبائت بها بعد مضي النصف الأول من الليل ، والتصبح بها أفضل.

وإذا عاد إليها قبل أن يمضي النصف الأول فهو بائت بها ، ونزولها قبل غروب الشمس أفضل.

وحدها من طرف وادي محسر إلى العقبة.

والنفر الأول يوم الثالث من النحر ، والأخير اليوم الرابع ، ولا يجوز للصرورة أن ينفر في الأول ، ويجوز ذلك لغيره ، وتأخيره النفر إلى الأخير أفضل.

وأما رمى الجمار فهو سبعون حصاة تؤخذ من الحرم دون المسجد الحرام ومسجد الخيف والحصاة المقذوف به مرة ، وأفضله المشعر الحرام ، ومقدار الحصاة رأس الأنملة ، ملتقطة غير مكسورة ، وأفضل الحصاة البرش ، ثم البيض والحمر ، وتكره السود ، يرمى منها يوم النحر جمرة العقبة ـ وهي القصوى ـ بسبع ، ويرمى في كل يوم بعده بإحدى وعشرين حصاة ، يبدء بالجمرة الأولة ـ وهي العظمى ـ (١) فيرميها بسبع ، ثم الوسطى بسبع ، ثم العقبة بسبع ، فان

__________________

(١) العظماء ، خ.

١٩٨

خالف الترتيب استدركه.

فان رمى حصاة فوقعت في محمل أو عطى طهر (١) ثم سقطت على الأرض أجزأت والا فعليه أن يرمى عوضها عنها.

ولا يجوز الرمي قبل طلوع الشمس ولا بعد غروبها إلا للمرأة الخائفة من مجي‌ء الدم وفوت الطواف لمجيئه ، وأفضل الأوقات للرمي قبل الزوال.

فان فات رمي يوم فليرم في اليوم الثاني ما فاته في صدر النهار وليومه بعد الزوال ، ومن عجز عن الرمي فليرم عنه وليه.

ويجوز للمحدث أن يرمي الجمار ، وعلى طهارة أفضل.

وإذا أفاض في النفر الأول فليدفن ما بقي من الحصى بمنى. فان خرجت أيام التشريق ولما يرم ما وجب عليه قبل النفر أو بعضه (٢) فليرمه من قابل في أيام التشريق ان تمكن بنفسه ، والا استناب من يرمي عنه.

فإن أخل برمي الجمار أو شي‌ء منه ابتداء أو قضاءا أثم بذلك ، ووجب عليه تلافى ما فاته ، [ فرطه خ ] وحجه ماض.

وأما الهدي فعلى ضربين : مفروض ومسنون.

والمفروض على ضروب أربعة : هدى النذر ، وهدى الكفارة ، وهدى القران ، وهدى التمتع.

فأما هدى النذر فيجب سياقه من حيث نذر سياقه منه ، فان لم ينذر شيئا ابتاعه بحيث نذر ذبحه وذبحه ، وكل منهما مضمون يلزم الناذر عوض ما انكسر منه أو مات أو ضل ، ولا يحل له أن يأكل منه شيئا.

وأما هدي الكفارة عن قتل الصيد فسياقه واجب من حيث قتل الصيد

__________________

(١) لم اهتد الى صحيح هذه الجملة أو الكلمة ، وفي بعض النسخ : غطى ظهر.

(٢) كذا.

١٩٩

ان أمكن ذلك ، والا فمن حيث أمكن ، ويذبح أو ينحر من الفداء لما قتله من الصيد في إحرام المتعة أو العمرة المبتولة بمكة قبال (١) الكعبة ، وفي إحرام الحج بمنى. وان كان لتعد (٢) في الإحرام عدا الصيد فسياقه غير واجب.

وان تعذر السياق أو الابتياع بحيث يجب الذبح والنحر في عامه فعليه ذلك من قابل ، أو عدله صياما ، أو صدقة حسب ما نبينه.

وحكم هذا الهدى في الضمان وتحريم الأكل منه حكم هدى النذر.

وأما هدي القران فابتداؤه تطوع فإذا أشعر أو قلد لزمه سياقه.

فان انكسر أو هلك قبل بلوغ محله فعليه بدله ، فان لم يتمكن فلا شي‌ء عليه غير ذبح المنكسر والتصدق بلحمه ، وإذا بلغ محله سليما ذبح أو نحر فأكل منه وأطعم.

وأما هدي التمتع فأدناه شاة والفضل فيما زاد عليها بحسب الإمكان.

والسنة أن يأكل بعضها ويطعم الباقي.

ولا يجوز إعطاء الجزاز شيئا من جلال شي‌ء من الهدى ولا قلائده ولا إهابه ولا لحمه على جهة الأجر ، ويجوز على وجه الصدقة.

ومن السنة أن يتولى مهدي الانعام ذبحها أو نحرها بيده أو يشارك الذابح.

ولا يجوز لمن ذبح هديا بمنى أن يخرج منها شيئا من لحومه ، ويجوز ذلك للمتصدق عليه.

والمسنون ما تبرع المكلف بهديه وليس بمضمون. والسنة فيه أن يأكل منه مهدية ويتصدق بالباقي.

وأما الحلق فمن مناسك الحج ، ومحله منى يوم النحر بعد رمى جمرة

__________________

(١) قبالة.

(٢) كذا في بعض النسخ.

٢٠٠