الكافي في الفقه

أبي الصّلاح تقيّ بن نجم الحلبي

الكافي في الفقه

المؤلف:

أبي الصّلاح تقيّ بن نجم الحلبي


المحقق: رضا الاستادي
الموضوع : الفقه
الناشر: مكتبة الإمام أمير المؤمنين عليه السلام العامّة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٤٤

سقوطه فيما سلف.

وإذا ثبت امامة من ذكرناه وعصمتهم وكونهم أعلم الأمة المأمور بالاقتداء بهم ، وجب ثبوت باقي الصفات لهم من الفضل على الرعية والتقدم عليها في الشجاعة والعبادة والزهد ، ويلزم لذلك اتباعهم والأخذ عنهم والقطع على فساد امامة من عداهم وضلال المفتي بخلافهم ومن اتبعهم متدينا بامامة أولئك وصحة فتياها و (١) لذهاب الكل عن الحق الواضح ببرهانه.

ولا يقدح فيما ادعيناه من ظهور المعجزات عليهم دعوى المعتزلة ومن وافقها في ذلك ، لان (٢) المعجز موضوع لإبانة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله من غيره ، وليسوا بأنبياء ، وكون ذلك منفرا عن النظر في معجز النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لتجويز ظهوره على من ليس بنبي.

لان ثبوتها بالنقل المتواتر تسقط هذه المعارضة من حيث كان ثبوت الشي‌ء فرعا لجوازه.

ويؤكده أيضا حصول اليقين بظهور المعجزات على من ليس بنبي.

فمن ذلك أم موسى ( وَأَوْحَيْنا إِلى أُمِّ مُوسى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخافِي وَلا تَحْزَنِي إِنّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ ) (٣) ففعلت ما أمرت به ، وهذا يقتضي ظهور المعجز لها من وجهين : أحدهما الوحي وهو معجز ، والثاني انها عليها‌السلام لا يجوز ان تقدم على جعل ولدها في التابوت وطرحه في اليم الا بعد اليقين بأن الأمر لها بذلك هو القديم سبحانه

__________________

(١) كذا في النسخ ، والظاهر زيادة الواو.

(٢) كذا في النسخ.

(٣) سورة القصص ، الاية : ٧.

١٠١

ولا سبيل الى ذلك الا بظهور معجز تعلم به ان الخطاب المتضمن لذلك وحي منه سبحانه ، وأم موسى ليست بنبي.

ومن ذلك ظهوره لمريم في عدة مواضع : منها نزول الرزق عليها من السماء حسب ما أخبر به سبحانه بقوله (كُلَّما دَخَلَ عَلَيْها زَكَرِيَّا الْمِحْرابَ وَجَدَ عِنْدَها رِزْقاً قالَ : يا مَرْيَمُ أَنّى لَكِ هذا قالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ ) (١) ولا شبهة في أن نزول الرزق من السماء معجزة ، ومنها معاينة الملك المبشر لها بالمسيح عليه‌السلام في صورة بشرى ، ومنها كلام المسيح لها من تحتها في حال الولادة في قوله تعالى ( فَناداها مِنْ تَحْتِها أَلّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُساقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيًّا ) (٢) وكلام الطفل معجز ، وتساقط الرطب من النخلة اليابسة حسب ما ورد في التفسير معجز ، ومنها نطق المسيح عليه‌السلام ببراءة ساحتها في قوله تعالى ( فَأَشارَتْ إِلَيْهِ قالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا قالَ إِنِّي عَبْدُ اللهِ آتانِيَ الْكِتابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا ) (٣) وهو معجز متكامل الشروط لكونه خارقا للعادة عقيب دعواها برأيه ساحتها من فعله سبحانه.

ومن ذلك قوله سبحانه ( قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ ) (٤) فاتى به كذلك وهذا معجز باهر لوصي سليمان عليه‌السلام

ومن ذلك ما أجمع المسلمون عليه من ظهور المعجزات على تلاميذ

__________________

(١) سورة آل عمران ، الاية : ٣٧.

(٢) سورة مريم ، الاية : ٢٤.

(٣) سورة مريم ، الاية : ٣٠ ـ ٢٩.

(٤) سورة النحل ، الاية : ٤٠.

١٠٢

المسيح عليه‌السلام وليسوا بأنبياء.

ولا انفصال من ذلك بقولهم ان معجز آصف لسليمان ، والتلاميذ للمسيح ، لان المعلوم تخصيص المعجز بمن ذكرناه تصديقا لهم وتشريفا دالا على علو منازلهم عنده سبحانه ، ولا يجوز العدول به عنهم.

وبعد فما له منعوا من ظهور المعجز على من ليس بنبي يقتضي المنع من ظهوره على من انتفت عنه النبوة ، فإذا ثبت ظهوره على من ذكرنا وليسوا بأنبياء سقط معتمدهم.

على أنهم إذا أجازوا ظهور المعجز على غير النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ونسبته إلى نبي الوقت أو الملة (١) جاز لنا مثل ذلك في أئمتنا ، لكونهم أوصياء رسول الله وحفظة شرعه كآصف من سليمان والتلاميذ من عيسى ، بل هم أعلى رتبة عند الله وأجل منزلة.

فأما كون المعجز موضوعا للابانة فمعنى ذلك ابانة الصادق من الكاذب ، والمرجع في صفته إليه ، فإن كان صالحا فقط لم يدع نبوة ولا امامة ، وان كان اماما حسب لم يدع نبوة ولا رسالة ، وان كان نبيا لم يقتصر على ما دونها ، من حيث كان المعجز مؤمنا من كذبه لتعلقه بمقدور من لا يجوز عليه تصديق الكذاب ، وتجويز ذلك لا يقتضي النفير عن النظر في معجز النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، لان مدعى النبوة لا بد أن يخوف من ترك النظر في معجزة بفوت ما أرسل به من المصالح ، وليست هذه حال من يظهر على يديه من الأئمة والصالحين ، لأنهم لا يخوفون من فرق شريعة (٢).

__________________

(١) كذا في النسخ.

(٢) كذا في بعض النسخ ، وفي بعضها الأخر : لأنهم لا يخافون من ترك الشريعة ، ولعل الصحيح : لا يخوفون من فوت شريعة.

١٠٣

على أن المعجز عندنا لا يظهر الا على من لنا في تمييزه بظهوره عليه وتصديقه به مصلحة ، أما الأئمة عليهم‌السلام فقد بينا كونهم حججا في التكليف العقلي وألطافا فيه ، ذوي صفات لا يمكن تمييزهم [ لها. خ ] الا بمعجز أو نص يستند اليه وحفظة للشرع ، وكونهم كذلك يقتضي كونهم على أحوال لا يمكن تعيينهم لها إلا بأحد الأمرين ، فجاز ظهور المعجزات عليهم في حال ووجوبها (١) في أخرى ، وتعين فرض النظر فيها عند تخويفهم كتعينه في معجزات الأنبياء. وأما الصالحون فليعلم الناظر في معجزاتهم كونهم كذلك عند الله تعالى فيتولاهم ظاهرا وباطنا ، وإذا شارك الأئمة والصالحون الأنبياء عليهم‌السلام في حصول المصلحة بمعرفتهم وفوتها (٢) للجهل بهم تعين فرض النظر في إعلامهم كتعينه في إعلام الأنبياء ولم يقتض ذلك تنفيرا عنه في موضع دون موضع (٣) ، إذ التنفير انما كان يحصل لو جوزنا ظهور المعجز على من لا مصلحة لنا في العلم بصدقه ، فأما والحال بخلاف ذلك فشبه الخصم ساقطة.

ولا يقدح في شي‌ء مما علمناه من صحة إمامتهم عليهم‌السلام امساكهم عن المطالبة بحقوقهم للمتقدمين عليهم ، وانقيادهم إليهم في الظاهر ، وكفهم عن الأمور المختص فرضها بهم : من جهاد وأمر ونهى ومظاهرة الأعداء وإظهار فتيا ، لان قيام البرهان بصحة إمامتهم وعصمتهم عليهم‌السلام يقتضي الحكم على جميع أفعالهم وتروكهم بالحسن ، كما يقطع بمثل ذلك في أفعال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وتروكه لثبوت عصمته.

ولان ما ذكرناه وما لم نذكره من الاعتراضات انما يتعين عليهم بشرط تكامل

__________________

(١) كذا في النسخ.

(٢) في بعض النسخ : فوقها وهو تصحيف ظاهرا.

(٣) كذا في النسخ.

١٠٤

شروط الأمر والنهى دون اختلال شي‌ء منها ، فلا يصح الاعتراض لشي‌ء (١) من ذلك ممن لم يثبت تعين فرضه بتكامل شروط الأمر والنهى لهم وهيهات ، على أن اختلاف (٢) شروط الأمر والنهى فيهم معلوم لكل من عرف حالهم مع المتقدمين عليهم والمتغلبين على أمور المسلمين ، وأن جميعهم وكل واحد منهم غير آمن مع لزومه منزلة (٣) وانقطاعه عن شيعته ، فكيف بما زاد على ذلك من المحاربة ومدافعة ذي العدد الكثير من الظالمين.

وبما قدمناه من الأدلة وحل الشبه (٤) يسقط سؤال من يعترض في امامة صاحب الزمان عليه‌السلام ، أو يقدح بغيبته في وجوده ، من حيث كان ما قدمناه من الأدلة على امامة أعيان الأئمة ، دالة على إمامته عليه‌السلام كدلالتها على امامة آبائه عليه‌السلام.

ولان المخالف في إمامته عليه‌السلام لا يعدوا أن يكون مسلما لامامة آبائه عليه‌السلام تسليم جدل أو دين ، أو منازعا فيها ، فان كان منازعا وجب الاشتغال معه بإيضاح الأدلة عليها وحمل امامة صاحب الزمان عليه‌السلام عليها ، وان كان مسلما لها سقط خلافه في إمامته عليه‌السلام ، لأنه لا أحد من الأمة أثبت امامة آبائه ونازع في إمامته.

ولان المعلوم من دينهم القول بإمامة الثاني عشر والنص على إمامته وصفة غيبته ، فصار لذلك العلم بإمامتهم عليهم‌السلام علما بإمامته ، كما ان العلم بنبوة نبينا علم بوجوب صلاة (٥) الخمس وصوم الشهر وحج البيت ، فكما لا يصح القول بنبوته مع الشك في هذه العبادات كذلك لا يصح القول بإمامة آبائه عليهم‌السلام مع

__________________

(١) بشي‌ء.

(٢) كذا في النسخ ، والظاهر : اختلال.

(٣) هذه الكلمة موجودة في بعض النسخ ، ولعل الصحيح : منزلة.

(٤) الشبهة ، كذا في بعض النسخ.

(٥) في بعض النسخ : صلوات.

١٠٥

الشك في إمامته عليه‌السلام.

وإذا كانت إمامته عليه‌السلام ثابتة كآبائه وجب تكامل الصفات الواجبة للإمام له من العصمة والفضل والعلم والعبادة والزهد والشجاعة واقتضى لذلك (١) الحكم لغيبته وما يتبعها في عدم فتياه وارتفاع ما يتعلق به فرضه مع الإمكان من جهاد واقامة حد وقبض حق بالحسن ، إذ لا فرق في العلم بحسن الفعل والإخلال بين أن يعلم ذلك مفصلا وبين أن يستند الى اختيار من لا يجوز عليه اختيار القبيح. ولهذا حكمنا لجميع ما خلقه القديم سبحانه وأراده وفعله النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ودعيا (٢) اليه بالحسن ، ولما كرهاه (٣) بالقبح ، لقيام البرهان على حكمته سبحانه وعصمة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ولم يحتج الى تفصيل الوجه في ذلك.

وقد تبرع شيوخنا رضي‌الله‌عنه وتبرعنا بيان الوجه الحكمي في جميع ما يسأل عنه المخالف في امامة صاحب الزمان عليه‌السلام وغيبته كما تبرعوا وتبرعنا بمثل ذلك في شبه التوحيد والعدل والنبوة ، (٤) الوقوف (٥) عليه في مواضعه يغني إيراده ههنا ، إذ كانت الجملة التي عقدناها كافية في ثبوت الحجة في امامة صاحب الزمان عليه‌السلام وسقوط ما يعترضها من الشبهة. والمنة (٦) لله تعالى.

__________________

(١) ذلك ، كذا في بعض النسخ.

(٢) في بعض النسخ : دعا.

(٣) في بعض النسخ : كرهه.

(٤) في بعض النسخ : النبوات.

(٥) في بعض النسخ : والوقوف.

(٦) في بعض النسخ : والمشية.

١٠٦

التكليف السمعي

١٠٧
١٠٨

فصل في بيان التكليف السمعي

التكليف الشرعي على ثلاثة أضرب : عبادات ومحرمات وأحكام.

والعبادات على ضربين : مفروض ومسنون ، ولكل وجه يجب امتثاله له

فوجه الفرائض كون فعلها لطفا في الواجب العقلي واجتناب القبيح ويقبح (١) تركها ، لأنه ترك الواجب (٢).

وجهة السنن كونها لطفا في المندوب العقلي ، ولم يقبح تركها كما لم يقبح ترك ما هي لطف فيه.

وجهة قبح (٣) المحرمات كون فعلها مفسدة داعيا إلى قبائح العقول ، وصارفا عن واجباتها ، ويجب اجتنابها لأنه اجتناب القبيح.

ووجه الأحكام ليعلم المكلف الوجه الذي له يحسن التصرف فيقف (٤). عليه ويجتنب ما عداه ، فتكليفه فيها راجع الى العبادات من وجه والى المحرمات

__________________

(١) في بعض النسخ : وقبح تركها.

(٢) في بعض النسخ : ترك لواجب.

(٣) في جميع النسخ هكذا : وجهه وقبح المحرمات. والظاهر ما أثبتناه.

(٤) في جميع النسخ : فيقفه.

١٠٩

من آخر ، على ما نذكره.

وقلنا ذلك لأنه لا بد لكل شي‌ء حسن أو قبيح من وجه له كان كذلك لو لا ذلك لم يكن ما حسن بالحسن أولى من القبح ، ولا ما قبح بالقبح أولى من الحسن ، فلا يخلو أن يكون الوجه كونها كذلك كالصدق والإنصاف والظلم والكذب ، أو الأمر والنهى (١) على ما يقوله المجبرة ، أو كون ذلك شكر النعمة على ما يقوله بعض أهل العدل ، أو كون الترك في العبادات مفسدة وفي القبائح مصلحة ، أو ما يقوله من كون فعل العبادات مصلحة وفعل القبائح مفسدة.

والقسم الأول ظاهر الفساد لأنه يقتضي أن يكون كل من علم الصلاة أو الزكاة علم وجههما وان (٢) لم يختلف وجوبهما وقبح القبائح في الأزمان والأعيان كالصدق والكذب ، والمعلوم خلاف ذلك.

والقسم الثاني فاسد أيضا من حيث وجب كون المأمور على صفة لها حسن الأمر به قبل تعلق الأمر والنهى على صفة لها حسن النهى عنه قبل تعلقه به ، وذلك مانع من وقوف وجه الحسن على الأمر والقبح على النهى ، وانما كشف الأمر والنهى منه سبحانه عن حسن المأمور وقبح المنهي لكونه تعالى حكيما لا يأمر بقبيح ولا ينهى عن حسن. ولأن الأمر والنهى لو اقتضيا الحسن والقبح لاقتضيا ذلك في كل موضع ، فكان يقبح الصدق النهى عنه ويحسن الكذب للأمر به ، والمعلوم خلاف ذلك. ولأن صحة الأمر والنهى فرع للعلم بصدق الرسول الموقوف على النظر الواجب عن الخوف من فوت المصالح وتعلق المفاسد الحاصل قبل فعله ، فوقوف حسن الشرائع وقبحها على الأمر والنهى

__________________

(١) في بعض النسخ : أو الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر.

(٢) في بعض النسخ : علم وجههما إذ لم يختلف وجوبهما. ولعل الصحيح :

وان لا يختلف.

١١٠

يسد طريق العلم بصحتها على ما قررناه.

والثالث أظهر فسادا من حيث كان الشكر الاعتراف بالنعمة والخضوع لفاعلها وتعظيمه ، وهذه الحقيقة أجنبية من أفعال الشريعة وتروكها ، ولان شكره تعالى واجب على كل مكلف في كل حال ذكر ، والشرعيات بخلاف ذلك ، لاختصاص تكليفها بمكلف دون مكلف ، وزمان دون زمان. وليس لأحد أن يقول : فالعبادات لا تصح الا بعد أن تكون فاعلها معترفا بنعمة تعالى خاضعا بها له سبحانه ، لان ذلك من شرائط صحتها كالطهارة وستر العورة والنية وليس بوجه لها.

والرابع أبعد من الصحة لأن التعبد والنص والإشارة والتعيين توجهت الى فعل العبادات كالصلاة والزكاة ، والمحرمات كالزنا وشرب الخمر ، دون تركها ، ولو كان الترك هو المعتبر في التكليف لوجب توجه النص والتعيين اليه دون الفعل ، إذ هو المقصود.

فثبت ان الوجه ما ذكرناه.

ولأنه سبحانه قد نص على ذلك بقوله ( إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ ) (١) و ( إِنَّما يُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ ) (٢) وهذا صريح بكون الصلاة صارفة عن القبيح والخمر والميسر صارفان (٣) عن الحسن.

وقلنا بما ذكرناه في الأحكام ، لان مريد النكاح متى لم يعلم الوجه الذي يقع عليه العقد الشرعي لم يحل له الوطي ، وكذلك مريد البيع والابتياع مع

__________________

(١) سورة العنكبوت ، الاية : ٤٥.

(٢) سورة المائدة ، الاية : ٩١.

(٣) في بعض النسخ : صارفا.

١١١

الجهل بالعقد الشرعي ، وكذلك القول في الإرث متى جهل الحكم له يحل له التصرف في الموروث ، فهو إذا متعبد بإيقاع العقد أو الفرقة على الوجه المشروع ، وعلى هذا يجري الحال في جميع الأحكام ، ورجوعها في التحقيق الى قبيل العبادات من وجه ، والتروك الشرعية من آخر ، من حيث كان امضاءها على خلاف ما قرره الشرع مكروها له سبحانه.

وإذا كان الوجه ما ذكرناه وجب على من كلف شيئا من الأفعال الشرعية أو تروكها أن يفعل ويترك الوجه (١) الذي شرع ، إذ هو المقصود متقربا به اليه سبحانه ، ولا يكون كذلك ولما يكون طائعا (٢) فيه بامتثال مراده سبحانه في جميع صفاته وشروطه وأفعاله وتروكه عامدا في حاله (٣) باعترافه بنعمة سبحانه وخضوعه له سبحانه ، وذلك فرع للعلم بما قدمناه من المعارف ، فمتى اختل شرط من هذه لم يكن فعله ولا اجتنابه عبادة ولا مصلحة.

__________________

(١) كذا في جميع النسخ ، والظاهر : للوجه.

(٢) في جميع النسخ : طائفا والظاهر : ما أثبتناه.

(٣) في بعض النسخ : حالة.

١١٢

باب تعيين العبادات

العبادات عشرة : الصلوات ، وحقوق الأموال ، والصيام ، والحج ، والوفاء بالنذور والعهود والوعود ، وبر الايمان ، وتأدية الأمانات ، والخروج من الحقوق ، والوصايا ، وأحكام الجنائز ، وما تعبد (١) الله سبحانه لفعل الحسن والقبيح ، ولكل من هذه العبادات أحكام وشروط ، وينقسم أكثرها إلى أفعال وتروك ، وينقسم كل منهما الى مفروض ومسنون ، ويعم تكليف بعضها ويخص بعض ، مع عموم العلم بجملها (٢) لكل مكلف في كل حال من حيث كان التصديق بها من جملة الايمان وتعذره في الحقيقة من دون العلم ، والعلم بالتفصيل موقوف على البلوى بالعمل ، وفرض العلم بصلاة الخمس يتعين (٣) في الأيام والمكلفين عدا النفساء والحائض فلزم لذلك العلم بتفصيلها لوقوف صحة العمل على العلم بالمعمول ، وما عداها من العبادات العمل بها والعلم بتفصيل أحكامها موقوف على البلوى ، وان كان العلم بالتفصيل مندوبا اليه على كل حال

__________________

(١) في بعض النسخ : وما يعبد الله.

(٢) في النسخ : بحملها ، والظاهر ما أثبتناه.

(٣) في بعض النسخ : بتعيين.

١١٣

لكون كل مكلف معرضا للبلوى بكل منها ومجوزا ذلك في زمان يضيق عن العلم بتفصيل ما بلى به.

ان قيل : ما القول في من تعين عليه العمل بأحد هذه العبادات في زمان يضيق عن تحصيل العلم بها؟

قيل : يلزم هذا المكلف اجتناب العمل مع الجهل به والشروع في النظر في الطرق الموصلة إلى العلم به ، فاذا علمه فكان (١) مما يصح أداؤه في الأوقات كالحج والزكاة فليؤده في المستقبل ، وان كان مما يختص بوقت ويجب قضاءه بخروجه كالصوم فخرج ولما يكمل العلم به عن تفريط منه فهو مأزور يلزمه التوبة والقضاء ، وان كان ممتثلا ما وجب عليه من النظر في ابتداء تعين فرضه ومجتهدا في فعله في جميع أحوال إمكانه ، فلا تبعة عليه ولا قضاء يلزمه ، وان كان مما يتعلق بوقت يسقط فرضه بخروجه كالفطرة وصلاة العيد فهو مأزور مع التفريط بواجب النظر ، تلزمه التوبة ، وان لم يكن مفرطا فلا شي‌ء عليه.

__________________

(١) كذا في النسخ.

١١٤

باب بيان حقيقة الصلاة وضروبها

الصلاة الشرعية تشتمل على ثلاثة أشياء : أحكام ، وشروط ، وكيفية ، ويتبعها شيئان : أحكام السهو فيها ، والقضاء لما يلزمه قضاؤه من فوائتها.

فالأحكام صفات الصلاة وهي على ضربين : أفعال كالقراءة والركوع والسجود ، وتروك ، كالكلام والعبث.

والشروط ما به تتم الصلاة ، ومن حقها أن تكون منفصلة عنها كرفع الحدث بالطهارة وستر العورة.

والكيفية : ما يجب كون المصلي عليها في حال قيامه وركوعه وسجوده وجلوسه منفردا وجامعا ، مختارا ومضطرا.

والسهو : انتفاء العلم والظن بما فعله المصلي أو تركه.

والقضاء : فعل مثل الفائتة بخروج وقته.

والصلاة على ضربين : مفروض ومسنون ، والمفروض سبع صلوات : صلاة الخمس ، وصلاة الجمعة ، وصلاة العيدين ، وصلاة الكسوف ، وصلاة الجنائز ، وصلاة الطواف ، وصلاة النذر. والمسنون ستة عشر صلاة (١) صلاة نوافل الجمعة ، ونوافل شهر رمضان. وصلاة الغدير ، وصلاة المبعث

__________________

(١) صلاة النوافل اليومية و. ظ.

١١٥

وصلاة نصف شعبان ، وصلاة أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وصلاة جعفر عليه‌السلام ، وصلاة فاطمة عليه‌السلام ، وصلاة الإحرام ، وصلاة الزيارات ، وصلاة الاستخارة ، وصلاة الحاجة ، وصلاة الشكر ، وصلاة الاستسقاء ، وصلاة تحية المسجد.

باب تفصيل أحكام الصلاة الخمس

الواجب فعله من أحكام الصلاة أحد عشر شيئا : عدد ركعاتها ، وتكبيرة الإحرام ، والقراءة ، والركوع ، والتسبيح فيه ، والسجود ، والتسبيح فيه ، والجلوس للتشهدين ، والشهادتان فيهما ، والصلاة على محمد وآله صلى‌الله‌عليه‌وآله والتسليم.

فالفرض الأول على ضربين : تمام وتقصير ، والتمام سبع عشرة ركعة : الظهر أربع ركعات ، والعصر كذلك ، والمغرب ثلاث ، وعشاء الآخرة أربع ، والغداة ركعتان. والتقصير إحدى عشرة ركعة : الظهر ركعتان ، والعصر كذلك والمغرب ثلاث ، وعشاء الآخرة ركعتان ، والفجر ركعتان.

وفرض التمام يختص الحاضر ، والمسافر في معصية ، والمسافر للعب والنزهة ، والمسافر أقل من بريدين ـ وهما أربعة وعشرون ميلا ـ ومن سفره أكثر من حضره كالجمال (١) والمكاري والبادي ، ومن عزم من المسافرين على الإقامة عشرا ، والتقصير فرض من عداهم.

فان قصر المتم أعاد على كل حال ، وهو مأزور مع القصد ، وان تمم المقصر (٢) مع العلم والقصد أعاد على كل حال ، وان كان عن سهو أو الجهل ببعض الأحكام أعاد في الوقت.

__________________

(١) في بعض النسخ : كالحمال.

(٢) في بعض النسخ : القصر.

١١٦

ويلزم التقصير لمكلفه إذا غاب عنه أذان مصره. فان دخل مصرا له فيه وطن فنزل فيه فعليه التمام ولو صلاة واحدة ، فان لم ينزله أو لم يكن له فيه وطن فعزم على الإقامة عشرا تمم ، وان لم يعزم على هذه المدة قصر ما بينه وبين شهر ثم تمم ولو صلاة واحدة.

والفرض الثاني لا يجزى فيه غير قول المصلي : الله أكبر ، دون سائر الأذكار ، ومن حقه إيجاب المضي في الصلاة ، وتحريم ما كان مباحا قبلها مما ليس في أفعالها أو أذكارها ، فإن أخل به المصلى عن سهو أو عمد فسدت صلاته ولزمته الإعادة ، وان شك فيه وهو في حال القيام قبل القراءة فليفعله ، وان شك بعد ما قرأ أو الى آخر الصلاة فلا يلتفت الى شكه ، وان علم أو ظن إخلالا به بعد القراءة والى آخر الصلاة فعليه إعادة الصلاة.

والفرض الثالث يجب مضيقا في الركعتين الأوليين من الرباعيات والمغرب وفي صلاة الغداة والتقصير الحمد وسورة مع الإمكان ، والحمد وحدها مع الاضطرار ، وعلى جهة التخيير في الركعتين الآخرتين من الرباعيات وثالثة المغرب بين الحمد وحدها وبين ثلاث تسبيحات : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله (١).

ومن شرط القراءة وصحة الصلاة فعلها من قيام مع الإمكان.

ويلزم الجهر بها في أولتي المغرب وعشاء الآخرة وصلاة الغداة وببسم الله الرحمن الرحيم في أولتي الظهر والعصر في ابتداء الحمد والسورة التي تليها ، والإخفات في باقي الركعات فمن جهر بحيث يجب الإخفات أو خافت بحيث يجب الجهر قاصدا بطلت صلاته ، وان كان عن سهو أو لتقية فصلاته ماضية وان جهر بحيث يجب الجهر جهرا شديدا فقد خالف السنة ، وان خافت بحيث

__________________

(١) في بعض النسخ : والله أكبر.

١١٧

يجب الإخفات بما لا تسمعه أذناه فسدت صلاته.

ومن حق القراءة أن يكون بلسان العرب المعرب ، فان عبر عن القرآن بغير العربية أو لحن في قراءته عن قصد بطلت صلاته ، وان كان ساهيا فعليه سجدتا السهو.

ولا يجوز أن يقرأ في فريضة بسورة من عزائم السجود وهي أربع : تنزيل السجدة ثم حم السجدة ، والنجم ، واقرأ باسم ربك الذي خلق ، لأن في هذه السور سجودا واجبا ان يفعله تبطل الفريضة بالزيادة فيها وان لا يفعله يخالف الواجب.

ولا يجوز أن يقرأ مع فاتحة الكتاب بعض سورة ، ولا أكثر من سورة.

ويكره قراءة طوال السور في الفرائض خوفا من فوت الفضل بأول الوقت ، فان خيف خروجه لقراءتها وجب تحري غيرها من قصار السور.

والفرض الرابع يجب فعله شرعيا على ما نبينه في باب الكيفية ، فإن أخل المصلي بركوع واحد عن سهو أو عمد أو واقعة [ أوقعه ظ ] على غير صفته بطلت صلاته.

وان شك وهو قائم فلم يدر أركع أم لم يركع فليركع ، وان ذكر بعد ما ركع أنه قد كان ركع فليسجد من غير أن يرفع رأسه وصلاته ماضية ، فان رفع رأسه من الركوع بعد الذكر فسدت صلاته لزيادته فيها ركوعا ليس منها [ فيها ظ ] وهو مأزور. وان كان ذكره للركوع بعد ما رفع رأسه فعليه الإعادة دون الإثم. وان شك فيه وهو ساجد لم يلتفت الى شكه. وان علم أو ظن ترك الركوع في حال السجود والى آخر الصلاة فعليه الإعادة.

والفرض الخامس ثلاث تسبيحات على المختار ، وتسبيحة على المضطر ، أفضله سبحان ربي العظيم وبحمده ، ويجوز سبحان الله ، فإن أخل بالتسبيح عامدا

١١٨

فسدت الصلاة ، وان كان ساهيا فالصلاة ماضية.

والفرض السادس يلزم على سبعة أعضاء : الجبهة والكفين والركبتين وأطراف أصابع الرجلين على ما نبينه في باب الكيفية. فإن تعمد ترك سجدة واحدة أو سها عن سجدتين من ركعة فسدت صلاته. وان سها عن سجدة فذكرها قبل أن يركع الركعة التي تلي حال السهو أرسل نفسه وسجدها فان لم يذكرها حتى ركع فليمض في صلاته ، فاذا سلم سجدها قاضيا وسجد سجدتي السهو.

وان شك وهو جالس فلم يدر أسجد أم لم يسجد؟ أسجد واحدة أم اثنتين؟ فليسجد ما شك فيه. فان ذكر بعد ما سجد أنه قد كان سجد ، فكان بما (١) فعله مكملا سجدتين فصلاته صحيحة وان كان زائدا عليها أعاد الصلاة. وان شك بعد ما نهض لم يلتفت الى شكه ، وان تيقن أو ظن فحكمه ما قدمناه.

والفرض السابع كالخامس ، ولفظه الأفضل : سبحان ربي الأعلى وبحمده ، ويجوز سبحان الله.

والفرض الثامن واجب أولا وثانيا على الصفة التي نبينها ، فإذا أخل به عامدا فسدت الصلاة ، وان كان ساهيا فذكر الأول قبل أن يركع أو الثاني قبل ان ينصرف وجلس فتشهد فلا شي‌ء عليه ، وان كان لم يذكر الأول حتى ركع الثالثة ، أو الثاني حتى انصرف عن مقام الصلاة ، فعليه قضاؤه وسجدتا السهو.

والفرض التاسع والعاشر لازم في الجلوس الأول والثاني ، فإن تعمد المصلي الإخلال بشي‌ء منه فيهما فسدت صلاته ، وان سها عنه فالصلاة ماضية وقضاءه في الصلاة وما بقي على طهارتها أفضل.

والفرض الحادي عشر : السلام عليكم ورحمة الله يعني محمدا وآله صلى‌الله‌عليه‌وآله

__________________

(١) في بعض النسخ : ما فعله.

١١٩

والحفظة ، وان كان منفردا بالصلاة فتسليمه (١) واحدة تجاه القبلة ويشير بها ذات اليمين ، وان كان إماما فواحدة تجاه القبلة عن اليمين ، وان كان مأموما فواحدة ذات اليمين واخرى ذات الشمال.

والواجب تركه في الصلاة اثنا عشر شيئا : الكلام بما ليس من جنس أذكارها ، والقهقهة ، والبكاء من غير خشية الله ، والقي‌ء ، وكثير العبث ، وقطع الصلاة لما لا يخاف معه على النفس ، واحداث ما ينقض الطهارة ، والصلاة مع فقد التحصيل ، والصلاة على صفة مع التمكن من الزيادة عليها ، والالتفات الى دبر القبلة ، وصلاة الرجل الى جانب المرأة والمرأة إلى جانب الرجل.

فمتى تعمد المصلي فعل شي‌ء من هذه فسدت صلاته ، وان تكلم ساهيا فصلاته ماضية وعليه سجدتا السهو ، وان قطع الصلاة وانصرف ساهيا ، أو أحدث ساهيا ، أو صلى على صفة يتمكن مما زاد عليها ساهيا بطلت صلاته.

والمسنون فعله من أحكام الصلاة اثنا عشر شيئا : الأذان والإقامة للمنفرد والتوجه ، وتكبير الركوع والسجود ، والقنوت ، وما زاد في الركوع على الواجب ، وما زاد في السجود على الواجب ، والذكر بعد الركوع ، والذكر بين السجدتين ، وبعدهما ، وما زاد في التشهدين على الواجب ، والتعقيب ، والتعفير.

والأذان ثمانية عشر فصلا : الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر ، اشهد أن لا إله إلا الله مرتان ، اشهد ان محمدا رسول الله مرتان ، حي على الصلاة مرتان ، حي على الفلاح مرتان ، حي على خير العمل مرتان ، الله أكبر مرتان ، لا إله إلا الله مرتان. والسنة فيه رفع الصوت به ، وترتيل كلمه ، والوقوف على أواخر الفصول ، ويجوز الكلام فيه وفعله على غير طهارة وتجاه القبلة ودبرها وفي حال

__________________

(١) فتسليمة. ظ.

١٢٠