منهج المقال في تحقيق احوال الرجال - ج ١

محمد بن علي الاسترابادي

منهج المقال في تحقيق احوال الرجال - ج ١

المؤلف:

محمد بن علي الاسترابادي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : رجال الحديث
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-301-2
الصفحات: ٤٢١

( هذا ، واعلم أنّ الظاهر والمشهور أنّ قولهم : ( ثقة ثقة ) تكرر (١) اللفظ تأكيداً ، وربما قيل : إنّ الثاني بالنون موضع الثاء ) (٢).

ومنها قولهم : ممدوح.

والبحث فيه من وجوه :

الأول : المدح في نفسه يجامع صحة العقيدة وفسادها ، والأوّل يُسمّى حديثه حسناً والثاني قويّاً (٣).

وإذا لم يظهر صحّتها ولا فسادها فهو أيضاً من القوي (٤) ، لكن نراهم بمجرّد ورود المدح يعدّونه حسناً ، ولعلّه لأنّ إظهار المدح مع عدم إظهار القدح ولا تأمّل منهم ظاهر في كونه إمامياً ، مضافاً إلى أنّ ديدنهم التعرّض للفساد على قياس ما ذكر في التوثيق ، ففي مقام التعارض يكون قويّاً مطلقاً أو إذا انعدمت المرجّحات على قياس ما مرّ.

والأولى في صورة عدم التعارض ـ أيضاً ـ ملاحظة خصوص المدح (٥) بعد ملاحظة ما في المقام ثمّ البناء على الظنّ الحاصل عند ذلك.

ومن التأمّل فيما ذكر في التوثيق وما ذكر هنا يظهر حال مدح عليّ بن

__________________

١ ـ في « ب » و « ك » : تكرار.

٢ ـ ما بين القوسين لم يرد في « م ».

وللمولى الرازي تعليقة بخطّه ، قال ما نصّه : قال في القاموس [ ٤ : ٣٩٧ ] في مادّة ( نقي ) : وثقة نقة : إتباع.

ويقوّي هذا الاحتمال عدم وقوع تكرير لفظ في مقام الجرح والتعديل للتأكيد ، واحتمال الاختصاص بلفظ الثقة بعيد جداً.

٣ ـ قال الكاظمي في العدة : ٢٠ : ثم المدح إن جاء في أصحابنا أفاد الحديث حُسناً وعُدّ حَسناً ، وإن جاء في غيرهم أفاده قوّة وعُدّ قويّاً.

٤ ـ قال الطريحي في جامع المقال : ٣ : القوي أطلقوه على ما رواه من سكت عن مدحهم وقدحهم.

٥ ـ في « ح » بدل المدح : المتن.

١٠١

الحسن بن فضّال وأمثاله ، وكذا المعارضة بين مدحه وقدح الإمامي ، وعكسه ، وغير ذلك (١).

الثاني : المدح ، منه ماله دخل في قوّة السند وصدق القول مثل : ( صالح ) و ( خيّر ).

ومنه ما لا دخل له في السند بل في المتن مثل : ( فَهِم ) (٢) و ( حافظ ).

ومنه ما لا دخل له فيهما مثل : ( شاعر ) و ( قارئ ).

ومنشأ صيرورة الحديث حسناً أو قويّاً هو الأوّل.

وأمّا الثاني فمعتبر في مقام الترجيح والتقوية بعدما صار الحديث صحيحاً أو حسناً أو قويّاً.

وأمّا الثالث فلا اعتبار له لأجل الحديث ، نعم ربما يُضمّ إلى التوثيق وذكر أسباب الحسن والقوّة إظهاراً لزيادة الكمال ، فهو من المكمّلات. وقس على المدح حال الذم.

هذا ، وقولهم : ( أديب ) أو ( عارف باللغة أو النحو ) وأمثالها هل هو من الأوّل أم الثاني أم الثالث (٣)؟

الظاهر أنّه لا يقصر عن الثاني مع احتمال كونه من الأوّل. ولعلّ مثل

__________________

١ ـ اُنظر عدة الرجال للكاظمي : ١٧ ، الفائدة الخامسة.

٢ ـ في « ق » : فهيم.

٣ ـ في حاشية « ق » تعليقة للمولى عليّ الرازي : إحتمال كون الأوّل وجيه إن أريد التأدّب بالآداب الشرعيّة ، بل لعلّه يشعر بالوثاقة حينئذ.

وأمّا الثاني فإلحاقه به لم أر له وجهاً ، ولا إشعاراً بكونه مرجعاً متحرّزاً عن الكذب فيهما ، وأمّا وجه إلحاقهما بالثاني فلأن الأدب والمعرفة باللغة والنحو له مدخليّة تامّة في صون المتن عن الخطأ ، سواء قلنا بتغايرهما ـ لكون ظاهر الأدب غير النحو واللغة ـ أو كان من قبيل ذكر الخاص بعد العام.

وقوله : ( مع احتمال كونه من الأوّل ) كأنّه تكرار لقوله : ( هل هو الأوّل ) انتهى.

١٠٢

( القارئ ) أيضاً كذلك ، فتأمّل (١).

الثالث : المدح هل هو من باب الرواية أو الظنون الاجتهاديّة أو الشهادة ـ على قياس ما مرّ في التوثيق ـ؟ والبناء هنا على ملاحظة خصوص الموضع وما يظهر منه أولى ، ووجهه ظاهر ، وكذا الثمرة.

الرابع : المدح يجامع القدح بغير فساد المذهب أيضاً ، لعدم المنافاة بين كونه ممدوحاً من جهة ومقدوحاً من أخرى ، ولو اتّفق القدح (٢) المنافي فحاله يظهر ممّا ذكر في التعارض.

ومع تحقّق غير المنافي فإمّا أن يكونا ممّا له دخل في السند ، أو ممّا له دخل في المتن ، أو المدح من الأوّل والقدح من الثاني ، أو بالعكس.

والأوّل لو تحقّق ـ بأن ذكر له وصفان لا يبعد اجتماعهما من ملاحظة أحدهما يحصل قوّة لصدقه ومن الآخر وهن ـ لا اعتبار له في الحسن والقوّة.

نعم لو كان المدح ها هنا في جنب قدحه (٣).

بحيث يحصل قوّة معتدّ بها فالظاهر الاعتبار.

وقس على ذلك حال الثاني ، مثل أن يكون جيّد الفهم رديء الحافظة.

وأمّا الثالث مثل أن يكون صالحاً سيّء الفهم أو الحافظة ، فلعلّه معتبر في المقام ، وأنّه كما لا يعدّ ضرراً بالنسبة إلى الثقات والموثّقين فكذا هنا مع

__________________

١ ـ قال الكاظمي في كتاب العدّة : ٢٠ وقد عدّوا في المدح مثل شاعر ، أديب ، قارئ ، عارف باللّغة والنحو ، نجيب ... والحق أنّ هذا كلّه ونحوه وإن كان في الناس ممدحة لكنّه لا يفيد الحديث حسناً أو قوة.

٢ ـ القدح ، لم ترد في « ق ».

٣ ـ في « أ » و « ب » و « ح » و « ك » و « م » : نعم لو كان القدح ها هنا في جنب مدحه.

١٠٣

تأمّل فيه ، إذ لعلّ عدم الضرر هناك من نفي التثبّت أو من الإجماع على قبول خبر العادل والمناط في المقام لعلّه الظنّ ، فيكون الأمر دائراً معه على قياس ما سبق.

وأمّا الرابع فغير معتبر في المقام ، والبناء على عدم القدح وعدّ الحديث حسناً أو قويّاً بسبب عدم وجدانه كما مرّ ، مضافاً إلى أصل العدم.

الخامس : مراتب المدح (١) متفاوته وليس أيّ قدر يكون معتبراً في المقام ، بل القدر المعتد به في الجملة ، وسيشير إليه الشهيد في خالد بن جرير (٢) وغيره. وربما يحصل الاعتداد من اجتماع المتعدّد ، ويتفاوت العدد والكثرة بتفاوت القوّة (٣) ، كما أنّ المدائح في أنفسها متفاوته (٤) فيها ، فليلاحظ التفاوت وليعتبر في مقام التقوية والترجيح.

ومنها : قولهم : ثقة في الحديث (٥).

والمتعارف المشهور أنّه تعديل وتوثيق للراوي نفسه. ولعلّ منشأه الاتّفاق على ثبوت العدالة ، وأنّه يذكر لأجل الاعتماد على قياس ما ذكر في التوثيق ، وأنّ الشيخ الواحد ربما يحكم على واحد بأنّه ثقة ، وفي موضع

__________________

١ ـ في « ن » زيادة : والقدح.

٢ ـ تعليقة الشهيد الثاني على الخلاصة : ٣٣.

٣ ـ في « ح » و « ق » و « ك » : وبتفاوت العدد والكثرة يتفاوت القوّة.

٤ ـ في « ق » بعد متفاوتة زيادة : فتأمّل.

٥ ـ في « ق » تعليقة للمولى علي الرازي : يحتمل أن يكون المراد من الحديث معناه اللغوي ، فيكون المعنى أنّه متحرز عن الكذب ، أو يكون المراد أنّه ثقة في الرواية ، وهذا أعم من الوثاقة ، أو يكون المراد أنّه ثقة عند أهل الحديث ، كما يقال : فلان إمام في النحو ، فيشعر بكونه مسلّم الوثاقة ، فيكون أقوى من لفظة ثقة ، لإشعاره بالإتّفاق دونها ، ولكن لمّا لم يكن دليل على تعيّن أحد الإحتمالات الثلاثة كان مجملاً. ومن هنا ظهر فرق بين « ثقة » و « ثقة في الحديث » كما لا يخفى.

١٠٤

آخر بأنّه ثقة في الحديث ، مضافاً إلى أنّه في الموضع الأوّل كان ملحوظ نظره (١) الموضع الآخر ، كما سيجيء في أحمد بن إبراهيم بن أحمد (٢) ، فتأمّل.

وربما قيل بالفرق بين ( الثقة في الحديث ) و ( الثقة ) ، وليس ببالي القائل (٣).

ويمكن أن يقال بعد ملاحظة اشتراطهم العدالة : إنّ العدالة المستفادة من الأوّل هي بالمعنى الأعم ـ ( وقد أشرنا وسنشير أيضاً أنّ التي وقع الاتّفاق على اشتراطها هي بالمعنى الأعم ـ ) (٤) ووجه الاستفادة (٥) إشعار العبارة وكثير من التراجم ، مثل ترجمة أحمد بن بشير (٦) ، وأحمد بن الحسن ، وأبيه الحسن بن علي (٧) بن فضّال ، والحسين بن أبي سعيد ، والحسين بن أحمد بن المغيرة ، وعليّ بن الحسن الطاطري ، وعمّار بن موسى ، وغير ذلك.

إلاّ أنّ المحقّق (٨) نقل عن الشيخ رحمهم‌الله أنّه قال : يكفي في الراوي أن

__________________

١ ـ في « ق » بدل ملحوظ نظره : ملحوظاً في نظره.

٢ ـ حيث حكم الشيخ في رجاله في من لم يروعن الأئمّة عليهم‌السلام : ٤١١ / ٤٤ بوثاقته ، وقال عنه في الفهرست : ٧٦ / ٢٨ : وكان ثقة في حديثه.

٣ ـ اُنظر الفصول الغرويّة : ٣٠٣ ( مخطوط ) ورسالة توضيح المقال للشيخ عليّ الكني : ٣٩ ( حجري ).

٤ ـ ما بين القوسين لم يرد في « أ ».

٥ ـ في « ق » تعليقة للمولى عليّ الرازي : لعلّ وجه الإستفادة من ترجمة أحمد بن أبي بشير في النجاشي والخلاصة والفهرست ، قالوا فيه : ثقة في الحديث واقف المذهب ، فظهر أنّ مرادهم في قولهم : « ثقة في الحديث » العدالة بالمعنى الأعم.

٦ ـ في « ق » بدل أحمد بن بشير : أحمد بن أبي بشر ، وفي « م » : أحمد بن بشر.

٧ ـ ابن علي ، لم ترد في « أ ».

٨ ـ نجم الدين أبو القاسم جعفر بن الحسن بن يحيى بن سعيد الهذلي المعروف

١٠٥

يكون ثقة متحرّزاً عن الكذب في الرواية وإنْ كان فاسقاً بجوارحه ... إلى آخره ، فتأمّل.

ومرّ في أواخر الفائدة الاُولى ما ينبغي أنْ يلاحظ.

ومنها : قولهم : صحيح الحديث.

( اعلم أنّ الحديث الصحيح ) (١) عند القدماء هو ما وثقوا بكونه من المعصوم عليه‌السلام ـ أعم من أنْ يكون منشأ وثوقهم كون الراوي من الثقات أو أمارات اُخر ـ ويكونوا (٢) يقطعون بصدوره عنه عليه‌السلام أو يظنّون (٣).

ولعلّ اشتراطهم العدالة ـ على حسب ما أشرنا إليه ـ لأجل أخذ الرواية عن الراوي من دون حاجة إلى التثبّت وتحصيل أمارات تورثهم وثوقاً اعتدّوا به ، كما أنّ عند المتأخرين أيضاً كذلك كما مرّ (٤) ، فتأمّل.

وما قيل من أنّ الصحيح عندهم قطعيّ الصدور ، قد بيّنا فساده في

__________________

بالمحقّق الحلّي والمحقّق الأوّل والمتوفّى سنة ٦٧٦ هـ. نقل المطلب المذكور في كتابه معارج الاُصول : ١٤٩ نقلاً عن عُدّة الشيخ ١ : ١٥٢.

١ ـ ما بين القوسين أثبتناه عن « م ».

٢ ـ في « م » : أو يكونوا.

٣ ـ قال الشيخ البهائي في مشرق الشمسين : ٢٦٩ ـ في أقسام الخبر وما يكون به صحيحاً ـ : ... وهذا الاصطلاح لم يكن معروفاً بين قدمائنا ـ قدّس الله أرواحهم ـ كما هو ظاهر لمن مارس كلامهم ، بل كان المتعارف بينهم إطلاق الصحيح على كلّ حديث اعتضد بما يقتضي اعتمادهم عليه أو اقترن بما يوجب الوثوق به والركون إليه.

وقال المجلسي الأوّل في روضة المتقين ١٤ : ١٠ : والظاهر من طريقة القدماء سيما أصحابنا أنّ مرادهم بالصحيح ما علم وروده من المعصوم.

٤ ـ اُنظر فيما يتعلّق بالمقام الرعاية للشهيد الثاني : ٢٠٣ ، والرواشح السماوية : ٦٠ الراشحة الثانية عشر ، وعدّة الرجال للكاظمي : ١٨ الفائدة الخامسة.

١٠٦

الرسالة (١).

ثمّ إنّ بين صحيحهم والمعمول به عندهم لعلّه عموم من وجه ، لأنّ ما وثقوا بكونه عن المعصوم عليه‌السلام الموافق للتقيّة صحيح غير معمول به عندهم ـ وببالي التصريح بذلك في آواخر فروع الكافي ـ وما رواه العامّة عن أمير المؤمنين عليه‌السلام ـ مثلاً ـ لعلّه غير صحيح عندهم ويكون معمولاً به كذلك ، لما نقل عن الشيخ أنّه قال في عُدّته ما مضمونه : هذا (٢) رواية المخالفين في المذهب عن الائمّة عليهم‌السلام إنْ عارضها رواية الموثوق به وجب طرحها ، وإن وافقتها وجب العمل بها ، وإن لم يكن ما يوافقها ولا ما يخالفها ولا يعرف لها قول فيها وجب أيضاً العمل بها لما روي عن الصادق عليه‌السلام : « إذا نزلت بكم حادثة لا تجدون حكمها فيما رووا عنّا فانظروا ما رووه عن عليّ عليه‌السلام فاعملوا به » (٣) ولأجل ما قلناه عملت الطائفة بما رواه حفص بن غياث (٤) وغياث بن كلوب (٥) ونوح بن درّاج (٦)

__________________

١ ـ رسالة الأخبار والاجتهاد : ٤٧ إلى آخر الرسالة ، حيث فصّل القول فيها ردّاً على من قال بأنّ أحاديثنا كلّها قطعيّة الصدور عنهم عليهم‌السلام.

٢ ـ في « ق » بدل هذا : إن.

٣ ـ بحار الأنوار ٢ : ٢٥٣ ووسائل الشيعة ٢٧ : ٩١ / ٤٧ ، كلاهما عن العُدّة.

٤ ـ هو حفص بن غياث أبو عمرو القاضي الكوفي ، روى عن الإمام الصادق والكاظم عليهما‌السلام ، توفّي في الكوفة سنة أربع وتسعين ومائة.

له ترجمة في الفهرست : ١١٦ / ١ ، ورجال النجاشي : ١٣٤ / ٣٤٦ ، والخلاصة : ٣٤٠ / ١.

٥ ـ هو غياث بن كلّوب بن فيهس البجلي ، له روايات عن أئمّة أهل البيت عليهم‌السلام.

له ترجمة في الفهرست : ١٩٧ / ٢ ، والنجاشي : ٣٠٥ / ٨٣٤.

٦ ـ نوح بن درّاج النخعي أبو محمّد الكوفي القاضي ، روى عن الإمام الصادق عليه‌السلام ، توفّي سنة اثنتين وثمانين ومائة.

١٠٧

والسكوني (١) من العامّة عن أئمّتنا ولم ينكروه ولم يكن عندهم خلافه (٢) ، انتهى. فتأمّل.

وما ذكر غير ظاهر عن كلّ القدماء.

وأمّا المتأخّرون فإنّهم أيضاً بين صحيحهم والمعمول به عندهم العموم من وجه ـ وهو ظاهر ـ وبين صحيحهم وصحيح (٣) القدماء العموم المطلق ، وقد أثبتناه في الرسالة.

ولعلّ منشأ قصر اصطلاحهم في الصحّة فيما رواه الثقاة صيرورة الأحاديث ظنّية ، وانعدام الأمارات التي تقتضي العمل بها بعنوان الضابطة ، ومثل الحُسْن والموثّقية (٤) وإجماع العصابة على تصحيح ما يصحّ عنه وغير ذلك وإن صار ضابطة عند البعض مطلقاً أوفي بعض رأيه ، إلاّ أنّ ذلك البعض لم يصطلح إطلاق الصحيح عليه وإن كان يطلق عليه في بعض الأوقات ، بل لعلّ الجميع أيضاً يطلقون كذلك ـ كما سنشير إليه في أبان بن عثمان ـ حذراً من الاختلاط ولشدّة اهتمامهم (٥) في مضبوطية قواعدهم ولئلاّ يقع تلبيس وتدليس ، فتأمّل.

وبالجملة : لا وجه للاعتراض عليهم بتغيير الاصطلاح وتخصيصه

__________________

ذكره الكشّي في رجاله : ٢٥١ / ٤٦٨ ، والشيخ في أصحاب الصادق عليه‌السلام : ٣١٤ / ٣ ، والعلاّمة في الخلاصة : ٢٨٤ / ٣ ، والخطيب في تاريخه ١٣ : ٣١٥.

١ ـ إسماعيل بن مسلم وابن أبي زياد السكوني الشعيري الكوفي ، روى عن الإمام الصادق عن أبيه الباقر عليهما‌السلام.

ذُكر في رجال الشيخ : ١٦٠ / ٩٢ ، ورجال النجاشي : ٢٦ / ٤٧.

٢ ـ عُدّة الاُصول ١ : ١٤٩.

٣ ـ في « ق » : وصحاح.

٤ ـ كذا في النسخ ، والظاهر كون الواو زائده.

٥ ـ في « ك » : والموثّق.

٦ ـ في « ك » : اعتمادهم.

١٠٨

بعد ملاحظة ما ذكرنا.

وأيضاً عدّهم الحديث حسناً وموثّقاً منشؤه القدماء ، ولا خفاء فيه ، مع أنّ حديث الممدوح عند القدماء ليس عندهم مثل حديث الثقة والمهمل والضعيف البتّة ، وكذا الموثّق ، نعم لم يعهد منهم أنّه حسن أو موثّق أو غير ذلك ، والمعهود من المتأخّرين لو لم يكن حسناً لم يكن فيه مشاحّة البتّة ، مع أنّ حُسْنه غير خفيّ.

ثمّ إنّه ممّا ذكرنا ظهر فساد ما توهّم بعض من أنّ قول مشايخ الرجال : ( صحيح الحديث ) تعديل ـ وسيجيء في الحسن بن عليّ بن النعمان أيضاً ـ نعم هو مدح ، فتدبّر.

ومنها : قولهم : أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنه.

واختلف في بيان المراد ، فالمشهور أنّ المراد صحّة كلّ ما رواه حيث تصحّ الرواية إليه (١) ، فلا يلاحظ ما بعده إلى المعصوم عليه‌السلام وإن كان فيه ضعف ، وهذا هو الظاهر من العبارة.

وقيل : لا يفهم منه إلاّ كونه ثقة (٢).

واعترض (٣) عليه أنّ كونه ثقة أمر مشترك ، فلا وجه لاختصاص الإجماع بالمذكورين به (٤).

وهذا الإعتراض بظاهره في غاية السخافة ، إذ كون الرجل ثقة لا يستلزم وقوع الإجماع على وثاقته ، إلاّ أن يكون المراد ما أورده بعض

__________________

١ ـ في « ب » بدل تصحّ الرواية إليه : يصحّ الرواية عنه.

٢ ـ يظهر القول المذكور من المجلسي الأوّل في روضة المتقين ١٤ : ١٩.

٣ ـ كذا في « م » ، وفي سائر النسخ : فاعترض.

٤ ـ اُنظر استقصاء الاعتبار ١ : ٦٠.

١٠٩

المحقّقين من أنّه ليس في التعبير بها لتلك الجماعة دون غيرهم ممّن لا خلاف في عدالته فائدة (١).

وفيه : إنّه إنْ أردت عدم خلاف من (٢) المعدّلين المعروفين في الرجال ، ففيه :

أولاً : إنّا لم نجد من وثّقه جميعهم.

وإن أردت عدم وجدان خلاف منهم ، ففيه : إنّ هذا غير ظهور الوفاق ، مع أنّ سكوتهم ربما يكون فيه شيء ، فتأمّل.

وثانياً : إنّ اتّفاق خصوص هؤلاء غير إجماع العصابة ، وخصوصاً أنّ مدّعي هذا الإجماع الكشّي ناقلاً عن مشايخه (٣) ، فتدبّر (٤).

هذا ، مع أنّه لعلّ عند هذا القائل يكون تصحيح الحديث أمراً زائداً على التوثيق ، فتأمّل.

وإن أردت اتّفاق جميع العصابة ، فلم يوجد إلاّ في مثل سلمان (٥)

__________________

١ ـ أورده الشيخ محمّد في شرح الاستبصار على ما نقله عنه حفيده السيّد حسن الصدر في نهاية الدراية : ٤٠٥.

٢ ـ في « ق » : بين.

٣ ـ رجال الكشّي : ٢٣٨ / ٤٣١ ، ٣٧٥ / ٧٠٥ ، ٥٥٦ / ١٠٥٠.

٤ ـ في « ب » : فتأمّل.

٥ ـ سلمان الفارسي ، ويُقال : سلمان بن عبدالله الفارسي ، مولى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ومن حواريه ، الذي قال فيه : « سلمان منّا أهل البيت » ، يكنّى أبا عبدالله ، أوّل الأركان الأربعة ، ويعرف بسلمان الخير وسلمان المحمّدي ، كان أصله من فارس من رامهرمز من قرية يقال لها : « جي » ، ويقال : بل أصله من أصبهان ، حاله عظيم جداً ، هاجر في طلب العلم والدين وهو صبي ، وآمن بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قبل أن يُبعث وعرفه بالصفة والنعت لمّا هاجر إلى المدينة ، وشهد معه الخندق إلى ما بعده من المشاهد ، ولما قُبض صلى‌الله‌عليه‌وآله لزم أمير المؤمنين عليه‌السلام ولم يبايع حتى اُكره على البيعة ووجئت عنقه ،

١١٠

ممّن هو عدالته ضرورية لا تحتاج إلى الإظهار ، وأمّا غيرهم فلا يكاد يوجد ثقة جليل سالماً عن قدح فضلاً عن ( أن يتحقّق اتّفاقهم على سلامته منه فضلاً عن ) (١) أن يثبت عندك ، فتأمّل.

واعترض أيضاً هذا المحقّق بمنع الإجماع ، لأنّ بعض هؤلاء لم يدّع أحد توثيقه ـ بل قدح بعض في بعضهم (٢) ـ وبعض منهم وإن ادّعي توثيقه إلاّ أنّه ورد منهم قدح فيه (٣).

وهذا الاعتراض أيضاً فيه تأمّل. وسيظهر لك ( بعض من ) (٤) وجهه.

نعم يرد عليهم (٥) أنّ تصحيح القدماء حديث شخص لا يستلزم توثيقه منهم لما مرّ الإشارة إليه.

نعم يمكن أن يقال : يبعد أن لا يكون رجل ثقة ومع ذلك اتّفق جميع العصابة على تصحيح جميع ما رواه ، سيما بعد ملاحظة دعوى الشيخ رحمهم‌الله الاتّفاق على اعتبار العدالة لقبول خبرهم (٦) ، وأنّ ذلك ربما يظهر من الرجال أيضاً كما مرّ ، وخصوصاً مع مشاهدة أنّ كثيراً من الأعاظم الثقات لم يتحقّق

__________________

تولّى حكومة المدائن في زمان عمر بأمر عليّ عليه‌السلام وبها توفّي وذلك سنة ٣٥ هـ أو ٣٦ أو ٣٧ أو ٣٣ هـ ، ودفن بها ، وقبره معروف يزار إلى اليوم.

له ترجمة في كثير من كتب الرجال.

اُنظر أعيان الشيعة ٧ : ٢٧٩.

١ ـ ما بين القوسين لم يرد في « ك ».

٢ ـ اُنظر رجال الكشّي : ٣٥٢ / ٦٦٠.

٣ ـ كما في عبدالله بن بكير ، حيث حكم عليه الشيخ في الفهرست : ١٧٣ / ٣١ بكونه فطحي المذهب مع توثيقه له.

٤ ـ ما بين القوسين لم يرد في « ق ».

٥ ـ في « ق » : عليه.

٦ ـ عدّة الاُصول ١ : ١٤٧.

١١١

منهم الاتّفاق على تصحيح حديثه ، وسيجيء في عبدالله بن سنان ما يؤكّد ما ذكرنا.

نعم لا يحصل منه الظنّ بكونه ثقة إمامياً بل بأعم منه كما لا يخفى ، ويشير إليه نقل هذا الاجماع في الحسن بن عليّ وعثمان بن عيسى (١) ، وما يظهر من عُدّة الشيخ وغيره أنّ المعتبر العدالة بالمعنى الأعم كما ذكرنا (٢) ، فلا يقدح نسبة بعضهم إلى الوقف وأمثاله.

نعم النسبة إلى التخليط كما وقعت في أبي بصير يحيى الأسدي (٣) ربما تكون قادحة ، فتأمّل.

فإن قلت : المحقّق في المعتبر ضعّف ابن بكير (٤).

قلت : لعلّه لم يعتمد على ما نقل من الإجماع ، أو لم يتفطّن لما ذكرنا ، أو لم يعتبر هذا الظنّ ، أو غرضه من الضعف ما يشمل الموثّقيّة.

واعترض على المشهور بأنّ الشيخ رحمهم‌اللهربما يقدح فيما صحّ عن هؤلاء بالإرسال الواقع بعدهم (٥) ، وأيضاً المناقشة في قبول (٦) مراسيل ابن أبي عمير معروفة (٧).

__________________

١ ـ رجال الكشّي : ٥٥٦ / ١٠٥٠.

وفي « أ » بدل عثمان بن عيسى : عثمان بن علي.

٢ ـ اُنظر العُدّة ١ : ١٤٨.

٣ ـ عن رجال الكشّي : ٤٧٦ / ٩٠٣ ترجمة يحيى بن أبي القاسم أبي بصير ، وفيه : قال محمّد بن مسعود : سألت عليّ بن الحسن بن فضّال عن أبي بصير هذا هل كان متّهماً بالغلو ; فقال : أمّا الغلوّ فلا ، ولكن كان مخلّطاً.

٤ ـ المعتبر ١ : ٢١٠.

٥ ـ التهذيب ١ : ٤٣ / ١١٩ ، ٧ : ٣١ / ١٢٩ ، ٩ : ٣١٣ / ١١٢٥ والاستبصار ٤ : ٢٧ / ٨٧ حيث قدح في الموارد المذكورة بمراسيل ابن أبي عمير.

٦ ـ في « ب » : قبوله.

٧ ـ اُنظر المعتبر ١ : ١٦٥ ، معالم الدين ـ المقدمة : ٢١٤ ، استقصاء الاعتبار ١ : ٦٢ و ١٠٢.

١١٢

وفيه أنّ القادح والمناقش ربما لم يثبت عندهما الاجماع ، أو لم يثبت وجوب اتّباعه لعدم كونه بالمعنى المعهود (١) بل كونه مجرّد الاتّفاق ، أو لم يفهما على وفق المشهور ولا يضرّ ذلك (٢) ، أو لم يقنعا بمجرّد ذلك.

والظاهر هو الأوّل بالنسبة إلى الشيخ ; لعدم ذكره إياه في كتابه كما ذكره الكشّي ، وكذلك بالنسبة إلى النجاشي وأمثاله ، فتدبّر.

بقي شيء وهو أنّه ربما يتوهّم بعض من عبارة ( إجماع العصابة ) وثاقة من روى عنه هؤلاء (٣) ، وفساده ظاهر ، وقد عرفت الوجه. نعم يمكن أن يفهم منها اعتداد ما بالنسبة إليه ، فتأمّل.

وعندي أنّ رواية هؤلاء إذا صحّت إليهم لا تقصر عن أكثر الصحاح ، ووجهه يظهر بالتأمّل فيما ذكرنا.

ومنها : قولهم : أسند عنه (٤).

قيل : معناه سمع عنه الحديث. ولعلّ المراد على سبيل الاستناد والاعتماد (٥) ، وإلاّ فكثير ممّن سمع عنه. ليس ممن أسْنَدَ عنه.

__________________

١ ـ في « ك » : المشهور.

٢ ـ ولا يضر ذلك ، لم ترد في « ق ».

٣ ـ ممن يظهر منه ذلك الشهيد الثاني في حاشيته على الارشاد ٢ : ٤١ ، حيث استظهر وثاقة أبي الربيع الشامي لرواية الحسن بن محبوب عنه ، وهو أحد أصحاب الاجماع.

٤ ـ قال أبو علي الحائري في منتهى المقال ١ : ٧٢ : لم أعثر على هذه الكلمة ( اسند عنه ) إلاّ في كلام الشيخ رحمهم‌الله ، وما ربما يوجد في الخلاصة فإنّما أخذه من رجال الشيخ ، والشيخ رحمهم‌الله إنّما ذكرها في رجاله دون فهرسته ، وفي أصحاب الصادق عليه‌السلام دون غيره إلاّ في أصحاب الباقر عليه‌السلام ندرة غاية الندرة ، انتهى. ثم ذكر قدس‌سرهم الوجوه المحتملة في كيفية قراءة « أسند عنه ».

٥ ـ نقل العلياري في بهجة الآمال ١ : ١٦١ عن القوانين أنّه قال : ومن أسباب الوثاقة

١١٣

وقال جدّي رحمهم‌الله : المراد روى عنه الشيوخ واعتمدوا عليه ، وهو كالتوثيق ، ولا شك أنّ هذا المدح أحسن من ( لا بأس به ) (١) ، انتهى.

قوله رحمهم‌الله : ( وهو كالتوثيق ) لا يخلو من تأمّل ، نعم إنْ أراد منه التوثيق بما هو أعم من العدل الإمامي فلعلّه لا بأس به ، فتأمّل. لكن لعلّه توثيق من غير معلوم الوثاقة.

أمّا أنّه روى عنه الشيوخ كذلك حتى يظهر وثاقته ـ لبُعد اتفاقهم على الاعتماد على من ليس بثقة ، أو بُعد اتّفاق كونهم بأجمعهم غير ثقات ـ فليس بظاهر.

نعم ربما يستفاد منه مدح وقوّة لكن ليس بمثابة قولهم : ( لا بأس به ) بل أضعف منه لو لم نقل بإفادته التوثيق.

وربما يقال بايمائه إلى عدم الوثوق ، ولعلّه ليس كذلك ، فتأمّل.

ومنها : قولهم : لا بأس به (٢).

أي : بمذهبه أو رواياته ، والأوّل أظهر إن ذكر مطلقاً ، وسيجيء في إبراهيم بن محمّد بن فارس : ( لا بأس به في نفسه ولكن ببعض من روى

__________________

قولهم : أسند عنه ، يعني سمع منه الحديث على وجه الإسناد.

اُنظر قوانين الاُصول : ١٤٨٦ ( حجري ).

١ ـ روضة المتقين ١٤ : ٦٤.

٢ ـ قال الشهيد الثاني في الرعاية : ٢٠٧ : وأمّا نفي الباس عنه فقريب من الخيّر لكن لا يدلّ على الثقة ، بل من المشهور أنّ نفي البأس يُوهم البأس.

وعدّه في وصول الأخيار : ١٩٢ من الألفاظ الداخلة في قسم الحسن : ١٩٢ ، والسيّد الداماد في الرواشح : ٦٠ من ألفاظ التوثيق والمدح.

وقال في مقباس الهداية ٢ : ٢٢٤ : وقد اختلف في ذلك ( لا بأس به ) على أقوال. ثمّ ذكر أربعة أقوال.

١١٤

هو عنه ) (١) وربما يوهم هذا إلى كون المطلق قابلاً للمعنيين (٢) ، لكن فيه تأمّل.

والأوفق بالعبارة والأظهر أنّه لا بأس به بوجه من الوجوه ، ولعلّه لهذا قيل بافادته التوثيق (٣) ، واستقربه (٤) المصنّف في متوسّطه (٥) ، ويومئ إليه ما في تلك الترجمة وترجمة بشّار بن يسار (٦) ، ويؤيّده قولهم : ثقة لا بأس به ، منه ما سيجيء في حفص بن سالم (٧).

والمشهور أنّه يفيد المدح (٨) ، وقيل بمنع إفادته المدح أيضاً (٩) ، وصه عدّه من القسم الأول (١٠) ، فعنده أنة يفيد مدحاً معتدّاً به ، فتأمّل.

ومنها : قولهم : من أولياء أمير المؤمنين عليه‌السلام.

وربما جعل ذلك دليلاً على العدالة ، وسيجيء في سُليم بن

__________________

١ ـ عن رجال الكشّي : ٥٣٠ / ١٠١٤ ، وفيه وفي « م » : ... من يروي هو عنه.

٢ ـ في « ق » زيادة : المذكورين.

٣ ـ عدّ السيّد الداماد في الرواشح السماوية : ٦٠ الراشحة الثانية عشر « لا بأس به » من ألفاظ التوثيق والمدح. وقال الكاظمي في العدّة : ٢٠ : قولهم : « لا بأس به » فإنه في العرف ممّا يفيد المدح ، بل ربما عُدّ في التوثيق.

٤ ـ في « ح » و « ك » و « ن » : واستقربها.

٥ ـ في نسختنا من الوسيط : ٨ ترجمة إبراهيم بن محمّد بن فارس قال : وعن أحمد بن طاووس عن الكشّي عن محمّد بن مسعود : ثقة في نفسه ولكن بعض من يروي عنه. ثمّ قال : وكأنّه بناء على أنّ نفي البأس يقتضي التوثيق ، وهو غريب ، انتهى.

واحتمال التصحيف بين كلمة « قريب » و « غريب » غير بعيد.

٦ ـ عن رجال الكشّي : ٤١١ / ٧٧٣ ، قال : سألت عليّ بن الحسن عن بشّار بن بشّار الذي يروي عنه أبان بن عثمان ، قال : هو خير من أبان وليس به بأس.

٧ ـ عن رجال النجاشي : ١٣٥ / ٣٤٧.

٨ ـ كما عن الرواشح : ٦٠ الراشحة الثانية عشر ، وعُدّة الرجال للكاظمي ١ : ١٢٢ ، والفصول الغروية : ٣٠٣ ( حجري ).

٩ ـ اُنظر نهاية الدراية : ٤٠٠.

١٠ ـ الخلاصة : ٥٣ / ٢٥.

١١٥

قيس (١). ولعلّ (٢) غيره من الأئمّة عليهم‌السلام أيضاً كذلك ، فتأمّل ، فإنّه (٣) لا يخلو أصل هذا من تأمّل. نعم قولهم : « من الأولياء » ظاهر فيها ، فتأمّل.

ومنها : قولهم : عين ووجه.

قيل : هما يفيدان التعديل (٤). ويظهر من المصنف في ترجمة الحسن ابن عليّ (٥) بن زياد ، وسنذكر عن جدّي في تلك الترجمة معناهما واستدلاله على كونهما توثيقاً (٦) ، وربما يظهر ذلك من المحقّق الداماد أيضاً في الحسين بن أبي العلاء (٧).

وعندي أنّهما يفيدان مدحاً معتدّاً به. وأقوى من هذين قولهم : « وجه من وجوه أصحابنا » مثلاً ، فتأمّل (٨).

ومنها : قولهم : له أصل ، وله كتاب ، وله نوادر ، وله مصنّف.

اعلم أنّ « الكتاب » مستعمل في كلامهم في معناه المتعارف ، وهو أعم مطلقاً من الأصل والنوادر ، فإنّه يطلق على الأصل كثيراً ، منها ما سيجيء في

__________________

١ ـ الهلالي ، حيث عدّه البرقي في رجاله : ٤ من أولياء أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وتبعه العلاّمة في خلاصته : ٣٠٧ / ١١٧٠.

٢ ـ كذا في « ن » ، وفي سائر النسخ : ولعلّه.

٣ ـ في « م » بدل فإنه : لكن.

٤ ـ قال في الرواشح : ٦٠ ألفاظ التوثيق : ثقة عين وجه ... ، وقال في الفصول الغروية : ٣٠٣ : ومنها قولهم : عين أو وجه ... فقد عدّه بعض الأفاضل تعديلاً ، وهو غير بعيد. وقال البهائي في الوجيزة : ٥ : وألفاظ التعديل ثقة ، حجة ، عين ، وما أدّى مؤدّاها ...

٥ ـ ابن علي ، لم ترد في « أ » و « ح » و « ن ».

٦ ـ روضة المتقين لمحمّد تقي المجلسي ١٤ : ٤٥.

٧ ـ اُنظر تعليقة الداماد على رجال الكشّي ١ : ٢٤٣.

٨ ـ فتأمّل ، لم ترد في « ك ».

١١٦

ترجمة أحمد بن الحسين بن المفلس (١) ، وأحمد [ بن محمّد ] (٢) بن سلمة (٣) ، وأحمد بن محمد بن عمار (٤) وأحمد بن ميثم (٥) ، وإسحاق بن جرير (٦) ، والحسين بن أبي العلاء (٧) ، وبشّار بن يسار (٨) ، وبشر بن سلمة (٩) ، والحسن بن رباط (١٠) ، وغيرهم.

وربما يطلق الكتاب في مقابل الأصل ، كما في ترجمة هشام بن الحكم (١١) ، ومعاوية بن الحكيم (١٢) ، وغيرهما.

وربما يطلق على النوادر ، وهو أيضاً كثير ، منها : قولهم : له كتاب

__________________

١ ـ رجال الشيخ : ٤٠٩ / ٢٦ ، وفيه : ... روى عنه حميد كتاب زكريا بن محمّد المؤمن وغير ذلك من الاُصول. وفي « أ » و « ح » و « م » بدل الحسين بن المفلس : الحسين المفلس.

٢ ـ ما بين المعقوفتين أثبتناه من المصادر ، اُنظر رجال النجاشي : ٧٩ / ١٨٧ ورجال الشيخ : ٤٠٨ / ٢٢.

٣ ـ رجال الشيخ : ٤٠٨ / ٢٢ قال ما لفظه : روى عند حميد أصولاً كثيرة ، منها كتاب زياد بن مروان القندي. وفيه بدل سلمة : مسلمة.

٤ ـ انظر الفهرست : ٧٥ / ٢٦.

٥ ـ رجال الشيخ : ٤٠٨ / ٢١ ، حيث قال : روى عنه حميد بن زياد كتاب الملاحم وكتاب الدلالة وغير ذلك من الاُصول.

٦ ـ حيث قال عنه النجاشي : ٧١ / ١٧٠ : له كتاب ، وفي الفهرست : ٥٤ / ٢ : له أصل.

٧ ـ الفهرست : ١٠٧ / ١ ، وفيه : له كتاب يُعد في الاُصول.

٨ ـ رجال النجاشي : ١١٣ / ٢٩٠ وفيه : له كتاب ، وفي الفهرست : ٨٨ / ٢ : له أصل.

٩ ـ رجال النجاشي : ١١١ / ٢٨٥ وفيه : له كتاب ، وفي الفهرست : ٨٨ / ١ : له أصل. وفيهما بدل سلمة : مسلمة.

١٠ ـ رجال النجاشي : ٤٦ / ٩٤ وفيه : له كتاب ، وفي الفهرست : ١٠٠ / ١٥ : له أصل.

١١ ـ اُنظر الفهرست : ٢٥٨ / ٢.

١٢ ـ رجال النجاشي : ٤١٢ / ١٠٩٨ ، حيث قال : له أربعة وعشرون أصلاً لم يرو غيرها ، وله كتب ...

١١٧

النوادر وسيجيء في أحمد بن الحسين بن عمر ما يدل (١) (٢) ، وكذا في أحمد بن المبارك (٣) ، وغير ذلك.

وربما يطلق النوادر في مقابل الكتاب ، كما في ترجمة ابن أبي عمير (٤).

وأمّا المصنَّف فالظاهر أنّه أيضاً (٥) أعمّ منهما ، فإنّه يطلق على الأصل والنوادر كما يظهر من ترجمة أحمد بن ميثم (٦) ، ويطلق بأزاء الأصل كما في هشام بن الحكم (٧) وديباجة الفهرست (٨).

وأمّا النسبة بين الأصل والنوادر ، فالأصل (٩) أنّ النوادر غير الأصل ، وربما يعدّ من الأصول كما يظهر في أحمد بن الحسن بن سعيد (١٠) ، وأحمد بن سلمة (١١) ، وحريز بن عبدالله (١٢).

__________________

١ ـ قال عنه النجاشي : ٨٣ / ٢٠٠ : له كتب لا يعرف منها إلاّ النوادر.

٢ ـ في « ق » زيادة : عليه.

٣ ـ رجال النجاشي : ٨٩ / ٢٢٠ وفيه : له نوادر ، وفي الفهرست : ٨٤ / ٥٢ : له كتاب.

٤ ـ اُنظر رجال النجاشي : ٣٢٦ / ٨٨٧.

٥ ـ أيضاً ، لم ترد في « ق ».

٦ ـ الفهرست : ٧٠ / ١٥ ، وفيه : وله مصنّفات منها كتاب الدلائل ... كتاب النوادر.

٧ ـ الفهرست : ٢٥٨ / ٢ ، وفيه : وكان له أصل ... إلى أن قال : وله من المصنّفات كتب كثيرة ...

٨ ـ حيث قال الشيخ فيها : ٣٢ عمدت إلى كتاب يشتمل على ذكر المصنّفات والاُصول ...

٩ ـ فالأصل ، لم ترد في « ك ».

١٠ ـ الفهرست : ٧٠ / ١٨ ترجمة أحمد بن الحسين بن سعيد ، وفيه : له كتاب النوادر ، ومن أصحابنا من عَدّه من جملة الاُصول.

١١ ـ رجال الشيخ : ٤٠٨ / ٢٢ ، وفيه : روى عنه حميد أصولاً كثيرة منها كتاب زياد بن مروان القندي ، وفي رجال النجاشي : ٧٩ / ١٨٧ : له كتاب النوادر يروي عن زياد بن مروان. إلاّ أنّه فيهما بدل أحمد بن سلمة : أحمد بن محمّد بن مسلمة.

١٢ ـ الفهرست : ١١٨ / ١ ، وفيه : له كتب منها ... كتاب النوادر ، تُعدّ كُلّها في الاُصول.

١١٨

بقي الكلام في معرفة الأصل والنوادر :

نقل ابن شهرآشوب في معالمه عن المفيد رحمهم‌الله أنّ الإماميّة صنفوا من عهد أمير المؤمنين عليه‌السلام إلى زمان العسكري عليه‌السلام أربعمائة كتاب تسمّى الأصول (١) ، انتهى.

أقول : لا يخفى أنّ مصنّفاتهم أزيد من الأصول فلابد (٢) من وجه تسمية بعضها أصولاً دون البواقي (٣).

فقيل : إنّ الأصل ما كان مجرّد كلام المعصوم عليه‌السلام ، والكتاب ما فيه كلام مصنّفه أيضاً (٤) ، وأيّد ذلك بما ذكره الشيخ رحمهم‌الله في زكريّا بن يحيى الواسطي : له كتاب الفضائل وله أصل (٥). وفي التأييد نظر ، إلاّ أنّ ما ذكره لا يخلوعن قرب (٦) وظهور.

واعترض بأنّ الكتاب أعم.

وهذا الاعتراض سخيف ، إذ الغرض بيان الفرق بين الكتاب الذي [ هو ] (٧) ليس بأصل ـ ومذكور في مقابله ـ وبين الكتاب الذي هو أصل ،

__________________

١ ـ معالم العلماء : ٣ مقدمة الكتاب.

٢ ـ في « ق » بدل فلابد : فالمراد.

٣ ـ كذا وردت العبارة في جميع النسخ ، وهي في المنتهى ١ : ٦٩ نقلاً عن الماتن : ... فلا بد من وجه لتسمية بعضها ...

٤ ـ حكاه الماحوزي في معراج أهل الكمال : ١٧ الفائدة الخامسة عن الفاضل الأمين الاسترابادي في بعض معلّقاته.

٥ ـ الفهرست : ١٣٤ / ٣ وفيه بدل زكريا : زكار.

٦ ـ في « ك » بدل قرب : قوّة.

٧ ـ أثبتناه عن « ك ».

١١٩

وبيان سبب قصر تسميتهم الأصل في الأربعمائة.

واعترض أيضاً بأنّه كثيراً من الأصول فيه كلام مصنّفيه (١) ، وكثيراً من الكتب ليس فيه ، ككتاب سليم بن قيس.

وهذا الاعتراض كما تراه ليس إلاّ (٢) مجرّد دعوى ، مع أنّه لا يخفى بُعده على المطّلع بأحوال الاُصول المعروفة. نعم لو ادعى ندرة وجود كلام المصنّف فيها فليس ببعيد ، ويمكن أن لا يضر القائل أيضاً ، وكون كتاب سليم بن قيس ليس من الاُصول من أين (٣)؟! إذ بملاحظة كثير من التراجم يظهر أنّ الاُصول ما كانت بجميعها مشخّصة عند القدماء.

هذا ، ويظهر من كلام الشيخ في أحمد بن محمّد بن نوح أنّ للاُصول ترتيباً خاصّاً (٤).

وقيل في وجه الفرق : إنّ الكتاب ما كان مبّوباً ومفصّلاً ، والأصل مجمع أخبار وآثار (٥).

ورُدّ بأنّ كثيراً من الاُصول مبوّبة (٦).

__________________

١ ـ في « م » : مصنّفه ، وفي « ق » : كلام من مصنّفهم.

٢ ـ في « أ » و « ب » و « ح » و « ك » و « م » بعد إلاّ زيادة : من.

٣ ـ قال الشيخ محمّد بن إبراهيم النعماني ـ من أعلام القرن الرابع ـ في كتاب الغيبة : ١٠١ ما نصّه : وليس بين جميع الشيعة ممّن حمل العلم ورواه عن الأئمّة عليهم‌السلام خلاف في أنّ كتاب سُليم بن قيس أصل من أكبر الاُصول التي رواها أهل العلم من حملة حديث أهل البيت عليهم‌السلام وأقدمها ... إلى أنْ قال : وهو من الاُصول التي ترجع الشيعة إليها ويُعوّل عليها.

٤ ـ كما قال الشيخ في الفهرست : ٨٤ / ٥٥ في ترجمة أحمد بن محمّد بن نوح : وله كتب في الفقه على ترتيب الاُصول.

٥ ـ اُنظر عدة الرجال للكاظمي : ١٢.

٦ ـ كما أنّه يظهر أنّ بعض الكتب غير مبوّبة كما ورد في قول النجاشي في ترجمة

١٢٠