بحار الأنوار

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

بحار الأنوار

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٤٣١
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤

تبعده وقبلته ، وأخلص في سؤالك لم ترده وأجبته ، وعمل الصالحات شكرته ورفع إليك ما يرضيك ذخرته ، اللهم فامددني فيها بالعون على ما يزلف لديك وخذ بناصيتي إلى ما فيه القربى إليك ، وأسبغ من العمل في الدارين سعيي ، ورق لي من جودك بخيراتها عطيتي ، وابتر عيلتي من ذنوبي بالتوبة ، ومن خطاياي بسعة الرحمة ، واغفر لي في هذه الليلة ولوالدي ولجميع المؤمنين والمؤمنات غفران متنزه عن عقوبة الضعفاء ، رحيم بذوى الفاقة والفقراء ، جاد على عبيده ، شفيق بخضوعهم وذلتهم ، رفيق لا تنقصه الصدقة عليهم ، ولا يفقره ما يغنيهم من صنيعه إليهم.

اللهم اقض ديني ودين كل مديون ، وفرج عني وعن كل مكروب وأصلحني وأهلي وولدي ، وأصلح كل فاسد ، وانفع مني ، واجعل في الحلال الطيب الهنئ الكثير السائغ من رزقك عيشتي ، ومنه لباسي ، وفيه منقلبي ، و اقبض عن المحارم يدى من غير قطع ولا شل ، ولساني من غير خرس ، واذني من غير صمم ، وعيني من غير عمى ، ورجلي من غير زمانة ، وفرجي من غير إحبال وبطنى من غير وجع ، وسائر أعضائي من غير خلل ، وأوردني عليك يوم وقوفي بين يديك خالصا من الذنوب ، نقيا من العيوب ، لا أستحيي منك بكفران نعمة ، ولا إقرار بشريك لك في القدرة ، ولا بارهاج في فتنة ، ولا تورط في دماء محرمة ، ولا بيعة اطوقها عنقي لاحد ممن فضلته بفضيلة ، ولا وقوف تحت راية غدرة ، ولا أسود الوجه بالايمان الفاجرة ، والعهود الخائنة ، وأنلنى من توفيقك وهداك ما نسلك به سبل طاعتك ورضاك يا أرحم الراحمين.

ومنها دعوات مختصة بهذه الليلة من جملة الفصول الثلاثين وهو مروي عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وهو دعاء ليلة ثلاث وعشرين : سبوح قدوس رب الملائكة والروح ، سبوح قدوس رب الملائكة والعرش ، سبوح قدوس رب السماوات و الارضين ، سبوح قدوس رب البحار والجبال ، سبوح قدوس يسبح له الحيتان والهوام والسباع والاكام ، سبوح قدوس سبحت له الملائكة المقربون ، سبوح

١٦١

قدوس علا فقهر ، وخلق فقدر ، سبوح سبوح سبوح سبوح سبوح سبوح سبوح قدوس قدوس قدوس قدوس قدوس قدوس قدوس [ أن تصلي على محمد وآله وأن تغفر لي وترحمنى ، فانك أنت الاحد الصمد ].

ومنها أدعية مختصة بها من أدعية العشر الاواخر ، فمن ذلك :

يا رب ليلة القدر وجاعلها خيرا من ألف شهر ، ورب الليل والنهار ، و الجبال والبحار ، والظلم والانوار ، والارض والسماء ، يا بارئ يا مصور ، يا حنان يا منان ، يا الله يا رحمان يا قيوم يا بديع السماوات والارض ، يا الله يا الله يا الله يا الله يا الله يا الله يا الله لك الاسماء الحسنى ، والامثال العليا ، والكبرياء والالاء والنعماء ، أسألك باسمك بسم الله الرحمان الرحيم ، إن كنت قضيت في هذه الليلة تنزل الملائكة والروح من كل أمر حكيم ، فصل على محمد وآل محمد ، واجعل اسمي في هذه الليلة في السعداء ، وروحي مع الشهداء ، وإحساني في عليين وإساءتي مغفورة ، وأنت تهب لى يقينا تباشر به قلبي ، وإيمانا يذهب بالشك عني وترضيني بما قسمت لي ، وآتنى في الدنيا حسنة وفي الاخرة حسنة وقنى عذاب النار الحريق ، وارزقنى يا رب فيها ذكرك وشكرك والرغبة والانابة والتوفيق لما وفقت له شيعة آل محمد يا أرحم الراحمين ، ولا تفتنى بطلب ما زويت عني بحولك وقوتك ، وأغنني يا رب برزق منك واسع بحلالك عن حرامك ، وارزقني العفة في بطنى وفرجي ، وفرج عني كل هم وغم ، ولا تشمت بي عدوي ، ووفق لي ليلة القدر على أفضل ما رآها أحد ووفقني لما وفقت له محمدا وآل محمد عليه وعليهم السلام وافعل بي كذا وكذا ... الليلة الليلة الليلة الساعة الساعة حتى ينقطع النفس.

ومن دعاء ليلة ثلاث وعشرين « اللهم امدد لى في عمري ، وأوسع لي في رزقي وأصح جسمي ، وبلغنى أملي وإن كنت من الاشقياء فامحنى من الاشقياء و اكبتني من السعداء ، فانك قلت في كتابك المنزل ، على نبيك صلواتك عليه وآله : « يمحوا الله ما يشاء ويثبت وعنده ام الكتاب ».

١٦٢

ومن الدعاء في هذه الليلة « اللهم إياك تعمدت الليلة بحاجتي ، وبك أنزلت فقري ومسئلتي ، تسعنى الليلة رحمتك وعفوك ، فأنا لرحمتك أرجى مني لعملي ورحمتك ومغفرتك أوسع من ذنوبي ، واقض لي كل حاجة هي لي ، بقدرتك على ذلك ، وتيسيره عليك ، فاني لم اصب خيرا إلا منك ، ولم يصرف عنى أحد سوءا قط غيرك ، وليس لي رجاء لديني ودنياي ولا لاخرتى ولا ليوم فقري يوم ادلى في حفرتي ، ويفردنى الناس بعملي غيرك يا رب العالمين.

ومن دعاء ليلة ثلاث وعشرين » اللهم اجعلنى من أوفر عبادك نصيبا من كل خير أنزلته في هذه الليلة ، أو أنت منزله من نور تهدي به ، أو رحمة تنشرها أو رزق تقسمه ، أوبلاء تدفعه ، أو ضر تكشفه ، واكتب لي ما كتبت لاوليائك الصالحين ، الذين استوجبوا منك الثواب ، وأمنوا برضاك عنهم منك العقاب ، يا كريم يا كريم ، صل على محمد وآل محمد ، وافعل بي ذلك برحمتك يا أرحم الراحمين.

ومن الدعاء في هذه الليلة : أسألك مسألة المسكين المستكين ، وأبتهل إليك ابتهال المذنب البائس الذليل ، مسألة من خضعت لك ناصيته ، واعترف بخطيئته ففاضت لك عبرته ، وهملت لك دموعه ، وضلت حيلته ، وانقطعت حجته ، أن تعطيني في ليلتى هذه مغفرة ما مضى من ذنوبي ، واعصمني فيما بقي من عمري ، و ارزقني الحج والعمرة في عامى هذا ، واجعلها حجة مبرورة خالصة لوجهك وارزقنيه أبدا ما أبقيتنى ، ولا تخلنى عن زيارتك وزيارة قبر نبيك محمد صلواتك عليه وآله ، إلهي وأسألك أن تكفيني مؤنة خلقك من الجن والانس ، والعرب و العجم ، ومن كل دابة أنت آخذ بناصيتها إنك على صراط مستقيم ، اللهم اجعل لي فيما تقضي وتقدر من الامر المحتوم ومما تفرق من الامر الحكيم في هذه الليلة ، في القضاء الذي لا يرد ولا يبدل ، أن تكتبني من حجاج بيتك الحرام ، في عامي هذا ، المبرور حجهم ، المشكور سعيهم ، المغفور ذنوبهم ، المكفر عنهم سيائتهم وأن تطيل عمري ، وتوسع لي في رزقي ، وارزقنى ولدا بارا ، إنك على كل شئ

١٦٣

قدير ، وبكل شئ محيط.

ومن الدعاء في ليلة ثلاث وعشرين : اللهم إني أسألك سؤال المسكين المستكين ، وأبتغى إليك ابتغاء البائس الفقير ، وأتضرع إليك تضرع الضعيف الضرير ، وأبتهل إليك ابتهال المذنب الذليل ، وأسألك مسألة من خضعت لك نفسه ، ورغم لك أنفه ، وعفر لك وجهه ، وخضعت لك ناصيته ، واعترف بخطيئته وفاضت لك عبرته ، وانهملت لك دموعه ، وضلت عنه حيلته ، وانقطعت عنه حجته بحق محمد وآل محمد عليك ، وبحقك العظيم عليهم ، أن تصلي عليهم كما أنت أهله وأن تصلي على نبيك وآل نبيك ، وأن تعطيني أفضل ما أعطيت السائلين من عبادك الماضين من المؤمنين وأفضل ما تعطى الباقين من المؤمنين ، وأفضل ما تعطى من تخلفه من أوليائك إلى يوم الدين ، ممن جعلت له خير الدنيا والاخرة يا كريم يا كريم يا كريم ، وأعطني في مجلسي هذا مغفرة ما مضى من ذنوبي ، واعصمنى فيما بقي من عمرى ، وارزقنى الحج والعمرة في عامي هذا ، متقبلا مبرورا خالصا لوجهك يا كريم ، وارزقنيه أبدا ما أبقيتنى يا كريم يا كريم يا كريم ، واكفني مؤنة نفسي ، واكفني مؤنة عيالى ، واكفنى مؤنة خلقك ، واكفنى شر فسقة العرب والعجم ، واكفني شر فسقة الجن والانس ، واكفنى شر كل دابة أنت آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم.

ومن الدعاء في ليلة ثلاث وعشرين وقد تقدم نحوه في ليلة تسع عشرة عن مولانا الكاظم عليه‌السلام ، وهذا رويناه باسنادنا إلى عمر بن يزيد عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : يقول « اللهم اجعل فيما تقضي وفيما تقدر من الامر المحتوم ، وفيما تفرق من الامر الحكيم ، في ليلة القدر ، من القضاء الذي لايرد ولا يبدل ، أن تكتبني من حجاج بيتك الحرام ، في عامي هذا ، المبرور حجهم ، المشكور سعيهم المغفور ذنوبهم ، المكفر عنهم سيئاتهم ، واجعل فيما تقدر وفيما تقضي أن تطيل عمري ، وتوسع لي في رزقي.

أقول : وهذا الدعاء ذكره محمد بن أبي قرة في دعاء ليلة ثلاث وعشرين ، و

١٦٤

أورد حديثا عن عمر بن يزيد عن أبي عبدالله عليه‌السلام أن هذا الدعاء من أدعية ليلة القدر.

ومن زيادات ليلة ثلاث وعشرين القراءة فيها لسورة العنكبوت ، وسورة الروم ، نروي ذلك بعدة طرق عن الصادق عليه‌السلام أنه قال : من قرء سورة العنكبوت والروم في ليلة ثلاث وعشرين فهو والله يا با محمد من أهل الجنة لا أستثنى فيه أبدا ولا أخاف أن يكتب الله تعالى علي في يميني إثما. وإن لهاتين السورتين من الله تعالى مكانا ، ومن القرائة فيها سورة إنا أنزلناه ألف مرة ، وقد تقدمت رواية لذلك في الليلة الاولى عموما في الشهر كله ، وروينا تخصيص قراءتها في هذه الليلة بعدة طرق إلى مولانا أبي عبدالله عليه‌السلام قال : لو قرء رجل ليلة ثلاث وعشرين من شهر رمضان إنا أنزلنا في ليلة القدر ألف مرة لاصبح وهو شديد اليقين ، بالاعتراف بما يختص فينا وما ذاك إلا لشئ عاينه في نومه.

دعاء علي بن الحسين عليهما‌السلام (١) في ليلة القدر « يا باطنا في ظهوره ، ويا ظاهرا في بطونه ، يا باطنا ليس يخفى ، يا ظاهرا ليس يرى ، يا موصوفا لا يبلغ بكينونيته موصوف ، ولا حد محدود ، يا غائبا غير مفقود ، ويا شاهدا غير مشهود ، يطلب فيصاب ولم يخل منه السماوات والارض وما بينهما طرفة عين ، لا يدرك بكيف ، ولا يؤين بأين ، ولا بحيث ، أنت نور النور ، ورب الارباب ، أحطت بجميع الامور ، سبحان من ليس كمثله شئ وهو السميع البصير ، سبحان من هو هكذا ولا هكذا غيره » ثم تدعو بما تريد.

ومن زيادات عمل ليلة ثلاث وعشرين من شهر رمضان زيارة الحسين صلوات الله عليه رويناها من كتاب عمل شهر رمضان لعلي بن عبدالواحد النهدي باسناده إلى أبي المفضل وقال : وكتبته من أصل كتابه قال : حدثنا الحسن بن خليل بن فرحان بأحمد آباد ، قال : حدثنا عبدالله بن نهيك قال : حدثنى العباس بن عامر عن إسحاق بن زريق عن زيد أبي أسامة عن أبي عبدالله جعفر بن محمد عليهما‌السلام في هذه

__________________

(١) في نسخة : دعاء الحسن بن على عليهما‌السلام.

١٦٥

الاية « فيها يفرق كل أمر حكيم « قال هي ليلة القدر ، يقضى فيه أمر السنة من حج وعمرة أو رزق أو أمر أو أجل أو سفر أو نكاح أو ولد إلى ساير ما يلاقي ابن آدم مما يكتب له أو عليه في بقية ذلك الحول من تلك الليلة إلى مثلها من عام قابل وهي في العشر الاواخر من شهر رمضان فمن أدركها ـ أوقال شهدها ـ عند قبر الحسين عليه‌السلام يصلى عنده ركعتين أو ما تيسر له ، وسأل الله الجنة ، واستعاذ به من النار ، آتاه الله ما سأل ، وأعاذه مما استعاذ منه ، وكذلك إن سأل الله تعالى أن يؤتيه من خير ما فرق وقضى في تلك الليلة ، وأن يقيه من شر ما كتب فيها ، أو دعا الله وسأله تبارك وتعالى في أمر لا إثم فيه رجوت أن يؤتى سؤله ، ويوقى محاذيره ويشفع في عشرة من أهل بيته كلهم قد استوجبوا العذاب ، والله إلى سائله وعبده بالخير أسرع.

وروينا باسنادنا أيضا إلى أبي المفضل محمد بن عبدالله الشيبانى قال : حدثنا علي بن نصر البرسجى قال : حدثنا عبدالله بن موسى عن عبدالعظيم الحسني عن أبي جعفر الثاني في حديث قال : من زار الحسين عليه‌السلام ليلة ثلاث وعشرين من شهر رمضان ، وهي الليلة التي يرجى أن تكون ليلة القدر وفيها يفرق كل أمر حكيم صافحه روح أربعة وعشرين ألف ملك ونبى كلهم يستأذن الله في زيارة الحسين عليه‌السلام في تلك الليلة.

قال : وأخبرنا أحمد بن علي بن شاذان وإسحاق بن الحسين قالا : أخبرنا محمد ابن الحسن بن الوليد عن محمد بن الحسن الصفار عن إبراهيم بن هاشم عن مندل عن أبي الصباح الكنانى عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : إذا كان ليلة القدر يفرق الله عز وجل كل أمر حكيم ، نادى مناد من السماء السابعة من بطنان العرش أن الله عزوجل قد غفر لمن أتى قبر الحسين عليه‌السلام.

فصل : ولا يمتنع الانسان في هذه الليلة من دعوات بظهر الغيب لاهل الحق فقد قدمنا في عمل اليوم والليلة فضائل الدعاء للاخوان ورأينا في القرآن عن إبراهيم عليه‌السلام : « واغفر لابى إنه كان من الضالين » وروينا دعاء النبي عليه‌السلام لاعدائه

١٦٦

« اللهم اغفر لقومى إنهم لا يعلمون ».

فصل أقول : وكنت في ليلة جليلة من شهر رمضان بعد تصنيف هذا الكتاب زمانا وإني أدعو في السحر لمن يجب أو يحسن تقديم الدعاء له ، ولي ولمن يليق بالتوفيق أن أدعو له ، فورد على خاطري أن الجاحدين لله جل جلاله ولنعمته و المستخفين بحرمته ، والمبدلين لحكمه في عباده وخليقته ، ينبغي أن يبدء بالدعاء لهم بالهداية من ضلالتهم ، فان جنايتهم على الربوبية ، والحكمة الالهية ، و الجلالة النبوية أشد من جناية العارفين بالله وبالرسول صلوات الله عليه وآله فيقتضي تعظيم الله وتعظيم جلاله وتعظيم رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله وحقوق هدايته بمقاله وفعاله أن يقدم الدعاء بهداية من هو أعظم ضررا وأشد خطرا حيث تغدر أن يزال ذلك بالجهاد ، ومنعهم من الالحاد والفساد.

أقول : فدعوت لكل ضال عن الله بالهداية إليه ، ولكل ضال عن الرسول بالرجوع إليه ، ولكل ضال عن الحق بالاعتراف به والاعتماد عليه.

فصل : ثم دعوت لاهل التوفيق والتحقيق بالثبوت على توفيقهم ، والزيادة في تحقيقهم ودعوت لنفسي ومن يعنينى أمره بحسب مارجوته من الترتيب الذي يكون أقرب إلى من أتضرع إليه ، وإلى مراد رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقد قدمت مهمات الحاجات بحسب مارجوته أقرب إلى الاجابة.

فصل : أفلا ترى ما تضمنه مقدس القرآن من شفاعة إبراهيم عليه‌السلام في أهل الكفران ، فقال الله جل جلاله « يجاد لنا في قوم لوط إن إبراهيم لحليم أواه منيب » فمدحه جل جلاله على حلمه وشفاعته ومجادلته في قوم لوط ، الذين قد بلغ كفرهم إلى تعجيل نقمته.

فصل : أما رأيت ما تضمنته أخبار صاحب الرسالة ، وهو قدوة أهل الجلالة كيف كان كلما آذاه قومه الكفار ، وبالغوا فيما يفعلون قال صلوات الله عليه وآله : « اللهم اغفر لقومي فانهم لا يعلمون ».

فصل : أما رأيت الحديث عن عيسى عليه‌السلام : كن كالشمس تطلع على البر والفاجر

١٦٧

وقول نبينا صلوات الله عليه وآله : اصنع الخير إلى أهله وإلى غير أهله ، فان لم يكن أهله فكن أنت أهله ، وقد تضمن ترجيح مقام المحسنين إلى المسيئين ، قوله جل جلاله « لا ينهيكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين » ويكفى أن محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله بعث رحمة للعالمين.

فصل : ومما نذكره من فضل إحياء ليلة القدر ما ذكره الشيخ الفاضل جعفر ابن محمد بن أحمد بن العباس بن محمد بن الدوريستى رحمه الله في كتاب الحسنى قال : حدثني أبي عن محمد بن على قال : حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل ، قال : حدثنا محمد بن أبي عبدالله الكوفى ، عن سهل بن زياد ، عن الحسن بن العباس بن الجريش الرازي ، عن أبي جعفر محمد بن علي بن موسى الرضا عليهم‌السلام عن آبائه عن الباقر محمد ابن علي بن موسى الرضا عليهم‌السلام عن آبائه عن الباقر محمد بن علي عليهم‌السلام قال : من أحيا ليلة القدر غفرت له ذنوبه ، ولو كانت ذنوبه عدد نجوم السماء ، ومثاقيل الجبال ومكائيل البحار.

ومن الكتاب الحسنى المذكور حدثني أبي عن محمد بن على السكوني قال : [ حدثنا أحمد بن الحسن القطان قال : حدثنا الحسن بن علي السكوني قال : ] حدثنا محمد بن زكريا الجوهري قال : حدثنا جعفر بن محمد بن عمارة عن أبيه عن جابر بن يزيد الجعفي عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر عليه‌السلام قال : من أحيا ليلة ثلاث وعشرين من شهر رمضان وصلى فيه مائة ركعة وسع الله عليه معيشته في الدنيا وكفاه أمر من يعاديه ، وأعاذه من الغرق والهدم والسرق ومن شر السباع ، و دفع عنه هول منكر ونكير ، وخرج من قبره نور يتلالا لاهل الجمع ، ويعطى كتابه بيمينه ، ويكتب له براءة من النار ، وجواز على الصراط ، وأمان من العذاب ويدخل الجنة بغير حساب ، ويجعل فيها من رفقاء النبيين والصديقين والشهداء والصالحين ، وحسن اولئك رفيقا.

ومن زيادات ليلة ثلاث وعشرين قراءة سورة الدخان فيها ، وفي كل ليلة

١٦٨

وقد قدمنا الرواية بذلك ، في أول ليلة ، وأن تحيي بالعبادة كما قدمناه ، ومما رويناه في تعظيم فضلها وإحيائها أيضا مارواه ابن أبي عمير عن جميل وهشام وحفص قالوا : مرض أبوعبدالله عليه‌السلام مرضا شديدا فلما كان ليلة ثلاث وعشرين أمر مواليه فحملوه إلى المسجد ، فكان فيه ليلته.

فصل : فيما يختص باليوم الثالث والعشرين من شهر رمضان.

دعاء اليوم الثالث والعشرين من شهر رمضان :

سبحان الذي ينشئ السحاب الثقال ، ويسبح الرعد بحمده ، والملائكة من خيفته ، ويرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء ، ويرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته ، وينزل الماء من السماء بكلماته ، وينبت النبات بقدرته ، ويسقط الورق بأمره ، سبحان الله بارئ النسم ، سبحان الله المصور ، سبحان الله خالق الازواج كلها ، سبحان الله جاعل الظلمات والنور ، سبحان الله فالق الحب والنوى ، سبحان الله خالق كل شي ء ، سبحان الله خالق ما يرى وما لا يرى ، سبحان الله مداد كلماته سبحان الله رب العالمين ـ ثلاثا ـ.

دعاء آخر في هذا اليوم : اللهم اغسلني فيه من الذنوب ، وطهرني فيه من العيوب وامتحن فيه قلبي لتقوى القلوب ، يامقيل عثرات المذنبين (١).

__________________

(١) كتاب الاقبال ص ١٩٤ ـ ٢١٦.

١٦٩

٨

* ( باب ) *

* « ( أدعية وداع شهر رمضان وأعماله ) » *

أقول : قد مضى ما ينوط بهذا الباب في أبواب الصيام وفي أبواب الدعاء من كتاب الصلاة وغيرها أيضا فلا تغفل.

[ ١ ـ قل : ومن ذلك ما يتعلق بوداع شهر رمضان ، فنقول : إن سأل سائل فقال : ما معنى الوداع لشهر رمضان وليس هو من الحيوان ، الذي يخاطب أو يعقل ما يقال له باللسان ، فاعلم أن عادة ذوى العقول قبل الرسول ومع الرسول وبعد الرسول ، يخاطبون الديار والاوطان ، والشباب وأوقات الصفا والامان والاحسان ببيان المقال ، وهو محادثة لها بلسان الحال ، فلما جاء أدب الاسلام أمضى ما شهدت بجوازه من ذلك أحكام العقول والافهام ، ونطق به مقدس القرآن المجيد فقال جل جلاله « يوم نقول لجهنم هل امتلئت وتقول هل من مزيد » فأخبر أن جهنم رد الجواب بالمقال ، وهو إشارة إلى لسان الحال ، وذكر كثيرا في القرآن الشريف المجيد وفي كلام النبي والائمة صلوات الله عليه وعليهم‌السلام وكلام أهل التعريف فلا يحتاج ذوو الالباب إلى الاطالة في الجواب ، فلما كان شهر رمضان قد صاحبه ذوو العناية به من أهل الاسلام والايمان ، أفضل لهم من صحبة الديار والمنازل ، وأنفع من الاهل وأرفع من الاعيان والاماثل ، اقتضت دواعي لسان الحال أن يودع عند الفراق والانفصال.

ذكر ما نورده من طبقات أهل الوداع لشهر الصيام فنقول : اعلم أن الوداع لشهر رمضان يحتاج إلى زيادة بيان ، والناس فيه على طبقات :

طبقة منهم كانوا في شهر رمضان على مراد الله ـ جل جلاله ـ وآدابه فيه في السر والاعلان ، فهؤلاء يودعون شهر الصام وداع من صاحبه بالصفاء والوفاء وحفظ الذمام كما تضمنه وداع مولانا زين العابدين عليه أفضل السلام.

١٧٠

وطبقة منهم صاحبوا شهر رمضان تارة يكونون معه على مراد الله جل جلاله في بعض الازمان ، وتارة يفارقون شروطه ، بالغفلة أو بالعصيان ، فهؤلاء إن اتفق خروج شهر رمضان وهم مفارقون له في الاداب والاصطحاب ، فالمفارقون لا يودعون ولا هم مجتمعون ، وإنما الوداع لمن كان مرافقا وموافقا في مقتضى العقول والالباب وإن اتفق خروج شهر رمضان وهم في حال حسن صحبته ، فلهم أن يودعوه على قدر ما عاملوه في حفظ حرمته ، وأن يستغفروا ويندموا على مافرطوا فيه من إضاعة شروط الصحبة والوفاء ، ويبالغوا عند الوداع في التلهف والتأسف كيف عاملوه بوقت من الاوقات بالجفاء.

وطبقة ما كانوا في شهر رمضان مصاحبين له بالقلوب ، بل كان فيهم من هو كاره لشهر الصيام ، لانه كان يقطعهم عن عاداتهم في التهوين ، ومراقبه علام الغيوب فهؤلاء ما كانوا مع شهر رمضان حتى يودعوه عند الانفصال ، ولا أحسنوا المجاورة له لما نزل من القرب من دارهم ، وتكرهوا به واستقبلوه بسوء اختيارهم ، فلا معنى لوداعهم له عند انفصاله ، ولا يلتفت إلى ما يتصمنه لفظ وداعهم وسوء مقالهم.

أقول : فلا تكن أيها الانسان ممن نزل به ضيف غني عنه ، وما نزل به ضيف مذ سنة أشرف منه وقد حضر للانعام عليه ، وحمل إليه معه تحف السعادات ، و شرف العنايات ، وما لا يبلغه وصف المقال من الامال والاقبال ، فأساء مجاورة هذا الضيف الكريم ، وجفاه وهون به ، وعامله معاملة المضيف اللئيم ، فانصرف الضيف الكريم ذاما لضيافته ، وبقي الذي نزل به في فضيحة تقصيره وسوء مجاورته ، أو في عار تأسفه وندامته ، فكن إما محسنا في الضيافة والمعرفة بحقوق ما وصل به هذا الضيف من السعادة والرحمة ، والرأفة والامن من المخافة ، أو كن لا له ولا عليه فلا تصاحبه بالكراهة وسوء الادب عليه ، وإنما تهلك بأعمالك السخيفة نفسك الضعيفة ، وتشهرها بالفضايح والنقصان ، في ديوان الملوك والاعيان ، الذين ظفروا بالامان والرضوان.

أقول : واعلم أن وقت الوداع لشهر الصيام رويناه عن أحد الائمة عليهم

١٧١

أفضل السلام من كتاب فيه مسائل جماعة من أعيان الاصحاب ، وقد وقع عليه‌السلام بعد كل مسألة بالجواب ، وهذا لفظ ما وجدناه :

« وداع شهر رمضان ، متى يكون ، فقد اختلف أصحابنا فبعضهم قال هو في آخر ليلة منه ، وبعضهم قال : هو في آخر يوم منه إذا رأى هلال شوال. الجواب : العمل في شهر رمضان في لياليه والوداع يقع في آخر ليلة منه ، فان خاف أن ينقص الشهر جعله في ليلتين.

قلت : هذا اللفظ ما رأيناه ورويناه ، فاجتهد في وقت الوداع على إصلاح السريرة ، فالانسان على نفسه بصيرة ، وتخير لوقت وداع الفضل الذي كان في شهر رمضان أصلح أوقاتك في حسن صحبته ، وجميل ضيافته ومعاملته ، من آخر ليلة منه ، كما رويناه فان فاتك الوداع في آخر ليلة ففي أواخر نهار المفارقة له والانفصال عنه فمتى وجدت في تلك الليلة أو ذلك اليوم نفسك على حلا صالحة في صحبة شهر رمضان فودعه في ذلك الاوان ، وداع أهل الصفاء والوفاء الذين يعرفون حق الضيف العظيم الاحسان ، واقض من حق التأسف على مفارقته ، وبعده بقدر ما فاتك من شرف ضيافته ، وفوايد رفده ، وأطلق من ذخاير دموع الوداع ما جرت به عوائد الاحبة إذا تفرقوا بعد الاجتماع.

وقل ما رواه الشيخ جعفر بن محمد بن أحمد بن العباس بن محمد الدوريستي في كتاب الحسنى باسناده إلى جابر بن عبدالله الانصاري قال : دخلت على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في آخر جمعة من شهر رمضان ، فلما بصر بي قال لي : يا جابر هذا آخر جمعة من شهر رمضان فودعه وقل : « اللهم لا تجعله آخر العهد من صيامنا إياه ، فان جعلته فاجعلني مرحوما ، ولا تجعلني محروما » فانه من قال ذلك ظفر باحدى الحسنيين إما ببلوغ شهر رمضان من قابل ، وإما بغفران الله ورحمته.

وداع آخر لشهر رمضان وقد رويناه عن مولانا علي بن الحسين عليه‌السلام صاحب الانفاس المقدسة الشريفة ، فيما تضمنه إسناد أدعية الصحيفة ، فقال : وكان من دعائه عليه‌السلام في وداع شهر رمضان :

اللهم يا من لا يرغب في الجزاء ، ويا من لا يندم على العطاء ، ويا من لا يكافي

١٧٢

عبده على السواء ، هبتك ابتداء ، وعطيتك تفضل ، وعقوبتك عدل ، وقضاؤك خيرة ، إن أعطيت لم تشب بمن ، وإن منعت لم يكن منعك بتعد ، تشكر من شكرك وأنت ألهمته شكرك ، وتكافئ من حمدك وأنت علمته حمدك ، تستر على من لو شئت فضحته ، وتجود على من لو أردت منعته ، وكلاهما منك أهل للفضيحة والمنع ، غير أنك بنيت أفعالك على التفضل ، وأجريت قدرتك على التجاوز ، وتلقيت من عصاك بالحلم ، وأمهلت من قصد لنفسه بالظلم ، تستنظرهم بأناتك إلى الانابة ، و تترك معاجلتهم إلى التوبة ، لكيلا يهلك عليك هالكهم ، ولئلا يشقى بنقمتك شقيهم إلا عن طول الاعذار إليه ، وبعد ترادف الحجة عليه ، كرما من فعلك يا كريم وعائدة من عطفك يا حليم

أنت الذي فتحت لعبادك بابا إلى عفوك ، وسميته التوبة ، وجعلت على ذلك الباب دليلا من رحمتك لئلا يضلوا عنه ، فقلت « توبوا إلى الله توبة نصوحا عسى ربكم أن يكفر عنكم سيآتكم ويدخلكم جنات تجرى من تحتها الانهار » فما عذر من أغفل دخول ذلك الباب يا سيدي بعد فتحه ، وإقامة الدليل عليه ، وأنت الذي زدت في السوم على نفسك لعبادك ، تريد ربحهم في متاجرتك ، وفوزهم بزيادتك فقلت « من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها » ثم قلت « مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة » وما أنزلت من نظائر هن في القرآن.

وأنت الذي دللتهم بقولك الذي من غيبك ، وترغيبك الذي فيه من حظهم على ما لو سترته عنهم لم تدركه أبصارهم ، ولم تعه أسماعهم ، ولم تلحقه أوهامهم فقلت تباركت وتعاليت « اذكروني أذكركم » و « لئن شكرتم لازيدنكم » و « وادعوني أستجب لكم » وقلت « من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له » فذكروك و شكروك ودعوك وتصدقوا لك طلبا لمزيدك ، وفيها كانت نجاتهم من غضبك ، وفوزهم برضاك ولودل مخلوق مخلوقا من نفسه على مثل الذي دللت عليه عبادك منك ، كان محمودا فلك الحمد ما وجد في حمدك مذهب ، وما بقى للحمد لفظ تحمد به ، ومعنى

١٧٣

ينصرف إليه.

يا من تحمد إلى عباده بالاحسان والفضل ، وعاملهم بالمن والطول ، ما أفشا فينا نعمتك وأسبغ علينا منتك ، وأخصنا ببر ك هديتنا لدينك الذي اصطفيت وملتك التي ارتضيت ، وسبيلك الذي سهلت ، وبصرتنا ما يوجب الزلفة لديك والوصول إلى كرامتك اللهم وأنت جعلت من صفايا تلك الوظائف ، وخصايص تلك الفروض شهر رمضان ، الذي اختصصته من سائر الشهور ، وتخيرته من جميع الازمنة والدهور ، وآثرته على جميع الاوقات بما أنزلت فيه من القرآن وفرضت فيه من الصيام ، وأجللت فيه من ليلة القدر ، التي هي خير من ألف شهر ، ثم آثرتنا به على سائر الامم ، واصطفيتنا بفضله دون أهل الاديان ، فصمنا بأمرك نهاره ، وقمنا بعونك ليله ، متعرضين بصيامه وقيامه لما عرضتنا له من رحمتك ، وسببتنا إليه من مثوبتك ، وأنت الملئ بما رغب فيه إليك ، الجواد بما سئلت من فضلك ، القريب إلى من حاول قربك ، وقد أقام فينا هذا الشهر مقام حمد وصحبنا صحبة السرور ، وأربحنا أفضل أرباح العالمين ، ثم قد فارقنا عند تمام وقته ، وانقطاع مدته ، ووفاء عدده ، فنحن مودعوه وداع من عز فراقه علينا و غمنا ، وأوحش انصرافه عنا فهمنا ، ولزمنا له الذمام المحفوظ ، والحرمة المرعية ، والحق المقضي. فنحن قائلون :

السلام عليك يا شهر الله الاكبر ، ويا عيد أوليائه الاعظم ، السلام عليك يا أكرم مصحوب من الاوقات ، ويا خير شهر في الايام والساعات ، السلام عليك من شهر قربت فيه الامال ، ويسرت فيه الاعمال ، السلام عليك من قرين جل قدره موجودا ، وأفجع فراقه مفقودا ، السلام عليك من أليف آنس مقبلا ، فسر وأوحش منقضيا ، فأمر ، السلام عليك من مجاور رقت فيه القلوب ، وقلت فيه الذنوب ، السلام عليك من ناصر أعان على الشيطان ، وصاحب سهل سبيل الاحسان السلام عليك ما أكثر عتقاء الله فيك ، وما أسعد من رعى حرمته بك ، السلام عليك ما كان أمحاك للذنوب وأسترك لانواع العيوب ، السلام عليك ما كان أطولك على

١٧٤

المجرمين ، وأهيبك في صدور المؤمنين ، السلام عليك من شهر لا تنافسه الايام ، ومن شهر هو من كل أمر سلام ، السلام عليك غير كريه المصاحبة ، ولا ذميم الملابسة السلام عليك كما وردت علينا بالبركات ، وغسلت عنا دنس الخطيئات ، السلام عليك غير مودع سأما ، ولا متروك صيامه برما ، السلام عليك من مطلوب قبل وقته ، و محزون عليه عند فوته ، السلام عليك كم من سوء صرف بك عنا ، وكم من خير افيض بك علينا ، السلام عليك وعلى ليلة القدر التي جعلها الله خيرا من ألف شهر السلام عليك وعلى فضلك الذي حرمناه ، وعلى ما كان من بركاتك سلبناه ، السلام عليك ما كان أحرصنا بالامس عليك ، وأشد شوقنا غدا إليك.

اللهم إنا أهل هذا الشهر الذي شرفتنا به ، ووفقتنا بمنك له ، حين جهل الاشقياء فضله ، وحرموا لشقآئهم خيره وأنت ولي ما آثرتنا به من معرفته ، وهديتنا له من سنته ، وقد تولينا بتوفيقك صيامه وقيامه على تقصير ، وأدينا من حقك فيه قليلا من كثير ، اللهم فلك إقرارنا بالاساءة واعترافنا بالاضاعة ، ولك من قلوبنا عقدة الندم ، ومن ألسنتنا صدق الاعتذار ، فأجرنا على ما أصبنا به من التفريط أجرا نستدرك به الفضل المرغوب فيه ، ونعتاض به من إحراز الذخر المحروص عليه ، وأوجب لنا عذرك على ما قصرنا فيه من حقك ، وأبلغ بأعمارنا مابين أيدينا من شهر رمضان المقبل ، فاذا بلغتناه فأعنا على تناول ما أنت أهله من العبادة ، وأدنا إلى القيام بما نستحقه من الطاعة ، وأجر لنا من صالح العمل ما يكون دركا لحقك في الشهرين ، وفي شهور الدهر.

اللهم وما ألممنا به في شهرنا هذا من إثم ، وأوقعنا فيه من ذنب ، واكتسبنا فيه من خطيئة ، عن تعمد منا له ، أو على نسيان من ظلمنا فيه أنفسنا ، أو انتها كنا فيه حرمة من غيرنا ، فاستره بسترك ، واعف عنا بعفوك ، ولا تنصبنا فيه لاعين الشامتين ولا تبسط علينا ألسنة الطاعنين واستعملنا بما يكون حطة وكفارة لما أنكرت منا فيه برأفتك التي لا تنفد ، وفضلك الذي لا ينقص.

اللهم صل على محمد وآل محمد ، واجبر مصيبتنا بشهرنا ، وبارك لنا في يوم عيدنا

١٧٥

واجعله من خير يوم مر علينا ، أجلبه للعفو ، وأمحاه للذنب واغفر لنا ما خفي من ذنوبنا وما علن ، اللهم صل على محمد وآل محمد ، واسلخنا بانسلاخ هذا الشهر من خطايانا ، وأخرجنا بخروجه عن سيئاتنا ، واجعلنا من أسعد أهله به ، وأوفرهم قسما اللهم ومن رعا حرمة هذا الشهر حق رعايتها ، وحفظ حدوده حق حفظها ، واتقى ذنوبه حق تقاتها ، أو تقرب إليك بقربة أوجبت رضاك عنه ، وعطفت برحمتك عليه فهب لنا مثله من وجدك وإحسانك ، وأعطنا أضعافه من فضلك ، فان فضلك لا يغيض وإن خزائنك لا تنفد ، وإن معادن إحسانك لا تفنى ، وإن عطاءك للعطاء المهنا.

اللهم اكتب لنا مثل اجور من صامه بنية ، أو تعبد لك فيه إلى يوم القيامة ، اللهم إنا نتوب إليك في يوم فطرنا الذي جعلته للمسلمين عيدا وسرورا ، ولاهل ملتك مجمعا ومحتشدا ، من كل ذنب أذنبناه ، أو سوء أسلفناه ، أو خطرة شر أضمرناه أو عقيدة سوء اعتقدناها ، توبة من لا ينطوي على رجوع إلى ذنب ، ولا عود في خطيئة توبة نصوحا خلصت من الشك والارتياب ، فتقبلها منا ، وارض بها عنا وثبتنا عليها ، اللهم ارزقنا خوف غم الوعيد وشوق ثواب الموعود حتى نجد لذة ما ندعوك به ، وكآبة ما نستجير بك منه ، واجعلنا عندك من التوابين ، الذين أوجبت لهم محبتك ، وقبلت منهم مراجعة طاعتك ، يا أعدل العادلين ، الله تجاوز عن آبائنا وامهاتنا ، وأهل ديننا جميعا ، من سلف منهم ومن غبر إلى يوم القيامة ، وصل على نبينا وآله ، كما صليت على ملائكتك المقربين ، وأنبيائك المطهرين ، وعبادك الصالحين ، وسلم على آله كما سلمت على آل يس ، وصل عليهم أجمعين ، صلاة تبلغنا بركتها ، وينالنا نفعها ، وتغمرنا بأسرها ، ويستجاب دعاؤنا بها ، إنك أكرم من رغب إليه ، وأعطى من سئل من فضله ، وأنت على كل شئ قدير ] (١).

٢ ـ قل : وداع آخر لشهر رمضان رويناه بعدة طرق إلى محمد بن يعقوب باسناده إلى أبي بصير عن أبي عبدالله عليه‌السلام في وداع شهر رمضان نقلناه من خط جدي أبي جعفر الطوسي رضي الله عنه :

__________________

(١) ما بين العلامتين من اول الباب إلى هنا أضفناء من المصدر وكان محله بياضا.

١٧٦

اللهم إنك قلت في كتابك المنزل ، على لسان نبيك المرسل ، صلواتك عليه ، وقولك حق « شهر رمضان الذي انزل فيه القرآن » وهذا شهر رمضان قد تصرم ، فأسألك بوجهك الكريم وكلماتك التامة ، إن كان بقي على ذنب لم تغفره لي أو تريد أن تعذبني عليه ، أو تقايسني به أن يطلع فجر هذه الليلة ، أو ينصرم هذا الشهر إلا وقد غفرته لي يا أرحم الراحمين.

اللهم لك الحمد بمحامدك كلها أولها وآخرها ، ما قلت لنفسك منها ، و ماقاله لك الخلائق الحامدون المجتهدون المعدودون الموثرون في ذكرك ، و الشكر لك ، الذين أعنتهم على أداء حقك من أصناف خلقك من الملائكة المقربين والنبيين والمرسلين ، وأصناف الناطقين المسبحين لك من جميع العالمين ، على أنك بلغتنا شهر رمضان ، وعلينا من نعمك وعندنا من قسمك وإحسانك وتظاهر امتنانك ، فبذلك لك منتهى الحمد الخالد الدائم الراكد المخلد السرمد الذي لا ينفد طول الابد ، جل ثناؤك أعنتنا عليه حتى قضيت عنا صيامه ، وقيامه من صلاة ، وما كان منا فيه من بر أو نسك أو ذكر.

اللهم فتقبله منا بأحسن قبولك ، وتجاوزك وعفوك وصفحك وغفرانك و حقيقة رضوانك حتى تظفرنا فيه بكل خير مطلوب ، وجزيل عطاء موهوب ، تؤمنا فيه من كل أمر مرهوب وذنب مكسوب ، اللهم إني أسألك بعظيم ما سألك أحد من خلقك من كريم أسمائك ، وجزيل ثنآئك ، وخاصة دعائك ، أن تصلى على محمد وآل محمد ، وأن تجعل شهرنا هذا أعظم شهر رمضان مر علينا منذ أنزلتنا إلى الدنيا بركة في عصمة ديني وخلاص نفسي وقضاء حاجتي وتشفيعي في مسائلي وتمام النعمة على ، وصرف السوء عني ، ولباس العافية لي ، وأن تجعلني برحمتك ممن حزت له ليلة القدر ، وجعلتها له خيرا من ألف شهر في أعظم الاجر ، وكرائم الذخر ، وطول العمر ، وحسن الشكر ، ودوام اليسر.

اللهم وأسألك برحمتك وطولك وعفوك ونعمآئك وجلالك وقديم إحسانك وامتنانك أن لا تجعله آخر العهد منا لشهر رمضان ، حتى تبلغناه من قابل على

١٧٧

أحسن حال ، وتعرفني هلاله مع الناظرين إليه ، والمتعرفين له ، في أعفى عافيتك وأتم نعمتك ، وأوسع رحمتك ، وأجزل قسمك ، اللهم يا ربي الذي ليس لي رب غيره ، لا يكون هذا الوداع مني وداع فناء ، ولا آخر العهد من اللقآء ، حتى ترينيه من قابل في أسبغ النعم ، وأفضل الرجآء وأنا لك على أحسن الوفآء إنك سميع الدعاء وارحم تضرعي وتذلي لك ، واستكانتي وتوكلي عليك ، فأنا لك سلم لا أرجو نجاحا ، ولا معافاة ولا تشريفا ولا تبليغا إلا بك ومنك ، فامنن علي جل ثناؤك وتقدست أسماؤك بتبليغي شهر رمضان ، وأنا معافى من كل مكروه و محذور ، ومن جميع البوائق ، الحمد لله الذي أعاننا على صيام هذا الشهر وقيامه حتى بلغنا آخر ليلة منه.

قال الشيخ أبوجعفر الطوسي ـ ره ـ في الاصل الذي نقلنا منه ، هذا الوداع بخطه ما هذا لفظه : إلى ههنا رواية الكليني ، وروي إبراهيم بن إسحاق الاحمري عن عبدالله بن حماد الانصاري عن أبي بصير وعن جماعة من أصحابه عن سعدان بن مسلم عن أبي بصير عن أبي عبدالله عليه‌السلام مثل ذلك وزاد فيه :

اللهم إني أسألك بأحب ما دعيت به ، وأرضى ما رضيت به عن محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله أن تصلى على محمد وآل محمد ولا تجعل وداعي وداع شهر رمضان وداع خروجي من الدنيا ، ولا وداع آخر عبادتك فيه ، ولا آخر صومي لك ، وارزقني العود فيه ثم العود فيه برحمتك يا ولي المؤمنين ، ووفقني فيه لليلة القدر ، واجعلها لي خيرا من ألف شهر ، يا رب العالمين ، يا رب ليلة القدر ، وجاعلها خيرا من ألف شهر ، رب الليل والنهار ، والجبال والبحار ، والظلم والانوار ، والارض والسماء ، يا بارئ يا مصور ، يا حنان يا منان ، يا الله يا رحمان ، يا قيوم يا بديع ، لك الاسماء الحسنى ، والامثال العليا ، والكبرياء والالاء أسئلك باسمك بسم الله الرحمن الرحيم أن تصلي على محمد وآل محمد وأن تجعل اسمي في هذه الليلة في السعداء وروحي مع الشهداء وإحساني في عليين ، وإساءتي مغفورة وأن تهب لي يقينا تباشر به قلبي ، وإيمانا لا يشوبه شك ، ورضا بما قسمت لي وأن تؤتيني في الدنيا

١٧٨

حسنة وفي الاخرة حسنة ، وأن تقيني عذاب النار.

اللهم اجعل فيما تقضي وتقدر من الامر المحتوم ، وفيما تفرق من الامر الحكيم ، في ليلة القدر ، من القضاء الذي لا يرد ولا يبدل ولا يغير ، أن تكتبني من حجاج بيتك الحرام ، المبرور حجهم ، المشكور سعيهم ، المغفور ذنبهم ، المكفر عنهم سيئاتهم ، واجعل فيما تقضي وتقدر أن تعتق رقبتي من النار ، يا أرحم الراحمين.

اللهم إني أسئلك ولم يسأل العباد مثلك جودا وكرما ، وأرغب إليك ولم يرغب إلى مثلك ، أنت موضع مسألة السائلين ، ومنتهى رغبة الراغبين ، أسألك بأعظم المسائل كلها وأفضلها وأنجحها ، التي ينبغي للعباد أن يسئلوك بها ، يا الله يا رحمان ، وبأسمائك ما علمت منها وما لم أعلم ، وبأسمائك الحسنى ، وأمثالك العليا ، وبنعمتك التي لا تحصى ، وبأكرم أسمائك إليك ، وأحبها إليك ، و أشرفها عندك منزلة ، وأقربها منك وسيلة ، وأجزلها منك ثوابا وأسرعها لديك إجابة ، وباسمك المكنون المخزون ، الحي القيوم ، الاكبر الاجل الذي تحبه وتهواه ، وترضى عمن دعاك به ، وتستجيب له دعاءه ، وحق عليك ألا تخيب سائلك وأسألك بكل اسم هو لك في التوراة والانجيل والزبور والفرقان ، و بكل اسم دعاك به حملة عرشك ، وملائكة سمواتك ، وجميع الاصناف من خلقك من نبي أو صديق أو شهيد ، وبحق الراغبين إليك ، المقربين منك ، المتعوذين بك ، وبحق مجاوري بيتك الحرام حجاجا ومعتمرين ، ومقدسين ، والمجاهدين في سبيلك ، وبحق كل عبد متعبد لك في بر أو بحر أو سهل أو جبل أدعوك دعاء من قد اشتدت فاقته ، وكثرت ذنوبه ، وعظم جرمه ، وضعف كدحه ، دعاء من لا يجد لنفسه سادا ، ولا لضعفه معولا ، ولا لذنبه غافرا غيرك ، هاربا إليك متعوذا بك متعبدا لك غير متكبر ولا مستنكف ، خائفا بائسا فقيرا مستجيرا بك أسألك بعزتك وعظمتك وجبروتك وسلطانك ، وبملكك وببهائك وجودك وكرمك وبآلائك وحسنك وجمالك ، وبقوتك على ما أردت من خلقك أدعوك يا رب

١٧٩

خوفا وطمعا ورهبة ورغبة وتخشعا وتملقا وتضرعا وإلحافا وإلحاحا خاضعا لك لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك ، يا قدوس يا قدوس يا قدوس ، يا الله يا الله يا الله ، يا رحمان يا رحمان يا رحمان يا رحيم يا رحيم يارحيم يا رب يا رب يارب ، أعوذ بك يا الله الواحد الاحد الصمد الوتر الكبير المتعالى ، وأسألك بجميع ما دعوتك به وبأسمائك التي تملاء أركانك كلها ، أن تصلي على محمد وآل محمد ، واغفر لي وارحمني وأوسع علي من فضلك العظيم ، وتقبل مني شهر رمضان وصيامه وقيامه ، وفرضه ونوافله ، واغفر لي وارحمني واعف عني ، ولا تجعله آخر شهر رمضان صمته لك وعبدتك فيه ، ولا تجعل وداعي إياه وداع خروجي من الدنيا ، اللهم وأوجب لي من رحمتك ومغفرتك ورضوانك وخشيتك أفضل ما أعطيت أحدا ممن عبدك فيه ، اللهم لا تجعلني آخر من سألك فيه ، واجعلني ممن أعتقته في هذا الشهر من النار ، وغفرت له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ، و أوجبت له أفضل ما رجاك وأمله منك ، يا أرحم الراحمين.

اللهم ارزقني العود في صيامه ، وعبادتك فيه ، واجعلني ممن كتبته في هذا الشهر من حجاج بيتك الحرام ، المبرور حجهم ، المغفور ذنبهم ، المتقبل عملهم آمين آمين آمين رب العالمين ، اللهم لا تذع لي فيه ذنبا إلا غفرته ، ولا خطيئة إلا محوتها ، ولا عثرة إلا أقلتها ، ولا دينا إلا قضيته ، ولا عيلة إلا أغنيتها ، ولا هما إلا فرجته ، ولا فاقة إلا سددتها ، ولا عريا إلا كسوته ، ولا مرضا إلا شفيته ، ولا داء إلا أذهبته ، ولا حاجة من حوائج الدنيا والاخرة إلا قضيتها على أفضل أملي ورجائي فيك يا أرحم الراحمين.

اللهم لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا ، ولا تذلنا بعد إذ أعززتنا ، ولا تضعنا بعد إذ رفعتنا ، ولا تهنا بعد إذ أكرمتنا ، ولا تفقر نا بعد إذ أغنيتنا ، ولا تمنعنا بعد إذ أعطيتنا ، ولا تحرمنا بعد إذ رزقتنا ، ولا تغير شيئا من نعمك علينا ، وإحسانك إلينا لشئ كان من ذنوبنا ، ولا لما هو كائن منا ، فان في كرمك وعفوك وفضلك سعة لمغفرة ذنوبنا ، فاغفر لنا وتجاوز عنا ، ولا تعاقبنا عليها يا أرحم الراحمين

١٨٠