اسطورة التحريف

محمود الشريفي

اسطورة التحريف

المؤلف:

محمود الشريفي


الموضوع : العقائد والكلام
الطبعة: ١
الصفحات: ١٦٠

بعدم أمكان وقوع أيّ تغيير وتحريف في مثل هذا الكتاب الّذي اهتمّ النبيّ والمسلمون بحفظه ، وضمن الله تعالى حفظه ، والشواهد التاريخيّة مؤيّدة لمصونيّة القرآن ، بل تدلّ على أنّه لا يتجرّأ أحد أن يزيد فيه شيئاً.

ويؤيّد ذلك ما قاله عمر : ( لولا أن يقول النّاس أنّ عمر زاد في كتاب الله لكتبت آية الرّجم بيدي). (١)

__________________

(١) الإتقان ، ج ٢ ، ص ٢٦.

٦١

جمع القرآن في عصر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله

والدليل الآخر على عدم تحريف القرآن ثبوت كونه مجموعاً على عهد الرسول الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله موجوداً كذلك بين المسلمين كما يدلّ على ذلك كثير من الأخبار في كتب الفريقين.

منها : ما روى عن قتاده قال سألت أنس بن مالك (من جمع القرآن على عهد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله؟ قال أربعة كلّهم من الأنصار : أبي بن كعب ومعاذ ابن جبل وزيد بن ثابت وأبوزيد). (١)

ومنها : ما روى عن زيد بن ثابت قال :

كنّا عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله نؤلّف القرآن من الرّقاع. (٢)

والراد في الرواية الأولى جمع القرآن في مصحف واحد ، والاّ لم يكن الانحصار في الأربعة في محلّه ؛ لأنّ الحفّاظ والقرّاء والمؤلّفين كانوا

__________________

(١) البرهان في علوم القرآن ، ج ١ ، ص ٣٣٥.

(٢) المصدر نفسه ، ص ٣٣١.

٦٢

كثيرين. وقد صرّح بذلك بعض العلماء أيضاً :

قال المسعودي : إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أقام يدعو الخلق إلى الله اثنتين وعشرين سنة وهو ينزل عليه الوحي ويميله على أصحابه فيكتبونه ويدوّنونه ويلتقطونه لفظةً لفظةً). (١)

وقال الشيخ محمد الغزالي : (فلمّا امتقل الرسول إلى الرفيق الأعلى كان القرآن كلّه محفوظاً في الصدور وكان كذلك مثبتاً في السطور). (٢)

وقال السيّد الشريف المرتضى علم الهدى :

(إنّ القرآن كان على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله مجموعاً مؤلّفاً على ما هو عليه الآن ، واستدلّ على ذلك بأنّ القرآن كان يدرس ويحفظ جميعه في ذلك الزّمان حتىّ عيّن على جماعة من الصحابة في حفظهم له وأنّه كان يعرض على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ويتلى عليه ، وأنّ جماعة من الصحابة مثل عبدالله ابن مسعود وأبيّ بن كعب وغيرهما ختموا القرآن على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله عدة ختمات ، وكلّ ذلك يدلّ بأدنى تأملّ على أنّه كان مجموعاً مرتبّاً غير مبتور ولامبثوث). (٣)

مؤيّدات عدم التحريف

وفي ختام هذا البحث نشي إلى بعض المؤيّدات لعدم تحريف القرآن عند المسلمين.

__________________

(١) مروج الذهب ، ج ٣ ، ٣٥.

(٢) اُكذوبة تحريف القرآن ، ص ٣٤.

(٣) مجمع البيان ، ج ١ ، ص ١٥.

٦٣

الف ـ السيرة العلمية للمسلمين من زمن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى زماننا هذا القائمة على الاهتمام بتلاوة القرآن وحفظه وختمه في أوقات ومواسم خاصّة في شهر رمضان وإكرام القرآن وإعظامه وإعزاز القارئين والمعلّمين للقرآن.

ب ـ حكم الإمامية بوجوب قراءة سورة كاملة في الصلاة بعد الحمد ، قال السيّد شرف الدّين قدس‌سره :

وصلاتهم بهذه الكيفيّة والأحكام دليل ظاهر علة اعتقادهم بكون سوى القرآن بأجمعها زمن الرّسول صلى‌الله‌عليه‌وآله على ما هي عليه الآن ، وإلاّ لما نسب لهم هذا القول. (١)

هذا القول هو المشهور بين فقهاء الإمامية بل ادّعي عليه الإجماع كما في مفتاح الكرامة. (٢)

فإذا ثبت أنّ القرآن جمع كلّه في زمن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله(٣) وأنّ جمع أبي بكر وغيره للقرآن لم يكن إلاّ استنساخ ما هو مكتوب من قبل وتوحيد القرآن ينهدم أكثر ما أورده البعض في إثبات التحريف ، لأنّهم يقولون بتواتر القرآن بعد جمعه ، فإذا كان جمعه في عهد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله متواتراً ، فتصوّر التحريف بعد ذلك غير معقول.

__________________

(١) التحقيق في نفي التحريف ، ص ٤٨.

(٢) مفتاح الكرامة ، ج ٢ ، ص ٣٥٠.

(٣) لمزيد الاطّلاع راجع كتاب الأستاذ السيد جعفر العاملي المسمّى بـ (حقائق هامّة حول القرآن الكريم) ص ٦٣.

٦٤

فثبت بما ذكرنا من الأدلّة أنّ القرآن الموجود بين أيدينا هو نفس القرآن الّذي كان بين يدي الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله وأصحابه على عهده فما بعن من غير زيادة ونقصان ، فنعلن ثانياً وبصوت عال انّنا نعتقد بمصونيّة القرآن من أيّ تغيير وتحريف ، ونقول مع وجود هذه الأدلّة وغيرها لا يمكن القول بوقوع التحريف في القرآن ، بل ليس هذا القول معقولاً عندنا.

٦٥
٦٦

الفصل الثالث

رأي علماء الشيعة

في أسطورة التحريف

وردودهم عليه

٦٧
٦٨

رأي علماء الشيعة

من يتابع أقوال علماء الشيعة يجد أنّهم متّفقون على عدم وقوع التّحريف في القرآن ، وفيهم من صرّح بأنّ من نسب إلى الشيعة القول بوقوع التحريف في القرآن فهو كاذب ، وفيهم أيضاً من يقول بأنّ عليه إجماع علماء الشيعة بل المسلمين ،

وبالجملة فإنّ الشيعة الإمامية في ماضيهم وحاضرهم تعتقد بعدم تحريف القرآن وأنّ الكتاب الموجود بين أيدينا هو جميع ما أنزل الله على نبيّنا محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله من دون أيّ زيادة أو نقصان كما جاء التصريح بذلك في كلمات كبار علمائنا ومشاهير مؤلّفينا منذ أكثر من ألف عام حتّى الآن ، ونشير هنا إلى كلمات بعض علمائنا :

١. قال الشيخ محمد بن علي بن بابوية القمي الملقّب بالصّدوق (متوفّى سنة ٣٨١ هـ. ق) : اعتقادنا في القرآن أنّه كلام الله ووحيه وتنزيله وقوله وكتابه وأنّه لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ،

٦٩

تنزيل من حكيم عليم ، وأنهّ القصص الحقّ وأنّه لقول فصل وما هو بالهزل وأنّ الله تبارك وتعالى محدثه ومنزله وربّه وحافظه والمتكلّم به ، اعتقادنا أنّ القرآن الّذي أنزله الله تعالى على نبيّه محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله هو ما بين الدفّتين ، وهو ما في أيدي النّاس ليس بأكثر من ذلك. (١)

٢. قال الشيخ محمّد بن محمّد بن النعمان ، الملقّب بالمفيد البغدادي (المتوفّى سنة ٤١٣ هـ. ق.) :

وقد قال جماعة من أهل الإمامة : إنّه لم ينقص من كلمة ولا من آية ولا من سورة ولكن حذف ما كان مثبتاً في مصحف أمير المؤمنين عليه‌السلام من تأويله وتفسير معانيه على حقيقة تنزيله ، وذلك كان ثابتاً منزلاً وإن لم يكن من جملة كلام الله تعالى الّذي هو القرآن المعجز ، وقد يسمّى تأويل القرآن قرآناً ... وعندي أنّ هذا القول أشبه (أي أقرب) من مقال من ادّعى نقصان كلم من نفس القرآن على الحقيقة دون التأويل. وإليه أميل وأمّا الزيادة فيه فمقطوع على فسادها. (٢)

٣. قال السيّد المرتضى علم الهدى (المتوفّى سنة ٤٣٦ هـ. ق.) :

إنّ العلم بصحّة نقل القرآن كالعلم بالبلدان والحوادث الكبار والوقائع العظام والكتب المشهورة واشعار العرب المسطورة ، فإنّ العناية اشتدّت والدواعي توفّرت على نقله وحراسته وبلغت إلى حدّ لم يبلغه فيما ذكرناه ؛ لأنّ القرآن معجزة النبّوة ومأخذ العلوم الشرعية

__________________

(١) الاعتقادات للشيخ الصدوق ، ص ٩٣ ـ ٩٢.

(٢) أوائل المقالات في المذاهب المختارات ، ص ٥٥.

٧٠

والأحكام الدينيّة ، وعلماء المسلمين قد بلغوا في حفظه وحمايته الغاية حتّى عرفوا كلّ شيءٍ اختلف فيه من إعرابه وقراءته وحروفه وآياته ، فكيف يجوز أن يكون مغيّراً أو منقوصاً مع العناية الصادقة والضبط الشديد؟!

وقال : إنّ القرآن كان على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله مجموعاً مؤلّفاً على ما عليه الآن ، واستدلّ على ذلك بأنّ القرآن كان يدرس ويحفظه جميعه في ذلك الزمان حتىّ عيّن على جماعة من الصحابة في حفظهم له وإن كان يعرض على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ويتلى عليه ، وأنّ جماعة من الصّحابة مثل عبد الله ابن مسعود وأبّيّ بن كعب وغيرها ختموا القرآن على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله عدة ختمات ، وكلّ ذلك يدلّ بأدنى تأمّل على أنّه كان مجموعاً مرتباً غير مبتور ولا مبثوث وذكر أنّ من خالف في ذلك من الإمامية والحشويّة لايعتدّ بخلافهم ؛ فإنّ الخلاف في ذلك مضاف إلى قوم من أصحاب الحديث نقلوا أخباراً ضعيفة ظنّوا صحّتها ، لا يرجع بمثلها عن المعلوم المقطوع على صحّته. (١)

٤. قال الشيخ أبو جعفر محمّد بن الحسن الطوسي (المتوفىّ سنة ٤٦٠ هـ. ق.) :

أمّا الكلام في زيادته ونقصانه فما لا يليق به أيضاً ؛ لأنّ الزيادة فيه مجمع على بطلانها ، والنقصان منه فالظّاهر أيضاً من مذهب المسلمين

__________________

(١) مجمع البيان ، ج ١ ، ص ١٥.

٧١

خلافه ، وهو الأليق بالصحيح من مذهبنا ، وهو الّذي نصره المرتضى (ره) ، وهو الظاهر في الروايات ، غير أنّه رويت روايات كثيرة من جهة الخاصّة والعامّة بنقصان كثير من آي القرآن ، ونقل شيء منه من موضع إلى موضع طريقها الآحاد الّتي لاتوجب علماً ولا عملاً ، والأولى الإعراض عنها ، وترك التشاغل بها لأنّه يمكن تأويلها. (١)

٥. قال الشيخ الفضل بن الحسن أبو علي الطبرسي الملقّب بأمين الإسلام (المتوفّى سنة ٥٤٨ هـ. ق.) :

ومن ذلك الكلام في زيادة القرآن ونقصانه ؛ فإنّه لايليق بالتفسير ، فأمّا الزيادة فيه فمجمع على بطلانه ، وأمّا النقصان منه فقد روى جماعة من أصحابنا وقوم من حشوية العامّة أن في القرآن تغييراً ونقصاناً. والصّحيح من مذهب أصحابنا خلافه ، والذي نصره المرتضى قدس‌سره (٢)

٦. قال الشيخ البهائي :

اختلفوا في وقوع الزيادة والنقصان فيه. والصحيح أنّ القرآن العظيم محفوظ عن ذلك زيادةً كان أو نقصاناً ، ويدلّ عليه قوله تعالى : (وَإنّا لهُ لحَافِظُونَ). وما اشتهر بين النّاس من إسقاط اسم أمير المؤمنين عليه‌السلام منه في وبعض المواضع مثل قوله تعالى : (يا أيّهَا الرَّسول بّلَغْ ما أُنزِلَ إليكَ) في عليّ وغير ذلك فهو غير معتبر عند العلماء. (٣)

__________________

(١) التبيان في تفسير القرآن ، ج ١ ، ص ٣.

(٢) مجمع البيان في تفسير القرآن ، ج ١ ، ص ١٥.

(٣) آلاء الرحمن ، ص ٢٦.

٧٢

٧. رأي الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء :

وإنّ الكتاب الموجود في أيدي المسلمين هو الكتاب الّذي أنزله الله للإعجاز والتحدّي ، وتمييز الحلال من الحرام ، وأنّه لا نقص فيه ولا تحريف ولا زيادة ، وعلى هذا إجماعهم. (١)

٨. قال الإمام السيّد شرف الدّين العاملي (المتوفى سنة ١٣٨١ هـ. ق.) : وكلّ من نسب إليهم تحريف القرآن فإنّه مفتر عليهم ظالم لهم ، لأنّ قداسة القرآن الكريم من ضروريات دينهم الإسلامي ومذهبهم الإمامي ، ومن شكّ فيها من المسلمين فهو مرتدّ بإجماع الإمامية. وظواهر القرآن ـ فضلاً عن نصوصه ـ من أبلغ حجج الله تعالى ، وأقوى أدلّة أهل الحقّ بحكم البداهة الأوّلية من مذهب الإمامية ، ولذلك تراهم يضربون بظواهر الأحاديث المخالفة للقرآن عرض الجدار ، ولا يأبهون بها وإن كانت صحيحة ، وتلك كتبهم في الحديث والفقه والأصول صريحة بما نقول ، والقرآن الكريم الّذي لا يأتيه من بين يديه ولا من خلفه إنّما هو ما بين الدفّتين ، وهو ما في أيدي النّاس ، لايزيد حرفاً ولا ينقص حرفاً ، ولا تبديل فيه لكلمة بكلمة ولا لحرف بحرف ، وكلّ حرف من حروفه متواتر في كلّ جيل تواتراً قطيعاً إلى عهد الوحي والنبوّة ، وكان مجموعاً على ذلك العهد الأقدس مؤلّفاً على ما هو عليه الآن ، وكان الجبرئيل عليه‌السلام يعارض

__________________

(١) تدوين القرآن ، ص ٤٣

٧٣

رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بالقرآن في كلّ عام مرّة ، وقد عارضه به عام وفاته مرّتين.

والصحابة كانوا يعرضونه ويتلونه على النبيّ حتىّ ختموه عليه صلى‌الله‌عليه‌وآله مراراً عديدة ، وهذا كلّه من الأمور المعلومة الضروريّة لدي المحقّقين من علماء الإمامية ، ولا عبرة بالحشوية فإنّهم لايفقهون. (١)

٩. قال اللأستاذ العلّامة الطباطبائي :

فقد تبيّن ممّا فصّلنا أنّ القرآن الّذي أنزله الله على نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله ووصفه بأنّه ذكر ، محفوظ على ما أنزل ، مصون بصيانة إلهيّة عن الزيادة والنقيصة والتغيير كما وعد الله نبيّه فيه. (٢)

١٠. قال السيّد محسن الأمين صاحب كتاب أعيان الشيعة :

لايقول أحد من الإمامية ، لا قديماً ولاحديثاً أنّ القرآن مزيد فيه قليل أوكثير فضلاً عن كلّهم ، بل كلّهم متّفقون على عدم الزيادة ، ومن يعتدّ بقوله من محقّقيهم متّفقون على أنّه لم ينقص منه ... ومن نسب إليهم خلاف ذلك قهو كاذب مفتر مجترئ على الله ورسوله. (٣)

١١. قال آية الله العظمى السيد أبوالقاسم الخوئي :

المعروف بين المسلمين عدم وقوع التحريف في القرآن ، وأنّ الموجود بأيدينا هو جميع القرآن المنزل على النبيّ الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله وقد صّرح بذلك

__________________

(١) الفصول المهمّة ، ص ١٦٥.

(٢) الميزان في تفسير القرآن ، ج ١٢ ، ص ١٠٩.

(٣) أعيان الشيعة ، ج ١ ، ص ٤١.

٧٤

كثر من الأعلام ، منهم رئيس المحدثين محمد بن بابويه ، وقد عدّ القول بعدم التحريف من معتقدات الإمامية و ...

ثمّ قال : أنّ المشهور بين علماء الشيعة ومحقّقيهم ، بل المتسالم عليه بينهم هو القول بعدم التحريف ... (١)

إنّ حديث تحريف القرآن حديث خرافة وخيال ، لايقول به إلاّ من ضعف عقله أو من لم يتأمّل في أطرافه حقّ التأمّل ، أو من ألجأه إليه حبّ القول به ، والحبّ يعمي ويصمّ. وأمّا العقل المنصف المتدبّر فلا يشكّ في بطلانه وخرافته. (٢)

١٢. قال قائد الثورة الإسلاميّة الإمام الخميني (المتوفى سنة ١٤٠٩ هـ. ق.) :

فإنّ الواقف على عناية المسلمين بجمع الكتاب وحفظه وضبطه قراءة وكتابةً ، يقف على بطلان المزعمة وأنّه لا ينبغي أن يركن إليه ذو مسكة. وما وردت فيه من الأخبار ، بين ضعيف لا يستدلّ به ، إلى مجعول يلوح منها أمارات الجعل ، إلى غريب يقضى منه العجب ، إلى صحيح يدلّ على أنّه مضمونه تأويل الكتاب وتفسيره ، ألى غير ذلك من الأقسام التّي يحتاج بيان المراد منها إلى تأليف كتاب حافل.

ولولا خوف الخروج عن الطور الكتاب لأرخينا عنان البيان إلى بيان تاريخ القرآن وما جرى عليه طيلة قرون ، وأوضحنا عليك أنّ

__________________

(١) البيان في تفسير القرآن ، ص ٢٠٠ و ٢٠١.

(٢) البيان : ٢٥٩.

٧٥

الكتاب هو عين ما بين الدفّتين ، والاختلافات الناشئة بين القّراء ليس إلاّ أمراً حديثاً لا ربط له بما نزل به الروح الأمين على قلب سيّد المرسلين. (١)

١٣. قال الفيض الكاشاني : قال الله عزّ وجلّ (وإنّهُ لكتابٌ عزيزٌ * لا يأتيهِ الباطِلُ من بينِ يَديهِ ولا من خلفِهِ) وقال (إنّا نزَّلنا الذِّكر وإنّا لهُ لحَافِظونَ) ، فكيف يتطرّق إليه التحريف والتغيير؟! وأيضاً قد استفاض عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله حديث عرض الخبر المرويّ على كتاب الله ليعلم صحتّه بموافقته له ، وفساده بمخالفته ، فإذا كان القرآن الّذي بأيدينا محرّفاً فما فائدة العرض ، مع أنّ خبر التحريف مخالف لكتاب الله ، مكذّب له ، فيجب ردّه ، والحكم بفساده. (٢)

١٤. قال الشيخ جعفر الجناجي : لا زيادة فيه من سورة ، ولا آية من بسملة وغيرها ، لاكلمة ولا حرف. وجميع ما بين الدفّتين ممّا يتلى كلام الله تعالى بالضرورة من المذهب بل الدين ، وإجماع المسلمين ، وأخبار النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله والأئمّة الطاهرين عليهم‌السلام ، وإن خالف بعض من لا يعتدّ به في دخول بعض ما رسم في اسم القرآن ... لا ريب في أنه محفوظ من النقصان بحفظ الملك الديّان ، كما دلّ عليه صريح القرآن ، وإجماع العلماء في جميع الأزمان ، ولا عبرة بالنادر. (٣)

__________________

(١) تهذيب الاُصول تقريراً بقلم العلّامة الشيخ جعفر السبحاني ، ج ٢ ، ص ١٦٥.

(٢) تدوين القرآن ، ص ٤٢.

(٣) همان ، ص ٤٣.

٧٦

١٥. قال السّيد البروجردي الطباطبائي :

قال الشيخ لطف الله الصافي عن أستاذه آية الله السيّد حسين البروجردي (فإنّه أفاد في بعض أبحاثه في الأصول كما كتبنا عنه : بطلان القول بالتحريف ، وقداسة القرآن عن وقوع الزيادة فيه ، وأنّ الضرورة قائمة على خلافه ، وضعف أخبار النقيصة غاية الضعف سنداً ودلالة.

وقال : وإنّ بعض هذه الروايات تشتمل على ما يخالف القطع والضرورة ، وما يخالف مصلحة النبوّة. وقال في آخر كلامه الشريف : ثمّ العجب كلّ العجب من قوم يزعمون أنّ الأخبار محفوظة في الألسن والكتب في مدّة تزيد على ألف وثلاثمئة سنة ، وأنّه لو حدث فيها نقص لظهر ، ومع ذلك يحتملون تطرّق النقيصة إلى القرآن المجيد. (١)

١٦. رأي السيّد محسن الحكيم الطباطبائي :

وبعد ، فإنّ رأي كبار المحقّقين وعقيدة علماء الفريقين ونوع المسلمين من صدر الإسلام إلى اليوم على أنّ القرآن بترتيب الآيات والسور والجمع كما هو المتداول بالأيدي ، لم يقل الكبار بتحريفه من قبل ، ولا من بعد. (٢)

١٧. رأي السيّد محمد هادي الميلاني :

الحمد لله وسلام على عبادة الذّين اصطفى. أقول بضرس قاطع : إنّ القرآن الكريم لم يقع فيه أيّ تحريف لا بزيادة ولا نقصان ، ولا بتغيير

__________________

(١) تدوين القرآن ، ص ٤٤.

(٢) المصدر نفسه ، ص ٤٤.

٧٧

بعض الألفاظ ، وإن وردت بعض الروايات في التحريف المقصود منها تغيير المعنى بآراء وتوجيهات وتأويلات باطلة ، لاتغيير الألفاظ والعبارات. وإذا اطلع أحد على رواية وظنّ بصدقها وقع في اشتباه وخطأء ، وإنّ الظنّ لا يغنى من الحقّ شيئاً. (١)

١٨. رأي السيّ محمد رضا الگلبايگاني :

وقال الشيخ لطف الله الصافي دام ظلّه : ولنعم ما أفاده العلاّمة الفقيه والمرجع الديني السيّد محمد رضا الگلبايگاني بعد التصريح بأنّ ما في الدفّتين هو القرآن المجيد ، ذلك الكتاب لا ريب فيه ، والمجموع المرتّب في عصر الرسالة بأمر الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ، بلا تحريف ولا تغيير ولا زيادة ولا نقصان ، وإقامة البرهان عليه : أنّ احتمال التغيير زيادة ونقيصة في القرآن كاحتمال تغيير المرسل به ، واحتمال كون القبلة غير الكعبة في غاية السقوط لا يقبله العقل ، وهو مستقلّ بامتناعه عادة.

١٩. رأي الشيخ لطف الله الصافي :

القرآن معجزة نبيّنا محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله وهو الكتاب الّذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، قد عجز الفصحاء عن الإتيان بمثله ، وبمثل سورة أو آية منه ، وحيّر عقول البلغاء ، وفطاحل الأدباء ... وقد مرّ عليه أربعة عشر قرناً ، ولم يقدر في طول هذه القرون أحد من البلغاء أن

__________________

(١) تدوين القرآن ، ص ٤٥.

٧٨

يأتي بمثله ، ولن يقدر على ذلك أحد في القرون الآتية والأعصار المستقبلة ، ويظهر كلّ يوم صدق ما أخبر الله تعالى به : ( فَإن لَمْ تَفْعَلوا ولَنْ تَفْعَلوا ... ) هذا القرآن ، وهو الروح الأمّة الإسلاميّة وحياتها ووجودها وقوامها ، ولولا القرآن لما كان لنا كيان. هذا القرآن هو كلّ ما بين الدفّتين ليس فيه شيء من كلام البشر ، وكلّ سورة من سوره وكلّ آية من آياته ، متواتر مقطوع به ولا ريب فيه. دلّت عليه الضرورة والعقل والنقل القطعي المتواتر. هذا هو القرآن عند الشيعة الإمامية ، ليس إلى القول فيه بالنقيصة فضلاً عن الزيادة سبيل ، ولا يرتاب في ذلك إلاّ الجاهل ، أو المبتلى بالشذوذ الفكري.

وغيرهم من العلماء كالسيّد بن طاووس المتوفّى سنة ٦٦٤ هـ ق. والعلاّمة الحلّي المتوفّى سنة ٧٢٦ هـ ق. والشيخ محمد بن الحسن الحرّ العاملي صاحب الكتاب القيّم (وسائل الشيعة) المتوفّى ١١٠٤ هـ. ق ، والعالم المحقّق زين الدّين البياضي صاحب كتاب الصّراط المستقيم ، والقاضي الشهيد سيّد نورالله التستري ، والمقّدس البغدادي ، وكاشف الغطاء ، والشيخ محمّد جواد البلاغي ، والسيّد مهدي الطباطبائي المعروف ببحر العلوم ، وآية الله كوه كمري ، وملاّ فتح الله الكاشاني صاحب تفسير منهج الصادقين ، والميرزا حسن الآشتياني في كتابه بحر الفوائد ، والشيخ المامقاني في كتابه تنقيح المقال ، والشيخ محمد النهاوندي في تفسيره المسمّى بنفحات الرحمن ، والسيّد علي نقي الهندي في تفسيره المسمّى بتفسير القرآن ، والسيّد محمد مهدي الشيرازي

٧٩

، والسيّد شهاب الدّين المرعشي النجفي وغيرهم. (١)

هذا رأي العلماء الشيعة الذين يمثّلون الشيعة في كلّ عصر ، فهم الخبراء بمذهب التشيّع لأهل البيت عليهم‌السلام ، الّذين يميّزون ما هو جزء منه وما هو خارج عنه ، فهؤلاء الفقهاء الّذين هم كبار المجتهدين في كلّ عصر يعتبر قولهم رأي الشيعة وعقيدتهم عقيدة الشيعة.

مضافاً إلى أنّ العلماء وفقهاء الشيعة ردوداً على القول بالتحريف ، نذكر خلاصة ردودهم الّتي لخّصها الأستاذ الشيخ علي الكوراني في كتابه بما يلي :

ردود علماء الشيعة على التحريف

١. أنّ واقع الشيعة في العالم يكذب التهمة

فالشيعة ليسوا طائفة قليلة تعيش في قرية نائية أو مجتمع مقفل ، حتىّ يخفى قرآنهم الّذي يعتقدون به ويقرأونه ، بل هم ملايين النّاس وعشرات الملايين ، يعيشون في أكثر بلاد العالم الإسلامي ، وهذه بلادهم وبيوتهم ومساجدهم وحسينياتهم ومدارسهم وحوزاتهم العلمية ، لا تجد فيها إلاّ نسخة هذا القرآن ... ولو كانوا لا يعتقدون به ويعتقدون بغيره دونه أو معه ، فلماذا يقرأونه في بيوتهم ومراكزهم ومناسباتهم ولا يقرأون غيره؟ ولماذا يدرسونه ولا يدرسون غيره؟!

__________________

(١) أكذوبة تحريف القرآن ، ١٠٨ ـ ٩٧.

٨٠