اسطورة التحريف

محمود الشريفي

اسطورة التحريف

المؤلف:

محمود الشريفي


الموضوع : العقائد والكلام
الطبعة: ١
الصفحات: ١٦٠

الرواة ، والأصل : هي سبعة آلاف عدداً تقريبياً ينطبق مع الواقع نوعاً مّا.

ويؤيّده أنّ صاحب الوافي ـ المولى محسن الفيض ـ نقل الحديث عن الكافي بلفظ « سبعة آلاف آية » من غير ترديد ، الأمر الّذي يدلّ على أنّ النسخة الأصليّة من الكافي اّلتي كانت عنده كانت بهذا اللفظ ، ولم يحتمل غيره.

قال الشعراني في تعليقه على الوافي : كانت النسخة الّتي شرحها المجلسي في مرآة العقول « سبعة عشر ألفاً » وكأنّها من فعل بعض النسّاخ استقلّ عدد السبعة فأضاف إليه عشراً ، غير أنّ السبعة آلاف هي القريبة من الواقع الموجود بأيدينا ، وظاهر الحديث أنّه ليس بصدد إحصاء عدد الآيات ، بل ذلك من باب إطلاق العدد التامّ المتناسب مع الواقع بعد حذف الكسور أوتتميمها كما هي العادة والمتعارف في الاستعمال ، من باب التسامح ، بعد عدم تعلّق الغرض بذكر الكسر الناقص أو الزائد. (١)

فتبيّن أنّ هذه الروايات على كثرتها أيضاً لا تدلّ على مراد المحدّث النوري.

ثالثاً : إنّ هذه الروايات مع كثرتها ونقل بعضها من طرق الخاصّة ونقل أكثرها من طريق السنّة وفي كتبهم المعتبرة أيضاً إلاّ أنّهم لم يستندوا إليهما ، ولم يعتقدوا بالتحريف ، بل حملوه على وجوه مختلفة أو

__________________

(١) صيانة القرآن من التحريف ، ص ٢٦٤.

١٢١

ردّوه ، فهذه الروايات على فرض دلالتها معرض عنها ، يجب طرحها ؛ لإعراض الأصحاب ومخالفتها للكتاب.

ولتكميل الجواب أرى أن ألحق اختصاراً أجوبة بعض المحقّقين الّذين أجابوا عن الدليلين بصورة أكثر تفصيلاً ، قال الأستاذ العلّامة السيد جعفر مرتضى العاملي في ردّ الدليل الحادي عشر : وهو أيضاً فاسد ؛ لأنّها روايات ظاهرة التأويل ، لأنّ المراد بها تحريف المعنى لا اللفظ ، وقد تقدّم بعض ما يرتبط بذلك ، كما أنّ بعض الأحاديث النادرة الأخرى إنّما رواها الغلاة والضعفاء والمنحرفون عن مدرسة أهل البيت عليهم‌السلام ، وهي مخالفة للضرورة القطعيّة ، فلا يلتفت إليها ، ولا يعتدّ بها ، وتقدّم أنّ بعضها يقصد به ذكر التأويل والتفسير المنزل ، وليس ذلك من القرآن في شيء.

وقال في ردّ الدليل الثاني عشر : إنّ أكثرها يدخل في الأقسام الّتي في البحوث السابقة أو ترجع إلى التفسير وشأن النزول أو التأويل ، كما أنّ التكرار فيها كثير وظاهر.

ثمّ قال : أضف إلى ذلك : أنّ أكثر من ٣٢٠ رواية منها تنتهي إلى السيّاري ، الفاسد المذهب والمنحرف والغالي ، الملعون على لسان الصادق عليه‌السلام ، والمطعون فيه من قبل جميع الرجاليّين.

وأكثر من ٦٠٠ من مجموع الألف عبارة عن مكرّرات ، والفرق بينها ، إمّا من جهة نقلها من كتاب آخر مع وحدة السند أو من طريق آخر ... وغير هذين القسمين ، فإنّ أكثر من مائة حديث منها عبارة

١٢٢

عن قراءات مختلفة ، أكثرها عن الطبرسي في مجمع البيان .. كما أنّ أكثرها مشتركة نقلها بين السنّة والشيعة ، ولا سيمّا بملاحظة : أنّ الطبرسي يروي عن رجال أهل السنّة : كقتادة ومجاهد وعكرمة وكثير غيرهم. وما يبقى فإنّما هو روايات قليلة جدّاً لا تستحق الذكر والالتفات.

وقسم آخر منقول عن آخرين ممّن يوصف بالضعف أو بالانحراف كيونس بن ظبيان ، الذي ضعّفه النجاشي ، ووصفه ابن الغضائري بأنّه : (غالٍ ، كذّاب ، وضّاع للحديث)

ومثل منخل بن جميل الكوفي ، الّذي يقولون فيه : إنّه غال ، منحرف ، ضعيف فاسد الرواية.

ومثل محمد بن حسن بن جمهور ، الّذي هو غال ، فاسد المذهب ، ضعيف الحديث ...

وأمثل هؤلاء ، لا يصحّ الاعتماد على رواياتهم في أبسط المسائل الفرعيّة ، فكيف بما يروونه في هذه المسألة ، الّتي هي من أعظم المسائل ، وأشدّها خطراً ، وعليها يتوقّف أمر الإيمان ومصير الإسلام. (١)

وقال الأستاذ الشيخ محمد هادي المعرفة : ولعلّ أهمّ مستند القائلين بالتحريف هو مجموعة روايات كانت مبعثرة هنا وهناك حسبوهنّ دلائل على تحريف الكتاب ، إمّا دلالة بالعموم ، أو خاصّةً على موضع التحريف بالخصوص ـ فيما زعموا ـ وقد جعل النوري من النوع الأوّل

__________________

(١) حقائق هامّة حول القرآن الكريم ، ص ٣٩٧.

١٢٣

دليله الحادي عشر ، والنوع الثاني دليله الثاني عشر! جمعهنّ من مصادر شتّى لا شأن لأكثريتها ولا اعتبار ، والبقيّة القليلة لامساس لها بمسألة التحريف.

قلت : ما شأن كثرة الكتب إذا كانت مجرّد حبر على ورق من دون اعتبار! ثمّ شرع في دراسة وتقييم الكتب الّتي نقل عنها تلك الروايات ، وأثبت أنّها كتب لا اعتبار لها ولا إسناد.

ثمّ قال الأستاذ : وإليك الآن عرضاً موجزاً عن أهمّ الروايات الّتي استند إليها المحدّث النوري بكلا نوعيها : الدالّة ـ فيما زعم ـ على التحريف عموماً ، أو الناصّة على مواضع التحريف بالخصوص.

ما جمعه المحدّث النوري من روايات بشأن مسألة التحريف تربو على الألف ومائة حديث : (١١٢٢) بالضبط ، سواء ما زعمه ذا دلالة عامّة وهي (٦١) أم ناصّاً على موضع التحريف بالخصوص وهي : (١٠٦١).

لكن أكثريتها الساحقة إنّما نقلها من أصول لا إسناد لها ولا اعتبار ممّا عرضناه آنفاً من كتب ورسائل إمّا مجهولة أو مبتورة أو هي موضوعة لا أساس لها رأساً.

فإذا ما أسقطناه المنقول من هذه الكتب وهي تربو على الثمانمائة (٨١٥) ، يبقى الباقي ما يقرب من ثلاثمائة حديث (٣٠٧) ، وكثرة من هذا العدد ترجع إلى اختلاف القراءة ، ولا سيمّا المنقول عن الطبرسي في (مجمع البيان) وهي : ١٠٧ موارد.

١٢٤

مثلاً ينقل عنه في سورة العاديات : إنّ عليّاً عليه‌السلام قرأ : « فوسّطن » بتشديد السين ...

إلى أمثال ذلك من قراءات منقولة عن الأئمّة نقلاً بالآحاد لا بالتواتر ، فلا حجيّة فيها أوّلاً ، ولا مساس لها بمسألة التحريف حسبما زعمه النوري ثانياً.

بقيت مائتا حديث تقريباً منقولة عن كتب معتبرة ، ذكرها المحدّث النوري في « فصل الخطاب » دليلاً على وقوع التحريف في الكتاب

لكن هذه الروايات وردت في شؤون شتّى وفي مسائل مختلفة ، زعمهنّ مشتركات في جامع الدلالة على التحريف.

وهي على سبعة أنواع :

النوع الأوّل :

روايات تفسيريّة ، إمّا توضيحاً للآية أو بيان شأن النزول أو تأويل الآية أو تعيين أجلى مصداق من مصاديقها المنطبق عليه الآية بعمومها ، وقد كان من عادة السلف أن يجعلوا من الشرح مزجاً مع الأصل ، تبييناً وتوضيحاً لمواضع الإبهام من الآية ، من غير أن يلتبس الأمر ، اللّهم إلّا على اُولئك الّذين غشيهم غطاء التعامي!!

وهذا النوع يشمل الأقسط الأوفر من هذه الأحاديث. وإليك جملة منها :

١ ـ روى ثقة الإسلام الكليني بإسناد رفعه إلى الإمام

١٢٥

أميرالمؤمنين عليه‌السلام انّه قرأ : (وَاِذا تَوَلّى سَعى في الأرضِ لِيُفسِدَ فيها ويُهلِكَ الحِرْثَ والنَّسْلَ) (١) وعقّبها بقول : « بظلمة وسوء سريرته » بياناً لكيفيّة الإهلاك ، وأنّه ليس بإشعال النار أو وضع السيوف فى رقاب الناس ، بل بارتكاب الظلم وسوء نيّته في التدبير.

النوع الثاني :

ما تقدّمت الإشارة إليه من قراءات منسوبة إلى بعض الأئمّة عن طريق الآحاد ، وربّما كانت تخالف قراءة الجمهور ، ومتوافقة أحياناً مع بعض القراءات الشاذّة في مصطلحهم ، وقد أسلفنا أن لا جحيّة فيها أوّلاً ؛ لأنّ القرآن إنّما يثبت بالتواتر لا بالآحاد ، وثانياً لم يكن الاختلاف في نصّ الوحي ، لأنّ القرآن شيء والقراءات شيء آخر ، قال الإمام الصادق عليه‌السلام : القرآن نزل على حرف واحد من عند الواحد ، وفي رواية أخرى : ولكن الاختلاف يجيء من قبل الرواة وهم القرّاء يزعمون النّص فيما يرون. وطريقهم الآحاد فلا يثبت بقراءتهم قرآن ...

النوع الثالث :

أحاديث جاء فيها لفظ « التحريف » ، فزعمه أهل القصور تحريفاً مصطلحاً في حين أنّه تحريف بالمعنى وتفسير على غير الوجه ، والروايات من هذا القبيل كثيرة ... لكن تقدّم : أنّ التحريف في اللغة

__________________

(١) البقره : ٢٠٥.

١٢٦

وفي مصطلح الشرع (في الكتاب والسنّة) يراد به التحريف المعنوي ، أي التفسير بغير الوجه المعبّر عنه بالتأويل الباطل.

وتقدّم الحديث عن الإمام الباقر عليه‌السلام في رسالاته إلى سعد الخير : وكان من نبذهم الكتاب أن أقاموا حروفه وحرّفوا حدوده ...

النوع الرابع :

روايات زعموا دلالتها على سقط آية أو جملة أو كلمة ، وقد عالجها أئمّة نقد الحديث بأنّها كانت زيادات تفسيريّة وشروح وما إلى ذلك ، لا من لفظ النصّ لكن تعلّق بها أهل القول بالتحريف عبثاً ...

النوع الخامس :

روايات استندوا إليها ، لكن ليس فيها ما يصلح لهذا الاستناد ، نذكر منها :

روي عن الإمام الصادق عليه‌السلام قال : كان أبي إذا صلّى الوتر قرأ في ثلاثتهنّ : بـ (قُلْ هوَ اللهُ أَحدٌ) ، فإذا فرغ منها قال : (كذلك الله ربي) وسأل ابن المهتدى الإمام الرضا عليه‌السلام عن سورة التوحيد فقال : كلّ من قرأ (قُلْ هوَ اللهُ أَحدٌ) وآمن بها فقد عرف التوحيد ، فقلت : كيف يقرأها؟ قال : كما يقرأ الناس ، وزاد فيه كذلك الله ربّي ، كذلك الله ربّي).

__________________

(١) هذا النوع الروايات شبيه بالنوع الأوّل ، والجواب أيضاً هو الجواب ، فلا وجه لأن يجعله نوعاً مستقلاً.

١٢٧

قال النوري : وفي الخبر إيماء إلى كون الذيل من القرآن ... استفادة غريبة!!.

النوع السادس :

روايات وردت بشأن فساطيط تضرب بظهر الكوفة أيّام ظهور الحجّة المنتظر ـ عجل الله فرجه الشريف ـ لتعليم الناس قراءة القرآن وفق ما جمعه الإمام أميرالمؤمنين عليه‌السلام فأصعب ما يكون على من حفظه اليوم ، لأنّه خلاف الترتيب المعهود ، وقد حاول فرق المحدّث النوري الاحتجاج بها ، دليلاً على مخالفته في سائر الجوانب أيضاً ، لكنّها على عكس مقصودهم أدلّ كما نبّهنا.

فقد روى الشيخ المفيد بإسناده عن جابر الجعفي ، عن الإمام أبي جعفر الباقر عليه‌السلام قال : إذا قام قائم آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ضرب فساطيط لمن يعلّم الناس القرآن ، على أنزل الله. فأصعب ما يكون على من حفظه اليوم ، لأنّه يخالف فيه التأليف.

والأحاديث بهذا النمط غير قليل ، وهي إن دلّت فإنّما تدلّ على اختلافٍ ما بين مصحفه عليه‌السلام والمصحف الحاضر ، أمّا إنّ هذا الاختلاف يعود في نصّه أم فى نظمه أم في أمر آخر ، فهذا ممّا لا تصريح به في تلك الأحاديث ، سوى الحديث الأوّل الّذي نوّهنا عنه ، فإنّه صريح في وجه الاختلاف ، وأنّه ليس في سوى النظم والتأليف لا شيء سواه ، فهو خير شاهد على تبيين وجه الاختلاف المنوّه عنه في سائر الروايات ، وهذا

١٢٨

في مصطلح الأصوليّين من الحكومة الكاشفة لمواضع الإبهام في سائر كلام المتكلّم الحكيم.

على أنّ نفس الاختلاف في نظم الكلام يكفي لوحده سبباً لصعوبة التلاوة ولصعوبة فهم المراد من الكلام ....

وممّا يدلّ على أنّ القرآن الذي يأتي به صاحب الأمر ليست فيه زيادة على هذا الموجود ما رواه العياشي بإسناده عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : ولو قد قائم قائمنا فنطق صدّقه القرآن. (١)

النوع السابع :

ما ورد بشأن قضائل أهل البيت عليهم‌السلام المخبوءة طيّ آيات الذكر الحكيم ، أن لو قرئت كما هي على ما أنزلها الله لوجدتها ذوات دلائل واضحة وبيّنات لائحة ، تدلك على شرفهم ورفيع منزلتهم عندالله عزّوجلّ.

ولكن واضح أنّه ليس المقصود زيادة في لفظه أو حذف شيء منه ، كما توهّمه أهل التحريف؛ إذ لو كان المراد ذلك لكان على خلاف إجماع الطائفة إطلاقاً ، وكان مطروحاً البتّة ، إذ لم يقل أحد بالزيادة في القرآن حتّى الأخباريّين. وقد اعترف المحدّث النوري نفسه بهذا الإجماع. (٢)

__________________

(١) تفسير العيّاشي ، ج ١ ، ص ١٣ ، ح ٦.

(٢) صيانة القرآن من التحريف ، ٢٢١ إلى ٢٨٢ ملخّصاً.

١٢٩
١٣٠

خاتمة

في تنبيهات

١٣١
١٣٢

وفي الختام يجب علينا أن نشير إلى عدّة تنبيهات :

التنبيه الأوّل

في الكتب المعتبرة عند الشيعة

ليس عند الشيعة غير كتاب الله كتاب كان كلّ ما فيه صحيحاً ، بل القرآن وحده كتاب يكون كلّ ما فيه صحيحاً؛ لأنّه نزل من عند الله العزيز الحكيم ، وأمّا الكتب الّتي نقل فيها أحاديث الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله وأحاديث الأئمّة المعصومين فيمكن أن تكون فيها روايات غير صحيحة ، ومن جملة هذه الكتب كتاب (الكافي) للكليني رحمه‌الله ، فصرف نقل رواية في أيّ باب كان لا تدلّ على رأي الإماميّة ، بل ولاتدلّ على رأي الكليني أيضاً.

قال العلامة السيّد مرتضى العسكري أعلى الله مقامه في كلامه في

١٣٣

السبيل إلى توحيد كلمة المسلمين :

فلا ينبغي لنا أن نجعل إنساناً من علماء الحديث كرسول الله معصوماً عن الخطاء والزلل والنسيان ، ولا نجعل كتاباً من كتب الحديث نظير كتاب الله معصوماً عن السهو والنسيان والزلل ، فإنّ كتاب الله هو وحده الّذي لا يأتيه الباطل ، وأنّ القرآن الكريم هو وحده الصحيح من أوّله إلى آخره والمصون عن الزيادة والنقصان؛ وبناءً على ذلك يجب أن نجري البحث العلمي النزيه لمعرفة سند الحديث ومتنه! أيّ حديث كان وأيّ كتاب كان. هذا هو السبيل إلى توحيد كلمة المسلمين. (١)

قال المحقّق السيّد عليّ الحسيني الميلاني :

وأمّا كتاب (الكافي) فهو أهمّ كتب الشيعة الإثنى عشرية وأجلّها وأعظمها في الأصول والفروع والمعارف الإسلاميّة ، وإليه يرجع الفقيه في استنباطه للأحكام الشرعيّة ، وعليه يعتمد المحدّث في نقله للأخبار والأحاديث الدينيّة ، ومنه يأخذ الواعظ في ترهيبه وترغيبه.

إلّا أنّه قد تقرّر لدى علماء الطائفة ـ حتى جماعة من كبار الأخباريّين ـ لزوم النظر في سند كلّ خبر يراد الأخذ به في الأصول أو الفروع؛ إذ ليست أخبار الكتب الأربعة ـ وأوّلها الكافي ـ مقطوعة الصدور عن المعصومين ، بل في أسانيدها رجال ضعّفهم علماء الفنّ ولم يثقلوا برواياتهم.

ومن هنا قسّموا أخبار الكتب إلى الأقسام المعروفة ، واتّفقوا على

__________________

(١) معالم المدرستين ، ج ٢ ، ص ٣٨٢

١٣٤

اعتبار ( صحيح ) ، وذهب أكثرهم إلى حجّية ( الموثّق ) ، وتوقّف بعضهم في العمل بـ ( الحسن ). وأجمعوا على وجود الأخبار ( الضعيفة ) في الكتب الأربعة المعروفة. (١)

فلا يصحّ انتساب القول بالتحريف إلى من نقل بعض الروايات التي يمكن أن يستدلّ بها على التحريف ، فانتساب القول بالتحريف إلى ثقة الإسلام الكليني لنقل بعض تلك الروايات في كتاب الكافي في غير محلّه. فليراجع لمزيد الاطّلاع على كتاب التحقيق في نفي التحريف صفحة رقم ١٢٨.

قال الأستاذ الشيخ علي الكوراني العاملي في هذا الموضوع :

يختلف معنى المصادر المعتمدة في الحديث والتفسير والتاريخ والفقه عندنا عن معناه عند إخواننا السنّة ، فروايات مصادرنا المعتمدة وفتاواها جميعاً قابلة للبحث العلمي والاجتهاد عندنا .. ولكلّ رواية في هذه المصادر أو رأي أو فتوى شخصيتها العلميّة المستقلّة ، ولابدّ أن تخضع للبحث العلمي.

أمّا إخواننا السنّيون فيرون أنّ مصادرهم المعتمدة فوق البحث العلمي ، فصحيح البخاري عندهم كتاب معصوم ، كلّه صحيح من الجلد إلى الجلد ، بل أصحّ كتاب بعد كتاب الله تعالى ، ورواياته قطعة واحدة ، فإمّا أن تأخذها وتؤمن بها كلّها أو تتركها كلّها. وبمجرّد أن تحكم بضعف رواية واحدة من البخاري فإنّك ضعّفته كلّه ، وخرجت عن

__________________

(١) التحقيق في نفي التحريف ، ص ١٢٧.

١٣٥

كونك سنّياً .. وصرت مخالفاً للبخاري ، ولأهل السنّة والجماعة!

وينتج عن هذا الفرق أنّ الباحث الشيعي يمكن أن يبحث جدّياً في رواية من كتاب الكافي ، ويتوصّل إلى التوقف في سندها ، أو إلى الاعتقاد بضعف سندها ، فلا يفتي بها ، ولا يضرّ ذلك في إيمانه وتشيّعه ... بينما السنّي محروم من ذلك ، وإن فعل صدرت فيه فتاوى الخروج عن المذاهب الأربعة ، وقد يتّهم بالرفض ومعاداة الصحابة!

وينتج عنه أنّ الباحث إذا وجد رواية في تحريف القرآن في البخاري فإنّ من حقه أن يلزم السنّي بأنّ الاعتقاد بتحريف القرآن جزء من مذهبه! بينما إذا وجد رواية مثلها في الكافي لا يستطيع أن يلزم الشيعي بأنّها جزء من مذهبه حتّى يسأله : هل تعتقد بصحّتها أم لا؟ أو هل يعتقد مرجع تقليدك بصحّتها أم لا؟ فإن أجابه نعم ، ألزمه بها ، وإلّا فلا. (١)

وقال الأستاذ الشيخ محمد جواد مغنية رحمة الله عليه : (٢)

اُلفت نظر من يحتجّ على الشيعة ببعض الأحاديث الموجودة في كتب بعض علمائهم. اُلفت نظره إلى أنّ الشيعة تعتقد أنّ كتب الحديث الموجودة في مكتباتهم ـ ومنها الكافي والاستبصار والتهذيب ومن لا يحضره الفقيه ـ فيها الصحيح والضعيف ، وأنّ كتب الفقه التي ألفها علماؤهم فيها الخطأ والصواب ، فليس عند الشيعة كتاب يؤمنون بأنّ

__________________

(١) تدوين القرآن ، ص ٢٩.

(٢) كان من كبار علماء الشيعة الإمامية بلبنان.

١٣٦

كلّ ما فيه حقّ وصواب ـ من أوّله إلى آخره ـ غير القرآن الكريم ، فالأحاديث الموجودة في كتب الشيعة لا تكون حجّة على مذهبهم ، ولا على أيّ شيعيّ بصفته المذهبية الشيعيّة ، وإنّما يكون الحديث حجّة على الشيعي الّذي ثبت عنده الحديث بصفته الشخصيّة ، وهذه نتيجة طبيعيّة لفتح باب الإجتهاد لكلّ من له الأهليّة ، فإنّ الاجتهاد يكون في صحّة السند وضعفه ، كما يكون في استخراج الحكم من آية أو رواية.

ولا اُغالي إذا قلت : إنّ الاعتقاد بوجود الكذب والدسّ بين الأحاديث ضرورة من ضرورات دين الإسلام ، من غير فرق بين مذهب ومذهب ، حيث اتّفقت على ذلك كلمة جميع المذاهب الإسلاميّة. (١)

التنبيه الثاني

في إنّه لا قائل بالتحريف من الإماميّة

إنّا نعتقد أنّه ما وجد ولا يوجد إمامي بل مسلم يكون معتقداً بتحريف القرآن؛ لأنّ هذا الاعتقاد مخالف لصريح بعض آيات القرآن الكريم ، بل يكون متناقضاً مع اعتقادات المسلم والمؤمن برسالة النبيّ الخاتم صلى‌الله‌عليه‌وآله.

__________________

(١) صيانة القرآن من التحريف ، ص ٨٥.

١٣٧

كتاب فصل الخطاب وموقف الميرزا حسين النوري

نعم نقل من محمد بن أحمد بن أيّوب بن شنبوذ(١) والميرزا حسين النوري أنّهما كانا يعتقدان التحريف ثمّ رجع محمد بن أيّوب من هذا الاعتقاد وتاب منه كما قال ابن النّديم في كتاب الفهرست. (٢)

وأمّا ميرزا حسين النوري صاحب كتاب مستدرك الوسائل وفصل الخطاب يمكن أن يقول إنّه لم يكن معتقداً بالتحريف؛ وإن كان يستفاد من كتابه فصل الخطاب أنّه كان معتقداً بالتحريف؛ لأنّا كثيراً ما نشاهد العلماء والفقهاء يبحثون في مجلس الدرس وفي كتبهم الإستدلاليّة في موضوع ويتأكَّدون على رأيٍ في مسألة في مقام البحث ولكن إذا صاروا في مقام الإفتاء وكتابة رسالة عمليّة وإظهار اعتقادهم الذي يعتقدون به يفتون على خلاف ما ثبت عندهم في مقام البحث والتحقيق والتدريس ، وأنا أظنّ قويّاً أنّ المحدّث النوري أيضاً لم يكن معتقداً بالتحريف؛ لأنّه أوّلاً كان يهتمّ بالقرآن اهتماماً شديداً ، فلهذا ألّف كتاباً مستقلاً في موضوع حفظ القرآن كما صرّح به الشيخ آقا بزرگ الطهراني. (٣)

وجمع أحاديث كثيرةً في فضل القرآن و ... في كتابه مستدرك الوسائل يبلغ أرقامها إلى ثلاثة وثلاثين وخمسمائة في خمس

__________________

(١) المتوفّي سنة ٣٢٨ هـ.

(٢) الفنّ الثالث من مقالة الأولى.

(٣) مستدرك الوسائل ، ج ١ ، ص ٥٥.

١٣٨

وأربعين باباً. (١)

وثانياً : يظهر من كلام المحقّق المتتبعّ الشيخ آقا بزرگ الطهراني أنّه لم يكن معتقداً بالتحريف وإليك كلامه ، قال :

مرام شيخنا النوري في تأليفه لفصل الخطاب وذلك حسبما شافهنا به وسمعناه من لسانه في أواخر أيّامه فإنّه كان يقول : أخطأت في تسمية الكتاب ، وكان الأجدر أن يسمّى بـ (فصل الخطاب في عدم تحريف الكتاب) لأنّي أثبت فيه أنّ كتاب الإسلام (القرآن الشريف) الموجود بين الدفّتين المنتشر في بقاع العالم وحي إلهي بجميع سوره وآيته وجمله لم يطرأ عليه تغيير أو تبديل ولا زيادة ولا نقصان من لدن جمعه حتّى اليوم ، وقد وصل إلينا المجموع الأولي بالتواتر القطعي ، ولا شكّ لأحد من الإماميّة فيه ، فبعد ذا أمن الإنصاف أن يقاس الموصوف بهذه الأوصاف بالعهدين أو الأناجيل المعلومة أحوالها لدى كلّ خبير ، كما إنّي أهملت التصريح بمرامي في مواضع متعدّدة من الكتاب حتّى لا تسدّد نحوي سهام العتاب والملامة ، بل صرحت غفلة بخلافه ، وإنّما اكتفيت بالتلميح إلى مرامي في ص ٢٢ إذ المهمّ حصول اليقين بعدم وجود بقيّة للمجموع بين الدفّتين كما نقلنا هذا العنوان عن الشيخ المفيد في ص ٢٦ واليقين بعدم البقيّة موقوف على دفع الاحتمالات العقلائيّة الستّة المستلزم بقاء أحدها في الذهن لارتفاع اليقين بعدم البقيّة. وقد أوكلت

__________________

(١) مستدرك الوسائل ، ج ٤ ، ص ٢٣١.

١٣٩

المحاكمة في بقاء أحد الاحتمالات أو انتفائه إلى من يمعن النظر فيما أدرجته في الكتاب من القرائن والمؤيّدات ، فإن انقدح في ذهنه احتمال البقيّة فلا يدّعي جزفاً القطع واليقين بعدمها ، وإن لم ينقدح فهو على يقين و (ليس وراء عباجان قرية) كما يقول المثل السائر ، ولا يترتّب على حصول هذا اليقين ولا عدمه حكم شرعي ، فلا اعتراض لإحدى الطائفتين على الأخرى. (١)

ولو سلّمنا أن المحدّث النوري بذل جهده لإثبات أنّ في القرآن تحريفاً نقول : إنّ مقصوده كان إثبات أنّ فضائل أهل البيت وأسماءهم كانت في القرآن ولكن أسقطوها المخالفون ، فسعى أن يثبت هذا المعنى من طريق غير صحيح ، وهو طريق إثبات التحريف للقرآن المنزل.

قال أستاذنا الشيخ محمد هادي المعرفة : (والّذي دعاه إلى ذلك ما زعمه من إسقاط المخالفين فضائل أهل البيت عليهم‌السلام ومثالب أعدائهم من القرآن. كتبه جواباً عمّا سأله بعض علماء الهند يومذاك عن سبب خلّو القرآن من أسماء الأئمّة المعصومين عليهم‌السلام.

قال النوري : ـ في الفصل التاسع ، الّذي وضعه لبيان وجود أسماء العترة ومواليدهم في كتب العهدين ـ : كيف يحتمل المنصف أن يهمل الله تعالى ذكر أسامي أوصياء خاتم النبيّين وابنته الصدّيقة عليه‌السلام في كتاب المهيمن على جميع كتب السالفين ، ولا يعرّفهم

__________________

(١) مستدرك الوسائل ، ج ١ ، ص ٥٠ ، هامشه.

١٤٠