مشارق الأحكام

المولى عبد الصاحب محمد النراقي

مشارق الأحكام

المؤلف:

المولى عبد الصاحب محمد النراقي


المحقق: السيد حسين الوحدتي الشبيري
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤتمر المولى مهدي النراقي
المطبعة: سلمان الفارسي
الطبعة: ٢
الصفحات: ٥٢٨

جزء ، فيقال : إنّه باع أو وهب أو وقف ، فإنّ البيع مثلا ليس إلّا نقل الملك ، وهو يحصل بالنسبة إلى كلّ جزء ، وإلّا لم يحصل له به الانتقال. وأمّا الثاني ، فلأنّ ما يتصوّر كونه مانعا ، انضمام غير المملوك إليه ، وهو لا يصلح للمنع ، فإنّ ما يستظهر به للمنع لا يكاد أن يتمّ وهو وجوه :

منها : أنّ دلالة العقد على الجزء دلالة تبعية ، وهي فرع بقاء المتبوع ، أعني الكلّ وحيث انتفى ينتفي التابع.

ومنها : أنّ العقود تابعة للقصود ، والقصد تعلّق بالعقد على المجموع دون الجزء.

ومنها : أنّ التراضي الذي هو شرط الصحّة حصل على المجموع ، وهو لا يستلزم حصوله في الجزء.

ومنها : أنّ الجزء لم يقع عليه المعاملة ، فلا يوصف بها.

ومنها : أنّ اللفظة الواحدة ، أعني العقد لا يمكن تبعيضها ، فإمّا يغلب الصحيح على الفاسد ، أو بالعكس ، والثاني أولى ، لأنّ تصحيح العقد في الفاسد ممتنع ، وإبطاله في الصحيح غير ممتنع.

ومنها : أنّ أسماء العقود موضوعة للمعاني الشرعية ، وهي توظيفية لا نعلم دخول المركّب من الصحيح والفاسد فيها ، فيجب الاقتصار في تحققها على ما علم كونه منها شرعا.

ويرد على الأوّل : إنّ التبعية في الدلالة اللفظية لا يستلزم التبعية في تعلّق الحكم ، كما إذا قال : أكرم عشرة ، أو صم شهرا ، فالدلالة على كلّ واحد تبعية ، والحكم الثابت منها له أصلي ، لا ينتفي عنه بانتفاء الكلّ ، إلّا لدلالة خارجة دلّت على قصد الارتباط ، ومثله ما إذا قال : اكنس الدار ، وتعذّر كنس بيت منها ، فلا يتأمّل في الباقي ، ويصحّ أن يقال : بعت داري ، وإن باع كلّ جزء منها ببيع مستقلّ ، مع أنّ من

٨١

الفرض ما كان الدلالة اللفظية على الأبعاض مطابقة ، كما إذا قال : بعت أو وهبت أو وقفت هذا وهذا.

وعلى الثاني : أنّ المراد إن كان عدم تعلق القصد بالجزء مطلقا ، ففساده ظاهر ، وإن كان عدم تعلّقه به أصالة ، بل على الوجه الجزئية والارتباط ، فهو غير معلوم ، لا من اللفظ ، كما عرفت ، بل هو أوفق لعدمه نظرا إلى صدق نسبة اسم المعاملة كالبيع والصلح وغيرهما حينئذ إلى الأجزاء ، ولا من غيره ، لفرض عدم القرينة.

ولا يتوهم أنّ إيقاع العقد كالبيع مثلا على المجموع صفقة ، مقتضاه إنشاء نقل واحد متعلق بالمجموع بما هو مجموع بحيث يعد في العرف بيعا واحدا فاللفظ يدلّ على قصد إنشاء بيع المجموع بالأصالة ، ويجب حل قصد المتكلم على ما يقتضيه اللفظ ، فيبنى على قصد البائع إنشاء النقل كذلك ، ولازمه قصد الجزئية في أجزاء البيع.

لاندفاعه بتسليم كون اللفظ دالّا على إنشاء واحد متعلق بالمجموع ، وأنّه يعدّ في العرف بيعا واحدا ، ولكن إنشاء نقل الكلّ وبيعه يتحلل إلى إنشاءات وبيوع متعددة ، بالنسبة إلى أجزاء البيع ، ووحدته وحدة نوعية بالنسبة إليها ، لا تأبى عن صدقه على كلّ فرد ، وتعلّق حكم هذا الواحد النوعي بآحاد الأفراد ، تعلّقا أصليا استقلاليا ارتباطيا تبعيّا ، لا وحدة شخصية ، من قبيل المركب الشخصي بالنسبة إلى أجزائه ، فهو كسائر الصفات أو الأفعال التي يصحّ نسبتها إلى كلّ جزء من أجزاء متعلّقاتها ، كالغصب مثلا ، فإنّ من غصب دارا ولو بغصب واحد ، يصحّ نسبة الغصب إلى كلّ بيت منها ، ويقال : إنّه مغصوب ، ويترتّب عليه آثار الغصب وأحكامه ، أصالة واستقلالا ، لا ارتباطا بسائر البيوت ، بحيث إذا خرج بعضها عن الغصبية خرج الكلّ ، ونحوه الطهارة والنجاسة والتطهير والتنجيس وغيرها.

٨٢

نعم ، وحدة اللفظ الدال على الإنشاء شخصية لا تصدّق على أبعاضه ، وأين هو من المدلول بالنسبة إلى مصاديقه.

ومن هذا يظهر إمكان التجزئة في أحكام إنشاء واحد ، فيما علم فيه فساد البعض ، وإن كان اللفظ الدال على إنشاء الكلّ واحدا غير قابل للتجزئة.

فإن قلت : قصد إنشاء الكلّ كيف يتصور مع فرض العلم بفساد البعض.

قلت : قصد الإنشاء لا يستلزم العلم بالصحة الشرعية وترتّب الأثر ، ولا ينافي العلم بعدمه ، كما في إنشاء الفضولي الذي يجب أن يقع على البتّ والجزم دون التعليق ، وإلّا كان باطلا اتفاقا ، مع احتمال عدم إجازة المالك ، وبالجملة الإنشاء فعل العاقد ، وليس هو إلّا إيقاع اللفظ بالقصد والالتفات إلى معناه على وجه السببية ، والانتقال أمر شرعي ، ولا يلزمه العلم بحصوله غاية الأمر علمه حينئذ بكونه عبثا.

وعلى الثالث : أنّ ما يناط به العقد هو الرضا بما تعلّق به الإنشاء الذي دلّ عليه لفظ العقد ، وقد سمعت أنّه تعلّق بكلّ بعض على وجه الاستقلال ، تعلّق حكم الكلّي وأمّا الرضا الخارج عن ذلك ، فهو من الدواعي ، لا يؤثر في بطلان العقد ، مع أنّ وقوع التراضي على المجموع من حيث هو مطلق. ممنوع ، فقد يعلم من مساومة المعاملة أو شاهد الحال أو اعتراف العاقد خلافه.

وعلى الرابع : ما عرفت مفصّلا ، وكفاك شاهدا ما تكرّر ذكره من صحّة توصيف كلّ جزء باسم المعاملة ونسبتها إليه ، كمن باع قطيعة غنم يصدق على كلّ غنم أنّه باعه واشتراه المبتاع.

وعلى الخامس : أنّ وحدة اللفظ لا يستلزم وحدة المدلول ، ووحدانية السبب لا يستلزم وحدانية الأثر ، كما مضى ، فوجود المانع عن تأثيره في بعض المسبّبات لا يمنع عن تأثيره في غيره.

٨٣

وعلى السادس : بأنّه مبنيّ على ثبوت الحقيقة في أسماء العقود ثمّ كونها موضوعة للمعاني الصحيحة ، والأوّل غير معلوم ، والثاني خلاف التحقيق.

ثم مما ذكرنا يتضح حكم ما إذا كان فساد بعض المعقود عليه لا لعدم الملك ، بل لجهة أخرى في نفسه ، كما لو باع مع ماله ما لا يملكه المسلم كالخمر ، أو مطلقا كالحرّ ، وما لا يصحّ بيعه كالمنفعة ، أو في متعلقه كما لو وقف على حرّ ومملوك أو حيّ وميّت ، فإنّه يحكم في جميع ذلك بالصحة في البعض الصحيح ، دون الفاسد ، ممّا صدق اسم المعاملة بمعناه الأعمّ على الجملة ، وإلّا فيتّجه فساد الكلّ لعدم تناوله حينئذ مقتضى الصحّة من الأدلّة.

٨٤

[ المشرق الرابع ]

[ في شروط ضمن العقد ]

مشرق : في البحث عن شروط ضمن العقد وفيها مطالب :

المطلب الأوّل : في بيان معنى الشرط.

اعلم أنّ للشرط في العرف إطلاقين :

أحدهما : ما ينتفي المشروط بانتفائه ، وتوقف عليه وجود المشروط ، سواء استلزم وجوده الوجود أيضا كما هو مفاد القضية الشرطية ، أم لا ، كما هو مصطلح أصحاب الأصول.

وثانيهما : ما يلزم ويلتزم به ، كما هو معناه المعروف من اللغة ، قال في القاموس : الشرط إلزام الشي‌ء والتزامه في البيع ونحوه ، والمراد به في المقام ـ على ما نصّ به جمع من المحققين ـ هو المعنى الثاني ، فإنّه المناسب لاستدلالهم عليه بمثل :« المؤمنون عند شروطهم » (١) ولأنّ الأوّل يوجب التعليق في العقد ، بخلاف الثاني ، وإن قلنا فيه بتوقّف لزوم العقد على الوفاء بالشرط ، وثبوت الخيار للمشروط له مع عدمه ، كما في المشهور ، إلّا أنّه غير التعليق في نفس العقد ، فلا محذور فيه ، وأمّا

__________________

(١) وسائل الشيعة ٢١ : ٢٧٦ ، الباب ٢٠ من أبواب المهور ، الرواية ٢٧٠٨١.

٨٥

التعليق في نفسه ، كما يرد على الفرض ، فهو مبطل له بلا خلاف في أكثر فروضه ، وتفصيله أنّ التعليق إن كان بصفة متوقعة ، وإن كانت متيقّن الحصول ، كمجي‌ء رأس شهر ، فالظاهر من كلامهم الاتفاق على بطلانه ، وإن أنكر الدليل عليه في المسالك (١) والكفاية (٢) ، وإن كان على أمر واقع ، كقوله : بعت إن كان اليوم الجمعة ، ففيه الخلاف ، وفي الكفاية (٣) وبعض آخر صحّته إذا كان عالما بوقوعه ، والحقّ أنّه مبطل أيضا مطلقا ، كما صرح به بعضهم.

بيانه : أن هنا أمورا ثلاثة ، مقتضى النظر اشتراط الجميع في صحة العقود.

أحدها : استقلال العقد في سببية الأثر المترتب عليه من حين وقوعه ، ووجهه ـ بعد الأصل المقتضي للاقتصار على معلوم الصحّة ، والإجماع عليه ، محققا (٤) ومنقولا (٥) ـ كونه مفاد الأدلة الدالّة على سببيته للآثار ، ولازم ذلك بطلان تعليقه على أمر متوقع بعد حين ، وإن كان معلوم الوقوع ، لأنّه خروج عن مقتضى السببية المستفادة من تلك الأدلّة ، ولا ينافيه قولهم بأنّ الشرط بمعنى الالتزام بما سيوجد المتفق على صحّته في حكم جزء العقد ، لأنّ الجزء هو الالتزام والإلزام ، وهو أمر واقع حين العقد ، وإن كان متعلقه أمرا خارجا عنه ، بل ينقدح من ذلك ـ مضافا إلى الأمرين الآتيين ـ عدم صحّة التعليق على أمر واقع أيضا ، لاستلزامه إدخال ما ليس من العقد في السببية ، في غير ما دلّ على صحته دليل ، كالتدبير والنذر ونحوهما.

__________________

(١) مسالك الأفهام ٥ : ٢٣٩.

(٢) كفاية الأحكام : ٨٨.

(٣) نفس المصدر.

(٤) المبسوط ٢ : ٣٩٩ ؛ الخلاف ٢ : كتاب الوكالة ، المسألة ٢٣ : تحرير الأحكام : ٢٣٢ ؛ تذكرة الفقهاء ٢ : ١١٤.

(٥) مسالك الأفهام ٥ : ٢٣٩ ؛ المكاسب للشيخ الأنصاري : ٩٩.

٨٦

وثانيها : قصد إنشاء أثر العقد ، كإنشاء النقل في البيع ، والتزويج في عقد النكاح ، وغيرهما ، لكونه جزء السبب المؤثّر إجماعا ، ولازم ذلك اشتراط البتّ والقطع في العقد ، والترديد يضاد الإنشاء القطعي ، فلا يصحّ التعليق على أمر واقع غير معلوم الوقوع ، لمنافاته الإنشاء البتّي ، وبه صرّح جماعة كثيرة من أساطين الفقه ، مضافا إلى كونه معقد الإجماع.

وثالثها : دلالة لفظ العقد على هذا الإنشاء القطعيّ ، لغة وعرفا ، ولا يكفي مجرد القصد الخالي عن اللفظ الدال عليه ، ضرورة وجوب مطابقة صورة اللفظ للمعنى المقصود ولازم ذلك عدم صحّة التعليق على أمر واقع وإن كان معلوم الوقوع للعاقد لأنّ مدلول اللفظ على ما يتبادر منه عرفا ولغة (١) ، الترديد وعدم القطع في الإنشاء.

المطلب الثاني : في بيان مشروعية الشرط الواقع في ضمن العقد وصحته ، بمعنى استحقاقه المشروط له ، ولزوم الوفاء به على المشروط عليه إلّا ما استثنى.

والأصل فيه ـ بعد الإجماع عليه ، المتظافر نقله (٢) في الجملة [ الأخبار ] المعتبرة المستفيضة.

منها الصحيح (٣) : « من اشترط شرطا مخالفا لكتاب الله عزوجل ، فلا يجوز له ، ولا يجوز على الذي اشترط عليه والمسلمون عند شروطهم فيما وافق كتاب الله عزوجل ».

ونحوه الصحيح الآخر (٤) : « المسلمون عند شروطهم إلّا كل شرط خالف كتاب

__________________

(١) في بعض النسخ : ولغة فلا يكفي إلّا بعد القطع بل مفاده الترديد.

(٢) جامع المقاصد ٤ : ٤٣١ : كفاية الأحكام : كتاب البيع ، الفصل الخامس في الشروط : عوائد الأيام : ١٢٥.

(٣) وسائل الشيعة ١٨ : ١٦ ، الباب ٦ من أبواب الخيار ، الرواية ٢٣٠٤٠.

(٤) نفس المصدر : الرواية ٢٣٠٤١.

٨٧

الله تعالى فلا يجوز ».

والحسن (١) عن الشرط في الإماء أن لا يباع ولا يوهب ، قال : « يجوز ذلك في غير الميراث ، فإنّها يورث ، وكل شرط خالف كتاب الله عزوجل فهو ردّ ».

ومرسل جميل (٢) : في رجل اشترى جارية وشرط لأهلها أن لا يبيع ولا يهب ولا يورث ، قال : « نعم ، ذلك لهم إلّا الميراث ».

ونحوه مرسل آخر منه (٣).

وموثق ابن عمار (٤) : أنّ عليا عليه‌السلام كان يقول : « من شرط لامرأته شرطا ، فليف لها به ، فإنّ المسلمين عند شروطهم ، إلّا شرطا حرّم حلالا أو أحلّ حراما ».

وموثق منصور (٥) : المتضمن لوجوب الوفاء بشرط الرجل للمرأة على عدم طلاقها وعدم التزويج عليها ، معلّلا بأنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : « المسلمون عند شروطهم ».

وخبر عمّار (٦) : قلت : جاء رجل إلى امرأة ، فسألها أن يزوّجها نفسه ، فقالت : أتزوّجك على أن تلتمس منّي ما سألت من نظر أو التماس ، وتنال : منّي ما ينال الرجل من أهله ، إلّا أنّك لا تدخل فرجك في فرجي ، وتلذّذ بما شئت ، فإني أخاف الفضيحة ، قال : « لا بأس ، ليس له إلّا ما شرط ».

والمصرحة بأنّه لا يخرج الرجل امرأته من بلدها إذا شرط لها.

والدالّة على وجوب الوفاء بالوعد.

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٨ : ٢٦٧ ، الباب ١٥ من أبواب بيع الحيوان ، الرواية ٢٣٦٤٦.

(٢) نفس المصدر ٢١ : ٣٠٠ ، الباب ٤٠ من أبواب المهور ، الرواية ٢٧١٢٨.

(٣) نفس المصدر ١٨ : ١٧ ، الباب ٦ من أبواب الخيار ، الرواية ٢٣٠٤٤.

(٤) نفس المصدر ٢١ : ٣٠٠ ، الباب ٤٠ من أبواب المهور ، الرواية ٢٧١٢٩.

(٥) نفس المصدر ٢١ : ٧٣ ، الباب ٣٦ من أبواب المتعة ، الرواية ٢٦٥٦٥.

(٦) نفس المصدر ٢١ : ٢٩٥ ، الباب ٣٦ ، الرواية ٢٧١١٧.

٨٨

والمستفيضة (١) المصرّحة بأنّ رسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نصّ بأنّ من باع نخلا قد أبره ، فثمرته للّذي باع ، إلّا أن يشترط المبتاع.

إلى غير ذلك.

وجه دلالة تلك الأخبار من وجهين :

أحدهما : إنها تدلّ على مشروعية كل شرط على حسب ما اشترط ، ومنه المأخوذ في ضمن العقد ، لصدقه عليه ، وحيث إنّه مأخوذ فيه على وجه الاستحقاق ، وانعقد العقد عليه ، فحكمه حكم أحد العوضين ، لعدم رضى المشروط له بما يعطى عوضا عن متاعه إلّا مع هذا الشرط ، ووقع إنشاء العقد على كونه منه وجزءا لما هو بإزاء متاعه ، ولا فرق في ذلك بين ما إذا باع بدينارين ، أو بدينار وشرط عليه دينارا ، أو أن يفعل كذا. نعم ، يفترق عن الثمن والمثمن في أحكام أخر ، كجواز كونه منفعة في البيع دونهما ، واغتفار بعض الجهالات ، ونحو ذلك.

وبالجملة ، فلازم مشروعيته في ضمن العقد ـ على حسب ما اشترط ـ كونه لازما كنفس العوضين لعين ما دلّ على لزوم العقد بأجزائه ، كالأمر بالوفاء به ، وخصوص العموم الوارد في كلّ عقد.

ومن هذا يظهر ما في كلام بعض الأفاضل ، من كون الشرط بمنزلة الداعي ، وقسم من الملزمات مستقلّ برأسه ، وإن اعتبر في إلزامه وقوعه في ضمن عقد لازم ، والعجب منه استدلاله ـ مع ذلك ـ على وجوب ضبط المدّة ، بحيث لا يحتمل الزيادة والنقصان ، كقدوم الحاجّ في الخيار المشترط ، بأنّ للشرط قسطا من الثمن ، فيدخل فيما نهي عنه من الغرر.

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٨ : ٩٢ ، الباب ٣٢ من أبواب أحكام العقود ، الرواية ٢٣٢٢٣ و ٢٣٢٢٤.

٨٩

وثانيهما : إنها تدلّ على وجوب الوفاء بما التزم به المسلم ، إلّا ما استثنى ، للتبادر المعتضد بفهم العلماء في جميع الأعصار ، في أبواب الفقه ، من غير نكير ، ولكونها جملة خبرية مستعملة في الإنشاء بقرينة الاستثناء ، ولزوم الكذب لولاه ، وظاهرها الوجوب ، ولاستدلال الإمام عليه‌السلام على وجوب الوفاء ، بكون المسلمين عند شروطهم ، في جملة منها ، وتصريح بعضها بالوجوب ، كما في قوله عليه‌السلام في موثق عمار : « فليف به » ، فالاستشكال في دلالتها على الوجوب لا وجه له.

المطلب الثالث : في أنّ انعقاد الشرط يختصّ بالمذكور في متن العقد ، لا بما لا يقع في العقد أصلا ، أو المذكور في أحد طرفيه قبله أو بعده.

أمّا الأوّل : فلاختصاص دلالة الأخبار بالوجهين المذكورين به دون غيره.

أمّا بالوجه الأوّل : فلأن الاستحقاق له عليه من جهة جزئية العقد ، فلا يتناول الفاقد للعقد.

وأمّا بالثاني : فلأنّ مقتضاه مجرد وجوب الوفاء ، وهو حيث لا يتعلق بما في ضمن المعاملة لا يفيد غير مطلق التكليف والعصيان في الترك ، لا اشتغال الذمة بحقّ الغير ، على سبيل سائر الحقوق المالية التي يمكن استيفاؤها من ماله مع المخالفة ، وهذا غير المبحوث عنه في المقام ، بل الظاهر الاتفاق على أنّ وجوب الوفاء في باب الشرط من القسم الثاني ، مضافا إلى إمكان منع صدق الشرط على مجرّد القول الخالي عما يوجب اللزوم من سبب شرعي أو عرفي ، ولا أقلّ من الشكّ في صدقه القادح في الاستدلال بها على مطلق الوجوب أيضا ، بل القدر المتيقّن في الصدق كونه مقترنا بعقد ونحوه ، ومعه يحصل الاستحقاق للمشروط له ـ أيضا ـ بما مرّ من وقوع الالتزام على هذا الوجه. والظاهر أنّ هذا سرّ تخصيصهم الشرط بما في ضمن العقد ، دون الواقع في خارجه ، ومنه ينقدح وجه عدم لزوم الوفاء بالشرط الواقع في ضمن العقد الفاسد أو المنفسخ بالتقايل ؛ لانتفاء حكم الجزئية الموجب للزوم بانتفاء الكلّ.

٩٠

وأمّا الثاني : أي المذكور في أحد طرفي العقد ، فعدم لزومه ظاهر عبائر الأكثر ، من التعبير عنه بالمذكور في ضمن العقد ، وقد يصرح بما يذكر بين الإيجاب والقبول ، فلا يعتدّ بما ذكر قبله ، وإن بني العقد عليه أو بعده ، بل نفي عنه الخلاف ـ ظاهرا ـ بعض الأجلّة.

نعم ، يظهر من بعض من عاصرناه الاعتداد بما بنى عليه ، وإن لم يذكر في العقد ، ومن الشيخ في النهاية (١) الاكتفاء بما ذكر بعد العقد.

وكيف كان ، فوجه عدم الاعتداد به ما ذكرنا آنفا وسابقا ، من أنّ انعقاد الشرط ولزومه باعتبار جزئيته للعقد وتقريب دلالة الأخبار ، فلا يتناول الخارج عن العقد ، ووجه القول بشموله للبعد غير معلوم ، خصوصا مع الاختصاص دون القبل ، ولذا ربما يتكلّف في توجيهه بتنزيله بما بعد الإيجاب خاصّة ، وللقول بما قبل العقد بأنّه في حكم المذكور في العقد ، فلا يصحّ بدونه.

ويضعف بأن ما يحصل به الرضا بالعقد على وجهين :

أحدهما : ما هو مجرد الداعي ، بحيث لو لم يثق به لم يبادر بالعقد.

وثانيهما : ما تعلّق به إنشاء العقد ، مضافا إلى كونه داعيا.

وما يختلف به صحّة العقد وفساده هو الثاني لتعليق إنشاء العقد عليه ، من قبيل العوضين بخلاف الأوّل ، فإنّه ليس متعلق الإنشاء إيجابا وقبولا ، فلا تأثير له في العقد ، وتقدّم البناء عليه لا يوجب جزئيته له (٢) ، مع عدم دلالة لفظ العقد عليه بوجه ،

__________________

(١) النهاية ونكتها ٢ : ١٣٥.

(٢) ولا يتوهّم أنّ المراضاة والمساومة فيهما وقع على الشرط وإقدام المشروط له إنّما حصل لوعد الشرط وتقرير المشروط عليه فمع التخلّف يحصل الضرر ، وهو منفيّ في الشريعة ، فيجب عليه الوفاء به أو ثبوت الخيار للآخر. لاندفاعه بأنّ التقرير الموجب للضرر ، إنما يحصل عند اعتقاد المشروط له لزوم الوفاء على المشروط عليه وهو غير معلوم له ، فإقدامه على ما لا يؤمن ضرره حصل بتقصيره وهو غير منفيّ كما سننبّه عليه في بعض المشارق الآتية. منه ـ دام ظله.

٩١

غاية الأمر كونه قرينة لوقوع التراضي لغة بوفائه عليه ، ومجرد ذلك بدون المراضاة الإنشائية بينهما ، الحاصلة بنفس العقد ، غير كاف في التأثير على وجه الجزئية.

نعم ، لو أشعر به في العقد على وجه صحّ تعلّق إنشائه بما يتركب منه ، كان دخيلا في العقد ، ومجرد النيّة الخالية عما دلّ على إنشاء المنويّ في عقد المعاملة غير مفيد.

المطلب الرابع : في حكم الشرط إذا امتنع عنه المشروط عليه ، وفيه أقوال :

الأوّل : وجوب الوفاء به على المشروط عليه ، وإن امتنع أجبر عليه ، كسائر أجزاء العقد ، وليس لأحدهما الفسخ قبل تعذّر الشرط وفواته ، إلّا برضى الآخر ، والظاهر أنّه المشهور ، واختاره في السرائر (١) والغنية (٢) والمسالك (٣) والكفاية (٤) ، بل في الأوّلين الإجماع عليه.

الثاني : وجوب الوفاء ، وإن امتنع فللمشروط له التخيير بين الإجبار ولو بالرفع إلى الحاكم ، والفسخ.

الثالث : وجوبه ، وإن امتنع فللمشروط له الفسخ ، دون الإجبار ، نقل عن ظاهر الدروس (٥) بقوله : يجوز اشتراط سائغ في عقد البيع ، فيلزم الشرط من طرف المشروط عليه ، فإن أخلّ به ، فللمشترط الفسخ ؛ وهل يمكن إجباره عليه؟ فيه نظر. انتهى.

__________________

(١) السرائر ٢ : ٢٤٣.

(٢) غنية النزوع ١ : ٩٧.

(٣) مسالك الأفهام ٣ : ٢٧٤.

(٤) كفاية الأحكام : ٩٧.

(٥) الدروس الشرعية ٣ : ٢١٤.

٩٢

الرابع : عدم وجوب الوفاء على أحد منهما ، وإنما فائدة الشرط جعل العقد عرضة للزوال عند فقد الشرط ولزومه عند الإتيان به.

الخامس : التفصيل المنقول عن الشهيد وهو أنّ الشرط الواقع في العقد اللازم ، إن كان العقد كافيا في تحققه ، ولا يحتاج بعده إلى صيغة ، فهو لازم لا يجوز الإخلال به ، كشرط الوكالة في عقد الرهن ونحوه ، وإن احتاج بعده إلى أمر آخر ، كشرط العتق فليس بلازم ، بل يقلب العقد اللازم جائزا.

والأظهر الأوّل ، لتعلّق الحقّ عليه ، بل لوقوعه جزء العقد ، فحكمه حكم أحد العوضين ، فعلي المشروط عليه أداؤه لذي الحقّ ، وعلى المشروط له مطالبة حقه ، ولو بالإجبار عليه ورفع الأمر إلى الحاكم ، وثبوت الخيار مع كون العقد لازما يحتاج إلى دليل ينفيه الأصل ، ويحتاج إلى دليل ، مع كون الفرض لزوم العقد من أصله ، ويتضح من ذلك ضعف سائر الأقوال.

والاستدلال الأخير بأنّ اشتراط ما العقد كاف في تحققه ، كجزء من الإيجابين ، فهو تابع لهما في اللزوم والجواز ، واشتراط ما سيوجد أمر منفصل من العقد ، وقد علّق عليه العقد ، والمعلّق على الممكن ممكن ، مخدوش بمنع التعليق ، بل هو التزام في نفس العقد بأمر مقدور ، وإن كان الملتزم به منفصلا ، فله الإجبار عليه.

المطلب الخامس : في حكم ما إذا تعذر الشرط لفوات وقته ونحوه ، وإن لم يكن بتقصير من المشروط عليه ، كما اذا شرط تسليم العوض في يوم معين ، ولم يف به ، أو سكنى دار في مدّة معينة ، فانهدمت قبلها ، أو منفعة ملك آخر ، فانطمس بالسيل ونحو ذلك.

والمشهور تخيير المشروط له بين فسخ العقد وإمضائه ، بل عن جماعة الإجماع عليه ، بل بلا خلاف فيه يعرف ، وهذا الذي سمّوه في الخيارات بخيار الاشتراط ، وصرّحوا به في كثير من صور التدليس في النكاح ، كتزويج المرأة على أنّها بنت

٩٣

مهيرة (١) فبانت بنت سرية ، وعلى أنّها بكر فبانت ثيّبة ، وغير ذلك.

واستدلّوا عليه بأنّ الخيار مقتضى الشرط ، ولعلّ وجهه أنّ التراضي على سبيل اللزوم وقع على هذا الشرط ، فإذا انتفى كان له الرجوع إلى ماله.

ومنعه بأنّ الظاهر من العقد الرضا بالانتقال مع التزام الشرط ، وقد وقع الالتزام ، وأمّا تحققه فهو أمر خارجيّ لا دخل له بالعقد ، بل قد لا يلتفت في العقد على عدم تحققه ، وإن كان باعثا على العقد ، فهو من قبيل سائر دواعي العقد المتخلفة عنه ، مخدوش بأنّ تقييد العقد بالشرط ـ أي الإلزام ـ يدلّ ظاهرا على تعليق رضى المشروط له عليه.

وحيث إنّ مقصود المشروط له من الإلزام ليس مجرده ، بل إيجاد الملتزم به وحصوله ، فلفظ الشرط المقيد به العقد يدلّ بالدلالة العرفية الالتزامية على تعليق رضاه على تحقق الملتزم به ، ولما كان تعليق رضاه بنفس العقد على تحققه غير معلوم ، لحصول الغرض بالتعليق في مجرد اللزوم واستمرار العقد ، على أنّه لو لم يحصل كان له الفسخ ، فهو القدر المحقق من التعليق ، سيما بملاحظة أن التعليق في نفس العقد يوجب البطلان ، فلا موجب لحمل اللفظ على المعنى الفاسد ، مع عدم ما يقتضيه ، بل يتعين الحمل على تعليق اللزوم الذي لا يوجب البطلان ، ويعمل بمقتضاه ، لأدلّة جواز الشرط المقتضي لصحة لوازمه التي منها انتفاء اللزوم بانتفاء الملتزم به ، فإذن ، فالمعتمد ما عليه المعظم من ثبوت الخيار بتعذّر الشرط ، مضافا إلى أدلّة نفي الضرر المقتضي للخيار في غالب موارد الفرض ، كما استدلّوا بها على كثير من الخيارات.

__________________

(١) بنت مهيرة على فعيلة بمعنى مفعولة : بنت حرّة تنكح بمهر وإن كانت متعة على الأقوى ، بخلاف الأمة فإنّها قد توطأ بالملك.

٩٤

المطلب السادس : في بيان الشروط الفاسدة.

قد استثنيت من الشروط الجائزة شرائط ، اختلفت كلماتهم في تحريرها ، وجملة ما ذكروه خمسة : الشرط المنافي لمقتضى العقد ، والشرط المخالف للكتاب والسنة ، والشرط الذي أحلّ حراما أو حرّم حلالا ، والشرط المؤدّى إلى جهالة أحد العوضين ، والشرط الغير المقدور.

وربما يرجع بعضها إلى بعض ، فيقتصر به عن ذكره ، كما يقال : إن المخالف للكتاب والسنة ، يغني عن المؤدّى إلى الجهالة ، لكونه معاملة غررية منهيّ عنها في السنة ، وكما عن جماعة من تفسير المخالف لهما بما يخالف مقتضى العقد ، نظرا إلى مخالفته لما جعله الشارع مقتضاه.

ونحن نبيّن جليّة الحال في كلّ منها بعنوانه ، ونكشف حجاب الارتياب عما هو المعنى المقصود منه ، الذي وقع فيه الإشكال والخلاف بين الأصحاب. فنقول :

أمّا الأوّل : فالمراد به الشرط المنافي لمدلول العقد لذاته ، أي لما هو ماهيّته عرفا أو شرعا ، أو لماله مدخلية في صحّته شرعا ، أو لما يلزمه كذلك ، بحيث لا ينفكّ منه ، فإنّ جميع ذلك مناف لما هو مقتضى العقد بذاته الغير المتخلف عنه.

ووجه بطلانه ما سمعت من أنّ استحقاق الشرط ولزومه إنّما هو باعتبار وقوعه جزء العقد ، وهذا فرع بقاء العقد على مقتضاه الذي هو معنى صحّته وترتّب الأثر الموضوع له عليه ، فإذا كان الشرط مخالفا له ، كانت صحّة الشرط مقتضية لفساد العقد المقتضي لفساد الشرط ، فيلزم من صحته عدمها ، فيكون باطلا ، فعلى هذا لو شرط عدم تملك العوضين ، أو عدم تسليمه ، كان باطلا ، لأن العوض من أركان ماهيّة البيع ، فإذا انتفى ينتفي.

ومن أمثلته ما ذكروه من شرط عدم الانتفاع به أو كون المنفعة للبائع ، وربما

٩٥

يناقض ذلك بما اتفق على صحته من شرط المنفعة ، كسكنى الدار للبائع في مدّة معينة ، وشرط المرأة على زوجها أن لا يخرجها من بلدها ، كما هو المنصوص عليه ، مع أنّ مقتضى البيع ملك المنفعة مطلقا ، ومقتضى الزوجية تسلط الزوج على السكنى.

ومنه اشتراط سقوط خيار المجلس وخيار الحيوان ، مع أنّ عقد البيع يقتضيهما.

واختلفوا في بعض الشروط ، كشرط أن لا يبيع المبيع ، أو لا يعتقه ، أو لا يطأها ، فقد يذكرونها في أمثلة كون الشرط منافيا لمقتضى العقد ، لأن مقتضاه الملك وهو يقتضي جواز أنحاء المتصرفات ، فالملك الذي هو مقتضى العقد ينافي هذا الشرط.

واستشكله في التذكرة (١) في شرط عدم البيع وعدم العتق ، بل في جملة من الصحاح (٢) ـ بعد السؤال عن الشرط في الأمة لا يباع ولا يوهب ، فقال : يجوز ذلك غير الميراث ، فإنّها تورث ، لأنّ كلّ شرط خالف الكتاب باطل ـ كما في بعضها ـ ومردود ، كما في آخر.

وربما يذبّ عن هذه الإشكالات بوجوه قاصرة غير حاسمة لمادة الإشكال ، والذي يختلج ببالي في تحقيق المقام أن مقتضى العقد على قسمين :

أحدهما : ما كان داخلا في حقيقته وماهيته ، بحيث لا يتحقق العقد بدونه ، شرعا أو عرفا ، من غير توسط جعل آخر في ترتبه عليه ، كالعوضين للبيع والنقل بالمعاوضة.

وثانيهما : ما ليس داخلا في حقيقته ، ولكن رتّبه الشارع على مقتضاه بتوسط دليل غير دليل شرعية العقد ، بواسطة أو وسائط ، كالتسلط على المبيع الذي جعله

__________________

(١) تذكرة الفقهاء ١ : ٤٨٩.

(٢) وسائل الشيعة ١٨ : ١٦ ، الباب ٦ من أبواب الخيار ، الرواية ٢٣٠٤٢ ؛ و ٢٦٧ ، الباب ١٥ من أبواب بيع الحيوان ، الرواية ٢٣٦٤٦.

٩٦

الشارع أثر الملك الذي هو مقتضى البيع ، بقوله عليه‌السلام : « الناس مسلطون على أموالهم » ، ونحوه ، وخيار المجلس الذي رتبه على النقل الحاصل بالبيع ، وجواز الوطء المترتب على الزوجية الحاصلة من النكاح ، والتسلط على سكنى الزوجية المترتب عليها ، ونحو ذلك.

فما كان من الأوّل فلا شبهة ولا خلاف في بطلان المنافي له ، ووجهه ظاهر مما مرّ. وأمّا الثاني ، فاللازم فيه ملاحظة الدليل المقتضي لترتّبه على مقتضى العقد ، فإن علم بإجماع أو نحوه عدم انفكاكه وعدم تخلفه عنه مطلقا ، كحرمة أمّ الزوجة اللازم للزوجية ونحوها ، فالشرط المنافي له باطل أيضا ، لعين ما مرّ ، وإن علم تخلفه بسبب الشرط ، وإن لزمه عند الإطلاق ، كخيار المجلس وخيار الحيوان الذي دلّ الإجماع على تخلفه عنه بالشرط ، كما يتخلّف عنه بغيره أيضا ، كإسقاطه بعد العقد والتصرف ، فلا كلام فيه أيضا ، ويصحّ الشرط ، وإن لم يعلم شي‌ء منها ، سواء علم إمكان التخلّف بسبب غير الشرط لدليل دلّ عليه بخصوصه ، أو لم يعلم ذلك أيضا ، فهو على حسب نظر الفقيه ، فإن لم يثبت له دليل عامّ على سببية العقد لهذا الأمر ، واحتمل اختصاص اقتضاء العقد خلافه بالمجرد عن الشرط ، فيحكم بصحّة الشرط عملا بعموم أدلّة الوفاء به ، وإن ثبت له دليل كذلك ، فمقتضى النظر بطلان الشرط ، خصوصا مع اعتضاده بأصل الفساد ، مضافا إلى كون الشرط ـ حينئذ ـ مخالفا للسنة المقتضية للترتب والسببية ، ولا يلاحظ فيها التعارض مع أدلّة الشرط ، لاختصاص الأخيرة بما لا ينافي مقتضى العقد ، حسب ما مرّ ، وعلى الفقيه تدقيق النظر في كلّ مجال ، لكي لا يشتبه عليه حقيقة الحال.

وبهذا يرتفع الإشكال عن الأمثلة التي ذكروها ، من عدم جواز شرط عدم انتفاع المشتري بالمبيع ، وجوازه في زمان معين ، وعدم جواز شرط عدم الوطء في

٩٧

النكاح الدائم ، وجوازه في المتعة ، وجواز أن لا يخرج الزوجة عن بلدها ، وأمثال ذلك ، لكون الإجماع هو الفارق بينهما.

ويشبه أن يكون مبنى الإجماع ما يقتضيه الاعتبار ، من أنّ غرض الشارع من البيع حصول الملك ، والغرض منه الانتفاع به ولو في الجملة ، فشرط عدمه مطلقا ينافي الغرض من وضعه ، ومنه النهي عن بيع الغرر ، ممّا يعدّ سفها ، بخلاف شرط في زمان معيّن ، وبه يوجه المنع فيما ذكروا من اشتراط أن لا يبيعه ولا يعتق ولا يطأها واستشكله في التذكرة ، وورد جوازه في الإماء ، وكذا الغرض من وضع النكاح الدائم التوالد والتناسل ، فشرط عدم الوطء ينافيه ، بخلاف المتعة ، فإنّ المقصود من وضعها مطلق التمتع ، وهو يحصل بغير الوطء أيضا ، ولذا لا يجوز شرط عدم التمتع مطلقا فيها.

فإن قلت : قوله عليه‌السلام : « الناس مسلطون على أموالهم » (١) ، يدلّ على جواز جميع التصرفات في جميع الأحوال في الملك الذي هو مقتضى البيع ، فلا يصحّ شرط عدم التسلط ولو على بعضها ، كعدم العتق أو سكنى الدار في زمان معين ، وهو خلاف ما ذكروه.

قلت : صحة الإلزام والالتزام بالشرط في ترك بعض التصرفات من مقتضى عموم : « الناس مسلطون على أموالهم » ـ أيضا ـ ولسبقه يقدم ، كمن أوجب على نفسه بنذر أو شبهه أن يبيع أو لا يبيع ملكه ، مع أنّ دلالة الإطلاق المذكور على جواز جميع أنحاء التصرفات في جميع الأحوال غير ظاهرة ، ولذا لا يستدلّ به على جواز الوطء في دبر الأمة ، في مقابل أدلّة المنع (٢) وكيف كان فلس المقصود في

__________________

(١) عوالي اللآلي ١ : ٤٥٧ ، الحديث ١١٨ ؛ بحار الأنوار ٣ : ٢٧٢ ، الحديث ٧.

(٢) وأيضا مدلول خيار الشرط وارد ومزيل لمدلول قاعدة التسليط على الملك ، فإنّ الثاني في مقام بيان الحكم الأصليّ ، والأوّل في بيان تشريع السبب المزيل لبعض السلطنة ، من قبيل ما ورد من حرمة الأكل من ماله في التخمة في مقابل القاعدة المذكوره وسننبّه على تفصيل ذلك في بعض المشارق الآتية منه ـ دام ظلّه.

٩٨

المقام خصوص الموارد ، بل تعيين المناط فيما ليس له دليل خاصّ ، وهو ما بيّنا.

وأمّا الثاني : أي الشرط المخالف للكتاب والسنة ، فلا خلاف في عدم الاعتداد به ، ـ أيضا ـ واستفاضت عليه النصوص :

منها ، مضافا إلى كثير مما تقدم رواية ابن فضّال (١) ، في امرأة نكحها رجل ، فأصدقته المرأة ، واشترطت عليه أن بيدها الجماع والطلاق ، قال : « خالف السنة ، وولّى الحقّ من ليس أهله ، وقضى أنّ على الرجل الصداق ، وأنّ بيده الجماع والطلاق ، وتلك السنة ».

وقريب منها رواية محمد بن قيس (٢) ، ومرسلة مروان بن مسلم (٣) ، عن الصادق عليه‌السلام قال : قلت له : ما تقول في رجل جعل أمر امرأته بيدها؟ قال : فقال : « ولّى الأمر من ليس أهله ، وخالف السنة ، ولم يجز النكاح ».

وفي الصحيح (٤) : قضى عليّ عليه‌السلام في رجل تزوّج امرأة ، فإن جاء بصداقها إلى أجل مسمّى فهي امرأته ، وإن لم يجي‌ء بالصداق فليس له عليها سبيل ، شرطوا بينهم حيث أنكحوا ، فقضى أنّ بيد الرجل بضع امرأته ، وأحبط شرطهم.

وغير ذلك من مستفيضة الأخبار ، فلا شبهة في عدم جواز هذا الشرط ، وإنّما الكلام فيما يراد منه ، فإنّه لا يكاد يسلم ظاهره عن مناقشة ومناقضة بأمثلة اتفاقية ،

__________________

(١) وسائل الشيعة ٢٢ : ٩٨ ، الباب ٤٢ من أبواب مقدمات الطلاق ، الرواية ٢٨١٢٢.

(٢) نفس المصدر ٢٢ : ٩٣ ، الباب ٤١ من مقدمات الطلاق وشرائطه ، الرواية ٢٨١٠٧.

(٣) نفس المصدر ٢١ : ٢٦٥ ، الباب ٤٠ من أبواب المهور ، الرواية ٢٧٠٥٢.

(٤) المصدر السابق مع اختلاف في العبارة ، فراجع.

٩٩

فإنّه إن أريد بمخالفته مخالفة لزومه ، فالشروط السائغة كلّها غير لازمة ، قبل الشرط بمقتضى الكتاب والسنة ، ولزمت من جهة الأمر بالوفاء بعد الشرط ، فلا معنى لاستثنائها ، وإن أريد مخالفة متعلق الشرط ، لما ثبت من الكتاب والسنة ، سواء كان ثبوته منهما بأصل الشرع ، كما قيل ، كشرط استرقاء الحرّ ، واستباحة بضع محرّم وشرب الخمر وترك التزويج والتسري ونحوها ، أو بتوسّط العقد ، كشرط عدم انتفاع المشتري من المبيع ، وعدم انتقاله بالإرث ، وكون الطلاق بيد الزوجة ، وأمثالها ، فينتقض بشروط أخرى جائزة ، إجماعا ونصّا ، كشرط سقوط خيار الحيوان والمجلس ، وثبوت الخيار والمنفعة للبائع إلى زمان معلوم ، وعتق المبيع ، وعدم إخراج الزوجة عن بلدها ، وغير ذلك مما لا يحصى ، فلا يتحصّل مناط التفرقة بذلك بين الشرط الجائز وغير الجائز ، ولم يتّضح الفرق بين تعيين المدّة وعدمه في شرط المنفعة.

وقد تصدّى جمع من المحقّقين دفعا لهذه الإشكالات ، وضبطا لمناط الفرق بينهما لتوجيه الحديث وتنزيله إلى محامل بعيدة ، وهي ـ مع بعدها ـ غير حاسمة لمادّة الإشكال.

فمنهم من جعل الضابط في الشرط الجائز ما لا يخالف مقتضى السنة بأصل الشرع ، لا بتوسّط العقد ، استشهادا له باتفاقهم على صحة شرائط يخالف مقتضى السنة بتوسّط العقد ، كشرط عدم الانتفاع مدّة معينة ، وشرط سقوط خيار المجلس ، ونحوهما.

وهو منتقض بصحة شرط عدم الانتفاع من مال آخر له غير المبيع مدّة معلومة ، وعدم تزويج امرأة معينة ، ونحوهما المتفق على صحته مما لا يحصى.

وقال آخر : الفارق بين الجائز وغير الجائز ورود النصّ بخصوصه على جواز

١٠٠