مشارق الأحكام

المولى عبد الصاحب محمد النراقي

مشارق الأحكام

المؤلف:

المولى عبد الصاحب محمد النراقي


المحقق: السيد حسين الوحدتي الشبيري
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤتمر المولى مهدي النراقي
المطبعة: سلمان الفارسي
الطبعة: ٢
الصفحات: ٥٢٨

أحدهما بدينار في الطريق. قال : فأتيت النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالدينار والشاة فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « بارك الله لك في صفقة يمينك » وتجويز كون الشراء لنفسه والدينار مأخوذا على وجه القرض اتكالا على الفحوى كما في الإقباض ، أو كون عبارة التوكيل ما يفيد الوكالة العامّة ولم ينقل إلينا مع أنّ الفحوى مجزية في الوكالة مردود ، بظهور كون الشراء بالوكالة سيما بملاحظة تفريع شرائه على توكيل النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

ولو لا الاستناد بأمثال هذا الظهور لانسدّ باب الاستدلال بظواهر الكتاب والسنّة ، إذ لا يمكن استقصاء الاحتمال ، وبه يظهر ما في الثاني أيضا ، فإنّ الظاهر كون المحكي تمام ما وقع بين النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعروة ، مع أنّا لو أغمضنا عنه في البيع الأوّل أو الاكتفاء بالفحوى في التوكيل فالبيع الثاني لا يحتمله ، والعلم بالرضا لا يخرجه عن الفضولي على ما هو المعروف بين الأصحاب ، وإن استشكله بعضهم. نعم ، يكتفى به في جواز الإقباض ، وأما قبض عروة الدينار فهو من جهة استنمائه المشتري.

وربما يناقش بظهور وقوع تلك المعاملة على جهة المعاطاة ، والمناط فيها مجرّد المراضاة ووصول كل من العوضين إلى صاحب الآخر بإقباض المالك أو غيره ولو كان صبيّا أو حيوانا. وإذا جعل التقابض بين فضوليين أو فضوليّ وغيره مقرونا برضى المالكين ، ثم دخل كل من العوضين الى صاحب الآخر ، كفي في صحّة التصرف ، وليس هذا من معاملة الفضولي ، لأنّ الفضولي صار آلة في الإيصال ، والعبرة برضى المالك المقرون به.

وفيه أنّ وصول العوض إلى صاحب الآخر جزء السبب الناقل في المعاطاة ، كما اعترف به المناقش قبل حصول العوض إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مع المعاطاة ، لم يتحقّق بيع (١) ، وهو ينافي قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « بارك الله لك في صفقة يمينك » الظاهر في حصوله قبل

__________________

(١) في العبارة إبهام كما لا يخفى.

٦١

الوصول ، وعدم كون عروة مجرّد آلة الإيصال ، بخلافه على البناء على الفضولي ، سيما على القول بكون الإجازة كاشفة فيه ، كما هو الحق المشهور.

ثمّ هذا الدليل يختصّ بالبيع ، إلّا أن يعمّم بالفحوى ، سيما مع ما تقدّم من الروضة من عدم القائل بالفرق بينه وبين سائر العقود مؤيّدا بما دلّ عليه النصوص والفتاوى في النكاح.

ويدلّ على البيع أيضا ظاهر الموثق أو الصحيح في قضاء أمير المؤمنين عليه‌السلام في وليدة باعها ابن سيّدها ، خلافا للمحكيّ عن الشيخ في المبسوط (١) والخلاف (٢) والحلّي (٣) والحلبي (٤) وابن زهرة (٥) وفخر الإسلام (٦) ومولانا الأردبيلي (٧) والحرّ العاملي (٨) وصاحب الحدائق (٩) ووالدي العلّامة (١٠) وغيرهم للأصل والإجماع المنقول عن الخلاف (١١) والغنية ، وقبح التصرف في ملك الغير ، واشتراط القدرة على التسليم في البيع المنتفية هنا ، والظواهر الناهية عن بيع ما ليس عنده وعن ما لا يملك.

__________________

(١) المبسوط ٢ : ١٥٠.

(٢) الخلاف ٢ : ١٦٨.

(٣) السرائر ٢ : ٢٧٤.

(٤) الكافي في الفقه : ٣٥٤.

(٥) غنية النزوع ١ : ٢٠٧ و ٢٠٨.

(٦) إيضاح الفوائد ١ : ٤١٦.

(٧) مجمع الفائدة والبرهان ٨ : ١٥٨.

(٨) حيث ذكر في عنوان الباب الأوّل من أبواب عقد البيع وشروطه : « اشتراط كون المبيع مملوكا أو مأذونا في بيعه وعدم جواز بيع ما لا يملكه ».

(٩) الحدائق الناضرة ١٨ : ٣٧٧.

(١٠) مستند الشيعة ٢ : ٣٦٦.

(١١) الخلاف ٢ : ١٦٨.

٦٢

وخصوص صحيح صفار ، كتب إلى أبي الحسن عليه‌السلام رجل باع قرية فيها قطاع أرضين ، فهل يصلح للمشتري ذلك وقد أقرّ له بكلّها؟ فوقّع عليه‌السلام : « لا يجوز بيع ما ليس عندك وقد وجب الشراء على ما يملك ».

وصحيح محمد بن القاسم : « سألت أبا الحسن الأوّل عليه‌السلام : رجل اشترى من امرأة من آل فلان بعض قطائعهم ، وكتب عليها كتابا بأنّها قد قبضت المال ولم يقبض فيعطيها المال أم يمنعها؟ قال : قل له ليمنعها (١) أشدّ المنع ، فإنها باعت ما لم تملكه (٢) » (٣). والمستفيضة الناهية عن شراء السرقة والخيانة.

وحيث ثبت بتلك الأدلّة فساد الفضوليّ في البيع ، ثبت في غيره بالإجماع المركب.

ويضعّف الأوّل بما مرّ.

والثاني بندرة القائل ، بل انحصاره في الناقل ، وقليل ممّن تأخّر عنه ، بل الشيخ نفسه على خلافه في النهاية (٤) ، كجماعة ممن تقدم عليه من عظماء الطائفة كالمفيد (٥) والإسكافي (٦) وغيرهما.

والثالث بمنع كون مجرّد الصيغة المعلّقة على إذن المالك تصرفا في ملك الغير ، مع أنّ التحريم ، حيث لم يتعلّق بنفس المعاملة من حيث هي ، كما في الفرض غير مقتضى للفساد على الحقّ.

__________________

(١) يمنعها ( خ ).

(٢) ما لا يملك ( خ ).

(٣) وسائل الشيعة ١٧ : ١٣٤ ، الباب ١ من أبواب عقد البيع وشرائطه ، الرواية ٢٢٦٩٣.

(٤) النهاية في مجرّد الفقه والفتاوى : ٣٨٥.

(٥) المقنعة : ٥٩١.

(٦) مجموعة فتاوى ابن الجنيد : ١٧٠.

٦٣

والرابع بوجود القدرة على التسليم بالقوّة القريبة بتحصيل الإجازة فيما إذا علم إمكانه ، وهي كافية ، كبيع الطائر المعتاد عوده ، ويتمّ بعدم القول بالفصل ، مع أنّ القدرة إنّما يشترط في البائع الذي بيده السلطنة والإقباض ، لا في من يجري العقد ، وإلّا لزم بطلان عقد الوكيل المجمع على صحّته ، وعليه ينزّل النهي عن بيع ما ليس عنده.

ويجاب به عن الخامس ، فيحمل على بيع ما قطعت عنه يد مالكه ، أو على عدم كونه ملكا لمن له البيع ، سواء كان عينا شخصيا أو كليا غير مقدور التحصيل عادة ، كما هو ظاهر أكثر ما اشتمل على تلك العبارة ، كالصحيح المتقدم ، وبالجملة المشروط له بحكم التبادر وملاحظة مظانّ الأخبار وسياقها هو من له السلطنة والإقباض ، لا من يصدر عنه لفظ العقد ، فلا يشمل الفضولي المتوقف على إجازة المالك.

وبه يضعف السادس أيضا لقوّة ظهوره في اشتراط الملك لمن له البيع ، لا للعاقد عنه ، بل لا يبعد اختصاص بعضه كقوله عليه‌السلام : « ولا بيع إلّا فيما يملك » (١) في بيع مثل الخمر والخنزير ، مع احتمال بعضه نفي اللزوم ، لا مجرد استعداد الصحة.

ومنه يظهر ضعف دلالة الصحيحين والنهي عن شراء السرقة ونحوها عن إفادة المنع في محلّ الفرض ، فإنّها ظاهرة في منع بيع مال الغير لنفسه ، مع أن الممنوع في صحيح محمد دفع المال قبل الإجازة ، ولا كلام فيه.

تتميمات :

الأوّل : قد اختلفوا في أنّ الإجازة على صحتها ، هل هي كاشفة عن الانتقال من حين العقد ، أو ناقلة من حينها.

__________________

(١) كنز العمال ٩ : ٦٤١ ، الحديث ٢٧٧٧٩ ؛ مستدرك الوسائل ١٣ : ٢٣٠ ، الباب ١ من أبواب عقد البيع وشرائطه ، الرواية ١٥٢٠٩ و ١٥٢١٠.

٦٤

المحكيّ عن الأكثر الأوّل ، لأنها رضى بمقتضى العقد الذي قصده الفضولي ، وهو النقل من حينه لا حينها ، فلو كان النقل يحصل بالإجازة لما كانت إمضاء لمقتضى العقد.

وحاصله : أنّ حكم الإجازة اللاحقة حكم التوكيل السابق ، والسبب الناقل هو ما تعلّقت به الإجازة ، أعني العقد ، كما في التوكيل ، فالانتقال يحصل من حينه لا من حينها ، ويكشف بالإجازة كون العقد تام الشرائط مؤثرا حين ما وقع ، فيكون كاشفة عن وقوع النقل لا ناقلة.

واعترض عليه بتوقّف التأثير عليها ، فهي جزء السبب الناقل ، وأنّه لو لا الرضا جزئه لزم العلم بالصحّة بدون الرضا.

أقول : الاستدلال والاعتراض كلاهما محل نظر ؛ لإمكان المناقشة في الأوّل بأنّ كون الإجازة رضي بمقتضى العقد لا ينافي كونها جزء علّة للانتقال وحصول الأثر من حينها ، فلا يمنع عن كونها ناقلة ، كما أنّ القبول رضي بمقتضى الإيجاب ، مع أنّه جزء السبب.

والحاصل أنّ مقتضى العقد إنشاء النقل ، وهو لا يستلزم حصول الانتقال شرعا ، لجواز اشتراطه في التأثير بشرط متوقّع ، فإذا وقع يترتّب عليه الأثر ، كما في قبض الوقف ، فإنّه شرط الانتقال ، مع أن العقد قبله صحيح في نفسه.

وفي الثاني بأنّ توقّف تأثير العقد على الإجازة لا يستلزم حصول الأثر من حينها ، لإمكان توقف تأثيره من حينه على حصولها بعده ، فإذا حصلت حصل الأثر من حينه ، ولا استحالة في تأخّر شرط التأثير في الأسباب الشرعية ، كما في اشتراط صحّة غسل المستحاضة بأغسالها الليلية الآتية ، وتقديم غسل الجمعة قبلها عليها ، فالكشف هنا ليس كشفا علميا كما توهمه كلام بعضهم ، ضرورة مدخلية الإجازة في حصول الانتقال في نفس الأمر ، ولا خلاف فيه ، بل هو كشف وجوديّ.

٦٥

وحيث علمت إمكان اعتبار كلّ من المعنيين في الإجازة ، مع توقّف تأثير العقد عليها ، فلا يصحّ الاستناد لإثبات أحدهما بما ذكر في إبطال الآخر ، بل اللازم طلب الدليل على المطلوب.

والذي يظهر من مطاوي الأخبار كونها كاشفة ، كما عليه المعظم ، لا لاطلاقات حلية البيع وجواز النكاح ـ كما قيل ـ لأنها مع عدم انصرافها إلى الفضولي قاصرة عن إفادته ، إذ لا كلام في مدخلية الإجازة في الانتقال من العقد على القولين ، ولا إشعار في الإطلاقات بشي‌ء منهما.

ومنه يظهر عدم صحّة التمسك بعموم ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) مع ما فيه من الإجمال في المقام ، بل لظهور خبر عروة فيه ؛ فإنّه على كونه ناقلة من حينها لما حصل له ملك الشاة قبلها ، فكان بيعها الثاني الذي هو قبل إجازة الأوّل باطلا فإنّه من بيع ما لا يملكه من له البيع ، بل يشعر به خبر الوليدة أيضا ، حيث لم يرجع السيّد عليه بعد الإمضاء بأجرة خدمتها.

ويدلّ عليه أيضا صحيحة أبي عبيدة في نكاح الصغيرين المشتملة على أنه لو بلغ أحدهما وأجاز ومات ، ثم بلغ الآخر وأجاز ورث منه ، وعمل بها الأصحاب ، ولا يتمّ التقريب إلّا على القول بالكشف.

ثمّ إنّ فائدة الخلاف يظهر في النماء المتخلّل ، وفيما لو ترتّب العقود على أحد العوضين أو كليهما فضولا ، فإنّه يختلف حكم الصحة والبطلان على الكشف والنقل بتنجيز الكلّ أو البعض أو بإجازة المبيع أو الثمن.

وقيل : يظهر الثمرة في عدم جواز فسخ الآخر قبل إجازة المالك على الكشف دون النقل. وردّ بوروده على النقل أيضا ؛ استصحابا لقابلية العقد على وجه لا يرتفع بفسخه.

٦٦

والظاهر جواز الفسخ على تقديري الكشف والنقل معا ، لاختصاص دليل صحّة الإجازة ، أعني الخبرين المسطورين بصورة عدم الفسخ ، فغيرها يطالب دليلا آخر ، ويرجع الشكّ إلى وجود المقتضى الثانوي ، ولا يجري (١) فيه الاستصحاب.

ومنه يظهر المناقشة أيضا فيما قيل من ثمرة الخلاف ، فيما إذا انسلخت قابلية الملك من أحدهما بموته قبل إجازة الآخر ، أو بعروض ارتداد إذا كان المبيع مسلما أو مصحفا ، وصحّته على الكشف دون النقل ، وفيما إذا انسلخت قابلية المبيع بنقله أو انتقاله (٢) إلى النجاسة وتنجّسه مائعا ونحو ذلك ، وفيما إذا تجدّدت القابلية قبل الإجازة بعد فقدانها حال العقد ، كتجدّد الثمرة بعده وقبلها ، لمنع شمول دليل الصحّة لذلك كلّه.

نعم ، صحيح أبى عبيدة يفيد الأوّل ، إلّا أنّه يختصّ بالنكاح ، وعدم القول بالفصل غير معلوم.

وقال بعضهم : يظهر الثمرة أيضا في تعلّق الخيارات والشفعة ومبدأ زمان الخيار ومفترقه في مجلس الصرف والسلم ، وأنت خبير بأنّ أمثال تلك الثمرات مبنيّة على جعل مبدأ تلك الأحكام مبدأ الملك ، وأما على كونه مبدأ حدوث الانتقال فلا يختلف الحال ظاهرا ، لأنّه بعد الإجازة على القولين.

الثاني : لا يكفي في الإجازة السكوت مع الحضور ، وفي التذكرة الإجماع عليه ، إلّا في سكوت البكر في إجازة النكاح ، كإذنها فيه ، لدليل يختصّ به ، وكذا مع الغياب لو علم به ، ولا يكفي فيهما العلم بالرضا ، بل يجب اللفظ ، وقوفا فيما خالف الأصل على مورد النصّ ، فلا يخرج بالعلم بالرضا قبله من الفضولي.

__________________

(١) الذي لا يجري ( خ ).

(٢) في الأصل : إلقائه.

٦٧

وهل يشترط اللفظ في الفسخ ، صرّح به بعض الأجلّة ، وفيه إشكال. نعم ، لا يبعد عدم الاكتفاء بمجرّد العلم بالكراهة الباطنية ، ما لم يفدها قول أو فعل.

ولو فسخ المعقود له بعد الاطلاع بطل العقد ، ولا ينفع إجازته ثانيا للأصل وعدم الخلاف ظاهرا ولا يفسخها الترديد ولا تأخير الإجازة ، كما هو ظاهر خبر الوليدة ، وخلاف بعضهم في الأخير ليس بشي‌ء.

الثالث : إذا باع الغاصب لنفسه فأجاز المالك لنفسه.

فالمحكيّ في الإيضاح (١) عن الأكثر صحّته إمّا مطلقا كما عن الدروس (٢) وشرح القواعد (٣) ، أو مع جهل المشتري كما عن المختلف (٤) والإيضاح (٥) والشهيد في حواشي القواعد (٦) والعلّامة الرازي (٧). وعن القواعد (٨) والتذكرة (٩) التردّد في العالم ، وعن ظاهر جماعة منهم صاحب المدارك في كتاب الزكاة (١٠) البطلان ، وهو لا يخلو عن قوّة للأصل واختصاص أخبار الصحة بغير محلّ الفرض ، وظهور آية التجارة في تجارة المالك ، إذ المتبادر منها وقوع العقد للمالك من حينه ، ولعموم النهي عن بيع ما لا يملك ، الظاهر بما مرّ في وقوعه لغير المالك ، كما في الفرض ، ونحوه النهي عن بيع

__________________

(١) إيضاح الفوائد ١ : ٤١٧.

(٢) الدروس الشرعية ٣ : ١٩٢.

(٣) جامع المقاصد ٤ : ٦٩.

(٤) مختلف الشيعة ٥ : ٥٥.

(٥) إيضاح الفوائد ١ : ٤١٧.

(٦) حاشية القواعد المعروفة بالحاشية النجّارية للشهيد الأوّل ( مخطوطة ) : ٥٧.

(٧) لم نقف عليه ، وفي نسخة : العلّامة الراضي.

(٨) قواعد الأحكام ٢ : ٢٤٢.

(٩) تذكرة الفقهاء ١ : ٤٨٦.

(١٠) مدارك الأحكام ٥ : ٥ ، كتاب الزكاة.

٦٨

السرقة والخيانة ، فيكون فاسدا لتعلّق النهي بنفس المعاملة ، ولو لوصف خارج ، كتعلّقه ببيع الغرر ، فمنعه بملاحظة كون الوصف خارجا غفلة واضحة ، مضافا في صورة علم المشتري إلى قصده تمليك الثمن للغاصب دون المالك ، فكيف يقع في ملك ربّ العين بإجازته.

نعم لو جهل أمكن تصويره بأنّ غرض المشتري تمليك البائع من حيث هو مالك باعتقاده ، فالمالك هو المقصود بالملك حقيقة ، كما في بيع الوكيل إذا زعمه المشتري مالكا ، فإنّ الظاهر عدم الخلاف في صحّته ، بل الظاهر أنّ مع العلم لا قصد للمشتري بالتمليك مطلقا ، وإنّما قصده مجرّد التسليط على التصرف دون الملك ، لأنّه غير معقول مع العلم بعدم وقوعه ، فما تصدى به بعض العلماء للتوفيق بين تسليط المشتري الغاصب على الثمن ، وبين حصول المعاوضة على الثمن في مقابل العين المتوقّف عليه تأثير الإجازة ، من أنّ تسليط المشتري عليه لا ينافي كونه عوضا عن المبيع بمقتضى البيع ، فإنّ المراد بالعوضية هو العوضية بمقتضى ظاهر العقد لا يصحّحه الإجازة (١).

ومن هنا يظهر اشتراط كون البيع بقصد النقل عن المالك في بيع ملك الغير مطلقا ولو في غير الغصب ، كما أنه إذا باع باعتقاد كون المبيع لنفسه ، فظهر أنّه لغيره ، فلا يفيد صحّته إجازة المالك ، إذا انتقل إلى البائع الفضولي قبل الإجازة ، ثمّ أجازه البائع أو مات المعقود له قبلها وأجازه الوارث.

وهل يشترط قصد المشتري للمعقود له أيضا.

الظاهر لا ، كما لا يشترط في بيع الوكيل علم المشتري بكونه للموكّل وقصده إيّاه ، ولعلّه لا خلاف فيه ، ويدلّ عليه السيرة القطعية. نعم ، لو علم أنّ المبيع للغير

__________________

(١) في « م » : فلا يصحّحه الإجازة.

٦٩

يعتبر قصده نقل الثمن إليه ولو إجمالا لا إلى الفضولي أو الوكيل ، وعلى هذا لو سكت البائع عن تسمية الغير مع جهل المشتري بما قصده ، يقع البيع له باطنا مع الإجازة ، ولنفسه ظاهرا مع عدمها ، إلّا إذا صدقه المشتري فيقع باطلا ، بل نقل عنهم في باب الوكالة أن الوكيل لو اشترى بنية الموكّل بدون تسميته ، ثم أنكر الموكّل الوكالة ، يقع على الوكيل ظاهرا وباطنا ، وإن كان فيه إشكال ، كما نبّه عليه بعض الأجلّة.

الرابع : إذا لم يجز المالك فله أن يرجع إلى المشتري بعين ماله ونمائه ، متصلا أو منفصلا ، مع بقائهما ، أو بمثلهما أو قيمتهما مع التلف بنقل أو غيره ، وبعوض منافعها المستوفاة وغيرها ، وبأرش النقص والعيب ، عالما كان المشتري أو جاهلا ، إجماعا ظاهرا في جميع ذلك ، تحقيقا ونقلا له ولمستفيضة الأخبار في خصوص أكثر تلك الأحكام ، مضافا في غير عوض المنافع إلى عموم « الناس مسلّطون » (١) مع بقاء العين ، وإلى قوله عليه‌السلام : « على اليد ما أخذت حتى تؤدّي » (٢) مطلقا.

ولا كلام في ذلك كله ، إنما هو في رجوع المشتري بما أغرم على البائع ، وتحقيقه أنّ المشتري ، إن كان عالما بكونه مغصوبا في يده ، لم يرجع بما اغترم بغير الثمن إلى البائع ، قولا واحدا ؛ للأصل ووقوع التلف في يده العادية ، مع أنّ من الفرض ما لم يسبق بتصرّف البائع فيه وإثبات يده عليه ، وأمّا بالثمن ؛ فإن كان موجودا بعينه رجع به ، وفاقا لجماعة منهم الفاضل في المختلف (٣) والتذكرة (٤)

__________________

(١) عوالي اللآلي ١ : ٢٢٢ ، الحديث ٩٩.

(٢) مستدرك الوسائل ١٣ : ٣٠٣ ، الباب ٩ من أبواب الخيار ، الرواية.

(٣) مختلف الشيعة ٥ : ٥٦.

(٤) تذكرة الفقهاء ١ : ٤٨٦.

٧٠

والشهيدان (١) والمحقق الثاني (٢) ؛ لعدم موجب للانتقال بعد فرض بطلان البيع واستصحاب الملك ، فيتسلّط عليه ؛ للعموم المشار إليه ، مع أنّه لم يدفع إليه مجانا ، بل عوضا عن شي‌ء لم يسلم له ؛ وإن لم يكن موجودا ؛ فإن دفعه المشتري ليسلم [ إلى ] المالك توقعا لإجازته ، فله الرجوع أيضا بعوضه ، ووجهه ظاهر ؛ وإلّا كما في بيع الغاصب لنفسه ، فالمشهور عدم الرجوع ، بل في المختلف (٣) والتذكرة (٤) الإجماع عليه ظاهرا ، وربما يتأمّل في كونه إجماعيا ، وينسب الرجوع إلى المحقق في بعض تحقيقاته ، وقوّاه في الروضة (٥) ، وفي المسالك (٦) ، لو لا الإجماع على خلافه ، وعلّل بتحريم تصرّف البائع فيه لأنّه أكل مال بالباطل ، فيكون مضمونا عليه.

وفي المسالك (٧) جمع بين تحريم التصرف في الثمن وعدم جواز الرجوع على تقدير وقوع الإجماع ، بأنّه « من الجائز أن يكون عدم جواز رجوع المشتري العالم عقوبة له ، حيث دفع إليه ماله معاوضا له على محرّم ، فلم يجز له مطالبة العوض وإن كان له في ذمّة البائع ، ووجبت عليه دفعه إليه ، نظير ما لو حلف المنكر على عدم المال في ذمّته » ، انتهى.

وفيه من البعد غايته ، بل التحقيق منع استلزام حرمة التصرف في محل الفرض الضمان ؛ فإنّ حرمة التصرف في مال الغير قد يكون منشأها عدم إذن المالك ، وقد

__________________

(١) الشهيد الأوّل في الدروس ٣ : ١٩٢ ؛ والشهيد الثاني في الروضة ٥ : ١٤١.

(٢) جامع المقاصد ٣ : ٦٩.

(٣) مختلف الشيعة ٥ : ٥٦.

(٤) تذكرة الفقهاء ١ : ٤٨٦.

(٥) الروضة البهية ٣ : ٢٢٦.

(٦) مسالك الأفهام ٣ : ١٦١.

(٧) نفس المصدر.

٧١

يكون عدم إذن الشارع ، وإن كان مأذونا من قبل المالك ، كمن أذن في صرف ماله في المعصية وأكل طعامه في نهار رمضان ، والضمان إنّما يحصل في الأوّل ، وأمّا على الثاني ، فغير مسلم ، بل مقتضى الأصل مع إذن المالك البراءة عن العوض ، وصرفه على الوجه المحرم لا يوجب الضمان ، والمفروض من الثاني ، لحصول الأذن من المشتري في التصرف في ماله وإتلافه على هذا الوجه ، غاية الأمر كونه مشروطا بالمعاوضة المحرّمة ، وقد أتي بها وإن كانت معصية ، فحصل به شرط الإذن ، فلا ضمان ، وإن لم يحصل به الملك الشرعي والآية لا تدلّ على الضمان ، بل على مجرّد حرمة الأكل بالباطل.

وما قيل من أنّ المشتري أذن في التصرف بشرط عدم استرداد العوض منه ولو من قبل غير البائع ، وحيث انتفى الشرط ينتفي المشروط ويتحقّق الضمان ، مدفوع بمنع هذا الشرط ، فإنّ غرض المشتري العالم بالغصب وبعدم حصول الملك الشرعي له من دفع الثمن إلى البائع هو مجرد تسليط البائع إياه على المبيع ورفع يده عنه من غير رجوع منه إليه ، لا من المالك ، إذ التقدير علمه بعدم رضى المالك وانتظاره الفرصة ، وبالتمكن عن أخذه ، فكيف يكون شرطه الضمني عدم رجوعه عند التمكن.

وكون إذنه مشروطا بالضمان على تقدير رجوع المالك إليه ـ لو سلّم صحّة مثل هذا الضمان ـ غير معهود بينهما ، مع فرض العلم ، مع أنّ الأصل ينفيه.

فالأقوى عدم الضمان مع التلف في الصورة المزبورة.

وإن كان المشتري جاهلا فله الرجوع إلى البائع بالثمن ، عينا مع بقائه ، وعوضا مع تلفه ، قولا واحدا ، وله الرجوع عليه بكل ما اغترم ، ولم يحصل في مقابله نفع من نقص القيمة ، وعوض النماء التالف ، والأجرة ، وقيمة الولد المستولد من الأمة ـ حيث يجب على والده فكاكه ببذل قيمته إلى المالك ـ وما صرفه في المبيع.

٧٢

وجاز له كلّ ذلك بظهور الإجماع وموثقة جميل (١) في الرجل يشتري الجارية من السوق ، فيولدها ، ثم يجي‌ء مستحقّ الجارية ، فقال : يأخذ الجارية المستحقّ ، ويدفع إليه المبتاع قيمة الولد ، ويرجع على من بايعه بثمن الجارية وقيمة الولد التي أخذت منه ، وقريب منهما خبر زرارة (٢).

ويتمّ المدّعى بالإجماع المركب ، بل يدلّ عليه عموم التعليل للرجوع بالتدليس في رواية رفاعة (٣) ، المطابق لقاعدة رجوع المغرور إلى من غرّه ، المعروفة بينهم في أبواب كثيرة.

وأمّا ما اغترمه بما حصل له في مقابله نفع ، كعوض الثمن وأجرة السكنى ، فالرجوع به عليه لا يخلو عن قوة أيضا ، للتغرير في الانتفاع والإتلاف مجانا ، كما في إطعام الغاصب الضيف المالك بما له مع جهله ، وفاقا للمحقق في تجارة الشرائع (٤) والتنقيح (٥) خلافا للشيخ في جملة من كتبه (٦) ، والحلّي (٧) للأصل المقدوح بما ذكر.

نعم ، لا يبعد تخصيص الرجوع بما إذا كان البائع عالما ، كما استظهره بعض المحققين ، لظهور اختصاص صدق التغرير والتدليس به ، وعدم ثبوت الإجماع المركب.

وفي حكم جهل المشتري علمه إذا ادّعى البائع إذن المالك وكان متصرّفا فيه ،

__________________

(١) وسائل الشيعة ٢١ : ٢٠٥ ، الباب ٨٨ من أبواب نكاح العبيد والإماء ، الرواية : ٢٦٩٠٤.

(٢) نفس المصدر ٢١ : ٢٠٤ ، الباب ٨٨ ، الرواية : ٢٦٩٠٣.

(٣) نفس المصدر ١٨ : ٧٢ ، الباب ١ من أبواب عقد البيع وشروطه ، الرواية ٢٣١٧٨.

(٤) شرائع الإسلام ٢ : ١٤ ، كتاب التجارة.

(٥) التنقيح الرائع ٤ : ٧٥.

(٦) المبسوط ٣ : ٨٨.

(٧) السرائر ٢ : ٤٨٦.

٧٣

لكونه مسموعا منه شرعا ، فيحصل به التغرير ، بل يشمله عموم الأخبار المتقدمة ، فيرجع عليه بجميع ما اغترمه.

وفي رجوعه بغير عوض الثمن في هذه الصورة إذا لم يكن في تصرّف البائع إشكال. نعم ، إذا حصل العلم للمشتري من قوله كان له وجه.

ثم إنّ المالك له أن يرجع إلى البائع في جميع ما ذكر من الغرامات إذا كان غاصبا ولو في مجرّد دفعه إلى المشتري ، ووجهه ظاهر ، ولو لم يكن الدفع منه بل كان بتغريره ، ففيه وجهان ، والرجوع إليه مع حصول العلم للمشتري من تغريره بكونه المالك أو مأذونا فيه غير بعيد ، وحيث رجع المالك إلى البائع فيما له أخذه منه ، فالمشتري إن كان عالما بالحال رجع البائع إليه بالمبيع عينا أو عوضا ، وبعوض النماء والنقص وغيرهما مما كان للمالك الرجوع إليه لكون التلف في يده العادية ، فيغرم البائع المغترم مقام المالك فيما اغترمه ؛ وإن كان جاهلا بالحال لم يرجع البائع إليه ، لما تقدم ، إلّا في عوض المنافع المستوفاة ، ففيه قولان.

بقي الكلام في كيفية الغرامة وتقدير القيمة. وتفصيله : أنّ التالف ، إن كان مثليا ، فلا خلاف في ضمان المثل إلّا باتفاقهما على القيمة.

وهل يعتبر زمان الغصب ومكانه في دفع المثل إذا اختلف بهما القيمة ، له وجه قوي إذا كان الاختلاف معتدّا به ، كما إذا غصب الماء في فلاة قفر ، والثلج في الصيف ، فلا يدفع مثل الماء في شاطئ البحر ، ومثل الثلج في الشتاء ، إذ المقصود من المثل عوض التالف ، ولا يعدّ ذلك عوضا عرفا ، وعموم حكم الإجماع الشامل لمثل المقام غير معلوم ولا مظنون ، وإن أعوز المثل فلم يوجد في البلد وما حوله يبدّل بالقيمة. وفي كونها قيمة يوم البذل ، أو يوم الإعواز ، أو أعلى القيم من حين الغصب إلى دفع العوض ، أو من حينه إلى وقت الإعواز ، أو من حين الإعواز إلى

٧٤

الدفع ، أقوال : أشهرها وأقواها الأوّل ، إذ بالإعواض إلى القيمة تبرأ الذمّة عن المثل ، ويعدل إليها فقيمة حال الإعواض والتبديل تكون معتبرة.

والقول بأنّ التبديل يحصل وقت الإعواز ، فهو المعتبر ، مردود ، بأنّ الإعواز لا يوجب البراءة عن المثل ، وإنّما يبيح مطالبة عوض المثل ، فمتى طلبه يعاوض بالقيمة ، وهو وقت الدفع.

وإن كان قيميا ففي القيمة المعتبرة أقوال أيضا ، المحكيّ في الشرائع (١) عن الأكثر اعتبار قيمة يوم الغصب ، وهو لموضع من المبسوط (٢) والنافع (٣) ، واختاره والدي العلّامة في المستند (٤) ، وعن القاضي (٥) والمختلف (٦) اعتبار قيمة يوم التلف ، وفي الدروس (٧) عزّاه إلى الأكثر ، وقوّاه المحقق القمي (٨) واختار الشهيدان في الدروس (٩) واللمعة والروضة (١٠) ، والسبزواري أعلى القيم من التصرف إلى التلف ونسبه في

__________________

(١) شرائع الإسلام ٢ : ١٨٩.

(٢) المبسوط ٣ : كتاب الغصب ، حكم في الصفحة ٦٠ بضمان القيمة يوم التلف وفي الصفحة ٨٨ و ٨٥ و ٧٠ حكم بأكثر ما كانت من حين الغصب إلى حين التلف.

وفي كتاب الإجارة ، الصفحة ٢٢٥ ، قال : « وإن تلفت فإنّه يضمن بالغا ما بلغ من وقت التعدّي إلى حين التلف ».

(٣) المختصر النافع : ٢٥٦.

(٤) مستند الشيعة ٢ : ٣٦٨.

(٥) المهذب البارع ٤ : ٢٥١.

(٦) مختلف الشيعة ٦ : ٨١.

(٧) الدروس الشرعية ٣ : ١١٣.

(٨) جامع الشتات ٣ : ٤٦٩.

(٩) الدروس الشرعية ٣ : ١١٣.

(١٠) الروضة البهية ٧ : ٤٤.

٧٥

المختلف (١) إلى الأكثر ، وعن بعض المتأخرين أعلاها من التصرف إلى الدفع ، والأظهر الأوّل ، لصحيح أبي ولّاد (٢) في حكاية كراية البغل ، وفيها أنّ أبي ولّاد بعد تعيين كري البغل والمسافة خالف وجاوز الحد ، سأل مولانا الصادق عليه‌السلام عن حكمه ، فقال عليه‌السلام : إنّه ضامن للكري ، فقال : أرأيت لو عطب البغل أو لغى أليس كان يلزمني؟ قال : نعم ، قيمة بغل يوم خالفته. فقلت : إن أصاب البغل كسرا أو دبرا أو عقرا. قال : عليك قيمة ما بين الصحة والعيب يوم تردّه عليه. قلت : فمن يعرف ذلك. قال : أنت وهو إمّا أن يحلف على القيمة فيلزمك ، وإن ردّ اليمين عليك فحلفت على القيمة لزمك ذلك ، أو يأتي صاحب البغل بشهود يشهدون أنّ قيمة البغل حين أكرى كذا وكذا ، الحديث.

موضع الدلالة قوله عليه‌السلام : نعم ، قيمة بغل يوم خالفته.

واستشكل بأنّ ذلك إنّما يتمّ لو كان المراد من القيمة قيمة يوم المخالفة ، وأمّا إن جعلنا الظرف لغوا متعلّقا بقوله عليه‌السلام يلزمك المستفاد من قوله : نعم ، يعني أنّ اللزوم في يوم المخالفة ، فلا يتمّ التقريب ، لأنّ حدّ القيمة على هذا غير معين يجب الرجوع فيه إلى ما يقتضيه الدليل.

ويندفع بأنّ الضمان بالقيمة لم يتحقق يوم المخالفة ، بل هو بعد التلف ، واعتبار التعلق به فيه ينافي إطلاق اللفظ ، فلا يلائم الإجمال ، مع أنّه على احتمال المستشكل يلزم حمل الضمان في الجواب على الضمان التعليقي المسبب عن المخالفة ، أي عليه يوم المخالفة قيمته متى حصل بعده التلف ، وهو مع بعده في نفسه لا يطابق

__________________

(١) مختلف الشيعة ٦ : ٨١.

(٢) وسائل الشيعة ١٩ : ١٧ ، الباب ١٧ من أبواب الإجارة ، الرواية ٢٤٢٧٢ ؛ و ٢٥ : ٣٩١ ، الباب ٧ من أبواب الغصب ، الرواية ٣٢١٩٩.

٧٦

السؤال عن الضمان التنجيزي بعد التلف ، بل قوله : قيمة بغل ، مبيّن لقوله عليه‌السلام : نعم ، المصدّق للمسئول عنه الآن من الضمان بعد التلف ، فلا يلائم ما ذكره على أنّ تنكير بغل على جعل يوم ظرفا لغوا ركيك في الغاية ، بل بعيد عن المقصود ، إذ المعتبر قيمة البغل المكتري بخصوصه ، بل الظاهر أنّه مضاف إلى يوم ، من باب التخصيص ، إشارة إلى اختلافه بحسب القيمة في الأزمان ، وإنّ المعتبر قيمة بغل يوم المخالفة دون سائر الأحوال ، والأوقات.

ويدلّ على المطلوب أيضا قوله عليه‌السلام أخيرا ، أو يأتي صاحب البغل بشهود يشهدون أنّ قيمة البغل حين اكترى كذا وكذا ، فيلزمك ؛ فإنّه يفيد لزوم حين الكري دون وقت التلف أو الدفع أو أعلى القيم ، والاعتماد عليه مع كونه قبل المخالفة الغير المعتبر إجماعا ، إنّما هو باعتبار عدم فاصلة معتدّ بها بين وقتي الإكراء والمخالفة ، كما يومئ إليه صدر الحديث ، ويقضي العادة والمشاهدة بعدم تفاوت قيمة سوقية لمثل البغل في هذه المدة القليلة غالبا ، خصوصا مع التأيد بالاستصحاب.

وحجج سائر الأقوال وجوه ضعيفة ، عدا ما يقتضيه الاعتبار للثاني ، إلّا أنّه كغيره محجوج بالخبر الصحيح المذكور هذا.

ثم إنّ ما ذكرناه من اعتبار القيمة السوقية على الخلاف المزبور ، إنما هو في تلف العين ، وأمّا مع بقاءها ، فالواجب ردّ العين من غير ضمان للتفاوت إجماعا. وكذا قيمة يوم الغصب على ما اخترناه مع التلف ، إنّما هو إذا لم يتفاوت القيمة باعتبار زيادة عينية كسمن ، أو وصفية كتعلم صنعة ، ولو هي بفعل الغاصب ، وأمّا معها ، فيضمن قيمة الأصل يوم الغصب ، وإن كانت أقلّ من قيمة يوم التلف (١) أو الدفع ،

__________________

(١) الغصب ( صح ).

٧٧

وقيمة الزيادة معا ، فلو كان فرسا مهزولا ، قيمته يوم التلف ثلاثون ، فسمن وتلف ، وكان قيمته السوقية عند التلف عشرين ، عشرة منها للسمن ، لزمه أربعون.

٧٨

[ المشرق الثالث ]

[ في حكم العقود المتبعّضة الصادرة بصيغة واحدة ]

مشرق : في تحقيق العقود المتبعّضة.

إذا انتقل ماله ولغيره صفقة ، ببيع أو نحوه.

قالوا : يقف البيع أو نحوه في غير مملوكه على الإجازة ، على القول بصحّة الفضولي ، وهو بإطلاقه على اشتراط قصد الفضولي كما مرّ غير سديد ، بل يقتصر على صورته.

والظاهر عدم الإشكال والخلاف في صحّته في المملوك ، على تقدير الإجازة ، وصحّة الفضولي.

وهل يصحّ في المملوك على تقدير بطلانه في غير المملوك ، لعدم الإجازة ، أو ظهور فساده لجهة أخرى؟ الظاهر عدم الخلاف فيه في خصوص البيع ، وإن تأمّل فيه أيضا بعض من تأخر ، وعن الغنية (١) والتذكرة (٢) الإجماع عليه ، وعن بعضهم نفي الخلاف فيه.

__________________

(١) غنية النزوع ١ : ٢٠٩.

(٢) تذكرة الفقهاء ٢ : ٤٦٣.

٧٩

ويدلّ عليه صحيح صفار (١) ، في رجل له قطاع من أرضين ، وعرف حدود القرية ، فقال للشهود : اشهدوا أنّى قد بعت من فلان جميع القرية ، وإنّما له بعض هذه القرية ، وقد أقرّ له بكلّها ، فوقّع عليه‌السلام : لا يجوز بيع ما لا يملك ، وقد وجب الشراء على البائع على ما يملك ، الدال على صحّة البيع فيما يملك ، ولو بعموم ترك الاستفصال.

وأمّا في سائر العقود ، فلم أر من تعرّض بقول صريح يشمل الجميع ، وإن تعرّضوا لبعض ، كوقف ما يملك وما لا يملك ، ويظهر من الأكثر الحكم بالصحة فيه ، ولعلّ مأخذه يعمّ الجميع ، وكيف كان فلنبيّن ما يقتضيه الأصل وعموم الدليل على وجه كلي ينضبط به حكم التبعّض في جميع العقود.

فنقول : العقد إمّا يكون مما لا يقبل أثره التجزّي ، كالنكاح والطلاق ، فلا تبعيض ، أو يقبل التجزّي ، بأن يتعلق أثره بكلّ جزء من المتعلّق ، كالبيع والصلح والهبة والإجارة وأمثالها ، حيث إنّ الانتقال بها يتعلّق بكلّ جزء من متعلقاتها ، فمقتضى النظر الدقيق فيه عدم استلزام فساد بعضه فساد الآخر ، لوجود مقتضى الصحّة وعدم المانع. أمّا الأوّل ، فلدلالة عموم دليل شرعية المعاملة عليه ، كقوله تعالى ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) (٢) و ( تِجارَةً عَنْ تَراضٍ ) (٣) و ( أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ ) (٤) و « كلّ صلح جائز » (٥) و « الوقوف بحسب ما يوقفها أهلها » (٦) ، وغير ذلك ، لصدق معنى المعاملة على كلّ

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٧ : ٣٣٩ ، الباب ٢ من أبواب عقد البيع ، الرواية ٢٢٧٠٤.

(٢) المائدة (٥) : ١.

(٣) النساء (٤) : ٢٩.

(٤) البقرة (٢) : ٢٧٥.

(٥) وسائل الشيعة ١٨ : ٤٤٣ ، الباب ٣ من أبواب الصلح ، الرواية ٢٤٠١١ و ٢٤٠١٠ ؛ « الصلح جائز بين المسلمين إلّا صلحا أحلّ حراما أو حرّم حلالا ».

(٦) نفس المصدر ١٩ : ١٧٥ ، الباب ٢ من أبواب الوقوف والصدقات ، الرواية ٢٤٣٨٧.

٨٠