مشارق الأحكام

المولى عبد الصاحب محمد النراقي

مشارق الأحكام

المؤلف:

المولى عبد الصاحب محمد النراقي


المحقق: السيد حسين الوحدتي الشبيري
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤتمر المولى مهدي النراقي
المطبعة: سلمان الفارسي
الطبعة: ٢
الصفحات: ٥٢٨

وأمّا الثاني : فلابتنائه على مانعية القضاء لوجوب الأداء ، وقد عرفت ما فيه ، كما في الناسي والنائم ، سيما إذا كان تأخير الفائتة إلى وقت الحاضرة بتقصيره.

الرابع : أنّ القول بالترتيب سيما على المضايقة التي هي رأي أكثر القائلين به ـ لو لا الجميع ـ يتضمّن حرجا عظيما وعسرا كثيرا مثله منفيّ في الشريعة السهلة السمحة بنصّ الآية (١) وغيرها من السنّة وأخبار الأئمة عليهم‌السلام (٢) ، سيما على الوجه الذي ذكره عمدهم كالسيّد والحلّي وأضرابهما من حرمة جميع الأضداد إلّا ما يقوم به الحياة ، لأنّ من عليه فوائت كثيرة لا يسعها يوم وليلة ، لزمه على الترتيب ضبط الأوقات وصرف الساعات والمرصد لآخر كل صلاة وحفظ بقية الوقت عن الزيادة بفعل الفريضة الحاضرة وضبط أنصاف الليل ومعرفتها ومعرفة طلوع الشمس وغروبها وضبطها ، وعلى الفورية صرف جميع الوقت في القضاء والتشاغل به وحرمة تركه في كل وقت ، وعلى حرمة الأضداد تحريم جميع المباحات من الأكل والشرب ومجالسة الناس وزيارة الإخوان والتكسّب والسفر وأمثال ذلك مما لا يحصى إلّا بقدر الضرورة الملجئة ، وكذا حرمة الأذكار والعبادات وبطلانها ، كلّ ذلك مشقّة شديدة وحرج عظيم وحيث إنّ الصلوات على وجه صحّتها فائتة من أكثر الناس بل جميعهم إلّا نادرا ، إذ قلّ من لم يتعلّق بذمّته فوائت كثيرة ولو لإخلال شرط وتسامح في دقائق صحّتها ، أو ترك تقليد سيما في عنفوان الشباب وأوائل البلوغ ، خصوصا النساء والعوامّ ، كما هو المشاهد في العيان ، فهذا الحرج الشديد يعمّ غالب البريّة من الرجال والنسوان والخدام وأهل الحرف والصناعات ، ولم يبق

__________________

(١) الحج : ٧٧ ، والمائدة (٥) : ٩ ، والبقرة (٢) : ١٨٥.

(٢) وسائل الشيعة ١ : ١٦٧ ، الباب ٩ من أبواب الماء المطلق ، الرواية ٤٠١ و ٤٠٤ ؛ و ٢١٢ ، الباب ٩ من أبواب الماء المضاف ، الرواية ٥٤٣.

٤٨١

أهل بيت ولا أهل بلد غالبا إلّا لزمهم الاشتغال دائما بفعل الفوائت وترك المشاغل ، بل ينجرّ ذلك إلى تعطيل أمور جميع الناس واختلال معاشهم ومعادهم وشرائعهم وفوات مقاصدهم ، وهل يجوّز ذو بصيرة وقوع مثل تلك البليّة العامة والداهية العظيمة في عموم الأنام ، مع أنّ الله سبحانه يريد منهم اليسر ولا يريد بهم العسر.

وإناطة الأمر إلى قدر ما يلزم منه الحرج سخيفة بل غير معقولة ، لعدم انضباطه ، خصوصا باعتبار الحرج الحاصل من كثرة المشتغلين.

ثمّ يؤكّد ذلك ويعاضده بل يدلّ عليه عمل المسلمين من السلف والخلف من غير نكير في جميع الأعصار والأمصار من العلماء وأتباعهم وسائر الناس ، مع اشتغال ذمّة أكثرهم بفوائت كثيرة بل غير محصورة ، كما سمعت ، ومع ذلك ينامون ويتحاورون ويكتسبون ويسافرون ويصلّون في سعة الأوقات ويقيمون الجماعات في أوائلها ويزدحم عموم الناس فيها ويتنفّلون ، مع اشتهار كون الأمر يقتضي النهي عن الضدّ بينهم ، وما هذا إلّا لاشتهار المواسعة في عصر الأقدمين من أصحابنا.

وهكذا كلّ خلف عن سلف ومتأخّر عن متقدّم إلى زماننا كما عرفت في تحرير الأقوال ، ونصّ عليها في أصل الحلبي الذي رواه عنه جماعة كثيرة من أساطين الأصحاب والمشايخ بطرقهم المتكثرة ، ولعمري أنّ دعوى بعضهم الإجماع على المضايقة مع تلك الحال من أغرب الدعاوي ، كما ستسمعه ، إن شاء الله.

الخامس : الأخبار الدالّة بالخصوص على نفي المضايقة أو الترتيب :

منها : صحيحة عبد الله بن سنان (١) ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : إن نام رجل أو نسي أن يصلّي المغرب والعشاء الآخرة ، فإن استيقظ قبل الفجر قدر ما يصليهما كلتيهما فليصلّهما ، فإن خاف أن تفوته إحداهما فليبدأ بالعشاء ، وإن استيقظ بعد الفجر

__________________

(١) وسائل الشيعة ٤ : ٢٨٨ ، الباب ٦٢ من أبواب المواقيت ، الرواية ٥١٨٢.

٤٨٢

فليصلّ الصبح ثم المغرب ثم العشاء قبل طلوع الشمس.

ومنها : صحيحة أبي بصير (١) عنه عليه‌السلام ، وهي كالسابقة بزيادة ما في آخرها : « فإن خاف أن تطلع الشمس وتفوته إحدى الصلاتين فليصلّ المغرب ويدع العشاء الآخرة ، حتى تطلع الشمس ويذهب شعاعها ، ثم ليصلّها ».

والمناقشة فيهما بدلالتهما على امتداد وقت العشاءين إلى الفجر وهو مذهب العامّة ، فيقوّى احتمال ورودهما مورد التقيّة ، وبه يتطرق الوهن بما اشتملت عليه من الأحكام ، وعلى مرجوحية قضاء الفرائض عند طلوع الشمس ، وهو أيضا موافق لأكثر العامّة ، وعلى وجوب تقديم الحاضرة في سعة الوقت ، وهو خلاف الإجماع ، تدفع بما في الأوّل ـ مضافا إلى أنّ ورود جزء من الخبر مورد التقية لا توجب خروجه عن الحجية في غيره ـ من أنّ القول بامتداد وقت العشاءين إلى الفجر ليس مختصّا بالعامّة ، بل عليه جمع كثير من أصحابنا ، وهو الأظهر في الوقت الاضطراري لها ، كما في مورد الصحيحين.

وفي الثاني مما عرفت ، مضافا إلى أنّ ترك القضاء في الأوقات المكروهة قد يرجّح بمصلحة وهي هنا الاتّقاء عن العامّة وعدم جعله من علائم الرفض ، فالكراهة مع تلك المصلحة محمولة على الواقع.

وبما في الثالث من أنّ الإجماع قرينة الاستحباب ، ولو دلّ دليل على انتفاء الاستحباب أيضا ، فهو قرينة على الجواز ، دفعا لتوهّم الحظر.

ومنها : مرسلة جميل (٢) التي رواها ابن عيسى عن الوشّاء عن رجل عن الصادق عليه‌السلام قال : قلت له : يفوت الرجل الأولى والعصر والمغرب وذكرها عند العشاء

__________________

(١) وسائل الشيعة ٤ : ٢٨٨ ، الباب ٦٢ من أبواب المواقيت ، الرواية ٥١٨١.

(٢) نفس المصدر : الرواية ٥١٨٤.

٤٨٣

الآخرة ، قال : « يبدأ بالوقت الذي هو فيه ، فإنّه لا يأمن الموت ، فيكون قد ترك صلاة فريضة في وقت قد دخلت ، ثم يقضى ما فاته ، الأولى فالأولى ».

والرواية معتبرة ، مع أنّ مراسيله منجبرة بما حكي عن عليّ بن عبيد الله بن بابويه صاحب العصرة (١) : أنّ ابن عيسى في نوادره ـ التي عن الصدوق عدّها من الكتب المشهورة التي عليها المعوّل وإليها المرجع ـ رواه عن رجاله عن جميل عن الصادق عليه‌السلام ، بل عن البحار (٢) : روايته عن المحقق في المعتبر بإسناده عن جميل دلّت على عدم الترتيب وعدم المضايقة ، والأمر بتقديم الحاضرة مع عدم صراحته في الوجوب محمول في المورد بحكم الإجماع على الرجحان المحتمل في المقام كما مرّ.

وحمله على آخر وقت العشاء الآخرة لا وجه له ، مع أنّه في غاية البعد ، ولا يناسبه التعليل المذكور.

ومشاركة المغرب للعشاء في الوقت الاختياري ممنوع على مختارنا ، من ذهاب وقت المغرب بذهاب الحمرة ، كما عن جمع من أهل المضايقة ، مع أنّه على الاشتراك حمل المغرب على الليلة السابقة أقرب من حمله على آخر وقت العشاء ، بملاحظة التعليل حينئذ.

ومنها صحيحة الحلبي عن رجل فاتته صلاة النهار متى يقضيها؟ قال : « متى شاء ، إن شاء بعد المغرب وإن شاء بعد العشاء ».

وتخصيصه بالنوافل مجرد دعوى لا شاهد له ، ومقايستها بصلاة الليل المعروف بإرادة النافلة منها باطلة. واختصاص النافلة ببعض النوافل الليلية دون نافلة المغرب والعشاء ، لا دليل عليه.

__________________

(١) راجع جواهر الكلام ١٣ : ٢٣.

(٢) بحار الأنوار ٨٨ : ٣٢٥ ، الباب ٣ ، الحديث ٤.

٤٨٤

ونحوها صحيحة ابن مسلم ، قال : سألته عن الرجل تفوته صلاة النهار ، قال : « يقضيها إن شاء بعد المغرب وإن شاء بعد العشاء ».

ومنها : موثقة عمار (١) عن الصادق عليه‌السلام عن رجل تفوته المغرب حتى تحضر العتمة فقال : « إذا حضرت العتمة وذكر أنّ عليه صلاة المغرب فإن أحبّ أن يبدأ بالمغرب بدأه ، وإن أحبّ بدأ بالعتمة ، ثم صلّى المغرب بعد ».

وتقريب الاستدلال على مختارنا ظاهر كما مرّ ، وعلى القول بالاشتراك لا بدّ من الحمل على المغرب السابق.

ومنها ما رواه السيد الجليل على بن طاوس ـ رضوان الله عليه ـ في رسالته في المسألة عن كتاب الصلاة للحسين بن سعيد ما هذا لفظه : عن صفوان عن عيص بن القاسم (٢) ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل نسي أو نام عن الصلاة حتى دخل وقت صلاة أخرى ، فقال : « إن كانت صلاة الأولى فليبدأ بها ، وإن كانت صلاة العصر فليصلّ العشاء ثمّ يصلّى العصر ».

والرواية معتبرة ، بل قال بعض الأفاضل هو في أعلى درجات الصحّة.

وعدم وجوب تقديم العشاء الحاضرة على العصر الفائتة إجماعا قرينة الاستحباب ، مع ما في الفرق بين الظهر والعصر الفائتتين في وجوب التقديم والتأخير على الحاضرة من مخالفته للإجماع أيضا ، وأمّا في مجرد الرجحان فالمخالفة غير معلومة.

وربما يوجّه الفرق بتعميم الوقت الذي خرج لوقتي الفضيلة والإجزاء ، وحمل

__________________

(١) وسائل الشيعة ٤ : ٢٨٩ ، الباب ٦٢ من أبواب جواز قضاء الفرائض في وقت الفريضة ، الرواية ٥١٨٣.

(٢) مستدرك الوسائل ٦ : ٢٤٩.

٤٨٥

وجوب تقديم الأولى على الأوّل بالنسبة إلى العصر والعشاء الحاضرة على العصر الفائتة على الثاني ، وفيه بعد لا يخفى ، بل ركاكة من وجوه.

وقد يقال : إنّ بعض الرواية شاهد للمواسعة وبعضها للمضايقة ، والواجب بعد ملاحظة عدم القول بالفصل من الطرفين الحمل على التخيير ومآله : ابدأ بالحاضرة ابدا بالفائتة ، وهو أيضا بعيد.

وربما ذكر وجوه آخر كلّها مشتركة في جواز تقديم الحاضرة على الفائتة.

ومنها : ما رواه السيد بن طاوس عن قرب الإسناد للحميري ، عن على بن جعفر عن أخيه الكاظم عليه‌السلام ، سألته عن رجل نسي المغرب حتى دخل وقت العشاء ، قال : « يصلّى العشاء ثمّ المغرب » وسألته عن رجل نسي الفجر حتى حضرت الظهر ، قال : « يبدأ بالظهر ثم يصلّي الفجر ، كذلك كلّ صلاة بعد صلاة » (١).

والأمر محمول على الاستحباب إجماعا ، مع أنّه ظاهر في الوجوب ورجحان تقديم العشاء الفائتة على الفجر خاصة ، ولعلّ وجهه خوف طلوع الشمس في بعض الصور الراجح تأخّرها عنه إلى بعد شعاعها اتّقاء عن العامّة ، فيفوته رجحان تعجيل الفائتة ، بخلاف الفجر ، إذ الفرض عدم ضيق وقته ، فلا يخاف فوته ، وإلّا وجب تقديمها إجماعا.

ومنها : ما نقله ابن طاوس في الرسالة (٢) عن أمالى السيد أبي طالب عليّ بن الحسين الحسني بسنده إلى جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « وكيف أقضي؟ » قال : « صلّ مع كلّ صلاة مثلها ».

__________________

(١) وسائل الشيعة ٨ : ٢٥٥ ، الباب ١ من أبواب قضاء الصلوات ، الرواية ١٠٥٧٣.

(٢) رسالة السيد ابن طاوس : ٣٤٤ ؛ مستدرك الوسائل ٦ : ٤٢٩ ، الباب ١ من أبواب قضاء الصلوات ، الرواية ٧١٥٣.

٤٨٦

ودلالته كما عن السيّد صريحة على المواسعة.

ومنها : موثقة عمّار في حديث طويل (١) عن الرجل يكون عليه صلاة في الحضر ، هل يقضيها وهو مسافر ، قال : « نعم ، يقضيها بالليل على الأرض ، فأمّا على الظهر فلا ».

ولفظة « على » ظاهرة في الوجوب فيختصّ بالفريضة دون النافلة ، مضافا إلى النهي عنها على الظهر ، وتبادر الفريضة قطعا من الوحدة المستفادة من التنكير عند الترديد بينها وبين النافلة ، بل لعلّ وجه السؤال ـ كما عن بعضهم ـ اختلاف كيفية فريضة الحاضر الفائتة والمسافر في الإتمام والقصر ، فيتخيّل حرمة إتمام الواجب عليه قضاء في السفر.

ودلالتها على المواسعة ظاهرة ، لأنّه على التضييق إن كان المشي ضرورة فيجوز فعل القضاء ـ حينئذ ـ على الراحلة كالأداء ، وإلّا كان وجب عليه النزول أو الإقامة حتى يفرغ عن القضاء.

ولعلّ أمره بالقضاء بالليل مطلقا ـ كما قاله بعض الأجلّة ـ لعدم تيسر النزول غالبا للمسافر في النهار ، أو لأنّ في الليل من الأفعال ما ليس في غيره ، فهو محمول على المرجوحيّة.

وعليها ينزل أيضا خبر آخر لعمّار (٢) ، الذي رواه الشيخ والسيّد من أصل محمد بن على بن محبوب ، قال : سألته عن الرجل ينام عن الفجر حتى تطلع الشمس وهو في سفر ، كيف يصنع؟ أيجوز له أن يقضي بالنهار؟ قال : « لا يقضي صلاة نافلة ولا فريضة بالنهار ، ولا يجوز ولا يثبت له ، ولكن يؤخّرها فيقضيها بالليل ».

__________________

(١) وسائل الشيعة ٨ : ٢٦٨ ، الباب ٦ من أبواب قضاء الصلوات ، الرواية ١٠٦٢٢.

(٢) نفس المصدر ٤ : ٢٧٨ ، الباب ٥٧ من أبواب المواقيت ، الرواية ٥١٥٩.

٤٨٧

إلّا أنّه عن الشيخ بعد روايته نسبته باعتبار صراحته في الحرمة إلى الشذوذ بمخالفته الكتاب وإجماع الأمّة.

ومنها : ما في صحيحة زرارة : « فإن خشيت أن تفوتك الغداة إن بدأت بالمغرب ، فصلّ الغداة ثم صلّ المغرب والعشاء ، ابدأ بأوّلهما ، لأنّهما جميعا قضاء أيهما ذكرت فلا تصلّهما إلّا بعد شعاع الشمس ». قال : قلت : لم ذاك؟ قال : « لأنّك لست تخاف فوتها » (١).

بناء على إرادة ذهاب شعاعها من تلك العبارة في الأخبار المصرّحة بكراهة التنقّل عند طلوع الشمس وقبل ذهاب شعاعها ، وسمعت بعضها ، إلّا أنّ المشهور ـ كما قيل ـ استثناء قضاء الصلاة بل ذوات الأسباب ـ مطلقا ـ من حكم الأوقات المكروهة ، ولعلّ النهي عنها محمول على تفاوت مراتب الرجحان وأولوية التأخير كما قيل.

ومنها : ما دلّ على جواز النافلة على من عليه فائتة ، كصحيحة أبي بصير عن الصادق عليه‌السلام (٢) ، سألته عن رجل نام حتى طلعت الشمس ، فقال : « يصلّى ركعتين ، ثمّ يصلّى الغداة ».

وفي حديث رقود رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الآتي تقديمه قضاء ركعتي النافلة على قضاء الفريضة.

والخدش في الأوّل بعدم القائل باستحباب تقديم ركعتين على القضاء ، ردّ بعدم ثبوت الإجماع على عدم استحباب ذلك ، وعدم ذكره لا يدلّ على العدم ، ولا استبعاد في ذلك في المندوبات.

__________________

(١) وسائل الشيعة ٤ : ٢٩١ ، الباب ٦٣ من أبواب المواقيت ، الرواية ٥١٨٧.

(٢) نفس المصدر ٤ : ٢٨٤ ، الباب ٦١ من أبواب المواقيت ، الرواية ٥١٧١.

٤٨٨

ومنها : ما ورد في رقود رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في بعض أسفاره بالليل عن صلاة الفجر لغلبة النوم عليه وعلى أصحابه ، ففي صحيحة ابن سنان (١) : « إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رقد فغلبته عيناه فلم يستيقظ حتّى آذاه حرّ الشمس ، ثمّ استيقظ فعاد ناديه » أي مكانه الذي كان فيه أصحابه ، « فمكث ساعة ».

وفي مضمرة سماعة (٢) : « تنحّيه عنه قبله ».

وفي الصحيح (٣) : مخاطبته قبل القضاء لبلال ، واستماع جوابه وأمر الأصحاب بالتنحي عن مكان الغفلة ، فإنّ فيه عند نزوله في بعض أسفاره : من يكلؤنا ، فقال بلال : أنا فنام وناموا حتى طلعت الشمس ، فقال : « يا بلال ما أرقدك؟ » فقال : يا رسول الله أخذ بنفسي الذي أخذ بأنفاسكم ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : قوموا فنحّوا عن مكانكم الذي أخذتكم فيه الغفلة ، وقال : يا بلال! أذّن. فأذّن ، فصلّى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ركعتي الفجر ، وأمر أصحابه ، فصلّوا ركعتي الفجر ، ثم قام فصلّى بهم الصبح » الحديث.

وفي آخر (٤) ، قال : تنحّوا من هذا الوادي الذي أصابتكم فيه هذه الغفلة ، فإنّكم نمتم بوادي الشيطان ، ثم توضّأ ، ـ إلى آخره.

__________________

(١) وسائل الشيعة ٤ : ٢٨٣ ، الباب ٦١ من أبواب المواقيت ، الرواية ٥١٧٠ ؛ وفي الاستبصار ( ١ : ٢٨٦ ، الرواية ١٠٤٩ ) نقل الرواية هكذا : أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رقد فغلبته عيناه فلم يستيقظ حتّى آذاه حرّ الشمس ثم استيقظ فركع ركعتين ثمّ صلّى الصبح فقال : يا بلال ما لك؟ فقال بلال : أرقدني الذي أرقدك يا رسول الله ، قال : وكره المقام وقال : نمتم بوادي الشيطان.

(٢) وسائل الشيعة ٨ : ٢٦٧ ، الباب ٥ من أبواب قضاء الصلوات ، الرواية ١٠٦٢٠.

(٣) نفس المصدر ٤ : ٢٨٥ ، الباب ٦١ من أبواب المواقيت ، الرواية ٥١٧٥.

(٤) مستدرك الوسائل ٣ : ١٦٠ ، الباب ٤٦ من أبواب المواقيت ، الرواية ٣٢٦٤.

٤٨٩

إلى غير ذلك ، مما يظهر منه أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يبادر إلى القضاء زيادة على ما فيه من تقديم قضاء النافلة. وكلّ ذلك تنافي المضايقة.

وربما يستند بأمره صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالأذان والإقامة أيضا.

وفيه أنّهما من مقدمات الصلاة ، ولا بأس بها عند أهل المضايقة ولو ندبا.

والقدح في تلك الأخبار بأنها توجب القدح في النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فيجب طرحها ، كالأخبار المتضمّنة للسهو منه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو من أحد الأئمة عليهم‌السلام (١) ، وربما علّل ذلك ـ كما في الجواهر (٢) وغيره ـ بما دلّ من الآيات (٣) والأخبار على طهارة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعترته عليهم‌السلام من جميع الأرجاس والقبائح والعيوب ، وعصمتهم من العثار والخطل في القول والعمل ، وبلوغهم إلى أقصى مراتب الكمال ، وأفضليتهم ممن عداهم في جميع الأحوال والأعمال ، وأنّهم تنام عيونهم ولا تنام قلوبهم (٤) ، وأنّ حالهم في المنام كحالهم في اليقظة ، وأنّ النوم لا يغيّر منهم شيئا من جهة الإدراك والمعرفة ، ولا يصيبهم لمّة الشيطان (٥) ، وأنّ ملائكة الليل والنهار كانوا يشهدون مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صلاة الفجر ، وأنّهم ما من يوم ولا من ساعة ولا وقت صلاة إلّا وهم ينبّهونهم ليصلّوا (٦) ، وأنّهم كانوا مؤيّدين بروح القدس يخبرهم ويسدّدهم ولا يصيبهم

__________________

(١) وسائل الشيعة ٨ : ٢٠١ ، الباب ٣ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، الرواية ١٠٤٢٤ و ١٠٤٢٨ و ١٠٤٢٩.

(٢) جواهر الكلام ١٣ : ٧٠.

(٣) ( إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) الأحزاب (٣٣) : ٣٣.

(٤) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ١ : ٢١٣ ؛ وصحيح البخاري ٤ : ٢٣١ ، باب كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تنام عينه ولا ينام قلبه.

(٥) كشف الغمّة ٣ : ٣٠٢.

(٦) وسائل الشيعة ٤ : ٢٨٥ ، الباب ٦١ من أبواب المواقيت ، الرواية ٥١٧٥.

٤٩٠

الحدثان (١) ، وأنّهم ليسوا أقلّ من الديكة التي تصرخ في أوقات الصلاة وفي أواخر الليل ، لسماعها صوت تسبيح ديك السماء الذي هو من الملائكة ، وآخر تسبيحه في الليل بعد طلوع الفجر : ربّنا الرحمن لا إله غيره » إلى غير ذلك ، سيما مع تضمّن بعض أخبار الرقود قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنّما نمتم بوادي الشيطان (٢) ، وقد دلّ على أنّ منشأ نومهم تسلّط الشيطان ، وهو تعالى عنه علوّا كبيرا.

مخدوش جدّا ، لمنع كون رقوده قدحا فيه ، بل قال بعض المحقّقين هو رحمة للأمّة ، كما ورد في بعض هذه الأخبار ، لئلّا يعيّر العباد بعضهم بعضا ، نظير تزويجه لزينب في قوله تعالى ( زَوَّجْناكَها لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْواجِ أَدْعِيائِهِمْ ) (٣).

وبالجملة : إنامته سبحانه له لا يوجب قدحا فيه ، سيما إذا كانت لمصلحة وطرف المصلحة كثيرة لا يحصيها ، وعدم علمنا بها بعينها في المقام لا يبيح طرح الأخبار المعتبرة.

والوجوه المذكورة غير متّجهة ، لأنّ غلبة النوم الطبيعي الغير الاختياري ليست من الأرجاس والقبائح ، ولا من العثار والخطل ، إذ لا تكليف معه ، فلا عصيان فلا قبح ولا رجس ، وهل هو إلّا كحال عدم تشريع الصلاة.

ولا ينافي رقوده بلوغهم أقصى مراتب الكمال وإلّا كان اللازم تنزّههم عن مطلق النوم المانع عن العبادات والصلوات المندوبات ، ولا أفضليتهم ممّن عداهم في مشاركتهم إيّاهم في صفة طبيعية ، وقياس النوم بالسهو باطل.

__________________

(١) بصائر الدرجات ٢ : ٩٤.

(٢) وسائل الشيعة ٤ : ٢٨٣ ، الباب ٦١ من أبواب المواقيت ، الرواية ٥١٧٠.

(٣) الأحزاب (٣٣) : ٣٣.

٤٩١

ومنه كما قيل ظهور الفرق عند الأصحاب بينهما بردّهم أخبار السهو وعدم تجويزه الإمامية ، عدا ما في المحكيّ عن أبي علي الطبرسي عن بعضهم من تجويزه السهو والنسيان على الأنبياء في غير ما يؤدّونه عن الله تعالى مطلقا ، ما لم يؤدّ ذلك إلى الإخلال بالعقل ، كما جوّزوا عليهم النوم والإغماء الذين هما من قبيل السهو ، ولم يردّ أحد أخبار النوم عن الصلاة ، وفي الذكرى لم أقف على رادّ لهذا الخبر من حيث توهّم القدح في العصمة ، بل عن صاحب رسالة نفي السهو وهو السيّد المرتضى التصريح بالفرق بين السهو والنوم ، بل ربما يظهر منه نفي ذلك كذلك بين الإمامية ، كما عن والد البهائي في بعض المسائل المنسوبة إليه أنّ الأصحاب تلقّوا أخبار نوم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن الصلاة بالقبول.

ولا يستلزم تيقّظ قلبه عدم إحساسه الوقت في النوم ولا استواء حالتي النوم واليقظة وعدم تغيّر شي‌ء له ولو من جهة الإدراك ، وإن ورد فيه خبر ، فهو على معنى عدم تغيّر ما في عادة الناس من نوم قلوبهم واستيلاء الخيال الاضطراري عليها وغفلتها عن شئون تلك النشأة ، فإنّ حالة النوم ولو للحجج المعصومين غير حالة اليقظة ، وإلّا لم يسترح به البدن ، وليس هو مجرّد عدم إبصار المحسوسات وعدم سماع الأصوات اللذان يحصلان في اليقظة أيضا ، بغضّ العينين وسدّ الأذنين ، بل هو تعطيل النفس عن التصرفات البدنية والإدراكات الحسّية ، وفرقهم عن غيرهم في عدم تعطّل نفوسهم القدسية عن تصرفاتها وعدم غفلتهم عن الأعمال القلبية والإدراكات العقلية دون غيرهم ، وهو معنى : ينام عينه ولا ينام قلبه.

والالتفات إلى وقت الصلاة من المدركات الحسّية ، فلا ينافي عدم نوم قلبه عدم التفاته إليه ، وإن كان على خلاف عادتهم بمشيئته سبحانه.

وما دلّ على شهود الملائكة معهم عند وقت كلّ صلاة غايته الدلالة عليه عند

٤٩٢

انتباههم ، وليس نصّا على ذلك ولو في حال نومهم في جميع الأوقات ، بحيث يعارض صريح مدلول أخبار الرقود.

والنقض بحكاية الديكة أعجوبة ، فإنّ كل مخلوق تيسّر لما خلق له ، وإلّا لزم فضلها على المؤمنين الذين يتفق لهم ذلك أحيانا بلا كلام ولا استبعاد.

وأما قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « إنّما نمتم بوادي الشيطان » فلا يدلّ على أنّ منشأ نومهم تسلط الشيطان ، مع أنّ سلطانه على الذين يتولّونه ، بل هو إخباره بنحوسة هذا الوادي ، لارتباط له بالشيطان ، من قبيل ما ورد من نحوسة بعض البلاد كالبصرة ، لعدم قبولها الولاية ، وتأثير نحوسته الذاتية في أصحابه غير إغواء الشيطان لهم وتسلّطه عليهم.

احتجّ أصحاب المضايقة بوجوه :

الأوّل : الإجماع المحكيّ نقله عن الشيخ والحلّي وابن زهرة (١) ، وأنت بعد الإحاطة على ما حرّرته من تعداد القائلين بالمواسعة من القدماء والمتأخرين وذكر مخالفتهم بعد الاستقراء والاستقضاء واشتهار القول بالسعة بين الأوائل والأواخر من أعيان الإمامية وعظماء الأصحاب ، وسمعت من صاحب الذخيرة نقل الشهرة المتقدّمة كالمتأخرة المحقّقة عليه ، وعن صاحب المفاتيح نسبته إلى أكثر الأصحاب على الإطلاق ، وعن الفاضلين ظهور دعوى إجماع المسلمين عليه في الجملة ، وعن صاحب العصرة أن ادّعاه الشيخ الإجماع العجيب تراه لم يقيّد بقول الشيخين المتقدّمين أي الصدوقين وسلفهما ، إذ لم يعدّهما من الأصحاب ، أو لم يبلغه قولهما أو قول سلفهما ، وعن المحقق الشيخ عبد العالي في تعليق الإرشاد أنّه قال : كلام ابن إدريس غير صريح في دعوى الإجماع على المضايقة ، لأنّه يحتمل أن يراد به الإجماع على أنّ الأدلّة التي ذكرها حجة ، لا أنّ ما استدلّ عليه من هذه المسألة

__________________

(١) راجع جواهر الكلام ١٣ : ٧٧.

٤٩٣

انعقد الإجماع عليه ، واستجوده بعض الأفاضل.

وربما يطعن عليه أنّه مخلط لا يعتمد على تصنيفه ، وربما يدّعي الدعوى ويذكر فيها الإجماع ، ثم ينقضها في مكان آخر قريب منه ويدّعي فيها الإجماع ، وعدّ منه مسائل كذلك ، ونحوه إجماع ابن زهرة ، إذ لا يخفى على الخبير حاله وحال غيره من إجماعاته.

وبالجملة : ترى دعوى الإجماع في مثل تلك المسألة مع اختلاف من ذكرناهم ، على عظم أقدارهم وشهرة آثارهم ممن تقدّم وتأخّر ، من أغرب الدعاوي ، بل كما قيل : كثرة القائلين بالمواسعة أقرب إلى دعوى الإجماع من المضايقة ، إذ أرباب المضايقة المقطوع بفتواهم بها بالنسبة إلى الأولى نذر قليل ، بل لم يعرف عن بعضهم إلّا بالنقل كالقديمين وليس هو كالعيان ، سيما مع ملاحظة السيرة الجارية في الأعصار والأمصار على المواسعة كما مضى.

الثاني : أصالة الاشتغال والاحتياط في البراءة في الفائتة والحاضرة.

والجواب أنّ أصل البراءة وعدم اشتراط العبادة (١) يزيل أصل الاشتغال على ما حرّرناه في الأصول ، مع أنّ أصل الاشتغال غير جار في الفائتة على القول به أيضا.

الثالث : قوله سبحانه ( أَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي ) (٢) ، فإنّه ورد في الفائتة ، حكاه في الذكرى (٣) عن أكثر المفسّرين لقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « من نام عن صلاة أو نسيها يقضها إذا ذكرها ، إنّ الله تعالى قال ( أَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي ) » (٤).

__________________

(١) كذا.

(٢) طه (٢٠) : ١٤.

(٣) ذكرى الشيعة ٤ : ٢٠٥.

(٤) مسند أحمد ٣ : ١٠٠ ؛ سنن الدارمي ١ : ٢٨٠ ؛ صحيح مسلم ١ : ٤٧١ ، الحديث ٦٨٠ ؛ سنن ابن ماجة ١ : ٢٢٨ ، الحديث ٦٩٨ ؛ سنن أبي داود ١ : ١١٩ ، الحديث ٤٣٥ ؛ سنن النسائي ١ : ٢٩٤ ؛ السنن الكبرى ٢ : ٢١٨.

٤٩٤

ودلّت عليه صحيحة زرارة المتقدّمة في رقود النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وغيرها ، فالمراد بالذكر في الآية التذكّر من النسيان ، ويكون معناها : « أقم الصلاة وقت ذكر صلاتي » ، على أن يكون المضاف مقدرا أو وقت ذكر الصلاة ، بناء على أنّ المذكر هو الله ، كما ورد أنّ الذكر والنسيان مما لا صنع للعباد فيهما ، فدلّ على الفور ، سيما مع استدلال الإمام عليه‌السلام به على الفورية ، كما في صحيحة زرارة عن الباقر عليه‌السلام : « إذا فاتتك صلاة فذكرتها في وقت أخرى ، فإن كنت تعلم أنّك إذا صلّيت التي فاتتك كنت عن الأخرى في وقت ، فابدأ بالتي فاتتك ، فإنّ الله عزوجل يقول ( أَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي ) ».

والجواب : أنّ حمل الآية على المعنى المذكور ، أي الذكر بعد النسيان ، خلاف الظاهر وأبعد المعاني الذي ذكرها المفسّرون ، ككونه بمعنى العبادة ، أي لعبادتي من باب عطف الخاصّ على العامّ الذي قبله ، وهو قوله تعالى ( فَاعْبُدْنِي ) ، لما في الصلاة التي هي عمود الدين من شدة الاهتمام ، أو لما فيها من ذكري ، كقوله تعالى : ( فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللهِ ) (١) ، وقوله تعالى ( فَإِذا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللهَ كَما عَلَّمَكُمْ ) (٢) ، وقوله تعالى ( يَذْكُرُونَ اللهَ قِياماً وَقُعُوداً ) (٣) ، أو بمعنى القربة ، أو لذكري خاصّة غير مشوب برياء ، أو ليكون ذكرا لي ، أو لذكري لها وأمري بها في الكتب ، أو لأذكرك بالمدح والثناء وأجعل لك لسان صدق ، أو بالمغفرة ، أو بالمعونة ونحوها ، كما قال عزوجل ( فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ ) (٤) ، فهو من إضافة المصدر إلى الفاعل.

__________________

(١) الجمعة (٦٢) : ٩.

(٢) البقرة (٢) : ٢٣٩.

(٣) آل عمران (٣) : ١٩١.

(٤) البقرة (٢) : ١٥٢.

٤٩٥

وعن الطبرسي (١) تعميم الصلاة في الآية للحاضرة والفائتة ، حاكيا له عن أكثر المفسرين ، راويا له عن الباقر عليه‌السلام ، كما حكي عن الشيخ الذي هو من أصحاب المضايقة في تبيانه (٢) ، ونسبته معنى التذكر بعد النسيان إلى قيل : تمريضا له.

والاستشهاد لإرادة الفائتة بتعليل النبوي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وسائر الأخبار بها غير متّجه ، لأنّه على بقاء الصلاة على عمومها بالنسبة إلى الحاضرة والفائتة يتمّ التعليل على أحد المعاني المذكورة بإطلاق الأمر بها في الآية ولو خرج وقتها ، وعدم اختصاصها بما دام الوقت.

سلّمنا اختصاصها بالفائتة ، فلا يدلّ على أنّ الذكر فيها بمعنى الذكر بعد النسيان ، لإمكان كون المراد بها إيجاب القضاء الذي هو بفرض جديد ، فلا يدلّ على المضايقة ، سلّمنا أنّه بمعنى الذكر بعد النسيان ، فلا يدلّ على التوقيت ، بل يمكن إرادة بيان سببية الذكر للوجوب ، وابتداء حصوله فيه ، كقولهم : إذا شككت في المغرب فأعد ، وإذا أفطرت اقض صومك ، فلا يفيد الفور أيضا.

سلّمنا أنّه يدلّ على التوقيت ، فلا يدلّ على المضايقة أيضا ، بل مفادها وجوب القضاء في زمان التذكّر ، لا في أوّله ، بل لو سلّم أنّ التوقيت من لفظة « إذا » ، وهو في قوّة أقم الصلاة إذا ذكرت ، فلا يدلّ على الفورية أيضا ، كما ستعرف.

قيل : التعليل بالآية في صحيحة زرارة وغيره لوجوب البدأة بالفائتة ، دلّ على أنّ المراد توقيت وجوب القضاء أوّل أزمنة الذكر في الآية.

قلنا : صرف الآية عن ظاهرها ليس بأولى من حمل الخبرين على كون التعليل لمجرّد وجوب الفائتة وكونها غير موقتة بوقت خاصّ ، كما ورد مثله في أخبار

__________________

(١) مجمع البيان ٤ : ٦.

(٢) التبيان ٧ : ١٦٥.

٤٩٦

كثيرة ، مع أنّ صحيحة زرارة المتضمّنة لهذا التعليل مصرّحة بعدم تعجيل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالقضاء ، وتحوّله من مكانه وتنفّله وتكلّمه ثم إتيانه بالقضاء ، فهو قرينة ظاهرة للحمل المذكور.

مضافا إلى أنّ الصلاة تشمل النوافل ، وتعجيل قضاءها ليس بواجب ، وليس حمل الأمر على الاستحباب مع شيوعه فيه في الكتاب والسنّة بحيث جعل مجازا مساويا للحقيقة ، وإبقاء العموم على حقيقته من غير ارتكاب تخصيص بعيدا ، بل ولا أبعد من التخصيص ، فيحمل الأمر في الخبر المعلّل بالآية على الرخصة أو مطلق الطلب الأعمّ من الوجوب اليقيني في البدأة بالفائتة وقت الحاضرة ، دفعا لتوهم منع الجواز وتوهم الرجحان الحاصل من تراكم الأخبار في فضيلة أول الوقت.

الرابع : أنّ الأمر بالقضاء يقتضي الفور ، كما حكى المرتضى عليه الإجماع في أوامر الكتاب والسنّة.

والجواب منعه ، كما عليه المعظم وتبيّن في محلّه ، مضافا إلى أنّ أدلّة المواسعة في المقام تدلّ على إرادة المطلق.

الخامس : الأخبار المتكثرة الدالّة على وجوب القضاء عند حصول التذكّر أو التيقّظ ، وفي جملة منها أنّه وقته ، وهو ظاهر في أوّل زمان الذكر ، كصحيحة زرارة (١) : أربع يصلّيها الرجل في كلّ ساعة ، صلاة فاتتك [ ف ] متى ذكرتها أدّيتها ، وصلاة ركعتي طواف الفريضة ، وصلاة الكسوف ، والصلاة عن الميّت ، هذه يصلّيهنّ [ الرجل ] في الساعات كلّها.

وصحيحة ابن عمار : خمس صلوات لا يترك على كلّ حال ، إذا طفت بالبيت ، وإذا أردت أن تحرم ، وصلاة الكسوف ، وإذا نسيت تصلّي إذا ذكرت ، وصلاة الجنازة.

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٢٧٠ بتفاوت.

٤٩٧

ورواية يعقوب التي وصفها بعضهم بالصحيحة عن الرجل ينام عن الغداة حتى تبزغ الشمس ، أيصلّي حين يستيقظ أو ينتظر حتى تبسط الشمس؟ قال : يصلّي حين يستيقظ. قلت : يوتر أو يصلّي الركعتين. قال : يبدأ بالفريضة (١).

والصحيحة الأخرى لزرارة : إذا نسي الرجل صلاة أو صلّاها بغير طهور وهو مقيم أو مسافر فذكرها. فليقض الذي وجب عليه ولا يزيد ، ولا ينقص ، من نسي أربعا فليقض أربعا حين يذكرها ، مسافرا كان أو مقيما (٢).

وصحيحته الثالثة في قول الله تعالى ( إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً ) (٣) ، قال : يعني مفروضا ، وليس يعني وقت فوتها ، إن جاز ذلك الوقت ثم صلّاها لم يكن صلاة مؤدّاة ، ولو كان ذلك كذلك لهلك سليمان بن داود ، حين صلّاها لغير وقتها ، ولكنّه متى ما ذكرها صلّاها » ، إلى أن قال : « فإن استيقنت فعليك أن تصلّيها في أيّ حال كنت ».

وخبر نعمان الرازي (٤) عن رجل فاته شي‌ء من الصلوات ، فذكر عند طلوع الشمس وعند غروبها ، قال : « فليصلّ حين ذكره ».

وموثقة ابن عمار (٥) عن رجل صلّى بغير طهور ، أو نسي صلاة لم يصلّها ، أو نام عنها ، قال : « يصلّيها ، إذا ذكرها في أيّ ساعة ذكرها ليلا أو نهارا ».

والنبويّ : « من نام عن صلاة أو نسيها فليقضها إذا ذكرها » وفي بعض الروايات

__________________

(١) وسائل الشيعة ٤ : ٢٨٤ ، الباب ٦١ من أبواب المواقيت ، الرواية ٥١٧٣.

(٢) نفس المصدر ٨ : ٢٦٩ ، الباب ٦ من أبواب قضاء الصلوات ، الرواية ١٠٦٢٤.

(٣) النساء (٤) : ١٠٣.

(٤) وسائل الشيعة ٤ : ٢٤٤ ، الباب ٣٩ من أبواب المواقيت ، الرواية ٥٠٤٥.

(٥) التهذيب ٢ : ٢٧١ بتفاوت.

٤٩٨

زيادة : « فذلك وقتها » ، وفي بعضها (١) : « من فاتته صلاة فوقتها حين يذكرها ».

والجواب عنها [ أوّلا : ] إنّ توقيت فعل القضاء بالتذكر ، بقولهم يصلّي إذا ذكرها ، أو حين ذكرها ، أو حين يستيقظ ، وأمثال ذلك ، غايته كون أزمنة الذكر وقت الفعل ، وأما أنّه أوّلها فلا ، إلّا على القول بكون الأمر للفور الممنوع وهل هو إلّا كقوله تعالى ( وَسَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ ) (٢). وقول الآمر : اشتر اللحم إذا دخلت السوق أو حين دخلته ، وأكرم زيدا إذا جاء أو متى جاء ، كيف وإلّا لزم عدم صدق الذكر على التذكّر الثاني في الآنات المتأخرة ، وعدم دلالة تلك الأخبار على وجوب القضاء لو أخلّ في أوّل الأزمنة ، وهو كما ترى ، بل كان قوله : « فذلك وقتها » بعد قوله : « يصلّي إذا ذكرها » تحديد وقته بالآن الأوّل ، وخروج وقت القضاء وانقضائه الذي هو خلاف الضرورة.

ويعارضها ما دلّ على بقاء وجوبه في جميع الأوقات ، كخبر أبي بصير (٣) : « خمس صلوات يصلّيهنّ في كلّ وقت : صلاة الكسوف والصلاة على الميّت وصلاة الإحرام والصلاة التي تفوت وصلاة الطواف من الفجر إلى طلوع الشمس وبعد العصر إلى الليل ».

والمحكيّ عن أصل الحلبي (٤) : « خمس صلوات يصلّيهنّ على كلّ حال ، متى

__________________

(١) صحيح مسلم ١ : ٤٧٧ ، الحديث ٣١٥ ؛ سنن الدارمي ١ : ٢٨٠ ؛ مسند أحمد ٣ : ١٠٠ ؛ سنن البيهقي ٢ : ٢١٨ بتفاوت.

(٢) البقرة (٢) : ١٩٦.

(٣) وسائل الشيعة ٤ : ٢٤١ ، الباب ٣٩ من أبواب المواقيت ، الرواية ٥٠٣٣.

(٤) مستدرك الوسائل ٣ : ١٤٨ ، الباب ٣١ من أبواب المواقيت ، الرواية ٣٢٣١ ؛ تمام الحديث هكذا : السيّد عليّ بن طاوس في رسالة المواسعة والمضايقة نقلا عن أصل عبيد الله بن عليّ الحلبي المعروض على الصادق عليه‌السلام ، قال : « خمس صلوات يصلّيهنّ على كلّ حال ، متى ذكره ومتى أحبّ : صلاة فريضة نسيها ، يقضيها مع غروب الشمس وطلوعها وصلاة ركعتي الإحرام ، وركعتي الطواف ، والفريضة ، وكسوف الشمس ، عند طلوعها وعند غروبها ».

٤٩٩

ذكرت ومتى وجب صلاة فريضة نسيتها ». الحديث.

وأصرح منها ما في آخر صحيحة زرارة (١) بطريقه الآتية الآمرة بصلاة الفجر الحاضرة وتأخير العشاءين إلى بعد شعاع الشمس ، تعليلا بأنّك لست تخاف فوتها.

فالإجماع والأخبار المتقدمة قرينة على عدم إرادة التوقيت بأوّل الزمان ، ولو على فرض دلالته عليه ، بل المراد جميع أزمنة الذكر ، بل من تلك الأخبار الموقّتة ما تضمّن التصريح بالتوسعة ، كصحيحة يعقوب (٢) ، فهو قرينة واضحة على إرادة خلاف ما ذكروه ، ويؤكّده ما ورد في قضاء الصلاة والصوم معا بهذه اللفظ الذي لا يمكن إرادة أوّل الزمان منه ، بملاحظة قضاء الصوم الغير المعجّل إجماعا ، كما روي في من أجنب في رمضان ، فنسي أن يغتسل حتى خرج رمضان : أنّ عليه أن يقضي الصلاة والصوم إذا ذكر.

ويحتمل قويا ـ بل لعلّه الظاهر ـ أنّ تلك الأخبار منساقة لبيان عدم اختصاص وقته بزمان ، بل هي كسائر الصلوات الغير الموقّتة التي عدّها معها في الصحيحين الأولين كغيرهما مما أشرنا إلى بعضه.

ويؤمي إليه ما في الصحيحة الأولى ، من تعميم الأوقات بالساعات كلّها. وما في الصحيحة الثالثة : « بأيّ حال كنت » ، وفي موثقة ابن عمار : « بأيّ ساعة ذكرها ليلا ونهارا ، وإشعار قوله : « وذلك وقتها ووقتها حين يذكرها ».

__________________

(١) وسائل الشيعة ٤ : ٢٩١ ، الباب ٦٣ من أبواب المواقيت ، الرواية ٥١٨٧.

(٢) نفس المصدر ٢ : ٢٥٨ ، الباب ٣٩ من أبواب الجنابة ، الرواية ٢٠٩٩ ؛ و ١٠ : ٦٥ ، الباب ١٧ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ، الرواية ١٢٤١.

٥٠٠