مشارق الأحكام

المولى عبد الصاحب محمد النراقي

مشارق الأحكام

المؤلف:

المولى عبد الصاحب محمد النراقي


المحقق: السيد حسين الوحدتي الشبيري
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤتمر المولى مهدي النراقي
المطبعة: سلمان الفارسي
الطبعة: ٢
الصفحات: ٥٢٨

سببا أو جزء سبب ، حتى يلزم الدور ، بل هو شرط متأخر. ومثله غير عزيز في الشرع ، من قبيل غسل صلاة المغرب للمستحاضة لصحّة صومها المتقدم.

الثالث : يجوز تأخر القبول الفعلي ولو إلى سنة إجماعا ، كما في المسالك (١) والروضة (٢) في جواز توكيل الغائب ، ويدلّ عليه خصوص روايات كثيرة.

ومنعه للقياس بعدم جواز تأخّر القبول اللفظي ، كقوله : قبلت بعد سنة ، فيجرى مجرى الإذن المطلق ، لا التوكيل ، مدفوع : بأنّ تأخير القبول اللفظي في مخاطبة الإيجاب خلاف وضع المخاطبة في العرف والمحاورات ، بخلاف الفعل ، فيجرى مجرى الغلط.

وإفادته فهم الرضا بقبوله الوكالة غير كافية ، لمنع حصول الإنشاء المعتبر في العقد بمثله ، ومجرد فهم الرضا لو كان كافيا لاكتفى بفهمه بشهادة الحال ، كما عن الشافعية ، وقد عرفت ما فيه.

الرابع : للموكّل عزل الوكيل ، بشرط إعلامه بالعزل ، فلو لم يعلمه لم ينعزل. وإن تعذّر إعلامه أشهد به على الأصح الأشهر ، للمعتبرة المستفيضة (٣).

مسألة : يشترط في الوكالة وقوعها منجزّة ، كسائر العقود ، فلا تصحّ معلّقة على شرط متوقّع ، كقدوم الحاجّ ، أو صفة مترقّبة ، كطلوع الشمس ، أو وقت متجدّد ، إجماعا محقّقا ومحكيا ، فهو الدليل ، مضافا إلى منافاته للسببية المستقلة للعقد الثابتة من الشرع لترتّب الأثر عقيبه ، وتركّب السبب من غيره ، وقصد الإنشاء بهما خلاف جعل الشارع.

__________________

(١) مسالك الأفهام ٥ : ٢٣٩.

(٢) الروضة البهية ٤ : ٣٦٨.

(٣) وسائل الشيعة ١٩ : ١٦٢ ، الباب ٢ من أبواب الوكالة ، الرواية ٢٤٣٦٨.

٤٤١

وتوهّم كون الإنشاء بنفس العقد إلّا أنّ اثره وكالة الزمان المتأخر ، عملا بالشرط المشروع ، لعموم : « المؤمنون عند شروطهم » فاسد ، لأنّ المتحصّل من ذلك : صحّة ما لو جعل متعلّق الوكالة ، ـ أعني : الموكّل فيه ـ متأخرا عن وقت العقد ، لا أصل الوكالة ، وشتان ما بينهما ، فإنّه إخراج السبب الشرعي عن سببيته ، فيكون مخالفا للسنة المستثنى من الشروط السائغة.

ومن هذا يظهر قوّة بطلان التعليق على أمر واقع ، كقوله : وكّلت إن طلعت الشمس ، لدلالته على إدخال ما ليس من السبب في السببية ، وإنشاء العقد بهما ، فيخالف السنّة.

واستشكل في بطلان الأخير بعضهم. ونقله جماعة في مطلق العقود ، نظرا إلى وقوع المقارنة المطلوبة لترتّب الأثر على العقد ، وقد علمت عدم انحصار جهة المنع فيه.

فروع :

الأوّل : لا خلاف ظاهرا في جواز تعليق الموكّل فيه ، أي : تقييده بشرط أو زمان ، إذا لم يكن تعليق في نفس الوكالة.

وفي التذكرة (١) والمسالك (٢) وشرح المفاتيح : الإجماع عليه ، وهو الحجة. مضافا إلى عمومات الوكالة.

الثاني : اختلفوا في صحّة التصرف في الوكالة المعلّقة عند حصول المعلق عليه ـ بعد اتفاقهم على بطلان الوكالة على قولين : من أنّ الوكالة إذن خاصّ ، وببطلان الخصوصية لا ينتفي الإذن المطلق ، وهو

__________________

(١) تذكرة الفقهاء ٢ : ١١٤.

(٢) مسالك الأفهام ٥ : ٢٤٠.

٤٤٢

كاف في صحّة الاستنابة. وإنما الثمرة في استحقاق الجعل المسمّى ، نحو ما قالوه في القراض الباطل الذي حكموا فيه بأجرة المثل.

ومن أنّ الإذن حصل في ضمن الوكالة ، وبانتفاء الفصل ينتفي الجنس.

وأورد عليه : بأنّه يفهم من ذلك عرفا بقاء الأذن ، وإن بطلت الوكالة الشرعية ، ولم يترتّب عليه آثارها المختصّة بها.

والحاصل : أنّ خصوصية العقد الوكالي هنا من العوارض الزائدة للإذن ، لا مقوماته الوجودية ، فلا ينتفي بانتفائها.

قال المحقّق القمّي (١) بما خلاصته : قول القائل : أنت وكيلي ، أو مأذون عني غدا في بيع داري ، يدلّ على إذنه ورضاه بالبيع غدا قطعا ، وله جهات : جهة التوكيل الشرعي المحتاج إلى الإنشاء ، وجهة غير التوكيل. والجهتان تعليليتان ، لا يستلزم بطلان إحداهما انتفاء الأخرى.

واستجوده والدي العلّامة ، إلّا أنّه منع صحة النيابة شرعا ، إلّا بالتوكيل ، اقتصارا فيما خالف الأصل على المتيقّن ، وهو الإذن التوكيلي ، دون مطلقه ، وهو المعتمد ، لأنّ صحّة العمل نيابة ، وترتّب الأثر عليه للمنوب عنه شرعا ، كوقوعه من نفسه ، يحتاج إلى توظيفه من الشرع ، والثابت منه حصوله بمطلق الإذن قولا أو فعلا ، وهو معنى التوكيل ، كما نبّه عليه شيخنا الشهيد ، في المسالك (٢) وغيره ، إلّا أنه مشروط بعدم التعليق ، فإذا اقترن لم يصحّ المأذون فيه ، وإن دلّ على الرضا القلبي ، فإنّ تلك الدلالة لا تؤثر في الصحة إلّا على الاكتفاء بالرضا القلبي ، وهو غير كاف في صحّة الاستنابه.

__________________

(١) جامع الشّتات ٣ : ٥١٩.

(٢) مسالك الأفهام ٥ : ٢٣٩.

٤٤٣

ومن هذا يظهر أنّ التفصيل في ذلك بين ما إذا علم من الموكّل انحصار إذنه في كونه على جهة الوكالة ، فيبطل ، وإلّا يصحّ ، لا محصل له.

والحاصل : أنّه لا يتصوّر الصحة مع تسليم بطلان التعليق ، إلّا بجعل الإذن الدال على الرضا قسمين : يسمى أحدهما توكيلا ، والآخر غيره. ثمّ دعوى حصول صحّة المأذون فيه بأيّهما حصل وكلاهما في محلّ المنع جدا.

الثالث : إذا علمت بطلان التوكيل بتعليقه على شرط أو زمان متجدّد ، فلا يختلف الحال في بطلان المعلّق بعدم اتصاله بالمنجز ، أو باتصاله به وانقطاعه عنه مطلقا ، أو تجدّده ثانيا ، فيصحّ الأوّل المنجز ويبطل الثاني ، وإن كان الموكّل فيه متّحدا في الجميع ، كما إذا قال : أنت وكيلي غدا في بيع داري ، أو وكيلي اليوم في بيعها ، وغدا في بيعها ، أو وكيلي في اليوم فيه ، وفيما بعد الغد فيه.

ولو وكّله منجزا لليوم ولما بعد الغد ، فإن رجع إلى تعليق الموكل فيه لما بعد الغد دون نفس الوكالة ، بأن كانت الوكالة ثابتة في الأيام الثلاثة ، ولكن كانت مقيّدة بفعل الموكّل فيه في غير اليوم الثاني ، فلا ضير فيه ، وإن كانت منجّزة للأوّل والثالث ، ومنقطعة عن الثاني ، كما إذا قال : وكّلتك الآن في بيع الدار في اليوم وفيما بعد الغد ، ولست وكيلي غدا ، ففيه إشكال ، من حصول التنجّز للأول والثالث ، غاية الأمر عدم اتصال الوكالة فيهما. ومن أن رجوعهما في الثالث بعد انقطاعهما في الثاني في حكم وكالتين ، إحداهما منجّزة ، والأخرى معلّقة ، وهو الأوجه ، مضافا إلى ما ستعرف من بطلان الوكالة بعد عروض ما يفسدها ، وإن زال المانع بعده ، كجنون أو إغماء ، وأنها لا تعود إلّا بإيجاب متجدد.

الرابع : لو وكّله في بيع شي‌ء معلقا بكونه ملكا له ، فيما فرض عدم علمه بكونه ملكه ، صحّ ، لأنّ التعليق ـ حينئذ ـ تعليق للموكّل فيه بما هو شرط صحّته ، لا

٤٤٤

إدخال شي‌ء زائد في سببية العقد ، فلا ينافي تنجز الإنشاء ، كما لا ينافيه قوله : أنت وكيلي في بيع داري إذا حضر زيد ، أي : عند حضوره.

مسألة : تبطل الوكالة بأمور :

منها عزل الوكيل نفسه : لأنّها عقد جائز مركب من قبوله الذي له الرجوع عنه ، ولا خلاف في ذلك. إنما الكلام في أمرين :

أحدهما : في جواز التصرف له بعد ذلك ، عملا بالإذن العام الضمني المسوغ للتصرف ، وقد عرفت ما فيه.

فما عن المسالك (١) من أنّ الحكم به هنا لا يخلو من رجحان ، مع منعه هناك ، لأنّ الإذن هنا صحيح جامع للشرائط ، بخلاف السابق ، فإنّه معلّق ، غير مقبول.

وعن التذكرة (٢) عكسه ، وإن جزم في القواعد (٣) بصحّته هنا ، وفي السابق احتمالا. وفي السرائر (٤) تردّد فيهما.

وكيف كان ، فالصحة مبنية على كفاية الإذن المطلق في النيابة من غير اقتران بقصد قبول الوكيل لفظا أو فعلا. وهو ممنوع ، إلّا إذا ثبت إجماع على خلافه.

وثانيهما : في أنّ بطلان العقد بعزل الوكيل نفسه هل يوجب بطلان الإيجاب ، فلا ينعقد بقبوله ثانيا ، أو ينعقد كذلك؟

الأشهر : الأوّل.

وقال المحقق القمّي (٥) ، ببقاء حكم الإيجاب في جواز إطلاق الوكيل بعد عزل

__________________

(١) مسالك الأفهام ٥ : ٢٤٠.

(٢) تذكرة الفقهاء ٢ : ١١٤.

(٣) قواعد الأحكام ١ : ٢٥٨.

(٤) السرائر ٢ : ٨٨.

(٥) جامع الشّتات ١ : ٣٣٨ ( الطبع الحجري ).

٤٤٥

نفسه بدون إذن جديد ، ناسبا له لبعض آخر ، لاستصحاب حكم الإيجاب ، وعدم لزوم مقارنته للقبول ، فلا مانع من رجوع عقد الوكالة بوقوع القبول ثانيا.

وربما يتمسّك له ببعض الأخبار ، كصحيحة هشام بن سالم (١) : « الوكالة ثابتة حتى يعلم الخروج منها ، كما أعلمه بالدخول » وهو كما اعترف به المحقق المذكور ظاهر في حكم عزل الموكّل عند علم الوكيل به ، لا عزل الوكيل نفسه ، للإجماع على بطلان وكالته وانتقاضه بالرد ، وإنّما المدّعى عوده ثانيا بمجرّد القبول.

وكيف كان ، فيضعف ما أفاده :

أوّلا : بأن تجدّد الوكالة ثانيا يستدعي الدليل ، والإطلاقات ظاهرة في غير الصورة. ولو سلم إطلاق بعضها ، فهو مصروف عنه بحكم التبادر. والاستصحاب غير جار. لأنّ الإيجاب المتقدّم المؤثر للوكالة قد بطل أثره بالعزل على الفرض ، فهو تجديد لوكالة جديدة مستأنفة ، فيرجع الشكّ في الإيجاب إلى الشكّ في المقتضى الثانوي الذي لا يجري فيه الاستصحاب.

وثانيا : أنّ تأثير الإيجاب الأوّل للوكالة الثانوية المتجدّدة بعد الانقطاع ، يستلزم التعليق على انقضاء مدة العزل ، لأنّها غير الأثر المنجّز ، بل هو في قوّة أن يقول : وكّلتك بعد العزل.

فإن قلت : بطلان التعليق للإجماع ، ولا إجماع هنا.

قلت : مع أنّ الدليل عليه غير منحصر فيه ـ كما عرفت ـ فعدم الدليل على الصحة كاف في البطلان ، كما تقدّم.

ومنها : انقطاع تسلّط الموكل على التصرف حين تصرّف الوكيل ، فينقطع بسقوطه ، لأنّ تصرّفه متقوّم بإذنه وملكه له ، فينتفي بانتفائه. وتأثير السلطنة السابقة

__________________

(١) التهذيب ٦ : ٢١٣ ، الحديث ٥٠٢.

٤٤٦

يحتاج إلى الدليل للأصل ، فتبطل الوكالة بموت الموكّل وجنونه ولو أدوارا ، وإغمائه ولو ساعة ، وحجره فيما وكل فيه لسفه أو فلس. وكذا يشترط بقاء أهلية الوكيل فينتفي بانتفائها بعروض موته ، وانتقالها إلى الورثة ، خلاف المأذون فيه ، وبجنونه وإغمائه.

الظاهر : اتفاقهم في المقامين على البطلان كما في التذكرة (١) والمسالك (٢).

ولا يتوهّم تنافيه لبقاء الوكالة في الطلاق بعد عروض الحيض ، وفي النكاح في الإحرام ، وصحة العمل بعد زوال المانع ، إذ المانع ـ ثمة ـ شرط الموكل فيه ، لا الوكالة وأهلية الوكيل أو الموكّل ، فهو من قبيل شرط تأخيره الذي صح معه الوكالة ، وهنا من قبيل التعليق لنفس الوكالة على زوال المانع.

ثمّ أنّه يتأتّى الخلاف السابق هنا في صحّة العمل بعد زوال المانع بالإذن العامّ الضمني. والظاهر : عدمه ، لما تقدّم.

ومنها : عزل الموكّل الوكيل ، إلّا أنّه يشترط إعلامه بالعزل ، فإن لم يعلمه لم ينعزل ، وفاقا لغير الفاضل في القواعد.

وإن تعذر الإعلام وأشهد به فالمشهور كذلك ، خلافا لجماعة من القدماء ، للمعتبرة المستفيضة ، كصحاح ابن وهب ، وهشام بن سالم ، والعلاء بن سيابة ، وقضاء أمير المؤمنين عليه‌السلام في امرأة استعدته (٣).

وإطلاق الجميع ـ بل ظهور بعضها ـ يشمل صورة الإشهاد أيضا ، فالاستدلال في

__________________

(١) تذكرة الفقهاء ٢ : ١٢٥.

(٢) مسالك الأفهام ٥ : ٢٤٧.

(٣) وسائل الشيعة ١٩ : ١٦١ و ١٦٣ ، الباب ١ من أبواب الوكالة ، الرواية ٢٤٣٦٦ ؛ والباب ٢ ، الرواية ٢٤٣٦٧ و ٢٤٣٦٩.

٤٤٧

مقابلتها ببعض الاعتبارات اجتهاد في مقابل النصوص الصحيحة المعتضدة بالشهرة المحققة.

وكون الوكالة من العقود الجائزة من الطرفين غير مانع للبقاء ، مع عدم بلوغ المنع ، فكم من عقد جائز يلزم ببعض العوارض اللاحقة ، كشروع العامل في الجعالة.

فرع : يختص حكم بقاء الوكالة بما قبل العلم بالعزل به دون سائر المبطلات ، كموت الموكل وجنونه وحجره اتفاقا للأصول الشرعية ، واختصاص المخرج به.

وفي بعض المعتبرة التصريح به في خصوص موت الموكّل.

مسألة : يشترط في متعلق الوكالة أمور :

منها : أن يكون الموكّل فيه مما يقبل النيابة شرعا ، فإنّ الأفعال المترتّبة عليها الآثار الشرعية ، منها : ما تعلق بها غرض الشارع بنفس الفعل دون خصوصية المباشر ، كأكثر المعاملات من البيع والنكاح والطلاق والصلح والإجارة وغيرها ، والتطهير من النجاسات واستيفاء القصاص وأمثالها.

ومنها : ما تعلّق غرضه بصدوره عن خصوص الشخص ، كعبادة الأحياء ، فإنّ الداعي إلى تشريعها غالبا حصول مشقة المكلّف في العمل للامتثال وتذلّله وتقرّبه بنفس العمل ، ومن غير العبادة كالظهار والجنايات ونحوها.

نعم ، لو كان المقصود بالأصالة من العبادة بذل المال ، كأداء الزكاة ، صحّت النيابة فيها. ومثل ذلك ما إذا تعذر للمكلّف نفسه ، كغسل الأعضاء للمريض ، والحجّ عن العاجز.

وقد يحصل الشكّ في صحّة النيابة والوكالة فيها شرعا. والمهمّ بيان الأصل في ذلك ، لمجال الشكّ.

صرّح بعض أجلّة من عاصرناه : أنّ الأصل جواز الوكالة مطلقا إلّا ما خرج

٤٤٨

بالدليل ، بل ربما جعله مستفادا من كلام الأصحاب ، بملاحظة ذكرهم الدليل من النصّ وغيره ، فيما لا يصحّ على وجوب المباشرة دون ما صحّت فيه.

واستدلّ على عمومها بعموم قول الصادق عليه‌السلام في صحيحة ابن سالم (١) : « من وكّل رجلا على إمضاء أمر من الأمور ، فالوكالة ثابتة أبدا ، حتى يعلمه بالخروج منها ، كما أعلمه بالدخول فيها ».

ولا يخفى : أنّ دعوى إفادة كلامهم أصالة الجواز مجرّد دعوى خال عن التحصيل وتعليل المباشرة بدليل في مقام لا دلالة له عليه ، وكم شاع إقامة الأدلّة على ما يوافق الأصول ، والأخبار المذكورة غير ناهضة للمدّعى ، لظهورها في بيان دوام الوكالة حتى يعلم العزل ، لا تعميم الموكّل فيه ، سيما الصحيح الأوّل الذي لا ذكر لمتعلق الوكالة فيه ، بل هو بالنسبة إليه من قبيل المقتضي ، وكون المقصود ترتّب الجزاء على نفس الوكالة من حيث هي ، من غير نظر إلى متعلقها.

والأخيران وإن تضمّنا لفظ العموم إلّا أنه منصرف إلى بيان ما ذكرناه ، وإلّا لزم تخصيص الأكثر الممنوع في تخصيص العموم.

وبالجملة : فللمنع عن الوكالة فيما لم ينعقد الإجماع عليه ، كما اتفق في أكثر المعاملات ، أو فيه نصّ خاصّ ، كما يمكن الاستدلال عليها في البيع ونحوه بقوله تعالى ( إِلّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ ) (٢) مجال واسع. والأصل يقتضي العدم ، كالظهار واللعان والنذور والأيمان والعبادات المندوبة واستيفاء الحدود في حقوق الله وأمثالها. ومن هذا يظهر وجه صحّة إطلاق كلام جماعة من المنع من الاستنابة

__________________

(١) التهذيب ٦ : ٢١٣.

(٢) النساء (٤) : ٢٩.

٤٤٩

في العبادات مطلقا ، وإن كانت مندوبة. وجعله في المسالك (١) أصلا إلّا ما خرج بالدليل.

بل لنا أن نقول : مقتضى الاعتبار عدم قبولها التوكيل ، وعدم قيام فعل الوكيل مقام فعل الموكل ، فإنّ المقصود من العبادة تكميل النفس وتصفية القلب وتذكية الأخلاق وتبديل الأحوال ، والظاهر أنّ عبادة الوكيل غير مؤثرة فيها بالنسبة إلى الموكل ، فما يستفاد من النصوص من صحّة العبادة المندوبة والتلاوة ونحوها بنية الغير ، فهو من باب إهداء الثواب ، لا من باب الوكالة ، ولذا يصحّ ذلك بالنسبة إلى الأموات ، ولا يشترط فيها إذن المهدى إليه ، ولا يسقط خطاب الندب عن المنوب عنه.

والاعتضاد بشرعية العبادة الوكالية بأنّ المعتبر في العبادة ليس إلّا الفعل بقصد القربة ، وجعل الشارع ذلك سببا لترتّب الثواب عليه ، وهو غير مناف للنيابة ، فيندرج في عمومات الوكالة له.

يضعّف ـ مضافا إلى العموم كما مرّ ـ بأنّ المستفاد من الآيات والأخبار : أنّ الحكمة في شرعيتها حصول التقرّب إلى الله تعالى لفاعلها ، وظهور آثار العبودية لعاملها ، وأنّ ذلك من قبل الغير.

وهل يحتمل أحد أن من أحيا ليلة القدر بالعبادة والتضرع والابتهال نيابة عن غيره المشغول بالملاهي والمناهي ولو بإذنه ، أدرك الغير فضل ليلة القدر والفوز بثواب إحياءها وآثاره؟

وهل مواظبة النوافل والعبادات استنابة عن فاسق مجاهر بالملاهي منغمر في دركات الدنيا وحطامها ، يوجب وصوله إلى درجات النعيم التي أعدّت للمتقين ولا

__________________

(١) مسالك الأفهام ٥ : ٢٥٥.

٤٥٠

يجزون إلّا ما كانوا يعملون. ونعم ما قيل في الفارسية :

« نام حلوا بر زبان راندن نه چون حلوا بود ».

إن هو إلّا كاستنابة الأكل للجوعان وشرب الماء عن العطشان.

ومن هنا يظهر الإشكال في جعل مواضع الاستثناء في العبادات من باب الوكالة ولو في مثل نيابة الحجّ عن العاجز. وإطلاق الوكالة عليه من باب المجاز ، كما حمل عليه في المسالك (١) قول المحقّق الثاني : ويصحّ التوكيل في الحكم والقضاء بين الناس ، قائلا بأن مراده نصب الإمام أو نائبه الخاصّ تولية القضاء للغير ، وتسميته وكالة مجاز ، وأمّا عن النائب العام في الغيبة فلا يجوز إلّا للفقيه الجامع ، وهو متأصّل فيه ، فلا يتصوّر فيه النيابة.

فرعان :

الأوّل : ربما يظهر الخلاف منهم بعد الاتفاق على عدم صحّة توكيل المحرم غيره في إيقاع النكاح وابتياع الصيد حال الإحرام ـ في صحّته في إيقاعهما حال الإحلال.

ففي المسالك (٢) : ظاهر العبارة منعه ، والأولى : الجواز.

وعن جامع المقاصد (٣) : ظاهرهم عدم الجواز ، محتجّا بعدم كونه مالكا لمباشرة هذا التصرف الآن ، وهو شرط ، فهو كما لو وكل في طلاق امرأة سينكحها.

وفي الروضة (٤) : منع الظاهر ، بل الظاهر كونه كالتوكيل في طلاق الحائض بعد

__________________

(١) مسالك الأفهام ٥ : ٢٥٦.

(٢) نفس المصدر.

(٣) جامع المقاصد ٨ : ١٧٧.

(٤) الروضة البهية ٤ : ٣٦٧.

٤٥١

الطهر ، وقد عرفت صحّته ، فمقتضى القاعدة المذكورة صحته إلّا إذا ثبت الإجماع وغيره على خلافه ، والبحث عنه موكول إلى محلّه.

الثاني : لا شكّ ـ كما عليه السيرة المستمرّة ـ في صحّة نصب الحاكم الشرعي من يتولّى أمر الوقف الفاقد للناظر الخاص من قبل الواقف ، وتعيين من يقوم بأمر الصغير الفاقد لمن يتولاه. فهل هو من النيابة التوكيلية عن الحاكم ، فيلزمه اشتراط شرائط الوكالة مما ذكر ويذكر ، ويبطل بموت الحاكم الموكّل ، أو من باب تولية القضاء حيث جاز ، فلا يجوز التصرف لغيره قبل عزله أو انعزاله فيه؟

وجهان : من عدم دليل على ولاية الحاكم وتسلّطه على نصب من ذكر تولية ووصاية ، ومن اقتضاء الوكالة اقتصار الوكيل على التصرف السائغ للوكيل ، مع أن السائغ في أمثال ما ذكر التجاوز (١) عنه من غير نكير ، وقيامه فيما يتولّاه بكل ما يتولّى فيه الحاكم.

والأوجه الأوّل ، اقتصارا في ولاية الحاكم على ما يقتضيه الدليل ، ومنع شمول عمومات الولاية لتفويض ما هو شأنه المقرّر في الشرع لغيره.

ودعوى السيرة القطعيّة المعتبرة فيما اقتضاه ممنوع جدّا. ولم نتحقّق في مظان عنوانات ولاية الحاكم في كلماتهم ما يتناول مثل ذلك. فعلى هذا فلا يجوز للمتصرّف لقيام أمر الطفل من الحاكم بيع ماله المنتقل إليه بعد حال النصب بإرث أو هبة ، بل باشتراء الحاكم ونحو ذلك ، مما لا يملكه الحاكم للطفل حال التوكيل ، كما ستعرف تفصيله وتحقيقه.

ونحوه في الوقف ، فيما يتفرّع على تصرّف الحاكم نفسه ونحوه ، وانعزاله بموت الحاكم لبطلان الوكالة بموت الموكّل.

__________________

(١) كذا.

٤٥٢

ومنه يظهر : أنه لا يجوز للحاكم نصب أحد على قيام أمور الصغار مطلقا حيث اتّفق ، وإن لم يتولّه بعد حال النصب ، أو لم يتولّه الحاكم بعد حياة الوصيّ ونحوه على قيام أمور الأوقاف العامّة كذلك.

وفي حكم القيّم للصغير والناظر للوقف ، نصب الحاكم من يأخذ سهم الإمام عليه‌السلام من خمس ما سيوجد ، والتصرف في مجهول المالك مما سيحصل ، وغير ذلك مما للحاكم الولاية فيه.

نعم ، ليس لغير الحاكم الموكّل من سائر الحكام عزل من نصبه ، لأنّ توكيله تصرف حكومي وولائي ، فلا يجوز نقضه لغيره ، بل في جواز تصرف حاكم آخر أو مأذونه في أمر من أمور من وكّله فيها ، إذا كان مقصود الحاكم من استنابة المنصوب من قبله حصر المتصرف فيها وجهان : من أنه كان لحاكم آخر مشاركة الأوّل قبل توكيله ، والوكيل نائبه ، فلا يزيد على الأصل ، ومن أنّ مقتضى ولايته العامّة نفوذ هذا التصرف منه ، فلا يجوز نقضه لغيره. والمسألة محلّ إشكال ، ينبغي الاحتياط فيه.

ومنها : كون متعلّق الوكالة مما يملكه الموكل ، فلا تصحّ فيما لا يملكه ، كالمستحيل عقلا والمحرّم شرعا ، كالغصب والسرقة والقتل وسائر المعاصي.

وأحكامها تلزم المباشر إجماعا.

والمشهور : اشتراط ذلك من حين التوكيل إلى وقت التصرف.

وعن جامع المقاصد (١) والتذكرة (٢) : الإجماع عليه ، فلا يجوّزون التوكيل في طلاق من سينكحها ، وبيع ما سيملكه ، وعتق عبد سيشتريه.

واستشكل إطلاق القول بذلك ، بأنّ الظاهر : أنّهم يجوّزون التوكيل في الطلاق في

__________________

(١) جامع المقاصد ٨ : ٢٠٧.

(٢) تذكرة الفقهاء ٢ : ١٣٤.

٤٥٣

طهر المواقعة وفي الحيض ، ويجوّزون التوكيل في تزويج امرأة وطلاقها ، وشراء عبد وعتقه ، واستدانة دين وقضاءه.

وفي التذكرة (١) : صحّ ذلك كلّه.

ومنها ـ كما في جامع المقاصد (٢) ـ : ما لو قال : طلّق زوجتي ثلاثا ، فإنه يكون وكيلا في الرجعتين بينهما. قال : ولكن يرد عليه أنّ ذلك توكيل في تصرف لا يملكه الموكّل وقت التوكيل. فإنّ الرجعة يملكها بعد الطلاق ، فحقه أن لا يصحّ.

ثم أجاب بأنّه ليس ببعيد أن يقال : إنّ التوكيل في مثل هذا جائز ، لأنّه وقع تابعا لغيره ، ونحوه ما لو وكّله في شراء شاتين وبيع إحداهما ، أمّا لو وكّله فيما لا يملكه استقلالا ، كما لو وكّل في طلاق زوجة سينكحها لم يصحّ.

والفرق بين وقوع الشي‌ء أصلا وتبعا كثير ، لأنّ التابع وقع مكمّلا بعد الحكم بصحّة الوكالة واستكمال أركانها.

وعن التذكرة (٣) إيماء إليه أيضا.

واعترض بعض أجلة من عاصرناه بمنع الفرق بين التابع والمستقلّ ، مع تناول أدلّة الوكالة للقسمين ، بل مشروعية المضاربة حجة عليه ، فإنّها من الوكالة أيضا ، فلا بدّ أن يقال : ما يرجع منها إلى معنى التعليق باطل ، باعتبار اقتضاء تأخر متعلقها تأخر [ ها ] ، أمّا ما لا يرجع إلى ذلك ، بأن جعله وكيلا عنه فيما هو أهل له ، ولو بإيجاد سببه المتأخر عن حال العقد صحّ ، وإن لم يجعله تابعا في وكالة شخص خاصّ ، بل وكّل شخصا على الشراء وأخرى على بيع ما يشتريه.

__________________

(١) تذكرة الفقهاء ٢ : ١٣٤.

(٢) جامع المقاصد ٨ : ٢٠٧.

(٣) تذكرة الفقهاء ٢ : ١٣٤.

٤٥٤

ثم قوّى لذلك القول بمشروعية الوكالة في الجميع ، من غير فرق بين الموجود المتجدّد ، حتى ما لا يملكه بإرث وهبة وغيرهما ، وقال : إنّ العنوان المزبور في الشرط المذكور ليس في محلّه.

أقول : بل ما أفاده خبط ليس فيه رشاد ، وهل يجتمع أصحاب الفقه على ما لا أصل له؟

ولتحقيق ذلك نقول : إنّ من الأمور الضرورية عدم صحّة التوكيل إلّا فيما يملكه الإنسان ويجوز له التصرف فيه شرعا ، حتى ينعقد النيابة عنه فيه ، فلا يجوز أن يوكّله في طلاق امراة أجنبية وبيع مال زيد ، ففي توكيل طلاق امراة سينكحها ، إن أريد به الوكالة في الطلاق بعد النكاح ، بأن يكون متعلّق الوكالة بعد النكاح ، فهو تعليق وتأخير لنفس الوكالة ، وهو باطل ، وإن أريد الوكالة في الحال ، فالموكّل فيه مما لا خيار له فيه ولا يملكه قبل النكاح ، فكيف جعله متعلّقا للوكالة الحالية؟

واقتدار الموكل على إيجاد السبب لا دخل له فيما وكّل فيه الوكيل من حيث تعلق الوكالة عليه إلّا بإرجاعه إلى تعليق الوكالة وتأخيره بما بعد وجوده.

وبهذا يظهر الفرق بينه وبين التوكيل في النكاح ثم الطلاق ، فإنّ هذا الترتيب ملكه الموكل حين العقد ، وقد جعله وكيلا في هذا الترتيب ، فهو من قبيل المركّب الذي تأخّر بعض أجزائه عن بعض.

والحاصل : أنّ الضابط في الفرق فيما يصحّ وما لا يصحّ ، ملاحظة الفعل الذي وكّل فيه ، من حيث كونه متعلق الوكالة ، لا من حيث كونه مقدورا للموكل أو موكولا على الاتفاق أحيانا ، لعدم مدخليته ـ حينئذ ـ في الوكالة التي تعلق بها العقد إلّا بإرجاعها إلى التعليق الباطل.

ومن ذلك يظهر : أنّ ما ذكره الشيخ المعاصر من صحّة توكيل شخص خاصّ في

٤٥٥

الشراء وآخر في بيع ما يشتريه غير متّجه.

فإن قلت : لا ينحلّ بذلك الإشكال بالنقض بصحّة الوكالة حال الحيض أو طهر المواقعة ، لعدم صحّة الطلاق حين العقد للموكّل ، ولا سبب صحّته باختياره ، مع أنّ صحّتها لعلّها محلّ الإجماع.

قلت : فرق بين عدم الصحّة لعروض مانع ـ سواء كان في حال العقد أو بعده ، حيث لا ينتقض به الوكالة لو عرض في الأثناء أيضا ـ وبين عدم مملوكيته للمالك بالذات ، وعدم المقتضي له حال التوكيل ، ولذا جعلوا عنوان الشرط ملكه للموكّل فيه ، لا صحّته منه ، نظير الفرق بين صحّة إيجاب الصلاة على البالغ العاقل قبل الوقت وعدم صحّته قبل بلوغه ، ولذا يصحّ أن يقال للزوج حال حيض الزوجة : أنّه مالك لطلاقها ومالك لبضعها ، ولا يصحّ أن يقال له ذلك بالنسبة إلى الأجنبية ، فالتأخر اللازم هنا إلى زوال العذر مما يرجع إلى الموكّل فيه لا الوكالة ، فلا ضير فيه ، ولذا لا تبطل الوكالة بعروض الحيض الواقع في الأثناء ، وتبطل وكالة بيع فرسه إذا باعه نفسه ثم اشتراه في الأثناء ، وهذا عساه أن لا يشكّ فيه.

وربما يحصل الشكّ في أنّ المورد من أيّ القسمين ، كالتوكيل في نكاح صغيرة بعد بلوغها ، ولعلّه كان صحيحا لأنّه مالك لنكاحه ، ولذا يصحّ أن يزوّجها وليّها دائما ، لمانع عدم نفوذ قبولها قبل البلوغ ، لحجرها بالصغر ، بخلاف التوكيل في تزويج المزوّجة بعد طلاقها. ونحوها المعتدّة بالعدّة الرجعية ، لأنّها في حكم الزوجة ، وأما المعتدة البائنة ، فلا يبعد الصحّة وتوكيل ما يتعلق بما سيورث أو سيوهب ، كما صحّحه الشيخ المعاصر ، والظاهر : عدم صحّته ، فاجعل ما حققناه ضابطا للمقام ، وافهم واغتنم.

٤٥٦

فرع : لو وكّله في جميع أموره المتعلقة به من الموجودة والمتجدّدة ، فمقتضى الضابطة المقرّرة : صحّة المتجددات المترتّبة على الموجودة ، كبيع ماله ثم اشترائه به مالا آخر ثمّ بيعه ثانيا وهكذا ، وشراء ملك وإجارته ودعوى الغبن والفسخ به إذا كان مغبونا ، ونكاح امراة له وطلاقها وطلاق امرأته الموجودة ، وأمثال ذلك.

ولو نكح الموكّل نفسه امرأة بعد التوكيل المزبور أو [ أعتق ] عبدا ، فالوجه عدم صحّة طلاقها وعتقه بالوكالة العامة السابقة ، لا بوكالة متجددة. والله العالم.

٤٥٧
٤٥٨

[ المشرق السادس وعشرون ]

[ في اقتضاء اليد الملكية ]

مشرق : من القواعد المتداولة بل المسلّمة عند الفقهاء : اقتضاء اليد للملكية أو الاختصاص في ظاهر الشرع ، إلى أن يخرج عنها بدليل كاشف عن الواقع ، من بيّنة أو إقرار ونحوهما.

وعن بعضهم : كونها إجماعية.

وعن آخر : أنّها ضرورية.

وعليها استفاضت الأخبار في موارد غير عديده. بل قيل : إنّها متواترة معنوية.

ومن أدلّتها على الإطلاق والضابطة الكلّية ، رواية حفص بن غياث ، المروية في الكتب الثلاثة (١) ، المنجبرة بعمل الكلّ ، وفيها : أرأيت إذا رأيت في يد رجل شيئا أيجوز أن أشهد أنّه له؟ قال : « نعم » قلت : فلعلّه لغيره : قال : « ومن أين جاز لك أن تشتريه وصار ملكا لك ، ثمّ تقول بعد الملك : هو لي ، وتحلف عليه ، ولا يجوز أن تنسبه إلى من صار ملكه إليك من قبله؟ » ثم قال : « ولو لم يجز هذا ما قام سوق للمسلمين ».

__________________

(١) الكافي ٧ : ٣٨٧ ، الحديث ١ ؛ التهذيب ٦ : ٢٦١ ؛ الفقيه ٣ : ٣١.

٤٥٩

ومنها : المرويّ في تفسير القمّي (١) صحيحا ، وفي الاحتجاج مرسلا ، عن مولانا الصادق عليه‌السلام ، في حديث فدك لمولانا أمير المؤمنين عليه‌السلام قال لأبي بكر : « تحكم فينا بخلاف حكم الله في المسلمين »؟ قال : لا. قال : « فإن كان في يد المسلمين شي‌ء يملكونه ادّعيت أنا فيه ، من تسأل البيّنة؟ » قال : إيّاك أسأل البيّنة على من تدّعيه.

قال : « فإذا كان في يدي شي‌ء فادّعى فيه المسلمون ، تسألني البيّنة على ما في يدي وقد ملّكته في حياة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وبعده ، ولم تسأل المؤمنين على ما ادّعوا عليّ ، كما سألتني البيّنة على ما ادّعيت عليهم ».

ومنها : موثّقة يونس بن يعقوب (٢) : المرأة تموت قبل الرجل ، أو رجل قبل المرأة.

قال : « ما كان من متاع النساء فهو للمرأة ، وما كان من متاع الرجل والنساء فهو بينهما ، ومن استولى على شي‌ء منه فهو له ».

ولا شكّ أنّ ما في اليد يصدق عليه الاستيلاء.

وغير ذلك من الإطلاقات ، وما ورد في موارد خاصة ، يعلم من تراكمها كون الجهة المقتضية للاستحقاق هي اليد.

ولا إشكال في ذلك ، إنّما يقع الكلام تارة : في معنى اليد وضبط مصاديقها التي قد يتطرق فيها الإبهام ، وأخرى في شرائط اقتضاءها الملكية وما فيه من الخلاف.

فهنا مقامان :

المقام الأوّل : في المراد من اليد.

لا شبهة أنّه ليس المراد منها العضو المخصوص ، بل المعنى المتفاهم منه عرفا وما فهمه الأصحاب ، هو كونه تحت اختيار الشخص وتصرّفاته والاستنفاع منه ،

__________________

(١) تفسير القمّي : ٥٠١.

(٢) التهذيب ٩ : ٣٠٢.

٤٦٠