مشارق الأحكام

المولى عبد الصاحب محمد النراقي

مشارق الأحكام

المؤلف:

المولى عبد الصاحب محمد النراقي


المحقق: السيد حسين الوحدتي الشبيري
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤتمر المولى مهدي النراقي
المطبعة: سلمان الفارسي
الطبعة: ٢
الصفحات: ٥٢٨

ومن التنقيح ، بعد نقل عدم صحة بيع ما يراد طعمه وريحه من غير اختبار عن أبي الصلاح والقاضي وسلّار : لأنه مجهول ، فهو بيع غرر ، وقد نهى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن بيع الغرر ، إلى غير ذلك من كلمات المتقدّمين والمتأخرين في موارد مختلفة.

ويظهر من كلمات هؤلاء الأعلام واللغويين وغيرهم : أنّهم متّفقون على أخذ الجهالة والخطر في معنى الغرر ، بل لولاه وجب الوقوف (١) عليهما أيضا ، أخذا بالمتيقّن من النهي ، مضافا إلى تبادره فيهما. إذ لا غرور ولا خداع مع الأمن من الضرر أو العلم به فيما علم البناء على التغابن فيه.

فإن قلت : فعلى هذا يلزم صحة بيع الضال والآبق والطير في الهواء عند العلم بعدم حصولها ، مع أنّ الظاهر اتفاق كلماتهم الشاملة بإطلاقها لصورة العلم في اشتراط القدرة على تسليم المبيع ، استنادا إلى نفي الغرر.

قلت : بطلان البيع فيما ذكر مسلّم ، ولكنّه مع العلم ليس لكونه غررا ، بل لأنّه من باب أكل المال بالباطل ، فإنّ مع العلم بعدم الحصول يخرج عن كونه مالا وإن كان ملكا ، ويكون في حكم عدمه وخلوّ الثمن عن العوض. نعم ، لو فرض له منفعة كعتق الآبق للكفارة ، فلا نسلّم بطلانه مع العلم.

وأمّا إطلاق تمسّكهم بنفي الغرر فيما ذكر ، فهو مبنيّ على الغالب من عدم انسداد باب الاحتمال.

وبالجملة : فلا غرر مع العلم بالضرر ، ولا مع الجهل بالمبيع وعدم المخاطرة ، كبيع أحد عبدين متساويين في القيمة والصفة ، وإن كان باطلا باعتبار الجهالة الواقعية ، والإطلاق في بطلان المجهول بنفي الغرر في بعض الكلمات مبنيّ على الغالب أو الغفلة والتسامح.

__________________

(١) كذا.

٣٠١

ومن هذا يظهر صحّة بيع صاع حنطة معيّنة مردّدة بين كونها من إحدى القريتين مع عدم اختلافهما في الوصف والقيمة. نعم ، إذا كان المبيع المعيّن مردّدا بين جنسين مختلفين وإن تساويا في القيمة ، كحنطة وحمص أو دهن وعسل ، فيشكل الحكم بالصحة ، لحصول الغرر ، لعدم انحصار الخطر في اختلاف القيمة ، بل يحصل ـ أيضا ـ باختلاف النوع والصنف وصفاتهما المقصودة باختلاف الأغراض والأعراض.

وبالجملة : لا إشكال في اشتراط الجهل والخطر في حصول الغرر ، وإنّما يجب التنبيه على تفصيله في أمور :

الأوّل : في متعلّق الجهل

والظاهر أنّه يعمّ الجهل بوجوده ، كبيع الغائب المتردّد في وجوده وبيع الحمل ، أو بحصوله في يد من انتقل إليه ، كالآبق والضال والمجحود والمغصوب ، أو بصفاته كمّا وكيفا ، لصدق الغرر في جميع ذلك.

وربما يحكى عن بعضهم اختصاصه بالجهل بصفات المبيع ومقداره ، لا مطلق الخطر الشامل له في تسليمه ، لحصوله في بيع كلّ غائب ، بل هو أوضح في بيع الثمار والزرع ونحوهما.

ويضعّف : بأن تقييد الخطر في كلام أهل اللغة بما ذكر ، مع أنّ الخطر أظهر بالنسبة إلى عدم الحصول مما لا وجه له ، سيما مع اشتهار التمثيل ببيع الطير في الهواء والسمك في الماء ، وخصوصا مع شيوع استدلال الخاصّة والعامّة باشتراط القدرة على التسليم بنفي الغرر كما عرفت.

وعن الشهيد في قواعده (١) عكس ذلك ، فخصّه بمجهول الحصول دون مجهول

__________________

(١) القواعد والفوائد ٢ : ١٣٧ ، القاعدة ١٩٩ ؛ غاية المراد في شرح الإرشاد ٤ : ٣١.

٣٠٢

الصفة المعلوم الحصول ، وقال : وليس من الغرر كحجر لا يدري أنّه ذهب أو فضّة أم نحاس أم صفر. وهو ـ أيضا ـ ضعيف وتقييد بلا دليل عنه غريب. وعن شرحه على الإرشاد ما يظهر منه التعميم.

الثاني : في كيفية الخطر فيظهر من بعض الأساطين : أنّه باعتبار نقصان ما انتقل إليه عما يقابله من حيث ذاتهما بحسب القيمة ، فلو باع المتردّد بين الزائد والناقص قدرا أو صفة أو قيمة ، كالمجهول المردّد بين كونه ذهبا أو نحاسا بقيمة النحاس ، أو اشترى العبد الآبق بثمن قليل للعتق في الكفّارة ، لم يكن غررا ، لخلوّه عن المخاطرة للجاهل.

ولا يخفى أنّ إطلاق كلماتهم في بطلان بيع مجهول الصفة أو القدر أو العبد الآبق تمسكا بلزوم الغرر يعمّ بطلان جميع ذلك ، فضلا من مجهول الجنس ، كبيع ما في الصندوق المتردّد بين أجناس مختلفة متفاوته القيمة بقيمة الأقلّ. بل الظاهر عدم الخلاف في فساده وكونه غرريا ، فالتحقيق في توجيه المقام وسرّه أنّ مناط الخطر ليس نقصان ما بإزاء المنتقل إليه من العوض قدرا وقيمة ، بل العبرة بهما من حيث تعلّق العقد بهما وقصد المتعاقدين من عقد المعاوضة. ولا شكّ أنّه إذا اشترى ما يتردّد بين الجيّد والرديّ أو القليل والكثير ولو بأقلّ من الثمن ، فهو من حيث كونه مبيعا ومقصودا من العقد محلّ الخطر لجهالة قدره وصفته ، وإن كان الثمن الذي يبذله يكون أقلّ المحتملات وسالما عن الضرر من حيث هو ، مع قطع النظر عن تعلق القصد به من العقد ، فلا يخرج به عن الغرر ، كما أن الجهل بالقيمة مع العلم بالقدر والصفة لا يوجب الغرر ، ولا يبطل به البيع ، وإن كان متضمّنا للغرر فيجبر بالخيار ، لدليل آخر يقتضيه لعدم كونه من حيث القيمة متعلقا للعقد. فتفطّن ولا تغفل.

٣٠٣

الثالث : في مقدار الخطر من جهة العرف

واختلف في المعيار المعتبر في صدقه عرفا ، ففي المحكيّ عن الشهيد في شرح الإرشاد : أنّ الغرر احتمال مجتنب عنه في العرف ، بحيث لو تركه وبّخ عليه.

واعترض عليه : أنّ مقتضاه أنّه لو اشترى الآبق والضال المرجو الحصول بثمن قليل لم يكن غررا ، لأنّ العقلاء يقدمون على الضرر القليل رجاء للنفع الكثير ، وكذا لو اشترى المجهول المردّد بين النحاس والذهب بقيمة النحاس ومجهول المقدار بثمن المتيقن منه ، فإنّ ذلك كلّه مرغوب فيه عند العقلاء ، مع إطباق كلماتهم وإطلاق عباراتهم في كونه غررا منهيّا عنه ، إلّا أن يحمل كلامه على الاجتناب الراجح (١) باعتبار الجهل به في نفسه لا الفعلي المرغوب فيه أحيانا لجهة خاصة به ، ولا عبرة بمسامحة العرف في بعض المقامات وإقدام العقلاء عليه أحيانا ، ولذا لا يغتفر شرعا في مدة الخيار الجهل ولو بساعة وساعتين المعلّل عندهم بنفي الغرر ، مع أن العرف لا يداقّون في مثل تلك الجهالات غالبا.

وربما يظهر من بعضهم أنّ الجهالة التي لا يرجع الأمر معها غالبا إلى التشاحّ ، بحيث يكون النادر كالمعدوم لا يعدّ غررا ، كتفاوت المكاييل والموازين ، وهو ـ أيضا ـ لا يخلو عن إجمال وإبهام.

والتحقيق : أنّ معيار الغرر في العرف هو الخطر الذي يجتنب عنه مطّردا أو غالبا كان خلافه نادرا في حكم المعدوم ، فلا عبرة بمجرّد المسامحة في بعض المقامات لجهة عارضة شخصية.

وتوضيح ذلك : أنّ تسامح العرف بالجهل على وجوه :

أحدها : أن يكون متعلّقه أمرا يسيرا لا يتعلّق به قصد يقيني به ، ولا يترتّب عليها فائدة معتدّة كتفاوت الكيل والوزن.

__________________

(١) في الأصل الرابع وهو تصحيف ظاهرا.

٣٠٤

وثانيها : أن يكون مما يتعذّر أو يتعسّر معرفته إلّا نادرا ، فلا يعتبرها العرف في معاملاتهم ومكاسبهم ، كتفاوت أساس الجدران وبواطن العمارات في كونها من الطين أو الجصّ والساروج ، وأعماق منابت الأشجار والبساتين في كونها حجرا أو ترابا.

وثالثها : أن يكون التسامح دائرا مدار عدم فائدة مهمّة ، وهذا يختلف باختلاف الأغراض والمصالح ، كتفاوت يوم ـ بل ساعة ـ في اختلاف مدّة الخيار ، فقد يداقّون فيه بملاحظة لزوم البيع وعدمه به والمتسامح به المغتفر في الشرع ، فهو الأوّلان دون الأخير ، لما عرفت. ومن ذلك اتّفاقهم على اشتراط تعيين مدّة الخيار ، بحيث لا يحتمل زيادة ولا نقيصة ولو بزمان قليل تمسّكا بنفي الغرر.

البحث الثاني : كما أنّ الغرر يحصل في البيع الجزئيّ الشخصيّ ، يحصل في الكلّي ـ أيضا ـ إذا كان مبهما في أنواعه وأقسامه وأفراده المختلفة قيمة أو صفة يختلف بها الأغراض والفوائد ، فيفسد به البيع ، كما صرّح به غير واحد ، لعموم الدليل.

فإن قلت : الكلّي الطبيعيّ إذا كان متعيّنا بمفهومه فمشخّصاته النوعية أو الفردية غير داخلة في المبيع ، فلا يحصل بعدم تعيّنها الغرر في البيع ، ولزوم التخصّص بواحد فيها عند الإقباض من باب المقدّمة ، وهي على اختيار البائع ، وإلّا لم يصحّ بيع الكلّي مطلقا.

قلت : المبيع الكلّي وإن كان متعيّنا في نفسه ، إلّا أنّ تعلّق القصد ببيعه وشرائه لا ينفكّ عن تعيّنه بمشخصاته الخارجية المقوّمة لوجوده الخارجيّ ، ضرورة أنّ الموجود الخارجيّ هو مقصود المتبايعين بالمعاوضة حقيقة ، فلا يتسامح بتفاوته الفاحش لسائر أفراد الكلّي ، وإن كان بحسب الدلالة اللفظية مدلولا تبعيا ، فيصدق عليه الغرر والخطر عرفا إذا لم يتعيّن الشخص ، كما في بيع فرس كلّي صادق على

٣٠٥

ما يسوى العشرة وما فوقها إلى مائة ونحوها.

نعم ، إذا كانت الكلّي خصوصياته الفردية متشابهة لا يختلف بها الأغراض والأوصاف المختلفة بها القيمة والرغبات يصحّ بيعه بإطلاقه ، لانتفاء الخطر ، ويكون التعيين ـ حينئذ ـ باختيار البائع من باب المقدّمة.

البحث الثالث : قد عرفت أنّ صدق الغرر مشروط بثبوت الخطر والجهل به ، ومجرد الجهل من غير خطر غير كاف في صدقه. نعم ، إذا كان الجهل واقعيا ، بمعنى عدم تعيّن المبيع في الواقع ، كان العقد باطلا ولو مع عدم الخطر ، لا لأجل الغرر ، بل لعدم إحراز الموضوع والمبيع وعدم تعلّق الإنشاء ـ حينئذ ـ بمبيع معيّن ، فلا يؤثر العقد في مقتضاه كالملك في البيع ، وتفويض تعيينه بعد العقد إلى اختيار العاقد ينافي سببية العقد المستقلّة بأدلّته.

لا يقال : إنّ مفهوم أحدهما الصادق على كلّ واحد معيّن منهما أمر كلّي متعيّن في نفسه ، فصحّ بيعه كسائر الكليات.

لأنّا نقول : الخصوصية غير داخله في بيع الكلّي ، بخلاف محلّ الفرض ، فإنّها داخلة فيه مردّدة بين فردين مبهمين.

وصرّح بذلك المحقق الثاني في شرح قوله في القواعد : ولو قال : بعتك صاعا من هذه الصيعان مما يتماثل أجزائه صحّ. ولو فرّق الصيعان وقال : بعتك أحدهما لم يصحّ. والفرق بين هذين الصورتين : أنّ المبيع في الثانية واحد من الصيعان المتميّزة المتشخصة غير معيّن ، فيكون تعيينه مشتملا على الغرر ، وفي الأولى المبيع أمر كلّي غير متشخص ولا متميّز بنفسه يتشخّص بكلّ واحد من صيعان الصبرة ويؤخذ به.

ومثله ما لو قسم الأرباع وباع ربعا منها من غير تعيين ، ولو باع ربعا قبل القسمة

٣٠٦

صحّ ، ونزّل على واحد منها مشاعا ، لأنّه ـ حينئذ ـ أمر كلّي.

فإن قلت : المبيع في الأولى ـ أيضا ـ أمر كلّي. قلنا : ليس كذلك ، بل هو واحد من تلك الصيعان المتشخّصة منها ، فهو بحسب صورة العبارة يشبه الأمر الكلّي ، وبحسب الواقع جزئي غير متعيّن ولا معلوم ، والمقتضي لهذا المعنى هو تفريق الصيعان وجعل كلّ واحد برأسه ، فصار إطلاق أحدها منزّلا على شخص منها غير معلوم ، ولو أنه قال : بعتك صاعا من هذه ، شائعا في جملتها ، لحكمنا بالصحّة.

انتهى.

وهو في غاية الجودة ، إلّا أنّ جعله الصورة الثانية من الغرر ـ مطلقا ـ ليس في محله ، بل لما أشرنا إليه من إبهام الموضوع.

البحث الرابع : وحيث علمت أن مناط الخطر والجهل بالضرر في الغرر إنما هو من حيث المعاملة والمعاوضة

وإن كان مأمونا عنه بحسب الخارج ، يتضح لك أن اشتراط الخيار في مجهول الصفة الذي لم يبتن العقد فيه على الوصف لا ينتفي به الغرر ، كما هو ظاهر كلماتهم ، فيبطل به البيع وإن كان ضرره مجبورا بالخيار ، ولا يلام عليه عرفا. ومثله الخيار بعد ظهور العجز عن تسليم المبيع والانفساخ بالتلف قبل القبض ، فلا يدفع بهما الغرر المبطل.

وتوهّم سقوطه بالخيار وعدم لوم العرف بعد اطّلاعهم على الحكم الشرعي اللاحق للبيع من ضمان البائع وعدم التسلط على مطالبة الثمن ، مدفوع ، بأنّه حكم شرعيّ عارض للبيع الصحيح الذي لم يكن في نفسه غررا ، ولا يندفع به الغرر الذاتيّ المشتمل عليه البيع ، ولذا لا يصحّ شرط عدم هذا الخيار ، ولا يصحّ الإلزام (١)

__________________

(١) الالتزام ( خ ).

٣٠٧

بالخطر والضرر الغرريّ ، كما في بيع الضال ، وكلّما لا يقدر على تسليمه.

ويظهر ـ أيضا ـ عدم انتفاء الغرر بوجود مصلحة أخرى في بيع المجهول الجابر لخطره وضرره على تقدير وجوده.

وكذا يظهر عدم الغرر في مجهول القيمة ، فلا يبطل به البيع ، لعدم كونه متعلّقا للبيع كما مرّ ، والضرر الحاصل متبعّضا بها يجبر بخيار الغبن بعد ظهوره ، وكذا عدم الغرر في مجهول الوصف مع البناء على الوصف في البيع ، فيجبر بالخيار ـ أيضا ـ بعد ظهور المخالفة ، لأنّ متعلق البيع متعيّن ـ حينئذ ـ لا جهالة فيه من حيث كونه مبيعا.

البحث الخامس : هل يلحق بالبيع في بطلانه بالغرر غيره من عقود المعاوضات؟

فيه وجهان : من عموم أدلّتها الدالّة على صحّتها واختصاص الغرر المنفيّ في الخبر بالبيع ، ومن أنّ الدائر في ألسنة الأصحاب وكلماتهم نفي الغرر على سبيل الإطلاق من غير اختصاص بالبيع ، وبه يستدلّون على اشتراط تعيين العوض والمدة في الإجارة والمزارعة والجعالة وغيرها. بل قد ترسل في كلماتهم عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه نهى عن الغرر ، وقد بحثوا بالخصوص عن الخلاف في ذلك في الصلح ، ولعلّه إشعار بعدم الخلاف في غيره واختصاصه به ، لكونه أوسع من غيره.

ولا إشكال في بطلانه إذا كان الجهل واقعيا كصلح أحد الحقّين أو أحد العبدين وإن لم يكن فيه غرر كما مرّ ، سواء كان فيه خطر أم لا. وأمّا إذا كان الجهل ظاهريا وعند المصطلحين أو أحدهما فما وقع عليه الصلح وكان من الحقوق السابقة ، وتعذّر العلم به فلا خلاف ظاهرا ـ تحقيقا ونقلا ـ في صحّة وقوعه مورد الصلح ظاهرا وباطنا مع استحقاق المدّعى وظاهرا خاصة مع كونه مبطلا ، سواء كان

٣٠٨

المجهول المصالح عنه أو المصالح به أو كلاهما ، ويدلّ عليه عمومات الصلح والوفاء والتجارة.

وعن التذكرة : الإشكال فيما كان المصالح به مجهولا. ولعلّه في غير مقام التجاذب ، بل صدق الغرر عرفا مع تعذّر العلم مشكل ، وكذا إذا تعسّر العلم أو لم يمكن العلم في الحال مع الحاجة الحالية في قطع الدعوى ، كما عن صريح الشهيدين ، لعمومات الصلح بل نفي الغرر ، وفي بعض المعتبرة ما يدلّ عليه أيضا ، كالمرويّ في الرجلين كان لكلّ واحد منهما طعام عند صاحبه ولا يدري كلّ واحد منهما كم له عند صاحبه ، لك ما عندك ولي ما عندي ، فقال : « لا بأس بذلك إذا تراضيا وطابت به أنفسهما » (١) وهو بإطلاقه يعمّ الدين ، بل لعلّه فيه أظهر من العين ، وظاهر أنه لا يستقيم ذلك في العين إلّا بالصلح ، مضافا إلى ما في الصحيح في الرجل يكون عليه الشي‌ء فيصالح ، فقال : « إذا كان بطيب نفس من صاحبه فلا بأس » (٢).

وإن أمكن المعرفة بالفعل من غير عسر ، ففيه إشكال ، من إطلاق أدلّة الصلح المقتضي للصحّة ، منها الخبر المتقدّم ، ومن لزوم الغرر.

ولا يبعد ترجيح الأوّل ، كما صرّح به بعض المحقّقين ، لعدم انصراف إطلاق كلماتهم في نفي الغرر إلى الدعوى القديمة ، سيما بملاحظة تصريحهم بالصحة عند تعذّر العلم أو الحاجة ، مع أنّهم لا يفرّقون في البطلان بينهما في غير ذلك ، وضعف إطلاق المرسل في المورد مع عدم الجابر.

وإن كان مورد الصلح ابتدائيا ، سواء كان العوضين معا كصلح قبة من الحنطة

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٨ : ٤٤٥ ، الباب ٥ من أبواب أحكام الصلح ، الرواية ٢٤٠١٢.

(٢) نفس المصدر : الرواية ٢٤٠١٤.

٣٠٩

مجهول القدر بقبة مجهولة من الحمص ، أو أحدهما كالصلح من دعوى حقّ سابق بقبة مجهولة ، ففي اشتراط معلومية ما وقع عليه الصلح الابتدائيّ وجهان ، وأقوالهم فيه مختلفة ، بل بظاهرها متدافعة ، فإنّك تراهم يحكمون بصحّة الصلح الابتدائيّ في المجهول الذي لا يجوّزونه في البيع ، كالصلح عن لبن غنم في مدّة معلومة بغير اللبن والبعض فعلا كما أفتى به الشيخ ، مع أنّه غير معلوم المقدار ، سيما إذا كانت المدة طويلة تختلف مقاديره في أحيانها.

ومال إليه الشهيد في الدروس ، حاكيا عن الحلّي المنع عنه ، وجوّز فيه أيضا الصلح على سقي زرعه أو استيجاره بشرط معلومية المدّة ، والصلح عن إبقاء أغصان شجرة وأصوله في ملك الغير بعوض معيّن ، مع أنّه يختلف في إحاطة هواء صاحب الأرض بحسب قوّة نمائه وعدمها.

وقال العلّامة في الإرشاد : ويصحّ الصلح على الإقرار والإنكار ما لم يغيّر المشروع ، ومع علم المصطلحين وجهلهما بقدر المال المتنازع عليه دينا كان أو عينا ، لا ما وقع عليه الصلح ، ويكفي المشاهدة في الموزون ، وهو ظاهر في عدم تجويزه الجهالة في وجه المصالحة.

وقال المحقق الأردبيلي في شرحه : « وأمّا معلومية ما يقع عليه الصلح ، فالظاهر أنّه لا نزاع فيه إذا لم يكن هو مما يصالح عنه ، مثل ما تقدّم في صحيحتي محمد ومنصور ، لأنّه طرف لعقد مقدور المعلومية فلا بدّ أن يكون معلوما ليندفع به الغرر كما في سائر العقود » قال : « ولكن الظاهر أنّه يكفي العلم في الجملة إمّا بوصفه أو مشاهدته ولا يحتاج إلى الكيل والوزن ومعرفة أجزاء الكرباس والقماش والثياب وذوق المذوقات وغير ذلك مما هو معتبر في البيع ونحوه للأصل وعدم دليل واضح على ذلك وعموم أدلة الصلح المتقدّمة ، ولأنّ الصلح شرّع للسهولة والإرفاق بالناس

٣١٠

لتسهيل إبراء ذمّتهم ، فلا يناسبه الضيق ، ولأنّه مبنيّ على المسامحة والمساهلة ، وإليه أشار بقوله : ( ويكفي المشاهدة في الموزون ) ، وإن خالف فيه البعض ، قال في الدروس : والأصحّ أنه يشترط العلم في العوض إذا أمكن وقال في موضع آخر : ولو تعذّر العلم بما صولح عليه جاز ، إلى قوله : ولو كان تعذّر العلم لعدم المكيال والميزان في الحال ، ومساس الحاجة إلى الانتقال ، فالأقرب الجواز. وهو مختار شارح الشرائع أيضا ، ولا نعرف له دليلا ، وما تقدّم ينفيه ، ويؤيّده التجويز عند التعذّر ، فإنّ ذلك لا يجوز في البيع عندهم ، فتأمّل ». انتهى كلام الأردبيلي (١).

قوله : إذا لم يكن هو مما يصالح عنه ، مثل ما تقدّم في صحيحتي محمد ومنصور ، مراده : الحقّ السابق المجهول ، كما هو مورد الصحيحين ، وعرفت أنّه لا إشكال ولا خلاف ظاهرا في صحّة الصلح عنه ، وإلّا فلا فرق في الصلح الابتدائيّ بين المصالح عنه والمصالح به.

ثم أقول : الظاهر من تتبّع كلمات الفقهاء وصريح المحقّق المذكور في عدم الخلاف وعدم تخصيصهم اشتراط تعيين المدّة بالبيع وأمثال ذلك عدم الخلاف منهم في اشتراط العلم في الجملة في الصلح الابتدائيّ ، وبطلانه بالجهل المطلق ، وإن اختلفوا في حدّ العلم المشروط فيه.

وسمعت من الشهيد ، اشتراطه على حدّ البيع ، إلّا إذا تعذّر ، مع مسيس الحاجة في الحال ، فهو الدليل عليه ، مضافا إلى نفي الغرر المطلق فيما قد يرسل عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، المنجبر في المورد بالشهرة المذكورة لو لا الإجماع المخصّص لعمومات الصلح ، لوروده عليها كورود دليل نفي الضرر على أدلّة المباحات الشرعية.

وتجويز الشيخ وغيره الصلح عن لبن الغنم في مدة معلومة مع جهالة مقداره ولو

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان ٩ : ٣٣٨.

٣١١

بالمشاهدة وإبقاء الأغصان ونماءها في هواء الغير وأمثال ذلك ، فليس من المجهول المطلق من قبيل الصلح عن لبن عشرة أغنام من قطيعة غنم ، وما أظنّ أن يجوّزه أحد ، بل هو مما يناط بالاستعداد والقوة الممكنة معرفتها بالعرف ولو تقريبا ، كمعلومية قوّة الشجرة في الأرض المستأجرة.

وأما اشتراط العلم التفصيليّ كما في البيع ، فلا دليل عليه وإن تمكّن عن تحصيله ، لضعف المرسل المزبور ، وعدم الجابر له في المقام ، وعدم الإجماع لو لا على خلافه ، فيتعيّن العمل بعمومات الصلح ونحوها ، وخصوصا الأخبار الخاصّة الشاملة لمحلّ الفرض كما صرّح به جمع من المحقّقين.

فرعان :

الأوّل : هل يصحّ الصلح عما يملك مع جهل المصطلحين أو أحدهما بقدره أو جنسه أو صفته كما قد تداول بين الناس أم لا.

مقتضى ما ذكرنا من اشتراط العلم الإجماليّ وإن كان الثاني ، إلّا أنّ الظاهر كونه في غير مقام المحاباة ، إذ لا دليل على الاشتراط ـ حينئذ ـ مخصّص لعمومات الصلح والأخبار الخاصّة المشار إليها ، بل عدم صدق الغرر العرفيّ ـ حينئذ ـ وإن قلنا ببطلانه في البيع للإجماع ، بل صدق الغرر فيه بالخصوص لوضعه على المعاوضة المحضة والتبادل المبنيّ على التعادل ، وأما في غير مقام المساهلة والمحاباة ، فالظاهر عدم الصحة ، كصلح ما في الصندوق بما قصد به المعاوضة المالية.

الثاني : هل يلحق بالصلح الشرط الواقع في قيمته ، فدار مداره في الصحة كما في فساده أم لا؟

فيه وجهان : من كونه تابعا له ، بل هو على ما اشتهر في ألسن الفقهاء قسط من العوض ، فحكمه في ذلك حكمه ، ومن إطلاق كلماتهم في وجوب تعيين المدّة

٣١٢

المشترطة ولو في ضمن الصلح المحتمل لتلك الجهالات.

والأشبه البطلان ، لأن الشرط وإن كان في حكم قسط من العوض الذي ربما يغتفر فيه الغرر ، إلّا أنّه بنفسه معاملة شرعية غير تابع في جميع أحكامه للعقد المشترط في ضمنه ، ولا هو شرّع للسهولة والإرفاق ، فيلاحظ فيه بنفسه الغرر كسائر المعاوضات الممنوعة عنه ، لإطلاق الرواية النافية الجابر في المورد بإطلاق كلماتهم.

ومسامحة العرف في عدم تعيّن فرد من موارد الشرط لا يقتضي الاطّراد ، بل قد يتفق وقوعه مثارا للتشاجر المؤدّي إلى الفساد ، وإن كان المشروط صلحا عن الحقّ السابق أو مبنيّا على المحاباة ، فتأمل جيّدا ولا تترك الاحتياط.

تتميم : وحيث علمت أنّ دليل عموم المنع عن الغرر فيما يمنع هو الإجماع ، والمرسل المطلق فيما حصل فيه الانجبار ، فيلاحظ ذلك في غير الصلح من عقود المعاوضات ، فكلّ معاملة غررية دلّ على المنع فيه أحدهما بطل ، ولعلّ الشهرة متحقّقة في أكثرها ، وإلّا فإن كانت المعاملة ممّا اقتضى شرعيته دليل يعمّه يحكم بصحّته ، وإلّا بفساده ، عملا بالأصل.

٣١٣
٣١٤

مشارق في نبذ من مهمات مباحث الخيارات ومعضلاتها

[ المشرق السادس عشر ]

[ في خيار المجلس ]

مشرق : من الخيارات خيار المجلس ، أي موضع العقد ، ويختصّ بالبيع ، ويرتفع بانقضائه ، وانعقد عليه الإجماع ، إلّا فيما استثنى ، كالبيع المنعتق على المشترى.

ومع ذلك فالنصوص به مستفيضة ، كالمتضمّنة لقوله عليه‌السلام : « البيعان بالخيار حتى يفترقا » (١).

وفي بعضها : « فاذا افترقا فلا خيار بعد الرضا منهما » (٢).

« والمتبايعان بالخيار ثلاثة أيام في الحيوان ، وفيما سوى ذلك من بيع حتّى يفترقا » (٣).

وقوله عليه‌السلام : « أيّما رجل اشترى من رجل بيعا ، فهما بالخيار حتّى يفترقا ، فإذا افترقا فقد وجب البيع » (٤).

ثمّ لا إشكال في ثبوت الخيار إذا كان المالكان متبايعين ، وأما إذا باع وكيلهما ،

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٨ : ٥ ، الباب ١ من أبواب الخيار ، الرواية ٢٣٠١١ ؛ الكافي ٥ : ١٧٠.

(٢) نفس المصدر ١٨ : ٦ ، الباب ١ ، الرواية ٢٣٠١٤ ؛ الكافي ٥ : ١٧٠.

(٣) نفس المصدر ١٨ : ١٠ ، الباب ٣ ، الرواية ٢٣٠٢٥ ؛ التهذيب ٧ : ٢٣.

(٤) نفس المصدر ١٨ : ٦ ، الباب ١ ، الرواية ٢٣٠١٤ ؛ الكافي ٥ : ١٧٠.

٣١٥

فهل يكون الخيار لهما ، أو للمالكين ، أو للجميع ، أو ليس لأحدهم؟ فيه أقوال ، ومنشأ الخلاف غالبا ، الاختلاف في مصداق المتبايعين ، هل هما الوكيلان اللذان أجرى منهما العقد ، أو المالكان.

ولعلّ الخلاف فيما اجتمع الجميع في المجلس ، وإلّا فلا خلاف ظاهرا في عدم ثبوته للمالكين عند غيابهما ، لقوله عليه‌السلام : « حتى يفترقا » المستلزم للاجتماع.

وقد يقال : الخيار تابع للملكية ، وإرفاق للمالك ، ولا حقّ لوكيل مجرّد العقد حتى كان له الخيار أصالة إلّا بتوكيل المالك ، فهذا قرينة لإرادة المالكين من المتبايعين ، وإن قلنا بكون البائع حقيقة مجري العقد ، غاية الأمر اشتراط حضورهما ، لظاهر النصوص.

ولا يخفى أنّ مقتضى ذلك نفي الخيار عن الوكيل ، لا إثباته للمالك ، مع عدم تلبّسه بالعقد ، وتسليم ظهور البائع في المتلبّس.

والتحقيق أنّ ما يمكن إرادته من البائع أحد المعاني الأربعة :

الأوّل : العاقد من حيث تلبّسه بالصيغة.

الثاني : المالك من حيث كونه مالكا.

الثالث : من بيده البيع ، ودار على مشيئته أمره ، وجودا وعدما وبقاء وزوالا ، سواء كان بالملك أو الولاية أو الوكالة المطلقة المستقلة ، نظير العامل في المضاربة.

الرابع : من له الوكالة في مجرّد المعاوضة ، ولو مع تعيين الثمن والمثمن ، وتوكيل الغير في إجراء العقد ، كما إذا قال : اشتر لي فرسا (١).

ثمّ الظاهر : عدم كون الأوّل مرادا ، بل لعلّه لا ينصرف لفظ البائع إليه ، لظهوره فيمن له سلطنة النقل الشرعيّ ، ومجرّد التلفظ بالعقد من حيث التلبّس غير كاف

__________________

(١) كذا.

٣١٦

فيه ، وإنّما هو من قبيل الآلة دون المؤثّر ، كالقلم للكاتب والمنشار للنجّار ، فلا ينسب الفعل المؤثر للانتقال الشرعيّ إليه ، كما لا ينسب المكتوب إلى القلم وهيئة السرير الى المنشار إلّا توسعا ، ويرشد بذلك ملاحظة بعض أخبار الباب المقترن هذا الخيار فيه بخيار الحيوان الذي ليس للعاقد قطعا.

وكذا الثاني ، لأنّ مجرّد المالكية الصادقة على مثل المولّى عليه والمفلس ، لا يوجب ملك البيع الذي يناط به ـ بحكم التبادر ـ صدق البائع.

ومن هذا يظهر بعد إرادة الرابع أيضا ، لعدم استقلال الوكيل بالمعنى المذكور في البيع ، مع أنّ الخيار لو كان له ، فالظاهر كونه من باب النيابة أيضا ، إذ لا سلطنة له فيه من حيث نفسه. وكون تلك النيابة تابعة لنيابة البيع ممنوع جدّا.

فتعيّن المعنى الثالث ، فإنّ الظاهر صدق البائع عليه ، وإن لم يجر الصيغة ، فإنّ من بيده زمام البيع ، وعلى اختياره أمره و

تعيينه والقبض والإعطاء ونحوها ، فهو قائم مقام المالك المتصرف ، في صدق ما يصدق عليه من النقل عرفا ، وأمّا بدون ذلك فيشكل صدقه ، كما صرح به والدي العلّامة (١). ولذا لا يقال لمن كان ماله بيد عامله في بلد آخر ويبيع ويشتري ، أنّه باع ملكه واشتراه ، بل ينسب البيع والشراء إلى العامل ، ويتبادر هو من البائع ، وإن لم يجر الصيغة ووكّل غيره فيه. فالمناط في الصدق العرفيّ ، السلطنة في التصرف في النقل والانتقال والردّ والإبقاء وغيرها ، سواء كان مالكا أو وكيلا أو وليّا.

نعم ، يشترط اجتماعهما في المجلس ، لما مرّ ، ومعه لا خيار للمالك ، وإن حضر المجلس ، لاستقرار الأمر على يده خاصة ، والمالك ـ حينئذ ـ في حكم الأجنبيّ.

ثم إنّه ليس للمالكين فيما ليس لهما الخيار ، توكيل العاقد من قبل العقد أو بعده

__________________

(١) مستند الشيعة ١٤ : ٣٦٦.

٣١٧

في الفسخ ، لأنّه فرع ثبوت الخيار لهما.

تتميم :

يسقط هذا الخيار بأمور :

أحدها : اشتراط عدمه في ضمن العقد. ولا خلاف فيه ظاهر. وعن الغنية (١) : الإجماع عليه ، لعموم أدلّة الشرط.

واعترض على الاستدلال بها ، أوّلا : بمعارضتها لأدلّة الخيار ، وثانيا : بكون هذا الشرط مخالفا للسنّة ، فيدخل فيما استثنى من الشروط. وثالثا : بكونه خلاف مقتضى العقد ، أعني الخيار. ورابعا : باستلزامه الدور ، لتوقّف لزوم الشرط على لزوم العقد ، فيدور على العكس. وخامسا : بأنّه إسقاط ما لم يجب ، إذ لا خيار قبل تمام البيع. نقل هذا عن بعض الشافعية.

والجواب عن الأوّل : ما مرّ في بحث الشرط ، من أنّه ليس هذا من التعارض ، بل من باب السببية الطارية المزيلة للخيار.

ومنه يظهر ما في الثاني : فإنّ مقتضى السنّة ، التسلط على الفسخ عند الإطلاق ، وهو لا ينافي إلزام عدم الفسخ على نفسه ، لشرط الذي هو من الأسباب الشرعية الواردة عليه.

وعن الثالث : بما حققناه في البحث المذكور أيضا ، من أنّ الممنوع الشرط المنافي لماهيّة العقد أو لازمه الذي علم من الشرع عدم انفكاكه عنه بالأسباب الملحقة ، بل كان في حكم الجزء.

وعن الرابع : بأنّ لزوم الشرط ينافي بقاء العقد على الجواز ، حيث إنّهما لا يجتمعان ، وهذا إذا كان متعلّق الشرط غير نفس اللزوم ، وأمّا إذا كان نفس اللزوم

__________________

(١) غنية النزوع ١ : ٢١٧.

٣١٨

الثابت وجوب الوفاء به بأدلّته ، فلا يبقى الجواز الذي ينافيه ، فلا دور.

وعن الخامس : بأنّ فائدة الشرط إبطال المقتضي ، لا إثبات الموانع بعد تمام العلّة ، كما هو حال أكثر الشروط.

وثانيها : الإسقاط بعد العقد ، اتفاقا ، له ، ولعموم العلّة في بعض أخبار خيار الحيوان ، بقوله : « فإن أحدث المشتري فيما اشترى حدثا قبل الثلاثة ، فذلك رضا منه ، فلا شرط له » (١).

ويمكن الاستدلال عليه ـ أيضا ـ بأنّ صحّة إسقاطه والالتزام به بالشرط يقتضي جوازه له وتسلّطه عليه ، والإسقاط تستلزم السقوط ، فلا يعود لمنافاة بقائه للإسقاط. وبالجملة بعد ملاحظة أمثال ذلك والإحاطة على أقوال العلماء وسيرهم ، لا يبقى شبهة في أنّه من الحقوق القابلة لإسقاطها من ذي الحقّ ، لا من الأحكام ، فيصحّ وقوعه مورد الشرط والصلح عليه ، بما دلّ عليهما وتقتضيه القاعدة المسلمة ، من أنّ لكل ذي حقّ إسقاط حقّه.

وثالثها : التصرّف على النحو الآتي في خيار الحيوان.

ذكره جمع من أعيان الأصحاب ، بل عن المتأخرين اتفاقهم عليه ، لعموم العلّة المشار إليها.

ورابعها : افتراق المتبايعين ، وإن لم يظهر منه رضاهما بالبيع ، بما يسمّى افتراقا ، وربما يعبّر عنه بخطوة ولو لإحداهما. وفي بعض المعتبرة ما يدلّ عليه بالخصوص ، لإطلاق الأدلّة. ولا اعتبار بافتراق لا عن اختيار ، لظهور الفعل المستند إلى الفاعل في كونه بالاختيار.

نعم ، الإكراه بالاختيار لا ينافيه ، فمع عدم المنع من التخاير يقوى السقوط. وأما

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٨ : ١٣ ، الباب ٤ من أبواب الخيار ، الرواية ٢٣٠٣٣ ؛ الكافي ٥ : ١٦٩.

٣١٩

مع المنع منه ففيه إشكال ، ولعل عدمه أقوى.

وتفصيل فروع المسألة ، كسقوط خيارهما بإكراه أحدهما وعدمه ، وامتداد الخيار بامتداد المجلس ، فخيارهما لا يسقط (١) ، أو كونه على الفور ، وغير ذلك ليس مما نقصده هنا ، بل هو موكول إلى كتب الفقه.

__________________

(١) في الأصل : فهما لا يسقط.

٣٢٠