مشارق الأحكام

المولى عبد الصاحب محمد النراقي

مشارق الأحكام

المؤلف:

المولى عبد الصاحب محمد النراقي


المحقق: السيد حسين الوحدتي الشبيري
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤتمر المولى مهدي النراقي
المطبعة: سلمان الفارسي
الطبعة: ٢
الصفحات: ٥٢٨

وللثالث تبادره من الإصرار. وفي البحار : ويقال في العرف : فلان مصرّ على هذا الأمر ، إذا كان عازما على العود إليه ، مضافا إلى فحوى خبر الجابر الآتي.

وللرابع ما للثلاثة.

وللخامس رواية جابر عن الباقر عليه‌السلام في قول الله عزوجل ( وَلَمْ يُصِرُّوا عَلى ما فَعَلُوا ) (١) قال : « الإصرار أن يذنب ولا يستغفر ولا يحدث نفسه بالتوبة » (٢) ، مضافا إلى أنّ ترك التوبة معصية أيضا ، فيتحقق به الإصرار بعد المعصية.

أقول : وللنظر في الكلّ مجال :

أمّا الأوّل : فلمنع انحصار الإصرار به ، ومنع لزوم كون متعلّق الإصرار نوعا واحدا ، حيث لا يساعده عرف ولا لغة ، بل مقتضى كون المتعلق جنسا ، أي مطلق الصغيرة حصول الإصرار على الجنس بأفراده ، ولو من أنواع مختلفة.

وأمّا الثاني : فلمنع صدق الإصرار على مطلق ما يصدق عليه الإكثار ، ولذا جعله في التحرير (٣) مغايرا للإصرار.

نعم ، إن أريد من الإكثار حدّا كاملا من الكثرة ، كما لعلّه الظاهر من ظاهر لفظ الإكثار من الذنوب. وجعل تحديده في الذخيرة (٤) والكفاية (٥) والبحار (٦) والرياض (٧) ،

__________________

(١) آل عمران (٣) : ١٣٥.

(٢) وسائل الشيعة ١٥ : ٣٣٩ ، الباب ٤٨ من أبواب جهاد النفس ، الرواية ٢٠٦٨٢ ؛ بحار الأنوار ٦ : ٣٢ ، الباب ٢٠ ، الرواية ٤٠.

(٣) تحرير الأحكام : ٢٠٨.

(٤) ذخيرة المعاد : ٣٠٤.

(٥) كفاية الأحكام : ٢٨٠.

(٦) بحار الأنوار ٨٨ : ٣٠.

(٧) رياض المسائل ٩ : ٤٤٧.

١٨١

فيما لم يكن من نوع واحد ، بكون ارتكابه للذنب أغلب من اجتنابه عنه من غير توبة ، لم يكن بعيدا.

وأمّا الثالث : فلأنّ صدق الإصرار عليه عرفا غير معلوم ، كما يظهر التأمّل فيه من الذخيرة والرياض والمستند ، ولو قلنا بقدحه في العدالة ، فليس من جهة صدق الإصرار. ومنه يظهر ما في الرابع.

وأمّا الخامس : فلما في الحجة الأولى من مخالفة الرواية للشهرة العظيمة وندرة القول به ، بل قيل بعدم معلومية القائل به ، فيسقط به عن الحجيّة ، ومع ذلك مخالف للعرف والعادة ، بل في الحديث المشهور (١) : « لا صغيرة مع الإصرار ولا كبيرة مع الاستغفار » إيماء بأنّ الإصرار لا يحصل بعدم الاستغفار ، وبقرينة المقابلة ، فلعلّ الخبر في تفسير الآية والإشارة باللّام إلى خصوص الإصرار المذكور فيها.

وفي الثانية ، فإن ترك التوبة بنفسه معصية أخرى ، لا دخل له بفعل الصغيرة ، وصيرورتها كبيرة. مع أنّ الظاهر المتبادر من الإصرار على الذنوب أو الصغائر المذكور في الرواية تكرّر فعلها وتجدّده ، فلا يصدق على الاستمرار على ترك التوبة عن ذنب ، لعدم صدق تعدّد الترك على الترك المستمرّ ، كما لا تعدّ ترك إزالة النجاسة عن المسجد في كلّ آن ذنبا على حدّة ، فكان استمراره في نصف يوم مثلا كبيرة باعتبار كونه إصرارا.

وبالجملة : الظاهر اعتبار تعدّد متعلّق ترك التوبة من الذنوب المتعدّدة في صدق التعدّد والتكرّر على الترك ، لا مجرّد الاستمرار على ترك واحد ، وهذا هو المستفاد من كلمات القوم.

نعم ، لا يبعد القول به في الأفعال الوجودية ، كلبس الرجل الحرير المحض طول

__________________

(١) بحار الأنوار ٨٨ : ٣٠.

١٨٢

النهار ، وإدامة النظر على أجنبية في ساعة أو أكثر ، وإن كان فيه تأمّل أيضا ، لاحتمال عدّه في العرف فعلا واحدا ، إلّا إذا انقطع ثم فعل ثانيا ، ولذا لو ورد أن عقاب لبس الحرير كذا ، أو النظر إلى الأجنبية كذا ، فالظاهر عدم تعدّد الجزاء بفعل أحدهما ممتدا في زمان ، فلا يجعل فعله في كل آن معصية مستقلة ، بخلاف ما إذا انقطع وتجدّد.

واختلاف الأمر الشرعي بأمثال تلك الاعتبارات غير مستبعد ، كما في غسل الثوب مرّتين ، فإنّه لا يعدّ امتداد وقوعه في الماء بقدر المرّتين غسلتان ، ولا يحصل به التطهير فيما يشترط فيه التعدّد.

وكيف كان ، فلا يحصل الإصرار بامتداد فعل صغيرة واحدة ، فلا يصير لأجل الإصرار كبيرة.

نعم ، لا يبعد كونه ـ حينئذ ـ قادحا للعدالة وصيرورتها كبيرة ، إذا كان البقاء عليه ناشئا عن عدم المبالاة ، واستصغار الذنب ، والعزم على بقائه ، كما عسى أن يظهر دعوى الاتفاق من بعض الكلمات.

وفي الذخيرة (١) والرياض (٢) ، بعد منع كون العزم على العود إلى فعل الصغيرة إصرارا ، قالا : ففي كونه قادحا تأمّل ، إن لم يكن اتفاقيا.

وقال بعض الأجلّة : ويستفاد من جماعة حصول القدح ببعض ما لا يصدق عليه الإصرار حقيقة ، ويستفاد من بعضهم دعوى الإجماع عليه ، انتهى.

والتحقيق : أنّ مناط معرفة معنى الإصرار العرف واللغة ، والظاهر منهما أنّ مطلق الإكثار غير كاف في صدقه ، فلا يكتفي بمجرّد فعلها مرات عديدة كثلاثة ، بل

__________________

(١) ذخيرة المعاد : ٣٠٤.

(٢) رياض المسائل ٩ : ٤٤٧.

١٨٣

يشترط فيه الملازمة والمداومة العرفية في الإكثار ، بل الظاهر اعتبار بقاء الحالة الباعثة على الملازمة له في النفس أيضا ، أي النيّة الحكمية الكائنة فيها ، وإن لم نقل باشتراط العزم الفعليّ على العود إليه ، فلا يصدق ظاهرا مع العزم على الترك ، وإن لم يكن توبة شرعية ، كما إذا كان لمصلحة دنيوية.

وكذا الظاهر عدم اشتراط كون الإصرار على نوع واحد على ما أشرنا إليه من صدق الإصرار على الصغار أو الصغيرة على المداومة على جنسها ، ومراعاة الاحتياط في مطلق الإكثار ، بل في المرّة مع العزم على العود أولى ، بل جعل الشهيد في قواعده (١) الثاني إصرارا ، وإن كان فيه تأمّل.

البحث الثالث : اختلفوا في توقّف العدالة الشرعية على المروة على قولين.

ومرادهم من التوقف عليها ، يحتمل كونه على وجه الجزئية ودخولها في الماهيّة ، كالمعاصي ، أو على الشرطية ، لا بمعنى كونها شرطا لمشروط العدالة ، فكانت شرطا آخر لقبول الشهادة في قبال العدالة ، كما ربما يحكى عن بعضهم ، بل شرطا لمقبولية العدالة ، وترتّب الأثر عليها في مشروط العدالة. وجعلهم الفسق في مقابل العدالة ، واتفاقهم على عدم كون التخلّف عن المروّة فسقا يوافق الثاني.

وعلى الجملة ، فالقول الأوّل للشيخ في المبسوط (٢) ، والحلّي (٣) والفاضل (٤) في كتبه

__________________

(١) القواعد والفوائد ١ : ٢٢٧.

(٢) المبسوط ٨ : ٢١٧.

(٣) السرائر ٢ : ١١٧.

(٤) مختلف الشيعة ٧ : ٧١.

١٨٤

في الفروع والأصول ، والشهيد الأوّل (١) ، والمحقّق الثاني (٢) ، وصاحب المعالم (٣) ، وعن البحار (٤) والرياض (٥) : أنّه المشهور.

بل عن الكشف (٦) أنّه المشهور بين الفريقين ، وعن الذخيرة (٧) والمدارك (٨) نسبته إلى المتأخرين ، مشعرة باتفاقهم عليه ، وعن كنز العرفان (٩) إلى الفقهاء.

والقول الثاني للمحكيّ عن المفيد (١٠) ، والشيخ في العدّة (١١) ، والروض (١٢) ، والمحقّق الأردبيلي (١٣) ، والذخيرة (١٤) ، والمدارك (١٥) ، والبحار (١٦) ، والرياض (١٧).

__________________

(١) القواعد والفوائد ١ : ٢٢٧.

(٢) جامع المقاصد ٢ : ٣٧٢.

(٣) معالم الأصول : ٢٠٤.

(٤) بحار الأنوار ٨٥ : ٣٠.

(٥) رياض المسائل ٢ : ٤٩٢.

(٦) كشف اللثام ٢ : ٣٧٤.

(٧) ذخيرة المعاد : ٣٠٥.

(٨) مدارك الأحكام ٤ : ٦٨.

(٩) كنز العرفان ٢ : ٣٨٤.

(١٠) المقنعة : ٧٢٥.

(١١) العدّة : ٣٧٩.

(١٢) روض الجنان : ٣٦٣.

(١٣) مجمع الفائدة والبرهان ١٢ : ٣١٢.

(١٤) نفس المصدر : ٣٠٤.

(١٥) مدارك الأحكام ٤ : ٦٨.

(١٦) بحار الأنوار ٨٥ : ٣٠.

(١٧) رياض المسائل ٢ : ٤٩٢.

١٨٥

وقوّاه والدي العلّامة (١) وبعض من عاصره ، بل قيل : يمكن استفادته من نهاية الشيخ (٢) والحلّي (٣) والقاضي (٤).

ثمّ المراد بالمروّة على ما هو المتحصّل من عباراتهم المختلفة المتقاربة في تفسيرها ، كونه مجتنبا عمّا لا يليق بأمثاله ، مما يؤذن بخسة النفس والدناءة ، من المباحات والصغار من المحرّمات التي لا يبلغ حدّ الإصرار المسقطة للعزّة من القلوب ، ومنه ما يستهزء ويستسخر به لأجله.

استدلّ الأوّلون بالأصل والشهرة وتوقف المقصود من اشتراط العدالة عليها ، إذ عدمها إمّا لخبل أو ضعف عقل أو لقلّة حياء ، وعدم الوثوق مع الأوّل ظاهر. ومع الثاني ، فلأنّ من لا حياء له يصنع ما يشاء ، كما في الخبر المرويّ (٥) عن الكاظم عليه‌السلام : « لا دين لمن لا مروّة له ، ولا مروّة لمن لا عقل له ».

ويضعف الأوّل بإطلاق ما مرّ من إطلاق الأخبار المفسّرة للعدالة بما ليس فيه إشعار بمدخلية المروة فيها ، لا شطرا ولا شرطا.

والثاني بعدم الحجّية ، سيما مع خلو الأخبار عنه ، مع وجود الداعي ، وقبح تأخير البيان الموجب لقوة الظن بعدم الاشتراط المنافي للظنّ الحاصل من الشهرة الذي هو مناط الحجّية عند القائل بها.

والثالث بمنع كلّية المقدّمة الأولى ، ومنع الثانية ، إذ المفروض وجود ما يقتضي

__________________

(١) مستند الشيعة ٢ : ٦٢٩.

(٢) النهاية : ٣٢٥.

(٣) مختلف الشيعة ٧ : ٧١.

(٤) المهذب البارع ٢ : ٥٥٦.

(٥) بحار الأنوار ١ : ١٤١ ؛ و ٧٨ : ٣٠٣.

١٨٦

التكليف من العقل والورع عن المعصية المانع عن الكذب ، وإلّا فأصل العدالة كان منتفيا.

والرابع بضعفه سندا ودلالة ، لعدم العلم بما هو المراد من المروّة فيه ، بل قيل : إنّ استعمال المروّة بالمعنى الذي ذكره الأصحاب غير معروف في كلامهم ، وحينئذ فالأظهر حمله على بعض المعاني المرويّة عنهم في تفسيرها. انتهى.

قال والدي العلّامة (١) : ورد تفسيرها في الأخبار بغير هذا المعنى ، ففي مرسلة الفقيه (٢) عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « إنّ المروّة استصلاح المال ».

وفي أخبار أخر (٣) : إنّها إصلاح المعيشة. وفي ثالث (٤) : إنّها ستّة ، ثلاثة في الحضر : تلاوة القرآن ، وعمارة المساجد ، واتّخاذ الإخوان ، ومثلها في السفر ، هي : بذل الزاد ، وحسن الخلق ، والمزاح في غير معاصي الله سبحانه.

وفي رابع (٥) : إنّها أن يضع الرجل خوانه بفناء داره ، إلى غير ذلك. وليس في شي‌ء من هذه المعاني المروية ما يوافق ما ذكره الأصحاب في معنى المروّة. انتهى.

نعم ، روي في الموثّق (٦) : « من عامل الناس فلم يظلمهم ، وحدثهم فلم يكذبهم ، ووعدهم فلم يخلفهم ، فهو ممن كملت مروّته ، وظهرت عدالته ، ووجبت أخوته ، وحرمت غيبته » إلّا أنّ غايته الدلالة على توافق العدالة وكمال المروة في حصولهما باجتناب تلك المعاصي الثلاث.

فإن قلنا : بكونها جميعا من الكبائر ، فهي من تلك الجهة قادحة في العدالة ، وأين

__________________

(١) مستند الشيعة ٢ : ٦٢٩.

(٢) وسائل الشيعة ١١ : ٤٣٦ ، الباب ٤٩ من أبواب آداب السفر ، الرواية ١٥١٩٣.

(٣) روضة الكافي : ٢٤١ ، معنى الشرف والمروة والعقل ، الحديث ٣٣١.

(٤) وسائل الشيعة ١١ : ٣٢٠ ، الباب ٤٩ ، الرواية ١٥١٨٤.

(٥) نفس المصدر : الرواية ١٥١٩٦.

(٦) نفس المصدر ٨ : ١١٦ ، الباب ١١ من أبواب صلاة الجماعة ، الرواية ١٠٧٧٢.

١٨٧

هو من معنى المروّة الذي ذكره الأصحاب.

وإن لم نقل به فمقتضى مفهومه أنّ من لم يجمع الثلاثة لا يجمع الأربعة ومنها كمال المروّة ، وأين هو من اشتراطها في العدالة؟

واستدلّ الآخرون بوجوه :

منها : الأصل. قال في مجمع الفائدة (١) : دخول المروة في العدالة غير بيّن ؛ للأصل ، ولعدم ثبوتها معها ، لا شرعا ولا لغة.

ومنها : خلوّ الأخبار عن بيان توقّف العدالة على المروّة.

أشار اليه في مجمع الفائدة (٢) ، والمدارك (٣) ، والذخيرة (٤) ، والكفاية (٥) ، والرياض (٦).

ومنها : أن عدم قدح ارتكاب الصغائر في العدالة يستلزم عدم قدح ارتكاب خلاف المروّة فيها بطريق أولى.

أقول : حقّ المقام أنّ مراد القائلين بتوقّف العدالة على المروّة ، إن كان بحسب نفس الأمر ، فهو مجرّد دعوى لا دليل عليها ، وإطلاق الأدلّة حجّة عليها ، بل عدم الدليل مع توفر الدواعي وقبح ترك البيان في الأخبار المفسّرة مع تكثر الحاجة يؤمي إلى عدمه واقعا.

مضافا إلى الفحوى المشار إليها في الدليل الأخير ، في أقل ما يصدق عليه خلاف المروّة بالمعنى الذي ذكروه ، الذي يتعدّى عنه إلى غيره بعدم القول بالفصل.

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان ١٢ : ٣١٢.

(٢) نفس المصدر.

(٣) مدارك الأحكام ٤ : ٦٨.

(٤) ذخيرة المعاد : ٣٠٥.

(٥) كفاية الأحكام : ٢٧٩ ، كتاب الشهادات.

(٦) رياض المسائل ٩ : ٤٥٢.

١٨٨

وإن كان مرادهم كون المروّة متوقّفا عليها في طريق معرفة العدالة ، فعلى القول بحصول الكشف بحسن الظاهر أو عدم ظهور الفسق ، فعدم التوقف ظاهر ، وعلى القول بالاختبار الباطني العلمي عن الملكة ، فاطراد التوقف ـ أيضا ـ ظاهر العدم.

نعم ، يمكن التوقف في بعض الموارد باعتبار عدم حصول العلم بملكة الاجتناب عن المعاصي مع عدم المبالاة ، فلأنّ المروّة و [ عدم ] ارتكاب القبائح العرفية المنافية للحياء ممدوح في الشريعة ، كما أنّه يقدح خلافها على الأوّلين ـ أيضا ـ إذا بلغ حدّا يوجب ارتكاب ما هو مخالف للشرع أو ينبئ عن جنون ، أو يقدح في معرفة صفة الستر والعفّة.

وكيف كان ، فالتوقّف ليس كليا ، فلا يناط العدالة بها ، بل بعدم العلم بالفسق ، أو بما ينافي حسن الظاهر على الأوّلين ، وبما يزول معه العلم بالملكة على الأخير ، فإذن فالمعتمد عدم اشتراط المروّة في العدالة ، ومراعاة الاحتياط أولى.

تتميمات :

الأوّل : عدّوا من منافيات المروّة الموجبة لسقوطها أمورا كثيرة ، كالأكل في الطرقات ، ومدّ الرجلين في مجالس الناس ، كما عن المبسوط (١) والمدارك (٢).

ولبس الثياب المصنعات للنساء ، كما عن الأوّل.

والأكل في السوق ، كما عن الفاضل في القواعد (٣) وفخر الإسلام (٤) والشهيدين (٥)

__________________

(١) المبسوط ٨ : ٢٧.

(٢) مدارك الأحكام ٤ : ٦٨.

(٣) قواعد الأحكام ١ : ٢٣٧.

(٤) إيضاح الفوائد ٤ : ٣٢١.

(٥) الدروس الشرعية ٢ : ١٢٥ ؛ الروضة البهية ٣ : ١٣٠.

١٨٩

والكركي (١) والأردبيلي (٢) والخراساني (٣) والمجلسي (٤) على اختلاف في التقييد له بالغالب ، أو في أكثر البلاد ، أو بغير سوقي أو بدوي ، إلّا إذا غلبه العطش.

والأكل في المجامع ، كما عن الروض (٥).

واللعب بالحمام ، كما في القواعد (٦).

ولبس الفقيه لباس الجندي أو بالعكس مطلقا ، أو بحيث يستسخر منه ، أو في البلاد التي لم تجر عادة الفقهاء لبس هذا النوع من الثياب ، كما في الدروس (٧) والمسالك (٨) والذخيرة (٩) والبحار (١٠).

ولبس التاجر لباس الحمالين ونحوهم ، بحيث يصير مضحكة ، كما في المسالك (١١).

وفي القواعد (١٢) : لبس الفقيه من القباء (١٣) والقلنسوة غالبا في غير محلّ العادة.

__________________

(١) جامع المقاصد ٢ : ٣٧٢.

(٢) مجمع الفائدة والبرهان ١٢ : ٣١٢.

(٣) ذخيرة المعاد : ٣٠٣.

(٤) بحار الأنوار ٨٥ : ٣٠.

(٥) روض الجنان : ٣٦٣.

(٦) قواعد الأحكام ١ : ٢٣٧.

(٧) الدروس الشرعية ٢ : ١٢٥.

(٨) مسالك الأفهام ٢ : ٣٢١.

(٩) ذخيرة المعاد : ٣٠٤.

(١٠) بحار الأنوار ٨٥ : ٣٠.

(١١) مسالك الأفهام ٢ : ٣٢١.

(١٢) قواعد الأحكام ١ : ٢٣٧.

(١٣) العباء ( خ ).

١٩٠

وكشف الرأس بين جمهور الناس ، أو عند من ليس كذلك ، كما في الإيضاح (١) والروض (٢) والمسالك (٣) والروضة (٤) ومجمع الفائدة (٥).

والسخرية أو كثرتها ، كما في الدروس (٦) والتنقيح (٧) والروضة (٨).

وكشف العورة التي يتأكّد استحباب سترها في الصلاة ، كما في الدروس (٩) والمفاتيح.

والبول في الشوارع وقت سلوك الناس ، كما في جامع المقاصد (١٠) والروض (١١) والذخيرة (١٢) والبحار (١٣) مطلقا ، أو فيمن يوجب انحطاط مرتبته عادة.

وكثرة الحكايات المضحكة ، كما في المسالك (١٤) والروضة (١٥) والذخيرة (١٦)

__________________

(١) إيضاح الفوائد : ٤٢١ / ٤.

(٢) روض الجنان : ٣٦٣.

(٣) مسالك الأفهام ٢ : ٣٢١.

(٤) الروضة البهية ٣ : ١٣٠.

(٥) مجمع الفائدة والبرهان ١٢ : ٣١٢.

(٦) الدروس الشرعية ٢ : ١٢٥.

(٧) التنقيح الرائع ٤ : ٣٢٩.

(٨) الروضة البهية ٣ : ١٣٠.

(٩) الدروس الشرعية : ١٩٠.

(١٠) جامع المقاصد ٢ : ٣٧٢.

(١١) روض الجنان : ٣٦٣.

(١٢) ذخيرة المعاد : ٣٠٤.

(١٣) بحار الأنوار ٨٥ : ٣٠.

(١٤) مسالك الأفهام ٢ : ٣٢١.

(١٥) الروضة البهية ٣ : ١٣٠.

(١٦) ذخيرة المعاد : ٣٠٤.

١٩١

ومجمع الفائدة (١).

وتقبيل أمته وزوجته في المحاضر وبين الناس أو حكاية ما يجري بينه وبينها في الخلوة للناس ، كما في أكثر الكتب المذكورة.

والمضايقة في اليسير الذي لا يناسب حاله ، كما في الذخيرة (٢).

وأن يخرج من حسن العشرة مع الأهل والجيران والمعاملين ، كما في المسالك (٣) ومجمع الفائدة (٤) ، وفي الثاني مثل ذلك مع مخالطيه ومعامليه ، بأن يضايق معهم في الطعم القليل ، ويأكل وحده أطعمة طيّبة يطعمهم أقلّ ما يجزي شرعا وله مال كثير ولا يلتفت إلى الجيران بإطعام وماء ونار ويضايقهم في الأمور المشتركة ، ويضايق معامليه في الشي‌ء الدون الذي لا ينبغي المسامحة عن مثله من مثله. ونحو ذلك أن يفعل مالا يليق بأمثاله بالنسبة إلى الناس. انتهى.

وأن يبتذل الرجل المعزّ بنقل الماء والأطعمة إلى بيته ، إذا كان ذلك عن شحّ وظنّة ، ولو كان عن استكانة أو اقتداء بالسلف لم يقدح ذلك في المروّة ، كما في المسالك (٥) ومجمع الفائدة (٦).

ثم إنّ سقوط المروّة بأمثال ذلك على ما صرّح به جماعة ويشير إليه كلام جمع من هؤلاء الأجلّة يختلف باختلاف الناس ، وتفاوت مراتبهم وأزمنتهم وأمكنتهم ، وعادات البلاد والأعصار ، فقد يكون شي‌ء مطلوبا في وقت ، مرغوبا عنه في وقت

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان ١٢ : ٣١٢.

(٢) ذخيرة المعاد : ٣٠٤.

(٣) مسالك الأفهام ٢ : ٣٢١.

(٤) مجمع الفائدة والبرهان ١٢ : ٣١٢.

(٥) مسالك الأفهام ٢ : ٣٢١.

(٦) مجمع الفائدة والبرهان ١٢ : ٣١٢.

١٩٢

آخر ، وكذا بالنسبة إلى شخص دون غيره وفي بلد دون غيره فالمناط هو استهجان الفعل في نظر أهل الشرف والديانة وذوي العقول الصافية.

نعم ، بعض ما ذكروه مما اتفقت عليه العادات في جميع الأحوال ، فيسقط به المروة مطلقا ، إلّا إذا كان لعذر ، كتقبيل الزوجة في المحاضر ، وحكاية الخلوة فيها ، ونحو ذلك.

ومما يختلف به الحال ، اختلاف القصد والنية ، كما سمعت في بعض ما ذكر ، مثل نقل الماء والأطعمة إلى بيته إذا كان ذلك عن شحّ دون الاستكانة والاقتداء بالسلف.

قال المقدّس الأردبيليّ بعد ذكر عدم منافات قصد الاستكانة فيه للمروة ، فذلك ليس من ترك المروّة في شي‌ء ، بل من الطاعات والقربات والامتياز بالقصد ، ويعرف ذلك من أفعال الناس وأعمالهم وأخلاقهم ، مثل أن يكون عادته أن يأكل ما يجد ويلبس كذلك ، ويفعل ما تيسّر ، ويجلس على الأرض والتراب ، ويأكل عليها من غير سفرة ، ويجلس جلسة العبيد ، ويأكل أكلهم ، كما نقل عن فعل النبيّ (١) وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في جواب من سأل عن ذلك : « ويحك من أولى منّي بالعبودية حتّى لا أفعل أنا فعل العبيد ، ولا أجلس جلستهم ، ولا آكل أكلهم » (٢) ، انتهى.

ومن هنا يظهر ما في تعليل المحدّث المجلسي لنفي اشتراط المروة مطلقا ، بظهور خلافه من الأخبار ، بقوله : ومن كان أشرف من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكان يركب الحمار العاري ، ويردف من خلفه ، ويأكل ماشيا إلى الصلاة ، كما روي (٣) ، انتهى.

فإنّ فعله المنزّه عن القبائح لا يقاس عليه فعل غيره ، مع إمكان الاختلاف في الحسن والقبح عن مثله مطلقا.

__________________

(١) وسائل الشيعة ٢٤ : ٣٧٢ ، الباب ٦٨ من أبواب آداب المائدة ، الرواية ٣٠٨١١.

(٢) مجمع الفائدة والبرهان ١٢ : ٣١٤.

(٣) بحار الأنوار ١٦ : ٢٨٥ ، الباب ٩ ، الحديث ١٣٦ ؛ و ٨٨ : ٣٠ ، الباب ٢ ، الحديث ١.

١٩٣

الثاني : قال في الروضة (١) ، والروض (٢) ، والذخيرة (٣) : لا يقدح في المروة فعل السنن وإن استهجنها الناس ، كالكحل والحناء والحنك في بعض البلاد ، وإنّما العبرة بغير الراجح شرعا.

أقول : هذا مع قصد الامتثال والقربة ، كما لعلّه ظاهر كلامهم لا شبهة فيه وأمّا إذا قصد بها غيره ، فالظاهر أنّه كذلك أيضا ، لوجوب اشتمالها للحسن الخالي عن القبح والمهانة قبل تعلّق الأمر وحصول القربة به.

واختلاف الحسن والقبح باختلاف النيّات في غير السنن ـ كما سمعت ـ لا يقاس به السنن ، لوجوب ثبوت الحسن فيها قبل النية ، بل قبل الأمر ، وإلّا لزم الدور.

نعم ، إذا كان معه نية زائدة قبيحة ظاهرة يستهجن معها ، كالرياء في الحنك مثلا ، أمكن القول بكونه معها خلاف المروّة.

الثالث : ترك جميع المستحبّات ما لم يبلغ حدّ التهاون ليس منافيا للمروّة من حيث ترك الاستحباب ، فلا يسقط بها العدالة عند مشترطها ، كما نصّ به جماعة ، بل عليه ظاهر الإجماع ، كما في الكفاية وغيره له (٤) ، ولإطلاق الأدلّة وفحوى ما دلّ على أنّ الصغيرة ليست قادحة وعموم أدلّة قبول الشهادة وإن بلغ حدّ التهاون ، فعن صريح الشرائع (٥) والتحرير (٦) والدروس (٧)

__________________

(١) الروضة البهية ٣ : ١٣٠.

(٢) روض الجنان : ٣٦٣.

(٣) ذخيرة المعاد : ٣٠٥.

(٤) في الأصل : الإجماع ، كالكف وغيره له.

(٥) شرائع الإسلام ٤ : ١٢٩.

(٦) تحرير الأحكام ٢ : ٢٠٨.

(٧) الدروس الشرعية ٢ : ١٢٥.

١٩٤

والروضة (١) والكشفين (٢) قدحه فيها ، بل عن المسالك (٣) قدح ترك صنف منها كالنوافل منها أيضا ، استنادا إلى كونه خلاف المروّة ، كما في الروضة (٤) ، بل ربما يحتمل كونه معصية ، لدلالته على قلة المبالاة بأمر الدين ، فيكون قادحا ، وفيه نظر. والأمر سهل ، إذ لا يتّفق عادة ترك جميع المستحبّات ، كما نبّه عليه بعضهم.

ومن هذا يظهر عدم قدح ترك خصوص الجماعة في العدالة أيضا ، إلّا إذا بلغ حدّ الاستهانة والاحتقار والاستخفاف.

وعن السبزواري والأردبيلي والمجلسي قدحه فيها للخبرين :

أحدهما : رواية ابن أبي يعفور (٥) عن الصادق عليه‌السلام قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « لا غيبة لمن صلّى في بيته ورغب عن جماعتنا ، ومن رغب عن جماعة المسلمين وجب على المسلمين غيبته ، وسقط عندهم عدالته ، ووجب هجرانه ، وإذا رفع إلى إمام المسلمين أنذره وحذره ، فإن حضر جماعة المسلمين ، وإلّا أحرق عليه بيته ، ومن لزم جماعتهم حرمت عليهم غيبته ، وثبتت عدالته ».

والآخر المرويّ في البحار (٦) عن الشهيد الثاني عن الباقر عليه‌السلام : قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : « من سمع النداء فلم يجبه من غير علّة فلا صلاة له » (٧) ، وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لا صلاة لمن لا يصلّي في المسجد مع المسلمين ، إلّا من علّة ، ولا

__________________

(١) الروضة البهية ٣ : ١٣٠.

(٢) كشف اللثام ٢ : ١٩ ؛ وكشف الغطاء ١ : ٢٦٦.

(٣) مسالك الأفهام ٢ : ٣٢١.

(٤) الروضة البهية ٣ : ١٣٠.

(٥) وسائل الشيعة ٨ : ٣١٩ ، الباب ١١ من أبواب صلاة الجماعة ، الرواية ١٠٧٧٨.

(٦) بحار الأنوار ٨٥ : ٥.

(٧) وسائل الشيعة ٨ : ٢٩١ ، الباب ١١ ، الرواية ١٠٦٩٤.

١٩٥

غيبة إلّا لمن صلّى في بيته ، ورغب من جماعتنا ومن رغب عن جماعة المسلمين سقطت عدالته ، ووجب هجرانه ، وإن رفع إلى إمام المسلمين أنذره (١) ، الحديث.

وهما مدفوعان : أوّلا بضعف السند ، مع عدم الجابر ، سيما مع ندرة القائل ، واشتمالها على ما لم يقل به أحد.

وثانيا بضعف الدلالة ، ضرورة أنّهما ليسا على ظاهرهما ، للإجماع على عدم كون ترك الجماعة فسقا ومجوّزا للغيبة وسببا يوجب الهجران ، مضافا إلى ما في الأوّل من التعذيب والحرق في جوف بيته المنافي للاستحباب ، وفي الثاني من نفي الصلاة عن من لم يجب النداء ولم يصلّ في المسجد مع المسلمين من غير علّة.

فلا بدّ من تنزيلهما ، إما على الاستهانة والإعراض والاحتقار ، كما أشار إليه الشهيد في الذكرى (٢) ، ويشعر به سياق الخبرين ، من قوله : « رغب عن جماعتنا وعن جماعة المسلمين » وظهور ذيلهما سيما الأوّل ـ في المداومة على الترك الناشئة غالبا عن الاستهانة والتبغّض ، أو تقييدهما بترك الجماعة الواجبة ، كالجمعة والعيدين. وحمل الأخير على مجرّد المداومة على الترك ، وحمل نفي الصلاة على نفي الكمال ، ووجوب الهجران والإنذار على مجرد المبالغة ، لا يخرجه عن الإجمال المنافي للاستدلال.

وثالثا بمعارضتهما لبعض ما تقدّم ، كموثق سماعة (٣) : « من عامل الناس فلم يظلمهم » ، الحديث ، بالعموم من وجه ، والترجيح للأخير بوجوه شتّى.

__________________

(١) وسائل الشيعة ٨ : ٣١٧ ، الباب ١١ من أبواب صلاة الجماعة ، الرواية ١٠٧٧٦.

(٢) ذكرى الشيعة ٤ : ٣٧٢.

(٣) وسائل الشيعة ٨ : ٣١٩ ، الباب ١١ ، الرواية ١٠٧٧٨.

١٩٦

البحث الرابع : يتوقّف العدالة الشرعية على صحّة المذهب ، فيشترط فيها الإسلام والإيمان ، كما صرّح به العلّامة (١) ، وصاحب المعالم في المنتقى (٢) ، ووالدي العلّامة (٣) وغيرهم ، وإن لم نقل بتوقّف معناها المعروف في علم الأخلاق ـ أعني تعديل القوى النفسانية ـ عليه ، مع أنّ فيه كلاما أيضا ، إذ من القوى القوّة العاقلة ، وتعديلها بحصول ملكة العلم الذي هو الاعتقاد المطابق. والدليل عليه من وجوه :

منها : الأصل ، فإنّ العدالة بهذا المعنى أمر توقيفيّ يقتصر فيه على موضع الاتفاق والنصّ ، والأوّل ظاهر الاختصاص بالمسلم والمؤمن ، وكذا الثاني ، لاختصاص الأخبار المتقدّمة ـ باعتبار تضمّنها لوجوب الأخوة وقبول الشهادة ـ بأهل البصيرة في الدين ، ويمكن إجراء الأصل في المشروط له أيضا.

ومنها : أنّ فعل الكبيرة قادح في العدالة ، وأيّ كبيرة أعظم من الكفر ، أو متابعة الإمام الجائر ، والردّ على المنصوب من قبل الله سبحانه ، مع تواتر الكتاب والسنة في خلود المتّصف بهما في النار ، بل يدلّ عليه خصوص ما في جملة من الأخبار من عدّ الشرك والكفر بالله سبحانه من الكبائر التي أوعد الله تعالى عليها النار ، بل من أكبر الكبائر ، وما في روايتي أبي الصامت المروية في التهذيب (٤) ، وعبد الرحمن بن كثير المروية في الفقيه (٥) ، من عدّ إنكار حقوقهم ، من الكبائر السبع.

__________________

(١) مختلف الشيعة ٨ : ٤٩٨.

(٢) منتقى الجمان ١ : ٥ وأيضا في معالم الأصول : ٢٠٤.

(٣) مستند الشيعة ٢ : ٢٢٦.

(٤) التهذيب ٤ : ١٥٠ ، الباب ١ ، الرواية ٣٩.

(٥) الفقيه ٣ : ٥٦١ ، الباب ٢ ، الرواية ٤٩٣١ ؛ ورواه في الوسائل ١٥ : ٣٢٦ ، الباب ٤٦ من أبواب جهاد النفس ، الرواية ٢٠٦٤٩.

١٩٧

وما يقال : إنّ كونه معصية كبيرة ، إنما هو على فرض التقصير في التحقيق وعدم حصول العلم ، وإلّا فلا يكلّف الله نفسا فوق معلومها ، مدفوع ، بأنّ قول الإمام عليه‌السلام بكونها على الإطلاق كبيرة أوعد الله سبحانه عليها النار ، واستفاضة الآيات والأخبار على عقوبة المتّصف بهما وخلوده في النار ، مع ضرورة العقل بعدمه عند عدم التقصير والعلم بالخلاف ، منبئ عن عدم تخلف البصيرة في الإيمان وحصول الاعتقاد الصحيح عن بذل المجهود في تحقيق الدين ، ولا ينبّئك مثل خبير ، سيما مع اعتضاد ذلك بمثل قوله تعالى ( وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا ) (١) وسائر الاعتبارات العقلية والشواهد الذوقية ، فليس لتعرض عدم التقصير وحصول الجزم بالخلاف الخالي عن شبهة الترديد ، مع تذكر الخلاف مورد أصلا. وثانيا بما ذكره والدي العلّامة (٢) بأنّه لا يقول أحد بعدالة غير المؤمن أو الكافر الذي لم يعلم في حقّه بذل الجهد في تحقيق الدين ، بحيث لم يمكن فوق ذلك ، وحصول العلم لنا في حقّ المخالف أو الكافر أنّه باذل جهده وسعيه ، وحصل له العلم بحقّية دينه ، إمّا غير ممكن ، أو نادر جدّا.

ومنها : أنّ مقتضى كثير مما تقدّم من الأخبار ، سيما صحيح ابن أبي يعفور ، في قوله عليه‌السلام (٣) : « ويعرف باجتناب الكبائر التي أوعد الله تعالى ، عليها النار وكفّ الجوارح » الظاهر في الكفّ عن محرّمات دين الإسلام « وبتعاهد الصلوات الخمس وحفظ مواقيتها » اشتراط الإسلام ، لعدم شموله للكافر وقوله عليه‌السلام فيه : « وإذا سئل عنه في قبيلته ومحلّته قالوا ما رأينا منه إلّا خيرا » اشتراطه واشتراط الإيمان أيضا

__________________

(١) العنكبوت (٢٩) : ٦٩.

(٢) مستند الشيعة ٢ : ٦٢٦.

(٣) بحار الأنوار ٨٨ : ٣٧ ، الباب ٢ ، الحديث ١.

١٩٨

ضرورة أن ليس الكفر والردّ على الإمام ومتابعة الإمام الغاصب خيرا قطعا.

البحث الخامس : قالوا : لا يقدح الذنب إذا تاب عنه ، وهذا في قبول الشهادة لعلّه لا خلاف فيه ، بل عليه الإجماع عن غير واحد. ويدلّ عليه المعتبرة المستفيضة المصرحة بقبول شهادة القاذف والسارق والمحدود بعد التوبة. ويتمّ المطلوب بعدم القول بالفصل ، بل قال المولى الأردبيلي (١) بإمكان التعميم بتنقيح المناط.

وقد يستدلّ عليه بالصحيح المزبور ونحوه مطلقا ، حتّى في الساعة التي تاب فيها. وفيه تأمّل ، لما أشرنا إليه من توقّف صدق الاجتناب عن الكبائر والستر والعفاف ونحوها على الإطلاق على تمادي زمان واستمرار مدّة عليه.

وأمّا في حصول العدالة فصرّح به ـ أيضا ـ جماعة ، بل في مجمع الفائدة (٢) لا يبعد أن يكون إجماعيا. وفي إطلاقه على القول بكون العدالة ملكة راسخة إشكال ، لأنّ التائب إن كان مسبوقا بالملكة ، فإن لم يزل ملكته بالذنب لا يسقط عدالته ، إلّا بجعل عدم المفارقة للذنب شرطا زائدا ، كما أنّ الظاهر كونه إجماعيا ، وسنشير إليه. وإن لم يسبق بالملكة ، أو سبق وزالت بالتمادي في الذنب ، فلا يحكم بمجرّد التوبة بعود العدالة مطلقا ، إلّا بعد مزاولة الآثار وتكريرها إلى أن تمدّدت وعادت الملكة. وحيث إنّ ظاهر كلماتهم الاتفاق على عود العدالة بمجرّد التوبة ، فهذا حجّة أخرى على القائل بالملكة ، كما أشار إليه في مجمع الفائدة (٣) والمستند (٤). إلّا أن

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان ١٢ : ٣٢١.

(٢) نفس المصدر.

(٣) نفس المصدر.

(٤) مستند الشيعة ٢ : ٦٣٤.

١٩٩

يقال باختصاص الاتفاق المذكور بصورة سبق الملكة ، كما يشعر به قولهم في المقام بعود العدالة وقضاء العادة بعدم زوالها بمجرّد الذنب ، ولكن يتّجه عليه ظهور الإجماع على قبول الشهادة بعد التوبة مطلقا ، وتفكيكه عن أصل العدالة ينافي إطلاق كلماتهم. وأمّا على القول بحسن الظاهر ، فيصحّ القول به.

وتوقّف صدق الأوصاف المذكورة في الصحيحة على وجه الإطلاق ، كالاجتناب عن الكبائر والستر والعفاف على الاستمرار ، حسب ما ذكر وسنذكر ، فلا يصدق بمجرّد التوبة ، غير متّجه هنا ، إذ الظاهر صدقه عرفا ، مع العلم بالتوبة الصحيحة ، وحصول الهيئة الصالحة في النفس الباعثة على العزم على الاستمرار على تلك الأوصاف ، كما نبّه عليه المقدّس الأردبيلي ، ووالدي العلّامة وهذا هو الدليل على ثبوت العدالة بالتوبة ، على القول بحسن الظاهر ، المختار عندنا فيما سيأتي ، لكونه المعيار لها في الصحيحة.

ثمّ إنّه هل يكتفى في ثبوت التوبة بمجرّد إظهاره ، كقول المذنب : تبت ، أو أستغفر الله وأتوب إليه ، أم يشترط العلم بتحقّق شرائطها القلبية ، من الندامة عن المعاصي (١) والعزم على الآتي وغيرهما بظهور آثارها في الخارج في مدّة أمكن العلم بها والاجتناب عنها؟

الظاهر الثاني ، وحمل فعل المسلم على الصحة لا يكتفي به في مثل المقام ، وإلّا اكتفى في الشاهد بقوله : أنا عادل ، بل لم أجد مصرّحا به ، فإنّ السبب المتوقّف عليه العدالة هو التوبة ، وهي الندامة والعزم القلبيان ، فيجب العلم بهما ، دون قوله : تبت أو أستغفر الله.

المطلب الثاني : في بيان ما يكشف عن العدالة وكيفية البحث عن ثبوتها.

قد

__________________

(١) في « م » : عن الماضي.

٢٠٠