مشارق الأحكام

المولى عبد الصاحب محمد النراقي

مشارق الأحكام

المؤلف:

المولى عبد الصاحب محمد النراقي


المحقق: السيد حسين الوحدتي الشبيري
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤتمر المولى مهدي النراقي
المطبعة: سلمان الفارسي
الطبعة: ٢
الصفحات: ٥٢٨

منساقا لبيان جواز التقبّل من السلطان ، بل وقع في جواب السؤال عن حكم الإجارة بعد الاستيجار من السلطان ونحوه ، فلا يفيد العموم.

وبالجملة ما دلّ على عموم التقبّل من الجائر ولو مع الإمكان عن أهله غير معلوم الثبوت ، فلا يجوز المصير إليه ، مع مخالفته للأصول القطعية ، سيما مع ما فيه من المعاونة على المعصية وإعانة الظالم وقبح إقامة الباطل.

وأمّا مع عدم إمكان التصرّف بدون التقبّل منه فالظاهر أنّه جائز ، بل لعلّه معقد الإجماع ، وفي الأخبار المتكثرة عليه دلالة ظاهرة.

ودلّ عليه تقريرهم عليه المعلوم من الآثار ، بل صحيح الحلبي (١) ورواية عبد الله بن محمد (٢) تدلّان عليه بتقرير الإمام عليه‌السلام. ويؤيّده ، بل يدلّ عليه أنّه لولاه لوقع الشيعة غالبا في الحرج وضاع حقوقهم ، كما ذكروه.

فالمعتمد في المسألة أن تولية هذا الأراضي والنظر فيها حال الغيبة للنائب العامّ مع تمكّنه وإمكان التصرّف بدون إذن الجائر ، فيتوقّف التصرّف على إذنه ، وللجائر مع عدم التمكّن بدون إذنه فيمضى ـ حينئذ ـ تقبيله ، وحكم تصرّفه فيها حكم تصرّف الإمام العادل عليه‌السلام بالنسبة إلى الرعية.

البحث الرابع : المعروف بين الأصحاب أنّ ما يأخذه السلطان الجائر باسم الخراج والمقاسمة والزكاة يحلّ أخذه

وتناوله وشراؤه منه ، وإن كان ظالما في أخذه ومحرما عليه التصرّف فيه. وهو في الجملة لا خلاف فيه ظاهرا ، كشفا ونقلا فاستشكال المحقّق

__________________

(١) التهذيب ٧ : ١٤٧ ، الرواية ٦٥٢.

(٢) عبد الله بن محمد هو أبو عبيدة الحذّاء والرواية في التهذيب ٦ : ٣٧٥ ، الرواية ١٠٩٣.

١٤١

الأردبيلي (١) مندفع به ، مضافا إلى لزوم العسر والحرج للشيعة لولاه ، وظهوره من فحاوي الأخبار ومطاوي الآثار وخصوص النصوص.

منها : صحيح الحذّاء (٢) عن الرجل منّا يشتري عن السلطان من إبل الصدقة وغنمها ، وهو يعلم أنّهم يأخذون منهم أكثر من الحقّ الذي يجب عليهم ، قال : فقال : « ما الإبل والغنم إلّا مثل الحنطة والشعير وغير ذلك ، لا بأس به حتى تعرف الحرام بعينه » قيل له : فما ترى في مصدّق يجيئنا فيأخذ صدقات أغنامنا ، فنقول بعناها فيبيعناها ، فما ترى في شرائه منه؟ قال : « إن كان قد أخذها وعزلها فلا بأس » فقيل له : فما ترى في الحنطة والشعير ، يجيئنا القاسم فيقسم لنا حظنا فيأخذ حظّه فيعزله بكيل ، فما ترى في شراء ذلك الطعام منه فقال : « إن كان قد أقبضه بكيل وأنتم حضور ذلك فلا بأس به منه بغير كيل ».

والإيراد : بعدم دلالة قوله : « لا بأس حتى تعرف الحرام بعينه » (٣) على جواز شراء الصدقة ، بل غايته جواز شراء غير معلوم الحرمة فلا يفيد المطلوب ، مدفوع ؛ بظهور رجوع الضمير إلى شراء إبل الصدقة المسؤول عنه ، مع أنّه لولاه لم يطابق الجواب السؤال.

وربما يناقش أيضا ، باختصاصها بالزكاة ، فلا يشمل الخراج ، ومنع ظهور لفظ القاسم في المقاسمة ، سيما بقرينة المقابلة للمصدق ، لتحقّق القسمة في صدقات الغلّات أيضا ، واحتمال اختصاص لفظ المصدّق عندهم بمن أخذ صدقات الأنعام ،

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان ٧ : ٤٧.

(٢) وسائل الشيعة ١٧ : ٢١٩ ، الباب ٥٢ من أبواب ما يكتسب به ، باب جواز شراء ما يأخذه الظالم ، الرواية ٢٢٣٧٦.

(٣) الكافي ٥ : ٢٢٨ ، الرواية ٢.

١٤٢

أو كون المأخوذ مال مقاسمة مالك الأرض ، حيث قاسمها الزارع لا السلطان ، والسؤال باعتبار البيع ، اعتمادا على الكيل السابق ، وباحتمال كون المصدّق من قبل الإمام العدل أو هو الفقير المستحقّ.

ويضعف الأوّل : بأنّه لو لم نقل بتبادر القاسم سيما في أزمنة المعصومين عليهم‌السلام ، بحكم الحدس والاعتبار في المنصوب من قبل السلطان لأخذ المقاسمة ، فيشمله قطعا ، فيعمّه الحكم بترك الاستفصال ، مع أنّ الظاهر عدم القائل بالفصل بين الزكاة والخراج.

والثاني : بكونه بعيدا ـ كما قيل ـ بملاحظة حال الأئمّة عليهم‌السلام في زمان صدور الرواية ، لاشتداد التقيّة ، مع أنّ عموم اللفظ كاف في الدلالة.

ومنها : الحسن (١) « وما منع ابن أبي سمان أن يخرج شباب الشيعة فيكفونهم ما يكفي الناس ويعطيهم ما يعطى الناس » ثمّ قال للراوي : « لما تركت عطاءك »؟

قلت : مخافة على ديني ، قال : ما منع ابن أبي سمان أن يبعث عليك بعطائك ، أما علم أنّ لك في بيت المال نصيبا »؟ (٢) دلّ على جواز أخذ الراوي من بيت المال الذي في أيديهم ، الغالب فيه اجتماع وجوه الخراج والمقاسمة ، وإنكاره على ابن أبي سمان من منعه عنه.

ومنها : ما دلّ على احتساب ما يأخذه السلطان من الزكاة الدال على حكم الخراج بعدم القول بالفصل ، كصحيح يعقوب بن شعيب (٣) ، عن العشور التي يؤخذ من الرجل أيحتسب به من زكاته؟ قال : « نعم ، إن شاء الله ».

__________________

(١) التهذيب ٦ : ٣٣٦ ، الباب ٢٢ ، الرواية ٥٤.

(٢) وسائل الشيعة ١٧ : ٢١٤ ، الباب ٥١ من أبواب المستحقين ، الرواية ٢٢٣٦١.

(٣) نفس المصدر ٩ : ٢٥١ ، الباب ٢٠ من أبواب المستحقين ، الرواية ١١٩٥٢.

١٤٣

وصحيح الحلبي (١) : عمّا يأخذه السلطان من صدقة المال ، فقال : « لا أمرك أن تعيد ».

ومرسل محمد (٢) : عن الرجل يؤخذ منه هؤلاء زكاة ماله أو خمس غنيمته أو خمس ما يخرج له من المعادن ، أيحسب ذلك في زكاته وخمسه؟ قال : « نعم ».

وغير ذلك من النصوص.

ومنها : موثق سماعة (٣) ، عن شراء الخيانة والسرقة ، قال : « إذا عرفت أنّه كذلك فلا ، إلّا أن يكون شيئا تشتريه من العمال ».

وخروج أفراد معلوم السرقه والخيانة من العمل أيضا غير ضائر للباقي ، بل الظاهر أنّ مفروض البحث هو الفارق الموجب للتفصيل ، وإلّا كان الفصل خاليا عن التحصيل ، ومنع صدق الخيانة على المفروض سخيف ، فإنّه لا خيانة أعظم من التصرّف في حقّ الإمام بغير حقّ ومال جميع المسلمين.

ومنها : حسن محمّد وأبي بصير (٤) ، قالا له : هذه الأرض التي تزارع أهلها ، ما ترى فيها؟ فقال : « كلّ أرض دفعها إليك سلطان فما حرثته لها ، فعليك فيما أخرج الله تعالى منها الذي قاطعك عليه ، وليس على جميع ما أخرجه الله سبحانه فيها العشر ، إنّما العشر عليك ، فيما تحصل في يدك بعد مقاسمته لك ».

ومنها : رواية محمد (٥) عن الرجل يتكاري الأرض من السلطان بالثلث أو

__________________

(١) وسائل الشيعة ٩ : ٢٥٣ ، الباب ٢٠ من أبواب المستحقين ، الرواية ١١٩٥٦.

(٢) نفس المصدر : ٢٥٤ ، الرواية ١١٩٥٨ ؛ و ٥٠٨ ، الباب ١٢ ، الرواية ١٢٥٩٩.

(٣) الفقيه ٣ : ٢٢٧ ، الباب ٢ ، الرواية ٣٨٤١.

(٤) وسائل الشيعة ٩ : ١٨٨ ، الباب ٧ من أبواب زكاة الغلات ، الرواية ١١٨٠٦.

(٥) التهذيب ٧ : ٢٠٢ ، الباب ٢٢ ، الرواية ٣٥.

١٤٤

النصف ، هل عليه في حصّته زكاة؟ قال : « لا » ، دلّ على خروج ما قاطعه عليه السلطان من ملكه ، وإلّا كان عليه زكاته.

ومنها : صحيح الحلبي (١) : لا بأس أن يتقبّل الرجل الأرض وأهلها من السلطان.

وقريب منه ما رواه الثلاثة مسندا إلى إسماعيل بن فضيل وغيره.

وقد يستدلّ أيضا بإطلاق ما دلّ على جواز الشراء من الظلمة ، وخصوص الموثّق : عن الرجل يشتري من العامل وهو يظلم ، فقال : « يشتري منه ما لم يعلم أنّه ظلم فيه أحدا » (٢) حملا للظلم على الزائد عن المتعارف عرفا ، وإطلاق المستفيضة (٣) الدالّة على إباحة جوائز الظلمة.

ويضعّف بأنّ الحمل المذكور والصرف عن الظاهر ، مع ما فيه من الركاكة ، لا وجه له ، فهي ظاهرة في غير معلوم الحرمة.

ثم إنّ المستفاد من تلك الأدلّة حلّية المأخوذ من الجائر من مال الخراج في الجملة. ويقع الإشكال في مقامات :

منها : أنّ جواز رفع المالك مال الخراج إلى الجائر ، هل هو مخصوص بصورة عدم التمكّن من المنع ، أو يجب عليه مطلقا ، فلا يجوز له جحد شي‌ء منه ، ولا منعه ولا سرقته.

نقل المحقّق الثاني في الرسالة الخراجية (٤) : القول بالإطلاق عن كثير من معاصريه ،

__________________

(١) التهذيب ٧ : ٢٠١ ، الرواية ٣٤.

(٢) نفس المصدر ٦ : ٣٧٥ ، الباب ٢٢ ، الرواية ٢١٤.

(٣) وسائل الشيعة ١٧ : ٢١٤ ، الباب ٥١ من أبواب المستحقين ، الرواية ٢٢٣٥٩ و ٢٢٣٦٠.

(٤) رسائل المحقق الكركي ١ : ٢٦٧.

١٤٥

وهو ظاهر جمع آخر.

وفي الكفاية (١) عن بعضهم : الاتفاق عليه ، وتأمّل هو فيه.

وعن آخرين براءة الذمّة بالدفع إجبارا ، ومقتضاه عدم جوازه مع التمكّن ، وبه صرّح الشيخ إبراهيم القطيفي فيما نقل عنه ، واختاره والدي العلّامة والمحقّق القمّي ؛ اقتصارا فيما خالف الأصل والنقل على ما ثبت فيه الإجماع والنصّ ، وهما في الفرض غير معلومين ، بل معلوم العدم.

أمّا الأوّل : فظاهر ، بل عن ظاهر الشيخ المتقدّم دعوى الضرورة الدينية على خلافه. وإطلاق كثير من الفتاوى محمول على صورة عدم التمكّن بحكم الغلبة بل الاطّراد ، ولا أقل من عدم ثبوت الاتفاق به ، سيما مع مخالفة هؤلاء.

وأمّا الثاني : فلعدم الدلالة إلّا باعتبار ظاهر العموم المستفاد من ترك الاستفصال في بعضه ، وإفادته في المقام بعد ظهور المسؤول عنه في صورة الخوف وعدم التمكّن ، بل انحصار الواقع فيها ممنوعة ، مع أنّ صحيح العيص (٢) في الزكاة الدالّة على حكم الخراج بعدم القول بالفصل على ما ذكره بعض الأجلّة « ما أخذ منكم بنو أميّة فاحتسبوا به ولا تعطوهم شيئا ما استطعتم » يخصّصه بها على فرض العموم ، كما يخصّص به عموم صحيح الشحام (٣) المانع عن الاحتساب ـ مطلقا ـ بصورة التمكّن.

وهل يجوز الأخذ من الجائر بعد دفع المالك إليه اختيارا؟ فيه إشكال ، وإن كان مقتضى ما ذكر عدمه ظاهرا ، ولعلّه لا إشكال في جوازه إذا كان المالك متديّنا بدين

__________________

(١) كفاية الأحكام : ٧٥.

(٢) وسائل الشيعة ٩ : ٢٥٢ ، الباب ٢٠ من أبواب المستحقين ، الرواية ١١٩٥٤.

(٣) نفس المصدر : الرواية ١١٩٥٧.

١٤٦

الجائر ، أو لم يعلم حال المالك من الاختيار والاضطرار والتمكّن من الجحد وعدمه.

ومنها : أنّه هل يشترط رضى المالك والاستيذان منه؟

الظاهر لا فيما يحتسب لخروجه عن ملكه في مال الخراج ، وإلّا لم يحصل له البراءة منه.

ومنها : أنّه هل يختصّ جواز الأخذ والحلّ بغير الشراء لمستحقّ الخراج ، كما هو صريح الوالد والفاضل المتقدّم ومحتمل بعضهم ، أو يعمّ غيره كما هو ظاهر جماعة؟ (١) المعتمد الأوّل ، للأصل وعدم الدليل ، والحسن المتقدم ليس بذلك الصريح ، بل ولا الظاهر في العموم في مقابل ما دلّ على خصوص مصارفه ، وأمّا بالشراء فيعمّ المستحقّ وغيره من غير خلاف.

ومنها : أنّه هل يقتصر في الحكم بالصحّة بالشراء من الجائر الذي هو مورد النصوص وبما بعد قبضه أو قبض وكيله الذي اشترطه في صحيح الحذاء المخصّص لإطلاق غيره ، واحتمله المولى الأردبيلي ، وتوقف فيه بعضهم ، أو يعمّ غير الشراء من المعاوضات وما قبل القبض ، كما هو ظاهر جماعة؟

مقتضى الأصل الأوّل ، إلّا إذا ثبت الإجماع على العموم ، كما عزّاه بعضهم إلى الأصحاب من غير خلاف ، وآخر إلى إجماع علمائنا وروايات أصحابنا.

وكيف كان فالأحوط الأوّل ، نعم ، في حكم القبض الحوالة والدلالة على المالك في الإعطاء بغير معاوضة ، لإطلاق الحسنة الأولى وغيرها ، لكن بشرط استيلاء الجائر وعدم تمكّن المالك من منعه عنه.

ومنها : أنّه هل يجوز أخذ الزائد على القدر المعتاد في ذلك الزمان أو المعتبر في

__________________

(١) مستند الشيعة ٢ : ٣٥٨.

١٤٧

أصل الشرع أم لا ، بمعنى حرمة الجميع ، كما يظهر من جماعة ، لخروجه بالزيادة عن المسمّى فيحرم الجميع أو يحرم القدر الزائد خاصة ، وهو الأشبه.

ومنها : أنّه هل يشترط أن يكون الجائر مخالفا لمذهب الحق ، كما مال إليه الشهيد الثاني (١) وجماعة أو يعم الموافق كما للآخرين؟

الأصحّ الأوّل ، اقتصارا فيما خالف الأصل على مورد النصوص ، وهي مخصوصة بالمخالف ، لأنّه المسؤول عنه والمدلول عليه بالقرائن التفاتا إلى ما وقع في الواقع أو الغالب.

البحث الخامس : اختلفوا في جواز بيع الأراضي الخراجية على أقوال :

أحدها : صحّته للمتصرّف مطلقا ، حكي عن الشيخ في التهذيب (٢) ، لتحقّق القسمة فيها للبائع ، لأنّها أراضي المسلمين.

وثانيها : عدمها كذلك ، نسب إليه في المبسوط (٣) قائلا فيه : لا يصحّ بيع شي‌ء من هذه الأرضين ولا هبته ولا معاوضته ولا تمليكه ولا وقفه ولا رهنه ولا إجارته ولا إرثه ولا يصحّ أن يبنى عليها دور ومنازل ومساجد وسقايات وغيرها من أنواع التصرف الذي يتّبع الملك ، ومتى فعل شي‌ء من ذلك كان التصرف باطلا وهو باقيا على الأصل.

وثالثها : صحّته في بنيانها وحقّ تصرّفها لا في نفس رقبتها ، لا مستقلة ولا تبعا لآثار المتصرف ، اختاره الحلّي ويظهر من الفاضلين ، واعتمده والدي العلّامة (٤) ، إلّا

__________________

(١) مسالك الأفهام ٣ : ١٤١.

(٢) التهذيب ٧ : ١٤٧ ، الحديث ٦٥٢.

(٣) المبسوط ٣ : ٣٤.

(٤) السرائر ١ : ٤٧٨ ؛ المنتهى ٢ : ٩٣٤ ؛ إيضاح الفوائد ١ : ٣٦٥ ؛ الشرائع ١ : ١٨١ ؛ مستند الشيعة ٢ : ٣٥٨.

١٤٨

أنّه قال : يملك المشتري بتبعيّة بيع الآثار حقّ التصرف فيها إذا تبعت (١) الآثار كائنة فيها ، وكان مقصودهما بقاء الآثار فيها.

ورابعها : صحّته في نفس الرقبة تبعا لآثار المتصرّف من بناء أو غرس أو زرع ونحوها ، لا مستقلة بل مستدامة بدوامها فإذا ذهبت انقطع حقّ المشتري في البيع والموقوف عليه في الوقف وغيرهما ، استقواه الشهيد الثاني (٢) ونسبه إلى جمع من المتأخّرين.

وخامسها : منع البيع والوقف وغيرهما فيها حال ظهور الإمام عليه‌السلام وجوازها في الغيبة. ذهب إليه الشهيد في الدروس (٣).

ويظهر من تلك الأقوال وقوع الخلاف في جواز وضع الآثار فيها أيضا ، ومنشأ اختلاف الأقوال اختلاف الروايات وإجمال كثير منها ظاهرا.

والذي يظهر لي من تضاعيف الأخبار أنّ تلك الأراضي وإن كانت للمسلمين كافة ، إلّا أنّه يملكها المتصرف بالتعمير والقيام عليها ووضع الآثار فيها ، نظير أرض الموات التي هي ملك الإمام عليه‌السلام ويملكها المحيي ، لكن ملكيتها للمتصرف ليست على حدّ ملكية سائر الأملاك ، بل هي ممتدّة إلى زمان العمارة ، فإذا زالت انقطع حقّه ، وهو ما صرّح به شيخنا الشهيد ، وعليه خراجها ما دام في يده ولو بعد التملك ، فيجوز له بيعها وشراءها.

__________________

(١) بيعت ( خ ).

(٢) مسالك الأفهام ٣ : ٥٦.

(٣) الدروس الشرعية ٢ : ٤١ ؛ وأيضا جامع المقاصد ٧ : ١٠.

١٤٩

فمن الأخبار الظاهرة في ذلك صحيح محمد (١) عن الشراء من أرض اليهود والنصارى فقال : « ليس به بأس ، وقد ظهر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على أرض أهل خيبر فخارجهم على أن يترك الأرض في أيديهم يعملونها ويعمرونها ، وما بها بأس إذا اشتريت شيئا منها ، وأيّما قوم أحيوا شيئا وعملوها فهم أحقّ بها وهي لهم ».

وصحيح آخر (٢) عن شراء أرضهم فقال : « لا بأس أن يشتريها ، فيكون إذا كان ذلك بمنزلتهم يؤدّى منها كما يؤدّون منها ».

وعن أبي بصير (٣) في الصحيح عن شراء الأرضين من أهل الذمّة ، فقال : « لا بأس أن يشتري منهم إذا عملوها وأحيوها فهي لهم ، وقد كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حين ظهر على خيبر وفيها اليهود وخارجهم على ترك الأرض في أيديهم يعملونها ويعمّرونها ».

ورواية محمد بن شريح (٤) عن شراء الأرض من أرض الخراج فكرهه ، وقال : « إنّما أرض الخراج للمسلمين » ، فقالوا له : فإنّه يشتريها الرجل وعليه خراجها ، قال : « لا بأس إلّا أن يستحيي من عيب ذلك ».

وعن محمد بن مسلم وعن عمر بن حنظلة (٥) قال : سألته عن ذلك فقال : « لا بأس بشرائها ، فإنّها إذا كانت بمنزلتها في أيديهم يؤدّى عنها كما تؤدّى عنها ».

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٥ : ١٥٦ ، الباب ٧١ من أبواب جهاد العدوّ ، الرواية ٢٠١٩٩ ، مع اختلاف يسير في الألفاظ.

(٢) نفس المصدر ١٧ : ٣٦٩ ، الباب ٢١ من أبواب عقد البيع وشرائطه ، الرواية ٢٢٧٧٠.

(٣) نفس المصدر ٢٥ : ٤١٦ ، الباب ٤ من أبواب إحياء الموات ، الرواية ٣٢٢٤٨.

(٤) نفس المصدر ١٧ : ٣٧٠ ، الباب ٢١ ، الرواية ٢٢٧٧٢.

(٥) نفس المصدر ١٥ : ١٥٦ ، الباب ٧١ ، الرواية ٢٠١٩٩.

١٥٠

وعن حريز (١) رفع إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام رجل مسلم اشترى أرضا من أراضى الخراج ، فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : « له ما لنا وعليه ما علينا ، مسلما كان أو كافرا ، له ما لأهل الله سبحانه وعليه ما عليهم ».

ورواية أبي بردة (٢) : كيف ترى في شراء أرض الخراج؟ قال : « ومن يبيع ذلك وهي أرض المسلمين؟ » قال : قلت : يبيعها الذي في يده ؛ قال : « ويصنع بخراج المسلمين ما ذا؟ » ثم قال : لا بأس أن يشتري حقّه منها ويحول حقّ المسلمين عليه ، ولعلّه يكون أقوى عليها وأملى بخراجهم لله تعالى ».

ورواية الهاشمي (٣) المتضمّنة لتقرير الإمام عليه‌السلام عن رجل اشترى أرضا من أراضي الخراج ، فيبنى فيها أو لم يبن غير أنّ أناسا من أهل الذمّة نزلوها أله أن يأخذ منهم أجور (٤) البيوت إذا أدّوا جزية رءوسهم؟ قال : « يشارطهم فما أخذ بعد الشرط ؛ فهو حلال ».

وصحيح الحلبي (٥) عن السواد ما منزلته ، فقال : « هو لجميع المسلمين لمن هو اليوم ولمن يدخل في الإسلام بعد اليوم ولمن لم يخلق بعد » ، فقلنا : الشراء من الدهاقين ، قال : « لا يصلح إلّا أن يشترى منها على أن يجعلها للمسلمين ، فإن شاء وليّ الأمر يأخذها أخذها » ، قلنا : فإن أخذها منه ، قال : « يردّ إليه رأس ماله وله ما أكل من ثمنها ».

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٥ : ١٥٧ ، الباب ٧١ من أبواب جهاد العدوّ ، الرواية ٢٠٢٠٢.

(٢) نفس المصدر : الرواية ٢٠١٩٤.

(٣) نفس المصدر ١٧ : ٣٦٩ ، الباب ٢١ من أبواب عقد البيع وشرائطه ، الرواية ٢٢٧٦٧.

(٤) في الوسائل : أجرة البيوت.

(٥) نفس المصدر ١٧ : ٣٧١ ، الباب ٢١ ، الرواية ٢٢٧٧٣ ؛ و ٢٥ : ٤٣٥ ، الباب ١٨ من أبواب إحياء الموات ، الرواية ٣٢٢٩٣.

١٥١

والمناقشة في الصحيح الأخير وأمثاله بل جعلها دليلا للمنع بأنّ المستثنى ليس شراء حقيقيا مملّكا للرقبة وإلّا لم يجز لوليّ الأمر أخذها منه ، ولم يجب جعلها للمسلمين ، فهما قرينتان على عدم إرادة الشراء الحقيقيّ ؛ مخدوشة بأنّ الشراء الشرعيّ لا ينافي سلطنة الإمام عليه‌السلام على أخذه منه وقطع ملكه عنه ، فإنّ له السلطنة الكبرى يتصرّف كيف يشاء ، وفي النصوص ما له أعظم من ذلك من السلطنة والاستيلاء على تمام الأرضين وخصوص الأرض المحياة.

ويظهر من الأخبار أنّ للقائم ـ عجّل الله تعالى فرجه ـ بعد ظهوره أن يأخذ الأراضي التي أحياها الناس من أيديهم ويأخذها (١) من أيدي المخالفين ويترك ما في أيدي الشيعة تفضلا عليهم ، مع أنّها لهم بالإحياء ، كما في النصوص والفتاوى ، فلا يصلح ذلك قرينة لصرف الشراء عن معناه الحقيقيّ ، وكذا قوله عليه‌السلام : « على أن يجعلها للمسلمين » لظهوره بعد التصريح بجواز شراء الرقبة في كون المراد منه قصد أداء خراج المسلمين منها ، سيما بملاحظة موافقته لروايات كثيرة أخرى.

البحث السادس : إذا علم أنّ الأرض مفتوحة عنوة حال عمارتها بخبر متواتر أو مقترن بقرينة علمية فهو ، وإلّا فالطريق في إثباته منحصر في الخبر المعتبر أو شهادة عدلين.

ومنه إقرار ذي اليد نظرا إلى أنّ من أقرّ له في حكم ذي اليد عرفا وشرعا بمقتضى المستفيضة الدالّة على أنّ من أقرّ بعين لأحد فهو له (٢).

وقول ذي اليد في دعواه الاختصاص لنفسه ملكا أو ولاية معتبر.

__________________

(١) مستند الشيعة ٢ : ٣٥٩.

(٢) لم نقف عليه بهذه العبارة ولكن هناك روايات يمكن الاستدلال بها ، راجع وسائل الشيعة ١٩ : ٣٢٦ ، الرواية ٢٤٧٠١ ؛ و ٢٣ : ١٨٤ ، الرواية ٢٩٣٤١ و ٢٩٣٤٢.

١٥٢

وذكر بعضهم من طرق الثبوت ضرب الخراج من الحاكم وإن كان جائرا ، حملا لتصرّف المسلم على الصحّة ، وردّ بأنّ هذا يتمّ إذا كان الحكم بكونه خراجيا مصحّحا لتصرّفه وأخذه ، وليس كذلك.

وقال والدي العلّامة (١) : الحمل على الصحّة ـ لو سلّم ـ فإنّما هو في أفعال الشيعة خاصّة ، ومع تسليم المطلق لا يثبت إلّا كون الأراضي خراجية عند من يأخذ الخراج أو مع من تقبّله عنه ، وهذا غير كاف للثبوت عند مجتهد آخر أو معتقد طائفة غير معتدّ به لغيرهم.

نعم ، لو كانت الأرض في يد السلطان يتقبّلها أو يوجرها لمن يشاء ، فهذا من باب اعتراف ذي اليد بكونها خراجية ، وهو كاف في الثبوت ، ولا حاجة الى تحمل الحمل على الصحّة ، وكذا إذا كانت في يد الرعية ويعطون الخراج معترفين بكونها حقّا ، وأمّا إذا أعطوا كرها من غير اعتراف منهم بالحقّيّة ، فالحمل على الصحّة في عمل السلطان يعارض حمل كراهة الرعية عليها.

أقول : وهاهنا أمر آخر غير حمل الفعل على الصحّة وإقرار ذي اليد ، وهو استمرار العمل في ظاهر الحال ولو من السلطان المخالف في الأرض ، على وجه كونها خراجية من تقبيلها لمن يشاء على هذا الوجه ، وأخذ طسقها وإقدام الرعية على تقبّلها منه ، وبالجملة : جريان الأمر واستمراره على آثار الخراجية ، فإنّه دليل للخراجية. وإن لم يظهر من ذي اليد إقرار أصلا ، بل هو نفس الخراجية الظاهرة كما في غيرها من الأوصاف الشرعية كالملكية والزوجية والوقفية.

فإنّها قسمان : واقعية ؛ وهي الثابتة في نفس الأمر مسبّبة عن أسبابها الواقعية ، وظاهرية ؛ وهي الحالة الظاهرة بحسب الآثار والأعمال ، والجري عليها مع عدم

__________________

(١) مستند الشيعة ٢ : ٣٥٩.

١٥٣

العلم بمخالفتها للواقع ، وعدم كونها ناشئة عن أسبابها النفس الأمرية ، نظير الحكم الظاهري في مقابل الحكم الواقعي في الأحكام الشرعية.

وتلك الظاهرية في أمثال ذلك متّبعة في ظاهر الشرع ، بل هي مناط الشهادات غالبا في الأملاك والمناكح والأنساب والأوقاف والولايات وغيرها ، فيشهد بالزوجية بالاطّلاع على كونها في حبالة الزوج وتوافقهما في آثار الزوجية مدة طويلة ، ويقطع الدعوى وحقّ الحلف بمثل تلك الشهادة ، وإلّا فكيف يمكن للشاهد غالبا الشهادة مع عدم علمه بأسبابها الواقعية ، فضلا عن كونها منتهية إلى حسّه المشروط في الشهادة. ومعلوم أنّ هذا غير مجرّد اليد الموجبة ، لتقدّم القول الغير المسقط للدعوى وحقّ الحلف ، وإن علمها ، بل وإن علم منه الجهل بالحال.

وقد يجعل مطلق الظنّ ـ كالحاصل من كتب السير والتواريخ ـ من طرق الثبوت أيضا ؛ لدوران الأمر بين كونها مفتوحة عنوة أو صلحا على كونها للمسلمين أو لمن في أيديهم من الكفار ، فإمّا يحكم ـ حينئذ ـ بانتفاء الخروج وكونها على سبيل الثاني فيما يخالف الظنّ ، ففيه ترجيح حكم بلا مرجّح ، أو يرجع الى الظنّ فهو المتعيّن.

وفيه أنّ هنا احتمالا ثالثا هو كونها مواتا أحياها المسلمون إذا أسلم (١) أهلها طوعا ونحو ذلك ، وأنّ الأصل فيما يقتضي عدم كونها خراجية دليل شرعيّ مقدّم على الظاهر في أمثال تلك الموضوعات.

نعم ، فيما انتفى فيه الأصل وانحصر الأمر في الاحتمالين المزبورين أمكن الترجيح بالظن.

ثمّ إذا انتفى الطريق المعتبر لإثباتها ، فإن كان على الأرض يد تملّك من مسلم أو

__________________

(١) في « م » : أو أسلم.

١٥٤

مسالم يلزمها حكمها ، وإن كان ذو اليد غير عالم بحقيقة الحال كما في غيرها.

وفي الكفاية (١) المنع من اقتضاءها الاختصاص الملكي في أمثال تلك الأراضي ، حيث لا يعلمه المتصرّف ولا يدّعيه ، بل لو ادّعى العلم ، مع علمنا بعدم علمه لا يصدق.

ويضعّف بأنّه إن أراد نفي الاقتضاء رأسا فعموم أدلّة اليد يدفعه ، وإن أراد نفيه ملكا لكون اليد أعمّ منه ، فمع فرض وقوع التصرّفات المالكية فيها كالمعاملات الاستقلالية لا وجه للمنع ، وعلم المتصرّف بالواقع غير لازم في الاقتضاء ، وإلّا لما دلّت اليد على الملك إلّا في نادر.

وإن لم يكن عليها يد كذلك ، فصور الشك ثلاث :

إحداها : أن لا يعلم وقوع الفتح عليها مطلقا وحينئذ يعمل بالأصل ويلزمها حكم مجهول المالك أو بلا مالك.

وثانيتها : أن يعلم كون البلده مفتوحا عنوة وهذه الأرض منه ، وشك في كونها عامرة حين الفتح ، ويلزمه حكم ما تقدّم أيضا لأصالة تأخّر الحادث.

وثالثتها : الصورة بحالها واشتبه العامر المعلوم وجوده إجمالا حين الفتح بين موضع هذه الأرض وغيره من الأراضي التابعة أو القرينة إلى البلد ، والحكم ـ حينئذ ـ بكونه مجهول المالك مشكل ؛ لتعارض أصل تأخّر الحادث مع أصالة بقاء العامر وعدم تغيّره بما عليه حال الفتح ، فإن كان ـ حينئذ ـ مرجّح ظنّيّ فهو كما مرّ ، وإلّا فالوجه التوقف والاحتياط ببذل الخراج ، ولعلّ كثيرا من الأراضي العامرة اليوم في البلاد المفتوحة عنوة من هذا القبيل.

فإن قلت : مقتضى تعارض الأصلين فيه الجهل بمالكه ، فيلزمه حكم مجهول المالك أيضا.

__________________

(١) كفاية الأحكام : ٧٦.

١٥٥

قلت : أخبار مجهول المالك لا ينصرف إلى مثل هذا المتردّد بين كونه مفتوحا عنوة أو لمالك معيّن ، لظهورها فيما له مالك مخصوص ولم يعلم به.

١٥٦

[ المشرق الثامن ]

[ فيما يتعلّق بالعدالة الشرعية ]

مشرق : فيما يتعلّق بالعدالة الشرعية التي اشترطها الشارع في الشهادة والإمامة وغيرهما. والنظر إمّا في معناها وحقيقتها وما يتألف منه من الأجزاء والشروط ، أو في كيفية البحث عن ثبوتها وما يكشف عن حصولها شرعا ، فهنا مطلبان :

المطلب الأوّل : في بيان حقيقتها وما يعتبر فيها ، وفيه أبحاث :

البحث الأوّل : اختلفت كلمات العلماء في بيان حقيقة العدالة ، أي فيما هو المقصود منه في الشرع في المقامات المذكورة ، لا في أمر وضعيّ ضرورة أنّ ليس هو وضعا لغويا أو عرفيا فإنّه بمعزل عن مختلف الفقهاء في المقام ومطرح آرائهم وأقوالهم ، ولا الوضع الشرعي ، لأنّه فرع ثبوت الحقيقة الشرعية ، وهي غير معلومة ، وعلى الجملة فتفاسيرهم وتعاريفهم للعدالة الشرعية مختلفة الأجناس ، وجملتها أربعة :

أحدها : أنّها الملكة الراسخة النفسانية الباعثة على ملازمة التقوى والمروّة.

١٥٧

ذكرها في المختلف (١) والقواعد (٢) والإرشاد (٣) والتحرير (٤) والمهذّب (٥) ونهاية الأصول (٦) والمنية (٧) والدروس (٨) والذكرى (٩) والتنقيح (١٠) والروضة (١١) والروض (١٢) وجامع المقاصد (١٣) والرياض (١٤) ، ونسبه مولانا الأردبيلي إلى المشهور في الفروع والأصول (١٥) ، والفاضل الهندي (١٦) إلى المشهور بين العامّة والخاصّة ، والذخيرة (١٧) إلى المتأخرين ، وفي التنقيح (١٨) إلى الفقهاء ، مشعرا بدعوى إجماعهم عليه وبها عرفها جماعة من محقّقي

__________________

(١) مختلف الشيعة ٨ : ٤٨٤.

(٢) قواعد الأحكام ٢ : ٢٣٦.

(٣) إرشاد الأذهان ٢ : ١٥٦.

(٤) تحرير الأحكام ١ : ٢٠٨.

(٥) المهذب البارع ٢ : ٥٥٦.

(٦) لم نقف عليه.

(٧) غنية النزوع ١ : ٢٨٩.

(٨) الدروس الشرعية ١ : ٢١٨.

(٩) ذكرى الشيعة ٤ : ٣٩١.

(١٠) التنقيح الرائع ٤ : ٢٨٩.

(١١) الروضة البهية ٣ : ١٢٨.

(١٢) روض الجنان : ٣٦٣.

(١٣) جامع المقاصد ٢ : ٣٦٢.

(١٤) رياض المسائل ٢ : ٣٨٦.

(١٥) مجمع الفائدة والبرهان ١٢ : ٣١١.

(١٦) كشف اللثام ٢ : ١٩٢.

(١٧) ذخيرة المعاد : ٣٠٥.

(١٨) التنقيح الرائع ٤ : ٢٨٩.

١٥٨

العامّة كالغزالي والحاجبي والعضدي والآمدي (١).

وثانيها : نفس الأفعال والتروك ، بأن لا يكون مرتكبا للكبائر ولا مصرّا على الصغائر ، وهو ظاهر أكثر المتقدّمين. وفي البحار أنّه الأشهر في معناها وهو ظاهر الكفاية (٢).

وثالثها : المعروفية بتلك الأوصاف والتروك ظاهرا. فسّرها به الشيخ في النهاية (٣) ، والحلّي في السرائر (٤) ، وعزّى إلى أكثر متأخري المتأخرين (٥).

وفرقه مع سابقه اعتبار الواقع فيه ، والمعروفية الظاهرية هنا.

وهذا القول هو المعروف بحسن الظاهر ، على كون الظاهر في مقابل الواقع ، فهو في مقابل القول الثاني.

ولو أريد به المحسوس في قبال الباطن ، أي السريرة والملكة النفسانية ، يرجع إلى الثاني ، وكان في مقابل القول الأوّل.

ورابعها : عدم ظهور خلاف المذكورات مع ظهور الإسلام.

نسب إلى المفيد في الإشراف (٦) والإسكافي (٧) ، والشيخ في المبسوط (٨) والخلاف (٩).

__________________

(١) الغزالي في المستصفى ١ : ١٥٧ ؛ العضدي في شرح المختصر : ١٦٧ ؛ الآمدي في الإحكام في أصول الأحكام ١ : ٣٠٨.

(٢) كفاية الأحكام : ٢٧٨.

(٣) النهاية : ٣٢٥.

(٤) السرائر ٤ : ١١٨.

(٥) الهداية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٢ ؛ المقنعة : ٧٥٢.

(٦) حكاه عنهم السبزواري في ذخيرة المعاد : ٣٠٥.

(٧) المصدر السابق.

(٨) المبسوط ٨ : ٢١٧.

(٩) الخلاف ٦ : ٢١٨.

١٥٩

ثمّ الظاهر أنّ مراد القائلين بالأخير الحكم بالعدالة من باب الأصل ، لا أنّه نفس حقيقتها ، كما نبّه عليه في البيان (١) والدروس (٢) والذكرى (٣) والجعفرية (٤) والمسالك (٥) والكفاية (٦) ، وجدّي الأمجد في المعتمد ، ووالدي العلّامة في المستند (٧) ، وغيرهم (٨) ، فإنّ كلمات القائلين به في غاية الظهور ، بل الصراحة في مغايرة حقيقة العدالة لذلك ، كقول الشيخ في المبسوط عند ذكره أقسام المعرفة والجهل بالعدالة :

« الثاني : أن يعرف إسلامهما دون عدالتهما ، لم يحكم بشهادتهما حتى يبحث من عدالتهما » ، إلى أن قال [ ما ملخصه ] : وبه قال قوم إن كان في قصاص أو حدّ ، وإن كان غير ذلك حكم بشهادتهما بظاهر الحال ، ولم يبحث عن عدالتهما بعد أن تعرف إسلامهما.

وقوله في الخلاف (٩) : الأصل في المسلم العدالة ، فإنها لو كانت نفس ظاهر الإسلام لم يصحّ جعلها أصلا فيه ، بل كان نفسها. ويؤمي إلى المغايرة أيضا كلام المفيد (١٠) والإسكافي (١١).

__________________

(١) البيان : ١٣١.

(٢) الدروس الشرعية ١ : ٢١٨.

(٣) ذكرى الشيعة ٤ : ٣٩١.

(٤) رسائل المحقق الكركي ١ : ١٢٦.

(٥) مسالك الأفهام ٢ : ٣٢١.

(٦) كفاية الأحكام : ٢٧٨.

(٧) مستند الشيعة ٢ : ٦١١.

(٨) بحار الأنوار ٨٨ : ٢٥ ؛ ذخيرة المعاد : ٣٠٤ ؛ الكافي في الفقه : ٤٣٥ ؛ الوسيلة : ٢٣٠ ؛ وحكاه السيد العاملي في مفتاح الكرامة ٣ : ٨١ ؛ جواهر الكلام ١٣ : ٢٨١.

(٩) الخلاف ٦ : ٢١٨.

(١٠) حكاه عن المفيد في الحدائق الناضرة ١٠ : ١٨ ؛ ورياض المسائل ٢ : ٣٩٠.

(١١) مجموعة فتاوى ابن الجنيد : ٣٢٨.

١٦٠