مجموعة فتاوى ابن الجنيد

الشيخ علي پناه الاشتهاردي

مجموعة فتاوى ابن الجنيد

المؤلف:

الشيخ علي پناه الاشتهاردي


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٨٤

١
٢

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله على عظيم آلائه ، والصلاة على محمد المصطفى وآله ، واللعنة على أعدائهم أجمعين.

وبعد ، فمن الأمور المحزنة التي تعرض لها تراث الإمامية الخالد هو ضياع وتلف العديد من مسطرات الأصحاب وآثار الفقهاء والمحدثين ومصنفات المحققين في فنون العلم المختلفة مما ترك فجوة عظيمة لا يسدها شئ في كثير من الأبحاث العلمية سواء في الفقه أو الحديث أو الرجال أو التراجم أو السير أو التفسير وغيرها.

والخسارة العظيمة هذه لم تكن عفوية وعادية في أغلب الأحيان بل كانت متعمدة ومقصودة ، فهناك قسم كبير من التراث ضاع نتيجة الحرق والغرق والاتلاف الذي كان يقوم به المهاجمون من الأعداء والنواصب وسلاطين الجور وغيرهم وفي فترات زمنية متلاحقة. ولا يخفى أن الكثير من الكتب كانت محصورة في نسخ قليلة لا تتجاوز الآحاد ، فإذا أتلفت يصعب الحصول عليها إلا ما نقل عنها هنا وهناك.

ومن جملة الفقهاء الكبار الذين تعرضت آثارهم للتلف والضياع الشيخ أبو عي الإسكافي المعروف بابن الجنيد رحمه الله ، فقد ضاع كتابه المعروف في الفقه والذي يعد من المراجع الفقهية الهامة لاشتماله على آراء فقهية لها خصوصيتها ، ولم يبق شئ من آثاره إلا ما ذكره عنه وعن كتبه من عاصره أو حصل على كتبه

٣

كالعلامة وأشباهه رضوان الله عليهم.

ولأهمية آراء ابن الجنيد أهلها ـ وكان الوصول إليها يكلف الباحث ويأخذ من وقته الكثير ـ عدت الضرورة ـ دعت الضرورة آلى جمع آرائه المتشتتة في جامع مستقل ، فانبرى لهذه المهمة الأستاذ الأجل آية الله الشيخ علي پناه الاشتهاردي أطال الله عمره الشريف ، فقد شمر عن ساعد الجد وأتعب نفسه الشريفة فجمع آراءه المتناثرة في مختلف العلامة الذي أكثر النقل عنه ، فجاء كتابا جامعا مفيدا ونافعا ، فجزاه الله عن أهل العلم خيرا الجزاء.

ورأت المؤسسة طبع الكتاب ونشره خدمة لتراث الإمامية الخالد ، سائلين الله لعلمائنا الماضين الرحمة والرضوان وللباقين منهم التوفيق والاحسان إنه ولي النعمة والامتنان.

مؤسسة النشر الإسلامي

التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة

٤

المقدمة

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الحمد لله ربّ العالمين والحمد حقّه ، والصّلاة على جميع أنبيائه ورسله ولا سيّما الرسول الأعظم خاتم الرّسل الذي ختم به النبوّة والرّسالة ( محمّد ) المبعوث الى العالم.

وعلى جميع أوصياء الرسل ولا سيّما وصيّ الخاتم ووزيره وابن عمّه وصهره علي بن أبي طالب وعلى الأئمّة الأحد عشر من بعده من ذرّيته الطاهرين المعصومين سلام الله عليهم أجمعين.

وبعد لمّا وفّق الله تعالى جامعه (١) لجمع فتاوى العلمين علي بن بابويه ، والحسن بن أبي عقيل العمّاني رضي‌الله‌عنهما اشتاق بعض الإخوان من أهل الفضل والكمال الى جمع فتاوى ابن الجنيد التي نقلت في المختلف للعلّامة الحلّي ، فشمّر ذيله وهمّ بذلك ـ مع ضعفه وكبر سنّه ـ ووفقه الله تعالى لدرك ما رامه فجمعها بحمد الله بقدر وسعه وطاقته ـ فشكر الله سعيه.

لكن لمّا كان أمثال هذا يحتاج الى مزيد تتبّع وإعادة نظر التمس منّي ـ وهو

__________________

(١) سيأتي ذكر اسم الجامع في أواخر المقدّمة.

٥

مثله في الضعف وقلّة البضاعة إن أعيد النظر فيما جمعه فأجبته وأعدّت النظر فيما جمعه وراجعت كتاب المختلف من أوّله الى آخره فرتّبته على ترتيب المختلف فغيّرت ما جمعه كمّا وكيفا ووضعا وترتيبا فجاء بحمد الله بمنزلة رسالة مشتملة على فتاوى ابن الجنيد ، ولأجل ذلك سمّيناها ب : « مجموعة فتاوى ابن الجنيد ».

نرجو من فضل الله ورحمته أن يجعله ذخرا ليوم لا ينفع مال ولا بنون إلّا من أتى الله بقلب سليم ، وأن لا يسلب عنّا معرفته ومعرفة أوليائه الذين أذهب الله عنهم الرّجس وطهّرهم تطهيرا.

واعلم أنّ هنا نكتة لا بدّ أنّ ينبّه عليها وهي : إنّ ما جمعناه من كلمات الحسن بن أبي عقيل العمّاني وفتاوى علي بن بابويه رحمهما‌الله وجعلناه بين يدي الفقهاء والعلماء كثّر الله أمثالهم ، وكذا ما جمعناه من فتاوى محمّد بن أحمد بن الجنيد في هذه المجموعة فإنّما ذلك كلّه من رشحات أفكار المرجع الديني الأعظم سماحة الآية العظمى والحجّة الكبرى أعني سيّدنا وأستاذنا الأعظم الحاج آقا حسين البروجردي قدّس الله نفسه الزكية.

فإنّه قدس‌سره كان ينبّه مرارا في مجالس بحثه الى ذلك ، وقد وفّقنا الله تعالى لذلك ، ونهدي ثواب ذلك الى روحه الشريفة.

والحمد لله ربّ العالمين ، اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد.

قم المقدّسة

علي پناه الاشتهاردي

٦

نبذة من حياة ابن الجنيد رحمه‌الله

هو من أجلّة العلماء الإمامية رضوان الله عليهم وكان وجيها عندهم وثقة عند جميعهم وفتاواه كانت مرضية عندهم ومقبولة في الأغلب إلّا ما ستعرف إن شاء الله تعالى.

وها أنا أنقل جملة من عبارات بعضهم في حقّه كي تعرف جلالة قدره وعظم شأنه.

وأوّل من وجدته قد تعرّض لترجمته على نحو الإجمال ( ابن النديم ).

وهو كما في الكنى : ( أبو الفرج محمّد بن إسحاق النديم المعروف بابن أبي يعقوب الورّاق النديم البغدادي الكاتب الفاضل الخبير المتبحّر الماهر الشيعيّ الإماميّ مصنّف كتاب الفهرست الذي جوّد فيه واستوعب استيعابا يدلّ على اطّلاعه على فنون من العلم وتحقّقه بجميع الكتب ) (١).

وأنا أنقل ما ذكره المتتبّع الخبير المحقّق الحاج الشيخ عبد الله المامقاني في

__________________

(١) الكنى والألقاب للمحدّث القمي : ج ١ ص ٤٣٥ ، ثم قال : حكى انّه كانت ولادته في جمادى الآخرة سنة ٢٩٧ وتوفّى يوم الأربعاء لعشر بقين من شعبان سنة ٣٨٥ ( انتهى ) وعلى هذا يكون عمره ثمان وثمانين سنة.

٧

تنقيح المقال (١).

قال : وعنونه ابن النديم في فهرسته ، فقال : قريب العهد (٢) من أكابر الشيعة الإماميّة ، ثم عدّ كتبه التي سمعتها من الفهرست الى قوله : ما ينكره العوام وغيرهم من الأسباب ( انتهى ).

أقول : وأشار الى ما نقله قبل ذلك من فهرست الشيخ رحمه‌الله بقوله : وله كتب كثيرة منها :

كتاب : تهذيب الشيعة لأحكام الشريعة ، كبير نحو من عشرين مجلّدا يشتمل على عدد كتب الفقه على طريق الفقهاء.

وكتاب المختصر الأحمدي للفقه المحمدي في الفقه مجردا.

وكتاب : سبيل الفلاح لأهل النجاح.

وكتاب : نوادر اليقين وتبصرة العارفين.

وكتاب : تبصرة العارف ونقد الزائف.

وكتاب : الاسفار وهو الرد على المؤبدة.

وكتاب : حدائق القدس في الأحكام التي اختارها لنفسه.

وكتاب : تنبيه الساهي بالعلم الإلهي.

وكتاب : استخراج المراد من مختلف الخطاب.

وكتاب : الشهب المحرقة للأبالس المسترقة يردّ فيه على أبي القاسم ابن البقال المتوسّط.

وكتاب : الافهام لأصول الأحكام يجري مجرى رسائل الطبري لكتبه.

__________________

(١) تنقيح المقال : ج ٢ ص ٦٧ رقم ١٠٣٠٥ من الطبع الأوّل الحجريّ ، المطبعة المرتضوية بالنجف الأشرف.

(٢) الظاهر أنّ مراده أنّه متقارب الزمان معه فان وفاته كما سمعت سنة ٣٨٥ ووفاة ابن الجنيد على المعروف ٣٨١ فيكون وفاته بعد وفاة ابن الجنيد مدّة أربع سنين فيكونان متقاربي العهد.

٨

وكتاب : إزالة الرّان عن قلوب الإخوان في معنى كتاب الغيبة (١).

وكتاب : قدس الطور وينبوع النشور في معنى الصلاة على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله.

وكتاب : الفسخ على من أجاز في الأخبار النسخ.

وكتاب : في تفسح العرب في لغاتها وإشاراتها الى مرادها في معنى الإشارات الى ما ينكره العوام وغيرهم من الأسباب ( انتهى ما نقلناه من التنقيح ).

ثمّ بعده النجاشي رحمه‌الله (٢) في رجاله ، قال :

محمّد بن أحمد بن الجنيد أبو علي الكاتب الإسكافي وجه في أصحابنا جليل القدر وصنّف فأكثر وأنا ذاكر لها بحسب الفهرست الذي ذكرت فيه ، وسمعت بعض شيوخنا أنّه كان عنده مال للصاحب عليه‌السلام وسيف أيضا ، وأنّه وصّى به الى جاريته فهلك ذلك ، له كتاب تهذيب الشيعة لأحكام الشريعة ، كتب هذا الكتاب ، ثم ذكر عدّة كتب (٣).

ثمّ قال : كتاب الصلاة أبواب هذا الكتاب ، ثمّ ذكر عدّة كتب مرتبطة بالصلاة (٤) ، ثم ذكر كتبا أخر غير الصلاة (٥).

ثمّ قال : كتب البيوع وما يجري مجراها ، ثمّ ذكر عدّة كتب (٦).

ثمّ قال : كتب الحدود ، ثمّ ذكر عدّة كتب (٧).

ثمّ قال : كتب السير ، ثمّ ذكر عدّة كتب (٨).

ثمّ ذكر عدّة كتب أخر (٩).

ثم قال : كتب المواريث. ثم ذكر عدّة كتب (١٠).

__________________

(١) الظاهر انه أراد غيبة الإمام صاحب العصر والزمان عجّل الله تعالى فرجه.

(٢) كان مولد هذا الشيخ في صفر ٣٧٢ ( شعب ) وتوفي بمطيرآباد من نواحي سرّ من رأى ٤٥٠ موافق كلمة ( ان الرحمة عليه ). الكنى : ج ٣ ص ١٩١ طبع صيدا.

(٣) تبلغ أحد عشر كتابا.

(٤) تبلغ ستّة عشر كتابا.

(٥) تبلغ خمسين كتابا.

(٦) تبلغ تسعة عشر كتابا.

(٧) تبلغ اثنى عشر كتابا.

(٨) تبلغ عشرة كتب.

(٩) تبلغ عشرة كتب.

(١٠) تبلغ أحد عشر كتابا.

٩

ثمّ قال : كتاب التعيّش والتكسّب ، ( الى أن قال ) : كتاب حديث الشيعة ، كتاب تهذيب الشيعة لأحكام الشريعة ، كتاب الأحمدي للفقه المحمّدي ، كتاب النصرة لأحكام العمرة ، وكان له نحو ألفي مسألة في نحو ألفين وخمسمائة ورقة ، كتاب الإيناس بأئمّة الناس ، كتاب كشف التمويه والإلباس على أعمار الشيعة في أمر القياس ، كتاب إظهار ما ستره أهل العناد من الرواية عن أئمّة العترة في أمر الاجتهاد ومسائل كثيرة وجوابات سبكتكين العجمي (١) وجواب معزّ الدولة.

ثمّ قال : كتب الكلام ، ثمّ عدّ كتبا تبلغ أحد عشر كتابا الى أن قال : كتاب إزالة الرّان عن قلوب الإخوان ، كتاب إيضاح خطأ من شنّع على الشيعة في أمر القرآن ، كتاب الظلامة لفاطمة عليها‌السلام ( الى أن قال ) :

كتاب فرض المسح على الخفين ، كتاب زكاة العروض ، كتاب الخاصم للشيعة في نكاح المتعة ، كتاب الانتصاف من الانحراف عن مذهب الاشراف في موارث الأخلاف.

( الى أن قال ) : وله مسائل كثيرة وسمعت شيوخنا الثقات يقولون عنه أنّه كان يقول بالقياس وأخبرونا جميعا بالإجازة لهم بجميع كتبه ومصنّفاته ، انتهى (٢).

قال : في تنقيح المقال : وقد أدّى حقّ مدحه العلّامة الطباطبائي بقوله :

محمّد بن أحمد بن الجنيد. الى آخره. ويأتي إن شاء الله نقل عبارة العلّامة الطباطبائي من رجاله.

ولعلّ المراد من قوله ( قدس‌سره ) : « أدّى حقّ مدحه. الى آخره ». الدفاع عمّا نسب إليه من ترك الأصحاب فتاواه لأجل ما نسب اليه من العمل بالقياس.

ومنشأ هذه النسبة أمران :

أحدهما : ما تقدّم في آخر عبارة النجاشي من قوله ( قدس‌سره ) وسمعت شيوخنا

__________________

(١) ملقّب به ناصر الدولة مؤسّس سلسلة غزنويان ، آغاز حكومت سنه ٣٦٦ هجرى قمرى ـ ٩٧٦ فوت ٣٨٧ هجرى ٩٩٧ ميلادى ، غلامي ترك بود. ( الى أن قال ) : أو بلخ را پايتخت خود قرار داد ودر ٣٨٧ حين عزيمت به غزنين درگذشت. فرهنگ فارسي دكتر محمّد معين : ج ٥ ص ٧٢٩.

(٢) رجال النجاشي : ص ٢٧٣ طبع بمبئي.

١٠

الثقات يقولون عنه انّه كان يقول بالقياس.

ثانيهما : ما ذكره الشيخ في الفهرست بقوله ( قدس‌سره ) : محمّد بن أحمد بن الجنيد يكنّى أبا علي كان جيّد التصنيف حسنة إلّا انه كان يري القول بالقياس فتركت لذلك كتبه ولم يعوّل عليها وله كتب كثيرة أخبرنا عنه الشيخ أبو عبد الله محمّد بن محمّد بن النعمان وأحمد بن عبدون (١) انتهى.

وقد نقل بحر العلوم الطباطبائي ـ قدس‌سره ـ عن المفيد في المسائل السروية والعلّامة في الخلاصة والإيضاح ، والمحقّق الذي سبق العلّامة في ذلك في المعتبر.

أقول : وظنّي ( وان كان ظنّي لا يغني من الحقّ شيئا ) أنّ جميع هذه يرجع الى ما ذكره النجاشي وان عبّروا بعبارات مختلفة ويستفاد من نفس كلام النجاشي المتقدّم عدم القدح في ذلك حيث قال :

وأخبرونا جميعا بالإجازة لهم بجميع كتبه ومصنّفاته وسمعت بعض شيوخنا يذكر انّه كان عنده مال للصاحب عليه‌السلام وسيف وانّه كان أوصى الى جاريته فهلك ذلك (٢).

فان وجود المال والسيف للصاحب عليه‌السلام عنده قرينة كونه موثوقا عنده عليه‌السلام لا انّه رحمه‌الله اختلسها منه عليه‌السلام ـ العياذ بالله ـ

ولقد أحسن العلّامة بحر العلوم في رجاله في توجيه هذا المذهب منه رحمه‌الله بقوله قدس‌سره :

والوجه في الجمع بين ذلك وبين ما نراه من اتّفاق الأصحاب على جلالته وموالاته وعدم قطع العصمة بينهم وبينه ، حمله على الشبهة المحتملة في ذلك

__________________

(١) راجع الفهرست : ص ١٣٤ برقم ٥٩٠ ، طبع النجف الأشرف سنة ١٣٥٦ ه‍ ( هكذا في هامش رجال بحر العلوم : ج ٣ ص ٢٠٨ ).

(٢) قال بحر العلوم الطباطبائي : بل ما ذكره النجاشي والعلّامة في أمر السيف والمال قد يشعر بكونه وكيلا ولم يرد فيه مع ذلك من الناحية المقدّسة ذمّ ولا قدح ولا صدر من السفراء عليه اعتراض ولا لعن ـ انتهى ـ رجال بحر العلوم : ج ٣ ص ٢٢١.

١١

الوقت لعدم بلوغ الأمر فيه الى حدّ الضرورة ، فإنّ المسائل قد تختلف وضوحا وخفاء باختلاف الأزمنة والأوقات.

فكم من أمر جلي ظاهر عند القدماء قد اعتراه الخفاء في زماننا لبعد العمد وضياع الأدلّة.

وكم من شي‌ء خفيّ في ذلك الزمان قد اكتسى ثوب الوضوح والجلاء باجتماع الأدلّة المنتشرة في الصدر الأوّل أو تجدّد الإجماع عليه في الزمان المتأخّر.

ولعلّ أمر القياس من هذا القبيل ، فقد ذكر السيّد المرتضى في مسألة له في أخبار الآحاد وانّه قد كان في رواتنا ونقلة أحاديثنا من يقول بالقياس ، كالفضل بن شاذان ويونس بن عبد الرحمن وجماعة معروفين.

وفي كلام الصدوق قدس‌سره في « الفقيه » ما يشير الى ذلك حيث قال في باب ميراث الأبوين مع ولد الوالد : وقال الفضل بن شاذان بخلاف قولنا ، وهذا ممّا زلّت به قدمه عن الطريقة المستقيمة وهذا سبيل من يقيس (١).

ومن هذا يعلم أنّ القول بالقياس ممّا لم ينفرد به ابن الجنيد من علمائنا وانّ له فيه سلفا من الفضلاء الأعيان كيونس بن عبد الرحمن والفضل بن شاذان وغيرهم فلا يمكن عدّ بطلانه من ضروريات المذهب في ذلك الزمان.

وأمّا إسناد القول بالرأي إلى الأئمّة : فلا يمتنع أن يكون كذلك في العصر المتقدّم ، وقد حكى جدّي (٢) العلّامة قدس‌سره في كتاب الايمان والكفر عن الشهيد الثاني ـ طاب ثراه ـ انه احتمل الاكتفاء في الايمان بالتصديق بإمامة الأئمّة : والاعتقاد بفرض طاعتهم وإن خلا عن التصديق بالعصمة عن الخطأ ( الى أن قال ) :

__________________

(١) راجع من لا يحضره الفقيه : ج ٤ ص ١٩٦ برقم ١٤١ طبع النجف الأشرف ، هكذا في هامش رجال بحر العلوم : ج ٣ ص ٢١٩.

(٢) كتاب الايمان والكفر المسمى ( تحفة الزائر ) : مخطوط للعلّامة الحجّة السيّد محمّد ابن السيد عبد الكريم الطباطبائي البروجردي الذي هو جدّ سيدنا بحر العلوم ـ طاب ثراه ـ هكذا في هامش رجال السيّد بحر العلوم ج ٣ ص ٢٢٠.

١٢

وممّا يدلّ على ما قلناه من قيام الشبهة التي يعذر بها ابن الجنيد في هذه المقالة :

مضافا الى اتّفاق الأصحاب على عدم خروجه بها من المذهب وإطباقهم على جلالته وتوثيقهم وتصريحهم بتوثيقه وعدالته ، انّ هذا الشيخ كان في أيّام معزّ الدولة من آل بويه وزير الطائع من الخلفاء العباسيّة ، وكان المعزّ إماميا عالما وكان أمرا الشيعة في أيّامه ظاهرا معلنا حتّى انّه قد كان ألزم أهل بغداد بالنوح والبكاء وإقامة المأتم على الحسين عليه‌السلام يوم عاشوراء في السكك والأسواق ، وبالتهنئة والسرور يوم الغدير ، والخروج الى الصحراء لصلاة العيد.

ثمّ بلغ الأمر في آخر أيّامه الى ما هو أعظم من ذلك.

فكيف يتصوّر من ابن الجنيد ـ في مثل ذلك الوقت ـ أن ينكر ضروريّا من ضروريات المذهب ويصنّف في ذلك كتابا يبطل فيه ما هو معلوم عند جميع الشيعة.

ولا يكتفي بذلك حتّى يسمى من خالفه فيه اغمارا وجهّالا ومع ذلك فسلطانهم ـ مع علمه وفضله ـ يسأله ويكاتبه ويعظّمه ، ولو لا قيام الشبهة والعذر في مثله لامتنع مثله بحسب العادة ، ( الى أن قال ) :

فظهر أن خطأه في أمر القياس وغيره في ذلك الوقت كان كالخطإ في مسائل الفروع التي يعذر فيها المخطئ ولا يخرج به عن المذهب.

وممّا ذكرنا يعلم أنّ الصواب اعتبار أقوال ابن الجنيد ومذاهبه في تحقيق الوفاق والخلاف كما عليه معظم الأصحاب ، وانّ ما ذهب إليه في أمر القياس ونحوه لا يقتضي إسقاط كتبه ولا عدم التعويل عليها على ما قاله الشيخ رحمه‌الله :

فان اختلاف الفقهاء في مباني الأحكام لا يوجب عدم الاعتداد بأقوالهم لأنهم قديما وحديثا كانوا مختلفين في الأصول التي تبتنى عليها الفروع ( ثمّ نقل أمثلة لذلك ) ثمّ قال :

ولا يبعد أن يكون الوجه فيما قاله الشيخ ـ رحمه‌الله ـ ومن وافقه على ذلك حسم

١٣

هذا الأصل المروي (١) واستصلاح أمر الشيعة حتّى لا يقع في مثله أحد منهم ، وهذا مقصد حسن يوشك أن يكون هو المنشأ والسبب في هذا المطلب ( انتهى كلامه رفع في الخلد مقامه ) (٢).

أقول : ولقد أجاد وأفاد وأتى بما هو فوق المراد وهكذا ينبغي أن يوجّه مذاهب الأعاظم وأقوالهم لا الرّمي بما لا يليق بهم ـ على ما هو دأب بعضهم عصمنا الله من الزلل والخطأ في الاعتقاد والقول والعمل.

ولعلّه لذا قد أثنى عليه وأطرى بما هو فوق ما يرى في كلمات آخرين ممّن تقدّم قال :

محمّد بن أحمد بن الجنيد أبو علي الكاتب الإسكافي من أعيان الطائفة وأعاظم الفرقة وأفاضل قدماء الإماميّة وأكثرهم علما وفقها وأدبا وأكثرهم تصنيفا وأحسنهم تحريرا وأدقّهم نظرا ، متكلّم فقيه محدّث ، أديب ، واسع العلم ، صنّف في الفقه والكلام والأصول ، والأدب والكتابة وغيرها ، تبلغ مصنّفاته ـ عند أجوبة مسائله ـ نحو من خمسين كتابا ، منها كتاب تهذيب الشيعة لأحكام الشريعة ، كتاب كبير نحو من عشرين مجلدا يشتمل على جميع كتب الفقه ، وعدّة كتبه تزيد على مائة وثلاثين كتابا ، وكتاب المختصر الأحمدي في الفقه المحمّدي ، مختصر التهذيب وهو الذي وصل الى المتأخّرين ومنه انتشرت مذاهبه وأقواله ( انتهى ) (٣).

ثمّ ذكر عدّة كتب من كتبه وقد قدّمنا ذكر عدّة منها.

وكيف كان فقد نقل أقواله ومختاراته في كتب فقهائنا لا سيّما من زمن ابن إدريس والمحقّق والعلّامة وبالأخصّ في الأخير ، فقد نقل أقواله رحمه‌الله في المختلف من كتاب الطهارة إلى الديات وكأنّه كان له عناية خاصّة في نقلها خصوصا كتابه

__________________

(١) وهو أنّ من يعمل بالقياس لا يعتنى بأقواله.

(٢) رجال السيّد بحر العلوم : ج ٣ ص ٢١٥ ـ ٢٢٢ طبع طهران مكتبة الصدوق.

(٣) رجال بحر العلوم : ج ٣ ص ٢٠٥.

١٤

المعروف عند الأصحاب المسمّى : ( المختصر الأحمدي في الفقه المحمّدي ).

وكأنّه من كان عنده كتاب من كتبه كان له نوع مفخر ومزيّة.

ففي رجال السيد بحر العلوم نقلا من كتاب الإيضاح للعلّامة قدس‌سره ، هكذا : وفي الإيضاح : .... وجه في أصحابنا ثقة ( الى أن قال ) :

له كتب ، منها : تهذيب الشيعة لأحكام الشريعة ، وجدت بخطّ السعيد صفي الدين محمّد بن معد ، ما صورته.

وقع إليّ من هذا الكتاب مجلّد واحد وقد ذهب من أوّله أوراق تصفّحته ولمحت مضمونه فلم أر لأحد من الطائفة كتابا أجود منه ، ولا أبلغ ولا أحسن عبارة ولا أدقّ معنى ، وقد استوفى فيه الفروع والأصول وذكر الخلاف في المسائل ، واستدلّ بطريق الإمامية وطريق مخالفيهم وهذا الكتاب إذا أنعم النظر فيه وحصلت معانيه وأديم الإطالة فيه علم قدره وموقعه وحصل به نفع كثير لا يحصل من غيره.

وكتب محمّد بن سعد الموسوي : قال العلّامة : وأقول : وقع إليّ من كتب هذا الشيخ المعظم الشأن ( كتاب الأحمدي في الفقه المحمّدي ) وهو كتاب جيّد يدلّ على فضل هذا الرجل وكماله وبلوغه الغاية القصوى في الفقه وجودة نظره قال :

وأنا ذكرت خلافه وأقواله في كتاب مختلف الشيعة في أحكام الشريعة (١) ، انتهى كلام بحر العلوم.

وقال المحقّق في مقدّمة كتاب المعتبر : في الفصل الرابع ما لفظه :

لما كان فقهاؤنا رضوان الله عليهم في الكثرة إلى حدّ يتعسّر ضبط عددهم ويتعذر حصر أقوالهم لاتّساعها وانتشارها وكثرة ما صنّفوه وكانت مع ذلك منحصرة في أقوال جماعة من أقوال جماعة من فضلاء المتأخّرين ، اجتزأت بإيراد كلام من اشتهر فضله وعرف تقدّمه في نقل الأخبار وصحّة الاختيار وجودة الاعتبار واقتصرت من كتب هؤلاء الأفاضل على ما بان فيه اجتهادهم

__________________

(١) رجال بحر العلوم : ج ٣ ص ٢٠٩.

١٥

وعرف به اهتمامهم وعليه اعتمادهم.

فممّن اخترت نقله الحسن بن محبوب ( الى أن قال ) : ومن أصحاب كتب الفتاوى عليّ بن بابويه ، وأبو علي بن الجنيد ، والحسن بن أبي عقيل العمّاني ، والمفيد محمّد بن محمّد بن النعمان ، وعلم الهدى والشيخ أبو جعفر محمّد بن الحسن الطوسي ، انتهى كلامه رفع مقامه.

وقد نبّه على ذلك بحر العلوم في رجاله حيث قال : وقد سبق العلّامة رحمه‌الله في ذلك شيخه المحقّق رحمه‌الله فإنّه أكثر النقل عن ابن الجنيد وعدّة في مقدمات ( المعتبر ) ممّن اختار النقل عنهم من الأفاضل المعروفين بنقد الأخبار وصحّة الاختيار وجودة الاعتبار من كتب الفتاوى ، انتهى (١).

وقد نقل فتاواه أيضا محمّد بن إدريس في السرائر وقبله السيّد الأجل المرتضى كما نبّه عليه أيضا في الرجال المذكور.

وبالجملة لا مرية في كونه من أجلاء الأخيار ومجرّد كونه قد يعمل بالقياس لو كان موجبا لترك فتاواه لكان اللازم ترك فتاوى أكثر أصحابنا الإماميّة فإنّها لا تخلو عن مقايسات كما لا يخفى على من سبر كتب أصحابنا ولا سيّما كتب العلّامة ومن تأخّر عنه ، فتأمّل.

مولده ووفاته :

لم أعثر في كلمات الأصحاب على مولده ، وأمّا وفاته فقد نقل في تنقيح المقال ، ما لفظه :

انّ الشيخ عبد اللطيف بن عليّ بن أحمد بن أبي جامع العاملي في رجاله في ترجمة الرجل ( يعني ابن الجنيد رحمه‌الله ) قيل : مات بالري سنة احدى وثمانين وثلاثمائة. انتهى.

ومثله في جامع الرواة للفاضل الأردبيلي رحمه‌الله.

__________________

(١) رجال بحر العلوم : ج ٣ ص ٢١٠.

١٦

وقال العلّامة الطباطبائي قدس‌سره ، بعد نقله ب : قيل ، ما لفظه : وعلى هذا فتكون وفاته ووفاة الصدوق رحمه‌الله معا في الريّ في سنة واحدة والظاهر وقوع الوهم في هذا التأريخ من تاريخ الصدوق وانّ وفاة ابن الجنيد قبل ذلك ، انتهى (١).

وأقول : يشهد له أوّلا : انّه كان يسكن بغداد ووفاته بالري بعيد.

وثانيا : انّه كان معاصرا لمعزّ الدولة والكليني ، فبقاؤه الى التأريخ بعيد ، والعلم عند الله تعالى ، انتهى ما في التنقيح (٢).

وأما تلقّبه بالاسكافي فلكونه من إسكاف والإسكاف ـ كما نقل في رجال بحر العلوم ، عن القاموس ـ موضعان : أعلى ، وأسفل بنواحي النهروان من أعمال بغداد نسب إليها جماعة من العلماء.

وعن السمعاني : انّه ناحية ببغداد على صوب النهروان من سواد العراق ، والمشهور بالانتساب إليها جماعة ، منهم : محمّد بن محمّد بن محمّد بن أحمد بن مالك الإسكافي ( انتهى موضع الحاجة ) (٣).

ثمّ انّ جامع فتاوى ابن الجنيد رحمه‌الله أعني العالم العامل حجّة الإسلام والمسلمين الحاج الشيخ عبد الرحيم الاثني عشري النيّري البروجردي زيدت آثاره ـ بعد جمع مقدار منها قد وكّل النظر فيها وترتيبها وتنظيمها من جميع الجهات إليّ والتمس مني ان اجدّد النظر فيها فأجبت ملتمسه ، فبعد المراجعة من البدو الى الختم رأيت أن أغيّر أسلوب ما جمعه ورتّبه.

فقدّمت بعض العناوين تارة ، وأخّرت بعضها اخرى ، وزدت فيها ثالثة ، ونقصت عنها اخرى.

فصار مجموعها بمنزلة رسالة مستأنفة ، مع انه دام توفيقه لم يأل في جمعه وترتيبه بقدر وسعه.

__________________

(١) رجال بحر العلوم : ج ٣ ص ٢٢٢.

(٢) تنقيح المقال للمحقّق المتتبّع الشيخ عبد الله المامقاني : ج ٢ ص ٦٩.

(٣) مأخوذ من رجال بحر العلوم : ج ٣ ص ٢٢٣.

١٧

فشكر الله سعيه وجعله ذخرا له ولنا يوم لا ينفع مال ولا بنون إلّا من أتى الله بقلب سليم ، بحق محمّد وآله وعترته الطيبين الطاهرين.

ثمّ ليعلم أنّي جعلت نقل فتاوى ابن الجنيد على ترتيب نقل العلّامة في المختلف ـ إلّا ما زاغ عنه البصر ـ من حيث الكتب الفقهيّة ومن حيث المقاصد والفصول والأبواب والمسائل.

وجعلت عدد المسائل في كلّ فصل بعدد ما تعرض له في المختلف من فتاواه. وجعلت الهادي إلى موضع المسألة على نحو ترتيب المختلف حسب تعداد المجلّدات التي في المختلف المطبوع ثانيا في مؤسّسة النشر الإسلامي حتى انه لو لم يتعرّض في فصل أو باب مسألة من ابن الجنيد عنونت الفصل وأشرت في التعليقة الى ذلك وانّه لم ينقل عنه في هذا الفصل أو الباب مثلا حكما.

وانّ كلّ مسألة من مسائل عنونتها وصدّرتها بما صدر به في المختلف وإذا وصلت الى نقل ما نقله عن ابن الجنيد اقتصرت عليه ولم أنقل باقي بحث المسألة التي عنونها في المختلف اللهم إلّا موارد يتوقّف توضيح أقوال ابن الجنيد على نقلها.

والرجاء من الله الكريم العفوّ أن يعفو عمّا قصّرنا فيه بحقّ محمّد وآله الطاهرين.

وأنا الأحقر

علي پناه الاشتهاردي

عفي عنه وعن والديه

١٨

وها نحن نشرع بحول الله وقوّته فيما

وفقنا الله تعالى لجمع الفتاوى ، فنقول :

كتاب الطهارة

باب

المياه وأحكامها

وفيه فصول :

الأوّل : في الماء القليل

مسألة ١ : اختلف علماؤنا في الماء القليل ، وهو ما نقص عن الكرّ إذا تنجّس ثمّ تمّم كرّا بماء طاهر هل يزول عنه حكم التنجس ويكون طاهرا؟ أو يبقى على ما كان عليه مع اتّفاقهم على تطهيره بإلقاء كرّ عليه دفعة؟

فذهب الشيخ في الخلاف إلى انّه باق على النجاسة وانّه لا يطهر إلّا بإلقاء كرّ عليه دفعة ، لا بالإتمام ، وبه قال ابن الجنيد. الى آخر. ( المختلف : ج ١ ص ١٧٩ ).

١٩

الفصل الثاني : في حدّ الكرّ

مسألة ١ : اختلف علماؤنا في حدّ الكر ، فالشيخ قدّره بأمرين : أحدهما : ألف ومائتا رطل ، والثاني : ثلاثة أشبار ونصف طولا في عرض في عمق ( وعمق ، خ ل ) وهو اختيار ابن البرّاج ، وابن إدريس وصاحب الوسيلة وذهب ابن بابويه وجماعة القمّيين إلى انّه ثلاثة أشبار طولا في عرض في عمق ( وفي عمق ، خ ل ) ولم يعتبروا النصف ، أو يكون ( قدره ، خ ل ) ألفا ومائتي رطل.

وقال ابن الجنيد : حدّه قلّتان ، ومبلغه وزنا الف ومائتا رطل وتكسيره بالذراع نحو مائة شبر ، وهو قول غريب ( الى ان قال ) :

ولم نقف لابن الجنيد في ذلك على حجّة نقليّة ويمكن أن يحتج له بالاحتياط وبالإجماع على انفعال الماء القليل بالنجاسة وعدم دليل على انتفاء الانفعال عن السبب الثابت اعتباره فيما نقص عمّا حدّدناه فيكون الاعتبار به لكن ذلك كلّه ضعيف والأقوى قول ابن بابويه. ( المختلف : ج ١ ص ١٨٣ ).

تنبيه

الظاهر أنّ الأشبار يراد ضرب الحساب فيها ، فيكون حدّ الكرّ تكسيرا اثنين وأربعين شبرا وسبعة أثمان شبر.

وقال القطب الراوندي : ليس المراد ذلك ، بل يكون الكر عشرة أشبار ونصفا طولا وعرضا وعمقا.

وما أشدّ تنافي ( تباين ، خ ل ) ما بين كلامه وكلام ابن الجنيد. ( المختلف : ج ١ ص ١٨٤ ).

مسألة ٢ : اختلف القائلون بالأرطال ، فقال الشيخ المفيد وأبو جعفر رحمهما‌الله

٢٠