اصباح الشيعة بمصباح الشريعة

قطب الدين محمد بن الحسين الكيدري

اصباح الشيعة بمصباح الشريعة

المؤلف:

قطب الدين محمد بن الحسين الكيدري


المحقق: الشيخ ابراهيم البهادري
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
المطبعة: الإعتماد
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٥٢

إذا وكله في كل قليل وكثير لم يصح ، لأن في ذلك غررا عظيما ؛ لأنه ربما يلزمه بالعقود ما لا يمكنه الوفاء به ، فيؤدي إلى ذهاب ماله كله ، ولا يرضى بذلك إلا ذو سفه.

إذا وكل غريما له في إبراء (١) غرمائه أو حبسهم ومخاصمتهم لم يكن هو من جملتهم ؛ لأن المخاطب لا يدخل فيما أمره المخاطب في أمر غيره.

للمدعي عليه أن يحضر مجلس الحكم وأن يوكل (٢) غيره في الخصومة ، رضي به المدعي أو لا ، وكذا له أن يوكل غيره في جواب خصمه مع حضوره ، وللوكيل أن يقبل الوكالة في الحال أو يؤخر قبولها إلى وقت آخر ، وله القبول باللفظ أو الفعل (٣) وهو التصرف فيما وكل فيه.

ومتى وكله في تزويج امرأة بعينها ، فزوجه غيرها ، لم يثبت النكاح ولزم الوكيل مهرها ، لأنه غرها ، وإن عقد له على التي أمره ثم أنكر الموكل الأمر بذلك ، ولا بينة للوكيل ، لزمه أيضا مهر المرأة ، ولا شي‌ء على الموكل ، وللمرأة أن تتزوج بعده ، ويجب على الموكل طلاقها فيما بينه وبين الله تعالى ، وتنفسخ الوكالة بالجنون.

ومن وكل وكالة مقيدة لا يجوز له أن يوكل غيره فيها إلا بإذن موكله ، وكذا إذا كانت مطلقة إلا أن يكون المطلق (٤) في عمل يترفع مثله عنه ولم تجر عادته بالابتذال به فجاز إذا توكيله.

إذا ادعى الوكيل تلف ما سلم إليه الموكل وأنكر الموكل فالقول قول الوكيل ، لأنه أمين.

__________________

(١) في الأصل : إذا وكل غيره بماله في إبراء.

(٢) في الأصل : ويوكل.

(٣) في « س » : القبول اللفظي أو الفعلي.

(٤) في « س » إلا أن تكون المطلقة.

٣٢١

إذا استرد الموكل الوكيل المال قبل تصرفه فلم يرده بلا عذر فتلف ضمن ، وكذا إن تلف بعد زوال العذر وإمكان الرد.

ولا يجوز لوكيل واحد أن يتوكل للمتداعيين في الخصومة ليخاصم عنهما جميعا ، فيتضاد الغرضان في ذلك ، وكذلك لا يجوز للوكيل أن يبيع مال الموكل من نفسه ، ولا من ابنه الصغير ، ولا من عبده المأذون له في التجارة ، لئلا تلحقه التهمة.

وإذا قال : وكلتك في قبض حقي من زيد ، ثم مات زيد ، لم يكن له مطالبة الورثة (١) لأن اللفظ لم يتناول الورثة (٢) ، وإن قال : وكلتك في قبض حقي الذي على زيد ، كان له مطالبة الورثة ، لأن ذلك من المطالبة بحقه الذي (٣) كان على زيد.

إذا وكله في بيع ماله فباعه من رجل يعلم بوكالته من موكله في ذلك ، كان للموكل والوكيل جميعا المطالبة بالثمن ، ولا يكون الإبراء منه إلا للموكل.

وإذا اشترى لموكله شيئا ، وذكر حال العقد ، أنه يشتريه لموكله ، كان للبائع مطالبة أيهما شاء بالثمن.

إذا وكل رجلين في التصرف ، وصرح بجواز تصرف كل منهما بانفراده ، كان كل منهما وكيلا على حدة ، وإن صرح بوكالة مشتركة بينهما ، أو أطلق الوكالة لهما لم يكن لأحدهما الانفراد بالتصرف ، فإذا مات أحدهما ، أو غاب ، أو عزل نفسه ، لم يكن للآخر التصرف إلا بعد تجديد توكيله.

وإذا اشترى الوكيل غير ما سماه الموكل ، لم يصح الشرى في حق الموكل ، وصح في حق الوكيل إن اشتراه في الذمة [ أو ] (٤) مطلقا.

__________________

(١) في « س » : لم يكن له المطالبة من الورثة.

(٢) في الأصل : لم يتناول إلا الموروث عنه.

(٣) في الأصل : بحق الذي.

(٤) ما بين المعقوفتين موجود في « س ».

٣٢٢

كتاب اللقطة

من وجد في البرية حيوانا يستطيع الامتناع من صغار السباع إما بقوته أو بسرعة (١) عدوه أو بطيرانه ، وكان مملوكا للغير ، فليس له أخذه لقوله ـ عليه‌السلام ـ : لا يؤوي الضالة (٢) إلا ضال (٣) فإن أخذه ضمنه ولم يزل ضمانه إلا برده على صاحبه أو إلى الإمام ، وإن وجد فيها دابة في غير كلاء وماء قد خلاها صاحبها من جهد فله أخذها ولا نزاع لأحد فيه ، وإن كانت في كلاء وماء فلا.

وإن وجد في البرية ما لا يمتنع من صغار السباع ، فله أخذه لقوله ـ عليه‌السلام ـ : خذها فإنما هي لك أو لأخيك أو للذئب ، (٤) فإن أخذه فإما أن يأكله ويضمن قيمته لصاحبه إذا جاء [ وإن كان مطعوما أكله وضمن قيمته عليه ]. (٥) أو ينفق عليه تطوعا ، أو يرفع خبره إلى الإمام أو الحاكم ، فإن أنفق عليه ولم يتمكن من رفع خبره أو لم ينتفع منه بلبن أو ركوب أو خدمة ، رجع بذلك على صاحبه ، وإن

__________________

(١) في « س » : لسرعة.

(٢) قال الحلي : الضالة من البهائم ما يضيع يقال : ضال ، ومن العبيد يقال : آبق ، ومن الأحرار لقيط ومنبوذ. وما يكون من غير الحيوان يقال : لقطة. لاحظ السرائر : ٢ ـ ٩٩.

(٣) سنن البيهقي : ٦ ـ ١٩٠.

(٤) الوسائل : ١٧ ، ب ١٣ ، من أبواب اللقطة ، ح ٥ و ٧.

(٥) ما بين المعقوفتين موجود في « س ».

٣٢٣

تمكن من ذلك أو انتفع فلا رجوع.

وإن وجد بهيمة في العمران إلى نصف فرسخ منها فله أخذها ، ممتنعة كانت من السباع أم لا ، ثم هو مخير فيها فيما سوى الأكل مما سبق ، فإن وجد من غير الحيوان ما كان هو أو قيمته دون درهم أو كان في موضع خرب باد أهله وتنكر رسمه ، وإن كثر فله أخذه بلا ضمان وتعريف.

وما عدا ذلك يكره أخذه ، فإن أخذه وكان مما يجوز البقاء عليه ، عرفه سنة فإن لم يجي‌ء صاحبه حفظه عليه ، أو أنفقه على نفسه بشرط العزم على رد قيمته على صاحبه إن جاء ، وإن كان مطعوما أكله وضمن قيمته لصاحبه أو سلمه إلى الحاكم ليبيعه ويعرف ثمنه ، فإن لم يجي‌ء صاحبه رده إلى الملتقط. وإن كان الحظ في تجفيفه دون بيعه أنفق الحاكم بعضه على تجفيفه ويدخر لمجي‌ء صاحبه أو يتصدق به.

واللقطة أمانة في يد واجدها ويلزمه أن يعرفها سنة ثم إما أن يحفظها إلى مجي‌ء صاحبها ، أو يتصدق بها عن صاحبها خاصة بشرط الضمان إن لم يرض الصاحب ، أو يتصرف فيها وضمنها لصاحبها ، وإن وجدها في الحرم يكون بعد التعريف سنة مخيرا فيما عدا التملك من الحظ والتصدق بشرط الضمان.

وإذا اتجر بها من له التصرف فيها وربح لم يكن لصاحبها استرداد الربح إلا إذا كان ذلك قبل اختياره تملكها. ويشهد على اللقطة وأجدها ندبا ، ولا يزول ضمان واجدها إلا بالرد على صاحبها.

وتعريفها ينبغي أن يكون حين يراه الناس في المواسم والجمعات والمحافل وأبواب المساجد دون داخلها ، وفي الأسواق وفي أول جمعة وأسبوع أصابها (١) ، فإن عرف ستة أشهر ثم ترك ، جاز أن يبنى عليها إذ ليس من شرطه التوالي ، ويجوز أن يستعين في التعريف بغيره ، أو يستأجر لذلك عنه غيره بماله ، ومتى أراد حفظ

__________________

(١) كذا في الأصل ولكن في « س » : « وأسبوع صابها » والصحيح ما في المتن.

٣٢٤

اللقطة على صاحبها من حين وجدانها ، لم يلزمه تعريف سنة.

إذا ضاعت اللقطة قبل التعريف ووجدها آخر ، كان الأول أولى بها ، لأنه لما وجدها استحق التعريف باليد. (١) واللقطة في يد واجدها أمانة وإن كان بعد الحول ما لم يختر (٢) تملكها. فإن هلكت أو أبقت بتفريط من الواجد ضمن.

إذا وجد عبد اللقطة (٣) لم يكن له أن يتملكها ، فإن تملكها كانت مضمونة في رقبته يتبع به إذا أعتق ، هذا إذا لم يعلم به مولاه ، وإن علم به وتركه في يده وكان العبد غير أمين ، كان في ضمان المولى ، وإن كان أمينا جاز وعلى المولى التعريف.

فإن كان أعتقه قبل علمه باللقطة ، فله أخذها منه ، لأنها من كسبه ، وحكم العبد الصغير في اللقطة حكم المال ، وحكم الكبير المميز حكم الضوال ، يلتقط الأول دون الثاني ، بل يرفع حكم الثاني إلى الحاكم إن أخذه.

من جاء ووصف لواجد اللقطة عفاصها ووكاءها (٤) ووزنها وعددها (٥) وحليتها ، وغلب في ظنه أنه صادق ، جاز له أن يعطيها ، ولا يلزمه ذلك إلا ببينة.

من ابتاع بعيرا أو بقرة أو شاة فوجد في جوفه ماله قيمة ، عرفه من ابتاعه منه ، فإن عرفه أعطاه ، وإلا أخرج خمسه وله الباقي. وإن اشترى سمكة فوجد في جوفها درة ، أو نحوها ، أخرج الخمس وله الباقي ، وكذا من ابتاع دارا فوجد فيها كنزا من دفن أهل الإسلام ، عرف البائع ، فإن عرفه ، وإلا أخرج خمسه وله الباقي ، وإن كان

__________________

(١) في « س » : استحق للتعريف باليد.

(٢) في « س » : ما لم يتخير.

(٣) في « س » : وجد اللقطة عبد.

(٤) العفاص ـ وزان كتاب ـ : الوعاء الذي تكون فيه النفقة ، من جلد أو خرقة أو غير ذلك ، والوكاء ـ مثل كتاب ـ : حبل يشد به رأس القربة. المصباح المنير وفي « س » : « عقاصها » وهو تصحيف.

(٥) في « س » : وعدها.

٣٢٥

من دفن الجاهلية فلا تعريف.

ومن أودعه لص مغصوبا ، لم يجز له رده عليه ، فإن عرف صاحبه رده عليه ، وإلا فكاللقطة.

فصل

أخذ اللقيط (١) فرض على الكفاية ، لأنه بمنزلة المضطر ، وإطعام المضطر واجب. ويملك الصبي المنبوذ ما كان معه وعليه ، وإن لم يكن ملتقطة أمينا انتزعه الحاكم من يده ، وسلمه إلى أمين ، ونفقته من ماله إن كان له مال ، ولا ينفق الملتقط عليه ذلك إلا بإذن الحاكم ، وإن أنفق عليه بغير إذن الإمام أو الحاكم ضمن ، فإن لم يكن إمام ولا حاكم وأنفق الأمين عليه منه (٢) لم يضمن ، لأنه موضع ضرورة ، وإن لم يكن للقيط مال ينفق عليه (٣) من بيت المال ، فإن لم يكن في بيت المال مال استعان بالمسلمين إلى أن يظهر في بيت المال مال ، فإن لم يعاون أنفق عليه من مال نفسه بالمعروف ، ورجع بذلك على اللقيط إذا بلغ ، وإن كان يجد من يعينه فلم يستعن فلا رجوع له. وإن ادعى أكثر من المعروف لم يقبل قوله في الزيادة ، وإن اختلفا في قدر النفقة فالقول قول الملتقط. وإذا كان للقيط (٤) مال ، وأنفقه عليه الملتقط ، وادعى عليه بعد البلوغ أنه لم ينفق ماله عليه ، فالقول قول الملتقط مع يمينه.

لو وجد اثنان لقيطا فتشاحا على حضانته وتربيته ، وقد تساويا في الحرية والإسلام والأمانة واليسار ، ولم يتركه أحدهما للآخر ، أعطي أحدهما بالقرعة ، فإن

__________________

(١) في المبسوط : ٣ ـ ٣٣٦ : المنبوذ والملقوط واللقيط بمعنى واحد.

(٢) في الأصل : « ماله » بدل « منه ».

(٣) في الأصل : أنفق عليه.

(٤) كذا في الأصل ولكن في « س » : « وإذ اللقيط » والصحيح ما في المتن.

٣٢٦

كان أحدهما فاسقا أو عبدا أو بدويا أو مسافرا أو كافرا ، أعطى من ليس كذلك. واللقيط المحكوم عليه بالكفر ، يترك في يد ملتقطة الكافر ، بخلاف المحكوم عليه بالإسلام.

الطفل يحكم بإسلامه إذا كان أحد أبويه أو كلاهما مسلما ، أو يكون من سباه مسلما إذا لم يكن معه أحدهما ، أو وجد لقيط في بلد إسلام أو بلد كفر ، فيه مسلم مستوطن ، أو أسارى مسلمون ، وإن وجد في بلد كفر ليس فيه من ذكرناه ، حكم بكفره ، سواء كان الملتقط مسلما أو كافرا ، بخلاف السابي ، فإن السابي الكافر ، يتبعه المسبي في الكفر حكما ، والمجنون يتبع والدية في الإسلام حكما ، سواء بلغ مجنونا أو جن بعد البلوغ.

٣٢٧
٣٢٨

كتاب الجعالة

الجعالة من العقود الجائزة فيجوز أن يكون العمل والمدة مجهولين ، وأما العوض فلا بد أن يكون معلوما ، والمجعول له بعد التلبس بالجعالة ، مخير بين الإتمام والرجوع. ولا رجوع للجاعل بعد التلبس إلا أن يبذل أجرة ما عمل.

من جاء بضالة إنسان أو بآبق أو بلقطة من غير جعل ولم يشرط (١) فيه لم يستحق شيئا وجوبا ، وإنما يعطى من جاء بعبد أو بعير إذا وجده خارج المصر أربعين درهما قيمتها أربعة (٢) دنانير ، وإن وجده في المصر فعشرة دراهم ندبا ، ولا موظف فيما عدا ذلك بل بحسب العادة في مثله.

إذا قال : من جاء بعبدي الآبق فله دينار ، فجاء به اثنان أو ثلاثة لم يستحقوا أكثر من دينار ، بخلاف إن قال : من دخل داري فله دينار ، لأن لكل داخل من ذلك (٣) إذنا ، فإن شرط أجرة مجهولة لزم أجرة المثل.

إذا قال لكل واحد من ثلاثة نفر : إن جئتني بعبدي الآبق فلك عشرة ، فجاءوا به مجتمعين ، كان لكل منهم ثلث العشرة ، وإن شرط لأحدهم عشرا وللآخر

__________________

(١) في « س » : ولم يشترط.

(٢) في « س » : فقيمتها أربعة.

(٣) في الأصل : لكل داخل ذلك.

٣٢٩

عشرين وللثالث ثلاثين ، فجاءوا به ، كان لكل واحد منهم ثلث ما سماه ، فإن شرط لواحد دينارا فجاء به هو وغيره ، فله نصف دينار [ وجوبا ](١) وللآخر نصف أجرة المثل ندبا ، ومتى هرب الآبق من المشروط له في الطريق لم يستحق شيئا ، وإن شرط له دينارا إن جاء به من عشر فراسخ مثلا ، فجاء به من خمس ، استحق نصف دينار.

ومتى اختلف في مقدار الجعالة ، كان القول قول الجاعل مع يمينه ، ثم يستحق عليه المجعول له أجرة المثل ، وإن اختلفا في نفس الشرط فقال المشروط له : شارطتني على جعل ، وأنكر الجاعل ، فقول الجاعل مع اليمين.

__________________

(١) ما بين المعقوفتين موجود في « س ».

٣٣٠

كتاب الإقرار

لا يصح الإقرار إلا من مكلف غير محجور عليه لسفه أو رق ، فلو أقر المحجور عليه [ للسفه ] (١) بما يوجب حقا في ماله ، لم يصح ، ويقبل إقراره فيما يوجب حقا على بدنه ، كالقصاص والقطع والجلد.

ولا يقبل إقرار العبد على مولاه بما يوجب حقا في ماله من قرض (٢) أو أرش جناية ، بل يلزمه ذلك في ذمته يطالب به إذا أعتق ، إلا أن يكون مأذونا له في التجارة ، فيقبل فيما يتعلق بها خاصة ، نحو أن يقر بثمن مبيع أو أرش عيب أو ما أشبه ذلك ، ولا يقبل إقراره بما يوجب حقا على بدنه ، للإجماع (٣) ، ولأن فيه إتلافا لمال السيد ، ومتى صدقه السيد قبل إقراره في كل ذلك.

ويصح إقرار المحجور عليه لإفلاس ، وإقرار المريض للوارث وغيره ، ويصح الإقرار بالمبهم (٤) كأن يقول : لفلان علي شي‌ء.

ولا تصح الدعوى المبهمة لأنا إذا رددنا الدعوى المبهمة كان للمدعي ما يدعوه إلى تصحيحها ، وليس كذلك الإقرار ، لأنا إذا رددناه لا نأمن ألا يقر ثانيا ،

__________________

(١) ما بين المعقوفتين موجود في « س ».

(٢) في « س » : من إقراض.

(٣) في الأصل : بالإجماع.

(٤) في الأصل : ويصح إقرار المبهم.

٣٣١

والمرجع في تفسير المبهم إلى المقر ، ويقبل تفسيره بأقل ما يتمول في العادة ، وإن لم يفسر(١) جعلناه ناكلا ، ورددنا اليمين على المقر له فيحلف علي ما يقول ويأخذه ، فإن لم يحلف فلا حق له.

إذا قال : له علي مال عظيم أو جليل أو نفيس أو خطير ، لم يقدر ذلك بشي‌ء ، ويرجع في تفسيره إلى المقر ، ويقبل تفسيره بالقليل والكثير ، لأنه لا دليل على مقدار معين ، والأصل براءة الذمة ، وإذا أقر بمال كثير ، كان إقراره بثمانين ، لإجماع الطائفة. وروي في قوله تعالى ( فِي مَواطِنَ كَثِيرَةٍ ) (٢) أنها كانت ثمانين موطنا. (٣)

إذا قال : له علي ألف ودرهم ، لزمه درهم ويرجع في تفسير الألف إليه ، لأنها مبهمة ، والأصل براءة الذمة ، وكذا لو قال : ألف ودرهمان. فأما إذا قال : وثلاثة دراهم ، أو : ألف وخمسون درهما ، أو : خمسون وألف درهم ، أو ما أشبه ذلك ، فالظاهر أن الكل دراهم ، لأن ما بعده تفسير.

وإذا قال : له علي عشرة إلا درهما ، كان إقرارا بتسعة ، فإن قال : إلا درهم ، بالرفع كان إقرارا بعشرة ، لأن المعنى غير درهم ، فإن قال : ماله علي عشرة إلا درهما ، لم يكن مقرا بشي‌ء ، لأن المعنى ماله علي تسعة ، ولو قال : ما له علي عشرة إلا درهم ، كان إقرارا بدرهم ، لأن رفعه بالبدل من العشرة فكأنه قال : ما له علي إلا درهم.

وإذا قال : له علي عشرة إلا ثلاثة إلا درهما ، كان إقرارا بثمانية ، لأن المراد إلا ثلاثة لا يجب إلا درهما يجب من الثلاثة (٤) ، لأن الاستثناء من الإيجاب نفي ، ومن

__________________

(١) كذا في الأصل ولكن في « س » : « وإن يفسر » والصحيح ما في المتن.

(٢) التوبة : ٢٥.

(٣) تفسير العياشي : ٢ ـ ٨٤ ح ٣٧ ، والكافي : ٧ ـ ٤٦٣ ح ٢١ ، والوسائل : ١٦ ، ب ٣ من أبواب النذر والعهد ح ١ و ٤ ، وقال في الجواهر : ٣٥ ـ ٣٩ مزجا : ولو قال : كثير قال الشيخ في المحكي من خلافه ومبسوطه : يكون ثمانين وتبعه ابن زهرة وقطب الدين الكيدري والقاضي.

(٤) كذا في الأصل ولكن في « س » : من الثلاثة يجب.

٣٣٢

النفي إيجاب. واستثناء الدرهم يرجع إلى ما يليه فقط ، ولا يجوز أن يرجع إلى جميع ما تقدم لسقوط الفائدة ، وإذا كان الاستثناء الثاني معطوفا على الأول ، كانا جميعا راجعين إلى الجملة الأولى ، فلو قال : علي عشرة إلا ثلاثة وإلا درهما ، كان إقرارا بستة.

وإذا استثنى بما لا يبقى معه من المستثنى منه شي‌ء بطل ، لأنه بمنزلة الرجوع عن الإقرار فلا يقبل ، وإن استثنى بمجهول القيمة (١) كقوله : علي عشرة إلا ثوبا ، فإن فسر قيمته بما يبقى معه من العشرة شي‌ء صح ، وإلا بطل ، ويجوز استثناء الأكثر من الأقل وفي القرآن ( إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ إِلّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغاوِينَ ) (٢) وفيه ( فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ. إِلّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ ) (٣) فاستثنى من عباده الغاوين مرة ، والمخلصين أخرى ، ولا بد أن يكون أحد الفريقين أكثر من الآخر.

إذا قال : له علي كذا درهم ، بالرفع ، لزمه درهم واحد ، لأن التقدير هو درهم أي الذي أقررت به درهم. وإن قال : كذا درهما ، فقيل : لزمه درهم واحد لأنه أخرجه مخرج التفسير (٤) وقيل (٥) لزمه عشرون درهما ، لأن ذلك أقل عدد انتصب الدرهم بعده ، فيجب حمله عليه ، وإن قال : كذا درهم ، بالخفض لزمه أقل من درهم ، فبأي قدر فسره قبل منه ، لأنه يحتمل أن يريد بعض درهم ، لأن « كذا » عبارة

__________________

(١) في « س » : لمجهول القيمة.

(٢) الحجر : ٤٢.

(٣) ص : ٨٢.

(٤) كذا في الأصل ولكن في « س » : لأن درهما أخرجه مخرج اليقين والصحيح ما في المتن لأن هذا القول ذهب إليه القاضي وقال : إذا قال لك علي كذا درهما ، كان عليه درهم واحد ، لأنه أخرجه مخرج التفسير. لاحظ جواهر الفقه : ٨٩ ، المسألة ٣٢٧.

(٥) الشيخ : الخلاف ، كتاب الإقرار ، المسألة ٨ وابن زهرة : الغنية ـ الينابيع الفقهية ـ ١٢ ـ ١٨٤.

٣٣٣

عن البعض وعن الجملة ، وقيل : لزمه مائة درهم ، لأن ذلك أقل عدد يخفض بعد الدرهم ،(١) وقيل : يلزمه درهم واحد ، (٢) ولي في جواز خفض المعدود بعد « كذا » وهل هو مستعمل أم لا ، نظر.

وإن قال : كذا كذا درهما ، لزمه أحد عشر ، لأن ذلك أقل عددين ركبا وانتصب ما بعدهما. وإن قال : كذا وكذا درهما ، كان إقرارا بأحد وعشرين ، لأن ذلك أقل عددين عطف أحدهما على الآخر ، وانتصب الدرهم بعدهما.

إذا أقر بشي‌ء وأضرب عنه واستدرك غيره (٣) فإن كان مشتملا على الأول بأن يكون من جنسه وزائدا عليه وغير متعين ، لزمه دون الأول ، كقوله : علي درهم لا بل درهمان ، وإن كان ناقصا عنه ، لزمه الأول دون الثاني ، كقوله : علي عشرة لإبل تسعة ، لأنه أقر بالعشرة ثم رجع عن بعضها فلم يصح رجوعه ، ويفارق ذلك قوله : له علي عشرة إلا درهما ، لأن عن التسعة عبارتين أحدهما لفظ التسعة ، والآخر لفظ العشرة ، مع استثناء الواحد ، فبأيهما أتى فقد عبر عن التسعة.

وإن كان ما استدركه من غير جنس الأول كقوله : علي درهم لإبل دينار ، أو قفيز حنطة لا بل قفيز شعير ، لزمه الأمران معا ، لأن ما استدركه لا يشتمل على الأول ، فلا يسقط برجوعه عنه ، وإن كان ما أقر به أولا وما استدركه متعينين بالإشارة إليهما أو بغيرهما مما يقتضي التعريف (٤) ، لزمه أيضا الأمران ، سواء كانا

__________________

(١) الشيخ ، الخلاف : كتاب الإقرار ، المسألة ١١.

(٢) قال في المبسوط : ٣ ـ ١٢ : وإن قال : « درهم » بالكسر لزمه أقل من درهم فبأي قدر فسره قبل منه ، لأنه يحتمل أن يريد بعض درهم ، لأن « كذا » عبارة عن البعض وعن الجملة ، وفي الناس من قال : يلزمه درهم واحد والأصح الأول للاحتمال.

(٣) في « س » : واستدرك غيرا.

(٤) في الأصل : عما يقتضي التصرف.

٣٣٤

من جنس واحد أو من جنسين أو متساويين في المقدار أو مختلفين ، لأن أحدهما ، والحال هذه ، لا يدخل في الآخر ، فلا يقبل رجوعه عما أقر به أولا كقوله : هذا الدرهم لفلان لا بل هذا الدينار ، أو هذه الجملة من الدراهم لا بل هذه الأخرى.

وإذا قال : له علي ثوب في منديل ، لم يدخل المنديل في الإقرار ، لأنه يحتمل أن يريد في منديل لي ، ولا يلزم من الإقرار إلا المتعين دون المشكوك فيه ، إذ الأصل براءة الذمة.

إذا قال : له علي ألف درهم وديعة ، قبل منه ، لأن لفظة « علي » للإيجاب ، وكما يكون الحق في ذمته ، فيجب عليه تسليمه

بإقراره ، كذلك يكون في يده فيجب عليه رده وتسليمه إلى المقر له بإقراره ، ولو ادعى التلف بعد الإقرار قبل ، لأنه لم يكذب إقراره ، وإنما ادعى تلف ما أقر به بعد ثبوته بإقراره ، بخلاف ما إذا ادعى التلف وقت الإقرار بأن يقول : كان في علمي (١) أنها باقية فأقررت لك بها وكانت تالفة في ذلك الوقت ، فإن ذلك لا يقبل منه ، لأنه يكذب إقراره المتقدم من حيث كان تلف الوديعة من غير تعد يسقط حق المودع.

وإذا قال : له علي ألف درهم إن شئت ، لم يكن إقرارا ، لأن الإقرار إخبار عن حق واجب سابق له ، وما كان كذلك لم يصح تعليقه بشرط مستقبل.

وإذا قال : له من ميراثي من أبي ألف درهم ، لم يكن إقرارا لأنه أضاف الميراث إلى نفسه (٢) ثم جعل له منه جزءا ولا يكون له جزء من ماله إلا على وجه الهبة. ولو قال : له من ميراث أبي ألف ، كان إقرارا بدين في تركته ، ولو قال (٣) داري هذه لفلان ، لم يكن إقرارا لما سبق. ولو قال : هذه الدار التي في يدي لفلان كان

__________________

(١) في الأصل : « كان عندي » بدل « كان في علمي ».

(٢) في الأصل : « إلى لنفسه » والصحيح ما في المتن.

(٣) في « س » : وكذا لو قال.

٣٣٥

إقرارا ، لأنها قد تكون في يده بإجارة أو عارية أو غصب.

ويصح الإقرار المطلق للحمل ، إذ يحتمل أن يكون من جهة صحيحة ، كميراث أو وصية. ومن أقر بدين في حال صحته ثم مرض فأقر بدين آخر في حال مرضه صح ، ولا يقدم دين الصحة على دين المرض إذا ضاق المال عن الجميع ، بل يقسم على قدر الدينين.

فصل

لا يثبت النسب بالإقرار إلا بشروط ثلاثة :

أن يمكن كون المقر به ولدا للمقر بنقصان السن وهو خمس عشرة سنة ، وأن (١) يكون مجهول النسب ، وأن لا ينازعه فيه غيره ، لأن مع المنازعة لا يثبت النسب إلا ببينة ، هذا في المقر به الصغير. وفي الكبير العاقل شرط رابع ، وهو أن يصدقه المقر به في الإقرار. ومن ثبت (٢) نسبه بذلك ، إذا بلغ وأنكر أن يكون ولدا له ، لم يقبل منه ولم يسمع دعواه.

وثبوت النسب يحتاج إلى الشروط المذكورة ، سواء أقر على نفسه بالنسب ، أو على غيره ، كأن يقر بأخ له أو أخت أو عم أو خال ، ويراعى في ذلك إقرار رجلين عدلين أو رجل وامرأتين من الورثة ، ولا يثبت إلا بذلك ، فإن كان المقر واحدا أو كانا غير عدلين ، يثبت له الميراث بقدر ما يخص المقر مما في يده ، وإن كان المقر له أولى ، فله جميع ما في يد المقر.

ولو مات المقر له لم يرثه المقر ، لأنه لم يثبت نسبه إلا أن يكون قد صدقه المقر له وكان عاقلا بالغا ، ولا يتعدى منهما إلى غيرهما إلا إلى أولادهما. (٣)

__________________

(١) في « س » : أو يكون.

(٢) في الأصل : ومن يثبت.

(٣) في الأصل : إلا أولادهما.

٣٣٦

إذا (١) مات وخلف ابنا فأقر بأخ ثم أقرا بثالث ثم أنكر الثالث الثاني ، سقط نسبه إذا لم يقر بنسبه (٢) اثنان من الورثة وإنما أقر به الأول فيكون المال بين الأول والثالث ، ويأخذ الثاني من الأول ، ثلث ما في يده ، لأنه مقر به وبغيره.

إذا خلف ثلاث (٣) بنين ، فأقر اثنان بأخ آخر وجحد الثالث ؛ فإن كانا مرضيين ثبت نسبه بإقرارهما ، وإن كانا غير عدلين لم يثبت ، وقاسم الاثنين على قدر حصتهما.

إذا أقر بوارثين فصاعدا متساويين في استحقاق الميراث وتناكروهم ذلك النسب لم يلتفت إلى إنكارهم ، وقبل إقراره لهم ، فإن أنكروا إقراره أيضا لم يكن لهم ميراث ، وإن أقروا له بمثل ما أقر لهم به توارثوا بينهم إذا كان المقر له ولدا أو والدا ، وإن كان غيرهما من ذوي الأرحام لم يتوارثوهم وإن صدق بعضهم بعضا ولا يتعدى الحكم فيه مال الميت بحال.

ومتى أقر بوارث أولى منه بالميراث وأعطاه ، ثم أقر (٤) بآخر أولى منهما ، لزمه أن يغرم له مثل المال ثم هكذا ، وإن أقر بوارث مساو للمقر له في الميراث يغرم له مثل نصيبه.

إذا أقر بزوج للميتة أعطى نصيبه ، فإن أقر بعده بزوج آخر بطل إقراره إلا أن يكذب نفسه في الإقرار الأول ، فحينئذ يغرم للثاني نصيبه بلا رجوع على الأول.

إذا أقر الولد بزوجة للميت أعطاها ثمن ما في يده من التركة ، فإن أقر بأخرى أعطاها نصف الثمن ، فإن أقر بثالثة أعطاها ثلث ثمن ذلك ، فإن أقر

__________________

(١) في « س » : فإن مات.

(٢) في « س » : « إذ لم ينسبه » وهو تصحيف والصحيح ما في المتن.

(٣) في « س » : ثلاثة.

(٤) في « س » : « ثم اقرا ».

٣٣٧

برابعة أعطاها ربع ثمن ذلك ، فإن أقر بخامسة وقال : إن إحدى من أقررت لها ليست بزوجة لأبي ، لم يلتفت إلى إنكاره ولزمه أن يغرم للمقر لها بعد ، وإن لم ينكر واحدة من الأربع بطل إقراره بالخامسة.

إذا خلف زوجة وأخا فأقرت الزوجة بابن للميت وأنكره الأخ ، لم يثبت نسبه ، إلا أنه يقاسمها ، فيأخذ منها ما فضل من نصيبها ، وهو الثمن مع وجود الولد ، لأنها أقرت بابن لمورثها ، ومع فقد الولد كان لها الربع ، فيكون ما في يدها من الربع بين الابن وبينها نصفين.

إذا خلف ابنين فأقر أحدهما بأخ وجحد الآخر فإن نسب المقر به لا يثبت ، فإن مات الجاحد ورثه المقر والمقر به ، وكان المال بينهما نصفين ، وإن كان الجاحد خلف ابنا فوافق عمه على إقراره ، ثبت النسب والميراث وإن خالفه أو لم يفق فكما سبق ، وإن خلف كافر أو مسلم ابنين كافرا ومسلما فالميراث للمسلم دون الكافر ، فإن أقر المسلم بأخ مسلم قاسمه ، ولا اعتبار بجحود الكافر ولا بإقراره.

إذا أقر ببنوة صبي لم يكن ذلك إقرارا بزوجية أمه ، لأنه يحتمل أن يكون الولد من نكاح فاسد ، أو من وطء شبهة.

إذا مات صبي وله مال ، فأقر رجل بنسبه ثبت ، وورثه باعتبار الشروط السابقة ، (١) وكذا (٢) إن كان الميت كبيرا ، ولا يراعى هنا تصديقه.

__________________

(١) في الأصل : الشروط السالفة.

(٢) في « س » : وكذلك.

٣٣٨

كتاب الغصب

من غصب ما له مثل ـ وهو ما تساوت قيمة أجزائه ، كالحبوب والأدهان والتمور (١) وما أشبه ذلك ـ وجب عليه رده بعينه ، فإن تلف فعليه مثله ، فإن أعوز المثل أخذت القيمة ، فإن لم يقبض بعد الإعواز حتى مضت مدة ، اختلفت القيمة فيها ، كان له المطالبة بالقيمة حين القبض ، لا حين الإعواز ، وإن كان قد حكم بها الحاكم حين الإعواز.

وإن غصب ما لا مثل له ـ ومعناه أن لا تتساوى (٢) قيمة أجزائه ، كالثياب والرقيق والخشب والحطب والحديد والرصاص والعقار وغير ذلك ـ وجب أيضا رده بعينه.

فإن تعذر ذلك بتلفه ، وجبت قيمته لأنه لا يمكن [ له ] (٣) الرجوع فيه إلى المثل ، لأنه إن ساواه في القدر (٤) خالفه في الثقل ، وإن ساواه فيهما ، خالفه من وجه آخر وهو القيمة ، فإذا تعذرت المثلية كان الاعتبار بالقيمة. ومتى (٥) لم يعرف

__________________

(١) التمور جمع التمرة. المصباح المنير.

(٢) في الأصل : ومعناه لا تتساوى.

(٣) ما بين المعقوفتين موجود في « س ».

(٤) في الأصل : « إن ساواه في القد » والظاهر انه تصحيف.

(٥) في « س » : ومن.

٣٣٩

صاحب المغصوب ، أودعه في بيت مال المسلمين ، حتى يحضر هو أو وارثه فيأخذه ، فإن كان زمان سلاطين الجور تصدق به عنه ، فإن حضر ولم يرض بالصدقة ، عوضه عنه وتاب منه.

ويضمن الغاصب ما يفوت من زيادة قيمة المغصوب بفوات الزيادة الحادثة فيه لا بفعله ، كالسمن والولد وتعلم الصنعة والقرآن ، سواء رد المغصوب أو مات في يده ، لأن ذلك حادث في ملك المغصوب منه لم يزل بالغصب ، وإذا كان كذلك فهو مضمون على الغاصب ، لأنه حال بينه وبينه.

فإما زيادة القيمة لارتفاع السوق ، فغير مضمونة مع الرد ، لأن الأصل براءة الذمة ، فإن لم يرد حتى هلكت العين ، لزمه ضمان قيمتها بأكثر ما كانت من حين الغصب إلى حين التلف.

وإذا صبغ الغاصب الثوب بصبغ يملكه ، فزادت لذلك قيمته ، كان شريكا فيه بمقدار الزيادة فيه ، وله قلع الصبغ ، لأنه عين ماله بشرط أن يغرم ما ينقص من قيمة الثوب ، لأن ذلك يحصل بجنايته.

ولو ضرب النقرة دراهم ، والتراب لبنا ، ونسج الغزل ثوبا ، وطحن الحنطة ، وخبز الدقيق ، فزادت القيمة بذلك كلم يكن له شي‌ء ، لأن هذه آثار أفعال ، وليست بأعيان أموال ، ولا يدخل المغصوب بشي‌ء (١) من هذه الأفعال في ملك الغاصب ، ولا يجبر صاحبه على أخذ قيمته.

ومن غصب زيتا فخلطه بأجود منه فالغاصب بالخيار بين أن يعطيه من ذلك ، ويلزم المغصوب منه قبوله ، لأنه تطوع له بخير من زيته ، وبين أن يعطيه مثله من غيره ، لأنه صار بالخلط كالمستهلك ، ولو خلطه (٢) بأردأ منه ، لزمه أن يعطي

__________________

(١) في الأصل : ولا يدخل المغصوب شي‌ء.

(٢) في الأصل : ولو خالطه.

٣٤٠