الرسائل الفقهيّة

محمّد باقر الوحيد البهبهاني

الرسائل الفقهيّة

المؤلف:

محمّد باقر الوحيد البهبهاني


المحقق: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
المطبعة: مطبعة أمير
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٤٥

إذا كان الآخر أشهر وأعرف ، فلا ينفع أيضا ، لأنّه ليس بمعصوم ، وبناء الكلام على الموافقة للأدلّة واقعا ، حتّى يكون حيّا وحجّة دائما ، على حسب ما قد عرفت ، وإلّا فعند العامّي أنّ المجتهد قوله مأخوذ من الأدلّة ، فكيف يجعل تقليده موقوفا على الاستفصال؟!

فإن قلت : إذا كان عند العامّي أنّ قول المجتهد مأخوذ عن الأدلّة الشرعيّة ، يعمل به وإن كان ميّتا ، إذ الموت والحياة لا مدخليّة لهما في المأخوذيّة.

قلت : ليس الكلام في صحّة كلّ فعل للعامّي ، بل فيما يصحّ للعامّي أن يفعله ، وإلّا فالعامّي يقلّد العوام أيضا ، حتّى النساء بزعمه أنّه عن الشرع وأنّه حقّ.

فإن قلت : الأمر بالنسبة إلى العامّي والمجتهد كما ذكرت ، لكن العالم الفاضل الّذي لم يبلغ درجة الاجتهاد من جهة أنّه لم يستحصل جميع شرائطه ، يمكن له أن يعلم أنّ قول المجتهد موافق للدليل وقول آخر غير موافق له ، فيقلّد الأوّل دائما ولا يقلّد الآخر دائما.

قلت : مثل هذا العالم إن كان معتقدا لعدم جواز الاجتهاد والفتوى ما لم يجتمع شرائط الفتوى جميعا ، لا جرم يكون عارفا بأنّ اعتبار تلك الشرائط ليس إلّا لأجل صحّة الفهم وصوابيّته والاحتراز عن الخطأ ، وأنّ مع عدم تلك الشرائط واستجماعها لا اعتداد بذلك الفهم ، ولا وثوق ولا اعتماد ، ومع ذلك يكون الاعتماد عليه حراما البتّة ، مع أنّه يعتقد أنّه غير مستجمع لجميع تلك الشرائط ، ولأجل ذلك يقلّد ولا يجتهد ، ومع ذلك يعتقد أنّ المجتهدين اللذين هو يصير حكما بينهما كليهما مستجمعان لجميع تلك الشرائط.

ومع جميع ذلك كيف يتأتّى له أن يحكم بأنّ مجتهدا مصيب واقعا ومجتهدا

٢١

خاطئ واقعا؟! سيّما وأن لا يجوّز الخطأ على نفسه في ذلك ، مع اعترافه بعدم تحقّق ما هو شرط في صحّة الفهم وصوابيّته وبالخطإ بالنسبة إلى المستجمع لشرائط الصحّة والصوابيّة ، أو يجوّز الخطأ على نفسه لكن يحكم حكما تامّا بأنّه مكلّف بفهمه ، مع اعترافه بعدم صحّة فهمه وحرمة العمل به ، لعدم استحصاله لشرط الصحّة.

مضافا إلى أنّ مسألة تقليد الميّت ـ مع المخالفة للمعروف المشهور بين الشيعة والأدلّة القاطعة الواضحة الّتي أشرنا إليها ـ كيف يجترئ بالاجتهاد في تجويزه مع اعترافه بعدم بلوغه درجة الاجتهاد ، سيّما بالتفصيل الّذي لم يقل به أحد من فقهاء المسلمين؟!

نعم ، هو من غفلات بعض الغافلين من المتأخّرين (١) ، صدر عنهم في بادئ نظرهم من غير تأمّل وتدبّر أصلا ، إذ مفاسده ليست بحيث تخفى على من له أدنى تأمّل وإن لم يكن من العلماء.

وإن كان مثل هذا العالم غير معتقد بشرائط الفتوى والاجتهاد (٢) ، لا جرم لا يكون من المجتهدين ، ولا المقلّدين لهم في ذلك.

فإمّا أن يكون من الأخباريّين ، فهم يحرّمون التقليد مطلقا ، فكيف تقليد الميّت؟!

وإمّا إن لا يكون من المجتهدين ولا الأخباريّين ، فمع ثبوت فساد مذهبه وطريقته وعقيدته ممّا ذكره المجتهدون في موضعه وما ذكره الأخباريّون ـ أيضا ـ في موضعه ، فإنّ (٣) الكلّ يبرءون (٤) منه ، نقول : إن كان عرف الأدلّة وموافقة

__________________

(١) لاحظ! الوافية في أصول الفقه : ٣٠٨ ، ٣١٦.

(٢) في ألف ، ج ، د : ( للاجتهاد ).

(٣) في ألف ، ج ، د : ( وأنّ ).

٢٢

الفتوى لها ، فلا وجه حينئذ لتقليده ورفع اليد عن الأدلّة ، بل حاله حينئذ حال المجتهد ، فما قلنا في المجتهد جار فيه أيضا ، حتّى أنّه في الحقيقة ليس تقليدا للميّت ، بل عين الاجتهاد منه ، لو صحّ.

وكذا ظهر حال استفصال العامّي منه.

مع أنّك قد عرفت أنّ التقليد في نفسه حرام ، خرج تقليد الحيّ بالنسبة إلى العامّي ، وبقي تقليد الميّت والحيّ بالنسبة إلى غير العامّي داخلا في المنع ، فمثل هذا العالم لو لم يكن حاله حال العامّي لحرم عليه التقليد مطلقا ، وعنده أنّه مجتهد يصحّ اعتماده على فهمه ورأيه ، فكيف يقلّد ومن أيّ دليل؟!

نعم ، الشأن في صحّة معتقده وجواز بنائه عليه.

وإن لم يكن عرف الأدلّة والموافقة (٥) ، فمن أين يعرف الإصابة؟! بل حاله حال العامّي ، وحكاية استفصاله من المجتهد قد مرّت من أوّلها إلى آخرها ، إلّا ما استثناه من أنّ عند العامّي أنّ المجتهد. إلى آخره ، إن لم يكن حاله حاله في هذا ، لكن مع صحّة رأيه عنده كيف يجوز تقليده للمجتهد؟! وكيف يرخّص المجتهد ـ مثل هذا العالم ـ الاعتماد على رأيه في مسألة تقليد الميّت؟! سيّما مع ما فيها ممّا أشرنا ، إلّا أنّ تقليده فيها أيضا ، فيكون حينئذ تقليدا بحتا.

فإن قلت : ورد في بعض الأخبار أمرهم عليهم‌السلام بإيراث الكتب للأولاد (٦).

قلت : لا خفاء في أنّ تلك الكتب كانت كتب الأخبار ، ولا شكّ ولا نزاع في أنّ الأخبار لا تموت بموت الراوي ، بل هي حجّة دائما.

على أنّه لا نزاع ولا تأمّل في أنّ كتب الفتاوى أيضا تنفع نفعا عظيما للفقهاء ،

__________________

(٤) في ب : ( يتبرّؤون ).

(٥) في ألف : ( الأدلّة الموافقة ).

(٦) الكافي : ١ / ٥٢ الحديث ١١.

٢٣

بل لا يكاد يمكن الاجتهاد إلّا بملاحظتها ، بل لا يمكن واقعا في الأزمنة الواقعة بعد غيبة الأئمّة عليهم‌السلام ، سيّما أن يكون بعد عهدها ، فإنّ معرفة الخلاف والوفاق ، وكيفيّة فهم الفقهاء للأخبار وترجيحاتهم وجمعهم ، ومعرفة الجرح والتعديل ، والتقيّة وخلاف التقيّة ، والشهرة بين الأصحاب ، والشاذّ النادر ، والاصطلاحات وغير ذلك موقوفة على ملاحظتها ، بل تنفع كتبهم للمتعلّمين أيضا ، إذ لولاها لم يمكنهم الدرس والتعليم ، شكر الله سعي الفقهاء ، حيث ضبطوا ونقّحوا ، وقرّبوا البعيد ، وأسّسوا وجمعوا ونظّموا وفهموا ، حتّى أنّا من أنفسنا نجد بالبديهة أنّ كتبهم لو لم تكن عندنا ولم نلاحظها ولم ندر ما قالوا ، لم نتمكّن من الفتوى أصلا ، ومن قال : يمكن ، فهو متوهّم بلا شبهة.

فإن قلت : لو لم يجز تقليد الميّت وانحصر جواز التقليد في الحيّ ، لهلك الناس في العصر الّذي لا يكون فيه مجتهد ، والقطر (١) الّذي لا تصل أيديهم إلى المجتهد ، وأنّهم حينئذ ما ذا يصنعون؟ فثبت أنّ عدم جواز تقليد الميّت باطل ، لأنّ مستلزم الباطل باطل.

قلت :

أوّلا : ما تقولون لو لم تكن كتب الفقهاء موجودة ، أو كانت موجودة لكن لم يوجد من يفهم كتبهم؟ إذ فهم كتبهم على وجه الصحّة والإصابة لا يكاد يتحقّق للفضلاء ، فضلا عن العوام ، إذ تلاحظ الفاضل لا يصحّ فهمه كثيرا ، على أنّ الّذي يفهمها لا يكاد أن لا يعثر على خلافاتهم ، مثل : أنّ الماء القليل هل ينجس بالملاقاة ، وأنّ الكر ما ذا. وهكذا إلى آخر كتبهم ، إذ لا يكاد يتحقّق مسألة وفاقيّة لا تكون من ضروريّ الدين أو ضروريّ المذهب ، والضروري لا

__________________

(١) في ب : ( والعصر ).

٢٤

اجتهاد فيه ولا تقليد ، أو تكون من غير الضروريّ لكن تنفع المقلّد من حيث عدم ارتباطها في مقام العمل بالمسائل الخلافيّة ، إذ جلّها لا يمكن (١) العمل بها إلّا بضميمة الخلافيّات ، مع أنّ الأخباريّين يمنعون عن العمل بفتاوى المجتهدين مطلقا والمجتهدين بالعكس.

وأيضا : ما تقولون في الوقائع الخاصّة ، والحوادث الجزئيّة السانحة الّتي ليست مذكورة في كتب الفقهاء بخصوصها ، وغالب ما يحتاج الناس إليه من هذا القبيل ، ولا يستنبط من الكتب ، أو يستنبط لكن لا يقدر على استنباطه كلّ أحد ، بل ربّما لا يقدر على استنباطه سوى المجتهد ، سيّما إذا تعلّق [ ت ] الواقعة بالمسائل المشكلة ، مثل القصر والإتمام ، والحيض والرضاع. وغير ذلك من المعضلات؟

وأيضا ، العدالة ـ مثلا ـ أمر يحتاج إليه في غالب الأحوال في المعاملات والإيقاعات والعبادات ، فلو لم يكن العادل موجودا ، أو لم يكن من يعرف العدالة بأنّها هل هي الملكة أو حسن الظاهر أو عدم ظهور الفسق ، وأنّها هل تتحقّق باجتناب الكبائر أو الصغائر أيضا ، وأنّ من الكبائر الإصرار بالصغائر ، وأنّ الإصرار بما ذا يتحقّق ، وأنّه هل يعتبر فيها اجتناب المنافيات للمروءة أم لا يعتبر ، ولو اعتبر المنافيات للمروءة ، المنافيات ما هي ، وأيّ شي‌ء هي ، وأنّه لا بدّ من المعاشرة الباطنيّة أم تكفي الظاهريّة ، وأنّ كلّا منهما ما ذا ، وبأيّ قدر يتحقّق ويكفي.

وبالجملة ، لو لم يكن العادل موجودا أو من يعرف العدالة أو العادل ، ما ذا يصنعون؟!

فيلزم من ذلك ـ على ما ذكرتم ـ أن لا تكون العدالة شرطا في الشرع

__________________

(١) في ألف ، ج ، د : ( لا يتمّ ).

٢٥

معتبرا فيه ، على قياس ما قلتم في انحصار التقليد في الحيّ.

وكذا الحال بالنسبة إلى غير العدالة من الأمور الّتي يحتاج إليها شرعا ، حتّى أنّه يلزم ممّا ذكرتم عدم الحاجة إلى وجود الإمام والحجّة بعد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ، بل صحّ ما ذكره الثاني بقوله : ( حسبنا كتاب الله ) (١) ، وما ذكره العامّة بقولهم : ( حسبنا الروايات والاجتهادات ) (٢) ، وأين هذا من قولكم : حسبنا الاجتهادات المكتوبة وكتب الأموات؟! فإنّه أردأ ممّا قالوا ، بل يلزم ممّا ذكرتم عدم الحاجة إلى الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله أيضا.

وبالجملة ، ما ذكرتم بعينه هي الشبهة الّتي يوردها العامّة علينا بسبب قولنا بأنّه لا بدّ في كلّ عصر من وجود حجّة على الناس (٣) ، كما لا يخفى على من تأمّل وأمعن نظره.

وأيضا ، حال فروع الدين ليس بأشدّ من حال أصول الدين ، فما تقولون في حال الأقطار والأمكنة الّتي ليس فيها من يعلم أصول الدين ، مثل البوادي والقرى والجبال والأمصار الواقعة في بلاد الكفر أو الضلالة ، فإنّ غالب الناس من الأعراب والأتراك والأكراد والألوار وأهل القرى والدساكر ، وكذا أهل السند والهند والروم ، وغيرهم من سكنة بلاد الإسلام ، ليس عندهم من يعلّمهم أصول الدين ، فضلا عن بلاد الكفر والضلالة؟

ومنهم من فهم من يعلم لكن لا يعلّم أيضا إمّا خوفا أو تملّقا أو مظنّة أنّهم لا يسمعون قوله ، أو لعدم مبالاتهم بالدين.

__________________

(١) لاحظ! صحيح البخاري : ٥ / ١٣٨ و ٨ / ١٦١.

(٢) انظر : عدّة الأصول ـ المطبوع الحجري ـ : ٢ / ٢٩٣ ، جامع بيان العلم وفضله : ٣٥٨ باب اجتهاد الرأي على الأصول عند عدم النصوص.

(٣) لا حظ! شرح المقاصد للتفتازاني : ٥ / ٢٤١.

٢٦

وبالجملة ، الواجبات الكفائيّة الّتي بحيث يجب على المكلّفين استحصالها لانتظام دينهم ودنياهم في غاية الكثرة ، وأنّهم ربّما يهملون في التحصيل ، فيكونون مؤاخذين لتقصيرهم. نعم ، فيهم من ليس بمقصّر ، فلا يؤاخذ.

وأمّا أنّهم ما ذا يصنعون ، فاللازم عليهم حينئذ بذل الجهد بحسب ما يمكنهم في تحصيل الاحتياط والعمل به ، ولا يجوز لهم غيره ، فعند تعدّد الأقوال (١) للميّتين يعمل بما هو أحوط ، وإن لم يكن قول أحد منهم ، لا أنّه يقلّد ، إذا كان يتأتّى الاحتياط (٢) ـ وهو الأخذ بما هو أوثق شرعا ـ وأمّا إذا لم يتأتّ الاحتياط فيه ، أو يكون قول واحد لهم ، أو لم يطّلع إلّا على قول واحد ، فاحتياطه حينئذ منحصر في العمل بقول الميّت بما هو أوثق عندهم ، مثل أن يكون قول المعظم ، فإنّ ما تراكم عليه أفهام أهل الخبرة أبعد عن الخطأ ، أو يكون قول الأفقه عندهم والأعلم وغير ذلك من أسباب الأوثقيّة. وبعد العجز فإنّه [ كما ] اختاروا ، لأنّه تعالى لا يكلّف ما لا يطاق جزما.

هذا (٣) ، كما أنّه إذا لم يكن هناك قول الفقيه الميّت ، بل يكون قول العامّي ، والعمل بقولهم حينئذ ليس من باب التقليد ـ كما أنّ عمل المجتهد بقول غيره لا يكون تقليدا ـ بل من باب الاجتهاد ، كأخذه بقول الموثّقين والجارحين ، وقول الرواة ، وقول اللغويّين ، وقول الفقيه في بعض الأمكنة ، وغير ذلك.

وبين الاجتهاد والتقليد والاحتياط فرق واضح.

والحمد لله ربّ العالمين ، وصلّى الله على محمّد وآله الطاهرين.

__________________

(١) في ألف ، ج ، د : ( فاللازم عليهم حينئذ الاحتياط بعد تعدّد الأقوال ) ، بدلا من : ( فاللازم عليهم حينئذ بذل الجهد .. فعند تعدّد الأقوال ).

(٢) في ألف ، ج ، د : ( يعمل بما هو أحوط ، لا أنّه يقلّد ، هذا إذا كان يتأتّى الاحتياط ) بدلا ممّا في المتن.

(٣) العبارة : ( بما هو أوثق عندهم .. هذا ) أثبتناها من ب ، ولم ترد في النسخ الأخرى.

٢٧
٢٨

رسالة

في

حكم عبادة الجاهل

٢٩
٣٠

بسم الله الرحمن الرحيم

وبه ثقتي

الحمد لله ربّ العالمين ، وصلّى الله على أشرف الخلق محمّد وآله الطاهرين ونستعينه ، فإنّه خير معين.

أمّا بعد :

فيقول الأقلّ الأذلّ ، محمّد باقر بن محمّد أكمل ، عفى الله عنهما :

اعلم يا أخي! أنّ من يقول بصحّة عبادة الجاهل إن كان يقول إنّه مكلّف بما حصل به ظنّه بأيّ وجه حصل وهذا هو تكليفه لا غير ، يلزمه الحكم بصحّة عبادته وإن كانت مخالفة لما أمر الله تعالى به. بل يلزمه الحكم بفسادها إن كانت مطابقة لما أمر الله تعالى به وكانت مخالفة لظنّه.

مثلا : من ظنّ أنّ صلاة الصبح أربع ركعات يكون تكليفه منحصرا في الأربع (١) ، فلو اقتصر على الثنتين تكون فاسدا ، لعدم المطابقة مع تكليفه. ولو صلّى أربعا من غير فصل بتسليم يكون ممتثلا ، ولو فصل بالتسليم تكون باطلة.

وهذا باطل ، بالضرورة من الدين ، وهو أيضا لا يقول به ، بل متحاش

__________________

(١) في د : ( في أربع ).

٣١

عنه.

بل هذا قول المصوّبة ـ الّذين هم من العامّة ـ بالنسبة إلى المجتهد وظنّه (١) الّذي ثبت اعتباره شرعا.

وأمّا المخطّئة ـ وهم الشيعة قاطبة وأكثر العامّة ـ فهم لا يقولون بأنّ حكم الله تعالى تابع لظنّ المجتهد الّذي ظنّه حجّة شرعا ، فضلا عن الجاهل.

وأمّا المصوّبة ، فقلنا : إنّه لا يقول ذلك إلّا بالنسبة إلى ظنّ المجتهد المعتبر شرعا.

وإن كان يقول بأنّه مكلّف بما أمر الله تعالى به في الواقع ، فلازم ذلك أن يأتي بما أمر الله تعالى به في الواقع ، وهذا لا يمكن للمجتهد أن يأتي به ، فضلا عن العامّي ، إذ غاية ما يحصل للمجتهد الظنّ بأنّه ما أمر الله تعالى به واقعا ، إذ الكلام إنّما هو في المسائل الاجتهاديّة ، لا المسائل الضروريّة ، ـ أي العبادات ـ الّتي لا يمكن الحكم (٢) بصحّتها ، وأنّها موافقة لما أمر الله تعالى به إلّا بالظنون الاجتهادية ، لأنّها هي الّتي يقول بها الفقهاء : وأنّه (٣) لا بدّ من الاجتهاد أو التقليد فيها. وأمّا إذا لم يكن الاستناد فيه إلى اجتهاد وتقليد فلا كلام فيه ، مثل الضروريّات.

فنقول : إذا كان المكلّف به هو الأمر الواقعي ، ومعنى التكليف به أنّه مأمور بإتيانه ـ أي إتيان ذلك الواقعي ـ فلازم ذلك تحصيل العلم أو الظنّ المعتبر شرعا ، أي ثبت من الدليل الشرعي أنّ الله جوّزه ، ورضي (٤) به أن يكون عوضا عمّا أمر به في الواقع.

__________________

(١) في ج : ( المعتبر شرعا ) ، بدلا من : ( وظنّه الذي ثبت اعتباره شرعا ).

(٢) في ب : ( العلم ).

(٣) في ألف : ( لأنّها هي الّتي يقول الفقهاء : إنّه. ).

(٤) في ب ، ج ، د : ( ويرضى ).

٣٢

وإلّا فبين الأمر الشرعي الواقعي والظنّ الحاصل للمكلّفين فرق ظاهر ، وتفاوت بيّن ، فكيف يمكن أن يكون أحدهما موضعا للآخر وعوضا بغير رخصة من الشرع وتجويزه؟!

سيّما مع أنّ الشارع صدر عنه ما يدلّ على عدم اعتبار (١) الظنّ ، بل والمنع عن اعتباره ما يزيد على القدر المعتبر في التواتر (٢).

مع أنّ القرآن ـ الّذي هو من المتواترات ـ مذكور ذلك فيه كرّات [ و ] مرّات (٣).

ولذا ترى علماء العامّة ـ فضلا عن الخاصّة ـ في كلّ موضع اعتبروا ظنّا ، ما اعتبروه إلّا بدليل قطعي ، أو ينتهي إلى القطع (٤).

ولذا منعوا عن اجتهاد من لم يحصل له رتبة الاجتهاد ، وحكموا بحرمته ، وإن كان ظنّه مطابقا لظنّ المجتهد ، لأنّ الاعتبار عندهم بكبرى قطعيّة حاصلة للمجتهد ، لا الصغرى الحاصلة من ظنونهم ، وكذا الحال في المقلّد.

فإن قلت : معرفة العبادة أمر خارج عن ماهيّتها ، وهو مأمور بالعبادة.

قلت : لا شكّ في (٥) أنّه مأمور بالعلم والمعرفة ، والأخبار في ذلك متواترة (٦) ، ومضمونها متّفق عليه بين الأمّة ، وأنّها من الواجبات العينيّة.

فإن قلت : لا شكّ في ذلك ، لكن نقول : لعلّ مجرّد المظنّة يكون كافيا في

__________________

(١) في ب : ( اعتباره ).

(٢) لا حظ! وسائل الشيعة : ٢٧ الأبواب ٤ ، ٦ ، ١٢ من أبواب صفات القاضي.

(٣) انظر : الأنعام (٦) : ١١٦ و ١٤٨ ، ويونس (١٠) : ٣٦ و ٦٦ ، والإسراء (١٧) : ٣٦ ، والنجم (٥٣) : ٢٨.

(٤) لا حظ! المستصفى من علم الأصول للغزالي : ٢ / ٣٥٨ و ٣٧٣ و ٣٨٧.

(٥) لم ترد : ( في ) في ب.

(٦) المحاسن للبرقي : ١ / ٢٢٥ باب فرض طلب العلم ، الكافي : ١ / ٣٠ باب فرض العلم ووجوب طلبه ، وسائل الشيعة : ٢٧ الباب ٤ من أبواب صفات القاضي.

٣٣

تحقّق العلم وصدق المعرفة.

قلت : مجرّد المظنّة أمر سوى العلم والمعرفة ، وبين المعنيين فرق بالبديهة ، مع أنّ الوارد في الأخبار أنّه لا بدّ من الأخذ ممّن هو أهله (١) (٢) ، سوى ما ورد (٣) من المنع عن العمل بالظنّ والأمر بالعمل بالعلم ، وغير ذلك ممّا مرّ وسيجي‌ء.

فإن قلت : لا شكّ في ذلك ، لكن نقول : لعلّها تكون واجبة على حدة ، لا شرطا في صحّة العبادة ، ويكون المكلف آثما في ترك تحصيلها ، لا أن تكون عبادته أيضا فاسدة.

قلت : ببالي أنّه وردت الأخبار المتضمّنة لنفي الصحّة بدون الفقه والمعرفة (٤) ، وما يؤدّي هذا المعنى بعنوان الظهور أو النصوصيّة ، لكن الآن ليس عندي من الكتب حتّى أبيّن الأمر.

سلّمنا عدم الورود ، لكن لا شكّ في أنّه يجب علينا الإطاعة ، والآيات (٥) والأخبار (٦) المتواترة في هذا المعنى واضحة الدلالة ، والإطاعة عبارة عن امتثال الأمر عرفا ولغة ، ومعنى امتثال الأمر هو الإتيان بنفس ما أمر به (٧).

__________________

(١) لم ترد : ( وبين المعنيين. ممّن هو أهله ) في ب ، ج ، ه.

(٢) لا حظ! بحار الأنوار : ٢ / ٨٣ الأحاديث ٢ و ٣ و ٥ و ٦ ، وسائل الشيعة : ٧ / ١٣٦ الباب ١١ من أبواب صفات القاضي.

(٣) في ب ، د : ( سيّما مع ما ورد ) بدلا من : ( سوى ما ورد ).

(٤) لا حظ! المحاسن للبرقي : ١ / ٢٢٨ الحديث ١٦٢ ، الكافي : ١ / ٤٣ باب من عمل بغير علم ، بحار الأنوار : ١ / ٢٠٦ باب العمل بغير علم.

(٥) النساء (٤) : ٥٩ ، ومحمّد (٤٧) : ٣٣.

(٦) لا حظ! الكافي : ٢ / ٧٣ باب الطاعة والتقوى ، وسائل الشيعة : ١٥ / ٢٣٣ الباب ١٨ من أبواب جهاد النفس.

(٧) في ب : ( ونعني بامتثال الأمر هو الإتيان بنفس المعرفة ) ، وفي ج : ( وامتثال الأمر هو الإتيان بنفس المعرفة ) ، وفي ه : ( امتثال الأمر الإتيان بنفس المعرفة ).

٣٤

فإن كان المأمور به هو مظنّة المكلّف (١) ، فلا شكّ في تحقّقه بالمظنّة ، لكن قد عرفت أنّه فاسد بالبديهة.

وإن كان المأمور به هو أمرا واقعيا ، فامتثال الأمر لا يتحقّق إلّا بإتيان ذلك الأمر الواقعي ، لا مظنون المكلّف ، كما أنّه لا يتحقّق بالمحتمل البتّة.

نعم ، لو ثبت من الآمر أنّه اكتفى بظنّ عوضا عمّا أمر به في الواقع فهو المتّبع ، عامّا كان ذلك الظنّ أو خاصّا ، على حسب ما ثبت من الآمر.

لكن قد عرفت عدم الثبوت ، بل وثبوت العدم (٢).

مضافا إلى أنّ شغل الذمّة شرعا يقيني ، والشارع قال : لا تنقض اليقين إلّا بيقين مثله (٣).

وأيضا ، هو (٤) مستصحب حتّى يثبت خلافه شرعا.

وأيضا ، العمومات والإطلاقات الدالّة على أنّه مكلف تشمل صورة ما نحن فيه ، لعدم ثبوت التخصيص والتقييد شرعا.

وأيضا ، الإجماع واقع على أنّ شغل الذمّة (٥) شرعا يستدعي البراءة بعنوان شرعي.

وأيضا ، ما ذكرت لا يلائم لقواعد (٦) العدليّة ، فإنّ رجلين لو كانا متساويين في الفعل والعمل من دون تفاوت أصلا ، وكان عبادتهما من أوّل العمر إلى الآخر

__________________

الإتيان بنفس المعرفة ) ، وفي ه : ( امتثال الأمر الإتيان بنفس المعرفة ).

(١) في ب ، ج ، ه : ( التكليف ).

(٢) راجع الصفحتين : ٣٢ و ٣٣ من هذا الكتاب.

(٣) لاحظ! تهذيب الأحكام : ١ / ٨ الحديث ١١ ، وسائل الشيعة : ١ / ٢٤٥ الحديث ٦٣١.

(٤) لم ترد : ( هو ) في ب ، ج ، د ، ه.

(٥) في ألف : ( اشتغال الذمّة ).

(٦) لم ترد : ( لقواعد ) في د.

٣٥

بالظنون الّتي ذكرت ، إلّا أنّه اتّفق خطأ ظنون أحدهما ، وصارت عباداته (١) مخالفة للواقع بخلاف الآخر ، فكيف يعاقب بالنسبة إلى كلّ واحد واحد من واجباته ومحرّماته عقابا ، كلّ واحد من العقابات على حدة ، ولا يمكن وصف شدّة كلّ واحد من العقابات؟! والآخر يعطى الجنّة ومثوباتها (٢) العظيمة الّتي لا يمكن وصف واحد منها ، كلّ ذلك بمحض الاتّفاق ، بأن اتّفق أنّ عبادة هذا صارت خطأ ، واتّفق أنّ عبادة هذا وافقت الواقع ، مع عدم تفاوت أصلا في فعلهما وعنايتهما (٣) ، وبذل جهدهما ، بل وربّما كان العناية (٤) وبذل الجهد من الخاطئ أكثر ، وظنّه أقوى وأشدّ.

فإن قلت : بناء الفقه على الظنون ، والمرء متعبّد بظنّه.

قلت : إن أردت من الظنون ما هو معتبر شرعا فمسلّم ، لكن الكلام في اعتباره ، ولم يثبت ، بل وثبت خلافه كما عرفت ، بل الأوامر الواردة في وجوب تحصيل العلم والمعرفة ، والتأكيدات ، والتشديدات ، والوعيدات ، والتهديدات لم ترد إلّا لأجل أن لا يعتمد على أمثال هذه الظنون.

وإن أردت كلّ ظنّ وأنّ الكلّ معتبر شرعا فممنوع ، بل وفاسد كما عرفت (٥).

مع أنّه يلزم على هذا صحّة عبادته (٦) وإن كانت مخالفة لما أمر به ، بل

__________________

(١) في ب ، د : ( عبادته ).

(٢) لم ترد عبارة : ( على حدة .. ومثوباتها ) في ب ، ج ، د ، ه.

(٣) في ب : ( وعبادتهما ).

(٤) في ب : ( كانت العبادة ).

(٥) راجع الصفحتين : ٣٢ و ٣٣ من هذا الكتاب.

(٦) في ج : ( عباداته ).

٣٦

وفسادها إن كانت على خلاف ظنّه وإن كانت مطابقة للواقع ، بل وحرمتها وعدم جواز فعلها ، بل ووجوب فعلها مخالفة لما أمر به كما أشرنا. وفساد هذا بديهي ، وأنتم أيضا متحاشون عنه.

وأيضا ، يلزم على هذا عدم العقاب على ترك العلم والمعرفة (١) ، بل وكون الظنون الفاسدة علما ومعرفة متّصفة بصفة الوجوب الشرعي ، ويترتّب عليها الثواب والعقاب.

وما ذكر أيضا فاسد قطعا ، مخالف للأدلّة القطعيّة ، واتّفاق جميع المسلمين ، وأنتم أيضا متحاشون عنه.

فإن قلت : تقليد المجتهد أيضا مظنّة.

قلت : نعم ، لكن ليس كغيره ، للإجماع على اعتباره ، وقضاء الضرورة به ، وعمل المسلمين في الأعصار والأمصار عليه ، وآية ( فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ ) (٢) دالّة على اعتباره ، وكذا حديث : فإذا كان العالم كذا وكذا فللعوام أن يقلّدوه (٣). وغير ذلك.

مع أنّه مركوز في خواطر كلّ واحد أنّ كلّ أمر مجهول يرجع فيه إلى أهل خبرته والماهر في فنّه (٤) ، فإذا أراد أن يعرف أنّ درهما هل هو زيف (٥) أم لا يرجع فيه إلى الماهر في المعرفة ، ويبذل جهده في تحصيل الماهر وفي معرفته. وكذا إذا أراد معرفة عيب شي‌ء وإن كان أقلّ من درهم. وكذا يرجع إلى الطبيب

__________________

(١) في ب : ( ترك العمل والعلم ) وفي د : ( ترك العمل والمعرفة ).

(٢) التوبة (٩) : ١٢٢.

(٣) لاحظ! الاحتجاج للطبرسي : ٢ / ٢٦٣ ، وسائل الشيعة : ٢٧ / ١٣١ الحديث ٣٣٤٠١.

(٤) في ب ، د ، ه : ( والماهر فيه ).

(٥) درهم زيف ، أي : ردي‌ء. مجمع البحرين : ٥ / ٦٨.

٣٧

في المرض ، ولو رجع إلى غيره يكون (١) آثما بالبديهة ، مع أنّه فساد أو هلاك دنيوي ، فكيف لا يرجع إلى أطبّاء الأديان؟ مع أنّ خطأه فساد أخرويّ وهلاك سرمديّ! فتأمّل.

فإن قلت : قد ورد في بعض الأخبار حكم الشارع بصحّة عبادة الجاهل ، حيث سأله بأنّه فعل كذا وكذا ، فأجاب بما دلّ على الصحّة (٢).

قلت : هو كما هو ظاهر في الصحّة كذلك ظاهر في عدم وجوب العلم والمعرفة ، حيث ما أنكر عليه أصلا ، بل ولا عاب (٣) عليه مطلقا ، بل وقرّره على ذلك ، فما هو جوابك عن هذا فهو الجواب عن ذلك.

على أنّه لا شكّ في أنّ العبادات ليست ممّا يمكن معرفتها من لغة أو عرف أو عقل ، إذ ليس لأمثال هذه الأمور طريق إليها أصلا وقطعا ، ولا يمكن جعلها واختراعها عند أدائها على حسب ما هو الواقع (٤). بل لا بدّ من أنّه إمّا تقليد من الراوي ، أو اجتهاد من العمومات الشرعيّة ، وهذا الاجتهاد صحيح البتّة ، سيّما بالنسبة إلى ذلك الزمان.

وأمّا التقليد ، فربّما يكون فاسدا ، وربّما يكون صحيحا ، فمن أين ثبت كون فعل الراوي تقليدا فاسدا حتّى تستدلّون به على أنّ الأصل في أفعال المسلمين الحمل على الصحّة؟!

بل الظاهر من حال هؤلاء الرواة عدم التقليد أصلا ، فضلا عن أن يكون تقليد امرأة أو عامّي جاهل ، بل ربّما يحصل بالتأمّل العلم بأنّه لم يكن كذلك.

__________________

(١) في ألف ، ب ، ج ، ه : ( فيكون ).

(٢) لاحظ! تهذيب الأحكام : ٥ / ٧٢ الحديث ٢٣٩ ، وسائل الشيعة : ١٢ / ٤٨٨ الحديث ١٦٨٦١.

(٣) ألف ، ب ، ج ، د : ( عاتب ).

(٤) في ألف : ( حسب ما هو في الواقع ).

٣٨

وسؤاله عن الشارع عليه‌السلام لا يقتضي أنّه ما كان عالما (١) ولا ظانّا بوجه من الوجوه ، إذ قد عرفت أنّه محال أن يصدر عنه ذلك مطابقا لما في الواقع مع عدم الظنّ أيضا. وكذا لا يقتضي أن يكون تقليدا للمرأة والجاهل (٢) ، بل لتصحيح اجتهاده ، كما هو غير خفيّ.

فإن قلت : يلزم من اشتراط المعرفة الحرج في الدين.

قلت : إن أردت أنّ نفس ذلك حرج ، فلا يخفى فساده ، لأنّ المعرفة من الفرائض العينيّة بالإجماع والأدلّة المتواترة ، مع أنّ من هو مسلم يعلم مجملا (٣) أنّ في الدين تكليفات ، واجبات ومحرّمات لا بدّ من امتثالها ، وأنّه فرع معرفتها ، مع أنّ جميع العلماء والصلحاء المرشدين (٤) في مقام الوعظ وغيره أبلغوا ـ غاية الإبلاغ ـ أنّ معرفة التكليفات واجبة ، فتارك المعرفة داخل في النار البتّة ، تكون عباداته (٥) صحيحة أم فاسدة.

نعم ، لو كانت فاسدة يكون عذابه أشدّ ، وهذه الأشدّية لا دخل لها في حكاية الحرج وعدمه ، بعد أن يكون التكليف البتّة ثابتا ، والدخول في النار متحقّقا (٦).

مع أنّ الإنسان مخلوق للمعرفة والعبادة والتشرّع (٧) بالأحكام

__________________

(١) ألف : ( عارفا ).

(٢) في د : ( أو الجاهل ).

(٣) في ب : ( مع أنّ ما من مسلم إلّا ويعلم مجملا ) ، وفي ج ، ه : ( وكلّ مسلم يعلم مجملا ) ، وفي د : ( مع من سلم يعلم إجمالا ).

(٤) في ب : ( والمرشدين ).

(٥) في ألف : ( عبادته ).

(٦) في ج : ( محقّقا ).

(٧) في ب ، ج ، ه : ( والتشريع ).

٣٩

الشرعيّة (١) ، وتهذيب النفس بدفع المهلكات وجلب المنجيات من الأخلاق ، كالرياء والسمعة والعجب وغير ذلك وأضدادها ، وهي في غاية الكثرة ونهاية شدّة الضرر ، مع كمال صعوبة الامتثال ، ولذا لا نرى ممتثلا إلّا وهو من (٢) أو حدي الدهر ، ولا يقتضي ذلك رفع التكاليف بها ، لأنّها ثابتة بالأدلّة ، فالمناط الثبوت بالأدلّة.

فإن ثبت ما نحن فيه فليس بأشدّ من غيره ، وسيّما (٣) مثل الرياء والسمعة والعجب ممّا له دخل في صحّة العبادة وفسادها وخرابها ، وفي غاية الصعوبة دفعها (٤) وعلاجها والخلاص منها ، ويحتاج إلى الجهاد الأكبر.

وقال عزوجل ( قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالاً الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً ) (٥).

وقال ( أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً ) (٦).

وقال( وَأَمّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوى ) (٧)

[ و ] قال ( فَأَمّا مَنْ طَغى وَآثَرَ الْحَياةَ الدُّنْيا فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوى ) (٨).

__________________

(١) لاحظ! الذاريات (٥١) : ٥٦ ، علل الشرائع : ٩ الحديث ١ ، تفسير القمّي : ٢ / ٢٣١ ، تفسير نور الثقلين : ٥ / ١٣٢.

(٢) لم ترد : ( من ) في ج ، د.

(٣) لم ترد : ( وسيّما ) في ج.

(٤) في ج : ( رفعها ).

(٥) الكهف (١٨) : ١٠٣ ، ١٠٤.

(٦) فاطر (٣٥) : ٨.

(٧) النازعات (٧٩) : ٤٠ و ٤١.

(٨) النازعات (٧٩) : ٣٧ ـ ٣٩.

٤٠