الرسائل الفقهيّة

محمّد باقر الوحيد البهبهاني

الرسائل الفقهيّة

المؤلف:

محمّد باقر الوحيد البهبهاني


المحقق: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
المطبعة: مطبعة أمير
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٤٥

أبي عليه‌السلام (١) وأمرني أن أفعل ذلك في شي‌ء كان عليه » (٢).

وما رواه عبد الملك بن عتبة ، قال : « سألته عن الرجل يريد أن أعينه المال ، أو يكون لي عليه مال قبل ذلك فيطلب منّي مالا أزيده على مالي الّذي لي عليه ، أيستقيم أن أزيده مالا وأزيده (٣) لؤلؤة [ تسوى ] مائة درهم بألف درهم فأقول : أبيعك هذه اللؤلؤة بألف درهم على أن أؤخّرك بثمنها وبما لي عليك كذا وكذا شهرا؟ قال : لا بأس » (٤).

والجواب عن هذه الأخبار

أمّا مجملا :

فبأنّها مشتركة ـ جميعا ـ في القصور من حيث السند ، وهو تعالى منع عن العمل بخبر غير العادل ، كما يظهر من الآية (٥) ، والأخبار (٦) ، وإجماع الشيعة في الأعصار والأمصار ، ونقل ذلك الإجماع الشيخ (٧) وغيره ، وحقّق في محلّه.

وخبر غير العادل إنّما يكون حجّة إذا انجبر بالشهرة أو ما ماثلها ، وهنا الأمر بالعكس ، بل وأشدّ ، وفي مقام التعارض أمرنا الأئمة عليهم‌السلام بالأخذ برواية الأعدل (٨) ، لا برواية غير العادل وترك أخبار العدول.

__________________

(١) في المصدر : ( رضي‌الله‌عنه ).

(٢) الكافي : ٥ / ٣١٦ الحديث ٤٩ ، وسائل الشيعة : ١٨ / ٥٤ الحديث ٢٣١٢٧.

(٣) كذا ، وفي المصادر : ( وأبيعه ).

(٤) الكافي : ٥ / ٢٠٦ الحديث ١٢ ، تهذيب الأحكام : ٧ / ٥٢ الحديث ٢٢٦ ، وسائل الشيعة : ١٨ / ٥٥ الحديث ٢٣١٢٩.

(٥) الحجرات (٤٩) : ٦.

(٦) وسائل الشيعة : ٢٧ / ١٣٨ الحديث ٣٣٤١٩ و ١٤٤ الحديث ٣٣٤٣٨ و ١٤٧ الحديث ٣٣٤٤٨ و ١٤٩ الحديث ٣٣٤٥٥.

(٧) عدّة الأصول : ١ / ٣٤١.

(٨) لاحظ! وسائل الشيعة : ٢٧ / ١٠٦ الحديث ٣٣٣٣٤.

٢٨١

وأيضا ، الخبر إذا كان مخالفا للمشتهر بين الأصحاب أمرونا بتركه ، والعمل بما اشتهر (١).

وأيضا ، الخبر إذا لم يوافق ظاهر القرآن أمرونا بترك العمل به (٢) ، وهو تعالى في ستّة آيات أو سبعة هدّد على أكل الربا.

وقد عرفت أنّ الربا أمر معنوي ، لا أنّه لفظ وعبارة ، وعرفت ظهورها في حرمة كلّ منفعة مشروطة ، كما كان دأب الفقهاء واللغة والعرف ، وعند آكلي الربا.

وأيضا ، أمرونا بترك الخبر الّذي يخالف العقل والدريّة (٣) ، كما حقّق في محلّه ، وقد عرفت حال الربا.

وأمّا العامّة ، فلم يظهر [ منهم ] المخالفة للشيعة ، كما عرفت هذا.

وسيجي‌ء بعض جوابات (٤) أخر.

ومع ذلك ، كلّها مشترك في القصور من حيث الدلالة ، كما ستعرف.

ومع ذلك معارضة لما هو أكثر عددا وأصحّ سندا وأقوى دلالة ، وهو المفتي به بين الفقهاء ، والمعتضد بأدلة أخرى ، على حسب ما مرّ مفصّلا.

وغير خفي أنّ مسألة من مسائل الفقه لم تسلم عن تعارض الأخبار والأدلّة ، بل مسائل أصول الدين أيضا ، بل ورد الآيات والأخبار الظاهرة في الجبر والتشبيه ، وغير ذلك ممّا لا يحصى كثرة ، فلا يحسن الأخذ بمجرّد ما يظنّ من

__________________

(١) لاحظ! عوالي اللئالي : ٤ / ١٣٣ الحديث ٢٢٩.

(٢) لاحظ! الكافي : ١ / ٦٩ الأحاديث ١ ـ ٥.

(٣) لاحظ! بحار الأنوار : ٢ / ١٦٠ ـ ١٦١ الأحاديث ١٢ و ١٣ و ٢١ و ١٨٤ الحديثين ٤ و ٥ و ٢٠٦ الحديثين ٩٧ و ٩٨ و ٢٠٨ الحديث ١٠١.

(٤) في ج : ( بعض حزازات ).

٢٨٢

بعض الأخبار ، سيّما أن يكون ضعيفا سندا ودلالة.

وعلى تقدير تسليم الدلالة ، فيكون مهجورا عند الفقهاء ، ومع ذلك يعارضه ما هو أقوى منه بمراتب شتّى ، مع أنّ المسائل الفقهيّة مبنيّة على مرجّح واحد ، فكيف ما نحن فيه لا ينفع فيه المرجّحات ، مع أنّ من المرجّحات فتوى الفقهاء ، سيّما واتّفاقهم في الفتوى؟! ألا ترى أنّ هؤلاء الأعلام وغيرهم يحكمون بأنّ رضاع يوم وليلة ـ مثلا ـ يحرم ، وليس دليله سوى خبر غير صحيح موافق لمذهب العامّة أو أوفق بمذهبهم (١).

وما ورد من أنّه لا يحرم ما لم يكن [ في ال ] حولين (٢) صحيح ، متعدّد ، مخالف لمذهب العامّة ، ومع ذلك لا يفتون به ، وكذا الحال في غالب الفقه ، وغير خفي أنّ المنشأ هو فتوى الفقهاء ، فكيف لا يعتبر في المقام؟ سيّما مع الانضمام بمرجّحات أخر كثيرة كلّ واحد منها يعتبرونه في الفقه على حدة على حدة ، ويبنون الأمر عليه ، بل عرفت أنّ الأمر يؤول إلى العلم بعد التأمّل الصادق.

وأعجب من هذا أنّهم في غير المقام ، وإن رجّحوا حكما إلّا أنّهم يحتاطون احتياطا تامّا ـ كشرب التتن في الصوم وغيره ـ وفي المقام لا يحتاطون أصلا ، ولا يبالون مطلقا ، مع عظم خطره وشدّة ضرره ، بل قد عرفت أنّه مع عدم الترجيح في المقام لا يمكن الحكم بالصحّة ، فكيف مع المرجّحات الكثيرة في جانب الفساد يحكمون بالصحّة البتّة من دون شائبة تأمّل أو احتياط أو تجنّب عن شبهة؟!

وممّا يضعّف دلالة هذه الأخبار ، أنّ المحدّثين من الأخباريّين أيضا فهموا من

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ٧ / ٣١٥ الحديث ١٣٠٤ ، وسائل الشيعة : ٢٠ / ٣٧ الحديث ٢٥٨٦٠.

(٢) لاحظ! وسائل الشيعة : ٢٠ / ٣٨٦ الحديثين ٢٥٨٩٧ و ٢٥٨٩٩.

٢٨٣

هذه الأخبار عكس ما نحن فيه ، وهو ارتكاب المعاملة بشرط القرض ، وهذا حلال عند العلّامة وكثير ممّن وافقه ، وسيجي‌ء الكلام فيه.

قال المحدّث الماهر الشيخ محمّد الحرّ رحمه‌الله في « الوسائل » : باب أنّه يجوز أن يبيع الشي‌ء بأضعاف قيمته ويشترط قرضا أو تأجيل دين ، ثمَّ أتى بهذه الأخبار (١).

وأمّا الجواب مفصّلا :

فلأنّ رواية سلسبيل ـ مع ضعفها ـ ليس فيها دلالة على تحقّق الشرط من طرف المقرض ، إذ لم يزد فيها على أن قال : « فأقرضها سبعين ، وأبيعها شيئا » (٢) ، فلو كان شرطا كان يقول : أقرضها بشرط أن أبيع ، مع أنّه أيضا غير مناسب ، بل المناسب أن يقول : أقرضها كذا بشرط أن تقبل منّي شيئا أو أن تشتري منّي كذا بكذا ، كما لا يخفى.

وربّما كان قوله عليه‌السلام : « واكتب عليها كتابين » (٣) كناية عن جعلها معاملتين ، كلّ واحدة منهما برأسه من دون أن يكون الثاني شرطا في الأوّل.

وربّما يؤيّد ذلك أيضا ما يظهر [ من ] أنّ سلسبيل كانت تعطي بلا مضايقة ، بل كان الإعطاء بالتماس منها لا بسبب شرط المقرض الّذي كانت تريد أن تعطي [ إيّاه ] ربح معاملة (٤) ، لأنّه قال : على أن تربحني ، والربح ظاهر فيه ، ولذا قال : فأقرضها وأبيعها كذا وكذا ، واختيار البيع لأجل اللزوم والاستحكام ، وعدم الاختيار في الرجوع.

__________________

(١) وسائل الشيعة : ١٨ / ٥٤ الباب ٩ من أبواب أحكام العقود.

(٢) في المصدر : ( فأقرضها تسعين وأبيعها ثوب وشي‌ء ).

(٣) الكافي : ٥ / ٢٠٥ الحديث ، وقد مرّت الإشارة إليه آنفا.

(٤) في ب : ( لا بسبب شرط المقرض الّذي يريد أن يعطي ربح معاملة ).

٢٨٤

نعم ، يظهر منها كون الإقراض بطمع الربح ، ولا مانع منه ، بل المانع عند الفقهاء كونه بشرط الربح ، وقد مرّ ما نقلناه عن تفسير علي بن إبراهيم ، وسيجي‌ء الفرق بين الطمع والشرط.

وقوله : « على أن تربحني » أيضا غير ظاهر في الشرط ، بل الظاهر منه التطميع ، أو أعمّ منه ومن الشرط ، والعام لا يدلّ على الخاص.

وعلى تقدير تسليم دلالته على الشرط ، فهو من طرف المستقرض لا المقرض.

قال الفاضل المحقّق أبو طالب الحسيني في رسالته الفارسية في حرمة الربا ما هذا لفظه (١) : ( يعني پنج تومان قرض مى‌دهند ، ودستمالى كه پنجاه دينار ارزش دارد به يك تومان مى‌فروشند ، ومقترض پنج تومان مى‌گيرد ، ودستمال را مى‌خرد به مبلغ مزبور ، وشش تومان سند مى‌نويسد ، اين خوب است ، واگر گويد : پنج تومان بتو قرض مى‌دهم به شرط آنكه دستمال مرا به يك تومان بخرى وأو قبول كند ، ربا حكمي وحرام است.

وهمچنين اگر گويد مبلغ يك تومان قرض مى‌دهم به تو بشرطى كه منافع فلان ملك با من صلح كنى به ده دينار فلوس ، ونيز قبول كند جائز نيست ، به جهت آنكه رباى حكمي است ، واما اگر گويد : مصالحه كردم منافع فلان

__________________

(١) ويمكن توضيح معناه هكذا : ( أي يقرضون خمسة توأمين ، ويبيعون منديلا قيمته خمسون دينارا بتومان واحد ، والمستقرض يأخذ خمسة توأمين ويكتبون هذا العقد في السند ـ ورقة المعاهدة ـ باحتساب سعر المنديل ستّة توأمين ، هذا جيّد لا بأس به. وإن قال له : أقرضك خمسة توأمين بشرط أن تشتري منديلي بتومان واحد وقبل ، فيكون ربا حكميا وهو حرام. وهكذا إن قال له : أقرضك تومانا واحدا بشرط أن تصالحني على منافع الملك الفلاني بعشرة دنانير وقبل ، فهو أيضا حرام ، لأنّه ربا حكمي. وأمّا إذا قال له : صالحتك على منافع الملك الفلاني سنة واحدة بعشرة دنانير بشرط أن تقرضني تومانا واحدا وأجله سنة واحدة ، وقبل وأقرضه بدون أي شرط فهو جيد لا بأس به ).

٢٨٥

ملك را با تو مدت يك سال بده دينار بشرط آنكه مبلغ يك تومان قرض دهى به وعده يك سال بعد از آن مبلغ قرض را دهد بوعده مزبوره وشرطي نكند خوب است ) (١).

فتأمّل فيما ذكره ، حتّى يتّضح لك الحال ، فإنّه رحمه‌الله ذكر أربع مسائل :

الأولى : وفاقيّة ، وهي حيلة صحيحة عند جميع الفقهاء (٢) ، لعدم الشرط (٣).

والثانية : أيضا وفاقيّة.

وكذا الثالثة.

وقد ذكر في رسالته مضمون هاتين المسألتين ، وحكمه بالحرمة مكرّرا متكثّرا ، وهذا هو الّذي ذكرنا اتّفاق الأصحاب على حرمته ، ومحلّ النزاع بيني وبين هؤلاء الأعلام.

وأمّا المسألة الرابعة : فهي محلّ النزاع بين المحقّق (٤) ، والعلّامة (٥) ومن وافقه حتّى الشيخ الحرّ رحمه‌الله (٦).

وذكرنا أنّهم يفهمون من هذه الأخبار هذه الصورة.

ويظهر من كلام السيّد المذكور أنّ شرط المقرض في هذه الصورة أيضا حرام ، فتأمّل ، حتّى تجد أنّ رواية سلسبيل ظاهرة إمّا في هذه الصورة أو في

__________________

(١) لم نعثر عليها.

(٢) في ج : ( عند جميع فقهائنا ).

(٣) حكم المقدّس الأردبيلي رحمه‌الله بحرمة جميع الحيل المذكورة في الفقه إلّا للمضطرّ ، واستظهره من كلام التذكرة أيضا. لا حظ! مجمع الفائدة والبرهان : ٨ / ٤٨٨.

(٤) لاحظ! شرائع الإسلام : ٢ / ٤٧.

(٥) لاحظ! مختلف الشيعة : ٥ / ٣٠٠.

(٦) وسائل الشيعة : ١٨ / ٥٤ الباب ٩ من أبواب أحكام العقود.

٢٨٦

الصورة الأولى الوفاقيّة ، لا في الثانية الوفاقيّة ، فكيف يمكن لهؤلاء الأعلام الاستدلال بها على بطلان فتوى الفقهاء ، والمعارضة بها لأدلّتهم الكثيرة الصحيحة الواضحة ظاهرة الدلالة؟! فضلا عن أن يقدّموا هذه الرواية على جميع أدلّتهم ، ويرجّحوها عليها.

وكذا الحال في رواية الديلمي ، مع أنّ في سندها ضعفا زائدا ، إذ بعد التأمّل يظهر لك أنّ حالها حال رواية سلسبيل ، وأنّه عليه‌السلام قال : « أقرضهم [ الدراهم ] قرضا وازدد عليهم. إلى آخره » (١) ، ولم يقل : أقرضهم بشرط أن تزداد ، مع أنّ المناسب أن يقول : بشرط أن يشتري المستقرض كذا وكذا ، كما مرّ.

والمتبادر من لفظ الإقراض على الإطلاق لعلّه هو الإتيان بنفس القرض من حيث هو هو ، من دون التعدّي إلى معاملة أخرى ، كما هو الحال في جميع المعاملات.

فلذا من وكلّ غيره بفعل معاملة يكون مأذونا في خصوص تلك المعاملة ، أمّا التعدّي إلى معاملة أخرى فلا ، وإن كان بعنوان الشرط في تلك المعاملة كما لا يخفى.

فمن قال لوكيله : أقرض أو استقرض لي لم يكن للوكيل سوى نفس الإقراض أو بحت الإقراض ، لا أنّه يشترط معاملة أخرى أيضا.

ويؤكّد ما ذكرنا ، تأكيده عليه‌السلام بقرضه قرضا.

وممّا ذكر يظهر حال قوله : « وازدد عليهم. إلى آخره ».

وربّما يؤيّده ، أنّه عليه‌السلام أمر بجعل هذا النصف حال النصف الّذي كان يربح ، ولا شكّ في أنّه ما كان مشروطا بالقرض ، فتأمّل جدّا.

__________________

(١) وسائل الشيعة : ١٨ / ٥٦ الحديث ٢٣١٣١ ، وقد سبقت الإشارة إليه.

٢٨٧

فظهر ممّا ذكرنا أنّه ربّما كان الظاهر من الرواية عدم الاشتراط ، بل الظاهر منها أن لا يجعل الربح الّذي زيد (١) شرطا في القرض وجزء لعوض ما أقرضت ، إذ عرفت أن الشرط في العقد جزء له ومن تتمّة العوض ، فإذا جعله شرطا في القرض لا جرم يصير القرض بشرط المنفعة (٢) ، ولذا قال عليه‌السلام : « وازدد عليهم إلى آخره » ، فإنّه كالصريح في جعل الربح المذكور شرطا في معاملة الدقيق لا غير ، فيكون شرط نفع في المعاملة ، فيكون حلالا.

سلّمنا عدم الظهور ، لكن ظهور الاشتراط من أين؟!

سلّمنا ، لكن كون هذا الظهور بحيث يقاوم أدلّة الفقهاء ويترجّح عليها من أين؟!

وكذا الحال في باقي هذه الأخبار.

ومنها : رواية محمّد بن إسحاق بن عمّار ، إذ بالتأمّل يظهر أنّ حالها حال رواية سلسبيل ، ويزيد عليها أنّها في غاية الظهور في صورة العكس ، كما فهمه الأصحاب (٣).

مضافا إلى أنّه يتوقّف استدلالهم بها على ثبوت عدم التفاوت بين تأجيل الدين الحالّ الّذي ظاهره اللزوم ، وبين القرض الّذي هو محض التبرّع.

مع أنّه تعالى سدّ باب الربا لأجل حصول هذا القرض ، وأنّ الفقهاء اتّفقوا على حرمة شرط النفع مطلقا في القرض ، وورد « كلّ قرض يجرّ المنفعة فهو حرام » (٤). إلى غير ذلك ممّا مرّ ، وأنّ كلامنا إنّما هو في شرط المقرض المنفعة

__________________

(١) في ألف : ( الربح الّذي يريد ).

(٢) في ج : ( يصير القرض شرط المنفعة ).

(٣) لاحظ! مجمع الفائدة والبرهان : ٨ / ٣٤٥.

(٤) السنن الكبرى للبيهقي : ٥ / ٣٥٠ ، مجمع الفائدة والبرهان : ٩ / ٦١

٢٨٨

في قرضه.

هذا ، مع أنّ هؤلاء الأعلام طريقتهم ودعواهم عدم التعدّي عن النصوص ، فأيّ نصّ ورد في اتّحاد حالهما؟! ومع العدم فكيف يستدلّون بأمثال هذه الرواية؟ سيّما ويبطلون بها ما دلّ عليه أدلّة الفقهاء الكثيرة الصحيحة الواضحة الدلالة ، فتأمّل!

ومنها : رواية مسعدة بن صدقة ، إذ بالتأمّل يظهر أنّ حالها حال رواية محمّد بن إسحاق بن عمّار ، بل وأسوأ حالا ، إذ ليس فيها ما يشير إلى مشارطة أصلا وبوجه من الوجوه.

مع أنّ فيها إشكالا آخر من جهة قوله عليه‌السلام : « قد فعل [ ذلك ] أبي وأمرني أن أفعل ذلك » (١) ، لأنّ الشيعة ما كانوا يتعاملون مع إمامهم هذه المعاملة وهذه المضايقة بلا شبهة ، كما لا يخفى على المتأمّل المنصف ، لأنّهم ما كانوا يضايقون في تأخير دينهم الّذي على إمامهم مع أنّهم كانوا يعتقدون بأنّه أولى منهم بأنفسهم وأموالهم ، سيّما عوامّهم ، فإنّ حميّتهم في دينهم وسماحتهم في مالهم بالنسبة إلى سيّدهم ومولاهم ومن كان أعزّ عندهم من أموالهم وأولادهم ، بل وأنفسهم أيضا كانت أزيد من حميّة فضلائهم ، وسماحتهم أكثر من سماحة فقهائهم وعلمائهم.

ومع ذلك يبعد في النظر غاية البعد أنّ علماءهم كانوا يفعلون بالنسبة إليهم هذه الأمور ، سيّما وهم كانوا يخرجون أموالا ويصرفونها في طريق محبّتهم وسلوك سبيل إرادتهم ، مثل زيارتهم وصلاتهم وغيرهما ممّا كانوا يتوصّلون به إلى قربهم ومودّتهم ورضاهم وفرحهم ، وخصوصا بعد ملاحظة أنّ طريقة النبي

__________________

(١) وسائل الشيعة : ١٨ / ٥٤ الحديث ٢٣١٢٧ ، وقد مرّت الإشارة إليه آنفا.

٢٨٩

والأئمّة عليهم‌السلام أنّهم عليهم‌السلام إذا استقرضوا أو وقع عليهم دين كانوا يتبرّعون ويتفضّلون بإعطاء الزيادة في غاية الطوع ونهاية الرغبة ، بل وربّما كان الديّانون يضايقون عن الأخذ وهم صلوات الله عليهم يأبون عن عدم الأخذ ولا يرضون إلّا أن يعطوا ، وكانوا يعدّون هذا إحسانا ومستحبّا شرعا ، ويحثّون غيرهم عليه أيضا ، فهم صلوات الله عليهم كانوا يعطون ويحسنون ، وإذا وعدوا يوفون البتّة ، فأيّ داع وحاجة إلى هذه الحيلة والمعاملة ، سيّما وأن يكون بعنوان المشارطة للتأخير والقرض وبالعقود اللازمة؟!

فيظهر ـ إن صحّ أمثال هذه الأخبار ـ أنّهم عليهم‌السلام كانوا يعاملون أمثال هذه المعاملات مع الجاحدين لإمامتهم ، والجاهلين بعلوّ مرتبتهم وهمّتهم ، وهذا لا يلائم ما ادّعاه هؤلاء الأعلام من أنّ أدلّة الفقهاء وأخبارهم ـ الّتي هي مستندهم ـ محمولة على التقيّة.

مضافا إلى ما أشرنا [ إليه ] من أنّ خطبة « نهج البلاغة » (١) ممّا لا يمكن حملها على التقيّة ، فليلاحظ تلك الخطبة ، وكذا بعض الأخبار والأدلّة أيضا ممّا لا يناسبه التقيّة ، فليراجع وليتأمّل (٢).

مضافا إلى أنّ القول بأنّ الحيلة بعنوان الشرط حرام ليس من خصائص العامّة ، بل الشيعة أيضا يوافقونهم.

نعم ، القول بأنّ ما لا شرط فيها أيضا حرام من خصائص العامّة (٣).

__________________

(١) نهج البلاغة ـ المطبوع ضمن المعجم المفهرس لألفاظ نهج البلاغة ـ : ٨٢ ذيل الخطبة ١٥٦.

(٢) راجع! الصفحات : ٢٥٦ ـ ٢٦٧ من هذا الكتاب.

(٣) هذا ليس من خصائص جميع العامّة ، بل الشافعيّة والحنفيّة والظاهريّة حكموا بحليّة الزيادة

٢٩٠

مضافا إلى ما عرفت من أنّ الحيلة لا تتأتّى في الأحكام الشرعيّة ، بل تتأتّى في موضوعات الأحكام ، فلا يمكن تحقّق الحيلة بعنوان الشرط ، كما عرفت من أنّ المنفعة المحرّمة لو كانت شاملة للمعاملة المحاباتيّة فلا يمكن الحيلة ، وإلّا فلا تتحقّق الحيلة ، بل هو تخصيص أو تقييد وحكم على حدة.

وهؤلاء الأعلام يدّعون أنّ حيلتهم ليست بحيلة بل يسمّونه حيلة ، وإلّا ففي الواقع حكم شرعي برأسه ، مع أنّ الظاهر من أخبارهم كونها حيلة ، سيّما رواية الديلمي.

وأيضا ، أمثال هذه الأخبار لا تلائم ما ادّعاه هؤلاء الأعلام من احتمال الكراهة في الأخبار المخالفة لهذه الأخبار ، إذ كيف يصير أنّهم عليهم‌السلام في الأخبار الصحيحة يقولون : من أقرض ورقا فلا يشترط شرطا سوى ورقه الّذي أعطاه (١).

وفي القرض والسلم يقولون : « لا يصلح ، إذا كان قرضا يجرّ شيئا فلا يصلح » (٢) ، بهذا التأكيد يقولون ، بل في استحلال الربا في البيع (٣) قالوا ما به يظهر أنّه في أعلى درجات الحرمة. إلى غير ذلك ممّا مرّ.

وفي هذه الأخبار يقولون : لا بأس مطلقا ، لأنّه نكرة في سياق النفي ، ولا يكتفون به أيضا ، بل يقولون : نحن أيضا نفعله ، وحاشاهم عليهم‌السلام أن يكونوا ممّن يأمرون الناس بالبرّ وينسون أنفسهم ، وممّن يقولون ما لا يفعلون ، ويعظون بما لا يتّعظون ، وينهون عمّا لا ينتهون.

__________________

(١) وسائل الشيعة : ١٨ / ٣٥٧ الحديث ٢٣٨٤٠ ، وفيه : ( من أقرض رجلا ورقا فلا يشترط إلّا مثلها. ).

(٢) وسائل الشيعة : ١٨ / ٣٥٦ الحديث ٢٣٨٣٨.

(٣) في النسخ : ( الربا والبيع ) ، والظاهر أنّ الصواب ما أثبتناه.

٢٩١

ثمَّ إنّه من التأمّل في جميع ما ذكرناه ظهر حال رواية عبد الملك من أنّ الظاهر هو استحلال القرض بشرط المعاملة المحاباتيّة ، ومفاد الرواية هو حيلة المعاملة المحاباتيّة بشرط تأخير أجل الدين ، وأين هذا من ذاك؟!

هذا ، بعد تسليم وضوح الدلالة على الشرط ، وكونه واقعا من الطرفين بحيث يرفع اليد عن جميع أدلّة الفقهاء وفتاواهم بمجرّد هذا الوضوح ، سيّما وأن لا يبقى شبهة أصلا ورأسا ، ولا يحتاج إلى الاحتياط مطلقا ، وخصوصا أنّ هذه الرواية ـ مع ضعفها ـ مضمرة أيضا ، وليس الراوي من الثقات والأجلّة حتّى يقال : إنّ مثله لا يروي عن غير المعصوم عليه‌السلام.

فانظر أيّها العاقل إلى حالة الأدلّة من الطرفين ، واتّفاق الفقهاء ، واتّفاق هؤلاء على خلافهم.

بل من التأمّل في الأدلّة يظهر أنّ استحلال صورة العكس ـ الّتي هي محلّ النزاع بين المحقّق والعلّامة رحمهما‌الله ـ أيضا محلّ الإشكال ، لضعف هذه الأخبار سندا ، بل ودلالة أيضا ، لما عرفت من الإشكال في كون وضوحها بحيث يترجّح على إطلاق الأدلّة المانعة ، بل وكون بعضها في صورة العكس أظهر ، مثل صحيحة يعقوب (١) ، لأنّ ترك الاستفصال يفيد العموم ، والمذكور في السؤال بالترتيب المذكور أظهر أفراده.

مع أنّ الظاهر أنّ السؤال نقل حكاية ، ولعلّ مثل ذلك يكون ظاهرا في مطابقة النقل المحكي بحسب الترتيب أيضا ، فتأمّل.

وممّا ذكر ظهر أنّ المحقّق غير متفرّد ، بل كلّ من حمل صحيحة يعقوب على الشرط لم يوافق العلّامة رحمه‌الله ، ويكون شريكا للمحقّق ، سيّما إذا كان رأيه أنّ

__________________

(١) وسائل الشيعة : ١٨ / ٣٥٦ الحديث ٢٣٨٣٨ ، وقد سبقت الإشارة إليه آنفا.

٢٩٢

الترتيب الذكري يفيد الترتيب ، أو كلمة الواو تفيده ، كالشيخ (١) ومن وافقه.

وممّا يؤيّد الإشكال ، عظم الخطر في الربا ـ كما مرّ ـ واستبعاد الفرق في النظر بين ما إذا تقدّم المحاباة أو تأخّر ، مع أنّ الفقهاء يستبعدون مع ورود النصّ ، ويستشكلون في حكاية العتق بشرط التزويج ، وكونه مهرا ، وحكاية كفالة المال والبدن ، وغير ذلك ، فتأمّل.

ويؤيّد أيضا ، أنّ المستقرض لو شرط المنفعة الّتي ليست بمعاملة ، والمقرض أقرض ، هذا الشرط يكون حراما البتّة ، وأيّ فرق في ذلك بين أن يكون المنفعة معاملة محاباتيّة أو غيرها؟ ولعلّهم في الغير لا ينكرون ، فتأمّل.

ثمَّ إنّ بعض العلماء اعتقد حرمة المشارطة ، لكن يجعل الحيلة ذكر المشارطة والمقاولة سابقا على الإقراض والإعطاء ، زعما منه أنّ الشرط إذا لم يذكر في ضمن العقد يكون لغوا.

وهذا حقّ لو لم يكن الإقراض والإعطاء بناء على الشرط السابق ، وإلّا فلا شكّ في كونه شرط القرض لغة وعرفا ، وعند الفقهاء أيضا ، لعدم التزامهم في العقود الجائزة ما يلتزمونه في اللازمة ، سيّما بالنسبة إلى الشروط والعقود.

مع أنّه لو كان كما زعم لكان معاملة باطلة ، لأنّ ما وقع به التراضي لم تدلّ عليه الصيغة ، وما دلّت عليه الصيغة لم يقع به التراضي.

هذا إن قرؤوا الصيغة ، والغالب عدم القراءة بالنحو الّذي اعتبر ، مع أنّها لو كانت صحيحة لم يكن فرق بينهما وبين النفع بغير معاملة ، فلم يحتج إلى معاملة أصلا ، بل يكفي تقديم الشرط للصحّة وإن لم يكن معاملة أصلا ، مع أنّه على هذا

__________________

(١) عدّة الأصول : ١ / ١٥٢ ، ولمزيد من الاطّلاع راجع : تمهيد القواعد للشهيد الثاني ـ المطبوع مع ذكري الشيعة ـ : ٦٤ ، الفوائد الحائريّة : ٤٣٩ ، مفاتيح الأصول : ١٠١.

٢٩٣

لا يكاد يتحقّق ، لأنّه ليس المتعارف قراءة الصيغة ، ولا ذكر الشرط حال الإعطاء وتسليم القرض ، فتدبّر.

ثمَّ إنّ الطمع والنيّة هو مثل ما يهدي الفقير إلى الأغنياء طمعا منهم في العوض بأزيد ، بل بأضعافه ، ومثل ما يرشى إلى الحكّام والقضاة للحكم لهم ، ومثل أن تؤخذ بنت رجل بعنوان النكاح طمعا في البكارة أو الوجاهة من دون شرط.

والله عالم بأحكامه ورسوله المطهّر وخلفاؤه الاثنا عشر ، صلوات الله عليهم صلاة تنفعنا يوم المحشر.

تمّت الرسالة بعونه وتوفيقه.

٢٩٤

رسالة

في أصالة عدم الصحّة في المعاملات

٢٩٥
٢٩٦

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين ، وصلّى الله على محمّد وآله الطاهرين ، اللهم إيّاك نعبد ، وإيّاك نستعين ونستهدي ، فلا تكلنا إلى أنفسنا القاصرة.

اعلم! أنّ الصحة في المعاملات عبارة عن ترتّب أثر شرعي عليها ، وهي حكم شرعي يتوقّف على دليل شرعي ، فلو لم يكن دليل فالأصل عدم الصحّة حتّى يثبت بدليل ، لأصالة العدم ، وأصالة بقاء ما كان على ما كان.

مثلا : الثمن كان ملكا للمشتري ، والمبيع ملكا للبائع ، فالأصل عدم النقل والأصل بقاؤهما على حالهما حتّى يثبت الخلاف ، للاستصحاب والعمومات والإطلاقات المقتضية لذلك (١) ، والإجماع على ذلك ، كما لا يخفى على المطّلع.

وأيضا ، الحكم الشرعي بالنسبة إلينا منوط بالدليل بلا شبهة ، فعدم الدليل دليل عدمه بالنسبة إلينا ، لأنّ عدم العلّة علّة للعدم (٢).

وأيضا ، الأصل براءة الذمّة عن لزوم أمر من الأمور الشرعيّة وآثارها.

__________________

(١) البقرة (٢) : ٢٧٥ ، النساء (٤) : ٢٩ ، المائدة (٥) : ١.

(٢) في ب : ( علّة العدم ).

٢٩٧

وأيضا ، ورد في الكتاب والسنّة المنع عن الحكم الشرعي بغير ثبوت من الشرع ، مثل ( آللهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللهِ تَفْتَرُونَ ) (١) ، وغير ذلك (٢) ممّا لا يحصى كثرة.

وأيضا ، إجماع المسلمين قاطبة واقع على ذلك ، سيّما الفرقة الناجية.

وبالجملة ، لا تأمّل في أنّ الأصل عدم الصحّة حتّى تثبت بدليل.

فإن قلت : الفقهاء يقولون : الأصل الصحّة.

قلت : مرادهم منه العمومات الدالّة على الصحّة مثل ( أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ ) (٣) وغيره ، ولا شكّ في أنّه إذا دلّ عموم على الصحّة تكون صحيحة البتّة ، فالعموم دليل ، والكلام في أنّه ما لم يكن دليل على الصحّة فالأصل عدمها.

فإن قلت : فأيّ فائدة في هذا الأصل بعد تحقّق العموم؟

قلت : الفائدة أنّه كثيرا ما لا يثبت الصحّة من العموم ، مثلا : إذا أردنا إثبات صحّة بيع من عموم ( أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ ) (٤) ، فلا شكّ في أنّ إثباتها يتوقّف على أمور :

الأوّل :

ثبوت كون ذلك بيعا حقيقة في اصطلاح الشرع ، فيحتاج إلى استفراغ الوسع ، وبذل الجهد بحسب الطاقة في تحصيل اصطلاح الشارع وما هو الحقيقة في محاوراته في ذلك الزمان ، فلا يمكن الإثبات لغير المجتهد.

وأمّا المجتهد ، فإن حصّل الاصطلاح فذلك ، وإن لم يحصّل ـ كما هو الظاهر

__________________

(١) يونس (١٠) : ٥٩.

(٢) لاحظ! بحار الأنوار : ٢ / ١١١ الباب ١٦.

(٣) البقرة (٢) : ٢٧٥.

(٤) البقرة (٢) : ٢٧٥.

٢٩٨

من أنّه لا يحصّل ـ فلا بدّ من تحصيل المعرفة بكونها بيعا حقيقة ، عرفا أو لغة ، والمعرفة إنّما تكون بالأمارات المذكورة في أصول الفقه ، إذ مجرّد إطلاق البيع عليه لا يقتضي أن يكون حقيقة ، لأنّ الاستعمال أعمّ من الحقيقة عند معظم المحقّقين من الفقهاء ، والمجاز خير من الاشتراك عندهم.

مع أنّ الاشتراك أيضا لا ينفع مجرّدا عن القرينة بالنسبة إلى اللفظ ، كما أنّ المجاز لا ينفع بالنسبة إلى اللفظ مجرّدا عن القرينة ، فلا يتأتّى الإثبات من هذه الجهة أيضا إلّا للمجتهد العارف بالأمارات الأصولية ، وحجّية تلك الأمارات.

مع أنّه ربّما لا يتأتّى في موضع أمارة من تلك الأمارات ، فلا يثبت الصحّة.

وإذا تحقّق الأمارة ، وثبتت الحقيقة العرفيّة أو اللغويّة ، فلا يكفي ذلك ما لم يضمّ إليه أصالة عدم التغيّر والتعدّد ، حتّى يثبت كون ذلك اصطلاح الشارع أيضا ، لأنّ المعتبر هو اصطلاح زمان صدور ذلك الكلام ، كما هو الظاهر ومحقّق في موضعه.

وربّما لا يتأتّى أصالة عدم التعدّد والتغيّر ، لثبوت التعدّد ، أو ظهور التغيّر مع عدم مرجّح ومعيّن.

الثاني :

ثبوت كونه من الأفراد المتعارفة للبيع الحقيقي ، لأنّ المفرد المحلّى باللام غير موضوع للعموم ، فالعموم الحاصل منه لا يزيد عن الأفراد المتعارفة (١) ، ولا يشمل الفروض النادرة.

مع أنّه على تقدير كون عمومه من قبيل عموم الموضوع للعموم ، فربّما يتأمّل في شموله للفروض النادرة أيضا ، فتأمّل.

__________________

(١) في ج : ( لا يراد به غير الأفراد المتعارفة ).

٢٩٩

الثالث :

ثبوت أنّ الحلّية تستلزم الصحّة في المقام ، والظاهر ثبوته كما لا يخفى على المتأمّل ، إذ ظاهر أنّ المراد ليس حلّية قراءة صيغة البيع ، بل المراد حلّية نفس البيع ، وهو أمر كانوا يرتكبونه بعنوان الانتقال واللزوم ، فالله تعالى قرّرهم على ذلك ، فتدبّر.

الرابع :

عدم تحقّق نهي من الشارع عليه‌السلام عن الّذي يراد إثبات صحّته ، لا بعنوان الخصوص ولا بعنوان العموم.

والمناهي الخاصّة لا ضبط لها ، بل هي مذكورة في مواضعها ، وأمّا العامّة فسنشير إليها.

فساد المعاملة بالنهي

وإنّما قلنا : عدم تحقّق نهي من الشارع لأنّ الفقهاء منهم من يقول : بأنّ النهي في المعاملات يقتضي الفساد ـ وهم الأقلّون (١) ـ فالمعاملة المنهي عنها فاسدة عندهم البتّة.

وأمّا القائلون بعدم اقتضائه الفساد فيها ـ وهم الأكثرون (٢) ـ فإنّهم يقولون بذلك فيما إذا ثبت صحّته من دليل لا ينافيه النهي ، ولا يضاده التحريم.

فإذا لم يثبت صحّته أصلا لم يكن صحيحا ، مع قطع النظر عن ورود النهي عنه ، فكيف إذا ورد النهي عنه؟! إذ لا شكّ في فساد مثله عندهم ، لما عرفت ،

__________________

(١) لاحظ! الذريعة للسيّد المرتضى : ١ / ١٨٠ ، عدّة الأصول : ١ / ٩٩ ، معالم الأصول : ٩٦.

(٢) لاحظ! الهامش السابق.

٣٠٠