الرسائل الفقهيّة

محمّد باقر الوحيد البهبهاني

الرسائل الفقهيّة

المؤلف:

محمّد باقر الوحيد البهبهاني


المحقق: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
المطبعة: مطبعة أمير
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٤٥

إذا عرفت هذا ، فاعلم أنّ السكر ليس مقصورا فيما ذكره المتأخّرون من أنّه لا يعرف السماء من الأرض ، وأمثال ذلك ، بشهادة الأخبار والعرف واللغة والاعتبار وقول الأطبّاء.

أمّا الأخبار ،

فبما رواه أبو الجارود ، عن الباقر عليه‌السلام « عن النبيذ ، أخمر هو؟ قال : ما زاد على الترك جودة فهو خمر » (١).

وفي توقيع الصاحب عليه‌السلام : « إذا كان كثيره يسكر أويغيّر ، فقليله وكثيره حرام » (٢).

وما رواه السكوني عن علي عليه‌السلام أنّه اتي بشارب الخمر فاستقرأه ، فقرأ القرآن ، فألقى رداءه في أردية الناس ، فلم يخلّصه فحدّه (٣).

وأمّا العرف ،

فيقسّمون السكر إلى مزيل العقل وغير مزيل ، والفقهاء أيضا قسّموا ذلك ، منه في تزويج السكران نفسه (٤)

وربّما ترى بعض السكرانين حركاتهم وكلماتهم مضبوطة وشعورهم بحالة بحيث يكون الجاهل بحاله يعتقد عدم سكره ، لكن تصدر منه اختلالات دقيقة يسيرة (٥) ، والعارف بحاله يقول : هذا من سكره.

__________________

(١) الكافي : ٦ / ٤١٢ الحديث ٥ ، وسائل الشيعة : ٢٥ / ٣٤٣ الحديث ٣٢٠٨٠.

(٢) الاحتجاج للطبرسي : . ، وسائل الشيعة : ٢٥ / ٣٨٣ الحديث ٣٢١٨٤.

(٣) من لا يحضره الفقيه : ٤ / ٥٣ الحديث ١٩١ ، تهذيب الأحكام : ١٠ / ٩٧ الحديث ٣٧٦ ، وسائل الشيعة : ٢٥ / ٢٣٧ الحديث ٣٤٦٤٩ ، وفيها : ( أنّه اتي بشارب الخمر واستقرأه القرآن فقرأ ، فأخذ رداءه فألقاه مع أردية الناس وقال له : خلّص رداءك ، فلم يخلّصه ، فحدّه ).

(٤) لاحظ! مختلف الشيعة : ٢ / ٥٣٨ ، نهاية المرام : ١ / ٣٠.

(٥) في النسخ : ( يشيره ) ، والظاهر أنّ الصواب ما أثبتناه.

١٠١

[ وأمّا اللغة ، ]

فقال المفلح : ( اختلف الأصحاب في تعريف السكر ، قيل : ما يحصل به اختلال الكلام المبطون وظهور السرّ المكنون ، وقيل : هو ما يغيّر العقل ويحصل معه نشوة وسرور وعربدة فإذا حصل مع ذلك تغيير الحواس الخمس فهو المرقد (١) ، والمعتمد صدق المسكر بكلّ واحد من هذه الأشياء ، فإذا غلا التمر أو الزبيب حتّى [ صار ] أسفله أعلاه وحصل فيه القوّة المسكرة الّتي تفعل بالمزاج أحد هذه الأشياء حرم ، وإلّا فلا ) (٢).

وقال محقّق في اللغة في ترتيب السكر : ( إذا شرب الإنسان فهو نشوان ، وإذا (٣) دبّ فيه الشراب فهو ثمل ، فإذا مرّ عقله فهو سكران (٤) ، فإذا زاد امتلاء فهو سكران طافح ، فإذا كان لا يتماسك ولا يتمالك فهو ملتحّ وملطخ (٥) ، وإذا كان لا يعقل شيئا من أمره ولا ينطلق لسانه قيل : سكران (٦) [ باتّ ] (٧).

وقال في باب أوائل الأشياء : ( النشوة أوّل السكر ) (٨).

وفي « النهاية » : ( الانتشاء أوّل السكر ومقدّماته ) (٩).

__________________

(١) في النسخ : ( المرتد ) ، والظاهر أنّ الصواب ما أثبتناه.

(٢) لم نعثر عليها.

(٣) كذا ، وفي المصدر : ( وإن ).

(٤) كذا ، وفي المصدر : ( فإذا بلغ الحدّ الّذي يوجب الحدّ فهو سكران ) بدلا من : ( فإذا مرّ. سكران ).

(٥) لم ترد : ( وملطخ ) في المصدر.

(٦) في النسخ : ( فهو سكران ) ، بدلا من : ( قيل : سكران باتّ ) ، وما في المتن أثبتناه من المصدر.

(٧) فقه اللغة وسرّ العربيّة : ٢٧٦.

(٨) فقه اللغة وسرّ العربيّة : ١٩.

(٩) النهاية لابن الأثير : ٥ / ٦٠.

١٠٢

وأمّا الأطبّاء ،

فقالوا في مقدار الشرب : ما دام السرور بترديد (١) والحركات نشيطة والذهن سليما ، فلا تخف من إفراط الشرب.

وأمّا الاعتبار ،

فشارب المسكر الّذي يزيل العقل لا يزول عقله دفعة واحدة ، بل يحسّ أوّلا بالتغيّر ثمَّ لا يزال يزداد حتّى يذهب ، ولا شكّ أنّ هذا التغيّر من جملة السكر وأوّل درجته الضعيفة ، ولا شكّ أنّ الشارع لا يرضى بهذا أيضا.

ثمَّ التغيّر السكري كما يتفاوت درجاته بتفاوت الأزمنة ، كذا يتفاوت بتفاوت الكمّية والمقادير ، فإنّ الفنجان منه يحدث تغيّرا بحسب مقداره ، فما زاد على هذا المقدار فيزداد بحسب ازدياده ، وكذا يتفاوت بتفاوت الكيفيّة ، فالخمر الردي‌ء ـ عند الشاربين ـ يحدث سكرا ضعيفا ، فكلّما يكون أردأ فيكون السكر أضعف ، وكلّما يكون أجود يكون السكر أزيد وأشدّ على تفاوت المراتب ، وكذا يتفاوت سرعة وبطء.

وأيضا ، مزاج العنب لا ينقلب إلى مزاج الخمر دفعة واحدة ، والتغيّر منه إليه لا يحصل بتمامه وكماله (٢) في آن واحد ، بل أوّلا يستعدّ لعروض شي‌ء من الحالة الخمريّة وبعده يحدث فيه من أثر الخمريّة ـ أثر ضعيف لا يشعر به إلّا الحذّاق الماهرين (٣) في فنّ السكر ـ ثمَّ لا [ يزال ] يزداد الأثر ويتقوّى إلى أن يزول المزاج العنبي وخاصّياته بالمرّة ويكمل المراج الخمري وخاصّياتها ، ثمَّ لا يزال يزداد جودة إلى أن [ يبلغ ] درجة الكمال ، هذا الشرب الريحاني ، فإذا [ أرادوا ]

__________________

(١) كذا في النسخ ، والظاهر أنّ الصواب : ( يتزايد ).

(٢) في النسخ : ( بتمامه وكلامه ) ، والظاهر أنّ الصحيح ما أثبتناه.

(٣) في النسخ : ( إلّا المذاق من الماهرين ) ، والظاهر أنّ الصواب ما أثبتناه.

١٠٣

أن يجعلوه شرابا آخر يدخلون فيه أدوية أخر ومغيّرات ومشدّدات.

فعلى هذا القول ، لا مانع من أن يكون بالغليان والنشيش ما يحدث فيه الدرجة الضعيفة من السكر ، يعني شيئا ضعيفا من أثره وإن لم يكن يسمّى في العرف خمرا ولم يجعل داخلا في جنسه ، ويكون الشارع حرّم هذا لكونه درجة من درجات السكر ومرتبة من مراتبه وإن كانت ضعيفة غاية الضعف بحيث لا يحسّ به إلّا الحذّاق الماهرين (١) في الفنّ ، كيف وهو حرّم القطرة والذرّة ـ على حسب ما أشرنا إليه ـ مع عدم سكر أصلا حسما لمادّة الفساد؟!

فإن قلت : القطرة والذرّة خمر لغة وعرفا ، وما ذكرت واحتملت من الأثر فلا يصدق عليه السكر عرفا ، والمناط هو العرف واللغة.

قلت : العرف مناط إذا لم يظهر من الشرع اصطلاح ، كما هو المقرّر ، وقد ظهر منه ما ظهر ، والفقهاء القدماء الخبيرون الفاضلون المعاصرون الشاهدون السالمون من الشبهات والاجتهادات فهموا ما فهموا ، وأفتوا بما أفتوا ، وأجروا جميع أحكام الخمر ما أجروا ، والرواة حين سألوا عن بدء تحريم الخمر واتّخاذه فأجيبوا بحكاية الثلث والثلاثين فقط ، من دون تعرّض إلى أمر آخر ، فسكتوا بمجرّد ذلك وقنعوا من دون تأمّل ولا تحيّر ولا تزال. إلى غير ذلك ممّا أشرنا إليه.

على أنّه غير خفي أنّ المناط في المقام ليس الصدق العرفي ، بل ما هو أثر الخمر وعاقبتها وإن كان أثرا ضعيفا ، وأدنى عاقبة منها ، بل ولو على سبيل الاحتمال أيضا ، كما عرفت مفصّلا.

ألا ترى أنّ الطبيب إذا قال لمريض : يضرّك ويهلكك الخلّ والأشياء

__________________

(١) في النسخ : ( إلّا المذاق الماهرين ) ، والظاهر أنّ الصحيح ما أثبتناه.

١٠٤

الحامضة وكلّ حموضة وإن كان أدنى حموضة ، يحترز المريض البتّة من العنب والرطب ، وغيرهما من الثمرات الحلوة ، والطبيخات والنقيعات والأشربة ، وغير ذلك إذا حدث فيها حموضة ما بزيادة مكث أو حرارة هواء ، وإن كان أدنى حموضة ، وإن لم يصدق عليها أنّها خلّ ولا يصدق عليها أنّها حامضة ، من كون حموضتها في غاية الضعف ، والحلاوة وغيرها في غاية القوّة ، اللهم إلّا أن يقول الطبيب : إنّ الحلاوة تجرّ ضدّ الحموضة فلا بأس بالشرب ، فلو صرّح بعدم الجرّ وبقاء الضرر فلا شكّ أنّه يحترز مثله ولا يلاحظ الصدق العرفي.

وغير خفي على المطّلع بالأخبار والتشديدات والمضايقات الشرعيّة بالنسبة إلى السكر ـ على حسب ما نبّهنا عليه ـ أنّ السكر بأيّ درجة يكون لا يجبره شي‌ء.

هذا ، مضافا إلى أنّه ما وجدنا من جرّب جميع الأمزجة فوجد أنّه لا يحدث في مزاج من الأمزجة درجة ضعيفة من السكر ولو بالإفراط من الشرب ، بل ما الكلّ المنجرّ في الجملة يتغيّر الدراكة ، فلا عجب من أن يكون بإفراط الشرب هنا يتغيّر الدراكة ، ويكون هذا من باب النشو والخمار ، والأوّل من باب التجار.

والحاصل ، أنّ بعد صدور ما صدر من الشارع والفقهاء القدماء ورواه الأحاديث على التفصيل الّذي نبّهنا [ عليه ] لا وجه لدعوى الضرورة ، سيّما مع عدم تجربة الأمزجة ، وكون السكر متفاوت الدرجة ، وغير ذلك.

مع أنّ ما ذكرنا محتمل ، وإن لم يثبت ، فلا وجه لادّعاء الضرورة وإثبات اللغة بذلك ، والطعن في الأخبار وكلام القدماء ، والإعراض عنها بالنسبة إلى ما صدر في العصير العنبي ، لأنّه غير قابل للتوجيه ، كما لا يخفى على المنصف.

١٠٥

وعلى تقدير القابليّة ، فلا وجه للتوجيه والتأويل ثمَّ الطعن بأنّ الحكم بالنجاسة لا دليل له ، وكذا الحكم بوجوب حدّ الشرب ، مع أنّ الثاني ، مسلّم الكلّ ، والأوّل حكم به معظم الفحول وأكثر الفقهاء المتديّنين الورعين المحتاطين في الفتوى ، سيّما القدماء الّذين فتواهم مقرون على النصوص ، وعارون عن الاجتهادات والأقيسة.

وممّا ذكرنا ظهر فساد باقي أدلّة هذا الفاضل ، إذ من (١) جملة أدلّته الأخبار الواردة في باب أصل تحريم الخمر مدّعيا ظهور انحصار حكاية ذهاب الثلاثين في العنب.

وفيه ـ مضافا إلى ما عرفت ـ أنّ الانحصار غير ظاهر ، إذ إثبات الشي‌ء لا ينفي ما عداه ، مع أنّ في بعض النسخ موضع « الحبلة » « النخلة » (٢) ، وهذا أيضا ممّا [ يضرّ ] بالاستدلال.

فإن قلت : لمّا كان في الخبر الآخر موضع « الحبلة » « الكرم » (٣) ، عيّن هذا فساد تلك النسخة ، لأنّ الحكايتين في منازعة نوح مع الشيطان.

قلت : يجوز أن يكون نزاعه معه وقع في التمر أيضا ، كما وقع نزاعه مع آدم وحوّاء ، حيث وقع في التمر أيضا.

فإن قلت : الأقرب كون الحكايتين لمحكي واحد.

[ قلت ] : الأقرب أن يكون نزاعه مع آدم وحوّاء أيضا كذلك ، على أنّا نقول : الوارد في نزاع نوح لفظ « الكرم » و « الحبلة » ، فمن أين ظهر الحصر في العنب حتّى يدلّ أنّ الزبيب ليس كذلك.

__________________

(١) في النسخ : ( أو من ) ، والظاهر أنّ الصواب ما أثبتناه.

(٢) لاحظ! مرآة العقول : ٢٢ / ٢٤٩ الحديث ٣.

(٣) لاحظ! الكافي : ٦ / ٣٩٥ الحديث ٤.

١٠٦

وإن قلت : في أحد الخبرين في آخره : « إذا أخذت عصيرا فاطبخه حتّى يذهب الثلثان » (١).

قلت : إنّه يستدلّ بهذه الأخبار على انحصار إطلاق العصير في العنب ، فما ذكرت (٢) يصير دورا واضحا ، مع أنّ في كونه قرينة أيضا تأمّلا (٣) ، فتأمّل.

فإن قلت : صرّح في منازعة آدم عليه‌السلام بلفظ العنب ، فهو قرينة.

قلت : ما في نزاع آدم يصير قرينة لما في نزاع نوح ، ولا يصير قرينة لما في نزاع نفسه وحوّاء ، كما ورد في رواية إبراهيم (٤) ممّا ذكره بحكم واضح ، كما لا يخفى.

ومن أدلّته ،

أنّهم عليهم‌السلام قالوا : « كلّ مسكر حرام » جوابا لمن سأل عن حكم النبيذ (٥) ، زعما منه أنّ النبيذ هو مجرّد ماء التمر فيخصّص الحرمة بالتمر ، وقد عرفت ما فيه.

ومنها ،

رواية يزيد بن خليفة أنّ غلامه كان يشرب النبيذ ويشرب بمشاركته ، فقال له عليه‌السلام : « أنظر شرابك هذا الّذي تشربه ، فإن كان يسكر كثيرة فلا تقرّبن قليله ، فإنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : كلّ مسكر حرام ، وقال : ما أسكر كثيره فقليله حرام » (٦).

وفيه ـ مضافا إلى ما عرفت ـ أنّ الاستدلال مبني أيضا على ذلك الزعم ، وقد عرفت فساده ، مع أنّ في المقام قرينة على أنّ الّذي كانوا يشربونه في تداعيهم

__________________

(١) الكافي : ٦ / ٣٩٤ الحديث ٣ ، وسائل الشيعة : ٢٥ / ٢٨٤ الحديث ٣١٩١٦.

(٢) في النسخ : ( ممّا ذكرت ) ، والظاهر أنّ الصواب ما أثبتناه.

(٣) في النسخ الخطّية : ( سبالا ) ، فقدّرنا أنّها كما في المتن.

(٤) الكافي : ٦ / ٣٩٣ الحديث ٢ ، وسائل الشيعة : ٢٥ / ٢٨٣ الحديث ٣١٩١٥.

(٥) لاحظ! الكافي : ٦ / ٤٠٨ الحديث ٤ ، وسائل الشيعة : ٢٥ / ٣٣٦ الحديث ٣٢٠٦٢.

(٦) الكافي : ٦ / ٤١١ الحديث ١٦ ، وسائل الشيعة : ٢٥ / ٣٤٠ الحديث ٣٢٠٧٠.

١٠٧

هو المسكر المعهود ، لأنّه هو الّذي يشرب في مقام العيش والسرور ، وينبّه على [ ذلك ] أنّ الإمام عليه‌السلام لم يستفصل من يزيد أنّ نبيذهم هل هو من المسكر أم لا ، فلعلّه لم يكن من المسكر ولم يحتج إلى الإنكار.

وبالجملة ، لا خفاء في أنّ نبيذهم كان مسكرا ، فالشرط وارد مورد العادة ، ومثله لم يكن له مفهوم حجّة ، وأحتمل أن يكون الغرض [ من ] الكذب مثل قول الناس : إن كان قول الله صدقا فكذا ، أو يكون شرطهم مقصورا في القليل ، بناء على أنّ كثيرة يسكر وكانوا يحترزون عن السكر ، ويظهر ذلك من الأخبار المتعدّدة فيها (١).

وكذا أنّه بعد ما نقل الصادق عليه‌السلام قول الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله : « كلّ مسكر حرام » قال له الرجل : إنّ من عندنا يقولون : عنى بذلك القدح [ الّذي ] يسكر (٢). الحديث ، ولعلّ [ هذا ] هو السرّ في أنّ الأكثر (٣) تعرّضوا لهذا المعنى من دون منشأ.

سلّمنا ، لكن المفهوم لا عموم له عند المحقّقين.

وبالجملة ، فرق بين أن يقول : إن كان يسكر فلا تشرب ، وإن كان كثيره يسكر فلا تشرب قليله.

ومن أدلّته ،

رواية وفد اليمن حين بعثوا جمعا منهم ، فسألوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عن النبيذ ، فقال : « وما النبيذ؟ » ، فقال : يؤخذ ماء التمر فيطبخ فإذا انطبخ القوة في إناء آخر (٤) وصفّوه ثمَّ يصبّ عليه من عكر ما كان قبله ، ثمَّ يهدر ويغلي ، ثمَّ يسكن على عكره ، فقال : « قد أكثرت عليّ أفيسكر؟ » قالوا : نعم ، قال : « حرام » ، ثمَّ

__________________

(١) لاحظ! وسائل الشيعة : ٢٥ / ٣٣٦ الباب ١٧ من أبواب الأشربة المحرّمة.

(٢) لاحظ! الكافي : ٦ / ٤٠٩ الحديث ١١ ، وسائل الشيعة : ٢٥ / ٣٣٩ الحديث ٣٢٠٦٨.

(٣) في النسخ الخطيّة : ( في أن أكثر ) ، والظاهر أنّ الصواب ما أثبتناه.

(٤) في النسخ : ( القوة وأما آخر ) ، وما أثبتناه في المتن هو الموافق للمصادر.

١٠٨

رجع الوفد إليه صلى‌الله‌عليه‌وآله فسألوه مشافهة فكان السؤال والجواب على طبق السابق (١).

قال رحمه‌الله : هذه الرواية واضحة الدلالة على إباحة ما مسّه النار ، لاشتمالها على استفصال ، وقصر التحريم فيها على المسكر ، مع أنّ المقام يقتضي شدّة الحاجة إلى بيان ما يحتاجون إليه في الحال. انتهى (٢).

قلت : إنّه رحمه‌الله اعترض على رواية عمّار بأنّه فطحي ، مع أنّ الرواية موثّقة ، ونقل الشيخ إجماع الشيعة على العمل بروايته (٣) ، ويرى الأمر كذلك ، إذ لا يكاد يوجد باب من أبواب الفقه إلّا وعملوا بروايته ، بل ورجّحوا على روايات غيره ، بل وربّما كانت صحيحة ، ومع ذلك استدلّ بمثل هذه الرواية مع كونها في غاية الضعف.

مضافا إلى أنّ هذه الحكاية على ما نقله العامّة (٤) وذكره مشايخنا في القدماء من مثل المرتضى رحمه‌الله (٥) ، وكذا المتأخّرين من قبيل ابن الجمهور (٦) إنّما هي في شراب الذرّة ، ويشير إليه ملاحظة حال اليمن (٧) من كون شرابهم من الذرّة ، لأنّها الغالب التحقّق ، فلعلّ أنّ أحدا من الرواة توهّم ذلك موضع هذا.

وفيه (٨) ـ مضافا إلى ما ذكر من ثبوت عدم السكر أصلا ورأسا على

__________________

(١) لاحظ! الكافي : ٦ / ٤١٧ الحديث ٧ ، وسائل الشيعة : ٢٥ / ٣٥٥ الحديث ٣٢١١٣.

(٢) رسالة الشيخ أبي الحسن سليمان بن عبد الله البحراني. غير متوفّرة لدينا.

(٣) لم نعثر في كتب الشيخ على نقل إجماع الشيعة على العمل بروايته ، نعم ، قال في عدّة الأصول : ١ / ٣٨١ ما نصّه : ( فلأجل ما قلناه عملت الطائفة بأخبار الفطحيّة ، مثل : عبد الله بن بكير وغيره ) ، وبهذا وشبهه استدلّ العلماء على وثاقة عمّار وغيره من الفطحيّة.

(٤) صحيح مسلم بشرح النووي : ١٣ / ١٧١ ، السنن الكبرى للبيهقي : ٨ / ٢٩٢.

(٥) الانتصار : ١٩٨.

(٦) عوالي اللئالي : ١ / ٣١٦ الحديثان ٤٠ و ٤٢.

(٧) في النسخ الخطّية : ( حال التمر ) ، والظاهر أنّ الصواب ما أثبتناه.

(٨) في النسخ الخطّية : ( ومع ) بدلا من ( وفيه ) ، ولكنّا قدرنا أن الأنسب بالعبارة هو ما ذكرناه.

١٠٩

حسب ما مرّ ـ أنّ السائل وإن كان سأل عن المطبوع إلّا أنّه بعد كان مشغولا في تتمّة الوصف ، ما كان له أن يبادر بالجواب ، لأنّ الطبخ ربّما يومي إلى كمال طبخ.

ثمَّ إنّ السائل لمّا قال : يلقى عليه من العكر ويهدر ويغلي ويسكن على عكره ، فهم أنّ سؤالهم عن المسكر ، كما فهم سائر الأئمّة عليهم‌السلام في أحاديث كثيرة من هذه العبارات ذلك ، ولذا بادروا بالحكم بالحرمة من دون تأمّل ولا استفصال.

فلعلّ استفهامه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم استفهام تقريري ، يومئ إلى ذلك قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « قد أكثرت عليّ » ، إذ أنّه لا إكثار في مقام التوصيف ، لتوقّفه على إتمام الصفات ، بل مراده صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّ من العبارات الأخيرة ظهر أنّ ما ذكرت مسكر فهلّا ذكرت أوّلا بأنّه مسكر واستغنيت بهذا [ عن ] التطويل (١)؟ ويمكن أن يكون سؤاله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من جهة أنّ العبارة وإن كان ظاهرا إلّا أنّ التصريح أولى ، ويمكن أن يكون العبارة غير ظاهرة لكن لمّا كانت موهمة لذلك سأل (٢).

على أنّه قد ذكر العامّة عن الرسول حكاية عدم شرب [ ما مسّته ] نار أو [ طال ] مكثه (٣) ، وقد أشرنا إلى نبيذ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

وكان العبّاس أيضا في سقاية زمزم ينبذ بالغداة ويشرب بالعشيّ ، كلّ ذلك قد أشير إليها ، فرسول الله أولى بالمعرفة ، بل الظاهر أنّ فعل العبّاس بأمر الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

وبالجملة ، لعلّه لا خفاء في أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يعرف أنّ النبيذ منه حلال ومنه

__________________

(١) في النسخ الخطيّة : ( أنّ ما ذكرت مسكر مهلا ذكرت أولا بأنّه مسكر واستغلب بهذا التطويل ) ، والظاهر أنّ ما يريده المصنّف هو ما ذكرناه.

(٢) في النسخ : ( لذلك سبيل ) ، والظاهر أنّ الصحيح ما أثبتناه.

(٣) لاحظ! سنن النسائي : ٨ / ٣٣١ باب الوضوء ممّا مسّت النار.

١١٠

حرام ، وغرضه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من السؤال عن الوصف استعلام أنّ مسؤولهم هل هو من الحرام أو الحلال ، فلمّا عرف أنّه من الحرام قال : « أيسكر؟ قالوا : نعم ، فقال : حرام.

وممّا ينادي إلى ما ذكرنا ، إتيانه بكلمة « فاء » بعد همزة الاستفهام ، حيث قال : « أفيسكر؟ » ، ولم يقل : أيسكر؟ ، فتدبّر!.

وقوله : ( مع أنّ المقام. إلى آخره ) (١).

فيه ، أنّهم لم يسألوا عن حكم ماء التمر ، بل سألوا عن حكم ما هو مسكر ، فأجابهم بما احتاجوا إليه في الحال.

ومن جملة أدلّته ،

رواية مولى جرير بن يزيد أنّه سأل الصادق عليه‌السلام (٢) : « إنّي أصنع الأشربة من العسل وغيره ، فإنّهم يكلّفوني صنعها (٣) ، فأصنعها لهم؟ فقال : اصنعها وادفعها إليهم ، وهي حلال من قبل أن تصير مسكرا » (٤).

وفيه ـ بعد أنّ حكاية السند على حسب ما ذكرنا سابقا ـ أنّ الضمير في « أنّهم » و « يكلّفوني » راجع إلى العامّة ، كما لا يخفى على المدرك في الحديث ، وظاهر أنّهم كانوا يريدون منه الشراب المسكر ، ولهذا سأل المعصوم عليه‌السلام أنّه هل يصنعها لهم أم لا.

ويشير إليه قوله عليه‌السلام : « ادفعها .. قبل أن تصير مسكرا » ، فالمقام مقام

__________________

(١) هذا من قول الشيخ أبي الحسن سليمان بن عبد الله البحراني ، ورسالته غير متوفّرة لدينا.

(٢) كذا ، وفي تهذيب الأحكام : ( عن مولى حرّ بن يزيد قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام. ) ، وفي وسائل الشيعة : ( عن مولى جرير بن يزيد قال : سألت أبا الحسن عليه‌السلام. ).

(٣) كذا ، وفي المصدر : ( صنعتها ).

(٤) تهذيب الأحكام : ٩ / ١٢٧ الحديث ٥٤٨ ، وسائل الشيعة : ٢٥ / ٣٨١ الحديث ٣٢١٧٩.

١١١

إنفاد ولعنة أولا ، فالإعانة في الإثم حرام ، وهم عليهم‌السلام كانوا يضايقون عمّا زاد مكثه عن يوم من جهة خوف السكر ، وقد قلنا محتمل السكر بما عرف.

وقد عرف أيضا أنّهم حرّموا ما لم يعلم هل ذهب ثلثاه أم لا من الأشربة في أخبار صحيحة واضحة السند والدلالة ، مفتى بمضمونها معمول بها ، والدفع قبل السكر لعلّة ممدوحة ، مثل غسل الرجلين موضع مسح الخفّين.

مع احتمال كون المراد من السكر ما يشمل ما نحن فيه ، على حسب ما مرّ مشروحا من الأخبار ، وكلام الفقهاء وحال الرواة ، فما هو جوابكم هناك فهو الجواب هاهنا.

هذا ، مضافا إلى أنّ صنعة تلك الأشربة غير معروفة ، فلعلّه يتحقّق فيها ذهاب الثلاثين والسكر بعد ذلك ، كما وقع التصريح بذلك في خبر شراب الميبة (١) ، وقد ظهر في أي أدلّتنا (٢) أنّ غير شراب الميبة أيضا كذلك ، فلا حظ.

على أنّا نقول : الأشربة شاملة لشراب العنب ، فما هو جوابكم فيه فهو جوابنا ، إلّا أن يدّعى أنّ الظاهر من لفظ الشراب انصرافه إلى غير العنبي ، فعلى هذا يلزمه الحكم بحرمة التمري والزبيبي عند عدم ذهاب الثلاثين بالغليان ، لأنّ الأخبار الدالّة على أنّه [ غير العنبي ] على تقدير الشمول للعنبي أيضا يلزمكم هذا القول ، كما ذكرنا في طيّ [ كلامنا ].

فإن قلت : خرج ذلك بالدليل وبقي الباقي.

قلت : هذا أيضا مشترك ، لما مرّ من الأدلة ، ولا يجب أن يكون المخرج هو الإجماع ، مع أنّ التوجيه غير منحصر في ذلك ، إذ قد عرفت الحال.

__________________

(١) في النسخ : ( شراب الميتة ) ، والصحيح ما أثبتناه ، لاحظ : وسائل الشيعة : ٢٥ / ٣٦٧ الحديث ٣٢١٤٠.

(٢) كذا في النسخ ، والظاهر أنّ المراد : ( في طيّ أدلّتنا ).

١١٢

مضافا إلى أنّه يمكن الحمل على عدم تحقّق غليان أصلا بأنّه كان المعهود في الأشربة المسكرة المعمولة عند العامّة ذلك ، وما ورد من أنّ التمر والزبيب يطبخان للنبيذ لا يعلم منه ، إذ لعلّ الأشربة اصطلاح أمر مغاير للنبيذ.

أو يكون السؤال : هل يصلح طبخهما للنبيذ إن اختير ذلك؟ لا أنّه الشائع المعهود.

وبالجملة ، حكاية الغليان الّذي يكون قبل ذهاب الثلاثين غير مذكورة في الرواية أصلا ، فالاستدلال مبني على ادّعاء كون ذلك شائعا أو فردا من الشائع لا أقلّ ، ومن أين ثبت حتّى يصحّ الاستدلال؟! وعلى تقدير الثبوت يمكن الحمل على غيره ، لما عرفت من أنّه لا بدّ من توجيه.

وأيضا ، إطلاق قوله : من قبل أن يسكر ، ممّا يرجع إلى العموم ، لو لم يكن قيد ( وهو حلال ) منضما به ، فلعلّه قيد مقدّم فتدبّر.

نظيره ما ورد في بيع العصير قبل أن يغلي إذا بعته قبل أن يكون خمرا وهو حلال فلا بأس (١) ، كما ذكرنا ، فإن جعلت المراد من الخمر العصير الغالي فالأمر فيما نحن فيه كذلك ، وإن جعلته الخمر المعهود المتعارف وقوله : « وهو حلال » قيدا فالأمر فيما نحن فيه أيضا كذلك.

ومن أدلّته ،

ما ورد من أنّ الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حرّم من الأشربة كلّ مسكر (٢).

وفيه ـ مضافا إلى ما عرفت ـ أنّ مفهوم اللقب ليس بحجّة عند المعظم.

سلّمنا ، لكن لا عموم للمفهوم ، سيّما مثل هذا المفهوم.

سلّمنا ، لكن ليس بحيث تعارض أدلّتنا.

__________________

(١) لاحظ! وسائل الشيعة : ٢٥ / ٣٨٠ الحديث ٣٢١٧٨.

(٢) لاحظ! وسائل الشيعة : ٢٥ / ٣٢٦ الحديث ٣٢٠٣٠.

١١٣

ومن أدلّته ،

ما رواه الكليني أنّ الصادق عليه‌السلام أكل دجاجة مملوءة خبيصا (١). في « القاموس » : ( الخبيص : المعمول من التمر والسمن ) (٢).

وجه الدلالة ، أنّ ذلك يستلزم نشر الحلاوة في الدجاجة وما فيها مع مسّ النار.

وفيه ، أنّ محلّ النزاع ليس إلّا العصير الّذي غلا فصار أسفله أعلاه وأعلاه أسفله ، لا مجرّد مسّ النار.

فإن قلت : العلّة هو مسّ النار.

قلت : قياس حرام فاسد عند القائل به ، لعدم ظهور كون العلّة ذلك ، سيّما على رأيكم من أنّ حرمة الغالي قبل ذهاب الثلاثين بعيد محض ، وأمّا ما ظهر من القدماء والأخبار أنّ العلّة هي التشبّث بالسكر ، وغير خفي أنّه لا يتشبّث إلّا إذا كان مائعا ، كما هو الحال في أخذ الخمور ، بل في صورة الميعان أيضا إذا غلا وطبخ منضما إلى غيره مثل الأرز ، والطحن غير ظاهر تشبّثه به وصيرورته حراما.

روى ابن إدريس رحمه‌الله في آخر « السرائر » عن محمّد بن علي بن عيسى أنّه كتب إلى أبي الحسن علي بن محمّد عليهما‌السلام : « عندنا طبيخ يجعل فيه الحصرم ، وربّما يجعل (٣) فيه العصير من العنب ، وإنّما هو لحم يطبخ به ، وقد روي عنهم في العصير أنّه إذا جعل على النار لم يشرب حتّى يذهب ثلثاه [ ويبقى ثلثه ] ، وأنّ الّذي يجعل من العصير في القدر (٤) بتلك المنزلة ، وقد اجتنبوا أكله إلى أن يستأذن مولانا في

__________________

(١) الكافي : ٦ / ٣٢١ الحديث ٣ ، وسائل الشيعة : ٢٥ / ٧٣ الحديث ٣١٢١٧.

(٢) القاموس المحيط : ٢ / ٣١١.

(٣) في السرائر : ( وربّما جعل ) ، وما في المتن موافق لما في وسائل الشيعة.

(٤) كذا ، وفي المصدر : ( الّذي يجعل في القدر من العصير ).

١١٤

ذلك ، فكتب [ بخطّه ] : لا بأس به » (١).

والحديث صحيح ، والدلالة واضحة ، ولم يظهر من الفقهاء ولا الأخبار حرمة الممزوج في العصير العنبي فضلا عمّا نحن فيه. نعم ، الظاهر أنّ الضميمة لو كانت مثل العسل والدبس لا ينفع.

وممّا ذكر [ ظهر ] أنّ فتوى العلّامة في جواب مسائل السيّد مهنّا محض الحقّ ، ليس فيه تعسّف أصلا ، ومدّعي (٢) عدم الفرق بين المنضمّ وغيره هو المتعسّف.

وممّا ذكر ظهر الجواب عن استدلال الشهيد رحمه‌الله لأنّ (٣) الصادق عليه‌السلام كان يعجبه الزبيبة (٤) ، مضافا إلى عدم معلوميّة الكيفيّة مطلقا.

فما ذكره هذا الفاضل من أنّ أهل الحجاز وغيرهم يستعملون المطبوخات المائعة.

أقول : استعمالهم غالبا لا شكّ فيه ، لكن المستعمل كذلك هو المنضمّ مع الغير لا الخالص.

سلّمنا ، لكن كون ذلك دليلا على الحلّية من أين؟!

أمّا العامّة ، فحالهم ظاهر.

وأمّا الخاصّة ، فبعد تسليم ذلك فإنّما هو من فتاوي فقهائنا المتأخّرين.

على أنّ الكلام إنّما هو في معرفة الزبيبة ، إذ غير معلوم [ أنّها ] من المائع ،

__________________

(١) السرائر : ٣ / ٥٨٤ ، وسائل الشيعة : ٢٥ / ٢٨٨ الحديث ٣١٩٢٨ ، وما بين المعقوفتين أثبتناه من المصدر.

(٢) في النسخ : ( ويدّعي ) ، والظاهر أنّ الصواب ما أثبتناه.

(٣) كذا ، والظاهر أنّ الراد : ( بأنّ ).

(٤) لاحظ! مسالك الأفهام : ٢ / ١٩٧.

١١٥

فاستعمالهم له لا يدلّ على كونه منها (١) ، سيّما الخالص ، بل لعلّه لا تأمّل في عدم كونها ماء الزبيب الخالص ، بل لعلّها ليست من المائعات ، فتأمّل!

تمّت الرسالة.

__________________

(١) في ب : ( كونه منهما ).

١١٦

رسالة

في

رؤية الهلال

١١٧
١١٨

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين ، والصلاة على محمّد وآله الطاهرين.

مسألة :

إذا رئي الهلال قبل الزوال ، فالمشهور بين الفقهاء ـ رضوان الله عليهم ـ عدم الفرق بينه وبين أن يرى بعد الزوال ، بل هذا هو المعروف منهم ـ وما قيل أنّ الصدوق أيضا قائل وهم ، لأنّه لا يقول بالرؤية ، بل يقول بالعدد كما هو معروف (١) ـ إلّا ما نقل عن السيّد رحمه‌الله أنّه ( إذا رئي قبل الزوال فهو للّيلة الماضية ) (٢) ، وظاهره وجوب الإتمام لو كان صائما في يوم الثلاثين من شعبان ، ووجوب الإفطار في يوم ثلاثين من رمضان.

حجّة المشهور وجوه :

الأوّل :

ظاهر قوله تعالى ( ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ ) (٣) ، خرج ما خرج بالدليل وبقي الباقي.

__________________

(١) من لا يحضره الفقيه : ٢ / ١١٠ الأحاديث ٤٧٠ ـ ٤٧٤.

(٢) المسائل الناصريّة ـ ضمن الجوامع الفقهيّة ـ : ٢٤٢ المسألة ١٢٦.

(٣) البقرة (٢) : ١٨٧.

١١٩

الثاني :

الأخبار المتواترة ، حيث أمروا فيها بالصوم بالرؤية (١) مطلقا ، أعمّ من أن يكون قبل الزوال أو بعده ، وأمروا بالإفطار بالرؤية كذلك ، من غير تفصيل بين قبل الزوال وبعده ، كما يقول به الخصم (٢).

وبالجملة ، التفصيل المذكور خلاف ظاهر تلك الأخبار المتواترة ، فإنّ الظاهر منها أنّ الصوم للرؤية على نهج واحد (٣) لا تفصيل فيه ، وكذلك الفطر ، فالظاهر كونها بنسق واحد.

وتخصيصها بالرؤية قبل الزوال فاسد قطعا ، بل القطع حاصل بدخول الرؤية بعد الزوال فيها ، بل في كثير منها الأمر بإنشاء الصوم بعد تحقّق الرؤية.

بل من المسلّمات أنّ المطلق منصرف إلى الشائع ، والشائع وقوع الاستهلال بعد الزوال ، والغالب الرؤية ذلك الوقت ، فتعيّن أن يكون المراد الصوم غدا والفطر غدا مشروطين بالرؤية المتعارفة ، والمشروط عدم عند عدم شرطه.

مع أنّ الصوم حقيقة في الكفّ المعهود من ابتداء الفجر إلى الغروب ، وظاهر في ذلك.

فالأمر بإنشاء الصوم بعد الرؤية في غاية الظهور في أنّ المراد غدا.

وامتداد وقت نيّة الصوم إلى الزوال في بعض الأحوال لا يقتضي وجود صوم بعض اليوم ، بل الإجماع والأخبار ظاهران في كون المكلّف صائما في مجموع اليوم لا في بعضه ، والمعصوم عليه‌السلام أمر في تلك الأخبار بنفس الصوم لا بإيجاد نيّته (٤).

__________________

(١) لاحظ! وسائل الشيعة : ١٠ / ٢٧٨ الباب من أبواب أحكام شهر رمضان.

(٢) لاحظ! الحدائق الناضرة : ٣ / ٢٨٧.

(٣) في ألف : ( على أنّه واحد ).

(٤) في الأصل : ( لا بإيجاد نفيه ) ، والظاهر أنّ الصواب ما أثبتناه.

١٢٠