الرسائل الفقهيّة - المقدمة

الرسائل الفقهيّة - المقدمة

المؤلف:


الموضوع : الفقه
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٤٥

١
٢

بسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على محمّد وآله المنتجبين الطاهرين.

إنّ الّذي يغنينا عن الحديث وبأسهاب حول ما للفقه من ضرورة وعظمة هو المنطق الإلهي والوحي الرباني الغارس جذور الوجوب الكفائي لعلم الفقه ، حيث يقول عزّ من قائل ( وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ ) (١).

ونحن إذ نجد كلمة الفقه ـ ومع غضّ النظر عن المعنى اللغوي لمفهومها ـ استعملت في معنى فهم جميع أحكام الدين أعمّ من الأمور الاعتقادية ، أو الأحكام العمليّة ، وهذا بديهي لا نرى ضرورة للاستدلال لذلك ، إذ أنّ القوم كانوا يصدّرون كتبهم الفقهية بمباحث اعتقادية ومطالب كلامية ، ومع هذا تدرج مؤلّفاتهم ضمن المجاميع الفقهية. وهذه ليست خاصة بأصحابنا رضوان الله عليهم ، ومن هنا نجد أمثال أبي حنيفة يعطي لكتابة الاعتقادي اسم « الفقه الأكبر » كي يوحي شموليّة هذا الاسم للأعم.

إلّا أنّا عند ما نواكب السير مع هذه اللفظة نجدها ـ كأكثر المصطلحات العلمية ـ تلبست تدريجا بلباس أخص ممّا كانت عليه ، فأصبحت تعطي ـ كلمة الفقه ـ خصوص العلم بالأحكام العمليّة الإلهيّة. بعد أن كانت تحمل معنا بسيطا وواضحا وسهل التناول إبّان صدورها عند إطلاقها ، كما تراها في قوله صلوات الله عليه :

__________________

(١) التوبة (٩) : ١٢٢.

٣

« أنتم أفقه الناس إذا عرفتم معاني كلامنا .. » (١) ممّا كان يمنح الراوي عند دركه لمضمون كلام المعصوم عليه‌السلام عنوان فقيه. أصبحت اليوم تطلق على من يغوص في بحار العلوم النقليّة ، ويسلك سبيل الاجتهاد الّذي أخذ فيه الجدّ والعناء ، حتّى أنّه ينقل عن المحقّق العراقي رحمه‌الله أنّه قد عدّ الاجتهاد في الفقه بمثابة قلع الجبال بالابر والمسامير.

وعليه ، فإنّ الفقه والتفقّه في الدّين حاز مقام رفيع إلهي وعناية ربانية ألبسه الشارع المقدّس لباس الوجوب ، وأسبغ عليه المعصوم عليه‌السلام ـ ببيانه الرائع ـ معنى أخلاقي رفيع ، إذ قال : « ليت السياط على رؤوس أصحابي حتّى يتفقّهوا في الحلال والحرام » (٢).

بل عدّ الكمال الإنساني في الفقاهة والفهم ، إذ قال سلام الله عليه : « الكمال كلّ الكمال التفقّه في الدين .. » (٣).

حتّى أنّ الوصول إلى ذاك المقام الرفيع عدّ علامة العناية الخاصة الإلهية لمن يتلبس بها ، إذ قال عليه‌السلام : « إذ أراد الله بعبد خيرا فقّهه في الدين » (٤). وبذا استحق عند فقده أن تندبه ملائكة السماء وسكّان الأرض ، إذ قال عليه‌السلام : « إذا مات المؤمن بكت عليه الملائكة ، وبقاع الأرض الّتي كان يعبد الله تعالى عليها ، وأبواب السماء الّتي كان يصعد فيها بأعماله ، وثلم في الإسلام ثلمة لا يسدّها شي‌ء : لأنّ المؤمنين الفقهاء حصون » (٥).

__________________

(١) معاني الأخبار : ١ الحديث ١ ، وأورده في بحار الأنوار : ٢ / ١٨٣ الحديث ٣.

(٢) المحاسن : ١ / ٣٥٨ الحديث ٧٦٥ ، وعنه في بحار الأنوار : ١ / ٢١٣ الحديث ١٢.

(٣) تحف العقول : ٢٩٢ ، ونص عليه في بحار الأنوار : ٧٥ / ١٧٢ الحديث ٣.

(٤) أمالي المفيد : ١٥٧ الحديث ٩ ، وحكاه عنه في بحار الأنوار : ١ / ٢١٧ الحديث ٣٣.

(٥) الكافي : ١ / ٣٨ الحديث ٣.

٤

وغير خفي أنّ الحديث عن ضرورة هذا العلم وتقييمه. وما لسالكه من عظمة. وما خصّته السماء من تكريم و .. كلّ هذا ممّا ينوء عن ذكره سيرنا في مقدمة هذا الكتاب ، وما كان قصدنا ممّا أدرجناه إلّا التبرّك بذكر جملة من الآيات والروايات فيه.

والحقّ ، أنّ ما تحمّله فقهاؤنا العظام رضوان الله تعالى عليهم على مدّ التاريخ من مشاقّ وصعوبات كانت تحيط بهم وتحاصرهم سواء ما كان منها شخصيا أو نوعيا ، كلّ ذلك لحفظ هذه الأمانة الإلهية الّتي تنوء عن حملها الجبال الرواسي ، فهم كشيخ الطائفة رحمه‌الله ـ مثلا ـ ما بين مبعّد عن وطنه متحملا لأنواع البلاء حارما نفسه من متع الدنيا ولذّاتها. إلى من يسوقه هذا الهدف المقدس ـ كأمثال الشهيدين رحمهما‌الله ـ إلى منصّة الإعدام ، كي تكون دمائهم الطاهرة منارا على مدّ التاريخ حفظا لهذه الوديعة الإلهية ، فكان أن تلقفتها الأيدي الطاهرة إلى الصدور المطهّرة نسلا بعد نسل ، حتّى وصلت في أواخر القرن الثاني عشر فألقيت على عاتق العلّامة المجدد الوحيد البهبهاني رحمه‌الله ، إذ قام هذا الرجل العظيم ـ كما سيأتينا ذلك ـ بحمل هذه الرسالة الخطيرة بعد أن جلّاها عمّا حاول أن يعلق بها من دنس وزيغ ، وطهّرها ممّا كاد يعلق بها ما يمحو جوهر الأحكام الإلهيّة منها ، فهو بعد أن ألبسها حلّتها الرائعة بما لها من عمق ومصداقية. وما لهذه الرسالة من ادّعاء أمام الموج الكاسح للقوانين الوضعية المعاصرة.

فكان وليد هذه المساعي الحميدة من هذه العطيّة الإلهيّة على الشيعة الاثني عشرية أن صنّف لهم رسائل فقهيّة في مواضع متفرّقة أملتها الظروف الحاكمة والحاجة الملحّة الّتي كان يلمسها شيخنا العظيم خلال مواجهته مع الأحداث ممّا كان يملي عليه ، مع حرصه على تنزيه المباني الأصيلة من القشريّة والسطحية مع ما أسبغ عليها من مسلكه الّذي عرف به من العمق والتتبع في الأدلّة الشرعيّة لغرس روح

٥

الاجتهاد الحقيقي الّذي كان عليه الفقهاء الإماميّة خلال العصور اللاحقة.

ومن الملاحظ على هذه الرسائل الإحدى عشرة أنّها تعطي بوضوح ما أشرنا إليه سلفا من اهتمام هذا الفقيه العظيم بالمسائل الحيويّة والحياتية الّتي كان يفتقر إليها عصره آنذاك.

فمثلا : نجده في رسالته الأولى الّتي خصّها بما يرجع إلى تقليد الميّت. إذ حقّقها بشكل دقيق ، ووقف أمام أعلام العامّة بإثبات عدم جواز تقليد الميّت ، وحصر الحجيّة بالمجتهد الحيّ. إذ نراه عند مواجهة القائلين بجواز تقليد الميّت مستدلّين ببرهان النقض بعدم وجود مجتهد في عصر. إنّه يقول : « ما تقولون في الوقائع الخاصّة والحوادث الجزئيّة السانحة الّتي ليست مذكورة في كتب الفقهاء بخصوصها ، وغالب ما يحتاج الناس إليه من هذا القبيل؟. » (١).

ثمَّ يقول في موضع آخر : « وأيضا حال فروع الدين ليس بأشدّ من حال أصول الدين ، فما تقولون في حال الأقطار والأمكنة الّتي ليس فيها من يعلم أصول الدين مثل البوادي والقرى والجبال؟ .. » (٢).

ويستنتج من ذا وذاك بحكم البرهان أنّه كما يلزم الاجتهاد والبحث في كلّ عصر ، كذا يلزم تقليد المجتهد الحيّ بلا فرق.

وهذا وأمثاله يوصلنا إلى ضرورة وجود الفقيه فيما لو أريد للمجتمع الإسلامي مواكبة مستجدات العصر ، وبقاؤه غضّا نضرا يعطي أكله كلّ حين.

وكذا في المسألة الأخرى المتعارفة آنذاك ، أعني : « حكم متعة الصغيرة » إذ هو بعد أن نقّح ـ وبشكل دقيق للموضوع وأدلّته ومحتملاته ـ قال : « فقد ظهر بما

__________________

(١) الرسائل الفقهيّة : ٢٥.

(٢) الرسائل الفقهيّة : ٢٦.

٦

ذكرناه أنّ الحكم بصحّة هذا العقد مشكل ، بل الحكم بالفساد أولى » (١).

إذ إننا إمّا أن نقول بأنّ مصلحة الصغيرة دخيلة في صحّة النكاح أو لا؟ وعلى القول بلزوم رعاية شرط المصلحة فالحكم واضح ، وعلى القول بعدمه قال :« فالحكم بالصحّة مشكل أيضا لأنّ الصحّة حكم شرعي يتوقّف على دليل شرعي ولم يوجد. وما توهّم كونه دليلا ستعرف فساده » (٢).

ثمَّ بدء بسبر الوجوه المحتملة وذكر الأدلّة المناسبة وما يرد عليها من إشكالات علميّة. إلى أن قال : « .. وظاهر قوله تعالى ( فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ ). (٣) الآية اعتبار الاستمتاع منها ولا أقلّ بتمكينها من الاستمتاع منها ، لأنّ القاعدة المقررة في الشرع في أمثال هذه العقود بأنّ في الوفاء بإعطاء العوض يكفي التمكين والتسليم وأنّ ظاهرها فعليّة الاستمتاع لأنّ الشارع جعل حكم ذلك حكم الفعليّة .. » (٤).

وعلى هذا ، فهو ـ طاب ثراه ـ حيث يسلك هذه الكيفية في مواجهة المباني الشرعيّة نجده قدس‌سره يقف موقف الرفض في كثير من الموارد الّتي أستعين بها بالحيل الشرعيّة لتغيير بعض الأحكام الإلهيّة ، كما في باب الربا ، إذ قال : « ثمَّ اعلم ، أنّ الحيلة الشرعيّة إنّما هو متحقق بالنسبة إلى موضوعات الأحكام لا نفس الأحكام ، لأنّها على حسب ما حكم به الشارع ، فأيّ حيلة لنا فيها؟ .. » (٥).

وقال في موضع آخر بعد نقضه بما استدلّ به في المقام :

« قد عرفت أنّ الربا أمر معنوي لا أنّه لفظ وعبارة وعرفت ظهورها في حرمة

__________________

(١) الرسائل الفقهيّة : ٢٣٨.

(٢) الرسائل الفقهيّة : ٢٣٣.

(٣) النساء (٤) : ٢٤.

(٤) الرسائل الفقهيّة : ٢٣٤.

(٥) الرسائل الفقهيّة : ٢٥٠.

٧

كلّ منفعة مشروطة كما كان دأب الفقهاء واللغة والعرف وعند آكلي الربا .. » (١).

هذا ، ومع ما كان عليه شيخنا المحقّق الوحيد رحمه‌الله من الدقّة في أمثال هذه الموارد ممّا يسوقه إلى الالتزام بالتأمّل والاحتياط فيها. نجده يتخذ موقفا حازما ـ وبكلّ شجاعة مع مراعاة الدقّة والاحتياط ـ أمام بعض المسائل الأخر الّتي لا يرى ثمّة مساغا للاحتياط فيها أو الترديد في مقام الإفتاء ، كما هو حاله في مسألة جواز الجمع بين الفاطميتين ، إذ ذهب إلى القول بالجواز بعد استيعابه للأدلّة وفحصها ومناقشتها وختمها بقوله : « أيّ فرق عنده بين الحديث الّذي دلّ على حرمة الجمع بين فاطميتين والّذي دلّ على حرمة تركها عانتها أزيد من عشرين. فاستدلاله بالثاني على حرمة ترك العانة عليها أولى ثمَّ أولى .. » (٢).

ولا نودّ أن نطيل في بيان ما كان عليه ـ طاب رمسه ـ من العمق والتتبّع والدّقة والظرافة في الاستدلال الّتي هي من الخصوصيات البارزة لشيخنا المصنّف الوحيد رحمه‌الله. إذ نوكل ذلك إلى ذهن القارئ الفطن ، والمحقق البارع ، ولنا عودة اخرى على مصنّفات الشيخ الوحيد الفقيه رحمه‌الله للحديث عن بعض مميزاته العلميّة ، وما بناه من أسس استدلاليّة مستحكمة قدّر لها أن تمنحه وسام التجديد و « المجدّد » ، ويكون ذلك خالدا له إلى يومنا هذا ، فعليه ـ وعلى علمائنا الأطهار حماة الدين ، وسدنة الشريعة ، وسادة الخليقة ـ السلام يوم ولدوا. ويوم ماتوا. ويوم يبعثون.

وفّقنا الله للسير على خطاهم ، والعمل بسيرتهم ، والحظوة بشفاعتهم. آمين ربّ العالمين.

__________________

(١) الرسائل الفقهيّة : ٢٨٢.

(٢) الرسائل الفقهيّة : ٢٢٦ و ٢٢٧.

٨

لمحة من حياة العلّامة الوحيد البهبهاني طاب ثراه

مؤلّفنا العظيم ، استاد الكلّ ، العلّامة المجدّد الآقا محمّد باقر بن محمّد أكمل ولد سنة ١١١٧ في أصفهان ، كما نقل لنا حفيده العالم آقا أحمد (١).

نسبه :

ينتهى نسب شيخنا المعظّم ـ كما نقله لنا سيّد الأعيان ، وشيخنا الطهراني في « الكرام البررة » ـ بثلاث عشرة واسطة من طرف أبيه إلى الشيخ الأعظم محمّد بن محمّد بن النعمان المفيد قدس سرّه ، ومن جهة أمّه بثلاث وسائط إلى المحدّث الكبير والعالم الربّاني المجلسي الأوّل ، ومن هنا نراه قد عبّر في تآليفه عن المجلسي الأوّل بـ ( الجد ) ، وعن المجلسي الثاني بـ ( الخال ) ، كما وأنّ في ضمن حلقاته السببيّة نجد أمثال العالم الصالح العلّامة ملّا صالح المازندراني طاب رمسه.

وعلى هذا ، فمترجمنا ولد وترعرع وشبّ وشاب وانحدر من أبرز وأعرق البيوتات العلميّة في الطائفة الإماميّة.

أبوه :

العالم الفاضل الكامل الماهر المحقّق المدقّق الباذل ، بل الأعلم الأفضل الأكمل

__________________

(١) مرآة الأحوال : ١ / ١٣٠.

٩

أستاد الأساتيد والفضيلة ، وشيخ مشايخ الفقهاء الآقا محمّد أكمل بن محمّد صالح. كذا عبّر مصنّفنا الوحيد قدس‌سره عن أبيه في إجازته المختصرة الّتي منحها للسيد بحر العلوم ، وهي تعدّ ـ بحقّ ـ خير ما يستشهد به لإثبات وتثبيت مراتبه العلميّة والعمليّة.

صباه :

مرّت مراحل صبا مترجمنا وشبابه في أصفهان ـ كما حكاه لنا في « مرآة الأحوال » ـ في إحضان والده العظيم ورعايته بتعلّم مبادي العربيّة والعلوم العقليّة والنقليّة.

ثمَّ بعد أن حرم من والده العظيم واكتسحت أصفهان موجة من الاضطرابات ألجأت شيخنا إلى الهجرة إلى النجف الأشرف ، وتهيّأت له الأسباب هناك لتحصيل وتكميل ما تعلّمه من العلوم العقليّة والنقليّة عند العالمين العلمين السيّد محمّد الطباطبائي البروجردي ـ جدّ السيّد بحر العلوم ـ والسيّد صدر الدين القمّي المشهور ب : ( الهمداني ) شارح كتاب « وافية الأصول » (١).

أساتذته :

كلّ من تعرض إلى حياة شيخنا الأعظم ذكر بالاتّفاق في عداد أساتذته المولى محمّد أكمل والسيّد محمّد الطباطبائي ، والسيّد صدر الدين القمّي إلّا أنّا نجده طاب ثراه قد أشار في إجازته الّتي منحها للسيّد بحر العلوم والأخرى الّتي شرّف بها ملّا محمد باقر الأسترابادي إلى جمع آخر من مشايخه ، الذين عبّر عنهم ب :

__________________

(١) مرآة الأحوال : ١ / ١٣٠.

١٠

أستادنا ومن هو في العلوم العقليّة والنقليّة استنادنا ، العالم الكامل الفاضل ، المحقّق المدقّق ، الأوحد المؤيّد ، الحاج الشيخ محمّد بن الحاج محمّد زمان القاساني قدس‌سره.

شيخنا العالم الفاضل الجليل ، الفقيه المتفقّه النبيل ، الآميرزا إبراهيم القاضي.

شيخ الإسلام ومعاذ المسلمين ، الأمير محمّد حسين ابن العلّامة الأمير محمّد صالح الأصبهاني.

السيّد الحسيب ، ذي المناقب والمفاخر ، الآميرزا محمّد باقر بن السيّد المحقّق الآميرزا علاء الدين گلستانه ، شارح « نهج البلاغة ».

وأضاف قوله : عن الأخ الأفخم ، والأستاد الأعظم ، سميّ خاتم الأولياء ، السيّد محمّد مهدي عن الوالد المسدّد والحبر المؤيّد ..

مشايخ إجازاته :

الّذي يظهر من مجموع إجازات الوحيد قدس سرّه لمن أجازهم ، أنّ مشايخه في الإجازة من أساتذته وغيرهم هم كالآتي :

الفقيه المتفقّه النبيل الآميرزا إبراهيم القاضي.

الآميرزا محمّد باقر بن السيّد المحقّق الآميرزا علاء الدين گلستانه (شارح نهج البلاغة).

الشيخ محمّد بن الحاج محمّد زمان القاساني.

الأمير محمّد حسين بن العلّامة الأمير محمّد صالح الأصبهاني.

وعلى رأسهم والده المعظّم طاب ثراه كما قد سلف.

الّذين أجازهم :

لقد منح شيخنا الوحيد طاب ثراه جمعا من الأعلام ممّن استجازه فأجازه ،

١١

والّذي وصل إلينا منهم ندرجه ذيلا :

إجازة للشيخ أبي علي الحائري.

إجازة للسيّد علي بن محمّد علي الطباطبائي.

إجازة لحسين خان.

إجازة لسعيد بن محمّد يوسف القراچه داغي النجفي.

إجازة لعليّ بن كاظم التبريزي.

إجازة لمحمّد بن يوسف بن عماد مير فتّاح الحسنيّ الحسيني.

إجازة للسيّد محمّد مهدي بحر العلوم.

وسنعرض لك نماذجا من تلك الإجازات الّتي وصلنا بعضها بخطّه طاب ثراه في آخر هذه الترجمة.

عصره :

تمتاز الفترة الزمنيّة الّتي عاصرها شيخنا المصنّف ـ طاب ثراه ـ بكونها مليئة بالحوادث المرّة المؤلمة ، فنجد التهاجم الروسي والتركي والأفغاني على بلاد إيران وحاكميّة محمود أفغان سنة ١١٣٥ هجريّة ، واستئصال الشيعة ومحاولة إبادتهم بواسطة التهاجم من أبناء العامّة عليهم آنذاك ، وبعدها سلطنة نادر شاه وتحميل معاهدة دشت مغان لتضعيف المذهب الشيعي.

ومن جانب آخر رواج المذهب الأخباري مع تموّج الهجرة والتعصّب والانزواء من أعلام علماء الشيعة ومفكّريهم.

ومن جهة أخرى رشد وانتشار التصوّف واللادينيّة باسم الدين.

هذا وغيره من الزوابع الّتي ينتظر من فقيدنا الوحيد طاب ثراه أن يقف أمامها كي يحيي شريعة سيّد الرسل صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ومن ثمَّ أن يجد الحلّ المناسب مع ما تمليه

١٢

عليه وظيفته الشرعيّة من الطرق العلاجيّة لأمثال هذه الحوادث.

وكانت أوّل قدم رفعها في هذا السبيل ـ كما يحدّثنا بذلك في « مرآة الأحوال » ـ أنّه غادر مسقط رأسه ، بعد أن فقد عماده ووالده المعظّم ، كي يترك آنذاك المحيط المشوب بالفتن والاضطرابات ، وليستغلّ هجرته لكي يعطي المجتمع الشيعي جملة من مؤلّفاته ورسائله في باب الإمامة وغيره ، وليربّي ثلّة طاهرة من الأعلام يبثّهم في بلاد الإسلام ، كي يحفظوا المعتقدات الشيعيّة ، ويسعوا في حماية مبادي الدين القويم.

وعند ما يجد مترجمنا طاب ثراه الأرضيّة المساعدة للعودة إلى بلده إيران يتوجّه إلى بلدة بهبهان ـ الّتي كانت تعدّ آنذاك معقلا مهمّا للأخباريين ـ ويلبث هناك ثلاثين سنة يسبغ فيها رعايته وعنايته العلميّة ، ويدفع خلالها الخطر الكبير المتوجّه إلى العالم الشيعي ـ أعني تفريغ المذهب من القدرة العقليّة والتفكّر ـ ومن ثمَّ حكّ تهمة الجمود والتحجّر اللتين وسمت بهما الطائفة ـ ويا للأسف! ـ وبعد ذاك يهاجر مجدّدنا مجدّدا إلى كربلاء كي يرعى ويحنو على حوزتها العلميّة ، ليبدأ جهادا جديدا وبشكل آخر.

ولم يغفل شيخنا طاب ثراه عن خطر رسوخ فكرة التصوّف واستغلال وساطة بعض جهّال الطائفة من قبل هذه الفرقة ، ممّا حدي به إلى إرسال ولده الأرشد العالم المجتهد الآقا محمّد علي لإطفاء هذه الغائلة الّتي تمركزت ـ آنذاك ـ في كرمانشاه وحواليها ، فكان ذلك الشبل جديرا ـ وبكلّ كفاءة ـ بالقيام بهذه المهمّة الصعبة ، ولا غرابة ، إذ تربّى في ذلك الحضن الطاهر ، ورعي من ذلك الأب الكبير. وسنرجع للحديث عنه وما قام به من خدمات ومساعي جميلة في هذا الباب في مقدّماتنا لكتبه إن شاء الله تعالى.

١٣

نزوله بلدة بهبهان:

الّذي يظهر ممّا أفاده في كتاب « مرآة الأحوال » أنّ شيخنا طاب ثراه بعد أن هاجر من أصفهان إلى النجف الأشرف ، وتزوّد من معين تلك الحوزة الطاهرة علما وعملا ، واستفاد من محضر أساتذة الفن آنذاك ، وصاهر أستاذه السيّد محمّد الطباطبائي على ابنته ، كرّ راجعا إلى بهبهان ـ كما قلنا ـ ولبث هناك ما يزيد على ثلاثين سنة ، ومن هنا اكتسب لقب : البهبهاني واشتهر به.

ويمكن القول ، أنّ مبدأ ذياع صيته العلمي ومقامه الفقهي إلى الأطراف والأكناف كان خلال توقّفه في هذه البلدة الّتي أقام فيها ، بالإضافة إلى دوره التربوي في إرشاد العوام وتربية الطّلاب ، مع مساعيه الحثيثة والجادّة في التأليف والتصنيف ، إلّا أنّ روحه العالية وصدره الموّاج بالعلوم والفنون لم يسمحا له بالبقاء أكثر من ذلك في تلك البلدة ، لذا كرّ راجعا إلى بلدة كربلاء المقدّسة (١).

هجرته إلى كربلاء

يحدّثنا المرحوم العلّامة المامقاني في رجاله « تنقيح المقال » عن المصنّف ، فيقول :

وقطن مدّة بهبهان ، فلمّا استكمل على يد والده انتقل إلى العراق فورد النجف الأشرف وحضر مجلس بحث مدرّس ذلك الوقت فلم يجده كاملا ، فانتقل إلى كربلاء المشرّفة ، وهي يومئذ مجمع الأخباريّين ، ورئيسهم يومئذ الشيخ يوسف صاحب « الحدائق » ، فحضر بحثه أيّاما ، ثمَّ وقف يوما في الصحن الشريف ونادى بأعلى

__________________

(١) مرآة الأحوال : ١ / ١٣٠ ـ ١٣١.

١٤

صوته : أنا حجّة الله عليكم ، فاجتمعوا عليه وقالوا : ما تريد؟ فقال : أريد أنّ الشيخ يوسف يمكّنني من منبره ويأمر تلامذته أن يحضروا تحت منبري ، فأخبروا الشيخ يوسف بذلك ، وحيث أنّه يومئذ كان عادلا عن مذهب الأخباريّة خائفا من إظهار ذلك من جهّالهم طابت نفسه بالإجابة .. (١).

يعدّ هذا مبدأ تحوّل عظيم في تأريخ التشيّع ، إذا اتّفق الجلّ ـ إن لم نقل الكلّ ـ على أنّه لو لا هذه الحركة المباركة والهجرة العلميّة لكان اليوم مسير الفقه الشيعي وتأريخ الاجتهاد والاستنباط بشكل آخر.

يحدّثنا تلميذ المترجم المولى الحائري في كتابه « منتهى المقال »عن هذه الهجرة فيقول :

وكلّما يخطر بخاطره الشريف الارتحال منها إلى بعض البلدان تغيّر الدهر وتنكّد الزمان ، فرأى الإمام عليه‌السلام في المنام يقول له : ( لا أرضى لك أن تخرج من بلدي ) ، فجزم العزم على الإقامة بذلك النادي ، وقد كانت بلدان العراق ـ سيّما المشهدين الشريفين ـ مملوءة قبل قدومه من معاشر الأخباريّين ، بل ومن جاهليهم والقاصرين ، حتّى أنّ الرجل منهم كان إذا أراد حمل كتاب من كتب فقهائنا رضي‌الله‌عنهم حمله مع منديل ، وقد أخلى الله البلاد منهم ببركة قدومه واهتدى المتحيّرة في الأحكام بأنوار علومه. وبالجملة ، كلّ من عاصره من المجتهدين ، فإنّما أخذ من فوائده واستفاد من فرائده .. (٢).

نعم ، تعدّ هذه الهجرة المباركة ـ بحقّ ـ منشأ لخدمات كبيرة وآثار عظيمة في عالم الإسلام.

__________________

(١) تنقيح المقال : ٢ / ٨٥.

(٢) منتهى المقال : ٢٩٣.

١٥

أياديه في كربلاء :

لعلّ أكبر خدمة وأنفس موقف يمكن أن يختصّ به وحيدنا الوحيد رحمه‌الله في كربلاء هو تطهيره الفقه الشيعي والسير الاجتهادي من براثن التحجّر والجمود ، وإنقاذ المذهب من الانحراف والاعوجاج الفكري الّذي أولده بعض الأخباريين (١).

ولا يمكن أن تعدّ هذه العطيّة الإلهيّة والمنحة الربّانيّة ـ أعني وجود شيخنا الوحيد ـ منحصرة بأيّام حياته طاب ثراه ، إذ أنّ دوره العظيم ـ باعتراف جميع المؤرّخين وأصحاب السير ـ قد استغلّ من قبل كلّ من عاصره ولحق به على مدّ التاريخ متنعّما بما بسطه على موائده العلميّة من علوم عقليّة ونقليّة.

قال في « نجوم السماء » ـ ما ترجمته ـ :

هو من أعاظم مشايخ علماء الدين المبين ، وكبار الفقهاء والمحدّثين ، تنتهي سلسلة أسانيد أكثر العلماء ممّن جاء من بعده وإلى الآن به ، بل سلسلة تتلمذ جميع المشاهير إليه ، ولذا لقّب ب : أستاذ الكلّ في الكلّ (٢).

بالإضافة إلى ذلك فقد وفّق شيخنا المترجم إلى تربية باقة من المجتهدين ، كلّ واحد منهم يعدّ آية ونجما يتلألأ في أفق تأريخ الفقاهة ويفيض في ساحته ، كما وقد وفّق إلى تأليف رسائل وكتب تعدّ جلّها ـ إن لم نقل كلّها ـ من خير ما كتب في ذلك الفنّ في تلك البرهة ، وسنأتي لعدّها وتعدادها قريبا.

__________________

(١) من المستحسن مراجعة رسالة الاجتهاد والأخبار : ٢١٥ ـ ٢٢٩ ، للاطّلاع على آثار هذا النوع من التفكّر.

(٢) نجوم السماء : ٣٠٣.

١٦

ما قيل فيه :

لعلّنا لا نغالي لو قلنا : إنّه قلّ بين علماء وأعاظم الشيعة من وفّق لأن تتّفق عليه أنظار معاصريه في جميع أبعاده العلميّة والعلميّة ، وتوفيقاته الوافرة في ترويج الدين الحنيف وتحكيم مباني الشرع المنيف ، ولنذكر لك نزرا يسيرا ممّا قيل فيه :

أ : قال العلّامة المحقّق الشيخ عبد النبي القزويني رحمه‌الله ـ الّذي كان ممّن عاصر المصنّف طاب ثراه ـ ما نصّه :

آقا محمّد باقر بن أكمل الدين محمّد الأصبهاني البهبهاني الحائري ، فقيه العصر ، فريد الدهر ، وحيد الزمان ، صدر فضلاء الزمان ، صاحب الفكر العميق والذهن الدقيق ، صرف عمره في اقتناء العلوم واكتساب المعارف والدقائق وتكميل النفس بالعلم بالحقائق ، فحباه الله باستعداده علوما لم يسبقه أحد فيها من المتقدّمين ولا يلحقه أحد من المتأخّرين إلّا بالأخذ منه ، ورزقه من العلوم ما لا عين رأت ولا اذن سمعت ، لدقّتها ورقّتها ووقوعها موقعها ، فصار اليوم إماما في العلم ، وركنا للدين ، وشمسا لإزالة ظلم الجهالة ، وبدرا لإزاحة دياجير البطالة ، فاستنارت الطلبة بعلومه ، واستضاء الطالبون بفهومه ، واستطارت فتاواه كشعاع الشمس في الإشراق ، مدّ الله ظلاله على العالمين ، وأمدّهم بجود وجوده إلى يوم الدين.

ومن زهده في الدنيا أنّه دام ظلّه اختار السدد السنيّة والأعتاب العليّة ، فجعل مجاورتها له أقرّ من رقدة الوسنان ، وأثلج من شربة الظمآن ، وأذهب للجوع من رغفة الجوعان ، فصيّر ترابها ذرورا لباصرته ، وماءها المملّح الزعاق أحلى من السكّر لذائقته ، وهمهمة الزوّار مقويّة لسامعته ، ورمالها وجنادلها مفرشا ليّنا للامسته ، ورياح أعراق الزائرين غالية لشامّته. مع أنّه لو أراد عراق العجم وخراسان ، وشيراز وأصبهان ، لحملوه إليهم بأجفان العيون ، وجعلوه إماما يركنون

١٧

إليه وإليه يوفضون ، يصرفون له نقودهم وجواهرهم ويجعلون أنفسهم فداء له ظاهرهم وباطنهم (١).

ب : ويحدّثنا تلميذه صاحب كتاب « منتهى المقال » في كتابه عنه بقوله :

أستادنا العالم العلّامة ، وشيخنا الفاضل الفهّامة ، دام علاه ، ومدّ في بقاه ، علّامة الزمان ، ونادرة الدوران ، عالم عرّيف ، وفاضل غطريف ، ثقة وأيّ ثقة ، ركن الطائفة وعمادها ، وأورع نسّاكها وعبّادها. مؤسّس ملّة سيّد البشر في رأس المائة الثانية عشر ، باقر العلم ونحريره ، والشاهد عليه تحقيقه وتحبيره. جمع فنون الفضل فانعقدت عليه الخناصر ، وحوى صنوف العلم فانقاد له المعاصر ، والحريّ أن لا يمدحه مثلي ويصف ، فلعمري تفنى في نعته القراطيس والصحف ، لأنّه المولى الّذي لم يكتحل عين الزمان له بنظير ، كما يشهد له من شهد فضائله ، ولا ينبّئك مثل خبير (٢).

ج : وصفه تلميذه السيّد محمّد مهدي بحر العلوم في بعض إجازاته بقوله :

شيخنا العالم العامل العلّامة ، واستاذنا الحبر الفاضل الفهّامة ، المحقّق النحرير ، والفقيه العديم النظير ، بقيّة العلماء ، ونادرة الفضلاء ، مجدّد ما اندرس من طريقة الفقهاء ، ومعيد ما انمحى من آثار القدماء ، البحر الزاخر ، والإمام الباهر ، الشيخ محمّد باقر ابن الشيخ الأجلّ الأكمل والمولى الأعظم الأبجل المولى محمّد أكمل أعزّه الله تعالى برحمته الكاملة وألطافه السابغة الشاملة (٣).

د : ويقول عنه تلميذه الشيخ أسد الله الكاظمي الدزفولي :

الأستاذ الأعظم ، شيخنا العظيم الشأن ، الساطع البرهان ، كشّاف قواعد

__________________

(١) تتميم أمل الآمل : ٧٤ ـ ٧٥.

(٢) روضات الجنّات : ٢ / ٩٤.

(٣) أعيان الشيعة : ٩ / ١٨٢.

١٨

الإسلام ، حلّال معاقد الأحكام ، مهذّب قوانين الشريعة ببدائع أفكاره الباهرة ، مقرّب أفانين الملّة المنيعة بفرائد إنظاره الزاهرة ، مبيّن طوائف العلوم الدينيّة بعوالي تحقيقاته الرائقة ، مزين صحائف رسوم الشريعة بلئالي تدقيقاته الفائقة ، فريد الخلائق ، واحد الآفاق في محاسن الفضائل ومكارم الأخلاق ، مبيد شبهات اولي الزيغ واللجاج والشقاق على الإطلاق ، بمقاليد تبيانه الفاتحة للأغلاق ، الخالية عن الإغلاق ، الفائز بالسباق ، الفائت عن اللحاق ، شيخي وأستاذي في مبادي تحصيلي ، وشيخ مشايخي ، المحقّق الثالث والعلّامة الثاني ، الزاهد العابد ، الأتقى الأورع ، العالم العلم الربّاني ، مولانا آقا محمّد باقر بن محمّد أكمل الأصفهاني الحائري ، الشهير بالبهبهاني قدّس الله نفسه الزكيّة ، وأحلّه في الفردوس في المنازل العليّة (١).

ه : قال الفاضل الدربندي :

ولا يخفى عليك أنّ العلّامة مجدّد رسوم المذهب على رأس المائة الثانية عشر ، وكان أتقى الناس في زمانه ، وفي هذه الأزمنة ، وأورعهم وأزهدهم ، وبالجملة ، كان في الحقيقة عالما عاملا بعلمه ، متأسّيا مقتديا بالأئمّة الهداة صلوات الله عليهم.فلأجل خلوص نيّته وصفاء عزيمته وصل كلّ من تلمذ عنده مرتبة الاجتهاد ، وصاروا أعلاما في الدين (٢).

و: وجاء في « طرائف المقال » :

وبالجملة ، جلالة الشيخ الوحيد واضحة على كلّ أحد ، ويكفي في تبحّره وفضله في أغلب العلوم تأليفه وتلميذه ، إذ الأوّل مصدر التأليف لكلّ من تأخّر ، والثاني منتشر في البلاد وصار كلّ من تلاميذه من أساطين العلماء وجهابذة الفضلاء .. (٣).

__________________

(١) مقابس الأنوار : ١٨.

(٢) لاحظ : معارف الرجال : ١ / ١٢١.

(٣) طرائف المقال : ٢ / ٣٨٥.

١٩

ز : وصرّح في « روضات الجنّات » بقوله :

مروّج رأس المائة الثالثة عشرة من الهجرة المقدّسة المطهّرة كما أنّ سميّه المتقدّم (١) كان مروّجا على رأس المائة قبلها ، وقد بقي إلى الثامنة من الثالثة كما قد بقي الأوّل إلى العاشرة من الثانية ، وكذلك ارتفعت بميامن تأييداته المتينة أغبرة آراء الأخباريّة المندرجة في أهواء الجاهليّة الأخرى من ذلك البين ، كما انطمست آثار البدع الالوفية المنتشرة من جماعة الملاحدة والغلاة والصوفيّة ببركات انتصار المتقدّم منهما لأخبار المصطفين عليهم‌السلام ، وقد سمّي كلاهما أيضا بآية الله تعالى من غاية الكرامة غبّ ما سمّي بهذه المنقبة إمامنا العلّامة (٢).

ح : وقصّ علينا في « قصص العلماء » فقال : ـ ما ترجمته ـ :

الآقا محمّد باقر بن ملّا محمّد أكمل البهبهاني ، علّامة الدهر ونادرة الزمان ، فاضل بلا ثاني ، مشيّد الأصول والفروع والمباني ، عالم صمداني ، وعيلم ربّاني ، سائر مسالك الألفاظ والمعاني ، مقتدى الأقاصي والأعالي والأداني ، صاحب الكرامات الباهرة ، والمؤسّس في الأصول والفروع والرجال ، محطّ رحال الرجال ، الوحيد الفريد في التحقيق والتدقيق والتفريع والاستدلال (٣).

ثمَّ قال ـ بعد أن عرّف لنا جمع من تلامذة العلّامة الوحيد وتبحّرهم في بعض الفنون ، ما ترجمته ـ :

يمكن أن يستكشف ممّا ذكرنا مجملا : أنّ نفس ( الآقا ) كان ذو فنون عديدة ، له يد في كلّ واحد منها ، ممّا سبّب أن يكون تلامذته مظهرا لواحد أو أكثر من تلك الفنون ، وكان ( الآقا ) في تأسيسه للقواعد الكليّة ( وحيد ) ، وفي كثرة إجراء الأدلّة

__________________

(١) إشارة إلى العلّامة محمّد باقر المجلسي ، صاحب « بحار الأنوار ».

(٢) روضات الجنّات : ٢ / ٩٤.

(٣) قصص العلماء : ١٩٨.

٢٠