إيضاح الغوامض في تقسيم الفرائض

الشيخ علي الغروي العلي ياري

إيضاح الغوامض في تقسيم الفرائض

المؤلف:

الشيخ علي الغروي العلي ياري


الموضوع : الفقه
الناشر: بنياد فرهنگ إسلامي كوشانپور
المطبعة: المطبعة العلمية
الطبعة: ٢
ISBN: 964-6438-03-2
الصفحات: ٤٤٠

أو عمرة ، أو زيارة ، أو عيادة مريض ، وتشييع جنازة ، أو نحوها إلّا برضا الآخر ، وكذا ما يقتضى ضعفا في صاحبه ، كالصّوم ونحوه.

ومنها : أنّه لا يثبت الاستطاعة لأحدهما إلّا بوجدان ما يكفيه مع البدل للآخر ، ويحتمل السّقوط ، ووجوب الاستنابة كالعاجز.

ومنها : أنّهما لو مرّا على ثمرة ، وكان أحدهما قاصدا ، أو حاملا حرمت عليه ، وحلت للآخر ، بناء على جواز المارّة.

ومنها : أنّه لو أنّ أحدهما قام في صلاة النّافلة على رجليه من دون إذن صاحبه كان كمن قام في أرض مغصوبة.

ومنها : أنّه إذا اختصّ الاحتلام بأحدهما وجب الغسل عليهما بناء على اعتبار المخرج ، كمطلق الحدث ، وإذا نسى المحتلم ، ولم يعلم صاحبه إلّا بعد أيّام قضيا الصّلاة ، وليس قضاء إلّا على المحتلم.

ومنها : أنّهما لو ماتا وكان ماء يجزى لأحدهما على الأسافل دون الآخر احتمل اختصاصه ، وسقوط الغسل ولو دار بين تغسيلهما معا غسلا واحدا ، أو تغسيل أحدهما الثّلاثة قدّم الثّانى ، ويحتمل الأوّل.

ومنها : أنّهما سافرا ، أو قصد أحدهما مسافة دون الآخر أفطر ، ويمنعه صاحبه من استعمال المفطرات النّاشية من الأسافل.

ومنها : أنّه إذا نوى أحدهما إقامة دون الآخر ، أو عصى بسفره ، أو أتى بغيرهما من موجبات التّمام فعل ما يوافق حكمه.

ومنها : أنّه إذا أحدث المبطون والمسلوس منهما في صلاته ، وكان حكمه أن يتطهّر ، ويبنى على ما صلّى ذهب كلّ منهما وعمل عملهما دائما ، وعليهما مراعاة ما يتوقّف عليه عبادتهما.

ومنها : إنّما يتعلّق بالعورة ، ونحوها ، أو قصّ أظفارا واطلاء يقوم به

٣٨١

من شاء منهما ، أو يشتركان فيما يمكن فيه الاشتراك ، أو يتهانيان ، أو يقترعا ، وليس لأحدهما منع الآخر في وجه ، والمئونة عليهما مع اشتراكهما.

ومنها : أنّهما إذا كانتا حرّتين ، أو حرّة ، أو أمة ، أو أمتين ، ولو لمالك واحد حرم وطيهما ، كما مرّ على الأقوى.

ومنها : أنّه لو أولد ذو الحقوين مثلهما كان لهما أبوان وعمّان.

ومنها أنّه إذا وجهاهما إلى القبلة ، وعكسها ترتّبا في الصّلاة إلّا مع ضيق الوقت ، فيقترعان ، وإذا ماتا معا كان للنّاس الخيار في توجيه من شاءوا إلى القبلة ، ويحتمل الاقتراع بين الأولياء.

ومنها : أنّهما إذا اغتسلا ترتيبا ، فهل يجب الأسافل مرّتين ، الظّاهر : نعم ، وهل يجب عليهما الاتّفاق فيه ترتيبا ، وارتماسا ، أو : لا؟ الظّاهر : لا.

ومنها : أنّه لو كان أحدهما مجنبا دون الآخر في المسجدين الحرميّين يتيمّم ، ويتبعه الآخر في الخروج.

ومنها : أنّهما لو كانا نائمين ، ويتقظ أحدهما لم يكن له المبادرة إلى صلاة النّفل ، أو الفريضة قبل ضيق الوقت مع استلزام يقظة الآخر ، وعدم رضاه.

ومنها : أنّه لو جنى أحدهما على الآخر في الأعالى أخذ تمام ديته ، وفي الأسافل نصفها ، ويحتمل التّمام.

ومنها : أنّه لو أقرّ أحدهما بما يوجب القصاص في الأعالى ممّا لا يوجب السّراية مضى إقراره ، دون الأسافل ، فإنّ عليه الدّية.

ومنها : أنّه لا ينعقد إحرام أحدهما ، وصومه مع عدم اللّزوم ، للزوم منعه من الطّعام ، والشّراب ، والنّساء ، مع الوجوب يكون مشغول الذّمّة شرعا إلى غير ذلك من الفروع الكثيرة المتشتّتة غير محصورة.

٣٨٢

الثّالثة

في الإقرار بالنّسب

قال شيخنا الأعسم رحمه‌الله :

لو أنّ شخصين تعارفا فلا

يكلّفان شاهدا لو جهلا

ثمّ توارثا لصحّة الخبر

فرّحته والحقّ فيهما الخصر

أقول : كلّ اثنين تعارفا ، ولا وارث لهما توارثا ، وإن لم يقيما بيّنة ما لم يعرفا بنسب غيره ، لانحصار الحقّ فيهما ، ولعموم إقرار العقلاء على أنفسهم جائز.

ولصحيحة عبد الرّحمن بن الحجّاج عن الصّادق عليه‌السلام.

وكذا لو كان ، وصدق ، ولا يتعدّى التّوارث بدون البيّنة ، أمّا إذا كان المقرّ به ولدا للصّلب صغيرا لم ينازع فيه ، وإن بلغ وأنكر ، أو كبيرا ، أو زوجة لا ينازع فيها مع تصديقهما ، فإنّه يقبل على كلّ مال أمكن يتعدّى التّوارث ، وإذا اعترف الورثة يشارك قاسمهم ، وثبت نسبه إن شهد به

٣٨٣

عدلان ، وإن اعترف بعضهم دفع عليه ما فضل في يده عن ميراثه على المشهور ، ويحتمل مشاركته له بنسبة نصيبه لتساويهما في سبب الإرث ، والمنكر بزعمهما غاصب لهما ، فإذا أردت معرفة فضل على الأوّل ، فاضرب مسئلة الإقرار في مسئلة الإنكار إن تباينتا ، وفي وقفها إن توافقتا ، واجتز بإحداهما إن تماثلتا ، وبالأكثر إن تداخلتا.

ثمّ تضرب ما للمقرّ في مسئلة الإقرار في مسئلة الإنكار ، أو في وفقها ، وما للمنكر في مسئلة الإقرار ، أو في وفقها في الأوّلين ، فما كان بينهما فهو الفضل ، وتنظر ما للمقرّ على تقدير الإقرار ، وماله على تقدير الإنكار ، وتدفع التّفاوت في الأربع ، فإن لم يكن فضل فلا شي‌ء للمقر له.

وعلى الثّانى : فانظر في قول المسألة على قول المنكر ، وادفع إليه نصيبه منها ، ثمّ اقسم الباقى بين المقرّ به ، فإن انكسر صحيحته بالضّرب ، فلو أقرّ لابن ، ولا وارث غيره بالآخر ، ودفع إليه نصف ما في يده ، فلو أقرّ بثالث ثبت نسبة إن كانا عدلين ، ولو أنكر الثّالث الثّانى ، فالمشهور : إنّ كلّ مال له نصف التّركة ، وللأوّل الثّلث ، وللثّانى السّدس ، وهو تكملة نصيب الأوّل ، لثبوت إرث الثّالث باعتراف الأوّلين ، والأوّل باعتراف الآخرين ، وكان المتّفق عليهما اثنين ، والأوّل يعترف بأنّهم ثلاثة ، فليس إلّا الثّلث (١) ، فينبغى السّدس للثّانى باعتراف الأوّل.

ويحتمل قسمة النّصف بين الأوّلين نصفين ، لأنّ ميراث الاثنين يقتضى التّسوية ، فلا يسلم لأحدهما شي‌ء ، والآخر مثله ، والثّالث بزعمهما غصبهما بعض حقّهما.

__________________

(١) الثّالث ـ خ ل.

٣٨٤

ويحتمل أن يكون للثّالث الثّلث ، لأنّه لم يقرّ له بأكثر منه ، فيحتمل أن يغرم له الأوّل السّدس ، لإتلافه له عليه بإقراره الأوّل ، والأظهر : الأوّل ، لشياع حقّ الثّانى فيما في يد الأوّل ، والثّالث بالتّسوية الثّلث من كلّ منهما ، فعليه مسئلة الإنكار ، ومسئلة الإقرار من ثلاثة ، فتضرب إحداهما الاخرى للتّباين ، فثلث المرتفع ، وهو اثنان للمقرّ ، ونصفه للمنكر ، ويبقى سهم للآخر.

وعلى الثّانى فاضل على قول المنكر اثنان له منهما واحدة ، والآخر لا ينقسم على اثنين ، فتضرب اثنين في الأصل ، فنصف المرتفع للمنكر ، ونصفه للآخرين ، لكلّ منهما واحد.

ولو أنكر الثّانى الثّالث ، دفع الأوّل ثلث ما بقى في يده على الثّالث ، وثلث جميع المال ، لتفويته حقّه بتفريطه ، علم عند إقراره الأوّل بالحال ، ولم يعلم لتساوى العمد والخطاء في ضمان الإتلاف.

ويحتمل عدم الضّمان إذا جهل الحكم أو الثّانى ، لأنّه فعل الواجب ، فلم يجده فلم يضمن.

الرّابعة

لو أقرّ الابن فمنع البنات الثّلث بابن ، وأنكرن ، فمسألة الإقرار من سبعة ، ومسئلة الإنكار من خمسة ، ومضروبهما خمسة وثلاثون ، فللمقرّ سهمان من مسئلة الإقرار مضروبان في مسئلة الإنكار عشرة ، وللمنكر سهم من مسئلة الإنكار مضروب في مسئلة الإقرار سبعة ، فالفضل أربعة ، لأنّ للابن مثل البنتين ، ولهما أربعة عشر للمقرّ له.

ولو كان هناك إخوة ثلاثة لأب مع أخ لأمّ ، فأقرّ أحدهم بآخر منه فمسألة الإقرار من أربعة وعشرين ، والآخر من ثمانية عشر والتّوافق

٣٨٥

بالسّدس فتضرب سدس إحداهما في الاخرى يحصل اثنان وسبعون فللمقرّ من مسئلة الإقرار ، خمسة مضروبة في وفق مسئلة الإقرار عشرون ، فالفضل خمسة للمقرّ له ، ولو كان الإقرار من الأخ للأمّ بآخر منها ، فالمسألتان من ثمانية عشر ، فيجتزى بإحداهما ، فللمقرّ ثلاثة على التّقديرين ، فلا فضل ، ولو أقرّ بأخوين منها ، فإحدى المسألتين من تسعة ، والاخرى من ثمانية عشر ، فيجتزى بالأكثر ، فله مقرّا سهمان ، ومنكرا ثلاثة ، فالفضل سهم للمقرّ لهما.

الخامسة :

لو أقرّ الوارث فأولى منه سلّم المال إليه ، فلو أقرّ العمّ بأخ دفع المال إليه ، فإن أقرّ الأخ بابن سلّمت التّركة إلى الابن ، ولو كان المقرّ ثانيا للعمّ ، فإن صدّقه الأوّل فكذلك ، وإن كذّبه فالتّركة له ، وغرم المقرّ للثّالث إن دفع وارثا غيره ، وإلّا ففى الغرم نظر.

السّادسة :

لو أقرّ العمّ بأخوين دفعة أخذ كلّ النّصف ، وإن تناكرا ، ولو أقرّ أحد العمّين بأخ ولدته الآخر أخذ المقرّ له نصيب المقرّ ، فإن أقرّ الآخر بآخر ، دفع إليه ما في يده.

السّابعة :

لو أقرّ بعض الورثة بدين ، لزمه ما يقتضيه التّقسيط ، فلو خلفت المرأة أبوين وزوجا وابنين ، وستّ بنات ، فأقرّت إحدى البنات على تركتها بمائتين وأربعين دينارا ، فنصيبها من التّركة واحد من أربعة وعشرين ، ومن الدّين بتلك النّسبة عشرة دنانير تؤدى من نصيبها ، وإن استغرق ولو فضل

٣٨٦

نصيبها من الدّين على نصيبها من الميراث ، فلا تجب دفع الفضل.

ولو خلّف ابنين وبنتا وألفا ، فأقرّ أحدهما بألف ، فما زاد عليه خمسا التّركة ، ولو أقرّ بخمسمائة ، فعليها خمسها ، ويفضل في يده خمس.

فإن كان عدلا مقبول الشّهادة أخذ المقرّ له من حصص سائر الورثة بعد إحلاف بتلك النّسبة ، وإقرار جميع الورثة ، كإقرار المورث سواء.

٣٨٧

المطلب الثّالث

في ميراث المجوس

قال شيخنا الأعسم رحمه‌الله :

إذ المجوس استحلّ من حرم

نكاحها عليه من اخت وأمّ

فولدت كان الفساد للنّسب

في الولد منها كألف وللنّسب

روى من الأصحاب غير واحد

إرث الصّحيح والفاسد

وقيل بالإرث لمطلق النّسب

إن صحّ أم لا دون فاسد النّسب

وهو اختيار الفضل والمفيد

ممّن مضى وخيرة الشّهيد

وقيل عن يونس فيما قد نقل

لا إرث فيهما بغير ما يحلّ

وهذه فروعها كثيرة

فارجع لها فكن على بصيرة

وقال الشّيخ الحرّ العاملىّ رحمه‌الله :

ثمّ المجوس جاءت الآثار

في إرثهم قد وردت أخبار

ومقصد المسلم في الجاثه

عن المجوسىّ وعن ميراثه

٣٨٨

يحصل مع ترافع المجوس

إلى الفقيه المسلم الرّئيس

كذا إذا ما أسلموا واحتاجوا

لحكمنا فليترك اللّجاج

واختلف الأصحاب فالمحكى عن

بعضهم توريثهم فليعلمن

بسبب ونسب من غير أن

بشرط صحّة وفي الأصحاب من

ورثهم بالسّبب الصّحيح أو

بالنّسب المطلق حسب ما رووا

ومنهم من خصّص الصّحيحا

بالإرث منه فأفهم التّصريحا

فأوّل الأقوال للشّيخ وما

يليه للمفيد والفضل انتمى

وبالأخير يونس قد افتى

ثمّ ابن إدريس اقتفى ذا السّمتا

أقول : إذا ترافع المجوس إلينا ، اختلف علماؤنا رضوان الله تعالى عليهم فيه ، فقال الشّيخ ، وابن السّراج ، وسلّار ، وابن حمزة : يتوارثون بالصّحيحة والفاسدة ، وهو المشهور.

وقال يونس بن عبد الرّحمن ، والحلبىّ ، وابن إدريس : يتوارثون بالصّحيح منها دون الفاسدة ، محتجّين ببطلان ما سواه في شرع الإسلام ، فلا يجوز لحاكمهم أن يترتّب عليه أثرا.

وقال الفضل ، والمفيد ، وجماعة ، منهم الشّهيد في اللّمعة ، والشّرحين : بالنّسب والسّبب الصّحيحين ، والنّسب الفاسدة خاصّة ، كالمسلمين.

أمّا الأوّل : فلأنّ المسلمون يتوارثون بهما مع الشّبهة ، وهى موجودة في حقّهم.

٣٨٩

وأمّا الثّانى : فلقوله سبحانه وتعالى : « وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ » (١) ، « وَقُلِ الْحَقُّ » ، وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ « وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ » (٢) ، ولا شي‌ء من الفاسد بقسط ، وهذه الحجّة أصحّ على نفى الفاسد منهما ، ويظهر ممّا قدّمناه الجواب عن فاسد النّسب.

وحجّة المشهور خبر السّكونى عن علىّ عليه‌السلام : إنّه كان يورث المجوسى إذا تزوّج بامّه واخته وابنته على الجهتين.

وقول الصّادق عليه‌السلام لمن سبّ مجوسيّا ، وقال عليه‌السلام : إنّه تزوّج بامّه ، أما علمت أنّ ذلك عندهم النّكاح بعد أن زبر.

وقوله عليه‌السلام : إنّ كلّ قوم وافوا بشي‌ء يلزمهم حكمه.

وأمر السّكونى واضح ، والباقى لا ينهض حجّة ، ونعنى بالفاسد ما يحصل من نكاح يحرم في شرعنا سائغ في اعتقادهم ، كما لو نكح امّه فأولدها ، فالسّبب والنّسب فاسدان.

فعلى الأوّل : ترثه الامّ وولدها بالبنوّة ، والأبويّة ، والامومة ، والزّوجية دون الزّوجية على الثّالث ، والامّ بالامومة خاصّة على الثّانى ، وعلى المشهور : لو كانت اخته لأمّه جدّته لأبيه جدّته لأمّه ، ورثت بالأمرين ، ولو منع أحد السّببين الآخر من الإرث باعتبار المانع ، كبنت هى اخت من أمّ ، أو بنت وعمّة هى اختين من أب ، أو بنت عمّة ، واخت هى أمّ ، ولا ترث المسلمون بالسّبب الفاسد إجماعا.

__________________

(١) سورة المائدة ، الآية ٤٩.

(٢) سورة المائدة ، الآية ٤٢.

٣٩٠

المطلب الرّابع

في ميراث الغرقى والمهدوم عليهم

قال شيخنا الأعسم رحمه‌الله :

الحكم في الموتى بهدم وغرق

وليس يدرى موت أيّهم سبق

وبينهم توارث إذ هلكوا

وعندهم مال هناك يملك

أن يورث البعض من البعض ولا

يورث ممّا صار إرثا أوّلا

والمال من كلّ لكلّ ينتقل

ومنه للوارث بعده يصل

وإن يكن ذو المال بعضهم فقط

فالإرث للباقى على ذاك النّمط

ولا يساوى غير ذين من سبب

للموت في حكمهما الّذي وجب

لو غرق ابن وأب فالثّانى

مقدّم لو ملك الاثنان

والإرث من كلّ لكلّ استحقّ

وارثه على سبيل ما سبق

أقول : يشترط في الحكم بالتّوارث معهما اشتباه الحال ، فلو علم السّابق ورث المتأخّر المتقدّم دون العكس ، وإن علم الاقتران ، فلا توارث ، وأن

٣٩١

تكون الموارثة من الطّرفين ، فلو غرق أخوان ، ولكلّ منهما أو لأحدهما ولد ، سقط هذا الحكم ، وقسمت تركة كلّ على ورثته الأحياء.

وقال قوم : يورث من الطّرف الممكن ، والأوّل أقرب.

ويمكن لاستدلال عليه بالإجماع ، ومع ذلك يرث كلّ منهما من الآخر ، بأن تفرض موت أحدهما أوّلا ، فيرث الآخر منه ، ثمّ يفرض موت الآخر ، فيرث الأوّل منه ، إن كان لكلّ منهما مال ، وإلّا صار لمن لا مال له ، ومنه إلى وارثه الحىّ ، ولا شي‌ء لوارث ذي المال ، لصحيحة عبد الرّحمن بن الحجّاج عن الصّادق عليه‌السلام في الأخوين لأحدهما مأئة ، أو ألف درهم ، والآخر ليس له مال ركبا في السّفينة ، فغرقا ، فلم ندر أيّهما مات أوّلا.

قال عليه‌السلام : المال لورثة الّذي ليس له شي‌ء ، ولا يرث الثّانى ممّا ورث منه الأوّل ، لأنّه على خلاف الأصل ، فيقتصر فيه على خلاف مورد النّصّ ، وموضع الوفاق ، ولصحيحة السّابقة.

ولما روى عن علىّ عليه‌السلام في قوم غرقوا جميعا أهل بيت عال ، قال عليه‌السلام : يورث هؤلاء من هؤلاء ، وهؤلاء من هؤلاء ، ولا يورث هؤلاء ممّا ورث هؤلاء شيئا. (١)

واحتجّ الأكثرون باستلزامه التّسلسل ، وهو غير لازم ، والمحال العادى ، وهو فرض الحياة بعد الموت ، ومثله في إرث الأوّل من الثّانى ، وردّ ما فيه من التّكلّف.

وذهب المفيد وسلّار إلى توريث الثّانى ممّا ورث منه الأوّل أيضا ، لأنّ توريثه منه إنّما وقع بعد الحكم للأوّل بملك الأوّل بملك نصيبه منه ، فكان

__________________

(١) عوالى اللّئالى ( ص : ٣٣٩ ، ج : ٢ ).

٣٩٢

كغيره من أمواله ، ولوجوب تقديم الأضعف في الإرث ، ولا فائدة إلّا التّوريث ممّا ورث منه.

واجيب بأنّه استدلال في مقابل النّصّ ، وبمنع الوجوب ، ولو سلّم إخفاء الفائدة لا يقتضى نفيها ، وجاز أن يكون تعبّدا محضا ، ويختلف التّساوى في الاستحقاق ، كأخوين لأب ، وظاهر الأخبار.

ومنها : رواية محمّد بن مسلم الصّحيحة عن : أحدهما سلام الله عليهما وجوب تقديم الأضعف ، كما ذهب إليه بعض الأصحاب.

منهم : الشّيخان ، وابن إدريس ، والمحقّق في النّافع ، ولا يخفى إلّا على قول المفيد ، وسلّار ، ذهب جماعة ، منهم : الشّيخ في الإيجاز ، والمحقّق في الشّرائع ، والعلّامة في الإرشاد ، والشّهيد في الدّروس إلى الاستحقاق ، ولعلّه أشبه بالصّواب ، ولو ثبت الوجوب كان تعبّدا ، فلو غرق الأب ، وولده فرض موت الولد أوّلا ، فيرث الأب نصيبه منه ، ثمّ يفرض موت الأب ، فيرث الولد نصيبه منه ، ثمّ إن كان منهما أولى من غيره انتقل مال كلّ منهما إلى الآخر ، ومنه إلى ورثته الأحياء ، وإن شاركهما مساو انتقل إلى ورثته الحىّ ما ورثه.

وإن لم يكن لهما وارث ورثهما الإمام عليه‌السلام.

وإن كان لأحدهما وارث دون الآخر ورث ما صار إليه وارثه وما صار إلى الآخر للإمام عليه‌السلام.

وظاهر قول الشّيخ في النّهاية ، والمبسوط ، وابن الجنيد ، وأبى الصّلاح ، واختيار العلّامة في القواعد اطّراد الحكم في كلّ سبب يقع معه الاشتباه.

وصرّح ابن حمزة بذلك في الغرق ، والحرق ، والهدم ، والقتل ، لوجود العلّة.

واجيب بمنع كون العلّة مطلق الاشتباه المستند إلى الغرق ، والهدم مع كونه على خلاف الأصل ، فيقتصر فيه على موضع اليقين والوفاق ، ولا خلاف

٣٩٣

في عدم التّوارث مع الاشتباه فيما لو كان الموت حتف الأنف ، كما لا خلاف في ثبوته عند الاشتباه في الغرق ، والعدم.

وهاهنا أمثلة ثلاثة :

الاولى :

إخوة لأب ، ولكلّ منهم أخ لأمّ حىّ ، يفرض موت كلّ واحد منهم أوّلا ، فيصير كمن خلّف أخوين لأب ، وأخا لأمّ ، فتكون الفريضة من اثنى عشر لأخيه من امّه سهمان ، ولكلّ من المتوفين معه خمسة ينتقل منه إلى أخيه لأمّه ، فيحصل بعد قسمة الجميع لكلّ أخ من الامّ من تركة كلّ من الأخوين بالانتقال.

الثّانية :

زوجان ، وابن ، وبنتان لهما مهدوم عليه ، وترك الزّوج أخا ، والزّوجة أبا ، والابن زوجة ، وإحدى البنتين زوجا.

فيفرض موت الزّوج أوّلا ، فيكون أصل الفريضة من اثنين وثلاثين للزّوجة ، منها أربعة ، وتنتقل إلى أبيها ، وللابن أربعة عشر لا تنقسم على ورثته ، فتضرب الأصل في اثنين لزوجة المرتفع ثمانية ، وتنتقل إلى أبيها ، وللأب ثمانية وعشرون لزوجته ، منها سبعة ، وينتقل الباقى إلى جدّه.

ونصيب الزّوجة من البنتين أربعة عشر نصفها لزوجها ، والباقى ينتقل إلى جدّها ، ونصيب البنت الاخرى أربعة عشر أيضا ، وينتقل إلى جدّها.

٣٩٤

ثمّ يفرض موت الزّوجة ، فيكون أصل فريضتها ثمانية وأربعين ، سدسها لأبيها ، وربعها لزوجها ، والباقى لأبيها ، ولا ينقسم على ورثته ، فتضربها في اثنين ، تصير : ستّة وتسعين.

ولكلّ من الأب والزّوج ضعف ما اخذ أوّلا ، فينتقل مال الزّوج إلى أخيه ، وثمانية وعشرون لأبيها سبعة منها لزوجته ، والباقى لجدّه ، وأربعة عشر لذات الزّوج نصفها لزوجها ، والباقى ينتقل إلى جدّها ، وللبنت الاخرى كذلك ، وينتقل إلى جدّها.

ثمّ يقدّر موت الابن ، فيكون أصل فريضته اثنى عشر ، لزوجته ربعها ، ولأمّه ثلثها ، وينتقل إلى أبيها ، والباقى لأبيه ، وينتقل إلى أخيه.

ثمّ يقدّر موت الزّوج ، فيكون أصل مالها ستّة ، ثلاثة لزوجها ، واثنان لأمّها ، وينتقل إلى أبيها ، وواحد لأبيها ، وينتقل إلى أخيه.

ثمّ يقدّر موت البنت الاخرى ، فيكون أصل مالها ثلاثة ، ثلثها لأبيها ، وينتقل إلى أبيها ، والباقى ، لأبيها ، وينتقل إلى أخيه ، فلأخ الزّوج من تركة الزّوجة أربعة وعشرون ، ومن تركة ابنه خمسة ، ومن تركة ابنته المزوّجة واحد ، ومن تركة ابنته الاخرى اثنان بالانتقال ، ولا شي‌ء له من الأصل ، ولأب الزّوجة من تركتها ثمانية وخمسون ، ستّة عشر منها من أصل مالها ، والباقى : بالانتقال ، ومن تركة الرّجل خمسون ، ومن تركة الابن أربعة من اثنى عشر ، ومن تركة ذات الزّوج اثنان ، ومن تركة الاخرى واحد بالانتقال ، ولزوجة الابن من تركة أبيه سبعة ، ومن تركة امّه كذلك ، ومن أصل تركته ثلاثة ، ولزوج البنت من أصل تركتها ثلاثة ، ومن تركة ابنها سبعة ، ومن تركة امّها كذلك بالانتقال ، وكلّ ما يؤخذ من تركة أحد فهو فريضة.

٣٩٥

الثّالثة : أخوان واخت ابنها للأبوين ، وجدّ لهم من قبل امّهم ، غرقوا ، وخلّف الجدّ أخا واختا ، وللإخوة ابن أخ آخر لأمّ ، وأصل مال الجدّ خمسة ، لكلّ أخ اثنان ، وللأخت واحد ، وينتقل مال الجميع إلى ابن الأخ ، ولا شي‌ء لأخيه ، واخته لوجود ولد ، وأصل مال كلّ من الأخوين ، كالأوّل اثنان منه للجدّ ، ولا ينقسم على ورثته ، فتضربها في ثلاثة تبلغ خمسة عشر ، منها ستّ للجدّ ينتقل منها أربعة إلى أخيه ، واثنان إلى اخته ، والباقى للأخ ، والاخت ، وينتقل إلى ابن الأخ ، وأصل مال الاخت ثلاثة ، منها واحد للجدّ ، ولا ينقسم على ورثته ، فتضربه في ثلاثة تبلغ تسعة ، للجدّ منها ثلاثة ، وينتقل إلى أخيه واخته ، والباقى للأخوين ، وينتقل إلى ابن أخيهما ، فلابن الأخ جميع ما للجدّ ، وتسعة من فريضة كلّ من الأخوين ، وستّ من فريضة كلّ من الأخوين ، وستّة من فريضة اختهما ، ولأخته نصف ذلك بالانتقال ، فلا شي‌ء للأحياء من هذا المثال من أصل المال.

٣٩٦

المطلب الخامس

في مخارج الفروض

قال الشيخ الأعسم رحمه‌الله :

مخارج الفروض أدنى عدد

يخرج منه لا بكسر مفسد

فمخرج النّصف هو الاثنان

ومخرج الثّمن من الثّمان

والرّبع من أربعة والسّدس

من ستّة والكلّ لا يلتبس

لمّا كان الغرض من معرفة الحساب في كتاب المواريث تصحيح مسائله ، وقسمة التركة على الورثة ، وبيان مخارج الفروض من مقدّمات تصحيح مسائله ، فوجب بيانها ، وفائدة معرفتها إخراج السّهام من أقلّ عدد ينقسم على أرباب الحقوق بغير كسر.

ثمّ من الفروض إمّا أن يقع واحد منها في الفريضة ، أو اثنان ، أو أكثر ، أو لا يقع شي‌ء منها فيها ، فإن لم يقع شي‌ء منها ، فاجعل الفريضة عدد رءوسهم مع التّساوى ، كأربعة أولاد ذكور للأبوين ، أو للأب ، وإن اختلفوا ذكورة ، و

٣٩٧

انوثة وكانوا يقتسمون بالتّفاوت ، فاجعل لكلّ ذكر سهمين ، ولكلّ انثى سهما.

فما اجتمع فهو أصل الفريضة ، فإن وقع فيها فرض واحد فقط ، اتّحد أو تكرّر فالمخرج المأخوذ منه ذلك الكسر هو أصل الفريضة ، فبيّنها بقوله : فخرج النّصف ـ إلخ.

فالنّصف من اثنين ، والثّلث ، والثّلثان من ثلاثة ، والرّبع من أربعة ، وهكذا وإن وقع فيها فرضان ، أو أكثر ، فإن كانا من مخرج واحد كالثّلثين ، والثّلث فهو أصل الفريضة أيضا ، وإن كان مختلفى المخرج نظرنا في المخرجين ، فإن كانا متداخلين ، كما إذا وقع الثّمن ، والنّصف ، فأصل الفريضة أكثرهما ، وهو الثّمانية ، وإن كانا متوافقين ، كما إذا كان الواقع السّدس والربع ، ضربت وفق أحد المخرجين في جميع الآخر ، فما حصل هو أصل الفريضة ، وإن كانا متباينين ، كما إذا اجتمع الرّبع والثّلث ضربت أحد المخرجين في الآخر ، وجعلت الحاصل أصل الفريضة.

وعلى هذا فكلّ فريضة فيها نصفان ، كزوج واخت ، أو نصف وما بقى ، كزوج وأخ ، فهي من اثنين لاتّحاد الفرض الواقع فيهما ، وكلّ فريضة فيها ثلثان ، أو هما ، وما بقى ، كأختين من الأب ، أو ثلثان ، وثلث ، كأختين لأب واخت لأمّ ، فهي من ثلاثة لاتحاد الفرض فيها ، وكلّ مسئلة فيها ربع ، وما بقى كزوج وابن ، أو ربع ، ونصف ، وما بقى كزوج وبنت ، فهي من أربعة ، لتداخل المخرجين فيها ، وكلّ مسئلة فيها سدس ، وما بقى كأحد الأبوين مع ابن ، أو سدس ، ونصف ، وما بقى كأخت ، وواحد للأمّ ، فهي من ستّة ، لتداخل مخرجيهما ، وكلّ مسئلة فيها ثمن وما بقى ، كزوجة مع ابن ، أو ثمن ونصف ، وما بقى كزوجة ، وبنت ، فهي من ثمانية ، لتداخل المخرجين ، وقس على هذا ما يرد عليك من الفروض مجتمعة ومتفرّقة.

٣٩٨

إذا عرفت هذا ، فالفريضة إمّا أن تكون مساوية للفروض الّتي فيها ، أو ناقصة عنها ، أو زائدة.

أمّا المساوية : فقد أشار شيخنا الأعسم رحمه‌الله بقوله :

لو ساوت الفريضة السّهاما

وانقسمت فيهم فلا كلاما

كالزّوج والاخت من الاثنين

أو من أب تفرضها سهمين

يعنى إذا كانت الفريضة مساوية للسّهام ، فإمّا أن تنقسم على عدد رءوس أهلها بغير كسر ، أو تنكسر عليهم ، فإن انقسمت على عدد رءوسهم بغير كسر ، فلا بحث كزوج واخت للأبوين ، أو للأب ، فالفريضة من اثنين ، لأنّ فيها نصفين ، ومخرجهما اثنان تنقسم على الزّوج واخت صحاحا بغير كسر لكلّ واحد منهما واحد من الفريضة ، وكبنتين وأبوين ، فالفريضة من ستّة ، فهي مخرج السّدس ، وهى تنقسم على البنتين والأبوين صحاحا لكلّ بنت اثنان ، ولكلّ من الأبوين واحد ، وكأبوين وزوج ، فالفريضة من ستّة أيضا تنقسم على الأبوين ، والزّوج بلا كسر ، للأب واحد بالقرابة ، وللأمّ اثنان ، وللزّوج ثلاثة ، وإن لم ينقسم عليهم بغير كسر ، فإمّا أن تنكسر على فريق واحد ، أو أكثر.

فعلى كلا التّقديرين فإمّا أن يكون بين عدد الرّءوس المنكسر عليهم النّصيب ، وبين نصيبهم المنكسر تباين ، أو وفق فالأقسام أربعة ، وإنّما لم نعتبر بين عدد الفريق ، وبين نصيبهم غير التّوافق ، والتّباين ، لأنّا نحتاج إلى تصوير (١) الفريضة على وجه تنقسم على المنكسر عليه بغير كسر.

__________________

(١) تصعيد ، خ ل.

٣٩٩

واعتبار التّداخل بينهما يوجب بقاء الفريضة على حالها ، فلا تحصل به فائدة ، والمتماثلان تنقسم الفريضة فيهما بغير كسر ، فلا وجه لاعتباره.

فإن قلت : قد يكون بين العدد والنّصيب تداخل فما حكمه؟

قلت : إنّ كلّ عددين متداخلين هما متوافقان ، واعتبار التّوافق يفيد الزّيادة ، وتصعيد الفريضة باعتبار الضّرب بخلاف التّداخل ، فإنّ اعتباره يقتضى الاجتزاء بالأكثر ، فلا يفيد في الفريضة فائدة.

ثمّ إن انكسرت الفريضة على فريق واحد ، وكان بين عدد الفريق ، وبين نصيبهم تباين ، فهو القسم الأوّل من الأقسام الأربعة.

وإليه أشار شيخنا الأعسم رحمه‌الله بقوله :

فإن يكن على فريق ينكسر

وتفرض التّساوى الّذي ذكر

فإن تباين عدد الفريق

نصيبه فابن على التّحقيق

والعدد اضربن لا النّصيبا

في أصل ما فرضت كى نصيبا

كالأبوين وبنات خمس

تفرضها ستّا لأجل السّدس

تصحّ في السّدسين لا في الأربع

فلتضرب الخمس بستّ ترفع

إلى الثّلاثين فهذا المرتفع

فريضة فيها السّهام تجتمع

اعلم ؛ أنّه إذا ساوت الفريضة السّهام ، وانكسرت على فريق واحد تحته قسمان من الأقسام الأربعة.

أحدهما : أن يكون بين عدد الفريق المنكسر عليه النّصيب ، وبين النّصيب تباين.

والثّانى : أن يكون بينهما توافق ، والنّاظم بيّن العمل المصحّح للقسمين في هذا المتن ، والّذي بعده.

٤٠٠