الرسائل التسع

الشيخ نجم الدين أبي القاسم جعفر بن الحسن بن يحيى بن سعيد الهذلي [ المحقق الحلّي ]

الرسائل التسع

المؤلف:

الشيخ نجم الدين أبي القاسم جعفر بن الحسن بن يحيى بن سعيد الهذلي [ المحقق الحلّي ]


المحقق: رضا الاستادي
الموضوع : الفقه
الناشر: منشورات مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٩٩

المسألة السادسة والثلاثون

في المصلّي إذا شكّ بين الاثنتين والثلاث والأربع ، وكذا بين الاثنتين والأربع ، وكذا بين الاثنتين والثلاث وهو قائم ، ما الحكم في ذلك؟ هل يكون كمن شكّ وهو جالس؟ أو بينه وبين ذلك فرق؟ فهل في ذلك خلاف؟ أفتنا مأجورا.

الجواب

إذا شكّ وهو قائم قبل الوكوع لم تحصل له الأوّلتان يقينا فيجب ان يحكم ببطلان صلاته ، أمّا لو كان جالسا وقال : لا أعلم جلوسي بعد ثانية أو ثالثة ، أو ثانية أو رابعة ، أو بعد ثانية أو ثالثة أو رابعة ، فإنّه يكون محصّلا لاثنتين على يقين وشاكّا فيما زاد ، فلا تبطل صلاته.

وليس هذه الفروع مما تعرّض لها أوائلنا فيذكر عنهم فيهم خلاف ، بل هو من التفاريع المحدثة (٧٠) ، وعلى الباحث استفراغ وسعة في إصابة الحقّ.

المسألة السابعة والثلاثون

في رجل أوصى بوصايا لأولاده ذكور وإناث ، وذكر في وصاياه أنّ وصيّه يوقف ما أوصى به لمن أوصى به وعلى أولاده ، فإذا انقرضوا كان الوقف للموضع الفلاني ، وعيّن مصير الوقف إلى أماكن لا ينقرض مثلها ، فهل تصحّ هذه الوصايا وثبت الوقف؟ وما الحكم في ذلك؟ أفتنا أطال الله بقاك.

الجواب

نعم تصحّ هذه الوصية ويحكم بصحّة الوقف إذا خرج من ثلث تركة الميّت ، أو أجازه الورثة وإن لم يخرج من الثلث ، ويجب على الوصيّ أن يعمل بموجب ما أمره الموصي في ذلك ويحكم بصحّته شرعا ، وإذا وقفه سلّمه إلى الموقوف عليهم أو إلى من عيّنه الموصي للنظر فيه.

__________________

(٧٠) كذا.

٢٦١

المسألة الثامنة والثلاثون

الموصي الأوّل إذا قال : الموضع الفلاني من ملكي يكون لأمّهات أولادي فلانة وفلانة وفلانة إذا توفّيت يحبسها وصيّ فلان عليهنّ ومن تزوّج منهنّ يرجع ما حبس عليها إلى ولدها فهل يصحّ ذلك وما الحكم؟.

الجواب

نعم يصحّ ذلك ويجب على الوصي ان يحبس ذلك على من عيّنه الموصي ويشترط في الحبس ذلك الشرط الذي ذكره الموصي ، بشرط أن يكون ذلك ممّا يحتمله ثلث تركة الميّت أو تجيزه الورثة.

المسألة التاسعة والثلاثون

في قولهم : يكره أن يصلّى على جنازة مرّتين (٧١) ، وقد روي أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله صلّى على جنازة بقوم ثمّ جاء آخرون فصلّى بهم مرارا (٧٢) ، فهل تكون هذه الكراهية متوجّهة إلى غير المأموم أو تكون الكراهية مطلقة وتخص النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بذلك؟

الجواب

الذاهب إلى كراهية ذلك الشيخ أبو جعفر رحمه‌الله محتجّا بروايات ضعيفة الاسناد (٧٣) وبإزائها روايات أخر صحيحة دالّة على الجواز.

منها رواية الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنّ عليّا عليه‌السلام صلّى على سهل بن حنيف خمسة وعشرين تكبيرة كلّما جاء قوم قالوا لم ندرك الصلاة

__________________

(٧١) قال الشيخ الطوسي في الخلاف ١ ـ ٢٩٥ : من صلى على جنازة يكره له أن يصلّي عليها ثانيا ..

(٧٢) لم أجد هذه الرواية مع الفحص الكثير.

(٧٣) راجع التهذيب ٣ ـ ٣٢٤ والاستبصار ١ ـ ٤٨٤.

٢٦٢

فكبّر وصلّى بهم (٧٤).

وروي أيضا عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كبّر على حمزة سبعين تكبيرة (٧٥). وينبغي أن يكون العمل على الجواز اتّباعا لما فعله النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وعلي عليه‌السلام بعده ، ولا عبرة بالأخبار الضعيفة مع وجود الأخبار الصحيحة. والشيخ رحمه‌الله التزم الجمع بين الاخبار فلم ير وجها في المنع إلّا تنزيله على الكراهية توفيقا بين الاخبار (٧٦) ونحن قد بيّنا أنّه لا حاجة إلى التوفيق بينها مع ضعف الأخبار المانعة من الصلاة ، وعلمنا بالأخبار السليمة الصافية عن الكراهية.

المسألة الأربعون

في المسافر إذا اجتاز ببلد فيه مسكن قد استوطنه ستّة أشهر متفرّقة في أوقات متعدّدة هل لزمه (٧٧) ذلك الحكم أو يعتبر التوالي؟

الجواب

لا يعتبر التوالي بل يجب الإتمام ولو كان الاستيطان متفرقا عملا بإطلاق رواية محمّد بن بزيع عن الرضا عليه‌السلام (٧٨).

__________________

(٧٤) الوسائل ٢ ـ ٧٧ ـ رجال الكشّي ٢٥ ـ الكافي ٣ ـ ١٨٦ والاستبصار ١ ـ ٤٨٤ والتهذيب ٣ ـ ٣٢٥.

(٧٥) الوسائل ٢ ـ ٧٧٨ ـ الكافي ٣ ـ ١٨٦ ـ التهذيب ١ ـ ٣٣١ وفيها عن أبي جعفر لا أبي عبد الله ( ع ) فراجع.

(٧٦) راجع التهذيب ٣ ـ ٣٢٤ والاستبصار ١ ـ ٤٨٥.

(٧٧) يلزمه ، كذا في بعض النسخ.

(٧٨) الفقيه ١ ـ ٢٨٨ والتهذيب ٣ ـ ٢١٣ والاستبصار ١ ـ ٢٣١ وهذا متن الحديث : محمد بن إسماعيل بن بزيع عن أبي الحسن عليه‌السلام قال : سألته عن الرجل يقصّر في ضيعته ، فقال : لا بأس ما لم ينو مقام عشرة أيّام إلّا أن يكون له فيها منزل يستوطنه ، فقلت : ما الاستيطان؟

٢٦٣

المسألة الحادية والأربعون

في رجل له أولاد جماعة أوصي لهم بجميع أملاكه وعيّن لكلّ واحد منهم شيئا بخاصّة (٧٩) وقال في وصيّته : ومن أوصيت له بشي‌ء فهو له وإن فضلت وصيّته عن الثلث فله في ذمّتي أضعاف الفاضل عن الوصيّة فهل يثبت ذلك أم لا؟

الجواب

لا يثبت في ذمّته شي‌ء من ذلك في ظاهر الحكم مع موته ولا تمضي وصيّته فيما زاد عن الثلث إلّا أن يجيزه الورثة فإن لم يجيزوا لم تمض فيما زاد عن ثلث تركته ويبدأ بعطيّة الأوّل فالأوّل حتّى يستوفي الثلث.

المسألة الثانية والأربعون

في الموصي المذكور إذا كان لزوجته ملك وأشهدت له بالملك جميعه وأوصى لها بما أشهدت له بعد إشهادها له ، وقال في جملة وصيّته : قد جعلت لها أن ترجع فيما أشهدت لي به ، وهذا إن كان له وصايا جمّة تزيد عن ثلثه ثمّ مات فعمدت الزوجة إلى كتاب الإقرار اعدمته وكانت الوصيّة مكتوبة في ظهر الإقرار.

الجواب

إذا أشهدت له به إقرارا حكم بانتقاله إليه فإذا أوصى لها به صحّت الوصيّة فيما يحتمله ثلث تركته ممّا أقرّت به. وإذا كانت وصايا تزيد عن الثلث بدأ بالأوّل فالأوّل حتّى يستوفي الثلث. وكذا إذا قال في جملة وصيته : قد جعلت لها أن ترجع فيما أشهدت لي به فإنّ جميع ذلك يردّ إلى ما يحتمله ثلث تركته. والله الهادي بفضله.

__________________

فقال : أن يكون فيها منزل يقيم فيه ستة أشهر فإذا كان كذلك يتمّ فيها متى دخلها. الوسائل ٥ ـ ٥٢٢.

(٧٩) كذا.

٢٦٤

تمّت المسائل البغداديّة والحمد لله رب العالمين وصلّى الله على أكرم المرسلين محمّد وآله الطاهرين.

٢٦٥
٢٦٦

٥

المسائل الخمسة عشر

تأليف المحقق الحلّي

٢٦٧
٢٦٨

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

قال الشيخ نجم الدين أبو القاسم بن جعفر بن الحسن بن سعيد صاحب هذه الأجوبة رحمه‌الله : وقفت على هذه الأوراق الكريمة الدالّة على فضل موردها وغزارة علمه واهتمامه بتحقيق الحق فيها وسألت له زيادة التوفيق وإحسان العاقبة ، وقد أجبت عن ذلك بما اعتقد وجوب العمل به ، والله الموفّق للصواب (١).

المسألة الخامسة .. )

الجواب

[ عن المسألة الخامسة ] : الصلوات الخمس التي أشار إليها الشيخ الطوسي رحمه‌الله هي : صلاة الجنازة والطواف والكسوف والزلزلة والفريضة الفائتة ، كلّ ذلك يجوز أن يصلّى ما لم تتضيّق الحاضرة ، وخالف جماعة في قضاء الفوائت من الفرائض وأوجب تقديمها على الحاضرة ما لم يتضيّق الوقت ، والحقّ

__________________

(١) هذه العبارة موجودة في آخر هذه الرسالة.

(٢) مع الأسف لا توجد من هذه الرسالة إلّا نسخة واحدة ناقصة الأوّل إلى المسألة الخامسة.

٢٦٩

جواز فعل الحاضرة كما يجوز قضاء الفائتة إلّا مع التضيّق ، ويدلّ عليه قوله تعالى : ( أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ ) (٣) ، وهو خطاب للنبيّ وغيره ممّن كلّف الصلاة. وقوله عليه‌السلام : إذا زالت الشمس دخل وقت الصلاة (٤) ، وقول الصادق عليه‌السلام : إذا زالت الشمس دخل وقت الصلاتين إلا أنّ هذه قبل هذه (٥).

ولو قيل (٦) : هذا الإطلاق بما روي عن الصادق عليه‌السلام : من فاتته صلاة فليقض ما لم يتخوّف أن يذهب وقت الحاضرة (٧).

قلنا : وجوب القضاء لا يستلزم المنع من الحاضرة لأنّ الواجب على التخيير مأمور به كالواجب المضيّق. ثمّ يعارض ذلك بما رواه أبو بصير وغيره عن الصادق عليه‌السلام في من فاتته المغرب والعشاء حتّى طلع الفجر قال : يصلّي الصبح ثمّ المغرب ثمّ العشاء قبل أن تطلع الشمس (٨) ، وما ينافي ذلك نحمله على الاستحباب توفيقا بين الأخبار.

المسألة السادسة :

في دم البراغيث والخنافس وبنات وردان والقراد (٩) والحلم (١٠)

__________________

(٣) سورة الإسراء : ٧٨.

(٤) في سنن البيهقي ١ ـ ٣٦٥ : سئل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عن وقت الصلاة فقال .. ووقت صلاة الظهر إذا زالت الشمس عن بطن السماء ما لم يحضر العصر ..

(٥) الوسائل ٣ ـ ٩٢ ـ الفقيه ١ ـ ١٣٩ والتهذيب ٣ ـ ٢٤ والاستبصار ١ ـ ٢٤٦.

(٦) كذا في الأصل ، ولعلّ الصحيح : « قيّد » أو « قيل قيّد ».

(٧) الوسائل ٣ ـ ٢٠٨ ـ الكافي ٣ ـ ٢٩٣ والتهذيب ٢ ـ ٢٦٦ والاستبصار ١ ـ ٢٨٦.

(٨) الوسائل ٣ ـ ٢٠٩ ـ التهذيب ٢ ـ ٢٧٠ والاستبصار ١ ـ ٢٨٨.

(٩) القراد واحدها قردة بضم القاف : دويبة تتعلّق بالبعير ونحوه وهي كالقمل للإنسان.

(١٠) في الأصل : الجلم بالجيم وهو القراد كما في تاج العروس ولعل الصحيح : الحلم بالحاء المهملة واحدها الحلمة : دودة تقع في الجلد فتأكله.

٢٧٠

والطبّوع (١١) والسمك وكلّ ما ليس له نفس سائلة إذا حصل في ثوب الإنسان أو في بدنه فما الحكم في ذلك شرعا؟ حتّى أنّ الإنسان في أكثر الأوقات يجد جلده حاويه ثمّ يمصّ من دم الإنسان عيانا حتّى يمتلئ فإذا فركه (١٢) الإنسان يحصل منه على ثوبه أو بدنه من ذلك الدم ما يعلمه يقينا فهل ـ والحال هذه ـ يحكم الشرع بطهارته أو نجاسته؟ وكذا حكم المنيّ إذا كان من حيوان ليس له نفس سائلة يكون نجسا أو طاهرا؟.

الجواب

لا بأس بدم البقّ والبراغيث وإن كثر لأنّه طاهر ، بل يكره إذا تفاحش في الثوب كراهة لا حظرا وإذا كان العفو عنه مطلقا فلا فرق بين أن نشاهد (١٣) دم الآدمي أو غيره أو لم نشاهد تمسّكا بظاهر الأخبار الدالّة على العفو عنه ودفعا للحرج ، لعموم البلوى.

وأمّا منّي ما لا نفس له كالذباب والجراد والخنافس والبقّ فالظاهر أنّه طاهر ، وكذا ذرقه لأنّ فضلاته تجري مجرى عصارة الثياب ، ولأنّ ميتته ليست نجسة فرطوباته كذلك ، والإشارة بنجاسة المنيّ ليس إلّا ماله نفس سائلة كذا (١٤) يظهر.

المسألة السابعة :

الماء الذي يتطهّر به الإنسان أو يرفع به الحدث يشربه الإنسان في وقت

__________________

(١١) والطبوع كتنور شي‌ء على صورة القراد الصغير المهزول يلصق بجسد الإنسان .. كذا في تاج العروس مع تلخيص.

(١٢) فرك الثوب : دلكه. فرك الشي‌ء عن الثوب : حكّه حتى تفتّت.

(١٣) كذا في الأصل ولعل الصحيح : نشاهد مصّه من ..

(١٤) هكذا كتب ناسخ هذه النسخة لفظة « كذا ».

٢٧١

أو يتطهّر به مدّة أيّام ثمّ حصل عند الإنسان من شهد بنجاسته فهل تقبل شهادته أم لا؟ وعلى تقدير القبول يقضي جميع ما صلّى من الصلوات ويشطف (١٥) ثيابه وبدنه أم لا؟ وهل إذا شرب الإنسان ماء نجسا للضرورة أو عمدا .. (١٦).

الجواب :

لا تقبل شهادة الواحد في ذلك ، وتقبل شهادة العدلين ، وعلى تقدير القبول يقضي كلّ صلاة صلّاها بالوضوء من ذلك الماء أو الغسل ، وأمّا ما غسل به ثوبه أو بدنه من النجاسة العينيّة فلا تجب إعادة ما صلّاه في ذلك اليوم إذا كان حدثه مرتفعا لأنّ طهارة الثوب والبدن من النجاسة العينيّة شرط مع العلم بالنجاسة لا مع الجهل بها بخلاف رفع الحدث.

المسألة الثامنة :

سجدات العزائم الأربع هل تصحّ بغير طهارة أم لا ، وكذا إذا أخل الإنسان بسجدة من سجدات الصلاة أو بالتشهد سهوا فهل يصحّ بغير طهارة أم لا؟ (١٧).

الجواب :

نعم يصحّ سجود التلاوة بغير طهارة ، لأنّ الأمر بالسجود مطلق فيتناول مسمّى السجود ، وما عداه منفيّ بالأصل ، وقياس سجود التلاوة على سجود الصلاة ليس حجّة ، أمّا سجود جبران الصلاة كما لو أخلّ بسجدة أو التشهد حتّى ركع فإنّ قضاء ذلك محتاج إلى الطهارة ، وكذا سجود السهو أيضا يفتقر إلى الطهارة لأنّه جزء من الصلاة وجبر لها فيشترط فيه الطهارة.

__________________

(١٥) شطف الثوب : غسله.

(١٦) هنا سؤال آخر لا تقرأ بعض كلماته ولم يجب عنه المصنّف فحذفناه لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا.

(١٧) كان في الأصل : بغير تشهد. والصحيح ما أثبتناه كما هو ظاهره.

٢٧٢

المسألة التاسعة :

هل الأذان والإقامة للصلوات التي عليها الجمهور في الأوقات المخصوصة الآن كانت على عهد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ويصلّونها معه كما يعملون الآن أو على غير ذلك؟ ونرى مشايخنا رضي‌الله‌عنهم قد جعلوا في كتبهم لكلّ صلاة أوّلا وآخرا مثل قولهم : إذا زالت الشمس أوّل وقت الظهر ، وآخر وقتها إذا صار ظلّ كلّ شي‌ء مثله ، والعصر مثليه ، والمغرب غيبوبة الشمس ، وآخرها غيبوبة الشفق من ناحية المغرب ، وهو أوّل وقت العشاء الآخرة ، وآخرها الثلث أو النصف من الليل على خلاف فيه ، وأرى الفتيا من الأصحاب رضي‌الله‌عنهم والعمل من المشايخ والجماعة بأسرهم يصلّون الظهر ثمّ العصر ثمّ المغرب ثمّ العشاء الآخرة وكان ينبغي على أصل التقسيم أن يصلّي العصر (١٨) بعد صيرورة ظلّ كلّ شي‌ء مثله (١٩) والعشاء الآخرة بعد غيبوبة الشفق ، وكان يلزم إذا خرج وقت ظلّ كلّ شي‌ء مثله (٢٠) أن يصلّي الظهر قضاءا وكذلك المغرب إذا غاب الشفق من المغرب يصلّي قضاءا لأنّه آخر وقتها.

وأمّا على رأي الجمهور فلا يرد شي‌ء ممّا قلناه عليهم لأنهم يصلّون الصلوات في أوقات الأذان المقدّم ذكره.

وما الفائدة في تأخير الأذان إلى وقت العصر إذا كان الأصحاب يصلّون الظهر والعصر بعد أذان الظهر ، وهل كان في زمان النبيّ عليه‌السلام تؤخر العصر إلى وقت أذانها أو تصلّي عقيب الظهر ، لأنّ أصحابنا بأجمعهم يقولون : إنّ الفعل في أوّل الوقت أفضل من تأخيره ، حتّى أنّهم نصّوا في تصانيفهم وأفتوا بأنّ

__________________

(١٨) كان في الأصل : الظهر والصحيح ما أثبتناه.

(١٩) في الأصل : مثليه والصحيح ما أثبتناه.

(٢٠) في الأصل : مثليه والصحيح ما أثبتناه.

٢٧٣

من أخّر العصر إلى آخر الوقت من غير بدل كان آثما فاسقا فهل ما ذكروه في ذلك حقّ أم لا؟.

الجواب

لا ريب أنّ لكلّ صلاة وقتا يختصّ به وأنّه ينبغي أن تصلّى كلّ صلاة في وقتها المضروبة لها ، لكن عندنا الجمع جائز سفرا وحضرا لعذر وغيره رخصة ، وقد روى الجمهور وأصحابنا جميعا أنّ النبيّ عليه‌السلام صلّى الظهر والعصر في وقت الظهر في الحضر من غير مرض (٢١) وكذا روى أصحابنا والجمهور في المغرب والعشاء أنّه صلاهما في وقت المغرب من غير مرض ولا سفر (٢٢) وقال كثير من الأصحاب : ينبغي التفريق بين الصلوات إذا صلّى النوافل والتعجيل إذا لم يتنفّل.

والذي أراه [ أنّ ] الجمع جائز والتفريق في الأوقات أفضل ، وقد بيّن ذلك الأصحاب حيث ذكروا المستحاضة وكونها تجمع بين الظهر والعصر بغسل ، تقدّم العصر وتؤخّر الظهر ، وكذا المغرب والعشاء (٢٣) ، هذا دليل اختصاص كلّ صلاة بوقتها لكنّه ليس بلازم ، وما روي (٢٤) من كراهية تأخير العصر فمحمول على تأخيرها عن وقت الاختيار إلى وقت الاضطرار إذ المبادرة بها إذا صار ظلّ كلّ شي‌ء مثليه (٢٥) أفضل.

__________________

(٢١) علل الشرائع للصدوق ٢ ـ ١٠.

(٢٢) علل الشرائع ٢ ـ ١١.

(٢٣) النهاية للشيخ الطوسي ٢٩.

(٢٤) راجع الوسائل الباب التاسع من أبواب المواقيت.

(٢٥) كذا في الأصل ، والصحيح : مثله.

٢٧٤

المسألة العاشرة

إذا شهد شاهد واحد عدل على شخص بالطلاق في مجلس واحد ثمّ شهد عليه شاهد واحد بالافتراق هل يحكم بصحّة الطلاق أم لا؟.

وكذا إذا تلفّظ بالطلاق عند شاهد واحد ثمّ تلفّظ به عند شاهد آخر على افتراق الشاهدين لا على اجتماعهما يقع الطلاق أم لا؟.

وكذا إذا حضر عدلين في مجلس واحد وكانا أخر سين فهل يقع الطلاق أم لا وما الدليل على أنّ شهادة الشاهدين شرط في صحّة الطلاق؟

وكذا كون المرأة طاهرة طاهرا لم يقربها فيه بجماع ، وكذا كونها طاهرا من الحيض والنفاس.

وهل الحامل المستبين حملها يصحّ طلاقها مخالعة أم لا؟ وهل إذا طلّق الإنسان طلقتين للعدّة ثمّ تزوّجت بزوج ثمّ طلّقها ثمّ تزوّج بها الأوّل تنهدم الطلقتان أم لا؟ وكذا الطلقة الواحدة هل تنهدم بالزوج أم لا؟.

وهل النيّة شرط في جميع ذلك أم لا؟.

وهل من لها دون تسع سنين يصحّ طلاقها مخالعة إذا بذل الوصيّ أو الحاكم بعض صداقها يصحّ طلاقها أم لا؟ وهل إذا طلق من لها دون تسع سنين قد دخل بها تكون عليها عدّة أم لا؟ وكذا المرأة إذا بلغت خمسين أو الستين طلّقت تكون عليها عدّة أم لا؟ فيتصدّق مولانا بالجواب.

الجواب

لا يصحّ الطلاق إذا شهد الشاهدان متفرقين بل لا بدّ من اجتماعهما على سماع اللفظ الواحد ولو شهدا منفردين لم يقع الطلاق.

وأمّا الشاهدان الأخرسان فإن كانا يسمعان صحّ الطلاق بشهادتهما وإن كانا أصمّين لم يقع الطلاق ، لعدم العلم بنطق المطلّق ، والنطق به شرط في وقوعه ، لكن لو أشار إليهما بما يعلمان إقراره بطلاق سابق قبلت شهادتهما

٢٧٥

بالإقرار لا بالإنشاء.

والدليل على أنّ الشهادة شرط في الطلاق قوله تعالى ( أَوْ فارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ ) (٢٦) فجمع بين الفراق والشهادة بالواو المقتضية للجمع وعليه اتّفاق علمائنا.

وأمّا اشتراط الطهر فلانّ الطلاق في الحيض محرّم منهيّ عنه باتّفاق علماء الإسلام وهو بدعة عندنا وعند الجمهور ، لكن عندهم يقع مع كونه منهيّا عنه وعندنا لا يقع ، لأنّ النهي يمنع وقوعه شرعيّا لقوله عليه‌السلام : من أدخل في ديننا ما ليس منه فهو ردّ (٢٧) ، ولأنّ النكاح عصمة مستفادة من الشرع فيقف زوالها على إذنه فلا يزول مع نهيه.

وأمّا طلاق المستبين حملها فجائز إجماعا وتصحّ مخالعة وغير مخالعة.

والزوج عندنا يهدم الطلقة والطلقتين كما يهدم الثلاث فلو طلّقها مرّة ثمّ تزوّجت بعد العدّة ثمّ طلّقها الثاني جاز للأول العقد عليها بعد الاعتداد من الثاني وكذا لو طلّقها اثنين.

والنيّة شرط في الطلاق لقوله تعالى ( وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ فِيما أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلكِنْ ما تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ ) (٢٨).

ويصحّ طلاق من لها تسع سنين مخالعة إذا بذل الوليّ ورأى ذلك لها صلاحا.

ولو دخل بمن لها دون تسع سنين فالأكثر من الأصحاب لا يوجبون عليها العدّة لو طلّقت وكذا اليائسة ، وقال علم الهدى : تلزمها العدّة (٢٩) ، والأوّل أكثر

__________________

(٢٦) سورة الطلاق : ٢.

(٢٧) لم أجده فيما راجعت من المصادر.

(٢٨) سورة الأحزاب : ٥.

(٢٩) قال العلّامة الحلّي في المختلف ص ٦١٠ : وقال السيد المرتضى : والذي أذهب إنا إليه أنّ على

٢٧٦

في الرواية (٣٠) والعمل ، وقول المرتضى رحمه‌الله حسن (٣١).

المسألة الحادية عشرة

هل ذبائح من أظهر الشهادتين وإن اختلفوا في الآراء والمذاهب يحلّ أن تؤكل أم لا؟ وكذا الناصبي والمشبهة هل تحلّ ذبائحهم ومائعاتهم أم لا؟ ومعنى قول الصادق عليه‌السلام : الناصبي من قدّم علينا أهل البيت فقد نصب لنا العداوة (٣٢) فهل يحمل هذا الحديث على عمومه أو يقيّد بإظهار الاستنقاص بأهل البيت عليهم‌السلام؟.

وكذا الإنسان إذا كان في بلد أكثره يهود ونصارى ومجوس وغيرهم من فرق الكفّار ويكون بينهم مسلمون مظهرون الشهادتين فهل تحلّ أن يشتري الشخص من أسواقهم من غير سؤال أو يسأل عن المسلم حتّى يشتري منه؟.

وكذا هل يجوز أن يشتري منهم الجلود إذا وجدت في الأسواق أم لا؟ وكذا المائعات إذا وجدت في سوق فيه مسلمون مع أنّ كلّا منهم يعتقد طهارة الآخر وإن اختلفوا في العقائد والملل ، فهل يصحّ الاشتراء والحال هذه أم لا؟.

الجواب

ذبائح المسلمين كلّهم حلال وإن اختلفوا في الآراء عدا الخوارج والغلاة والمجسّمة بالحقيقة ، فإنّهم خارجون عن الإسلام وإن انتحلوه.

__________________

الآئسة من المحيض والتي لم تبلغه العدّة على كلّ حال ..

(٣٠) راجع الوسائل ، الباب الثاني والثالث من أبواب العدد.

(٣١) قال في الشرائع : وفي اليائسة والتي لم تبلغ روايتان : إحداهما أنهما تعتدّان بثلاثة أشهر ، والأخرى لا عدّة عليهما ، وهي الأشهر.

(٣٢) لم أجد هذه الرواية. نعم في مستطرفات السرائر ص ٦٨ : قال محمد بن علي بن عيسى كتبت إليه ( أي الإمام موسى الكاظم ) أسأله عن الناصب هل احتاج في امتحانه إلى أكثر من تقديمه الجبت والطاغوت واعتقاد إمامتهما؟ فرجع الجواب : من كان على هذا فهو ناصب.

٢٧٧

وما روي أنّ الناصب من قدّم علينا لا يعمل به ، وليس الناصب إلّا من نصب العداوة لأئمة الدين كالخوارج حسب.

وما يشتريه الإنسان من أسواق المسلمين يحكم بطهارته إذا لم يعلم أنّ البائع خارج عن الإسلام سواء كثر الكفّار فيه أو قلّوا إذا كان البلد للإسلام لقوله عليه‌السلام : سوق المسلمين مطهّرة (٣٣) ، ولأنّ المنع من ذلك يستلزم الحرج.

وليس من اللازم سؤال البائع عن دينه ولا سؤال غيره عنه.

ويشتري الجلود على هذا الوجه ، لكن لو علم أنّ البائع كافر أو خارج عن الإسلام لم يجز شراؤه منه لأنّه لا يؤمن على الذبائح ولا على الإخبار بها وكذا شراء المائعات.

المسألة الثانية عشرة

في معنى قول شيخنا الطوسي رضي‌الله‌عنه في نهايته : ومن شكّ في الركوع أو السجود في الركعتين الأوّلتين أعاد الصلاة ، فإن كان شكّ في الثالثة أو الرابعة وهو قائم فليركع ، فإن ذكر في حال ركوعه أنّه قد كان ركع أرسل نفسه إلى السجود من غير أن يرفع رأسه ، فإن ذكر بعد رفع رأسه من الركوع أنّه كان ركع أعاد الصلاة ، وإن شكّ في حال السجود في الركوع مضى في صلاته وليس عليه شي‌ء (٣٤)

وهلّا أجرى الشيخ الحكم في الركوع في الركعتين الأوّلتين مجرى بقيّة الأحكام لأنّ الأصحاب رضي‌الله‌عنهم قالوا : إذا شكّ في شي‌ء وهو في محلّه أتى به وإن كان قد انتقل إلى حالة اخرى فلا يلتفت إلى شكّه لما قرّر قدّس الله

__________________

(٣٣) لم أجده بهذا اللفظ.

(٣٤) النهاية ص ٩٢.

٢٧٨

روحه في أكثر تصانيفه (٣٥).

الجواب :

اختار الشيخ الطوسي قدّس الله روحه أنّ كلّ شكّ يلحق في الأوّلتين يبطلهما كمن شكّ في الركوع أو السجدتين منهما. ولم يثبت ذلك عندي بل حكم الأوّلتين في ذلك حكم الآخرتين.

وأمّا قول الشيخ من شكّ في الركوع وهو قائم في الثالثة أو الثانية فليركع فهو كلام حسن ، لأنّ الأصل عدم الإتيان به ومحلّه باق قبل الإتيان به.

وقوله : إن كان ذكر أنّه كان ركع أرسل نفسه ولا يرفع رأسه فشي‌ء ذكره المرتضى رحمه‌الله في المصباح (٣٦) ونقله الشيخ الطوسي رحمه‌الله ولا أتحقّق وجهه ، بل الأوجه عندي أنّ الصلاة تبطل ، لأنّ الركوع يتحقّق بنفس الانحناء والطمأنينة فيه ، وزيادة الركوع مبطلة سهوا وعمدا ، وقد وافق على أنّه لو رفع رأسه وذكر أنّه كان ركع أعاد ، ورفع الرأس ليس جزءا من الركوع بل هو مفارقة للركوع فلا يكون جزءا منه.

وقول السائل إلّا يسوّي الشيخ بين الركوع والسجدتين في الأوّلتين قلنا : كذا فتواه فإنّه لو شكّ في السجدتين في الأوّلتين أبطل الصلاة وفي الآخرتين يأتي بهما ، ويحمل الشيخ ما روى من التلافي مع الشكّ إذا كان في الآخرتين لا في الأوّلتين.

__________________

(٣٥) قال الشيخ الطوسي في الجمل والعقود : القسم الثاني وهو ما لا حكم له .. ومن شكّ في شي‌ء وقد انتقل إلى حالة اخرى .. راجع الرسائل العشر ص ١٨٧ وأيضا راجع المبسوط ١ ـ ١٢٠ قال فيه : ومن قال من أصحابنا : إنّ كلّ سهو يلحق الركعتين الأوّلتين يجب منه إعادة الصلاة يجب أن يقول ..

(٣٦) هو من الكتب الفقهية للسيد المرتضى وليس عندنا.

٢٧٩

المسألة الثالثة عشرة

إذا صلّى إنسان وفي إصبعه خاتم مغصوب أو على رأسه قلنسوة مغصوبة أو ما لا تتمّ الصلاة فيه منفردا وطولب بذلك ولا يمكن ردّ ما ذكرنا إلّا بقطع الصلاة أو الانحراف عن القبلة فهل يبطل الصلاة ويردّ ما غصبه ، أو يمضي في صلاته ، أو يقال : إن كان الوقت باقيا أبطل وردّ وإن كان مضيّقا يمضي في صلاته ، فإن قيل : إنّ الصلاة تبطل مطلقا من حيث الأمر برّد ما غصبه ، قيل : إنّ الصلاة مأمور بها بمقتضى عمومات القرآن مطلقا.

الجواب :

لا تجب عليه الإعادة وإن لم يردّ الوديعة ولا الشي‌ء المغصوب نعم لو قطعها وأدّاه جاز ، لأنّ إتمام الصلاة واجب ، وقطعها إبطال للعمل وهو غير جائز ، وردّ المغصوب واجب والمنع منه غير جائز ، وقد تساوى الأمران في الوجوب والمنع ، فيكون المكلّف مخيّرا في المضيّ والقطع لعدم الرجحان.

المسألة الرابعة عشرة

إذا فقد الإنسان ما يتطهّر به من الماء والتراب ووجد ترابا نجسا فهل يصحّ التيمّم به أم لا؟ وهل إذا خرج الوقت يقضي ما فاته من الصلوات أم لا؟ وكذا إذا صلّى الإنسان وعلى ثوبه أو بدنه شي‌ء من النجاسات ولا يتمكّن من إزالتها فهل إذا صلّى والحال هذه يعيد الصلاة أم لا؟ وعلى تقدير الإعادة على مذهب من يوجب ذلك يكون على سبيل الوجوب أو على سبيل الاستحباب ، وعلى تقدير أحدهما ما الدليل؟.

الجواب :

لا يجوز التيمّم بالتراب النجس لقوله تعالى ( فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً

٢٨٠