الرسائل التسع

الشيخ نجم الدين أبي القاسم جعفر بن الحسن بن يحيى بن سعيد الهذلي [ المحقق الحلّي ]

الرسائل التسع

المؤلف:

الشيخ نجم الدين أبي القاسم جعفر بن الحسن بن يحيى بن سعيد الهذلي [ المحقق الحلّي ]


المحقق: رضا الاستادي
الموضوع : الفقه
الناشر: منشورات مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٩٩

بسم الله الرحمن الرحيم

سأل السيد الأجلّ الفقيه العالم عزّ الدين (١) أدام الله تأييده مسائل مهمّة في الدين صدّ الوقت عن المبادرة بالجواب عنها لأكداره (٢) وعوارضه ، ثمّ رأيت أنّ ذلك إخلال بحقوقه ودخول في مخالفته وعقوقه ، فأخذت فيما رسمه (٣) مقتصرا على نصّ الجواب غير متطاول (٤) للتطويل والإسهاب ، جامعا بين ذلك وبين الإشارة إلى الدلالة والأمارة ، والمسائل المشار إليها سبع مسائل.

المسألة الأولى :

ما المعنيّ بقول المتكلّمين : أن القدرة لا تتعلّق في الوقت الواحد ـ إلى آخر ما ذكروه من الشروط ـ إلّا بجزء واحد؟ (٥) ثمّ نقول : أهو معين أم لا؟ فإن

__________________

(١) هو غير الأمير الكبير عز الدين عبد العزيز الذي ذكر في مفتتح الرسالة العزّية الأولى راجع رسالتنا حول حياة المحقّق ره.

(٢) كذا.

(٣) أي أمره.

(٤) كذا.

(٥) قال الشيخ الطوسي ره في تمهيد الأصول : القدرة الواحدة لا تتعلّق في الوقت الواحد من

١٨١

كان معيّنا فالإنسان يجد من نفسه أنّه مخيّر بين حركته يمنة ويسرة وإن كان غير معيّن فما وجه قولهم : إنّ مقدور القدر (٦) لا يجوز عليه التقديم والتأخير.

الجواب :

هذا سؤال يتوقّف وضوحه على شيئين :

أحدهما معنى قولهم : أنّ القدرة لا تتعلّق في الوقت الواحد والمحلّ الواحد من الجنس الواحد إلّا بمقدور واحد وبيان معنى التعلّق.

والثاني جواب الإشكال الذي أورده.

أمّا بيان الأوّل فهو أنّه قد تقرّر في مذهبهم أنّ القدرة علّة في كون القادر قادرا ، وأنّ معنى تعلّقها أنّ لها مع المقدور حكما وهو صحّة إيجاده بها عند استعمال محلّها فيه. إذا عرف هذا المعنى فقولهم : إنّها لا تتعلّق على ما ذكروه من الشروط إلّا بجزء واحد ، أي لا يصحّ أن يفعل بها مع تلك الشروط إلّا جزء واحد. واستدلّوا على ذلك بوجوه أقواها عندهم : أنّها لو تعدّت الواحد لتعلّقت بما لا يتناهى ، ولو تعلّقت بما لا يتناهى للزم نفي التفاضل بين القادرين حتّى يتساوى القويّ والضعيف وللزم صحّة ممانعة القادر لنفسه (٧) فلا يكون مراد الله تعالى بالوقوع أولى من مراد الواحد منّا.

وأمّا الإشكال الذي أورده فالجواب عنه أن نقول : نعم هو معيّن.

__________________

الجنس الواحد في المحلّ الواحد بأكثر من جزء واحد ..

(٦) كذا.

(٧) قال الشيخ الطوسي ره في تمهيد الأصول ص ١٤٨ : ولو كان مقدور القدرة ـ والجنس والمحل والوقت واحد ـ غير متناه لأدّى إلى أن لا يتعذّر على أحدنا حمل الجبال ، بل حمل السماوات والأرضين ، وأن لا يتفاضل القادرون ، وكان يصحّ منه أن يمانع القديم القادر لنفسه ..

١٨٢

قوله : الإنسان يجد من نفسه كونه مخيّرا بين الحركة يمنة ويسرة. قلنا : نعم هو كذلك وإنّما ساغ ذلك لاختلاف المحالّ ، فإنّ القدرة الواحدة قدرة على الضدّين وليست قدرة في الزمان الواحد والمحلّ الواحد على المثلين ، وإذا وضح هذا لم نعدّ السؤال عن وجه التقديم والتأخير واردا لأنّا نقول : إنّهم بنوا ذلك على أصول لهم ، وهي أنّ القدرة لا تتعلّق في المحلّ الواحد والوقت الواحد من الجنس الواحد إلّا بجزء واحد ، وأنّ حكمها في حال البقاء كحكمها في حال الحدوث ، وأنّ ما لا يبقى لا يوجد إلّا في حال واحدة ، فلزم عن هذه العقائد استحالة الإعادة على مقدور القدرة واستحالة التقديم والتأخير. أمّا ما لا يبقى من الأفعال فلاستحالة فعله إلّا في وقت واحد ، وأمّا ما يبقى فلو صحّ ذلك فيه لأدّى إلى جواز أن يفعل بالقدرة الواحدة على جهة التأخير أفعالا وفي الوقت أفعالا فلزم أن يفعل بها أكثر من جزء واحد في الوقت والمحلّ لأنّ القدرة متى تعلّقت بالمثلين صحّ فعلهما بها على الجمع بخلاف الضدين وقد استسلموا بطلان ذلك فلذلك امتنعوا من جواز التقديم والتأخير والإعادة ، والله الموفق للصواب.

١٨٣

المسألة الثانية :

ما المطلوب بالتكليف أهو مجرّد الفعل أو وجهه أو هما ، فان كان الأوّل فالتكليف مختلف ، والفعل من حيث هو لا يختلف ، وإنّ كان الثاني فالوجه ليس من أثر القدرة ، وإن كان الثالث فما قيل في القسمان وارد عليه.

الجواب :

المطلوب بالتكليف هو الفعل الواقع على الوجه المؤثّر في وجوبه أو ندبه أو قبحه ، واشتماله على الوجه قد يكون من أثر القادر وقد يكون لما هو عليه ذاته ، مثال الأول لطمة اليتيم وقبح الكذب ، فإنّ لطمة اليتيم إنّما تقبح وتحسن بحسب القصد ، وكذلك الكذب إنّما يقبح لإرادة المخبر بالإخبار به على خلاف المخبر عنه ، ومثال الثاني وجوب قضاء الدين وقبح الجهل ، ففي الحقيقة المطلوب بالتكليف هو الفعل ، واختصاصه بالتكليف إنّما هو لوقوعه على ذلك الوجه والله الموفق للصواب.

١٨٤

المسألة الثالثة :

ما الذي يختار في الإرادة أهي الداعي أم أمر زائد عليه ، وهل ذلك الأمر الزائد في الشاهد فقط أم فيه وفي الغائب ، وإن كانت هي الداعي فهل تنتهي الدواعي إلى داع يخلقه الله تعالى أم لا؟ وهل إن انتهب إليه يجب الفعل عنده أم لا؟ وهل الوجوب إذا قيل به هو الذي يذهب الخصم إليه أم أمر سواه؟.

الجواب :

أمّا السؤالان الأولان فلم يتّضح لي دلالة تدلّ فيهما على نفي ولا إثبات وجميع ما ذكره الشيوخ رحمهم‌الله من الاستدلال على ما ذهبوا إليه معترض باعتراضات لازمة مقتضية للقدح ونحن نشير إلى الخلاف الواقع من فضلاء الكلام ونشير إلى قوى معتمدهم ونومي إلى الجواب عنه لتلوح صحّة العذر فيما اخترناه ، فنقول :

اختلف الشيوخ في ذلك فذهب الجبائيان (٨) ومن تابعهما في أنّ الإرادة أمر زائد على الداعي الخالص شاهدا وغائبا ، وذهب آخرون إلى العكس ، وفرّق أبو الحسين (٩) فجعل كون الواحد منّا مريدا زائدا على مجرّد الداعي في الشاهد خاصة ولم يثبت الإرادة ولا غيرها من الأعراض.

قال : إنّ الشكّ في كون الواحد منّا مريدا زائدا على مجرّد الداعي ظاهر الفساد ، لأنّ الإنسان عندنا يعلم في الشي‌ء نفعا خالصا من كلّ صارف فيجد

__________________

(٨) هما أبو علي المعتزلي المتوفّى ٣٠٣ وابنه أبو هاشم المعتزلي المتوفّى ٣٢١. وجبّى قرية من قرى بغداد أو البصرة.

(٩) البصري المعتزلي المتوفّى سنة ٤٣٦.

١٨٥

نفسه كالطالبة لذلك النفع ويجد ذلك المطلب كالصادر عن هذا العلم والتابع له. قال : ولا شي‌ء أظهر ممّا يجده الإنسان من نفسه.

ويمكن أن يقال : لا نسلّم أنّ ذلك المطلب زائدا على الداعي الصافي عن معارضة الصارف ، وهذا لأنّ الداعي إلى الفعل طلب له فإذا بقي على الداعي إلى وقت الفعل أمكن أن يجد نفسه كالطالبة له فدعوى تجديد أمر زائد على الداعي الخالص في موضع المنع.

واستدلّ من رجع بها إلى الداعي الخالص شاهدا وغائبا بوجوه أقواها عندهم : أنّه لا مقتضى لإثباتها ، وما لا مقتضى له يجب نفيه ، أمّا الأولى فتظهر باستقراء أدلّة المثبتين لها ، وأمّا الثانية فلأنّه لو جاز إثبات ما لا دليل على ثبوته للزم إثبات كلّ جهالة.

ويمكن أن يقال : لا نسلّم أنّه لا مقتضى لإثباتها. قوله : يظهر بالاستقراء ، قلنا : الاستقراء يفيد الإحاطة فكم من باحث لم يظفر ثمّ ظفر ، قوله : ما لا مقتضى له يجب نفيه. قلنا : متى إذا لم يكن له مقتض في نفس الأمر أم بالنسبة إلى الباحث؟ الأوّل مسلّم ، والثاني ممنوع ، لكن لا نسلّم هاهنا عدم المقتضي في نفس الأمر.

قوله : لو جاز إثبات ما لا دليل على ثبوته لزم إثبات كلّ جهالة ، قلنا : الجهالة علم بطلانها فلا تثبت.

واستدلّ المثبتون لها شاهدا وغائبا بوجوه أقواها عندهم وجهان : أحدهما أنّ الباري مخبر وآمر وكلّ من كان كذلك فهو مريد ، أمّا الأولى فسمعيّة ، وأمّا الثانية فلأنّ الأمر لا يكون أمرا إلّا بإرادة الآمر ، وكذلك النهي والخبر.

الوجه الثاني أنّه تعالى فعل أفعالا متميّزة في الحدوث وقد كان يجوز وقوعها على خلاف ذلك فلا بدّ من أمر اقتضى ترتيبها وليس ذلك إلا الإرادة لبطلان ما عدا ذلك من الفروض.

١٨٦

والجواب عن الأوّل إنّا لا نسلّم أنّ الأمر لا يكون أمرا إلّا بالإرادة ، وهذا لأنّه كما يجوز تعليله بالإرادة يمكن تعليله بالداعي الخالص ، فليس بأن يكون دالّا على أحدهما [ أولى ] من الآخر.

وهذا الذي ذكرناه يمكن أن يكون جوابا عن الوجه الثاني ، على أنّ ما ذكره وارد على الإرادة ، وأيضا فإنّه يمكن أن يقال : لم أراد تقديم هذا وتأخير الآخر؟ أجابوا بأنّ الداعي يدعو إلى تقديم المقدّم وتأخير المؤخّر ، صحّ لنا أن نجيب بمثل ذلك. لا يقال : قد يستوي التقديم بالنسبة إلى الداعي فلا يجوز إسناد أحدهما إليه ، لأنّا نقول : قد تستوي إرادة التقديم وإرادة التأخير بالنسبة إلى الداعي. ولو قال : الإرادة (١٠) جنس الفعل كان تعلّل بالاصطلاح وإلّا فالإرادة المتعلّقة بالشي‌ء على وجه غير الإرادة المتعلّقة بالآخر.

وإذا كانت أدلّة هذه الدعاوي مدخولة وجب التوقّف فيها لأنّه ليس قول أولى من قول.

وأمّا قوله في أصل السؤال : هل تنتهي الدواعي إلى داع يخلقه الله تعالى؟ قلنا : نعم وهو كالعلم الضروري بأن الشي‌ء مصلحة. قوله : وإذا انتهت إلى ذلك هل يجب الفعل؟ قلنا : لا يجب ، وقد يمكن أن يجب إذا تمحّضت الدواعي صافية عن الصوارف كما في حقّ الفارّ من الأسد ، وليس ذلك بمشابه لمذهب أهل الجبر ، لأنّ الدواعي يجوز أن تختلف ويثبت بعضها عوضا عن بعض ، والخصم يوجب الفعل ولا يجوز أن لا يقع ولا أن يختار غيره عليه. وهذا الوجه ذكره القاضي (١١) والله الموفّق.

__________________

(١٠) كذا.

(١١) يعرف بهذا اللقب عدّة من العلماء منهم القاضي عبد الجبار المتوفّى ٤١٥ ، ومنهم القاضي أبو بكر الباقلاني المتوفّى ٤٠٣ ومنهم القاضي ابن البرّاج المتوفّى ٤٨١ ولعلّه مراده.

١٨٧

المسألة الرابعة :

ما الوجه (١٢) الذي قال علم الهدى قدّس الله روحه بأنّ القدرة لا تبقى (١٣) وما الوجه الذي لأجله شكّ في بقاء الأكوان.

الجواب :

الذي أعرفه من مذهب المرتضى قدّس الله روحه في صحيح النقل الشكّ في بقاء الأعراض كلّها ، والوجه في ذلك عنده ضعف معتمد الجازم بالبقاء عليها ، ووظيفة من عدم الدلالة على القطع بالنفي والإثبات التوقّف. والله الموفّق.

__________________

(١٢) كذا.

(١٣) قال العلّامة الحلّي في أنوار الملكوت ص ١٤٧ : ذهبت الأشاعرة والبغداديون من المعتزلة إلى أنّ القدرة غير باقية وشكّ السيّد المرتضى في ذلك ..

وقال السيّد المرتضى في الذخيرة ص ٩٥ : والصحيح الشكّ في ذلك والتوقف عن القطع في القدر على بقاء أو عدم في الثاني لفقد الدليل القاطع على أحد الأمرين ..

١٨٨

المسألة الخامسة :

ما المعنيّ بقول السيّد المرتضى رضي‌الله‌عنه : وما يدخل فيه معنى النسخ ، وكذا قوله : معنى التخصيص دون النسخ ودون التخصيص نفسه (١٤) ، وما هو المختار فيما نقل من التخيير إلى التضييق أو بالعكس (١٥) ، أيكون نسخا أم لا؟ وكذلك ما المختار عنده في الزيادة على النصّ والنقصان منه أهو نسخ أم لا؟ (١٦).

الجواب :

لا بدّ في إبانة الغرض بهذه الألفاظ من مقدّمة وهي أنّ التخصيص في الحقيقة لا يرد إلّا على الألفاظ العامّة ، فإن العموم والخصوص من عوارض الألفاظ ومعنى التخصيص يرد على ما علم عمومه لا باللفظ إذ التخصيص عبارة على ما دلّ على أنّ المراد بالعام بعضه ، فإن كان العموم مستفادا من منطوق اللفظ كان التخصيص حقيقة ، وإن كان مستفادا لا من منطوقه كان التخصيص معنويّات ومثاله أنّا نستدلّ بحلّ الوطء في أمّ الولد على بقاء الملك ، وبثبوت الملك على تحقّق توابعه من بيع ووقف وغيره ، فإذا ورد المنع من البيع في بعض الصور كان ذلك في معنى التخصيص فيها فهذا يخصّص معنى التخصيص.

وأمّا النسخ فلا يكون حقيقة إلّا إذا كان الناسخ متراخيا وكانا جميعا مستفادين بالشرع ، أمّا إذا كان الرافع معلوما بالعقل فإنّه لا يطلق اسم النسخ

__________________

(١٤) لم نجد هذه العبارات في ذريعة السيّد فراجع.

(١٥) راجع الذريعة إلى أصول الشرعية ص ٤٤٦.

(١٦) راجع الذريعة إلى أصول الشريعة ص ٤٤٣.

١٨٩

وإن كان معناه موجودا فيه كما إذا أمر إنسان بالقيام في الصلاة ثمّ أقعد فإنّ القيام ينسخ في حقّه لكن لما كان ذلك معلوما بالعقل لم يسمّ نسخا وإن كان المعنى موجودا فيه ، وربما كان مثل هذا أشبه بإطلاق اسم الشرط.

وأمّا نقل الفعل من التخيير إلى التضييق فإنّه ليس بنسخ للفعل المخيّر ، لأنّ وجوب فعله باق ، وربما كان نسخا لجواز (١٧) تركه إلى غيره ، لأنّ المنافاة متحقّقة هناك. وأمّا نقل الفعل من التضيّق إلى التخيير فليس بنسخ بالنسبة إلى المضيّق لتحقّق وجوبه ، بل النسخ وارد على تحريم تركه لتحقّق المنافاة.

وأمّا الزيادة على النصّ والنقيصة منه فقد اختلف الأصوليّون في ذلك ، والذي اتّضح لي فيه أنّ الزيادة إن كانت مؤثّرة تغييرا في المزيد عليه كان ذلك القدر من التغيير نسخا لتحقّق معنى النسخ فيه ، وإلّا فلا يكون نسخا ، فانّ التغريب (١٨) في حقّ الزاني البكر لم يؤثّر تغييرا في الحدّ ، وقولهم : إنّ النصّ الأوّل كان يؤذن بالاكتفاء لا حجّة فيه ، لأنّا نقول : الاكتفاء بما تضمّنه النصّ الأوّل إن كان معلوما من دلالة لفظيّة شرعيّة كانت الزيادة نسخا لتلك الدلالة وإلّا لم تكن نسخا.

وأمّا النقيصة فإنّها تكون نسخا لما نقص [ لا ] لما بقي كالاقتصار في عدة الوفاة بأربعة أشهر وعشرة أيّام بعد الحول ، فإنّه نسخ لما زاد على الأربعة أشهر (١٩) فإن كان النصّ الثاني مغيّرا للنصّ الأوّل أي لما دلّ على (٢٠) منطوقه كان نسخا وإلّا فلا. والله الموفّق.

__________________

(١٧) اللام متعلّق بكلمة « نسخا » فلا تغفل.

(١٨) يعنى نفي البلد.

(١٩) وعشرة.

(٢٠) كذا. ولعلّ الصحيح : عليه.

١٩٠

المسألة السادسة :

قول الشيخ أبي جعفر رضي‌الله‌عنه : عدّة من أصحابنا عن التلّعكبري وكذا قوله : عدّة من أصحابنا عن أبي المفضّل ، وقوله : عدّة من أصحابنا محمّد بن علي بن بابويه (٢١) هل العدّة متّفقة أم مختلفة؟ تعرّفنا ذلك ونذكر أسماءهم.

الجواب :

الذي وصل إلى في ذلك ووجدته بخطّ بعض الفضلاء أنّ الجماعة الذين هم طريق الشيخ رحمه‌الله تعالى إلى أبي المفضّل منهم أبو عبد الله الحسين بن عبيد الله (٢٢) ، وأبو علي محمد بن إسماعيل بن أشناس (٢٣) ، وأبو طالب بن غرور (٢٤) ، واسم أبي المفضّل محمّد بن عبد الله بن المطّلب الشيباني.

وأمّا الجماعة الذين هم طريقه إلى التلّعكبري منهم الحسين بن عبيد الله المذكور ، وابن صقال (٢٥) ، وابن أشناس المذكور ، وابن عزور (٢٦) المذكور.

وإلى ابن بابويه منهم المفيد رحمه‌الله ، والحسين بن عبيد الله المذكور وأبو

__________________

(٢١) كذا ، والصحيح : عن محمد بن علي بن بابويه.

(٢٢) الغضائري المتوفّى ٤٢١ ، كذا في تنقيح المقال نقلا عن رجال الشيخ الطوسي.

(٢٣) كذا في الأصل ، وفي خاتمة المستدرك ص ٥١٠ : أبو علي الحسن بن محمد بن إسماعيل بن محمد ابن أشناس البزاز.

(٢٤) في الأصل : عزوّر بالعين. وفي خاتمة المستدرك ص ٥٠٩ كما أثبتناه في المتن فراجع.

(٢٥) كذا في الأصل ولكن قال العلامة الطهراني في مقدمة التبيان : أبو الحسين الصفّار ( ابن الصفّار خ ل ).

(٢٦) كذا في الأصل ، ولكن في بعض المصادر بالغين المعجمة كما مرّ.

١٩١

الحسين جعفر بن الحسين بن حسكة القمّي (٢٧) وأبو زكريا محمد بن سليمان الحمراني (٢٨). ومظانّ روايته تختلف فتارة تكون الجماعة المذكورون ، وتارة بعضهم ، واسم التلّعكبري محمّد بن موسى (٢٩) وكنيته أبو محمّد والله الموفّق للصواب (٣٠).

__________________

(٢٧) ذكره النوري في خاتمة المستدرك ص ٥٠٩ في مشايخ الشيخ.

(٢٨) قال في تنقيح المقال ٣ ـ ١٢٢ : يأتي في ترجمة الصدوق ما يومئ إلى كون محمد بن سليمان الحمراني من مشايخ الشيخ. فراجع.

(٢٩) كذا في الأصل ، ولكن الصحيح : أبو محمد هارون بن موسى كما في جامع الرواة للأردبيلي ٢ ـ ٣٠٩.

(٣٠) راجع خاتمة المستدرك الفائدة الثالثة.

١٩٢

المسألة السابعة :

إذا أوصى إلى إنسان فقبل الوصيّة وهو يعلم أنّ في مال الموصي الخمس لم يخرجه ، هل يجب على الوصيّ إخراجه من التركة أم لا؟ وهل يفرق بين أن يكون الوصيّ فقيها أم لا؟ وهل إذا كن لهذا الميّت دين على إنسان يعلم مثل ما علمه الوصيّ أيجب عليه تسليم ذلك إلى الورثة أم يخرجه هو؟ وهل إذا كان من المستحقّين يسقط عنه أم لا؟ وهل يجوز لغير الحاكم أن يخرج ذلك على وجه أنّه أمر بمعروف أم لا؟.

الجواب :

نعم على الوصيّ إخراج الخمس من تركته ، ولا فرق بين أن يكون فقيها أو لا يكون في وجوب إخراجه.

ولا يجوز لمن عليه الدين أن يخرج عن الميّت بل يجب عليه تسليمه إلى الوارث ليتولّى الإخراج فإنّ ما في الذمّة لا يتعيّن إلّا بقبض صاحبه أو من يقوم مقامه.

ولا تبرأ ذمة الغريم إن كان من أهل الاستحقاق بمجرّد ثبوت الخمس في مال صاحب الدين وإلّا برأت ذمّته في حال حياته.

ولا يجوز لغير الحاكم أو الورثة أن يتولّى تسليم الدين إلى أرباب الخمس ، والله الموفّق.

وهذا حين انتهينا على أجوبة المسائل معتذرين من الخلل مستغفرين من الخطل وانّا نسأل التوفيق لصالح العلم إن شاء الله تعالى ، وصلّى الله على سيّدنا محمّد النبيّ وآله الطاهرين.

١٩٣
١٩٤

٣

المسائل المصريّة

وهي تشتمل على خمس مسائل

تأليف المحقق الحلي ره

١٩٥
١٩٦

بسم الله الرحمن الرحيم

أقول : بعد حمد الله على ما أكرمنا من فضله وألهمنا من محبّة العلم وأهله ، والصلاة على رسوله الهادي إلى الخير كلّه ، وعلى ذريّته نواميس الدين وأصله ، إنّي مجيب إلى ما سألني الشريف (١) لمعرفتي برئاسته ونبله ، وتحقّقي نفاسته وسداد عقله ، وأنّ ذلك يقع منه في موقعه ويحلّ في محلّه ، وهي خمس مسائل :

الأولى في شرح الباب الأوّل من النهاية ، فإنّه ذكر أنّه سمع منّي شرحها (٢) ولم ينضبط له إلّا أقلّه.

الثانية في إزالة النجاسات بالمائعات وكيف ادّعى علم الهدى والشيخ المفيد رحمهما‌الله أنّ ذلك هو مذهبنا ولا نصّ فيه.

الثالثة الماء القليل هل ينجس بالملاقاة أم لا؟.

الرابعة ماء البئر هل ينجس بالملاقاة أم لا ينجس إلّا بالتغيير؟.

الخامس الماء المستعمل في غسل الجنابة وشبهه هل يرفع به الحدث أم لا؟.

وها نحن موردون مسائله ، ومجيبون عنها ، ومشيرون إلى الدلالة على وجه مختصر إن شاء الله.

__________________

(١) السّيد الشريف. كذا في بعض النسخ.

(٢) يظهر من هذه العبارة أنّ السائل الشريف كان من تلامذته.

١٩٧

المسألة الأولى

يفتقر جوابها إلى إيراد كلام الشيخ رحمه‌الله.

قال : باب بيان ماهيّة الطهارة وكيفيّة ترتيبها (٣).

باب الشي‌ء ما يدخل به إليه ، ويجوز أن يكون من قولهم : « أبواب مبوّبة » أي « أصناف مصنّفة » فكأنّ الباب يجمع صنفا من الأصناف.

والمائية (٤) مشتقّة من ما التي يطلب به تارة شرح الاسم ، وتارة شرح الحقيقة ، وقد يسأل عن الشي‌ء بما هو فيقال منه ماهية ، ويكنّى عنه بهو ويقال هوية.

والكيفيّة من كيف التي يسأل بها عن الوصف ، فكأنّه قال : باب بيان ما يقال في جواب من يسأل ما الطهارة وكيف ترتيبها.

وهنا محذوف تقديره وكيفيّة ترتيب فصولها فحذف المضاف لأنّ الباب لم يشتمل على ترتيب الطهارة بل على ترتيب فصولها.

وربما قيل : لم لم يجعل للطهارة هنا كتابا كما جعل في الخلاف؟.

والجواب أنّه تارة ينظر إلى كون الطهارة وجبت تبعا لغيرها فأشبهت المقدّمات ، وتارة ينظر إلى كثرة فصولها وتشعّب مسائلها وكونها أهمّ مقدّمات الصلاة في عناية الشرع فيخصّها بمزيّة الانفراد.

وقال رحمه‌الله : الطهارة في الشريعة اسم لما يستباح به الدخول في الصلاة (٥).

__________________

(٣) نهاية الشيخ الطوسي ص ١ طبع قم ، وفي بعض نسخ المسائل المصرية : « مائية » مكان « ماهية ».

(٤) في بعض النسخ : الماهيّة.

(٥) النهاية ص ١.

١٩٨

إنّما قال : في الشريعة احترازا من اللغة ، فإنّها هناك اسم للنزاهة عن الأدناس يقال : رجل طاهر الثياب أي منزّه ، وقوم يتطهّرون أي يتنزّهون من الدنس فأمّا في الشرع فهي كما ذكر.

ونقض قوم هذا التعريف بإزالة النجاسة عن الثياب والبدن فإنّها معتبرة من الاستباحة ولا يطلق عليها اسم الطهارة.

واحترز القاضي عبد العزيز بن البرّاج لذلك بأن زاد « ولم يكن ملبوسا وما يجري مجراه » (٦).

وقال بعض المتأخرين (٧) : ينتقض أيضا بوضوء الحائض لجلوسها في مصلّاها ذاكرة لله فإنّه طهارة وإن لم تحصل به الاستباحة.

والشيخ رحمه‌الله قال في المبسوط : « الطهارة عبارة عن إيقاع أفعال في البدن مخصوصة على وجه مخصوص تستباح به الصلاة » (٨) وصوّبه ذلك المتأخّر وأسقط اشتراط الاستباحة ، فقال : نريد بقولنا : « في البدن مخصوصة » الاحتراز من إزالة النجاسة العينيّة عن الثوب والبدن ، وبقولنا : « على وجه مخصوص » القربة ، ولا حاجة إلى الاستباحة (٩).

__________________

(٦) قال ابن البرّاج في المهذب ج ١ ص ١٩ : فصل في بيان الطهارة الشرعية : هي استعمال الماء والصعيد على وجه تستباح به الصلاة أو تكون عبادة تختصّ بغيرها. وليس عندنا مؤلف آخر من ابن البرّاج. ولكن قال ابن إدريس في السرائر ١ ـ ٥٦ : قد تحرّز بعض أصحابنا في كتاب له مختصر وقال : الطهارة في الشريعة اسم لما يستباح به الدخول في الصلاة ولم يكن ملبوسا أو ما يجرى مجراه. وهذا قريب من الصواب.

(٧) وهو ابن إدريس الحلّي ره في السرائر ١ ـ ٥٦.

(٨) المبسوط ١ ـ ٤ مع تفاوت يسير.

(٩) السرائر ١ ـ ٥٦ ، ولم ينقل المصنف عبارته بعينها فراجع.

١٩٩

ويمكن أن يقال : أمّا نقضه على النهاية بوضوء الحائض في زمان حيضها ، فلا نسلّم أنّ ذلك يسمّى طهارة ونطالبه من أين عرف تسميته بذلك ، وإنّما يستفاد الوضع من أهل الاصطلاح وهو مفقود ، وليس تسميته وضوءا مستلزما تسميته طهارة ، لأنّ الطهر في مقابلة الحيض فلا يجتمعان ، فلو صدق عليه اسم الطهارة لصدق على فاعلته في زمان الحيض الطهر.

وأمّا تصويبه حدّ المبسوط فوهم فاحش ، لأنّه في غاية الإجمال بحيث لا يفهم منه شي‌ء على التعيين أصلا ، بل هو منطبق بلفظه على كثير ممّا يفعل في البدن وليس طهارة ولو قال : لم أرد بالمخصوصية ما أشرت إليه وإنّما أردت الوضوء أو الغسل. قلنا : فالتعريف إذا باللفظ الثاني لا الأوّل وقد كان متشاغلا بتعريف لفظ واحد فصار متشاغلا بعدّة ألفاظ لا تدلّ عليها ألفاظ التعريف ومن الشروط في التحديد تجنّب الألفاظ المبهمة. ثم لو زال الطعن في هذا التعريف بالعناية لأمكن في كلام النهاية.

قوله : المراد بقوله : « في البدن مخصوصة » الاحتراز من إزالة النجاسات ، إن أراد أنّ نفس اللفظ دالّ على ذلك فهو مكابرة وإن أراد أنّه يدلّ مع التفسير كان ذكره تطويلا.

قوله : يستغنى بقولنا : « على وجه مخصوص » عن ذكر الاستباحة وهم أيضا لأنّ اللفظ لا يدلّ على ذلك وإنّما يدلّ بالعناية ، ولأنّ الشيخ رحمه‌الله لا يكتفي بالقربة عن الاستباحة فلم تدلّ خصوصيّة الأفعال على قصد الاستباحة.

على أنّه لو جاز ذلك لجاز أن يقول : الطهارة أفعال مخصوصة ، ويفسّر المخصوصة بجميع ما يعتبر في التعريف.

ثمّ نقول : الخطأ نشأ من ظنّهم أنّ الشيخ رحمه‌الله قصد تعريف الطهارة نفسها وليس الأمر كذا وإنّما قصد تفسير اسم الطهارة بما هو أظهر منه وإن كان

٢٠٠