الرسائل التسع

الشيخ نجم الدين أبي القاسم جعفر بن الحسن بن يحيى بن سعيد الهذلي [ المحقق الحلّي ]

الرسائل التسع

المؤلف:

الشيخ نجم الدين أبي القاسم جعفر بن الحسن بن يحيى بن سعيد الهذلي [ المحقق الحلّي ]


المحقق: رضا الاستادي
الموضوع : الفقه
الناشر: منشورات مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٩٩

التشريع كان حجّة في النسخ أو نقول : الناس طائفتان : إحداهما لا يرى أنه نسخ وهم لم يبلغوا حدّ التواتر ولا أن يكون إجماعهم حجّة ، والأخرى كما نقلت الإباحة نقلت النسخ ، سلّمنا : أنّه عليه‌السلام أباحها لكنّ النقل المشهور تضمّن النسخ وكان أولى.

والجواب قوله : الناقلون لم يبلغوا حدّ التواتر. قلنا : لا نسلّم بل الذي نعلمه أنّ الشيعة مع كثرتهم وانتشارهم في الآفاق ينقلون ذلك عن أئمّة أهل البيت عليهم‌السلام والناقلون أضعاف عدد التواتر.

قوله : فريق يبيح وفريق ينقل الإباحة والنسخ. قلنا : هذا صحيح لكن يقوم من مجموع قول الفريقين الإجماع [ على ] أنّه كان مشروعا ثمّ ينفرد البعض بالنسخ فيحصل من الإجماع ثبوت التشريع دون النسخ ، ولأنّ الجمهور يدّعون النسخ وهو لا يتحقّق إلّا مع التشريع السابق.

قوله : النقل المشهور دلّ على النسخ. قلنا : سنبيّن ضعف ذلك النقل فإنّه لا يثمر الظنّ فكيف اليقين الموجب لنسخ المتيقّن.

المسلك الرابع لهم : قالوا : المتعة منفعة تتوق إليها النفس ولا نعلم فيها ضررا عاجلا ولا آجلا. فيجب أن تكون مباحبة أمّا كونها منفعة فظاهر ، وأمّا عدم العلم بالضرر فلوجهين : أمّا أوّلا فلأنّا نتكلّم على هذا التقدير ، وأمّا ثانيا فلأنّه لو كان هناك ضررا لكان إمّا عقليّا وإمّا شرعيّا ، أمّا العقلي فمنتف ، أمّا أوّلا فبالاتّفاق ، وأمّا ثانيا فبالسبر ، وأمّا الشرعي فلو ثبت لكان أحد متمسّك الخصم واستدل (٢٠) على ضعفه ، وأنّه غير دالّ على مرادهم. وأمّا إن كان كذلك كان مباحا فلوجهين : أمّا أوّلا فلما ثبت من أنّ الأصل الإباحة ، وأمّا ثانيا فبالإجماع لأنّ

__________________

(٢٠) في بعض النسخ : ويستدلّ.

١٦١

المانع إنّما منع استنادا إلى ما يتمسّك به في النسخ فلو لم يستسلف صحّته لقال بما قلنا وسنبطله فيتحقّق الاتفاق أمّا عندنا فعلى كلّ حال وأمّا عند الخصم فعلى ذلك التقدير.

المسلك الخامس لهم : قالوا : المقتضي لملك البضع في صورة الدوام موجودة في صورة النزاع ، والعارض لا يصلح مانعا فيثبت ملك البضع في صورة النزاع ، وإنّما قلنا إنّ المقتضي لملك البضع في صورة الدوام موجود هنا ، لأنّ المقتضي لملك البضع هناك هو العقد المشتمل على الإيجاب والقبول الصادر من أهله في محله ، وإنّما قلنا إنّ الواقع عقد فلأنّ العقد مشتقّ من عقدت الحبل ، أو من عقد الضمير (٢١) وكلاهما ثابت فيه ، والإيجاب والقبول والأهليّة والمحليّة ثابتة أيضا ، لأنّا نتكلّم على هذا التقدير ، وإنّما قلنا إنّ ذلك هو المقتضي لملك البضع أمّا أوّلا فلقوله تعالى ( وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوالِكُمْ مُحْصِنِينَ ) (٢٢) فيجب أن يكون ابتغاء الإحصان ممكنا ، والإحصان هو التزوّج (٢٣) أحصن الرجل زوجته (٢٤) فهو محصن ، فلا يتحقّق إلّا مع ملك البضع. وأمّا ثانيا فلأنّ ملك البضع في صورة الدوام حادث فلا بدّ له من سبب ، ولا سبب ظاهر سوى الإيجاب والقبول الواقعين على الوصف المذكور فيجب إضافته إليهما ، وإلّا لزم تجدّد الحادث لا عن مؤثّر ، لا يقال لم لا يجوز أن يكون له سبب غير معلوم لنا. لأنّا نقول : هذا يسدّ باب العلم بالأسباب والمسبّبات ، إذ لا طريق إلى العلم بإسناد أثر إلى مؤثّر إلّا تجدّده عند تجدّده ووقوعه

__________________

(٢١) كذا في النسخ ولعلّ الصحيح : عقد الضفير ، والضفير حبل من الشعر المضفور أي المفتول.

(٢٢) سورة النساء : ٢٤.

(٢٣) في بعض النسخ : الزوج.

(٢٤) في بعض النسخ : لزوجته.

١٦٢

بحسبه (٢٥) فلو لم يكن مفيدا هنا لما كان مفيدا هناك. وأمّا ثالثا فلأنّ ملك البضع يثبت تبعا لثبوت العقد وينتفي على تقدير انتفائه والمدار علّة الدائر أو ملزوم له وإلّا لما علمت العلل ولا تحقّقت التجربة إذ مستندها الدوران وإذا ثبت أنّ المقتضي موجود فالعارض هنا لا يصلح رافعا لحكم المقتضي ، لأنّ العارض إنّما هو شرط للأجل وهو غير مناف لوجهين : أحدهما : أنّ اشتراط الأجل إمّا أن يكون لازما وإمّا لا يكون. وكيف كان لا يكون رافعا أمّا بتقدير أن يكون لازما فظاهر ، وأمّا بتقدير أن لا يكون لازما فحينئذ لا يكون مؤثّرا في العقد كما تقول في اشتراط الخيار في الدائم وكاشتراط أن لا تتزوّج عليها ولا يتسرى فيخلص المقتضي صافيا عن مصادمة المعارض. ثمّ نقول : ثمرة النكاح حلّ الوطء فهو عقد معاوضة على منفعة وتلك المنفعة غير مقدّرة في كمّيتها ففيها إذا نوع جهالة فتقديرها بالأجل أنفي للجهالة المنافية لعقود المعاوضات ، فلا يكون ما يرفع الجهالة عن ثمرة العقد رافعا لثمرته.

فان قيل : لا نسلّم أنّ المقتضي لملك البضع في صورة الدوام موجود في صورة النزاع. قوله : المقتضي هو العقد المشتمل على الإيجاب والقبول الصادر من أهله في محلّه. قلنا سلّمنا الأهليّة والمحليّة لكن لا نسلّم وجود العقد في صورة النزاع. فان قال : العقد هو اسم للإيجاب والقبول منعنا ذلك وظاهر أنّه ليس عبارة عنهما لأنّه لو كان اسما لهما لزم تخصيص العموم إذ الإيجاب والقبول يوجدان ولا يفيدان الملك كنكاح الشغار فلا بدّ أن يكون اسما لشي‌ء آخر أولهما مع زيادة وحينئذ لا نسلّم حصول ذلك المعنى في صورة النزاع ، سلّمنا أنّ العقد عبارة عن الإيجاب والقبول لكن لا نسلّم كونه مقتضيا لملك البضع.

قوله العقد وسيلة إلى ابتغاء الإحصان. قلنا : حقّ لكن لا يلزم من إباحة

__________________

(٢٥) كذا.

١٦٣

ابتغاء الإحصان عموم الابتغاء وهذا لأنّه لفظ مطلق يصدق بالجزء والكلّ.

قوله في الوجه الثاني : تجدّد ملك البضع عند تجدّد العقد فيلزم أن يكون مقتضيا له. قلنا : سلّمنا تجدّده عنده فلم يجب أن يحكم بتجدّده به وما المانع أن يكون لعلّه يعلمها الله سبحانه من مصلحة أو وجه يختصّ به ذلك العقد أو نقول : كما تجدّد عند تجدّد العقد تجدّد مع قصد الدوام فلم لا يكون ذلك هو المقتضي أو جزء منه.

قوله في الوجه الثالث : دار ملك البضع مع العقد وجودا أو عدما والمدار علّة الدائر. قلنا : لا نسلّم وما المانع أن يكون ذلك اتّفاقا بمعنى أنّ الشرع حكم بهما لا لكون أحدهما علّة فلا يلزم من وجود أحدهما في صورة أخرى وجود الآخر.

قوله : لو لا وجوب الحكم بكون المدار علّة للدائر لما علمت العلل ولا تحقّقت المجرّبات. قلنا : لا نسلّم أنّ المعوّل هناك على مجرّد الدوران ، بل على الدوران المتكرّر المفيد لليقين وللتكرار أثر في إفادة اليقين ولم يحصل ذلك هنا. ثمّ. الدليل على أن المدار ليس علّة ، وجود الأبوّة مع النبوّة وانتفاؤها معها وليس أحدهما علّة للآخر وكذا القرب والبعد. سلّمنا أنّ المقتضي لملك البضع في صورة الدوام هو العقد لكن بلفظ التزويج أو الإنكاح لا بلفظ المتعة فلا يتحقّق ما فرض في صورة الوفاق في صورة النزاع. ثمّ نقول : المقتضي هو العقد مطلقا أو العقد المطلق ، الأوّل ممنوع وإلّا لزم مخالفة المقتضي في موضع التخلّف ، والثاني مسلّم لكن الإطلاق قيد فلا يلزم من ثبوت الحكم مع ذلك القيد ثبوته مع تجرّده. أو نقول : كما ثبت ملك البضع تبعا لوجود العقد ثبت مع تجرّده عن ذكر الأجل فيكون الحكم منوطا به كما كان منوطا بالعقد فيكون إمّا جزء العلّة أو شرطا. وكيف كان يلزم عدم الحكم عند عدمه. سلّمنا أنّ المقتضي لملك البضع في صورة الدوام موجود في النزاع لكن لم لا يجوز أن يكون ذكر الأجل منافيا. وظاهر أنّه

١٦٤

مناف لأنّ فائدة الزوجية السكون إلى الزوجية والطمأنينة إلى صحبتها ولا يتحقّق ذلك مع الأجل إذ لا طمأنينة.

قوله : إمّا أن يلزم الشرط وإمّا أن لا يلزم. قلنا : لا يلزم.

قوله : يخلص المقتضي صافيا عن المنافي. قلنا : متى يكون كذلك إذا سقط الشرط بانفراده أم إذا كان سقوطه تبعا لبطلان العقد فلا يثبت المقتضي؟ الأول مسلّم والثاني ممنوع ، ونحن فلا نرى سقوطه الّا تبعا لبطلان العقد ولا يثبت المقتضي ، ثمّ نقول : شرط الأجل إمّا أن يكون لازما وإمّا أن لا يكون ، وكيف كان لزم أن يكون منافيا أمّا بتقدير أن يلزم فلأنّه يكون مزيلا للعقد بالانقضاء وهو دليل المنافاة ، وإن لم يلزم بطل العقد لعدم رضى الزوجين به.

قوله : عقد النكاح ثمرته ملك المنفعة ، فيكون ذكر الأجل أنفى للجهالة. قلنا : لا نسلّم أنّ تجريد العقد من الأجل يتضمّن جهالة ، وهذا لأنّ المهر في مقابلة ملك البضع ويستقر بوطء واحد ، وملك البضع هو ثمرة العقد ولا جهالة فيه ، والانتفاع بعد ذلك إنّما هو بالعقد المقتضي لذلك الاستمتاع كالانتفاع بالمبيع.

والجواب : قوله : لا نسلّم وجود العقد في صورة النزاع. قلنا : قد بينّا أنّ العقد مشتقّ من عقدت الحبل أو عقدت الضمير (٢٦). وكلّ واحد من الاشتقاقين موجود في صورة النزاع فيلزم وجود المشتقّ فيهما.

قوله : لو كان العقد اسما للإيجاب والقبول الواقعين من الأهل في المحلّ لزم التخصيص حيث ذكر. قلنا : لا بدّ من أحد أمور : إمّا كون العقد عبارة عن الصيغة أو عن تمليك البضع أو عن لازم لهما أو لأحدهما ، لأنّه لو انتفت الأقسام لما تحقّق للعقد معقول ، وأيّها كان في صورة الدوام لزم ثبوت حكمه في صورة

__________________

(٢٦) كذا في النسخ ، ولعلّ الصحيح : عقدت الضفير كما مرّ.

١٦٥

النزاع لأنّا نتكلّم على تقدير وجود ذلك المفروض في الصورتين.

قوله : لو كان العقد اسما للصيغة لزم التخصيص. قلنا : ولو لم يكن اسما لزم النقل أو الاشتراك وهما على خلاف الأصل.

قوله : لا نسلّم كون العقد مقتضيا لملك البضع. قلنا : قد بيّنا ذلك بالوجوه الثلاثة.

قوله على الوجه الأول : ابتغاء الإحصان لا عموم له فلا نعلم تناوله لموضع على اليقين. قلنا : هو وإن لم يكن عامّا فهو مطلق ، إذ الفعل مع أنّ في تأويل المصدر والحكم المعلّق على المصدر المطلق ثبت حيث يثبت فيكون التحليل ثابتا أين قصد الابتغاء.

قوله على الوجه الثاني : سلّمنا أنّ ملك البضع تجدّد عند العقد لكن لا يلزم من تجدّده عنده أن يكون به. قلنا : لمّا ثبت افتقار كلّ حادث إلى مؤثّر ولم يعلم حادثا سوى العقد وجب إضافته اليه وإلّا لزم منه تعليق الحكم المعلوم الحدوث على ما ليس بمعلوم.

قوله : لم لا يكون معلّلا بمصلحة أو وجها يختصّ به عقد الدوام فلا يثبت في موضع آخر ما لم يعلم تلك المصلحة أو ذلك الوجه ، عن ذلك جوابان : أحدهما : أنّ ذلك استناد إلى ما لا يعلم والأصل عدمه ، ولأنّ التمسّك به يسدّ أبواب العلم بالأسباب. الثاني : أنّ الشرع حثّ على النكاح ، والحثّ على الفعل يستدعي إمكان الوسيلة إليه ، والنكاح المحلّل لا تكفي فيه الإباحة فلو لم تكن الوسيلة معلومة لزم التكليف بما لم يعلم بطريق الوصول إليه.

قوله على الوجه الثالث : لا نسلّم أنّ المدار علّة الدائر. قلنا : قد بيّنا ذلك.

قوله : ما المانع أن يكون الشرع حكم بملك البضع عند إيقاع العقد في صورة الوفاق لا لكون العقد مقتضيا فلا يثبت في صورة النزاع ما لم يتحقّق مثل ذلك الحكم ، قلنا : لو لم يكن العقد وسيلة لكان الأمر بإيقاعه عبثا. لا يقال : لم

١٦٦

لا يكون له فائدة وإن لم يعلمها المكلّف ، لأنّا نقول : نحن نعلم من مقاصد الشرع أنّ العقود وسائل إلى ثمراتها وأنّه لا وجه لها إلّا كونها وسيلة (٢٧) فسقط الاحتمال.

قوله على الاستدلال على كون المدار علّة للدائر ، لا نسلّم أنّا علمنا التعليل في أبواب التجربة بمجرّد الدوران بل الدوران المتكرّر المفيد لليقين. قلنا : يحصل العلم فيما لا يتكرّر كالعلم بكون الجرح علّة للموت إذا وقع عقيبه ، وكالعلم بأن الريّ حدث عن شرب الماء إذا وقع عقيبه ، ولا طريق إلى ذلك العلم إلّا تجدّده عند تجدّده مطّردا.

قوله : الأبوّة توجد مع النبوّة وليس أحدهما علّة في الأخرى ، وكذا القرب والبعد. قلنا : هما وإن لم يكونا من باب العلّة والمعلول فهما من باب المتلازمين ونحن نكتفي في الاستدلال بمثل ذلك ، وهو الحكم بوجود حلّ البضع مع إيقاع العقد سواء كان أحدهما علّة أو مقتضيا أو ملازما.

قوله : سلّمنا أنّ المقتضي هو العقد لكن بلفظ التزويج أو الإنكاح لا بلفظ المتعة. قلنا عن ذلك جوابان : أحدهما إنّا نفرض وقوع العقد في الصورتين بلفظ الإنكاح والتزويج ، فإن المحقّق من المذهب أنّ لفظ المتعة ليس شرطا. والثاني أن نقول : أحد الأمرين لازم وهو إمّا أن تصحّ الكناية عن الدوام بالمتعة ، وإمّا أن لا تصحّ. وكيف كان وجب الحكم بصحة العقد أمّا بتقدير أن يكنّى به شرعا فحينئذ يصحّ العقد بلفظه كما صحّ بلفظ التزويج لوروده في القرآن المجيد ، وإن لم يصحّ أن يكنّى به عن الدوام حينئذ تكون دلالة قاطعة على جواز نكاح المتعة بالآية.

قوله : المقتضي في صورة الدوام هو العقد مطلقا أو العقد المطلق؟ قلنا :

__________________

(٢٧) بعض النسخ : كونها وصلا.

١٦٧

العقد المطلق.

قوله : الإطلاق قيد. قلنا : القيد العدمي لا أثر له إذ العدم لا يكون علّة ولا جزء العلّة ولا شرطا ، لأنّ العدم لا يؤثّر في الأشياء الحادثة.

قوله : لم لا يجوز أن يكون ذكر الأجل منافيا وظاهر أنّه مناف لأنّ فائدة الزوجيّة السكون إلى الزوجة والطمأنينة ، فلا يتحقّق ذلك مع التأجيل. قلنا : لا نسلّم أنّ المراد بالزوجية منحصرة في السكون بل لم لا يكون المراد هو الاستمتاع وظاهر أنّ الأمر كذلك إمّا مستمرا أو في الغالب. ولو سلّمنا أنّ المراد هو السكون لما سلّمنا أنّه لا يتحقّق مع الأجل خصوصا إذا كان متطاولا. قوله : لا نسلّم أنّ ذكر الأجل غير مناف. قلنا : قد بيّنا ذلك بأنّه إن لم يلزم خلص المقتضي صافيا.

قوله : متى يكون كذلك إذا سقط الشرط تبعا لسقوط العقد أم إذا سقط منفردا؟ قلنا : إذا لم يكن بينهما منافاة يلزم من وجوده بطلان العقد.

قوله : لو سقط لبطل العقد. قلنا : لا نسلّم ، لأنّ مع سقوطه بقي العقد سليما عن المنافي ، والمقتضي إذا كان موجودا لزم الحكم بمقتضاه إلّا مع العلم بالمنافاة والتقدير تقدير عدم العلم بالمنافاة المقتضية للسقوط.

قوله : في المعارضة : الشرط إمّا أن يكون لازما وإمّا أن لا يكون؟ قلنا :

يكون.

قوله : يلزم المنافاة. قلنا : لا نسلّم وهذا لأنّ زوال العقد عند انقضاء الأجل نشأ من مقتضى العقد لا من منافاة الاشتراط.

قوله على الوجه الثاني : ثمرة النكاح ملك البضع فلا يكون عدم الأجل مجملا لثمرته. قلنا : المعلوم أنّ ملك البضع معناه حلّ الوطء فالمراد من النكاح ملك منفعة. قوله : المعاوضة على ملك البضع ووطء واحد. قلنا : لا نسلّم بل الذي يظهر أنّ استباحة الوطء هي ثمرة العقد والمهر في مقابلها وإن استقر بالوطء

١٦٨

الواحد شرعا.

وأمّا القائلون بالتحريم فإنّهم احتجّوا بالنصّ والأثر والإجماع.

أمّا النصّ فوجوه : الأوّل قوله تعالى ( وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ إِلّا عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ ) (٢٨) والمتمتّع بها ليست زوجة ولا ملكا. الثاني ما رواه عبد الله والحسن ابنا محمّد بن علي عن أبيهما عن أبيه عن علي عليه‌السلام أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله نهى عن متعة النساء يوم خيبر وعن الحمر الإنسية (٢٩) وما رواه الربيع بن سبرة عن أبيه قال : شكونا العزبة في حجّة الوداع فقال : فاستمتعوا من هذه النساء ، فأبين الّا نجعل بيننا وبينهنّ أجلا فقال عليه‌السلام : اجعلوا بينكم وبينهنّ أجلا ، فزوّجت امرأة فمكثت عندها تلك الليلة ثمّ غدوت ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قائم بين الركن والباب ويقول : إنّي قد أذنت لكم في الاستمتاع الا وانّ الله حرّمها إلى يوم القيامة فمن كان عنده منهنّ فليخلّ سبيلها ولا تأخذوا ممّا آتيتموهنّ شيئا (٣٠).

وأمّا الأثر فما روي عن عمر بن الخطاب أنّه قال : أذن لنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في المتعة ثلاثا ثمّ حرّمها ، والله لا أعلم رجلا تمتّع وهو محصن إلّا رجمته بالحجارة إلّا أن يأتي بأربعة يشهدون أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أحلّها بعد ان حرّمها (٣١).

وأمّا الإجماع فلأنّه فتوى الصحابة والتابعين وفقهاء الأمصار على

__________________

(٢٨) سورة المؤمنون : ٧.

(٢٩) سنن البيهقي ٧ ـ ٢٠٢.

(٣٠) روى ذيله مسلم في صحيحه. راجع التاج الجامع للأصول ٢ ـ ٣٣٥.

(٣١) راجع السنن الكبرى للبيهقي ٧ ـ ٢٠٤.

١٦٩

اختلاف الأعصار ، لا يقال : نقلت المخالفة عن ابن عبّاس وابن مسعود ، لأنّا نقول : أمّا ابن عباس فنقل عنه أنّه تاب عن ذلك عند احتضاره (٣٢) وأمّا ابن مسعود فلم تثبت الرواية عنه (٣٣) فلا يقدح في الإجماع بالاحتمال.

أجاب الأوّلون بأن قالوا : أمّا الآية فلا نسلّم دلالتها على موضع النزاع.

قوله : المتمتّع بها ليست زوجة. قلنا : لا نسلّم ، بل هي زوجة أمّا عندنا فبالإجماع ، وأمّا عند الجمهور فبالرواية التي استدلوا بها على التحريم عن سبرة فإنّه قال : فتزوّجت امراة ومكثت عندها ثلاثا (٣٤). لا يقال : لو كانت زوجة لحصل بها الإحصان المشترط في ثبوت الرجم ولثبتت لها النفقة والميراث ولحقها حكم اللعان والإيلاء والظهار ، والّا لزم تخصيص الأدلّة الدالّة على تعلّق هذه الأحكام بالزوجات ، لأنّا نقول : عن ذلك جوابان : أحدهما التزام هذه الأحكام تمسّكا بالعموم وهو محكيّ عن بعض الأصحاب (٣٥). الثاني أن نقول : إنّما صار من منع هذه الأحكام إلى ما يعتقد كونه دلالة على التخصيص فإن ثبت ذلك وإلّا كانت تلك الأحكام ثابتة. ثمّ نقول : كل واحد من تلك الأحكام قد سقط مع الزوجيّة الدائمة ، ولا يقدح في تسميتها زوجة ، فإنّ الميراث قد يسقط مع الرقّ والقتل والكفر مع ثبوت الزوجيّة ، وكذا لا يثبت الإحصان قبل الدخول بالزوجة ، وتسقط النفقة بالنشوز ، وكذا لا يثبت اللعان بين الحرّ والأمة ، والمسلم والكافرة على مذهب كثير من الجمهور ، وكما خصّ الجمهور تلك العمومات لوجود الدلالة فكذا هنا. وأمّا سقوط حكم الطلاق في النكاح المنقطع فلأنّ الفرقة تحصل

__________________

(٣٢) راجع نيل الأوطار ٦ ـ ٢٦٩ ففيه : وقد روى الرجوع عن ابن عباس جماعة ..

(٣٣) يعني بسند موجب للعلم والاطمئنان.

(٣٤) سنن البيهقي ٧ ـ ٢٠٢.

(٣٥) قال السيد المرتضى في الانتصار ص ١١٤ : على أنّ مذهبنا أنّ الميراث قد يثبت في المتعة إذا لم يحصل شرط في أصل العقد بانتفائه.

١٧٠

بانقضاء الأجل أو هبة الزوج بقيّة المدّة فلا ضرورة إلى شرعه فيها.

وأمّا الخبر المروي عن علي عليه‌السلام فأجابوا عنه من وجوه : الأول إنّا نعلم من علي عليه‌السلام بالنقل المتواتر بطرق أهل البيت عليهم‌السلام تحليل المتعة ومن المتيقّن أنّه عليه‌السلام لا يروي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ما يخالفه هو وفضلاء أهل بيته مثل الصادق والباقر والكاظم والرضا عليهم‌السلام. الوجه الثاني لو سلّمنا الرواية احتمل أن يكون النهي مختصّا بذلك اليوم لاقتضاء مصلحة اقتضت المنع ويكون ذلك المنع على وجه الكراهية لا التحريم. الثالث خبر سبرة دلّ على الإذن وهو في حجّة الوداع والخبر المنسوب إلى علي عليه‌السلام في يوم خيبر ، وحجّة الوداع متأخّرة عن عام خيبر ، فلو كان النهي الذي نقله علي عليه‌السلام على التحريم لزم نسخها مرّتين ، ولا قائل بذلك. وبالجملة فإنّ خبر سبرة يدفع النهي الذي تضمّنه خبر علي عليه‌السلام فسقط الاحتجاج به.

واما خبر سبرة ، فالجواب عنه من وجوه : الأوّل الطعن في السند (٣٦). الثاني أنّ ألفاظه مختلفة فتارة يقول : فمكثت عندها يوما ، وتارة يقول : ثلاثا (٣٧) ، وتارة يقتصر على أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : فمن كان عنده فليخلهنّ ، وفي أخرى يقول : إنّه محرّمة إلى يوم القيامة (٣٨) ، واختلاف الرواية الواحدة دليل على اضطراب نقلها. الثالث أنّه معارض بالأحاديث المرويّة عن الأئمّة عليهم‌السلام عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله بالإباحة. الرابع أنّه خبر واحد في أمر تعمّ به البلوى ومن شأنه الظهور لو وقع ، فاختصاص واحد من الصحابة بروايته

__________________

(٣٦) من جهة سبرة أو سائر رواة الخبر.

(٣٧) راجع سنن البيهقي ٧ ـ ٢٠٣ الحديث الأول والرابع.

(٣٨) راجع أيضا سنن البيهقي ٧ ـ ٢٠٣.

١٧١

تطرق إليه التهمة. الخامس أنّه مخصص لعموم القرآن المجيد وهو قوله ( فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ ) (٣٩) وهذا العقد ممّا يحصل به الاستمتاع سواء كان الاسم مختصّا به أو لم يكن ، ولأنّه عقد لابتغاء التحصين ، فيجب الوفاء به ، فالرواية مخصّصة لهذه الظواهر ، فتكون مطروحة لما تقرّر في الأصول من أنّ خبر الواحد لا يخصّص عموم الكتاب العزيز (٤٠).

وأمّا فتوى عمر فلا حجّة فيها. فإنّ خلافه كخلاف المناظر لنا ، ولو صحّ لكان رجوعا إلى فتوى صحابيّ ، وهو معارض بمذهب ابن عبّاس وابن مسعود.

وأمّا دعوى الإجماع فلا تتحقّق مع مخالفة الشيعة بأجمعها وفيهم فضلاء أهل البيت عليهم‌السلام.

__________________

(٣٩) سورة النساء : ٢٤.

(٤٠) هذا أحد القولين في المسألة فراجع.

١٧٢

المسألة التاسعة في وطء الحلائل في الدبر.

في وطء الحلائل في الدبر.

ولنا في ذلك روايتان : إحداهما الإباحة ، وهو اختيار المفيد رحمه‌الله والشيخ أبي جعفر رحمه‌الله ، والأخرى التحريم.

احتج المبيح بالنصّ والأثر والمعقول.

أمّا النصّ فوجوه :

الأوّل قوله تعالى ( نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنّى شِئْتُمْ ) (١).

وأنّى بمعنى كيف ومن أين. لا يقال : إنّ الحرث اسم لموضع النسل. لأنّا نقول :

كنّى بالنساء عن الحرث ، فيجب أن يكون التحليل عائدا إليهنّ. وفي الاستدلال بهذا إشكال.

الوجه الثاني : احتجّوا بقوله تعالى ( هؤُلاءِ بَناتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ ) (٢).

وقد علم رغبتهم فيكون الإذن مصروفا إلى تلك الرغبة. ويمكن أن يقال : ما المانع أن يكون أمرهم بالاستغناء بالنساء؟ لأنّ قضاء الوطر يحصل بهنّ وإن لم يكن مماثلا ، كما يقال : استغن بالحلال عن الحرام وإن اختلفا. ثمّ لو سلّمناه لكان ذلك مشروعا في غير ملّتنا ، فلا يلزم وجوده في شرعنا.

واستدلّوا أيضا بقوله ( أَتَأْتُونَ الذُّكْرانَ مِنَ الْعالَمِينَ وَتَذَرُونَ ما خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ ) (٣) وليس لازما ، لأنّ الاحتمال فيه قائم.

والوجه الاستدلال بقوله تعالى : ( وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ إِلّا عَلى

__________________

(١) سورة البقرة : ٢٢٣.

(٢) سورة هود : ٧٨.

(٣) سورة الشعراء : ١٦٦.

١٧٣

أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ ) (٤). وجه الاستدلال أنّه أمر بحفظ الفروج مطلقا ، ثمّ استثنى الأزواج ، فيسقط (٥) التحفظ في طرفهنّ مطلقا.

وأمّا الأثر فما روي عن ابن أبي يعفور عن أبي عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يأتي المرأة في دبرها فقال : لا بأس به (٦).

وعن علي بن الحكم قال : سمعت صفوان يقول : قلت للرضا عليه‌السلام : إن رجلا من مواليك أمرني أن أسألك عن مسألة فيها بك ويستحيي منك أن يسألك. قال : ما هي؟ قلت : الرجل يأتي المرأة في دبرها. قال : نعم ذلك له (٧).

وعن حمّاد بن عثمان عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : سألته عن الرجل يأتي المرأة في ذلك الموضع. قال : لا بأس به (٨).

وعن علي بن يقطين وموسى بن عبد الملك عن رجل عن أبي الحسن الرضا عليه‌السلام عن الرجل يأتي المرأة من خلفها. فقال : أحلته آية من كتاب الله : قول لوط ( هؤُلاءِ بَناتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ ) ، وقد عرف أنّهم لا يريدون الفرج (٩).

وأمّا المعقول فوجوه :

الأوّل منفعة تتوق النفس إليها سليمة عن مانع عقلي أو شرعي ، فتكون مباحة. أمّا عدم المانع العقلي فبالاتفاق. وأمّا عدم المانع الشرعي ، فلأنّه لو كان ثابتا لكان مستند الخصم ، وسنبطله. وأمّا إذا كان كذلك كان مباحا ،

__________________

(٤) المؤمنون : ٥.

(٥) فسقط. كذا في بعض النسخ

(٦) الوسائل ١٤ ـ ١٠٣ ـ التهذيب ٧ ـ ٤١٥ ـ الإستبصار ٣ ـ ٢٤٣.

(٧) الوسائل ١٤ ـ ١٠٢ ـ التهذيب ٧ ـ ٤١٥ ـ الكافي ٥ ـ ٥٤٠.

(٨) الوسائل ١٤ ـ ١٠٣ ـ التهذيب ٧ ـ ٤١٥.

(٩) الوسائل ١٤ ـ ١٠٣ ـ التهذيب ٧ ـ ٤١٤ وفيهما : عن الحسين بن علي بن يقطين.

١٧٤

فبقوله تعالى ( أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ ) (١٠) ، ولأنّه دفع لمضرة التتوّق.

الوجه الثاني : هو مباح قبل الشرع ، فيجب أن يكون مباحا بعده عملا باستصحاب الأصل.

الثالث تحريم الوطء المشار إليه مع إباحة الوطء فيما عدا القبل مثل السرّة والفخذين ممّا لا يجتمعان ، والثابت الإباحة هنا فتثبت هناك. وانّما قلنا : إنّهما لا يجتمعان ، لأنّ الاستماع بالزوجة فيما عدا القبل إمّا أن يكون سائغا وإما أن لا يكون ، وأيّهما كان لزم في الموضعين.

فان قيل : لا نسلّم أنّهما لا يجتمعان. قوله : إمّا أن يكون الاستمتاع بما عدا القبل سائغا وإمّا أن لا يكون؟ قلنا : يكون. قوله : فيلزم في الموضعين. قلنا : متى يلزم إذا ساغ لكونه استمتاعا ، أم لكونه استمتاعا فيما عدا الدبر؟ الأوّل ممنوع ، والثاني مسلّم ، وحينئذ لا يلزم من جواز الاستمتاع هناك جواز الاستمتاع هنا.

ثمّ نقول : ما المانع أن لا يكون الاستمتاع بما عدا القبل سائغا. قوله : يلزم أن لا يكون الوطء في السرة مثلا سائغا. قلنا : لا نسلّم ، وهذا لأن التحليل هنا ليس معلّلا بكونه استمتاعا ، بل لوجود الدلالة الدالّة على جوازه ولا يلزم من وجود الدلالة في الموضع المعيّن وجود حكمها في الآخر.

ثمّ نقول : الفرق بين الصورتين ظاهر ، وهذا وطء الدبر يشتمل على تفاحش ليس موجودا في غيره ، فكما يجوز أن يكون الحكم مستندا إلى الاستمتاع يحتمل أن يكون الحكم مستندا إلى الاستمتاع الخالي من ذلك التفاحش فلا يلزم من ثبوت الحكم ثمّ ثبوته هنا.

ثمّ نقول : ما ذكرتموه من الأدلّة العقليّة حاصلها يرجع إلى التمسّك

__________________

(١٠) سورة المائدة : ٤ ، ٥.

١٧٥

بالأصل وهو لا يتمّ إلّا مع سلامته عن المعارض ، والمعارض موجود ، وهو النصّ والأثر.

أمّا النصّ فوجهان : الأوّل قوله تعالى ( فَإِذا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ ) (١١) ، والمراد به القبل لوجهين : أحدهما أنّ الوطء في الدبر مكروه أو محرم وكلاهما غير مأمور به. الثاني ما روي عن أبي عبد الله عليه‌السلام في تأويل الآية أنّ المراد به في طلب الولد (١٢).

النصّ الثاني : ما رواه أبو هريرة عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : لا ينظر الله الى رجل جامع امرأته في دبرها (١٣). وما رواه خزيمة بن ثابت عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : إنّ الله لا يستحيي من الحقّ ثلاث مرّات لا تأتوا النساء في أدبارهن (١٤).

وأمّا الأثر فما رواه سدير عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله محاش النساء على أمّتي حرام (١٥).

أجاب القائلون بالإباحة بأن قالوا : قوله : لا نسلّم أنّهما لا يجتمعان. قلنا : قد بينّا ذلك. قوله : لا يكون سائغا لمجرّد كونه استمتاعا ، بل لكونه في ما عدا الدبر. قلنا : التحليل مستفاد من الإذن في الاستمتاع ، إذ لا ينقل على الخصوص جواز وطء المرأة في سرّتها ، ولو نقل أمكن أن يفرض من مواطن الاستمتاع ما لم ينقل فيه على الخصوص إباحة. قوله : بين الصورتين فرق. قلنا : نحن لم نقس

__________________

(١١) سورة البقرة : ٢٢٢.

(١٢) الوسائل ١٤ ـ ١٠٣ ـ التهذيب ٧ ـ ٤١٤ ـ الاستبصار ٣ ـ ٢٤٢.

(١٣) رواه في نيل الأوطار ٦ ـ ٣٥٢ نقلا عن مسند أحمد وسنن ابن ماجة.

(١٤) سنن البيهقي ٧ ـ ١٩٦ وليست فيما رواه جملة « ثلاث ».

(١٥) الوسائل ١٤ ـ ١٠١ ـ التهذيب ٧ ـ ٤١٦ ـ الاستبصار ٣ ـ ٢٤٤ ـ الفقيه ٣ ـ ٢٩٩ طبع النجف.

١٧٦

إحدى الصورتين على الأخرى فينقض بوجود الفارق ، بل معنى ما نقوله إنّ الدليل الدالّ على جواز الاستمتاع يتناول الاستمتاع بما عدا القبل [ و ] كما يتناول هذه المواطن ، يتناول موضع النزاع.

ثمّ نقول : الفرق المذكور غير وارد ، أمّا أوّلا فلأنّا نمنع التفاحش ، بل نقول : ربما كانت الرغبة إليه أتمّ من الوطء في الأماكن المذكورة ، فيكون الإذن في جانب موضع النزاع أولى ، تحصيلا لغرض الزوج ، وعصمة له من المنازعة إلى وطء الذكران.

والجواب عن المعارضات ، أمّا الآية ، فلا نسلّم دلالتها على موضع النزاع.

قوله : لا يأمر بالمكروه. قلنا : حقّ ، لكن لا نسلّم أنّ مضمون الآية الأمر ، بل المراد بها الإباحة ، والمكروه مباح ، فيكون التقدير : من حيث أباحكم الله تعالى.

فإن تمسّك في كونها أمرا بالتزام الظاهر. قلنا : حينئذ يكون المأمور به القبل ولا يدلّ على المنع من إباحة الآخر.

ثمّ نقول هذا الظاهر متروك بالإجماع ، فإنّه لا يجب على الإنسان أن يطأ عقيب الطهارة ، ولا يستحبّ أيضا ، بل هو مباح صرف (١٦) ، وليس لذلك الوقت على غيره مزيّة.

وما روي عن الصادق عليه‌السلام من قوله : ذلك في طلب الولد (١٧) إن صحّ النقل لا يمنع من جواز الوطء في غير القبل.

وأمّا في خبر أبي هريرة ، فالجواب عنه من وجهين : أحدهما أنّ الراوي مطعون فيه حتى أنّ كثيرا منهم نسبه إلى وضع الحديث والزيادة فيه ، ويروى أنّ

__________________

(١٦) ضرورة. كذا في بعض النسخ.

(١٧) الوسائل ١٤ ـ ١٠٣ التهذيب ٧ ـ ٤١٤ ـ الاستبصار ٣ ـ ٢٤٢.

١٧٧

عمر ضربه بالدرة ، وقال : أراك كذّابا (١٨). الثاني يحتمل أن يريد بعدم النظر إليه كونه تعالى يعرض عنه وقت الجماع لما فيه من الكراهية. ولا يلزم من عدم النظر التحريم.

وأمّا خبر خزيمة ، فالجواب عنه من وجهين : الأوّل أنّه خبر واحد فيما يعمّ به البلوى ، فيغلب أنّه لو كان محرّما لما اختصّ بروايته واحد ولا اثنان. الثاني أنه معارض بالأحاديث المنقولة عن أهل البيت عليهم‌السلام.

وأمّا الأثر المنقول عن أبي جعفر عليه‌السلام ، فالراوي له سدير ، وقيل أنّه واقفي (١٩). ثمّ هو معارض بأحاديث كثيرة عن أهل البيت عليهم‌السلام ، والكثرة أمارة الرجحان (٢٠).

تمت المسائل والحمد لله ربّ العالمين وصلّى

الله على محمد وآله الطاهرين.

__________________

(١٨) راجع كتاب « أبو هريرة » تأليف السيّد شرف الدين العاملي رحمه‌الله.

(١٩) لم يذكر كونه واقفيا في الكتب الرجالية التي راجعناها.

(٢٠) قال الشيخ الأنصاري في الفرائد : واستدلّ المحقّق على ترجيح أحد المتعارضين بعمل أكثر الطائفة بأنّ الكثرة أمارة الرجحان. فيظهر أنّه رحمه‌الله قائل بمرجحيّة كثرة الروايات وكثرة العمل برواية واحدة فراجع.

١٧٨

          ٢      

المسائل العزّيّة الثّانية

وهي تشتمل على سبع مسائل

تأليف المحقق الحلّي ره

١٧٩
١٨٠