الإمام المهدي المصلح العالمي المنتظر

الشيخ محمّد جواد الطبسي

الإمام المهدي المصلح العالمي المنتظر

المؤلف:

الشيخ محمّد جواد الطبسي


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار الهدى
المطبعة: الظهور
الطبعة: ٢
ISBN: 978-964-497-086-3
الصفحات: ٢١٦
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة



إنّ الحديث عن الإمام المنتظر عن لسان النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وإن فتح الأبواب من النّاس لمعرفة هدا الإمام العظيم ، بحيث كثر السؤال عنه ، وعن صفاته ومناقبه ودولته الكريمة ووقت ظهوره ، ولكن كان فيهم من هيّأ نفسه لإغواء النّاس تحت ستار أنّه المهدي ، فلذلك دعى النبيّ وأهل البيت إلى أن يذكروا علامات ظهور المهدي عليه‌السلام كي يسدّوا باب الأدعياء بالمهدويّة الذين كانوا سبباً لإضلال كثير من المسلمين.

وأمّا العلامات لظهور المهدي فكثيرة ، منها ما وردت عن لسان النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ومنها عن لسان المعصومين ، فما هي هذه العلامات ؟ هل تحقّقت هذه العلامات إلى الآن أو لم تحقّق بعد ؟ وهل هذه العلامات حتميّة أو غير حتميّة ؟ وهل تتحقّق قبل الظهور ، أو مقارناً للظهور ، أو بعد الظهور ؟ هذا ما سنجيب عليه في هذا الفصل إن شاء الله.

السؤال التاسع عشر :

هل حصل تنبّوأ عن أوضاع العالم قبل الظهور ؟

الجواب : لقد وردت إخبارات غيبيّة كثيرة حول ما يحدث في العالم قبل ظهور المهدي عليه‌السلام ، ويستفاد من مجموعها أنّ الدنيا ستتحوّل قبل الظهور إلى قاعدة للرعب والمأساة ، وسيبتلى النّاس بالضياع والحيرة والضلالة ، ولا يمكنهم

٨١

الخلاص منها أبداً.

فالعالم قبل الظهور ستحدث فيه حروب شعواء وتدمير ، على شكل حرب دوليّة وعالميّة بعضها مع بعض ، وكما أشارت روايات الفتن والملاحم : يقتل من كلّ سبعة خمسة ، وسيتعادي اليهود والمسيحيّون مع بعضهم ، وسيسعى كلّ واحد منهم لإبادة الآخر بكلّ ما لديه من الوسائل المدمّرة ، وسيملأ الطغيان كلّ المدن والدول ، والثورات المتعاقبة ستزيد من أمواج الرعب والخوف ، سيقتل كثير من العلماء وحرّاس الدين بسبب أمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر ، وستحدث حروب دامية بين الشرق والغرب (١) ، وسيحصل اختلاف بين العرب والعجم (٢).

ومن جهة ثانية ، فإنّ تأثير هذه الخلافات والحروب المدمّرة سوف تجرّ البشر إلى المسكنة والفقر والشقاء ، بالإضافة إلى هجوم الجراد على المزارع ، وحدوث الصواعق ، والطوفان الذي يدمّر المدن والقرى ، وحصول الأمراض الصعبة التي لا علاج لها ، كالطاعون وغيرها من الأمراض المسرية وغير المعروفة التي تسبّب موت كثير من النّاس في كلّ يوم ، وهكذا إبتعاد النّاس عن المعارف الإسلاميّة والقيم الأخلاقيّة وثقافة أهل البيت عليهم‌السلام كلّ البعد.

فعلى أساس الروايات ، فإنّ سوق الدين سوف يصاب بالكساد ، ويتخلّى النّاس عن الصلاة ، ويخونوا في الأمانات ، ويستحلّوا المحرّمات ، ويستولي مال الربا على كثير من النّاس ، إلى غير ذلك ، كبيع النّاس دينهم بدنياهم ، وافتخارهم

_________________________

(١) راجع بشارة الإسلام : ٢٨.

(٢) إلزام الناصب : ٢٨٨.

٨٢

بالظلم والتعدّي على الآخرين (١).

أمّا الحكّام فسيكونون فجرة ، والوزراء ظلمة ، والوجهاء خونة ، وقرّاء القرآن فسقة ، وفي ذلك اليوم يصدّق الكاذب ، ويحسب الخائن أميناً ، وتتشبّه النساء بالرجال ، والرجال بالنساء (٢).

السؤال العشرون :

مع العلم بانتشار الظلم والجور في كلّ أنحاء العالم ، فلماذا لا يظهر المهدي المنتظر عليه‌السلام ؟

الجواب : أخبر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ضمن عشرات من الأحاديث حول المهدي عليه‌السلام بأنّه : « يملأ الله به الأرض عدلاً وقسطاً كما ملئت ظلماً وجوراً » (٣) ، فبالنظر إلى هذا الحديث إذا ظهر المهدي عليه‌السلام فإنّه سيملأ الأرض عدلاً وقسطاً ، لا أنّ الدنيا إذا امتلأت ظلماً وجوراً فإنّه سوف يظهر.

فإنّك لا تجد ولو في حديث واحد ممّا يعتقده بعض الجهّال بأنّه إذا انتشر الظلم والجور فسيظهر المهدي عليه‌السلام ، وممّا يشهد بأنّ ظهور المهدي غير مرهون بانتشار الظلم والفساد هو : إنّنا نرى أنّ الظلم والجور قد انتشر في كلّ مكان ، فإذا كان كذلك فلماذت لم يظهر عليه‌السلام ؟

وذكر شيخنا الاُستاذ مكارم الشيرازي في حديثه حول علل ظهور المذاهب ، الذي كان يلقيه علينا في ليالي الخميس بقوله : « ليس الفساد هدفاً ، وإنّما

_________________________

(١) بشارة الإسلام : ٢٨.

(٢) بحار الأنوار : ٥٢ / ١٩٣.

(٣) مصدر المتقدّم : ٥١ / ٧٣.

٨٣

التهيّؤ هدفاً ، وهذا على خلاف ما يتصوّره البعض ، فإنّ الذي يسرع بظهور المهدي عليه‌السلام ليس هو وجود الظلم والفساد في كلّ العالم ، بل الإستعداد والتعطّش ( لوجود المصلح العالمي ) يسرع في الظهور ، ولكن مع ذلك لا يمكننا أن ننكر أنّ انتشار الظلم والفساد سيكون إحدي العوامل للتهيّؤ والتعطّش ؛ لأنّ النّاس في العالم إذا ذاقوا الثمرة المرّة للعنصريّة والظلم سوف يتألّمون ، ويقومون بالبحث عن طريق الإصلاح والمصلح العالمي.

وفي النهاية نقول : إنّ النواة الأصليّة ، والأرضيّة للظهور هو الإستعداد والوعي من عواقب الأوضاع المتردّية في العالم ، لا أن يكون وجود الظلم والفساد هدفاً أصليّاً.

السؤال الحادي والعشرون :

ما هي علامات الظهور ؟

لقد امتلأت الكتب ، قديماً وحديثاً ، بالحديث عن علامات الظهور ، وهي على قسمين :

القسم الأوّل : علائم حتميّة ، والمقصود بتلك العلائم هي علائم حتميّة يجب وقوعها قبل ظهور المهدي عليه‌السلام ، فهي خمسة :

١ ـ خروج السفياني

السفياني رجل من نسل خالد بن يزيد بن أبي سفيان ، وإسمه عثمان بن عنبسة (١) ، ويخرج من دمشق من مكان يسميّ بالوادي اليابس ، وهو الذي

_________________________

(١) بحار الأنوار : ٥٢ / ٢٠٥.

٨٤

يسبّب الخوف والرعب في قلوب النّاس ، فكلّ من يرى رايته فسوف يهرب وإن كان بعيداً عنه (١).

السفياني سوف يهجم على كثير من المدن ، من جملتها الكوفة والبصرة ، ويهجم على المدينة أيضاً ، ويكثر القتل فيها ، وأنّه سيهتك رمات الإسلام واحدة تلو الاُخرى ، ثمّ يقتل العلماء ، ويحرق المصاحف ، ويهدم المساجد ، ويحلّل الحرام ، ويزداد فسقه وفجوره وطغيانه وعتوّه يوماً بعد يوم ، ويقتل كلّ من كان إسمه محمّد أو أحمد أو عليّ أو جعفر أو حمزة أو حسن أو حسين أو فاطمة أو زينب أو رقية أو اُمّ كلثوم أو خديجة (٢) حقداً منه لأهل البيت عليهم‌السلام. وهذه الحالة تستمرّ إلى ظهور الإمام المهدي المنتظر عليه‌السلام.

٢ ـ قتل النفس الزكيّة

ومن العلائم الحتميّة أيضاً غلام من آل محمّد إسمه محمّد بن الحسن ، معروف بالنفس الزكيّة ، يُقتل في المسجد الحرام بين الركن والمقام (٣) ، كما أشار إليه الإمام الباقر عليه‌السلام.

٣ ـ النداء من السماء

ومن العلائم الحتميّة أيضاً النداء من السماء باسم الإمام المهدي عليه‌السلام وإسم أبيه ، حتّى يسمعه أهل الشرق والغرب.

فعن شرحبيل ، قال : « قال أبو جعفر عليه‌السلام ـ وقد سألته عن القائم عليه‌السلام فقال : ـ

_________________________

(١) عقد الدرر : ٧٢.

(٢) المصدر المتقدّم : ٩٠.

(٣) بحار الأنوار : ٥٢ / ١٩٢.

٨٥

إنّه لا يكون حتّى ينادي منادٍ من السماء يسمع أهل المشرق والمغرب ، حتّى تسمعه الفتاة في خدرها » (١).

وفسّر لنا الإمام الصادق هذا النداء باسم الإمام المهدي وإسم أبيه ، فقال لزياد القندي حينما سأله عن النداء الذي من المحتوم ، فقال : منادٍ ينادي باسم القائم وإسم أبيه عليهما‌السلام » (٢).

وعلى ما روى الإمام الباقر لنا أنّ هذا النداء يكون من قِبل جبرئيل ، وذلك في الثلاث والعشرين من شهر رمضان المبارك ، في ليلة الجمعة ، قال عليه‌السلام : « الصيحة لا تكون إلاّ في شهر رمضان ؛ لأنّ شهر رمضان شهر الله ، الصيحة فيه هي صيحة جبرئيل عليه‌السلام إلى هذا الخلق.

ثمّ ينادي منادٍ من السماء باسم القائم عليه‌السلام ، فيسمع مَن بالمشرق ومَن بالمغرب ، لا يبقى راقد إلاّ استيقظ ، ولا قائم إلاّ قعد ، ولا قاعد إلاّ قام على رجليه فزعاً من ذلك الصوت ، فرحم الله من اعتبر بذلك الصوت فأجاب ، فإنّ الصوت الأوّل هو صوت جبرئيل الروح الأمين عليه‌السلام.

ثمّ قال عليه‌السلام : يكون الصوت في شهر رمضان ، في ليلة الجمعة ليلة ثلاث وعشرين ، فلا تشكّوا في ذلك ، واسمعوا وأطيعوا ، وفي آخر النهار صوت الملعون إبليس ينادي : ألا أنّ فلاناً قُتل مظلوماً ليشكّك النّاس ويفتنهم ، فكم في ذلك اليوم من شاكّ متحيّر قد هوى في النّار ، فإذا سمعتم الصوت في شهر رمضان فلا تشكّوا فيه ، إنّه صوت جبرئيل ... » (٣).

_________________________

(١) و (٢) الغيبة / النعماني : ٢٥٧.

(٣) معجم أحاديث الإمام المهدي عليه‌السلام : ٣ / ٢٥٣.

٨٦

٤ ـ خسف بالبيداء

ومن العلائم الحتميّة أيضاً : الخسف بالبيداء ، والبيداء موضع بين مكّة والمدينة ، فإنّ السفياني عندما يسمع بخروج المهدي يرسل جيشاً إلى المدينة ، ولمّا يصلون إلى البيداء تخسف بهم الأرض.

قال الباقر عليه‌السلام في حديث طويل : « ويبعث السفياني بعثاً إلى المدينة ، فينفر المهدي منها إلى مكّة ، فيبلغ أمير جيش السفياني أنّ المهدي عليه‌السلام قد خرج إلى مكّة ، فيبعث جيشاً على أثره فلا يدركه حتّى يدخل مكّة خائفاً يترقّب سنّة موسى بن عمران.

قال : وينزل أمير جيش السفياني البيداء ، فينادي منادٍ من السماء : يا بيداء ، أبيدي القوم ، فيخسف بهم ، فلا يفلت منهم إلاّ ثلاثة نفر يحوّل الله وجوههم إلى أقفيتهم ، وهم من كلب ، وفيهم نزلت هذه الآية : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِّمَا مَعَكُم مِّن قَبْلِ أَن نَّطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَىٰ أَدْبَارِهَا ) (١) » (٢).

٥ ـ ظهور يد في السماء

وأمّا الخامس من العلائم الحتميّة : كفّ من السماء ، كما أشار الإمام الصادق عليه‌السلام إلى ذلك حيث قال : « وكفّ تطلع من السماء من المحتوم » (٣).

وقفة قصيرة : إختلفت الروايات في ذكر هذه العلامات الحتميّة ، ففي بعضها

_________________________

(١) النساء (٤) : ٤٧.

(٢) بحار الأنوار : ٥٢ / ٢٣٨.

(٣) الغيبة / النعماني : ٢٥٢ ، الباب ١٤.

٨٧

ذكرت خمس علامات ، وفي بعضها أربعة ، وفي بعضها ستّة من دون ذكر العدد ، وفي بعضها ذكرت عدد الخمس.

فرواية الخمسة من دون ذكر العدد ما رواه النعماني بسنده عن الصادق ، قال : « النداء من المحتوم ، والسفياني من المحتوم ، واليماني من المحتوم ، وقتل النفس الزكيّة من المحتوم ، وكفّ يطلع من السماء من المحتوم » (١).

وأمّا رواية العلائم الأربع ، فعنه أيضاً أنّه قال : « من المحتوم ... خروج السفياني ، وخسف بالبيداء ، وقتل النفس الزكيّة ، والمنادي من السماء » (٢).

وأمّا روايات العلائم الحتميّة المصرّحة فيها عدد الخمس ، فأكثر ممّ سبق ، كما صرّح به الصادق عليه‌السلام قائلاً : « خمس قبل قيام القائم من العلامات : الصيحة ، والسفياني ، والخسف بالبيداء ، وخروج اليماني ، وقتل النفس الزكيّة » (٣).

وروى الصدوق نفس هذه الرواية بتقديم وتأخير في العلامات ، ولكن أضاف الصادق فيها كلمة محتويات ، فقال : « قبل قيام القائم خمس علامات محتومات ... » (٤).

ويمكن أن نجمع بين روايات الأربع والخمس بما يلي : أنّ الإمام الصادق لم يكن بصدد ذكر جميع العلامات في رواية الأربع ، فقال : « من المحتوم كذا ... » ، وأمّا في رواية العلائم الخمس فالإمام أنهى العلائم إلى خمس وذكر العدد ، وهكذا أشار إلى المحتومات الخمس.

_________________________

(١) الغيبة / النعماني : ٢٥٢ ، الباب١٤.

(٢) المصدر المتقدّم : ٢٦٤.

(٣) بحار الأنوار : ٥٢ / ٢٠٩.

(٤) كمال الدين : ٢ / ٦٥٠. بحار الأنوار : ٥٢ / ٢٠٤.

٨٨

بقي شيء واحد ، وهو أنّه اُشير في بعض هذه الروايات إلى حتميّات اُخر ، كخروج اليماني (١) ، وكاختلاف أولاد بني العبّاس (٢) ، وفي بعضها إضافة : القائم من المحتوم.

أمّا حتميّة خروج القائم وإن كان لا ريب فيه ، ولكن ليس من العلائم المبحوث عنها.

القسم الثاني : العلائم غير الحتميّة

وأمّا العلائم غير الحتميّة فكثيرة ، ووردت في عشرات من الروايات والأحاديث الإسلاميّة عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله والأئمّة المعصومين عليهم‌السلام.

يقول المحدّث القمّي عن هذه العلامات : « وأمّا العلامات الغير حتميّة فهي كثيرة ، بعضها وقع وبعضها لم يقع بعد ، ونحن نشير إليها هنا على نحو الإجمال :

١ ـ تخريب حائط مسجد الكوفة.

٢ ـ جريان نهر من شطّ الفرات في أزقّة الكوفة.

٣ ـ بناء مدينة الكوفة بعد خرابها.

٤ ـ ظهور الماء من بحر النجف.

٥ ـ جريان نهر من الفرات إلى الغريّ.

٦ ـ ظهور مذنّب بالقرب من نجمة الجدي.

٧ ـ حصول قحط شديد قبل الظهور.

٨ ـ وقوع الزلزلة والطاعون الشديدَين في كثير المدن.

_________________________

(١) الغيبة / النعماني : ٢٥٦.

(٢) المصدر المتقدّم : ٢٠٦.

٨٩

٩ ـ القتل البيوح ، أي القتل الكثير الذي لا ينقطع.

١٠ ـ هدم مسجد براثا.

١١ ـ ظهور نار بين الأرض والسماء من الشرق إلى ثلاثة أو سبعة أيّام ، وتكون سبباً لخوف النّاس ودهشتهم.

١٢ ـ ظهور حمرة شديدة تنتشر في السماء حتّى تملأه.

١٣ ـ هطول أمطار غزيرة في شهر جمادي الثانية وشهر رجب لم يرَ مثلها.

١٤ ـ طلوع نجم من الشرق تزهر كالقمر ، وهيأتها كغرّة القمر ، ولطرفيها إنحنا يوشك أن يتّصلا ، ولها نور شديد يدهش الأبصار.

١٥ ـ امتلاء العالم بالظلم والكفر والفسوق والمعاصي.

السؤال الثاني والعشرون :

هل حدّدت الفترة الزمنيّة بين العلامات الحتميّة وظهور المهدي عليه‌السلام ؟

الجواب : ذكرت أربع فواصل بين بعض العلامات ، حتميّة وغير حتميّة ، وبين ظهور الإمام الغائب عليه‌السلام.

١ ـ أقلّ من سنة

لا توجد فاصلة زمنيّة بين خروج السفياني وظهور الإمام المهدي إلاّ سنة واحدة ، بل كلاهما يخرجان في سنة واحدة. وهذا ممّا حدّثنا به الإمام الباقر عليه‌السلام ، حيث قال : « السفياني والقائم في سنة واحدة » (١).

وورد عنه أيضاً ، قال : « إذا استولى السفياني على الكور الخمس فعدّواله تسعة

_________________________

(١) الغيبة / النعماني : ٢٦٧.

٩٠

أشهر ، يعني ثمّ يظهر المهدي » (١).

قال السلمي : « وزعم هشام أنّ الكور الخمس : دمشق وفلسطين والأردن وحمص وحلب » (٢).

٢ ـ خمسة عشر ليلة

وهذه الفاصلة الزمنيّة تكون بين قتل النفس الزكيّة في المسجد الحرام بين الركن والمقام ، وظهور الحجّة القائم المهدي عجّل الله تعالى فرجه الشريف.

قال الصادق عليه‌السلام : « ليس بين قيام قائم آل محمّد وبين قتل النفس الزكيّة إلاّ خمسة عشر ليلة » (٣).

٣ ـ ليلتين قبل الظهور

روى العيّاشي عن عبد الأعلى الجبلي ، قال : « قال أبو جعفر عليه‌السلام : يكون لصاحب هذا الأمر غيبة في بعض هذه الشعاب.

ثمّ أومأ بيده إلى ناحية ذي طوى ، حتّى إذا كان قبل خروجه بليلتين انتهى المولى الذي يكون بين يديه حتّى يلقى بعض أصحابه ، فيقول : كم أنتم هاهنا ؟ فيقولون : نحو من أربعين رجلاً ، فيقول : كيف أنتم لو قد رأيتم صاحبكم ؟

فيقولون : والله لو يأوى بنا الجبال لآويناها معه ، ثمّ يأتيهم من القابلة فيقول لهم : أشيروا إلى ذوي أسنانكم وأخياركم عشيرة ، فيشيرون له إليهم ، فينطلق بهم حتّى يأتون صاحبهم ويعدهم إلى الليلة التي تليها » (٤).

_________________________

(١) و (٢) عقد الدرر : ٨٦.

(٣) بحار الأنوار : ٥٢ / ١٩٢.

(٤) تفسير العيّاشي : ٢ / ٥٦.

٩١

٤ ـ الفاصلة قليلة جدّاً

وعن النعماني عن ابن عقدة ، عن أحمد بن يوسف ، عن إسماعيل بن مهران ، عن إبن البطائني ، عن أبيه ووهيب ، عن أبي بصير ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام أنّه قال : « بينا النّاس وقوفاً بعرفات إذ أتاهم راكب على ناقة ذعلبة يخبرهم بموت خليفة ، عند موته فرج آل محمّد عليهم‌السلام ، وفرج النّاس جميعاً.

وقال عليه‌السلام : إذا رأيتم علامة في السماء : ناراً عظيمة من قِبل المشرق تطلع ليالٍ فعندها فرج النّاس ، وهي قدّام القائم بقليل » (١).

السؤال الثالث والعشرون :

من هم أهل المشرق ؟ وما هو دورهم في زمن غيبة المهدي وحضوره ؟

الجواب : لقد صدرت روايات كثيرة عن النبيّ وأهل البيت في أهل المشرق ، وما يقدّمون من خدمات عظيمة إلى الإسلام والمسلمين في غيبة المهدي عليه‌السلام وأيّام حضوره ، حتّى قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في شأنهم بأنّهم يوطّئون للمهدي سلطانه ، وقال الباقر عليه‌السلام حينما ذكر أهل المشرق وخروجهم لطلب الحقّ : « أما إنّي لو أدركت ذلك لأبقيت لصاحب هذا الأمر ».

وقبل الحديث عن جهاهم المقدّس ، علينا أوّلاً أن نعرف من هم أهل المشرق ، وفي أي بلاد يسكنون ، وما تقول الروايات والأحاديث الإسلاميّة عنهم ، فنقول :

لا شكّ أنّ أهل المشرق الذي تخرج الرايات السود من بينهم ، والذين يؤدّون الطاعة للمهدي هم أهل خراسان لما ورد عن الباقر عليه‌السلام ، قال : تنزل الرايات السود

_________________________

(١) بحار الأنوار : ٥٢ / ٢٤٠.

٩٢

التي تخرج من خرسان إلى الكوفة ، فإذا ظهر المهدي عليه‌السلام بعث إليه البيعة » (١).

وبما أنّ خراسان قديماً وحديثاً ، وخصوصاً في وقت صدور الروايات كانت تعدّ من بلاد فارس ، فلا ريب أنّ المقصود من أهل المشرق هم الإيرانيّون ، وهكذا بملاحظة ما ورد في قم وأهل قم ، والطالقان وكنوزها ، نستنتج أنّ الفرس لهم دور عظيم في حركة الإمام المهدي عليه‌السلام ، بل لهم دور عظيم في أيّام غيبته ، فكان النبيّ والأئمّة الطاهرين يفتخرون بهم ، وبتعاطفهم مع العترة عليهم‌السلام ، رغم كراهة بعض المنافقين ، كلأشعث بن قيس وغيره ، من حضور هؤلاء بجانب الإمام أمير المؤمنين ، وتعظيم الإمام لهم ، وأمّا دورهم فكما يلي :

١ ـ الدفاع عن الإسلام والقرآن

لقد ورد في بعض ما روي عن العترة الطاهرة أنّ الإيرانيّين هم الفئة الوحيدة التي تدافع عن الدين والقرآن في زمن غربة الإسلام ، كما صرّح الإمام عليّ عليه‌السلام في خطبته في مسجد الكوفة.

قال ابن أبي الحديد في شرح النهج : « جاء الأشعث إليه ـ إلى الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام ـ فجعل يتخطّى حتّى قرب منه ، ثمّ قال له :

يا أمير المؤمنين ، غلبتنا هذه الحمراء على قربك ، يعني العجم ، فركض المنبر برجله حتّى قال صعصعة بن صوحان : ما لنا وللأشعث ليقولنّ أمير المؤمنين اليوم في العرب قولاً لا يزال يذكر.

فقال عليه‌السلام : مَن عذيري من هؤلاء الضياطِرة ، يتمرّغ أحدهم على فراشه تمرّغ الحمار ، ويهجر قوماً للذكر ! أفتأمرني أن أطردهم ؟! ما كنت لأطردهم فأكون

_________________________

(١) بحار الأنوار : ٥٢ / ٢١٧.

٩٣

من الجاهلين ، أما والذي فلق الحبّة وبرأ النسمة ليضربنّكم على الدين عوداً كما ضربتموهم عليه بدءاً » (١).

وفسّر الإمام الصادق عليه‌السلام قول الله تعالى : ( فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَّنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَّفْعُولًا ) (٢) ، قال : « قوم يبعثهم الله قبل خروج القائم فلايدعون وتِراً لآل محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله إلاّ قتلوه » (٣).

وعنه عليه‌السلام : « أنّه قرأ هذه الآية ... فقلنا : جعلنا فداك ، من هؤلاء ؟

فقال ثلاثاً : هم والله أهل قم ، هم والله أهل قم ، هم والله أهل قم » (٤).

ويستمرّ هذا الدفاع المقدّس بشتّى أساليبه في طول الغيبة إلى ظهوره عليه‌السلام.

٢ ـ التمهيد لدولة الإمام المهدي عليه‌السلام

ومن أهمّ نشاطاتهم في عصر الغيبة هو الجهاد والقتال ضدّ أعداء الإسلام وفتح حصونهم وستبدأ هذه الحرب والجهاد من قم المقدّسة ، وتنتهي بثورة أهل خراسان براياتهم السود ، وحربهم الدامية ضدّ السفياني ، وخروجهم إلى الكوفة ، وببيعتهم للمهدي المنتظر عليه‌السلام.

وقد أسفر الإمام الصادق عن هذه الحقيقة بقوله : « سيأتي زمان تكون قم وأهلها حجّة على الخلائق ، وذلك في زمان غيبة قائمنا إلى ظهوره » (٥).

_________________________

(١) شرح نهج البلاغة : ٢٠ / ٢٨٤.

(٢) الإسراء (١٧) : ٥.

(٣) نور الثقلين : ٣ / ١٣٨.

(٤) عصر الظهور : ١٩٩.

(٥) بحار الأنوار : ٦٠ / ٢١٣.

٩٤

وعلى أساس هذه الروايات ، فإنّ هذه النهضة العلميّة ، والجهاد الثقافي الكبير سيكون عند الغيبة ، ويستمرّ ذلك إلى ظهور القائم المهدي عليه‌السلام ، فإنّ صوت الإسلام الأصيل الذي يكون حجر بناء الدولة الكريمة للمهدي ، سينطلق من قم ، ويقرع أسماع العالم حتّى ينتشر الإسلام في كلّ أنحاء العالم ، ولا نشكّ في يومنا هذا أنّ هذا الجهاد بدأ من المطالبة بالحقّ ، ثمّ حمل السيوف على العواتق ، وتأسيس الدولة الكريمة بقيادة الإمام الخميني قدس‌سره تمهيداً لدولة الإمام المهدي عليه‌السلام.

قال الإمام موسى بن جعفر عليه‌السلام : « رجل من قم يدعو النّاس إلى الحقّ ، يجتمع معه قوم قلوبهم كزبر الحديد ، لا تزلّهم الرياح العواصف ، لا يملّون من الحرب ، ولا يجبنون ، وعلى الله يتوكّلون ، والعاقبة للمتّقين » (١).

وأخبر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله عن هذه الدولة الممهّدة كما عن الحاكم في المستدرك على الصحيحين ، عن عبدالله بن مسعود ، قال : « أتينا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فخرج إلينا مستبشراً يُعرف السرور في وجهه ، فما سألناه عن شيء إلاّ أخبرنا به ... حتّى مرّت فتية من بني هاشم فيهم الحسن والحسين ، فلمّا رآهم إلتزمهم وانهملت عيناه ...

فقلنا يا رسول الله ، ما نزال نرى في وجهك شيئاً نكرهه ! فقال : إنّا أهل بيت اختار الله لنا الآخرة على الدنيا ، وأنّه سيلقى أهل بيتي من بعدي تطريداً وتشريداً في البلاد .. حتّى ترتفع رايات سود في المشرق فيسألون الحقّ فلا يعطونه ، ثمّ يسألونه فلا يعطونه ، ثمّ يسألونه فلا يعطونه ، فيقاتلون فينصرون .. فمن أدركه منكم ومن أعقابكم فليأت إمام أهل بيتي ولو حبواً على الثلج ، فإنّها رايات هدى يدفعونها إلى رجل من أهل بيتي يواطئ إسمه اسمي ، وإسم أبيه إسم أبي ،

_________________________

(١) بحار الأنوار : ٦٠ / ٢١٦.

٩٥

فيملك الأرض فيملؤها وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً » (١).

ولا شكّ أنّ هذا الجهاد العظيم لا ينتج إلاّ في ظلّ دولة كريمة يؤسّسها أهل المشرق ، يقول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : « يخرج ناس من المشرق ، فيوطّؤن للمهدي سلطانه » (٢).

وتنبئنا هذه الروايات أيضاً عن أصحاب هذه الرايات السود من شجاعتهم وقوّتهم وعدم خوفهم وغلبتهم على اليهود ، كما جاء النصّ بذلك من أنّه : « تخرج من خراسان رايات سود فلا يردّها شيء حتّى تنصب بإيلياء » (٣) ، والمقصود من إيليا هم بيت المقدس (٤).

٣ ـ أصحاب الإمام المهدي

ومن أعظم منن الله على هذه الفئة المسلمة أن جعل أكثر أصحاب المهدي عليه‌السلام من بلدانهم ، فقد ذكرت بعض البلدان الإيرانيّة حينما أشارت الروايات إلى البلدان التي فيها أصحاب المهدي عليه‌السلام ، كمرورود ، ومرو ، وطوس ، ومغان ، وجابروان ، وقرمس ، واصطخر ، وفارياب ، وطالقان ، وسجستان ، ونيسابور ، وطبرستان ، وقم ، وجرجان ، وأهواز ، وسيراف ، وري ، وكرمان (٥).

قال عليّ عليه‌السلام حول أصحاب المهدي الذين هم من الطالقان : « بخ بخ للطالقان ، فإنّ لله عزّ وجلّ بها كنوزاً ليست من ذهب ولا فضّة ، ولكنّ بها رجالاً عرفوا الله حقّ

_________________________

(١) عصر الظهور : ٢١٩.

(٢) سنن ابن ماجة : ٢ / ٢٤. التذكرة في أحوال الموتى والآخرة : ٥٣. فرائد السمطين : ٢ / ٩١.

(٣) عصر الظهور : ٢٢٧.

(٤) المصدر المتقدّم : ٢٢٨.

(٥) دلائل الإمامة : ٣١٤.

٩٦

معرفته ، وهم أنصار المهدي آخر الزمان » (١).

ووصفهم الإمام الصادق عليه‌السلام ، وقال : « له كنز بالطالقان ، ما هو بذهب ولا فضّة ، وراية لم تنشر منذ طويت ، ورجال كأن قلوبهم زبر الحديد ، لا يشوبها شكّ في ذات الله ، أشدّ من الحجر ، لو حملوا على الجبال لأزالوها ، لا يقصدون براياتهم بلدة إلاّ خرّبوها ، كأنّ على خيولهم العقبان ، يتمسّحون بسرج الإمام عليه‌السلام يطلبون بذلك البركة ، ويحفّون به يقونه بأنفسهم في الحرب ، ويكفونه ما يريد ، فيهم رجال لا ينامون الليل ، لهم دويّ في صلاتهم كدويّ النحل ، يبيتون قياماً على أطرافهم ، ويصبحون على خيولهم ، رهبان بالليل ، ليوث بالنهار ، هم أطوع له من الأمة لسيّدها ، كالمصابيح كأنّ قلوبهم القناديل ، وهم من خشية الله مشفقون ، يدعون بالشهادة ، ويتمنّون أن يقتلوا في سبيل الله ، شعارهم يا لثارات الحسين ، إذا ساروا يسير الرعب أمامهم مسيرة شهر ، يمشون إلى المولى إرسالاً ، بهم ينصر الله إمام الحقّ » (٢).

وقد مرّ عليك أنّ الإمام الصادق عليه‌السلام فسّر قوله تعالى : ( بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَّنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ ) (٣) ، وقال : « هم والله أهل قم ، هم والله أهل قم ، هم والله أهل قم » (٤).

وممّا يدلّ أيضاً إنّ كثيراً منهم من أنصار القائم المهدي عليه‌السلام وأصحابه ما أشار إليه الباقر عليه‌السلام ، قال : « أصحاب القائم عليه‌السلام ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً أولاد العجم

_________________________

(١) ينابيع المودّة : ٤٤٩.

(٢) بحار الأنوار : ٥٢ / ٣٠٧.

(٣) الإسراء (١٧) : ٥.

(٤) المصدر المتقدّم : ٦٠ / ٢١٦.

٩٧

بعضهم يحمل في السحاب نهاراً يعرف باسمه وإسم أبيه ونسبه وحليته ، وبعضهم نائم على فراشه ، فيرى في مكّة على غير ميعاد » (١).

ذكر الإمام الصادق عليه‌السلام أهل قم وقال لعفّان البصري : « أتدري لِمَ سمّي قم ؟

قلت : الله ورسوله أعلم.

قال : إنّما سُمّي قم لأنّ أهله يجتمعون مع قائم آل محمّد صلوات الله عليه ، ويقومون معه ، ويستقيمون عليه وينصرونه » (٢).

٤ ـ تعليم القرآن في عاصمة الدولة

فعن اصبغ بن نباتة ، قال : « سمعت عليّاً يقول : كأنّي بالعجم فساطيطهم في مسجد الكوفة يعلّمون النّاس كما اُنزل » (٣).

فطوبى لهم ، ثمّ طوبى لهم من هذه الهمّة العالية ، والخدمات السامية ، فأي مكانة أعلى من هذه بأنّهم سيكونون في دولة الإمام المهدي ، وخصوصاً في عاصمته عليه‌السلام من المعلّمين لكتاب الله تعالى.

_________________________

(١) و (٣) سفينة البحار : ٢ / ١٦٥.

(٢) بحار الأنوار : ٦٠ / ٢١٦.

٩٨

Description: F:Book-LibraryENDQUEUEEmam-Mahdi-Mosleh-Alamiimagesimage009.gif

٩٩
١٠٠