الإمام المهدي المصلح العالمي المنتظر

الشيخ محمّد جواد الطبسي

الإمام المهدي المصلح العالمي المنتظر

المؤلف:

الشيخ محمّد جواد الطبسي


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار الهدى
المطبعة: الظهور
الطبعة: ٢
ISBN: 978-964-497-086-3
الصفحات: ٢١٦
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة

كما لم ينكشف وجه الحكمة لمّا اَتاه الخضر عليه‌السلام من خرق السفينة ، وقتل الغلام ، واقامة الجدار ، إلاّ بعد افتراقهما. يابن الفضل ، إنّ هذا الأمر أمر من الله ، وسرّ من سرّ الله ، وغيب من غيب الله ، ومتى علمنا أنّه عزّ وجلّ حكيم صدّقنا بأنّ أفعاله كلّها حكمة وإن كان وجهها غير منكشف لنا » (١).

فالمعصومون عليه‌السلام وإن سكتوا عن بيان العلّة الأصليّة للغيبة للنّاس ، ولكنّهم أشاروا إلى بعض حكم الغيبة ، فمنها :

١ ـ حتّى تجري عليه سنن الأنبياء الماضين

إنّ الله عزّ وجلّ أجرى بعض سننه في أنبياءه ، ومن المفروض أن يجري شبيه هذه السنن في قائم آل محمّد عليه‌السلام ، ومن جملة هذه السنن مسألة غيبة الأنبياء ، فكان اللازم عليهم طبقاً للمصالح والعلل أن يغيبوا مدّة عن قومهم ، وكانت هذه الغيبات تطول أحياناً وتقصر اُخرى. وفي اُمّة الإسلام اختصّت هذه المسألة بالإمام المهدي عليه‌السلام.

يقول سدير الصيرفي : « قال الصادق عليه‌السلام : إنّ للقائم عليه‌السلام منّا غيبة يطول أمدها.

فقلت : ولِمَ ذلك يابن رسول الله ؟

قال : إنّ الله عزّجلّ أبي إلاّ أن يُجري منه سنن الأنبياء في غيباتهم ، وأنّه لا بدّ له ـ يا سدير ـ من استيفاء مدد غيباتهم. قال الله تعالى : ( لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَن طَبَقٍ ) (٢) ، أي سنناً على سنن من كان قبلكم » (٣).

_________________________

(١) بحار الأنوار : ٥٢ / ٩١.

(٢) الانشقاق (٨٤) : ١٩.

(٣) بحار الأنوار : ٥٢ / ٩٠.

٦١

٢ ـ اختبار الشيعة وتمييزهم

لعلّ من أهمّ الحكم في غيبة المهدي عليه‌السلام هو اختيار الشيعة وإمتحانهم في غيبة إمامهم ، وما أصعب هذا الاختبار حتّى يتميّز فيه الخلّص من غيرهم ، والجيّد من الردئ.

قال الصادق عليه‌السلام : « والله لا يكون الذي تمدّون إليه أعناقكم حتّى تميّزوا وتمحّصوا ، ثمّ يذهب من كلّ عشرة شيء ، ولا يبقى منكم إلاّ الأندر ، ثمّ تلا هذه الآية : ( أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ ) (١) » (٢).

وروي عن جابر الجعفي ، قال : « قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : متى يكون فرجكم ؟

فقال : هيهات لا يكون فرجنا حتّى تغربلوا ، ثمّ تغربلوا ، ثم تغربلوا ، يقولها ثلاثاً حتّى يذهب الله تعالى الكدر ويبقى الصفو » (٣).

وورد أيضاً في عدّة من الروايات تعابير مختلفة عن هذا التمييز والتمحيص والإختبار بقولهم إلاّ بعد إياس ، أو حتّى يشقى من شقي ، أو إنّما هي محنة من الله ، أو حتّى يذهب ثلثا النّاس ، أو كمخيض الكحل في العين ، أو لتكسرنّ كسر الزجاج ، أو لتكسرنّ كسر الفخار.

فعن الطوسي بسنده عن محمّد بن منصور ، عن أبيه ، قال : « كنّا عند أبي عبدالله جماعة نتحدّث ، فالتفت إلينا فقال : في أي شيء أنتم أيهات أيهات ، لا والله لا يكون

_________________________

(١) آل عمران (٣) : ١٤٢.

(٢) معجم أحاديث الإمام المهدي عليه‌السلام : ٥ / ٦٤.

(٣) كتاب الغيبة : ٢٠٦.

٦٢

ما تمدّون إليه أعينكم حتّى تغربلوا ، لا والله لا يكون ما تمدّون إليه أعينكم حتّى تميّزوا ، لا والله لا يكون ما تمدّون إليه أعينكم إلاّ بعد أياس ، لا والله لا يكون ما تمدّون إليه أعينكم حتّى يشقى من شقي ويسعد سعد » (١).

وعنه أيضاً عن عليّ بن جعفر ، عن أخيه موسى بن جعفر عليه‌السلام ، قال : « إذا فقد الخامس من ولد السابع من الأئمّة فالله الله في أديانكم ، لا يزيلنّكم عنها أحد.

يا بنيّ ، لا بدّ لصاحب هذا الأمر من غيبة حتّى يرجع عن هذا الأمر من كان يقول به ، إنّما هي محنّة من الله إمتحن الله تعالى بها خلقه » (٢).

وعنه أيضاً عن الربيع بن محمّد المسلمي ، قال : « قال لي أبو عبدالله عليه‌السلام : والله لتكسرنّ كسر الزجاج ، وأنّ الزجاج يعاد فيعود كما كان ، والله لتكسرنّ كسر الفخار وأنّ الفخار لا يعود كما كان ، والله لتميزنّ ، والله لتمحصنّ ، والله لتغربلنّ كما يغربل الزوان من القمح » (٣).

٣ ـ تأديب النّاس

ومن سنن الله عزّ وجلّ : تأديب النّاس إذا كفروا بالنعم الإلٰهيّة ، ولم يؤدّوا شكره ، ومن أفضل الأساليب النّاس سلب النعمة منهم ممّا يسبّب إنتباههم ، وتغيير ما بأنفسهم ، فيعودوا إلى التضرّع والإبتهال إلى الله تعالى حتّى يعيد عليهم تلك النعم التي سلبت منهم لكفرهم. وأيّ نعمة أعظم وأكثر بركة من وجود النبيّ والمعصومين عليه وعليهم السلام ، فهم الذين عاشوا قرابة

_________________________

(١) كتاب الغيبة : ٢٠٣.

(٢) المصدر المتقدّم : ٢٠٤.

(٣) المصدر المتقدّم : ٢٠٦.

٦٣

٢٧٣ سنة بين النّاس ، أي من بداية البعثة النبويّة إلى استشهاد الإمام الحسن العسكري عليه‌السلام ، ولكنّ النّاس لم يعرفوا منزلتهم ، فأخذ الله عزّ وجلّ هذه النعم منهم.

ولقد حاربتهم الحكومات الظالمة ، وزجّتهم في السجون ، واستهانت بهم ، وقتلتهم واحداً تلو الآخر ، فلو عرف النّاس منزلة هذه النعم لما أصابنا اليوم حرقة فراق الإمام المهدي عليه‌السلام.

فعلينا أن نبحث عن هذه النعمة ، ونطلب من الباري جلّ وعلا أن يردّه علينا كي نستظلّ بظلّ وجوده في أيّام ظهوره عليه‌السلام.

روي الشيخ الصدوق في علله بسنده عن مروان الأنباري ، قال : « خرج من أبي جعفر عليه‌السلام : إنّ الله إذاكره لنا جوار قوم نزعنا من بين أظهرهم » (١).

٤ ـ حتّى لا يكون في عنقه بيعة لأحد

ومن الحكم المشار إليها في الروايات والأحاديث الإسلاميّة أن لا تكون لأحد في عنقه بيعة : لأنّ الإمام المهدي ـ كما أشارت الروايات بذلك ـ تختلف ظروفه تماماً مع سائر المعصومين عليهم‌السلام ، فهو لا يخضع لأي سلطة ، فلو ظهر قبل تحقّق شروط ظهوره كاملة ، فإمّا أن يكون تابعاً لحكومة معيّنة وخاضعاً لها ، وهذا الأمر مخالف لما روي ، فعليه أن يكون غائباً حتّى لا يكون في عنقه بيعة لأحد من الخلق.

روى عليّ بن الحسن الفضّال ، عن أبيه ، عن الرضا عليه‌السلام ، قال : « كأنّي بالشيعة عند فقدانهم الثالث من ولدي يطلبون المرعى فلا يجدونه.

قلت له : ولِمَ ذلك يابن رسول الله ؟

_________________________

(١) علل الشرائع : ١ / ٢٣٤. بحارالأنوار : ٢ / ٩٠.

٦٤

قال : لأنّ إمامهم يغيب عنهم.

فقلت : ولِمَ ؟

قال : لئلا يكون لأحد في عنقه بيعة إذا قام بالسيف » (١).

٥ ـ الخوف من القتل

ورد في عدّة من الروايات عن الباقر والصادق عليهما‌السلام حكمة اُخرى لغيبة الإمام المهدي عليه‌السلام ، وهي الخوف من القتل ، فعن زرارة عن الباقر عليه‌السلام ، قال : « إنّ للغلام غيبة قبل ظهوره.

قلت : لِمَ ؟

قال : يخاف ، وأومأ بيده إلى بطنه.

قال زرارة : يعني القتل » (٢).

فلو قيل : ألم يكن بقيّة المعصومين عليهم‌السلام قد عاشوا بين النّاس رغم أنّهم كانوا عرضة للقتل ؟

قلنا : مع علم الجبابرة بأن المعصومين لم يقصدوا الخلافة ، ولكن كانوا بانتظار حكومة تطيح بالجبارة ، وهي حكومة المهدي عليه‌السلام ، خلقوا لهم مشاكل من التضييق والتهمة والحبس والقتل ، فكيف بالمهدي الذي يقوم بالسيف ، وينكس المستكبرين من على عروشهم ، فهل يمكنه أن يعيش بكلّ حريّة بين النّاس من دون أي مضايقة وشدّة من قِبل الخلفاء ، فلا شكّ أنّه مهدّد بالقتل أينما وجد ، وإن رأوه معلّقاً بأستار الكعبة.

_________________________

(١) كمال الدين : ٢ / ٤٨٠.

(٢) الغيبة / النعماني : ١٧٦.

٦٥

ومن جهة اُخرى : قلنا إنّ الشرائط تختلف بينه وبينهم ، فإنّه لو قتل أحدهم كان آخر يقوم مقامه ، فإذا قتل الإمام المهدي فمن الذي يقوم مقامه ويملأ الأرض عدلاً بعد ما ملئت ظلماً وجوراً ، فخوفاً من قتله قبل ظهوره وجبت غيبته.

وأمّا الخوف المصرّح به في الروايات فلا يكون على نفسه كخوفنا على أنفسنا ؛ لأنّ الشهادة والقتل في سبيل الله هي إحدى الكرامات التي يفتخر بها الأئمّة عليهم‌السلام ، والمهدي أيضاً سوف يستشهد في النهاية على ما قيل ، ولكن علينا أن نعرف ما هو سبب خوفه ؟

فنقول : إذا قُتل عليه‌السلام قبل أن يظهر ، فإنّ الأرض ستخلو من الحجّة ، وهذا غير ممكن ، وستبقي أيضاً دولة الحقّ بدون قائدها ، وهو غير ممكن أيضاً.

روى الشيخ الطوسي بسنده عن ضريس الكناسي ، عن أبي خالد الكابلي ، قال : « سألت أبا جعفر عليه‌السلام أن يسمّي القائم حتّى أعرفه ، فقال : يا أبا خالد ، سألتني عن أمر لو أنّ بني فاطمة عرفوه لحرصوا على أن يقطوه بضعة بضعة » (١).

وقال الصادق عليه‌السلام لبعض أصحابه : « أمّا مولد موسى عليه‌السلام ، فإنّ فرعون لمّا وقف على زوال ملكه على يده أمر إحضار الكهنة فدلّوا على نسبه ، وأنّه يكون من بني إسرائيل ، فلم يزل يأمر أصحابه بشقّ بطن الحوامل من نساء بني إسرائيل حتّى قتل في طلبه نيف وعشرون ألف مولود ، وتعذّر عليه الوصول إلى قتل موسى عليه‌السلام بحفظ الله تعالى إياّه ، كذلك بنو اُميّة وبنو العّباس ، لمّا أن وقفوا على أنّ زوال مملكة الاُمراء والجبابرة منهم على يدي القائم ناصبونا للعداوة ، ووضعوا سيوفهم في قتل أهل بيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وإبادة نسله طمعاً منهم في الوصول إلى قتل القائم ،

_________________________

(١) كتاب الغيبة / الطوسي : ٢٠٢.

٦٦

فأبى الله أن يكشف أمره لواحد من الظلمة ، إلاّ أن يتمّ نوره ولو كره المشركون » (١).

٦ ـ حتّى يخرج المؤمنون من صلب الكافرين

لا شكّ أنّ في كثير من أصلاب الكفّار رجال مؤمنون ، ولا يظهر المهدي إلاّ بعد تفريغ هذه الأصلاب ؛ لأنّه لما يظهر سوف لا يساوم مع أعدائه ، لا يقضي عليهم إن لم يدخلوا في السلم كافّة ، فلو لم تفرغ هذه الأصلاب قبل الظهور ومن كان من حقّه أن يعيش ويستضيئ بنور الإمام الهادي عليه‌السلام ، ومن هنا فإنّ الإرادة الإلٰهيّة قد اقتضت أن تطول غيبة الإمام الغائب حتّى يأتي إلى الدنيا جميع المؤمنين ممّن لا بدّ أن يولدوا.

روى القمّي عن أحمد بن عليّ ، قال : « حدّثنا الحسين بن عبدالله السعدي ، قال : حدّثنا الحسن بن موسى الخشّاب ، عن عبدالله بن الحسين ، عن بعض أصحابه ، عن فلان الكرخي ، قال رجل لأبي عبدالله عليه‌السلام : ألم يكن عليّ قوياً في بدنه ، قويّاً في أمر الله ؟

قال له أبو عبدالله عليه‌السلام : بلى.

قال له : فما منعه أن يدفع أو يمتنع ؟

قال : قد سألت فافهم الجواب ، منع عليّاً من ذلك آية من كتاب الله.

فقال : وأيّ آية ؟

فقرأ : ( لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا ) (٢) ، إنّه كان لله ودائع مؤمنون في أصلاب قوم كافرين ومنافقين ، فلم يكن عليّ عليه‌السلام ليقتل الآباء حتّى

_________________________

(١) كتاب الغيبة / الطوسي : ١٠٦.

(٢) الفتح (٤٨) : ٢٥.

٦٧

تخرج الودائع ، فلمّا خرج ظهر على من ظهر وقتله ، وكذلك قائمنا أهل البيت ، لم يظهر أبداً حتّى تخرج ودائع الله ، فإذا خرجت يظهر على من يظهر فيقتله » (١).

السؤال السادس عشر :

ما هو وجه الانتفاع بالمهدي في زمن الغيبة ؟

الجواب : إنتفاع النّاس بالمهدي عليه‌السلام كالإنتفاع بسائر الأئمّة الهداة في حياتهم ، فلولاهم لما عُبِدَ الله ، ولساخت ـ أو لماجت ـ الأرض بأهلها ، ولمّا لم يكن فرق بين حضور الإمام وغيبته في هذا التأثير كان مثاله عليه‌السلام مثال الشمس أن جلّلها السحاب ، فكما ينتفع النّاس به ، وتستضيئ بنوره في غيبته.

وهذا ممّا أجاب به النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله والإمام الصادق والإمام المهدي عليهما‌السلام لمن سئل ذلك. وإليك ما روي في هذا السؤال :

١ ـ روى الصدوق بسنده عن جابر الجعفي ، عن جابر الأنصاري ، أنّه سأل النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : « هل ينتفع الشيعة بالقائم عليه‌السلام في غيبته ؟

فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : إي والذي بعصني بالنبوّة إنّهم لينتفعون به ، ويستضيئون بنور ولايته في غيبته كانتفاع النّاس بالشمس وإن جلّلها السحاب » (٢).

٢ ـ وروى الصدوق أيضاً عن السنائي ، عن ابن زكريّا ، عن ابن حبيب ، عن الفضل بن الصقر ، عن أبي معاوية ، عن الأعمش ، عن الصادق عليه‌السلام ، قال : « لم تخلو الأرض منذ خلق الله آدم من حجّة لله فيها ، ظاهر مشهور أو غائب

_________________________

(١) تفسير القمّي : ٢ / ٣١٦. علل الشرائع : ١٤٧.

(٢) بحار الأنوار : ٥٢ / ٩٢ ، عن كمال الدين.

٦٨

مستور ، ولا تخلو إلى أن تقوم الساعة من حجّة لله فيها ، ولولا ذلك لم يعبد الله.

قال سليمان : فقلت للصادق عليه‌السلام : فكيف ينتفع النّاس بالحجّة الغائب المستور ؟

قال : كما يتفعون بالشمس إذا سترها السحاب » (١).

٣ ـ وكتب الإمام المهدي إلى إسحاق بن يعقوب في زمن الغيبة الصغرى ، وخرج ذلك على يد محمّد بن عثمان ، وقال فيه :

« وأمّا علّة ما وقع من الغيبة ، فإنّ الله عزّ وجلّ يقول : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ ) (٢) إنّه لم يكن أحد من آبائي إلاّ وقعت في عنقه بيعة لطاغية زمانه ، وإنّي أخرج حين أخرج ولا بيعة لأحد من الطواغيت في عنقي ، وأمّا وجه الأنتفاع بي في غيبتي فكالإنتفاع بالشمس إذا غيّبها عن الأبصار السحاب ، وإنّي لأمان لأهل الأرض كما أنّ النجوم أمان لأهل السماء ، فاغلقوا أبواب السؤال عمّا لا يعنيكم ، ولا تتكلّفوا على ما قد كفيتم ، وأكثروا الدعاء بتعجيل الفرج ، فإنّ ذلك فرجكم ، والسلام عليك يا إسحاق بن يعقوب ، وعلى من اتّبع الهدى » (٣).

قلت : بيّن العلاّمة المجلسي وجه التشبيه بالشمس ضمن اُمور نذكرها تتميماً للفائدة ، فقال :

« التشبيه بالشمس المجلّلة بالسحاب يؤمي إلى اُمور :

الأوّل : أنّ نور الوجود والعلم والهداية يصل إلى الخلق بتوسّطه عليه‌السلام ؛ إذ ثبت بالأخبار المستفيضة أنّهم العلل الغائيّة لإيجاد الخلق ، فلولاهم لم يصل

_________________________

(١) أمالي الصدوق : ١٨٦. بحار الأنوار : ٥٢ / ٩٢.

(٢) المائدة (٥) : ١٠١.

(٣) الاحتجاج : ٢ / ٤٦٩. بحار الأنوار : ٥٢ / ٩٢.

٦٩

نور الوجود إلى غيرهم ، وببركتهم والاستشفاع بهم ، والتوسّل إليهم يظهر العلوم والمعارف على الخلق ، ويكشف البلايا عنهم ، فلولاهم لاستحقّ الخلق بقبائح أعمالهم أنواع العذاب ، كما قال تعالى : ( وَمَا كَانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ ) (١) ، ولقد جرّبنا مراراً لا نحصيها أنّ عند انغلاق الاُمور ، وإعضال المسائل ، والبعد عن جناب الحقّ تعالى ، وانسداد أبواب الفيض ، لما استشفعنا بهم وتوسّلنا بأنوارهم ، فبقدر ما يحصل الإرتباط المعنوي بهم في ذلك الوقت ، فتنكشف تلك الاُمور الصعبة ، وهذا معاين لمن أكحل الله عين قلبه بنور الإيمان ، وقد مضى توضيح ذلك في كتاب الإمامة.

الثاني : كما أنّ الشمس المحجوبة بالسحاب مع إنتفاع النّاس بها ينتظرون في كلّ آن إنكشاف السحاب عنها وظهورها ، ليكون إنتفاعهم بها أكثر ، فكذلك في أيّام غيبته عليه‌السلام ، ينتظر المخلصون من شيعته خروجه وظهوره في كلّ وقت وزمان ، ولا ييأسون منه.

الثالث : أنّ منكر وجوده عليه‌السلام مع وفور ظهور آثاره كمنكر وجود الشمس إذا غيّبها السحاب عن الأبصار.

الرابع : أنّ الشمس قد تكون غيبتها في السحاب أصلح للعباد من ظهورها لهم بغير حجاب ، فذلك غيبته عليه‌السلام أصلح لهم في تلك الأزمان ، فلذا غاب عنهم.

الخامس : أنّ الناظر إلى الشمس لا يمكنه النظر إليها بارزة عن السحاب ، وربّما عمي بالنظر إليها لضعف الباصرة عن الإحاطة بها ، فكذلك شمس ذاته المقدّسة ربّما يكون ظهوره أضرّ لبصائرهم ، ويكون سبباً لعماهم عن الحقّ ، وتحتمل بصائرهم الإيمان به في غيبته ، ينظر الإنسان إلى الشمس من

_________________________

(١) الأنفال (٨) : ٣٣.

٧٠

تحت السحاب ولا يتضرّر بذلك.

السادس : أنّ الشمس قد تخرج من السحاب وينظر إليها واحد دون واحد ، فكذلك يمكن أن يظهر عليه‌السلام في أيّام غيبته لبعض الخلق دون البعض.

السابع : أنّهم عليهم‌السلام كالشمس في عموم النفع ، وإنّما لا ينتفع بهم كان أعمى كما فسّر به في الأخبار قوله تعالى : ( وَمَن كَانَ فِي هَٰذِهِ أَعْمَىٰ فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَىٰ وَأَضَلُّ سَبِيلًا ) (١).

الثامن : أن الشمس كما أنّ شعاعها يدخل البيوت ، بقدر ما فيها من الروازن والشبابيك ، وبقدر ما يرتفع عنها من الموانع ، فكذلك الخلق أنّما ينتفعون بأنوار هدايتهم بقدر ما يرفعون الموانع عن حواسّهم ومشاعرهم التي هي روازن قلوبهم من الشهوات النفسانيّة ، والعلائق الجسمانيّة ، وبقدر ما يدفعون عن قلوبهم من الغواشي الكثيفة الهيولائيّة إلى أن ينتهي الأمر إلى حيث يكون بمنزلة من هو تحت السماء يحيط به شعاع الشمس من جميع جوانبه بغير حجاب.

فقد فتحت لك من هذه الجنّة الروحانيّة ثمانية أبواب ، ولقد فتح الله علَيَّ بفضله ثمانية اُخرى تضيق العبارة عن ذكرها ، عسى الله أن يفتح علينا وعليك في معرفتهم ألف باب ، يفتح من كلّ باب ألف باب » (٢).

السؤال السابع عشر :

لماذا اُلزمت الشيعة أن تهيّأ نفسها لظهور الإمام المهدي عليه‌السلام ؟

الجواب : لا شكّ أنّ للحصول على أهداف كلّ ثورة بحاجة إلى معرفة الثورة

_________________________

(١) الإسراء ( ١٧ ) : ٧٢.

(٢) بحارالأنوار : ٥٢ / ٩٣.

٧١

وقائدها ، وللوصول إلى أهداف ثورة الإمام المهدي المقدّسة علينا أن نعرفه أوّلاً ، ثمّ نتأمّل في نهضته وودولته وأهدافه السامية ، وما يريد منّا قبل ذلك ، فهذه التأمّلات تدفعنا أن نمهّد لأنفسنا ونتهيّأ لذلك ، ومهّد القرآن الكريم والنبيّ والأئمّة الطاهرين وبيّنوا أبعاد نهضة الإمام الغائب بشتّى الطرق ، فكما مرّ عليك أنّ القرآن الكريم ذكر في عدّة آيات وراثة الصالحين للأرض ، فقال :

( وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ ) (١).

وقال : ( وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ ) (٢).

وقال : ( وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا ) (٣)

ومن هنا اُلزم النّاس أن يفكّروا بالصالحين الذين سيرثون الأرض من هم هؤلاء ؟ وما هي ميزاتهم ؟ ولماذا اختاروا هؤلاء دون الآخرين ؟ وكيف يحكمون الأرض ؟ وكيف يحكِّمون القرآن والإسلام في العالم ؟ وما هي أساليب استخدام ذلك ؟ ومن هنا تبدأ التساؤلات حول هذه القضيّة.

ولمّا نزلت هذه الآيات أخبر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله المسلمين منذ البداية بالحكومة العالميّة

_________________________

(١) الأنبياء (٢١) : ١٠٥.

(٢) القصص (٢٨) : ٥.

(٣) النور (٢٤) : ٥٥.

٧٢

بقيادة قائد عظيم من أبنائه ، والذي إسمه على إسمه ، وكنيته مثل كنيته (١) ، ونقلت عنه روايات كثيرة في ذلك ، حيث عرّفت النّاس بهذا الوجه المقدّس ، وهذه الحكومة الإلٰهيّة ، وما يلزم عليهم قبل ذلك.

ولقد بيّنت العترة الطاهرة عليهم‌السلام إثر ما بيّنه النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أكثر ممّا سبق عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ووضّحوا جميع أبعادها بشكل تكون جميع تلك الروايات والأحاديث الإسلاميّة متحدّثه عن مسألة التمهيد والتهيئة لدولة الإمام المهدي عليه‌السلام.

وأمّا كيفيّة التمهيد لظهوره فهي كثيرة نشير إلى بعضها :

١ ـ مواجهة البدع والانحرافات

قلنا قبل ذلك إنّ أحد أسباب غيبة الإمام المهدي عليه‌السلام هو الذنوب التي تحطّ من قيمة المجتمع ، وأنّ مواجهة هذه الاُمور تعتبر من عوامل التمهيد لظهور الإمام عليه‌السلام ؛ لأن دولة المهدي دولة المواجهة ضدّ الفساد والبدع والإنحراف ، ومن أهدافه السامية ، فقد قال النبيّ في ذلك : « يملأ الله به الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً » (٢) ، فمن أراد أن يهيّأ نفسه لدولة الإمام المهدي عليه‌السلام فعليه أن يعمل عمل الإمام ، ويواجه البدع ، ويتعاون معه في هذا السبيل.

فلقائل يقول : إذا أردنا أن نسرع في ظهور المهدي علينا أن ننشر الفساد أو فعلى الأقلّ أن نسكت أمام الفساد والإنحراف حتّى يعمّ الفساد في المجتمع ويظهر المهدي عند ذلك.

قلنا : مع العلم بأنّ هذه النظريّة فاسدة ولا أساس لها ، فإنّ الإمام المهدي

_________________________

(١) تذكرة الخواصّ : ٢٦٣. عقد الدرر : ٣٢.منهاج السنّة : ٤ / ٢١١.

(٢) الغيبة / النعماني : ٨١.

٧٣

لمّا يظهر يملأ الأرض عدلاً ، لا أنّه لن يظهر حتّى تمتلأ الأرض ظلماً وجوراً.

والدليل على ذلك : أنّ الأرض ملئت ظلماً ، فلماذا لا يظهر الإمام إذن.

٢ ـ بيان أهداف الإمام الحجّة عليه‌السلام

وعلينا تثقيف المجتمع الإسلامي ، بل البشري ، بعد الوصول إلى معرفته عليه‌السلام بما سيقدّمه تحت ظلّ الدولة الإسلامية إلى النّار بأنّ من أهداف الإمام عليه‌السلام تطبيق القرآن والدين على جميع النّاس في العالم ، وأنّه ينشر الأمن والسلام ، ويؤكّد على ذلك في دولته ، فحكومته إذن لبسط العدالة في الأرض ، وهي حكومة الأخلاق والقيم الإسلاميّة والإنسانيّة ، والإمام عليه‌السلام هو الذي يحقّق في النهاية أهداف الأنبياء العظام التي دعوا إليها ولم تحقّق إلى الآن.

فمعرفة كلّ ذلك ، ثمّ نقله إلى الآخرين للتعرّف عليه وعلى حكومته ، تعدّ من طريق التمهيد لظهوره عليه‌السلام ، وتلخص من جميع ذلك : أنّ الإمام سيقوم بعمل لم يقم أحد في مرّ التاريخ ، لا الأنبياء ولا أيّ حاكم على وجه الأرض ، حيث يحقّق كلّ الأماني.

فالإعتقاد بهذه الاُمور يدعونا إلى العمل من أجل الوصول إلى هذه الحكومة ، ونرفع عن طريقنا ما يمنعنا من الوصول إلى ذلك ، بل نقوم أيضاً بترغيب الآخرين ، وكلّ هذه الأعمال سوف تحقّق الأرضيّة للظهور.

٣ ـ إنتظار الفرج

ومن جملة الاُمور التي تمهّد لظهور الإمام المهدي عليه‌السلام انتظار الفرج ، ذاك الإنتظار الذي دعانا إليه الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله والأئمّة المعصومين ، والذي عبّرت عنه الروايات والأحاديث بانّه أفضل عبادة للمؤمنين. قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « أفضل أعمال اُمّتي

٧٤

إنتظار فرج الله عز وجلّ » (١).

وعن الصادق عليه‌السلام : « من مات منكم على هذا الأمر منتظراً له كان كمن كان في فسطاط القائم » (٢).

٤ ـ معرفة الوظائف والعمل بها

إنّ علمائنا قد ذكروا وظائفاً وأعمالاً للمؤمنين في أيّام غيبته الكبرى ؛ وذلك إستناداً إلى الروايات والأحاديث ووصايا الرسول والأئمّة المعصومين عليهم‌السلام ، وكلّ واحد منهم يعتبر تمهيداً لظهور المهدي عليه‌السلام ، ولقد أشار المحدّث القمّي إلى بعضها كما يلي :

« ١ ـ الإغتمام له عليه‌السلام بسبب غيبته.

٢ ـ الدعاء لحفظ وجوده المقدّس من شياطين الإنس والجنّ ، وهكذا لتعجيل فرجه الشريف ، والدعاء له بالنصر على أعدائه.

٣ ـ التصدّق عنه بقدر الإستطاعة لدفع البلاء عنه عليه‌السلام.

٤ ـ الحجّ عنه نيابة ، كما كان معروفاً بين الشيعة سالفاً.

٥ ـ القيام تعظيماً له عند سماع إسمه الشريف ، وعلى الخصوص عند سماع لقب القائم عجّل الله تعالى فرجه شريف.

٦ ـ التضرّع والإبتهال إلى الله تعالى لحفظ الدين والإيمان من مكر الشياطين

_________________________

(١) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام : ٢ / ٣٦. بحار الأنوار : ٥٢ / ١٢٢.

(٢) المحاسن : ١ / ١٧٣. بحار الأنوار : ٥٢ / ١٢٥ ، كما أنّه اُشير أيضاً إلى مسألة انتظار الفرج في كتب أهل السنّة ، راجع المعجم الكبير / الطبراني : ١٠ / ١٢٤. مسند شهاب : ١ / ٦٢. تاريخ بغداد : ٢ / ١٥٤.

٧٥

والنجاة من الشبهات.

٧ ـ الاستغاثة والاستعانة به في الشدائد ، والأهوال ، والبلايا ، والأمراض ، وحلول الشبهات ، والفتن » (١).

وقد تحدّث العلاّمة الكبير السيّد محمّد تقي الموسوي الأصفهاني رحمه‌الله عليه في مؤلّفه حول هذه الوظائف ، وقد أنها إلى خمسين وظيفة ، فمن أراد ذلك فليراجع كتابه وظيفة الأنام (٢).

السؤال الثامن عشر :

ما المقصود من إنتظار الفرج ؟

الجواب : إنّ من الوظائف المسلّمة في عصر الغيبة الكبرى هو إنتظار الفرج ، وعقد العلّامة المجلسي فصلاً خاصّاً في بحار الأنوار حول هذه الوظيفة ، وذكر سبعين رواية عن المعصومين في ذلك ، وعدّ الإنتظار في هذه الأحاديث من دين الأئمّة وأفضل الأعمال ، وأحبّ الأعمال ، وأفضل العبادة.

فالمنتظر هو كالمتشحّط بدمه في سبيل الله ، وهو بمنزلة من كان مع القائم في فسطاطه ، وبمنزلة الضارب بسيفه في سبيل الله ، وكمن استشهد مع رسول الله ، وكالشاهر سيفه بين يدي رسول الله يذبّ عنه ، وكان له مثل أجر من قتل معه ، وعند الله أفضل كثير ممّن شهد بدراً واُحداً.

وورد عن عليّ بن الحسين عليه‌السلام أنّه قال : « إنّ أهل زمان غيبته ، القائلون بإمامته ،

_________________________

(١) منتهى الآمال ( المعرّب ) : ٢ / ٨١٥.

(٢) طبع هذا الكتاب أخيراً في مركز الدراسات التخصّصيّة في الإمام المهدي عليه‌السلام.

٧٦

المنتظرون لظهوره ، أفضل أهل كلّ زمان؛ لأنّ الله تعالى ذكره أعطاهم من العقول والأفهام والمعرفة ما صارت له الغيبة عندهم بمنزلة المشاهدة ، وجعلهم في ذلك الزمان بمنزلة المجاهدين بين يدي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بالسيف ، اُولئك المخلصون حقّاً ، وشيعتنا صدقاً ، والدعاة إلى دين الله سرّاً وجهراً » (١).

ولهذا إهتمّ أهل البيت عليهم‌السلام غاية الإهتمام بمسألة الإنتظار ، وأصبحت هذه المسألة سبباً لهجوم الأعداء ، حتّى عرّفوه تارة بأنّه فكرة وليدة الخوف ، واُخرى بتفاسير ما يناسب ميولهم وآراءهم ، ومالوا إلى اليمين واليسار في مفهوم الإنتظار.

قال الاُستاذ مكارم الشيرازي موضّحاً لمفهوم الإنتظار وآثاره البنّاءه : « إنّ الجيش الذي ينتظر الجهاد من أجل الحريّة سيكون في حالة إستعداد كامل ، فيأتي بالسلاح المناسب ويصلح ما عنده من سلاح ، ويهيّأ المتاريس ، ويعدّ لهم ما استطاع من قوّة ، ويقوّي المعنويات.

فالجيش الذي لا يعيش في هذه الحالة ، ولا يكون بهذا الإستعداد ، لا يعدّ منتظراً للجهاد والدفاع عن الوطن ، فلو قال : أنا منتظر ، فهو كاذب » (٢).

وقال أيضاً : « إنّ الذين ينتظرون مصلحاً عالميّاً إنّما ينتظرون ثورة وتغييراً وتحوّلاً ، وهي من أوسع الثورات وأهمّها عبر التاريخ البشري على وجه الأرض » (٣).

فحقيقة الإنتظار إذن تتركّب من عنصرين : نفي وإثبات ، فالنفي يعني القضاء على العوامل والأسباب التي تؤدّي إلى الإختلاف والتفرقة والإثبات ، أي جعل عوامل التطوّر والرقيّ مكان العوامل السلبيّة. فعلينا بإصلاح أنفسنا ،

_________________________

(١) بحار الأنوار : ٥٢ / ١٢٢.

(٢) و (٣) كرّاس لدروس الاُستاذ حول علل ظهور المذاهب : ٤٧ و ٤٨.

٧٧

وتحرير أذهاننا من الأفكار المنحرفة ، وقلوبنا من الحقد والحسد وسائر الأمراض القلبيّة الاُخرى التي تسبّب الانحطاط حتّى يقال لنا : نحن منتظرون ، وإلاّ فلو بقيت هذه العيوب فينا فكيف يصدق علينا الإنتظار لحكومة أساسها الجهاد ضدّ هذه العيوب. وبالإضافة إلى ما سبق أن نفكّر بإصلاح المجتمع أيضاً ، وأن نكون مجدّين في ذلك حتّى نكون ممّن شملتهم هذه الآية الشريفة : ( إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ) (١).

فتلخّص أنّ الإنتظار الذي يكون دين الأئمّة ، وأفضل العبادة ، وأحبّ الأعمال لا يلائم تفسير بعض النّاس البسطاء عنه ، حيث ظنّوا أنّ ترويج الباطل والفساد والفحشاء بين النّاس من مصاديق الإنتظار ، أو بالسكوت أمام الفتن والضلالات حتّى ينتشر الفساد والفحشاء ليظهر الحجّة عليه‌السلام. فلا ريب أنّ التمسّك بهذه الآراء المنحرفة عن مفهوم الإنتظار ذنب لا يتسامح به.

قال الصادق عليه‌السلام لأبي بصير : « يا أبا محمّد ، إنّ الميّت على هذه الأمر شهيد.

قلت : جعلت فداك ، وإن مات على فراشه ؟

قال : وإن مات على فراشه فإنّه حيّ يرزق » (٢).

فكيف يعدّ شهيداً من نشر الفحشاء والفساد في المجتمع بحجّة الإسراع بظهور المهدي ؟! وهل هذا إلاّ الجهل بأهدافه عليه‌السلام ؟ وكيف يمكن لمن يتسامح في المنكرات أن يكون كمن قارع من النبيّ ؟! أو يكون أفضل من شهداء بدر واُحد ؟! وكيف يمكن لمن نشر الفساد والفحشاء أن يكون مصداقاً لمن قاتل في سبيل الله بسيفه ؟!

_________________________

(١) العصر (١٠٣) : ٣.

(٢) الشيعة والرجعة : ١ / ٤٣٢.

٧٨

Description: F:Book-LibraryENDQUEUEEmam-Mahdi-Mosleh-Alamiimagesimage008.gif

٧٩
٨٠