الشيخ محمّد جواد الطبسي
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار الهدى
المطبعة: الظهور
الطبعة: ٢
ISBN: 978-964-497-086-3
الصفحات: ٢١٦
يا عقيد ، اغِل لي ماءاً بمصطكي ، فأغلى له ، ثمّ جاءت به صيقل الجارية ، اُمّ الخلف عليهالسلام ، فلمّا صار القدح في يديه وهمّ بشربه فجعلت يده تر تعد حتّى ضرب القدح ثنايا الحسن عليهالسلام فتركه من يده وقال لعقيد : ادخل البيت فإنّك ترى صبيّاً ساجداً فأتني به.
قال أبو سهل : قال عقيد : فدخلت أتحرّى ، فإذا أنا بصبي ساجد رافع سبّابته نحو السماء ، فسلّمت عليه ، فأوجز في صلاته ، فقلت : إنّ سيّدي يأمرك بالخروج إليه إذ جاءت اُمّه صقيل فأخذت بيده وأخرجته إلى أبيه الحسن عليهالسلام.
قال أبو سهل : فلمّا مثل الصبي بين يديه سلّم ، وإذا هو درّي اللون ، وفي شعر رأسه قطط ، مفلج الأسنان ، فلمّا رآه الحسن بكى ، وقال : يا سيّد أهل بيته ، إسقني الماء ، فإنّي ذاهب إلى ربّي ، وأخذ الصبي القدح المغلي بالمصطكي بيده ، ثمّ حرّك شفتيه ، ثمّ سقاه فلمّا شربه قال : هيّئوني للصلاة ، فطرح في حجره منديل ، فوضّأه الصبي واحدة واحدة ، ومسح على رأسه وقدميه.
فقال له أبو محمّد عليهالسلام : أبشر يا بنيّ ، فأنت صاحب الزمان ، وأنت المهدي ، وأنت حجّة الله على أرضه ، وأنت ولدي ، ووصيّي ، وأنا ولدتك ، وأنت محمّد بن الحسن بن عليّ بن أبي طالب ، ولّدك رسول الله صلىاللهعليهوآله ، وأنت خاتم الأئمّة الطاهرين ، وبشّر بك رسول الله صلىاللهعليهوآله وسمّاك وكنّاك بكذلك عهد إليَّ أبي عن آباءك الطاهرين صلّى الله على أهل البيت ربّنا إنّه حميد مجيد.
ومات الحسن بن عليّ من وقته » (١).
_________________________
(١) كتاب الغيبة : ١٦٥.
١٠ ـ الرجل الفارسي
روى الكليني في الكافي بسنده عن ضوء بن عليّ العجلي ، عن رجل من أهل فارس سمّاه ، قال : « أتيت سر من رأي ولزمت باب أبي محمّد عليهالسلام فدعاني ، فدخلت عليه وسلّمت ، فقال : ما الذي أقدمك ؟
قال : قلت : رغبة في خدمتك.
قال فقال لي : فألزم الباب.
قال : فكنت في الدار مع الخدم ثمّ صرت اشتري لهم الحوائج من السوق ، وكنت أدخل عليهم من غير إذن إذا كان في الدار رجال.
قال : فدخلت عليه يوماً وهو في دار الرجال ، فسمعت حركة في البيت فناداني : مكانك لا تبرح ، فلم أجسر أدخل ولا أخرج ، فخرجت علَيَّ جارية ومعها شيء مغطّى.
ثم ناداني : ادخل ، فدخلت ، ونادى الجارية فرجعت إليه ، فقال لها : أكشفي عمّا معك ، فكشفت عن غلام أبيض ، حسن الوجه ، وكشفت عن بطنه فإذا شعر نابت من لبته إلى سرته ، أخضر ليس بأسود ، فقال : هذا صاحبكم ، ثمّ أمرها فحملته ، فما رأيته بعد ذلك حتّى مضى أبو محمّد عليهالسلام » (١).
السؤال الثامن :
لماذا أخفى الإمام العسكري عليهالسلام ولده عن أعين الناس ؟
الجواب : لقد كان الخلفاء العبّاسيّون في قلق وخوف على دولتهم ، وخصوصاً
_________________________
(١) تبصرة الوليّ فيمن رأى القائم المهدي : ٥١ ، عن الكافي : ١ / ٣٢٩.
المعتزّ والمهتدي والمعتمد من مولود سيحطّم عرش الظلم ، ولذلك شدّدوا الحصار ، وجعلوا الإمام تحت المراقبة الشديدة على نفس المنهج الذي سلكه فرعون لمنع حصول ولادة موسى عليهالسلام وكانوا يختارون من جلاوزتهم ممّمن يراقب بيوت الهاشميّين ، وعلى الخصوص بيت الإمام الحسن العسكري عليهالسلام ، وحاولوا مراراً القضاء على حياة الإمام ، والعثور على الإمام المهدي وقتله ، ولذلك كان يخفيه عنهم. وأمّا محاولاتهم الفاشلة فهي كما يلي :
١ ـ السعي لقتل الإمام العسكري عليهالسلام
حاول كلٌّ من : المعتزّ والمهتدي والمعتمد العبّاسي مراراً القضاء على حياة الإمام الحسن العسكري في داره أو في السجن لمنع ولادة المهدي المنتظر عليهالسلام ، فقال عليهالسلام حينما ولد الحجّة : « زعم الظلمة أنّهم يقتلونني ليقطعوا هذا النسل ، فكيف رأوا قدرة الله » (١).
٢ ـ تفتيش بيت الإمام لإلقاء القبض على المهدي
لم يمرّ على رحيل الإمام العسكري عليهالسلام إلاّ لحظات حتّى حوصر بيت الإمام بأمر من المعتمد العبّاسي ، وقام الشرطة بالتفتيش الدقيق في بيت الإمام والبحث عن إبنه.
قال الصدوق : « وجاءوا بنساء يعرفن بالحبل ، فدخلن على جواريه ، فنظرن إليهنّ ، فذكر بعضهنّ أنّ هناك جارية بها حمل ، فأمر بها ، فجعلت في حجرة ووكّل بها نحرير الخادم وأصحابه ونسوة معهم » (٢).
_________________________
(١) كفاية الأثر : ٢٨٩.
(٢) كمال الدين : ١ / ٤٣.
٣ ـ وشاية جعفر ، وإلقاء القبض على صقيل
لمّا جهّزوا الإمام العسكري للصلاة عليه تقدّم جعفر بن عليّ ليصلّي على أخيه ، فلمّا همّ بالتكبير خرج صبي بوجهه سمرة ، بشعره قطط ، بأسنانه تفليج ، فجذب رداء جعفر وقال : « يا عمّ ، أنا أحقّ بالصلاة على أبي ... » (١) ، ووشى جعفر إلى الخليفة العبّاسي بوجود طفل في بيت الإمام العسكري عليهالسلام ، فبعث المعتمد إثر وشايته جلاوزته ليبحثوا عن صقيل جارية الإمام عليهالسلام حتّى تدلّهم على ذلك الطفل ، فأنكرت صقيل ذلك ، وادّعت أنّ بها حمل من الإمام العسكري عليهالسلام حفظاً على الإمام المهدي من تعرّض الأعداء ، لذلك حبسوها في بيت حتّى تضع حملها ويقتلوا وليدها ، وفي هذه الآونة فوجئوا بموت وزير الخليفة العبّاسي ( عبدالله بن يحيى ) ، وبخروج صاحب الزنج بالبصرة ، واضطراب الأوضاع السياسيّة ، وكثرة الفوضى ، فاستفادت صقيل من هذه الظروف وعادت إلى بيتها (٢).
٤ ـ إرسال جماعة لقتل الإمام المهدي عليهالسلام
ويشهد علي ذلك من أنّهم كانوا في طلبه ليقتلوه عليهالسلام ما حدّثه لنا رشيق صاحب المادراي قال : « بعث إلينا المعتضد ونحن ثلاثة نفر ، فأمرنا أن يركب كلّ واحد منّا فرساً ونجنب آخر ونخرج مخفين لا يكون معنا قليل ولا كثير إلاّ على السرج مصلى وقال لنا : إلحقوا بسامرة ، ووصف لنا محلّة وداراً وقال : إذا أتيتموها تجدون على الباب خدماً أسود ، فاكبسوا الدار ، ومن رأيتم فيها فأتوني برأسه.
_________________________
(١) حياة الإمام العسكري عليهالسلام : ٣١٧.
(٢) حقّ اليقين : ٣٢٠.
فوافينا سامرة فوجدنا الأمر كما وصفه ، وفي الدهليز خادم أسود وفي يده تكّة ينسجها ، فسألناه عن الدار ومن فيها ، فقال : صاحبها ، فوالله ما التفت إلينا وقلّ اكتراثه بنا.
فكسبنا الدار كما أمرنا فوجدناه داراً سرية ومقابل الدار ستر ما نظرت قطّ إلى أنبل منه ، كأنّ الأيدي رفعت عنه في ذلك الوقت ، ولم يكن في الدار أحد ، فرفعنا الستر فإذا بيت كبير كأنّ بحراً فيه ماء ، وفي أقصى البيت حصير قد علمنا أنّه على الماء ، وفوقه رجل من أحسن النّاس هيئة قائم يصلّي ، فلم يلتفت إلينا ولا إلى شيء من أسبابنا.
فسبق أحمد بن عبدالله ليتخطّى البيت فغرق في الماء ، وما زال يضطرب حتّى مددت يدي إليه فخلّصته وأخرجته وغشي عليه وبقي ساعة ، وعاد صاحبي الثاني إلى فعل ذلك الفعل ، فناله مثل ذلك ، وبقيت مبهوتاً.
فقلت لصاحب البيت : المعذرة إلى الله وإليك ، فوالله ما علمت كيف الخبر ، ولا إلى من اُجيئ ، وأنا تائب إلى الله ، فما التفت إلى شيء ممّا قلنا ، وما انفتل عمّا كان فيه ، فهالنا ذلك وانصرفنا عنه ، وقد كان المعتضد ينتظرنا ، وقد تقدّم إلى الحجّاب إذا وافينا أن ندخل عليه في أي وقت كان ، فوافيناه في بعض الليل ، فأدخلنا عليه ، فسألنا عن الخبر ، فحكينا له ما رأينا ، فقال : ويحكم لقيكم أحد قبلي وجرى منكم إلى أحد سبب أو قول ؟
قلنا : لا ، فقال : أنا نفي من جدّي ، وحلف بأشد أيمان له أنّه رجل إن بلغه هذا الخبر ليضربنّ أعناقنا ، فما جسرنا أن نتحدّث به إلاّ بعد موته » (١).
_________________________
(١) كتاب الغيبة : ١٤٩.
وممّا يدّل أيضاً على أنّ الخلفاء العبّاسيّين قد عزموا على قتله إن عثروا عليه ، ما قاله الإمام الصادق عليهالسلام لجماعة من شيعته قوله : « بنو اُميّة وبنو العبّاس لمّا أن وقفوا على أنّ زوال مملكة الاُمراء والجبابرة منهم على يدي القائم منّا ، ناصبونا للعداوة ، ووضعوا سيوفهم في قتل أهل بيت رسول الله صلىاللهعليهوآله ، وإبادة نسله ، طمعاً منهم في الوصول إلى قتل القائم ، فأبى الله أن يكشف أمره لواحد من الظلمة إلاّ أن يتمّ نوره ولو كره المشركون ... » (١).
السؤال التاسع :
هل يمكن رؤية الإمام المهدي في زمن غيبته ؟
الجواب : نعم ، ولماذا لا يمكن ، فإنّ الإمام المهدي يعيش على هذه الأرض ، بين النّاس ، والنّاس تراه ويراهم ، ولكن لا يعرفه إلاّ من له حظّ الرؤية.
فهذا عليّ بن مهزيار ، وإسماعيل الهرقلي ، ومحمد بن عيسى البحريني ، والعلاّمة الحلّي ، والمقدّس الأردبيلي ، والسيّد مهدي الطباطبائي الملقّب بـ بحر العلوم ، وعشرات من المتّقين الذين فازوا بلقاء الحجّة ، وصرّحوا بأنّهم شاهدوه ، ونقلوا عنه اُموراً (٢).
ولو فرضنا أنّنا شككنا في صحّة قسم من هذه اللقاءات ، فإنّه لا يمكننا إنكارها جميعاً. وأمّا ما روي أنّه لمّا دنت وفاة الشيخ أبي الحسن عليّ بن محمّد السمري ـ آخر النواب الأربعة للإمام المهدي في عصر الغيبة الصغرى ـ خرج توقيع عن الإمام المهدي عليهالسلام إليه :
_________________________
(١) كتاب الغيبة : ١٠٦.
(٢) انظر كتاب حقّ اليقين : ٣٢٥. منتهي الآمال : ٢ / ٥٠٨.
« بسم الله الرحمن الرحيم
يا عليّ بن محمّد السُّمري ، أعظم الله أجر إخوانك فيك ، فإنّك مّيت ما بينك وبين ستّة أيّام ، فاجمع أمرك ، ولا توصِ إلى أحد فيقوم مقامك بعد وفاتك ، فقد وقعت الغيبة التامّة ، ... وسيأتي من شيعتي من يدّعي المشاهدة ، ألا فمن ادّعى المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة فهو كذّاب مفترٍ » (١) ، فيقول العلاّمة المجلسي : « لعلّه محمول على من يدّعي المشاهدة مع النيابة وإيصال الأخبار من جانبه عليهالسلام إلى الشيعة على مثال السفراء (٢).
ولعلّ الإمام المهدي أراد بهذه الرسالة إيقاظ الشيعة عن مؤامرات الأعداء ضدّهم ، الذين يريدون بالإسلام كيداً للتلاعب بأحكام الإسلام أو بتغيير ما ثبت بدعوى التشرّف بلقاء الإمام الحجّة الغائب عليهالسلام ، ولذلك سدّ هذا الباب حتّى لا يدّعي أحد ـ كائناً من كان ـ أنّه سفير ، ونائب خاصّ عنه عليهالسلام.
السؤال العاشر :
هل يمكن رؤية الإمام في عالم الرؤيا ؟
الجواب : نعم يمكن ذلك ، بل ثبت ذلك في عصر حضور النبيّ صلىاللهعليهوآله والأئمّة عليهمالسلام ؛ لأن ّ الشيطان لا يمكنه أن يتمثّل بصورة النبيّ صلىاللهعليهوآله أو أحد المعصومين كما دلّت الروايات على ذلك.
ولقد رأى بعض الصاحبة النبيّ صلىاللهعليهوآله بعد وفاته كأمير المؤمنين عليهالسلام وبلال الحبشي ، وهكذا رأى بعض أصحاب الأئمّة أئمّتهم ، وتحدّثوا بذلك ولم ينكروا ذلك عليهم.
_________________________
(١) منتهى الآمال : ٢ / ٥٠٨.
(٢) بحار الأنوار : ٥٢ / ١٥١.
ولقد حدّثنا الصادق عليهالسلام عن أبيه ، عن جدّه ، عن رسول الله صلىاللهعليهوآله أنّه قال : « من رآني في منانه فقد رآني ، فإنّ الشيطان لا بتمثّل في صورتي ولا في صورة أحدٍ من أوصيائي ، ولا في صورة أحد من شيعتهم » (١).
قال العلاّمة المجلسي في تفسير هذا الحديث أنّه : « يدلّ الخبر على عدم تمثّل الشيطان في المنام بصورة النبيّ والأئمّة ، بل بصورة شيعتهم أيضاً ، ولعلّه محمول على خلّص شيعتهم ، كسلمان وأبي ذرّ والمقداد وأضرابهم » (٢).
وقال الشيخ الصدوق مؤيّداً الأحاديث الرؤية : « وروي في الأخبار الصحيحة عن أئمّتنا عليهمالسلام أنّ من رأى رسول الله صلىاللهعليهوآله أو واحداً من الأئمّة صلوات الله عليهم قد دخل مدينة أو قرية في منامه ، فإنّه أمن لأهل تلك المدينة أو القرية ممّا يخافون ويحذرون ، وبلوغ لما يألمون ويرجون » (٣).
فتحصّل ممّا سبق أنّه يمكن رؤية الإمام المهدي في المنام لأنّه أحد الأئمّة الهداة ، والشيطان لا يتمثّل به ، وأنّ رؤيته عليهالسلام في المنام خير ويسر إن شاءالله.
_________________________
(١) البحار الأنوار : ٥٨ / ١٧٦.
(٢) المصدر المتقدّم : ٢٣٤.
(٣) كمال الدين : ١ / ٢١٠.
طبق الروايات الصحيحة الواردة ، أنّ الإمام المهدي عليهالسلام ولد في سنة ٢٥٥ هجريّة ، وعلى هذا يكون عمره الشريف حالياً (١١٧١) سنة ، فهذا العمر الطويل المبارك أثار تساؤلات وشبهات في أذهان بعض المسلمين بأنّه هل يمكن أن يعمّر الإنسان هذا العمر الطويل ، هل لهذا العمر الطويل سابقة سبق بها الأنبياء أو النّاس العاديّين أو لا يمكن ؟
وخُصّص هذا الفصل للإجابة على هذه الأسئلة.
السؤال الحادي عشر
هل يمكن أن يعيش الإنسان هذا العمر الطويل ؟
الجواب : طول العمر ليس أمراً محالاً ، ولكنّه ليس أمراً عاديّاً في الحقيقة ، وغير العادي يقال للحوادث التي لا يعتبر وقوعها محالاً ، ولكنّها نادرة الوقوع ، فإنّ شفاء الأمراض الصعبة علاجها إثر الدعاء أو التوسّل بالنبيّ صلىاللهعليهوآله أو بالأئمّة المعصومين عليهالسلام ، أو سقوط إنسان من مكان مرتفع وبقاءه حيّاً لا يمكن أن نقول إنّه محال ، بل هو أمر عادي.
فكذلك مسألة طول العمر في الإنسان ، ليس أمراً محالاً ، ولكنّه أمراً غير عادي ، ومن هذا الباب أيضاً معجزات الأنبياء ، وكرامات الأئمّة الهداة ، فإنّها اُمور غير عادية.
وأمّا علم الطب الحديث لم يستطع لحدّ الآن أن يكتشف سرّ الموت ، أو أن ينفي إمكان طول العمر ، أو يحدّد ذلك ، بل اعتقد علماء الغرب اليوم أنّ البشر يمكنهم أن يعمّروا مئات السنين.
يقول الدكتور الأميركي كيلورد : « إنّ علم الطب في هذا اليوم بمعونة علم التغذية رفع الموانع والحدود التي تمنع البشر من أن يعمّروا ، ونحن اليوم على خلاف ما كان عليه أجدادنا وآبائنا ، نأمل أن نعيش أعماراً طويلة » (١).
وكذلك الدكتور جورج رئيس الجامعات في ألمانيا ، حيث قام بالتحقيق على نبات يسمّى باللاتينيّة : « سابرولينا مسكتا » ، وهو يعيش على ظهر الذباب الأزرق ، ولا يعيش أكثر من إسبوعين ، وقام بزرعه بعد ما وفّر له ظروف خاصّة ، فعاش ستّ سنين بدل إسبوعين ، وهذه التجربة تساعدنا في تشبيه عمر الإنسان حالياً إلى ١٠٩٢٠ سنة » (٢).
يعني لو كان بإمكان البشر أن يطوّل عمر النبات من إسبوعين إلى ستّ سنوات ، فكيف لا يمكن أن يعيش الإنسان بهذه النسبة من عمره إلى عشرة آلاف سنة وأكثر.
السؤال الثاني عشر :
هل أشار القرآن الكريم إلى مسألة طول عمر البشر ؟
الجواب : نعم ورد في القرآن الكريم آيات تدلّ على طول العمر بين الجنّ والإنس ، فمنها :
_________________________
(١) پاسخ ما : ١٧.
(٢) المصدر المتقدّم : ٢٠.
١ ـ قول الله تبارك وتعالى للشيطان : ( فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ * إِلَىٰ يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ ) (١).
فلو تأمّلنا في هذه الآية الشريفة ، وما جرى بين الشيطان وخالقه من كبره على الله ، وعدم الإئتمار بأمره ، وطرده من رحمته ، طلب من الباري جلّ وعزّ أن يمهله إلى يوم الوقت المعلوم ، الذي فسّر بيوم ظهور المهدي عليهالسلام ، فإنّنا لو فرضنا أنّه حان وقت ظهوره عليهالسلام لكان عمر الشيطان من بداية خلق آدم حوالي ثمانية آلاف سنة ، فما يكون إذاً لو أضفنا عمره قبل خلق آدم وإلى ظهور المهدي الذي لا يعلم ذلك إلاّ الله.
٢ ـ وذكر القرآن الكريم في قصّة نوح عليهالسلام ، وما جرى بينه وبين قومه في أداء رسالته الإلٰهيّة ، وما تحمّل من الأذى ، فقال عزّ من قائل : ( فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا ) (٢). (٣)
٣ ـ وأشار أيضاً إلى قصّة يونس : ( فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ ) (٤) ، أي لبقي في بطن الحوت إلى يوم القيامة ، وبما أنّ يوم القيامة غير معيّن من حيث الزمان ، عرفنا أنّ القرآن الكريم أشار إلى مسألة طول عمر يونس من كونه حيّاً وباقياً في بطن الحوت إلى يوم القيامة إذا ما كان من المسبّحين.
٤ ـ وأشار أيضاً إلى قصّة أصحاب الكهف ، ونومهم أكثر من ثلاثمائة سنة بقوله :
_________________________
(١) الحجر (١٥) : ٣٧ و ٣٨.
(٢) العنكبوت (٢٩) : ١٤.
(٣) نور الثقلين : ٤ / ١٥٤.
(٤) الصافّات (٣٧) : ١٤٣ و ١٤٤.
( وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا ) (١) ، فلا شكّ أنّ هذا العمر طويل ، ولا شكّ أيضاً أنّ الذي يعيش ثلاثمائة سنة سيعيش أكثر من ذلك لو قدّر الله له ذلك.
فلو أضفنا سنين حياتهم قبل النوم وبقاءهم بعد اليقظة إلى زمان المهدي عليهالسلام ، كما سنشير إليه في أصحابه ، نستنتج ما أشار إليه القرآن الكريم في مسألة طول العمر بالنسبة إلى الإنسان ، ومنه إمكان هذا العمر الطويل بالنسبة إلى الإمام المهدي المنتظر عليهالسلام.
السؤال الثالث عشر :
هل سبق المهدي عليهالسلام أحدٌ من النّاس بطول العمر ؟
الجواب : إنّ مسألة طول العمر تعتبر من المسلّمات في تاريخ البشريّة ، ولو راجعنا بعض الكتب لعثرنا على أسماء كثير من النّاس ممّن عمّروا ، وطول العمر أيضاً لا يختصّ بالصالحين فقط ؛ لأنّ كثيراً من الكفرة والظلمة كان لهم عمراً طويلاً ، فمثلاً : عاش شدّاد بن عاد ٩٠٠ سنة ، وعمر بن عامر ٨٠٠ ، وزهير بن عباب ٣٠٠ سنة ، وابن هبل بن عبدالله ٦٠٠ سنة ، ومستوعر بن ربيعة ٣٣٠ سنة ، ودريد بن زيد ٤٥٠ سنة ، وقس بن عبادة ٦٠٠ سنة (٢).
وأمّا من بين الصالحين ، فعاش لقمان بن عاد ٣٥٠٠ سنة (٣) ، وعاش عليّ بن عثمان المعروف بابن أبي الدنيا ٣٠٩ سنة (٤).
_________________________
(١) كهف (١٨) : ٢٥.
(٢) راجع بحار الأنوار : ٥١ / ٢٥٥ ـ ٢٨٨.
(٣) و (٤) الشيعة والرجعة : ١ / ٢٩٥. فردوس الأخبار : ٣ / ٨٦.
وأمّا مسألة طول العمر بين الأنبياء العظام ، فكانت من الاُمور الطبيعيّة والعادية فيهم ، وقد اُشير إلى ذلك في كثير من الروايات.
فمن الذين عمّر طويلاً نوح النبيّ عليهالسلام ، فقيل : إنّه عاش ١٠٠٠ أو ١٤٠٠ أو ١٤٥٠ أو ١٤٧٠ أو ٢٣٠٠ أو ٢٥٠٠ سنة ، ولقد مرّ عليك أنّ القرآن صرّح أنّ فترة دعوته في قومه كانت ٩٥٠ سنة ، وثبت أيضاً هذا العمر الطويل بالنسبة إلى سائر الأنبياء ، مثلاً : سيّدنا آدم عليهالسلام عمّر ٩٣٠ سنة ، وعمّر سليمان عليهالسلام ٧١٢ ، أو ١٠٠٠ سنة ، وهكذا شيث عليهالسلام عمّر ٩٢٠ سنة ، وهود عليهالسلام عاش ٦٧٠ سنة.
هذا بالنسبة إلى الأنبياء الذين عاشورا وماتوا ، وأمّا بالنسبة إلى الياس النبيّ أو إدريس أو عيسى أو الخضر عليهمالسلام (١) ، الذين هم أحياء إلى يومنا هذا ، فحدّث ولا حرج من طول عمرهم ، وقد خصّص الشيخ الوالد رحمهالله في كتابه الشيعة والرجعة فصلاً خاصّاً عن هؤلاء المعمّرون من الأنبياء وغيرهم ، فراجع.
_________________________
(١) راجع : الشيعة والرجعة : ٢٩٣ ـ ٣٠٠.
إنّ مسألة غيبة الإمام المهدي عليهالسلام من المسائل المهمّة الغامضة ، ولا يهتدي أحد إلى أسرارها ، فلا شكّ أنّ الله جعل ذلك لأسباب ومصالح ، وأخفاها علينا ، ولا تظهر تلك الأسرار إلاّ بعد ظهوره عليهالسلام ، وقد يختلج في الأذهان بعض الأسئلة ، فمنها :
ما هي علل هذه الغيبة ؟ وهل حصلت الغيبة لنبيّ أو وصيّ قبل الإمام المهدي ؟ وما هو معني انتظار الفرج ؟ ولماذا يجب علينا أن نهيّأ أنفسنا ليوم ظهوره عليهالسلام ؟ وما الآثار المترتّبة على انتظار الفرج ، وغير ذلك ممّا سنبحث عنه في هذا الفصل.
السؤال الرابع عشر :
هل وقعت غيبة قبل الإمام المهدي ؟
الجواب : إنّ مسألة الغيبة كما قلنا هي من الأسرار الإلٰهيّة ، ولا تختصّ بالحجّة بن الحسن عليهالسلام فقط ، وقد حصل ما يشابه هذه الغيبة لبعض أنبياء الله العظام ، كآدم ونوح وإدريس وصالح وإبراهيم ويوسف وموسى وشعيب وإسماعيل وإلياس ولوط ودانيال وعزير وعيسى ونبيّ الإسلام محمّد بن عبدالله صلّى الله عليه وعليهم أجمعين.
فكان لبعضهم غيبة صغرى ، وبعضهم غاب ولا
يزال غائباً إلى الآن ،
فنبيّ الله صالح عليهالسلام غاب عن قومه فترة من الزمن ثمّ رجع إليهم ، فافترق النّاس فيه إلى ثلاثة فِرق : فرقة أنكروا نبوّته ، وفرقة ما زالت في الشكّ ، وفرقة بقيت على الوفاء بعدها وإيمانها به.
وأمّا إدريس ، فغاب عن قومه بعد مواجهة طاغوت عصره ما يقارب عشرين سنة. فقال لعشرة من أتباعه قبل غيبته : « لقد دعوت الله عزّ وجلّ أن يحبس قطر السماء عن هذه البلدة فاخرجوها أنتم منها أيضاً. وهكذا إلياس عليهالسلام الذي خرج إلى الصحاري والقفاز ، وغاب عن قومه سبع سنين. وهكذا موسى عليهالسلام غاب سبع وعشرون سنة ، ودانيال عليهالسلام غاب تسعين سنة » (١).
فتحصّل أنّ المسألة لم تنحصر في الإمام المهدي فقط ، بل سبقه جمع من الأنبياء عليهم صلوات الله الملك العلاّم.
السؤال الخامس عشر :
ما هي علّة غيبة الإمام المهدي عليهالسلام ؟
الجواب : قلنا إنّ مسألة الغيبة تعتبر من الأسرار الإلهيّة ، ولا يعرف سرّها إلى اليوم غير المعصومين عليهمالسلام ، ومن هنا لما طرحت مسألة الغيبة قبل ولادة المهدي عليهالسلام كثرت الأسئلة عنها ، ولمّا لم يؤذنوا بإفشاء هذا السرّ ، جهل النّاس علّة ذلك.
يقول عبدالله بن الفضل الهاشمي : « سمعت الإمام الصادق عليهالسلام يقول ـ لمّا سألته عن وجه الحكمة في غيبته : ـ وجه الحكمة في غيبته وجه الحكمة في غيبات من تقدّمة من حجج الله تعالى ، إنّ وجه الحكمة في ذلك لا ينكشف إلاّ بعد ظهوره ،
_________________________
(١) راجع كتاب الشيعة والرجعة : ١ / ٣٢٩.