الإمام المهدي المصلح العالمي المنتظر

الشيخ محمّد جواد الطبسي

الإمام المهدي المصلح العالمي المنتظر

المؤلف:

الشيخ محمّد جواد الطبسي


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار الهدى
المطبعة: الظهور
الطبعة: ٢
ISBN: 978-964-497-086-3
الصفحات: ٢١٦
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة

بالخصوص ذكر القضيّة المهدويّة وبيّن فلسفة ذلك ما لم تبيّن في دين آخر.

السؤال الرابع :

هل إسم الإمام المهدي عليه‌السلام ورد في الصحاح الستّة ؟

الجواب : لاشكّ أنّه قد ورد إسم الإمام المهدي في جميع الصحاح ما عدا صحيح البخاري ، فقد ورد في صحيح الترمذي (١) ، وسنن ابن ماجة (٢) ، وسنن أبي داود (٣) إسم المهدي عليه‌السلام ، وما ورد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله بشأنه.

وأمّا بالنسبة إلى صحيح مسلم وسنن النسائي ، فقد حذف ما فيهما من إسم المهدي عليه‌السلام ، والشاهد على ذلك أنّ تلك الأحاديث كانت موجودة سابقاً في صحيح مسلم ، حيث أنّ ابن حجر العسقلاني في الصواعق المحرقة (٤) ، وابن الصبان في إسعاف الراغبين (٥) ، والمتّقي الهندي في كنز العمّال (٦) ، والحمزاوي في مشارق الأنوار (٧) ، نقلوا حديث « المهدي حقّ ، وهو من ولد فاطمة عليهما‌السلام » من كتب صحيح مسلم ، لكنّ هذا الحديث غير موجود حالياً في النسخ التي بأيدينا ، ويشهد بذلك أيضاً وجود حديث النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله حول الإمام المهدي عليه‌السلام في سنن النسائي ، ونقل السلّمي في عقد الدرر (٨) عنه حديث « المهدي منّي » ، وهكذا

_________________________

(١) سنن الترمذي : ٢ / ٥٠٥.

(٢) سنن ابن ماجة : ٢ / ١٣٦٨.

(٣) سنن أبي داود : ٢ / ٣٦٧.

(٤) الصواعق المحرقة : ٦٣.

(٥) إسعاف الراغبين : ١٤٥.

(٦) كنز العمّال : ١٤ / ٢٦٤.

(٧) مشارق الأنوار : ١١٢.

(٨) عقد الدرر : ٣٣.

٢١

نقل ابن الصبان (١) ، وعبدالمحسن العباد (٢) ، وابن حجر العسقلاني (٣) ، والحمزاوي (٤) ، والشيخ منصور علي ناصف (٥) : حديث « المهدي حقّ ، وهو من ولد فاطمة » عن سنن النسائي ، ولكنّه غير موجود في النسخ التي بأيدينا.

فلا بدّ إمّا أن نّتهم هؤلاء الذين نقلوا هذه الأحاديث من صحيح مسلم وسنن النسائي بالكذب ، أو أنّ ذلك حذف من الكتابين المذكور. هذا أوّلاً.

وثانياّ : أنّ في النسخة الموجودة حالياً لصحيح مسلم ، وإن لم يصرّح باسم الإمام المهدي عليه‌السلام ، ولكنّه ذكر حديثين حول مجيء خليفة في آخر الزمان (٦) ، ونزول عيسى عليه‌السلام من السماء (٧) ، وصلاته خلف الإمام عليه‌السلام ، حيث يلزمنا أن نسأل صاحب هذا الصحيح بأنّه : من هذا الخليفة الذي يصلّي عيسى خلفه ؟ فما هو الجواب ؟ فهل هذا الخليفة الذي يصلّي عيسى خلفه غير المهدي الذي بشّر به النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ؟

وثالثاً : وعلى فرض أنّهما لم يذكرا أحاديث النبيّ حول المهدي عليه‌السلام ، ولكن تخلّفا عن شرطهما في نقل الراوية ، فإنّ أحاديث المهدي صحيحة على شرطهما ولم يخرجاه.

وقد جمع الحاكم النيسابوري في كتبه المستدرك علي الصحيحين هذه الأحاديث التي لم يذكرها مسلم والبخاري ، وكان من حقّها أن يخرجاه. وذكر في ختام

_________________________

(١) إسعاف الراغبين : ١٤٥.

(٢) عقيدة أهل السنّة والأثر : ١٨.

(٣) الصواعق المحرقة : ١٨.

(٤) مشارق الأنوار : ١١٢.

(٥) التاج الجامع للاُصول : ٥ / ٣٤٣.

(٦) صحيح مسلم : ٢ / ٧٠١.

(٧) المصدر المتقدّم : ٤ / ٢٢٦٦.

٢٢

كلّ حديث نقله : هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ، فمن جملة الأحاديث الصحيحة على شرط الشيخين ولم يخرجاه أحاديث المهدي عليه‌السلام ، ونشير إلى خمسة روايات ، فمنها :

١ ـ عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : « المهدي منّا ، رجل من أهل البيت » (١).

٢ ـ وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : « نحن ولد عبدالمطّلب ... والمهدي » (٢).

٣ ـ وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : « المهدي منّي ، أجلى الجبهة ، أقني الأنف » (٣).

٤ ـ وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : « ... ثمّ يخرج رجل من عترتي » (٤).

٥ ـ وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : « إذا رأيتم الرايات السود ، فإنّ فيها خليفة الله المهدي » (٥).

ورابعاً : هل أن صحيح الترمذي وسنن إبن ماجة وسنن أبي داود تعدّ من الصحاح الستّة أم لا ؟

فإذا قلنا إنّها من الصحاح ، فلا داعي أنّ كلّ الأحاديث تذكر في كلّ الصحاح بحيث إذا لم تكن صحيحة. وهذا ابن تيميّة الذي ضعّف كثير من الروايات والأحاديث ، ونسب ظلماً اُموراً إلى الشيعة الإماميّة ، فقد صحّح أحاديث المهدي عليه‌السلام وقال في كتابه : « إنّ الأحاديث التي يحتجّ بها على خروج المهدي أحاديث صحيحة ، رواه أبو داود والترمذي وأحمد وغيرهم عن طريق ابن مسعود وغيره » (٦).

_________________________

(١) المستدرك علي الصحيحين : ٤ / ٥٥٧.

(٢) المصدر المتقدّم : ٣ / ٢١١.

(٣) و (٤) المصدر المتقدّم : ٤ / ٥٥٨.

(٥) المصدر المتقدّم : ٤٦٣.

(٦) منهاج السنّة : ٤ / ٢١١.

٢٣

وأمّا البخاري فهو وإن لم ينقل أحاديث المهدي عليه‌السلام في صحيحه ، ولكنّه ذكر في تاريخه إسم الإمام المهدي في عدّة أماكن ، فقد نقل حديث « المهدي من أهل البيت » (١) عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهكذا أشار في تاريخه إلى حديث : « المهدي حقّ ، من ولد فاطمة » (٢).

السؤال الخامس :

لماذا يجب علينا معرفة الإمام المهدي ؟

الجواب : لو فتّشنا الكتب الروائيّة والكلاميّة لعثرنا على روايات كثيرة في كتب الشيعة والسنّة تدلّ على وجوب معرفة الإمام وحجّة الله على الأرض ، ثمّ متابعته والإقتداء به ، وإن فسّر كثير من علماء العامّة هذه الروايات الواردة عن النبيّ بالخلفاء والحكّام.

ولكنّ الشيعة تعتقد بأنّ المقصود من الإمام في هذه الروايات هم الأئمّة المعصومون عليهم‌السلام ، ولهذا يعتقدون بلزوم معرفته ، حيث أنّ معرفته عليه‌السلام هو جزء من معرفة الأئمّة الإثني عشر ، كما أشار النبيّ إلى عددهم قائلاً لسلمان الفارسي : « الأئمّة بعدي إثنا عشر » ، ثمّ قال : « كلّهم من قريش ، ثمّ يخرج قائمنا فيشفي صدور قوم مؤمنين ، ألا أنّهم أعلم منكم ، فلا تعلّموهم ألا أنّهم عترتي ، من لحمي ودمي ، ما بال أقوام يؤذوني فيهم ، لا أنالهم الله شفاعتي » (٣).

وكان الإمام الحسن عليه‌السلام يقول : « الأئمّة بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إثنا عشر ، تسعة

_________________________

(١) تاريخ البخاري : ١ / ٣١٧.

(٢) المصدر المتقدّم : ٣ / ٣٤٦.

(٣) كفاية الأثر : ٤٤.

٢٤

من صلب أخي الحسين ، ومنه مهدي هذه الاُمّة » (١).

إذاً فالمراد من الإمام والأئمّة هم المعصومون عليهم‌السلام ، وأمّا علّة وجوب معرفة الإمام في كلّ زمان فكما يلي :

١ ـ الصون من الإنحراف والضلالة

إنّ معرفة الإمام المهدي ـ أرواحنا فداه ـ تأخذ أهمّيتها في الوقت الذي يشعر به النّاس إبتلاءهم بالفساد والضلالة علي إثر الإبتعاد عن إمامهم ، وأنّ الخلاص من هذا المأزق الخطر سوف لن يكون إلاّ عن طريق الإقتداء بالإمام عليه‌السلام.

قال الإمام الكاظم عليه‌السلام : « ما ترك عزّ وجلّ الأرض بغير إمام قطّ منذ قبض آدم عليه‌السلام ، يُهتدي به إلى الله عزّ وجلّ ، وهو الحجّة على العباد ، من تركه ضلّ ، ومن لزمه نجا ، حقّاً على الله عزّ وجلّ » (٢).

وكتب العمري إلى أبي عليّ بن محمّد بن همام ما يبيّن ضرورة هذه المعرفة ، قائلاً :

« اللّهُمَّ عَرِّفْني نَفْسَكَ فَإِنَّكَ إِنْ لَمْ تُعَرِّفْني نَفْسَكَ لَمْ أَعْرِفْ رَسُولَكَ ، اللّهُمَّ عَرِّفْني رَسُولَكَ فَإنَّكَ إِنْ لَمْ تُعَرِّفْني رَسُولَكَ لَمْ أَعْرِفْ حُجَّتَكَ ، اللّهُمَّ عَرَّفْني حُجَّتَكَ فَإِنَّكَ إِنْ لَمْ تُعَرِّفْني حُجَّتَكَ ضَلَلْتُ عَنْ دِيني » (٣).

وقد أمر ألإمام الصادق عليه‌السلام زرارة أن يلتزم بهذا الدعاء في زمان الغيبة (٤).

_________________________

(١) كفاية الأثر : ٢٣.

(٢) معجم أحاديث الإمام المهدي عليه‌السلام : ٤ / ١٤٨.

(٣) مصباح الزائر : ٣١٢.

(٤) بحار الأنوار : ٥٢ / ١٤٦.

٢٥

٢ ـ المنع من بطلان العمل

لا ريب أنّ قبول الأعمال والمنع من بطلانها يكون في قبول ولاية الأئمّة المعصومين عليهم‌السلام. قال الباقر عليه‌السلام لزارة : ( بني الإسلام على خمسة أشياء : على الصلاة ، والزكاة ، والحجّ ، والصوم ، والولاية.

قال زرارة : فقلت : وأيّ شيء من ذلك أفضل ؟

فقال : الولاية أفضل ؛ لأنّها مفتاحهنّ ، والوالي هو الدليل عليهنّ ... أما لو أنّ رجلاً قام ليله ، وصام نهاره ، وتصدّق بجميع ماله ، وحجّ جميع دهره ، ولم يعرف ولاية وليّ الله فيواليه ، ويكون جميع أعماله بدلالته اليه ، ما كان له على الله جلّ وعزّ حقّ في ثوابه ، ولا كان من أهل الإيمان » (١).

٣ ـ الوصول إلى السعادة الأبديّة

لا شكّ أنّ حياة النبيّ وموته من الاُمور الهامّة التي لا ينال البشر إلى معرفتها ، فكم ترك النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله في أيّام حياته وبعد مماته من الخيرات والبركات للمسلمين ، فطلب منّا إن اردنا أن نصل الى هذه الحياة المعنويّة أن نتولّ الإمام أمير المؤمنين والأئمّة من بعده.

فكان صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : « معاشر النّاس ، من أراد أن يحيى حياتي ، ويموت ميتتي ، فليتولّ عليّ بن أبي طالب ، وليقتد بالأئمّة من بعده » (٢).

٤ ـ النجاة من الميتة الجاهليّة

وجاء التصريح في عدد كثير من الروايات والأحاديث الإسلاميّة عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله

_________________________

(١) الكافي : ٢ / ١٨٢.

(٢) مناقب آل أبي طالب : ١ / ٣٠١.

٢٦

أنّ كلّ من لا يعرف إمام زمانه سوف يموت ميتة جاهليّة ، ولا ريب أنّ المقصود من الميتة الجاهليّة أن يكون حاله حال من مات قبل الإسلام من أهل الجاهليّة ، حيث كانوا على الشرك والكفر والضلالة.

وقد ورد هذا الحديث في الصحاح والسنن والمسانيد عند السنّة ، ورواه أيضاً علماءنا في كتبهم بألفاظ مختلفة عن النبيّ والعترة الطاهرة ، فنقل الطيالسي (١) ، والبخاري (٢) ، وابن أبي شيبة (٣) ، والهيثمي (٤) ، وابن سعد (٥) ، والطبراني (٦) ، والكليني (٧) ، والبرقي (٨) ، والعيّاشي (٩) ، وغيرهم عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : « من مات بغير إمام مات ميتة جاهليّة » (١٠).

وعن الباقر عليه‌السلام ، قال : « من مات وليس له إمام فموته ميتة جاهيّة ، ولا يعذر النّاس حتّى يعرفوا إمامهم » (١١).

وعن الصادق عليه‌السلام ، عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال : « من مات وليس عليه إمام فميتته جاهليّة.

_________________________

(١) و (١٠) مسند الطيالسي : ١٢٥٩.

(٢) تاريخ البخاري : ٦ / ٤٤٥.

(٣) مسند ابن أبي شيبة : ١٥ / ٣٨.

(٤) مجمع الزوائد : ٥ / ٢٢٣.

(٥) الطبقات : ٥ / ١٤٤.

(٦) المعجم الكبير : ٧ / ٣٥٠.

(٧) الكافي : ١ / ٣٧٦.

(٨) المحاسن : ١ / ١٥٣.

(٩) تفسير العيّاشي : ١ / ٢٥٢.

(١١) المحاسن : ١٥٥.

٢٧

فقلت : قال ذلك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ؟

فقال : إي والله قد قال.

قلت : فكلّ من مات وليس له إمام فميتته جاهليّة ؟!

قال : نعم » (١).

فاستناداً إلى ماسبق وما روي عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله بأنّه : « من أنكر القائم من ولدي في زمان غيبته فمات ، فقد مات ميتة جاهليّة » (٢).

نقول : لا نجاة من الميتة الجاهليّة إلاّ بمعرفة الإمام المهدي عليه‌السلام.

_________________________

(١) الكافي : ١ / ١٥٣.

(٢) كمال الدين : ٢ / ٤١٢.

٢٨

Description: F:Book-LibraryENDQUEUEEmam-Mahdi-Mosleh-Alamiimagesimage005.gif

٢٩
٣٠



ضيّق الخلفاء العبّاسيّين عليى الإمامين الهمامين الهادي والعسكري عليهما‌السلام ، وبذلوا جهوداً كبيرة لمنع ولادة الإمام المهدي عليه‌السلام ، فسجنوا الإمام العسكري عليه‌السلام غير مرّة ، حيث قضى أكثر أيّام إمامته في سجن الخلفاء العبّاسيّين.

وقاموا بمؤامرات خطرة ضدّ الإمام ، ولكنّ الظروف الطارئة كانت تمنعهم من قتله عليه‌السلام ، ولقد أشار الإمام في بعض كلماته إلى هذه المضايقات قائلاً : « زعم الظلمة أنّهم يقتلونني ، ويقطعوا هذا النسل » (١) ، ولكن أبى الله إلاّ أن يتمّ نوره ولو كره المشركون.

حتّي ولد الإمام المهدي عليه‌السلام في نصف من شعبان سنة ٢٥٥ ه‍.ق (٢) في ظروف صعبة وحسّاسة للغاية.

أخبر النبيّ عن هذا المولود وعن إسمه وكنيته ، فقال : « إسمه إسمي ، وكنيته كنيتي » (٣).

لقّب الإمام المهدي عليه‌السلام بـ : بقيّة الله ، حجّة الله ، وقائم آل محمّد عليهم‌السلام.

_________________________

(١) الغيبة : ١٣٤. حياة الإمام العسكري : ٣١٢.

(٢) الفصول المهمّة : ٢٧٤.

(٣) كمال الدّين : ٢٨٦. بحار الأنوار : ٥١ / ٧٣.كفاية الأثر : ٦٧. وروي عن الإمام الصّادق عليه‌السلام باختلاف يسير وزيادة في الإمامة والتّبصرة : ١١٩ ، وفي كمال الدّين : ٢٨٦.

٣١

وقد أخفى الإمام الحسن العسكري عليه‌السلام ولادة عن أعين الحكّام لأجل الحفاظ على حياة ولده عليه‌السلام. وكان يحضره أحياناً في بعض لقاءاته ليزيل الشبهة عنه ، وكان الإمام المهدي عليه‌السلام يتحدّث بأمر من والده حتّى يتعرّف الشيعة عليه.

يعتقد كلّ علماء الشيعة ـ وكثير من أعلام السنّة ـ أنّ الإمام المهدي عليه‌السلام قد ولد وهو حيّ وغائب ، وأنّ هذه الغيبة قد بدأت بعد استشهاد أبيه العسكري عليه‌السلام سنة ٢٦٠ ه‍ ، وهي مستمرّة إلى الآن.

وإليك بعض الأسئلة حول ولادته عليه‌السلام :

السؤال السادس :

ما هو رأي السنّة في ولادة المهدي عليه‌السلام ؟

الجواب : يوجد خلاف بين السنّة ، فبعضهم يرى رأي الشيعة ، حيث يقولون : إنّ الإمام المهدي عليه‌السلام قد ولد في سامراء سنة ٢٥٥ هجريّة ، وليس عددهم بالقليل.

ولا يسعنا أيضاً ذكر أسماءهم وأقوالهم في هذا المختصر ، ولكن نشير إلى كلمات بعضهم :

١ ـ يقول ابن الصباغ المالكي في الفصول المهمّة :

« ولد أبوالقاسم محمّد بن الحجّة بن الحسن الخالص بسرّ من رأى ، ليلة النصف من شعبان ، سنة ٢٥٥ هجريّة » (١).

وقال أيضاً عن سبب أمر ولادته عن النّاس :

« خلف أبو محمّد الحسن من الوالد إبنه الحجّة القائم المنتظر لدولة الحقّ ، وكان

_________________________

(١) الفصول المهمّة : ٢٧٤.

٣٢

أخفى مولده ، وستر أمره لصعوبة الوقت ، وخوف السلطان ، وتطلبه الشيعة ، وحبسهم والقبض عليهم » (١).

٢ ـ كتب الكنجي الشافعي في البيان في أخبار صاحب الزمان بعد أن اعتقد بولادة المهدي عليه‌السلام ، وأجاب على شبهات منكري بقائه هذه المدّة الطويلة ، وردّهم بأدلّة بليغة ، حيث عقد فصلاً تحت عنوان « في الدلالة على كون المهدي حيّاً باقياً مذ غيبته إلى الآن » قائلاً :

« ولا امتناع في بقاءه بدليل بقاء عيسى والياس والخضر من أولياء الله تعالى ، وبقاء الدجّال وإبليس الملعونَين أعداء الله تعالى ، وهؤلاء قد ثبت بقاءهم بالكتاب والسنّة ، وقد اتّفقوا عليه ، ثمّ أنكروا جواز بقاء المهدي.

وها أنا اُبيّن بقاء كلّ واحد منهم ، فلا يسمع بعد هذا لعاقل إنكار جواز بقاء المهدي عليه‌السلام » (٢).

٣ ـ وقال سبط ابن الجوزي الحنفي في تذكرة الخواصّ :

« هو محمّد بن الحسن بن عليّ بن محمّد بن عليّ بن موسى بن جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ ابن أبي طالب عليهم‌السلام ، وكنيته أبو عبدالله ، وأبو القاسم ، وخلف الحجّة ، صاحب الزمان ، القائم ، والمنتظر ، والتالي ، وهو آخر الأئمّة » (٣).

ثمّ إنّ شيخنا الوالد المرحوم آية الشيخ محمّدرضا الطبسي ـ بعد ما نقل أسماء أربعين شخصاً من كبار السنّة ، اعتماداً على نقل صاحب كشف الأستار للمحدّث

_________________________

(١) الفصول المهمّة : ٢٧٢.

(٢) البيان في أخبار صاحب الزمان : ٥٢١.

(٣) تذكرة الخواصّ : ٣٢٥.

٣٣

النوري ـ قال : « ثمّ إنّ الحقير تتبّعت في بعض الكتب المعتبرة عند القوم تتميماً للحجّة ، فعثرت على مقدار عشرين رجلاً ، بل أزيد ، من المعترفين أيضاً ، فأضفتهم ... » (١) ، ثمّ أسماء القائلين بولادته عليه‌السلام كما يلي :

١ ـ المولى حسين الكاشفي في روضة الأحباب.

٢ ـ إبن خلّكان في تاريخه.

٣ ـ الحافظ البيهقي الشافعي في شعب الإيمان.

٤ ـ السيّد أحمد زيني دحلان في الفتوحات الإسلاميّة.

٥ ـ إبن حجر في الصواعق المحرقة.

٦ ـ إبن الأثير الجزري في الكامل في التاريخ.

٧ ـ أبو الفداء في تاريخه.

٨ ـ أحمد النگري في دستور العلماء.

٩ ـ الياقوت الحموي في معجم البلدان.

١٠ ـ الشبراوي في الإتحاف بحبّ الأشراف.

١١ ـ الحمزاوي في مشارق الأنوار.

١٢ ـ الذهبي في دول الإسلام.

١٣ ـ اليافعي في مرآة الجنان.

١٤ ـ الشيخ عبدالوهاب في كشف الغمّة.

١٥ ـ إبن سعد في الطبقات الكبرى.

_________________________

(١) الشيعة والرجعة : ١ / ١٢٠.

٣٤

١٦ ـ شمس الدين القاضي المالكي في تاريخ الخميس.

١٧ ـ الملاّ عليّ المتّقي في البرهان.

١٨ ـ جمال الدين في روضة الأحباب.

١٩ ـ القرماني في أخبار الدول.

٢٠ ـ إبن الصبان في إسعاف الراغبين (١).

وبهذا البيان : إتّضح أنّ ولادة المهدي المنتظر عليه‌السلام من القطعيّات التاريخيّة ، وأن الشيعة والسنّة قد ذكروا تاريخ ولادته.

وخالف جماعة من أعلام السنّة هذا الرأي واعتقدوا بأن المهدي عليه‌السلام لم يولد بعد ، وأنّه سيولد في آخر الزمان.

فقال إبن أبي الحديد المعتزلي في شرحه على نهج البلاغة عند بيان خطبة الإمام أمير المؤمنين التي فيها « بأبي خيرة الإماء » :

« أمّا الإماميّة فيزعمون أنّه إمامهم الثاني عشر ، وأنّه إبن أمة إسمها نرجس ، وأمّا أصحابنا فيزعمون أنّه فاطمي ، يولد في مستقبل الزمان لاُمّ ولد ، وليس بموجود الآن .. وأنّه يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً وظلماً ، وينتقم من الظالمين ، وينكّل بهم أشدّ النكال » (٢).

أقول : إنّ إبن أبي الحديد وإن أصاب في بعض بحوثه ، ولكن أخطأ في هذه المسألة ، فماذا يجيب هؤلاء الذين مرّت أسماءهم عليك ، المعترفون بولادته عليه‌السلام ، وثانياً : كيف يمكن أن نطبّق الروايات الواردة حول الإمام المهدي عليه‌السلام المتّفق عليها

_________________________

(١) الشيعة والرجعة : ١ / ١٢٢.

(٢) شرح نهج البلاغة : ٢ / ١٧٩.

٣٥

عند الشيعة والسنّة على رجل مجهول لا يعلم إبن من هو ؟ وفي أي زمان سيولد ؟ وعلى قول الكنجي الشافعي : « لماذا أنكرنا أصل ولادته فراراً من طول عمره ؟ ».

السؤال السابع :

هل رؤي الإمام المهدي عليه‌السلام أيّام طفولته ؟

الجواب : لقد رأى الإمام عليه‌السلام عدّة لا يستهان بهم منذ ولد ، وهكذا رأوه في حياة أبيه وبعد موته إلى أن غاب في الغيبة الكبرى ، وقد ألّف علمائنا الكبار كتباً ورسائلاً فيمن فاز بلقاءه عليه‌السلام ، منهم المحدّث الكبير السيّد هاشم البحراني ، وإليك أسماء بعض من شاهده عليه‌السلام :

١ ـ حكيمة بنت الإمام الجواد عليه‌السلام ، وعمّة الإمام الحسن العسكري ، التي زارت إبن أخيها في ليلة ميلاد الإمام المهدي عليه‌السلام ، وطلب الإمام منها أن تبيت عنده لتحضر ولادة المهدي عليه‌السلام ، فباتت تلك الليلة إلى أن ولد عليه‌السلام ، ورأت جماله البهيّ (١) ، وقصّتها معروفة ومشهورة.

ورأته أيضاً في اليوم الثالث من ولادته عليه‌السلام ، كما رواه لنا الشيخ الطوسي عنها ، أنّها قالت : « فلمّا كان في اليوم الثالث إشتدّ شوقي إلى وليّ الله ، فأتيتهم عائدة ، فبدأت بالحجرة التي فيها الجارية ، فإذا أنا بها جالسة في مجلس المرأة النفساء ، وعليها أثواب صفر ، وهي معصبة الرأس ، فسلّمت عليها والتفت إلى جانب البيت وإذا بمهد عليه أثواب خضر ، فعدلت إلى المهد ورفعت عنه الأثواب ، فإذا أنا بوليّ الله نائم على قفاه غير محزوم ولا مقموط ، ففتح عينيه وجعل يضحك ويناجيني بإصبعه ، فتناولته وأدنيته إلى فمي لاُقبّله ، فشممت منه رائحة ما شممت

_________________________

(١) بحار الأنوار : ٥١ / ١٧.

٣٦

قطّ أطيب منها ... » (١).

٢ ـ أحمد بن إسحاق الأشعري : « قال دخلت على أبي محمّد الحسن بن عليّ عليه‌السلام وأنا اُريد أن أسأله عن الخلف من بعده ، فقال لي مبتدئاً : يا أحمد بن إسحاق ، إنّ الله تبارك وتعالى لم يخل الأرض منذ خلق آدم عليه‌السلام ، ولا يخليها إلى أن تقوم الساعة من حجّة لله على خلقه ، به يدفع البلاء عن أهل الأرض ، وبه ينزّل الغيث ، وبه يخرج بركات الأرض.

قال : فقلت له : يابن رسول الله ، فمن الإمام والخليفة بعدك ؟

فنهض عليه‌السلام مسرعاً فدخل البيت ، ثمّ خرج وعلى عاتقه غلام كأنّ وجهه القمر ليلة البدر ، من أبناء الثلاث سنين ، فقال : يا أحمد بن إسحاق ، لولا كرامتك على الله عزّ وجلّ وعلى حججه ما عرضت عليك إبني هذا ... » (٢).

٣ ـ يعقوب بن منقوش ، يقول : « دخلت على أبي محمّد الحسن بن عليّ عليه‌السلام وهو جالس على دكّان في الدار ، وعن يميينه بيت عليه ستر مسبل ، فقلت له : يا سيّدي ، مَن صاحب هذا الأمر ؟

فقال : إرفع الستر ، فرفعته ، فخرج إلينا غلام خماسي ، له عشر أو ثمان أو نحو ذلك ، واضح الجبين ، أبيض الوجه ، درّي المقلتين ، شثن الكفّين ، معطوف الكريمتين ، في خدّه الأيمن خال ، وفي رأسه ذؤابة ، فجلس على فخذ أبي محمّد عليه‌السلام ، ثمّ قال لي : هذا صاحبكم » (٣).

_________________________

(١) كتاب الغيبة : ١٤٣.

(٢) كمال الدين : ٢ / ٣٨٤.

(٣) إعلام الورى : ٤١٣.

٣٧

٤ ـ مارية خادمة الإمام العسكري

وعن الشيخ الطوسي ، قال : « عن نسيم وماريّة قالت : لمّا خرج صاحب الزمان من بطن اُمّه سقط جاثياً على ركبتيه ، رافعاً سبّابته نحو السماء ، ثمّ عطس ، فقال : الحمد لله ربّ العالمين ، وصلّى الله على محمّد وآله عبداً داخراً ، غير مستنكف ، ولا مستكبر ، ثمّ قال : زعمت الظلمة أنّ حجّة الله داحضة ، ولو أذن لنا في الكلام لزال الشكّ » (١).

٥ ـ أبو غانم الخادم ، قال : « ولد لأبي محمّد عليه‌السلام ولد فسمّاه محمّداً ، فعرضه على أصحابه يوم الثالث ، وقال : هذا صاحبكم من بعدي ، وخليفتي عليكم ، وهو القائم الذي تمتدّ إليه الإعناق بإنتظار ، فإذا امتلأت الأرض جوراً وظلماً خرج فملأها قسطاً وعدلاً » (٢).

٦ ـ كامل بن إبراهيم المدني ، قال : « قلت في نفسي لمّا دخلت عليه ـ الإمام العسكري ـ أسأله عن الحديث المروي عنه عليه‌السلام : لا يدخل الجنّة إلاّ من عرف معرفتي ، وكنت جلست إلى باب عليه ستر مرخيً ، فجاءت الريح فكشفت طرفه ، فإذا أنا بفتى كأنّه فلقة قمر ، من أبناء أربع سنين أو مثلها ، فقال لي : ياكامل بن إبراهيم ، فاقشعررت من ذلك ، واُلهمت أن قلت : لبّيك يا سيّدي.

فقال : جئت إلى وليّ الله تسألة لا يدخل الجنّة إلاّ من عرف معرفتك ، وقال بمقالتك ؟ قلت : إي والله.

قال : إذن والله يقلّ داخلها ، والله إنّه ليدخلها قوم يقال لهم الحقّيّة.

_________________________

(١) كتاب الغيبة / الطوسي : ١٤٧.

(٢) كمال الدين٢ / ٤٣١.

٣٨

قلت : ومن هم ؟

قال : قوم من حبّهم لعليّ بن أبي طالب يحلفون بحقّه ، وما يدرون ما حقّه وفضله ، أي قوم يعرفون ما يجب عليهم معرفته جملة لا تفصيلاً من معرفة الله ورسوله والأئمّة ونحوها.

ثمّ قال : وجئت تسأل عن مقالة المفوّضة ؟ كذبوا ، بل قلوبنا أوعية لمشيئة الله عزّ وجلّ فإذا شاء الله تعالى شئنا ، والله يقول : ( وَمَا تَشَاءُونَ إِلاَّ أَن يَشَاءَ اللهُ ) (١).

فقال لي أبو محمّد عليه‌السلام : ما جلوسك وقد أنبأك بحاجتك ، قم ، فقمت » (٢).

٧ ـ أربعون نفراً من الوافدين

روي الشيخ الطوسي عن جعفر بن محمّد بن مالك الفزاري البزّاز ، عن جماعة من الشيعة ، منهم : عليّ بن بلال ، وأحمد بن هلال ، ومحمّد بن معاوية بن حكيم ، والحسن بن أيّوب بن نوح... قالوا جميعاً : « اجتمعنا إلى أبي محمّد الحسن بن عليّ عليه‌السلام نسأله عن الحجّة من بعده ، وفي مجلسه عليه‌السلام أربعون رجلاً ، فقام إليه عثمان بن سعيد بن عمرو العمري فقال له : يابن رسول الله ، اُريد أن أسألك عن أمر أنت أعلم به منّي.

فقال : اجلس يا عثمان.

فقام مغضباً ليخرج ، فقال : لا يخرجنّ أحد.

فلم يخرج أحد إلى أن كان بعد ساعة ، فصاح عليه‌السلام بعثمان فقام على قديمه.

_________________________

(١) الإنسان (٧٦) : ٣٠.

(٢) الخرائج والجرائح : ١ / ٤٥٨.

٣٩

فقال : اُخبركم بما جئتم ؟

قالوا : نعم يابن رسول الله.

قال : جئتم تسألوني عن الحجّة من بعدي.

قالو : نعم.

فإذا غلام كأنّه قطعة قمر أشبه النّاس بأبي محمّد.

فقال : هذا إمامكم من بعدي ، وخليفتي عليكم ، أطيعوه ولا تتفرّقوا من بعدي فتهلكوا في أديانكم ، ألا وإنّكم لا ترونه من بعد يومكم هذا حتّى يتمّ له عمر ، فاقبلوا من عثمان ما يقوله ، وانتهوا إلى أمره ، واقبلوا قوله ، فهو خليفة إمامكم ، والأمر إليه ... » (١).

٨ ـ نسيم الخادم

وعنه أيضاً قال : « وروي محمّد بن يعقوب رفعه عن نسيم الخادم ( خادم أبي محمّد عليه‌السلام ) قال : دخلت على صاحب الزمان بعد مولده بعشر ليالٍ فعطست عنده ، فقال : يرحمك الله ، ففرحت بذلك ، فقال : ألا اُبشّرك في العطاس ؟ هو أمان من الموت ثلاثة أيّام » (٢).

٩ ـ إسماعيل النوبختي

وعنه أيضاً بسنده عن إسماعيل النوبختي ، قال : « دخلت على أبي محمّد الحسن بن عليّ عليه‌السلام في المرضة التي مات فيها ـ وأنا عنده ـ إذ قال لخادمه عقيد ، وكان أخادم نوبيّاً قد خدم من قبله عليّ بن محمّد عليه‌السلام ، وهو ربّي الحسن عليه‌السلام فقال :

_________________________

(١) كتاب الغيبة : ٢١٧.

(٢) الغيبة / الطوسي : ١٣٩.

٤٠