الإمام المهدي المصلح العالمي المنتظر

الشيخ محمّد جواد الطبسي

الإمام المهدي المصلح العالمي المنتظر

المؤلف:

الشيخ محمّد جواد الطبسي


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار الهدى
المطبعة: الظهور
الطبعة: ٢
ISBN: 978-964-497-086-3
الصفحات: ٢١٦
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة

قال الباقر عليه‌السلام لمحمّد بن مسلم : « وأمًا شبهه من عيسى ، فاختلاف من اختلف فيه ، حتّى قالت طائفة منهم : ما ولد ، وقالت طائفة : مات ، وقالت طائفة : قُتل وصُلب » (١).

٧ ـ صفة من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله

وذكرت الروايات عن المهدي عليه‌السلام : « أنّه يهتدي بهداه ، ويسير بسيرته » (٢) ، أي يسير بسيرة رسول الله ، ويهدي النّاس بطريقة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله.

قال الإمام الباقر عليه‌السلام : « وأمّا شبهه من جدّه المصطفى صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فخر وجه بالسيف ، وقتله أعداء الله وأعداء رسوله ، والجبّارين والطواغيت ، وأنّه ينصر بالسيف والرعب ... » (٣).

وقال أيضاً : « وسمع منه أبو بصير : وأمّا من محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله فالقيام بسيرته ، وتبيين آثاره » (٤).

السؤال الثلاثون :

لماذا يقوم المهدي عليه‌السلام بالسيف ؟

لا شكّ أنّ الإمام المهدي هو الذي يقوم بالسيف ، وقد مرّ عليك أنّ فيه عليه‌السلام شبهاً من جدّه المصطفى ، حيث يقوم بالسيف ، وأنّه سوف ينتصر على أعداء الله بالسيف. فإن قيل : لماذا بالسيف وقد ملأ العالم بالأسلحة الحديثة ؟

_________________________

(١) بحار الأنوار : ٥١ / ٢١٨.

(٢) كمال الدين : ٢ / ٣٥٠.

(٣) و (٤) بحار الأنوار : ٥١ / ٢١٨.

١٢١

قلنا : من المحتمل أن تقع حروب ذرّيّة قبل الظهور ، ممّا يسبّب زوال التكنولوجيا الحديثة ، ومن هنا لا تجد سلاحاً غير السيف في عصر الظهور.

ومن المحتمل أيضاً أن يكون السيف هو رمز القدرة ، بمعنى أنّه يحارب الأعداء لا أنّه يحارب أعدائه حقيقة بالسيف.

السؤال الحادي الثلاثون :

ما هي مواريث الأنبياء الموجودة عند الإمام المهدي عليه‌السلام ؟

الجواب : إنّ حكومة المهدي عليه‌السلام هي مظهر القدرة الإلٰهيّة اللامتناهية ، فإنّ الإرادة الإلهيّة اقتضت أن يعطي عبده الصالح بما أعطى أنبياءه من الصفات العالية ، حتّى يحيي ذكرى جميع الأنبياء والمرسلين من الأوّلين والآخرين ، وورث أيضاً ما بقى عنهم من المواريث ، وإليك المواريث الموجودة عند الإمام المهدي عليه‌السلام :

١ ـ عمامة رسول الله وقميصه

روي : « أنّ الإمام المهدي عندما يظهر يكون على رأسه عمامة جدّه صلى‌الله‌عليه‌وآله البيضاء » (١) ، وهكذا يرتدي قميص جدّه الملطّخ بالدماء في معركة اُحد.

كما أشار الإمام الصادق عليه‌السلام إلى ذلك وقال ليعقوب بن شعيب : « ألا اُريك قميص القائم الذي يقوم به ؟

فقلت : بلى.

قال : فدعا بقَمطر ففتحه ، وأخرج منه قميص كرابيس ، فنشره فإذا في كمّه الأيسر دمٌ.

_________________________

(١) عقد الدرر : ٢٧٧.

١٢٢

فقال : هذا قميص رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الذي عليه يوم ضربت رباعيته ، وفيه يقوم القائم.

فقبّلت الدم ووضعته على وجهي ، ثمّ طواه أبو عبدالله عليه‌السلام ورفعه » (١).

٢ ـ درع الرسول وذو فقاره

وأشار الصادق عليه‌السلام إلى أنّ وراثة سلاح الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله من علامات الإمامة. قال الحارث بن المغيرة النصري : « قلت لأبي عبدالله عليه‌السلام : بأي شيء يُعرف الإمام ؟

قال : بالسكينة والوقار.

قلت : وبأيّ شيء ؟

قال : وتعرفه بالحلال والحرام ، وبحاجة النّاس إليه ، ولا يحتاج إلى أحد ، ويكون عنده سلاح رسول الله ... » (٢).

٣ ـ راية رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله

وعنده أيضاً راية النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله التي جاء بها جبرئيل إليه في يوم بدر ، ولمّا رفعت إنتصر المسلمون ، ولقد حمل الإمام أمير المؤمنين ونشرها يوم الجمل ، وقفأ عين الفتنة ، وأصرّ جماعة من الصحابة على رفع تلك الراية يوم صفّين ، ـ فلم يقبل ذلك ، فقال للحسن :

« يا بنيّ ، إنّ للقوم مدّة يبلغونها ، وإنّ هذه الراية لا ينشرها بعدي إلاّ القائم صلوات الله عليه » (٣).

_________________________

(١) الغيبة : ٢٤٣.

(٢) الغيبة : ٢٤٢.

(٣) معجم أحاديث الإمام المهدي عليه‌السلام : ٣ / ٣٨٦.

١٢٣

قال أبو خالد الكابلي : « قال لي عليّ بن الحسين ... كأنّي بصاحبكم قد علا فوق نجفكم بظهر كوفان في ثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً ، جبرئيل عن يمينه ، وميكائيل عن شماله ، وإسرافيل أمامه ، معه راية رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قد نشرها ، لا يهوى بها إلى قوم إلاّ أهلكم الله عزّ وجلّ » (١).

٤ ـ عصى موسى عليه‌السلام

روى الصفّار بسنده عن أبي جعفر الباقر عليه‌السلام ، قال : « كانت عصى موسى لآدم ، فصارت إلى شعيب ، ثمّ صارت إلى موسى بن عمران ، وإنّها لعندنا ، وإنّ عهدي بها آنفاً ، وهي خضراء كهيئتها حين انتزعت من شجرها ، وإنّها لتنطق إذا استُنطقت ، اُعدّت لقائمنا ليصنع كما كان موسى يصنع بها ، وإنّها لتروّع وتلقف ، قال : إنّ رسول الله لما أراد الله أن يقبضه أورث عليّاً علمه وسلاحه ، وما هناك ، ثمّ صار إلى الحسن والحسين ، ثمّ حين قتل الحسين استودعه اُمّ سلمة ، ثمّ قبض بعد ذلك منها.

قال : فقلت : ثمّ صار إلى عليّ بن الحسين ، ثمّ انتهى إليك ؟

قال : نعم » (٢).

٥ ـ حَجر موسى عليه‌السلام

أمّا الصخرة التي ضرب عليها موسى وخرج منها ماءً معيناً ، فهي عند الإمام المهدي عليه‌السلام.

قال الباقر عليه‌السلام : « إذا قام القائم بمكّة وأراد أن يتوجّه إلى الكوفة نادى مناديه :

_________________________

(١) أمالي المفيد : ٤٥. معجم أحاديث الإمام المهدي عليه‌السلام : ٣ / ٢٠١.

(٢) بصائر الدرجات : ١٨٣.

١٢٤

ألا لا يحمل أحد منكم طعاماً ولا شراباً ، ويجمل حجر موسى بن عمران ، وهو وقر بعير ، ولا ينزل منزلاً إلاّ انبعث عين منه ، فمن كان جائعاً شبع ، ومن كان ظمآن روي ، فهو زادهم حتّى ينزلوا النجف من ظهر الكوفة » (١).

٦ ـ تابوت السكينة

وهذا هو ذلك الصندوق الذي أرسله الله تعالى إلى اُمّ موسى ، فوضعت فيه رضيعها وأقته في البحر ، وفي هذا الصندوق وضع فيه موسى عليه‌السلام في آخر أيّام حياته الألواح والسلاح ، وكلّ آثار نبوّته (٢).

فعلى قول بعض الأعلام : « كان في ذلك الصندوق صور أنبياء الله ، وكان يحمله بنو إسرائيل في حروبهم ، وكانوا يرزقون الشهادة ببركته » (٣).

والحجّة القائم عليه‌السلام عندما يظهر يذهب إلى بيت المقدس ، يخرج ذلك التابوت وخاتم سليمان وألواح موسى عليه‌السلام (٤).

٧ ـ مجموعة اُخرى من آثار الأنبياء

روى الصفّار القمّي عن أحمد بن محمّد ، عن عليّ بن الحكم ، عن معاوية بن وهب ، عن سعيد السماك ، قال : « كنت عند أبي عبدالله عليه‌السلام ؛ إذ دخل عليه رجلان من الزيديّة ، فقالا : أفيكم إمام مفترض طاعته ؟

فقال : لا.

_________________________

(١) بصائر الدرجات : ١٨٨.

(٢) الشيعة والرجعة : ١ / ١٦٤.

(٣) المصدر المتقدّم : ١٦٣.

(٤) بصائر الدرجات : ١٧٥.

١٢٥

فقالا له : فأخبرنا عنك الثقات إنّك تعرفه ، ونسمّيهم لك ، وهم فلان وفلان ، وهم أصحاب ورع وتشمير ، وهم ممّن لا يكذّبون.

فغضب أبو عبدالله عليه‌السلام وقال : ما أمرتهم بهذا ، فلمّا رأيا الغضب في وجهه خرجا.

فقال لي : أتعرف هذين ؟

قلت : نعم ، هما من أهل سوقنا من الزيديّة ، وهما يزعمان أنّ سيف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عند عبدالله بن الحسن.

فقال : كذبا لعنهما الله ، ولا والله ما رآه عبدالله بعينه ، ولا بواحد من عينيه ، ولا رآه أبوه ، إلاّ أن راه عند عليّ بن الحسين بن عليّ ، وإن كانا صادقَين فما علامة في مقبضه ، وما لا ترى في موضع مضربه ، وإنّ عندي لسيف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ودرعه ولامته ومغفره ، فإن كانا صادقَين فما علامة في درعة ، وإنّ عندي لراية رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله المغلبة ، وإنّ عندي ألواح موسى وعصاه ، وإنّ عندي لخاتم سليمان بن داود ، وإنّ عندي الطست الذي كان يقرّب بها موسى القربان ، وإنّ عندي الإسم الذي كان إذا أراد رسول الله أن يضعه بين المسلمين والمشركين لم يصل من المشركين إلى المسلمين نشّابة ، وإنّ عندي التابوت التي جاءت به الملائكة تحمله ، ومثل السلاح فينا مثل التابوت في بني إسرائيل أهل بيت وقف التابوت على باب دارهم اُوتوا النبوّة كذلك ، ومن صار إليه السلاح منّا اُوتي الإمامة ، ولقد لبس أبي درع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فخطّت على أرض خطيطاً ، ولبستها أنا فكانت ، وقائمنا ممّن إذا لبسها ملأها إن شاء الله » (١).

واُشير أيضاً في بعض الأحاديث إلى آثار اُخرى ، كما عن الصادق وغيره من

_________________________

(١) بصائر الدرجات : ١٧٤.

١٢٦

المعصومين ، مثل : درع رسول الله ولواه (١) ، وقميص آدم (٢) ، وكتب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله (٣) ، ونعل رسول الله (٤) ، وخاتم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله (٥) ، والجفنة التي اُهديت إلى رسول الله ملأ لحم وثريد (٦) ، وقميص إبراهيم ويوسف (٧) ، وإن كلّ ذلك موجود ومذخور عند قائم آل محمّد عليهم‌السلام.

٨ ـ الكتب السماويّة

لقد وصلت جميع الكتب السماويّة إلى يد العترة الطاهرة عن طريق الرسول الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وجميعها موجودة الآن عند آخر الذخائر الإلهيّة ، أي الحجّة القائم المهدي عليه‌السلام.

وسيأتي بكلّ ذلك عندما يخرج من وراء ستار الغيبة.

قال الصادق عليه‌السلام لأبي بصير : « يا أبا محمّد ، إنّ الله لم يعط الأنبياء شيئاً إلاّ وقد أعطى محمّداً صلى‌الله‌عليه‌وآله جميع ما أعطى الأنبياء ، وعندنا الصحف التي قال الله : ( صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ ) (٨).

قلت : جعلت فداك ، وهي الألواح ؟

قال : نعم » (٩).

_________________________

(١) و (٢) بصائر الدرجات : ١٧٨.

(٣) المصدر المتقدّم : ١٨٠.

(٤) و (٥) المصدر المتقدّم : ١٨٢.

(٦) المصدر المتقدّم : ١٨٥.

(٧) المصدر المتقدّم : ١٨٩.

(٨) الأعلى (٨٧) : ١٩.

(٩) بصائر الدرجات : ١٣٦.

١٢٧

٩ ـ القرآن الذي جمعه عليّ عليه‌السلام

لمّا ارتحل النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله بقي عليّ عليه‌السلام حليف البيت يجمع القرآن بأمر منه ، ولمّا فرغ من جمعه حمل القرآن إلى المسجد وعرضه على أبي بكر ، فقال له عمر : يا عليّ ، اردده فلا حاجة لنا به ، فأخذه عليه‌السلام وانصرف ...

فلمّا استخلف عمر سأل عليّاً أن يدفع إليهم القرآن ... فقال : يا أبا الحسن ، إن جئت بالقرآن الذي كنت قد جئت به إلى أبي بكر حتّى نجتمع عليه.

فقال عليه‌السلام : هيهات ، ليس إلى ذلك سبيل ، إنّما جئت به ليقوم الحجّة عليكم ، ولا تقولوا يوم القيامة : إنّا كنّا عن هذا غافلين ، أو تقولوا : ما جئتنا به ، إنّ القرآن الذي عنده لا يمسّه إلاّ المطهّرون والأوصياء من ولدي.

قال عمر : فهل لإظهاره وقت معلوم ؟

فقال : نعم ، إذا قام القائم من ولدي يظهر ويحمل النّاس عليه فتجري السنّة ... » (١).

وعنده أيضاً جميع آثار المعصومين وكتبهم ، كالصحيفة الجامعة (٢) التي هي بإملاء رسول الله ، وخطّ الإمام أمير المؤمنين ، وكتاب عليّ (٣) ، ومصحف فاطمة (٤) ، والجفر الأبيض (٥) ، والجفر الأحمر (٦) ، والصحيفة التي فيها أسماء جميع الأنبياء

_________________________

(١) الشيعة والرجعة : ١ / ٤١٨.

(٢) بصائر الدرجات : ١٤٢.

(٣) المصدر المتقدّم : ١٤٧.

(٤) و (٦) المصدر المتقدّم : ١٥١.

(٥) معجم أحاديث الإمام المهدي عليه‌السلام :

١٢٨

والملوك (١) ، وأتباع أهل البيت ، وغير ذلك (٢) ، وقد تصدّى الصفّار القمّي رحمه‌الله لجمع هذه الروايات والأحاديث عن النبيّ وأهل البيت في كتابه بصائر الدرجات ، فراجع.

وقفة قصيرة : فإن قيل : فما فائدة هذه المواريث التي عند الإمام المهدي عليه‌السلام ؟

قلنا : لقد مرّ عليك أنّ بعض هذه المواريث يستخدمه القائم عليه‌السلام عندما يظهر للغلبة والنصر على الأعداء كما استخدمه النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله والإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام للغلبة على الأعداء في بدر ، ولإطفاء نار الحرب في الجمل ، وهي الراية التي جاء بها جبرئيل إلى رسول الله في غزوة بدر. وهكذا شأن تابوت السكينة الذي كان مع بني إسرائيل للغلبة على الأعداء ، وحجر موسى عليه‌السلام.

وتدلّ هذه المواريث أيضاً على إمامته ، حيث كانت كلّها بيد من تقدّمه من الأئمّة الهداة ، تدلّ أيضاً تقدّمه على سائر النّاس في زمانه. فلو علم اليهود ـ مثلاً ـ أنّ عنده عصا موسى وألواحه وتابوت السكينة وغيرها من آثار الأنبياء ، وخصوصاً آثار موسى عليه‌السلام لآمنوا به ، وتركوا الحرب والتخاصم معه.

وهكذا لو علمت النصارى بنزول عيسى إلى الأرض ، وكسره الصليب ، وصلاته خلف المهدي عليه‌السلام لآمن به أكثرهم إلاّ ما شذّ وندر.

ولو قيل : إنّه مرّ علينا أنّ عصا موسى عند الإمام المهدي عليه‌السلام ، وهي خضراء كهيئتها ، فكيف يمكن أن تبقى هذه العصا خضراء وقد مرّ عليها آلاف من السنين ولم تتغيّر.

_________________________

(١) معجم أحاديث الإمام المهدي عليه‌السلام : ١٦٩.

(٢) المصدر المتقدّم : ١٧١.

١٢٩

قلنا : إنّ الله لمّا أمات الذي مرّ على قرية وهي خاوية على عروشها ، فقال : أنّى يحيي هذه الله بعد موتها ، وأحياه الله بعد مائة عام ، قال له : فانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنّه ، أي لقد مرّ على طعامك وشرابك هذه الأعوام ولم يتغيّر طعمه ولا لونه ولا رائحته.

فما هو جوابك في هذا المقام ، فكان الجواب هو الجواب.

١٣٠

Description: F:Book-LibraryENDQUEUEEmam-Mahdi-Mosleh-Alamiimagesimage010.gif

١٣١
١٣٢



تتميّز حكومة الإمام المهدي الكريمة بمميّزات خاصّة كما صرّحت بذلك الروايات ، وأنّه لا توجد دولة إلى الآن ، سواء كانت على حقّ أو باطل ، فيها هذه المميّزات ، وأنّ لله عزّ وجلّ قد جعل كلّ مظاهر الجمال في حكومة ذخيرته في آخر الزمان.

وسنبحث في هذا الفصل حول التغييرات العظيمة في ذلك اليوم ، وما يحصل في ذلك اليوم من أحداث غريبة ، ومعاجز عجيبة على يد المهدي عليه‌السلام ، من نزول عيسى من السماء وكشفه عن خزائن الدنيا ، ورجوع الأنبياء ، وإحياء بعض الأموات إلى الدنيا.

السؤال الثاني والثلاثون :

هل إنّ حكومة المهدي عليه‌السلام عالميّة ؟

الجواب : تحدّث القرآن الكريم عن عالميّة الدين الإسلامي بقوله : ( هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ) (١).

والجدير بالذكر أنّ الإسلام إلى اليوم لم يظهر على كلّ الأديان ، وأنّ الوعد الإلهي لمّا لم يتخلّف سوف يأتي ذلك اليوم الذي يعم هذا الدين على كلّ العالم.

_________________________

(١) التوبة (٩) : ٣٣.

١٣٣

ولا يتحقّق هذا الوعد إلاّ بظهور المنتظر (عج) عندما يؤسّس الحكومة العالميّة ، ويطبّق الدين الإسلامي في أنحاء العالم ، كما وعد الله عزّ وجلّ.

وورد أيضاً في القرآن الكريم حول وراثة الصالحين من عباده للأرض فقال : ( وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ ) (١).

فمع العلمم أنّ هذا الوعد لم يتحقّق بعد ، ستكون هذه الوراثة على يد الإمام المهدي كما نبّهت بذلك الأحاديث الإسلاميّة (٢).

قال الصادق عليه‌السلام في تفسير قوله تعالى : ( وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا ) (٣) : « إذا قام القائم لا تبقى أرض إلاّ نودي فيها شهادة أن لا إلٰه إلاّ الله » (٤).

تظافرت الروايات عن النبيّ والأئمّة على أنّ المهدي عليه‌السلام سيملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما ملئت ظلماً وجوراً ، حيث أكّد على كلمة الأرض لا غير.

فبالنتيجة : أنّ الآيات تؤكّد على حكومته العالميّة من خلال تطبيق الدين ووراثة الصالحين على جميع الأرض ، وروايات الخاصّة والعامّة تؤكّد على هذا المعنى.

قال الباقر عليه‌السلام مؤكّداً هذا المعنى : « يفتح الله له شرق الأرض وغربها » (٥) ، ويشهد بذلك أيضاً ما ورد من شمول دولته عليه‌السلام بلاد الحجاز ، وايران ، والعراق ، والشام ، والروم ، وقسطنطينيّة ، وأرمينية والصين وغيرها من دول العالم ، فلا شكّ أنّ هذه

_________________________

(١) الأنبياء (٢١) : ١٠٥.

(٢) تفسير القمّي : ٢ / ٧٧.

(٣) آل عمران (٣) : ٨٣.

(٤) تفسير العيّاشي : ١ / ١٨٣. بحار الأنوار : ٥٣ / ٣٤٠.

(٥) بحار الأنوار : ٥٢ / ٢٩١.

١٣٤

الدول الكبرى كانت تشكّل ثلاثة أرباع العالم في عصر الروايات.

السؤال الثالث والثلاثون :

ما هو اليوم الذي سيظهر فيه الإمام المهدي عليه‌السلام ؟

الجواب : فيه ثلاثة أقوال ، وإن كان من المعروف أنّه سيظهر في يوم الجمعة.

القول الأوّل : يوم الجمعة ، فروى الصدوق في الخصال عن الصادق عليه‌السلام ، قال : « يخرج قائمنا أهل البيت يوم الجمعة » (١).

القول الثاني : يوم السبت ، روى الصدوق في كمال الدين عن الباقر عليه‌السلام ، قال : « يخرج القائم يوم السبت ، يوم عاشوراء ، اليوم الذي قُتل فيه الحسين » (٢).

القول الثالث : يوم عاشوراء ، روى الطوسي بسنده عن الصادق عليه‌السلام : « إنّ القائم صلوات الله عليه ينادي باسمه ليلة ثلاث وعشرين ، ويقوم يوم عاشوراء ، يوم قُتل فيه الحسين بن عليّ عليهما‌السلام » (٣).

فيمكن الجمع بين ما تقدم من الروايات بأنّ الإمام المهدي عليه‌السلام سيظهر في يوم الجمعة ، ويقوم في يوم السبت ، ويشهد بذلك ما روي من أنّ الإمام بعد ما يظهر بمكّة يذهب إلى المدينة ، فلمّا يسمع السفياني بخروج الإمام يرسل جيشاً لمحاربة الإمام ، فيخرج منها خائفاً قاصداً إلى مكّة ، ثمّ تبدأ نهضته عليه‌السلام وإن لم يصرّح بأنّه متى يخرج للمرّة الثانية ، وفي أي يوم يكون.

هذا إذا لم نرجّح ظهور الإمام في يوم عاشوراء ، وإلاّ فعلينا أن نعرف في أيّ

_________________________

(١) الخصال : ٢ / ٣٩٤.

(٢) كمال الدين : ٢ / ٦٥٣. تهذيب الأحكام : ٤ / ٣٣٣.

(٣) بحار الأنوار : ٥٢ / ٢٩٠ ، عن الطوسي في الغيبة.

١٣٥

يوم استشهد الإمام الحسين عليه‌السلام ، وعلى أساس ذلك يمكن التعيين في أنّه يوم الجمعة أو يوم السبت ، ويبدو في نظري القاصر أنّ ظهور الإمام سيكون يوم السبت ؛ لأنّ الإمام عليه‌السلام قُتل في يوم السبت.

وثانياً إنّ الذين صرّحوا على أنّه يكون في يوم السبت ، والذين قالوا بيوم عاشوراء يعتقدون أنّ خروجه سيكون في يوم السبت.

ويشهد بذلك تطبيق الإمام يوم عاشوراء وهو يوم خروج الإمام المهدي عليه‌السلام على يوم السبت.

قال الباقر عليه‌السلام : « كأنّي بالقائم يوم عاشوراء يوم السبت قائماً بين الركن والمقام ، بين يديه جبرئيل وينادي البيعة لله ، فيملأها عدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً » (١).

وقال الصادق عليه‌السلام : « ويقوم يوم عاشوراء ، وهو اليوم الذي قُتل فيه الحسين بن عليّ ، لكأنّي في يوم السبت العاشر من المحرّم » (٢).

السؤال الرابع والثلاثون :

كم يعيش المهدي عليه‌السلام عندما يظهر ؟

الجواب : إختلف الروايات في مدّة بقاء المهدي بعد الظهور ، فهذه المدّة غير معلومة بالضبط ، فقيل أربعين يوماً (٣) ، وقيل : سبع سنوات (٤) ، وقيل :

_________________________

(١) كتاب الغيبة : ٤٥٣.

(٢) الإرشاد : ٢٤١. إعلام الورى : ٤٣١.

(٣) الفتوحات المكّيّة : ٣ / ٣١.

(٤) ينابيع المودّة : ٣٣١.

١٣٦

ثماني سنوات (١) ، وقيل : تسع سنوات (٢) ، وقيل : عشر سنوات (٣) ، وقيل : إحدى عشر سنة (٤) ، وقيل : تسعة عشر سنة (٥) ، وقيل : عشرون سنة (٦) ، وقيل : ثلاثمائة وتسع سنين (٧).

قال بعض الأعلام : « وهذه الأقوال بظاهرها متناقضة لا يعتمد على شيء منها » (٨).

وربّما ترجّح رواية السبع على بقيّة الأقوال لكونها مكرّرة في روايات السنّة والشيعة ، ومطابقة لما ورد عن الباقر والصادق من التأكيد على قول السبع سنوات ، وتأييد بعض الأعلام ، كالمفيد في الإرشاد ، على أظهريّة رواية السبع على بقيّة الروايات.

قال الصادق عليه‌السلام : « يملك القائم سبع سنين تكون سبعين سنة من سنيّكم هذه » (٩).

ربّما يستغرب القارئ من إطالة السبع سنين إلى سبعين سنة ، ولكم لا غرابة بعد أن عرفنا بأن هذه الأمر غيبي.

وقد ذكر ذلك الإمام الباقر عليه‌السلام لأبي بصير حينما استغرب أبو بصير وتعجّب

_________________________

(١ ـ ٣) الشيعة والرجعة : ١ / ٢٢٤.

(٤) الغيبة : ٣٣١.

(٥) الإرشاد : ٣٤٥.

(٦) الغيبة : ١٨١.

(٧) بحار الأنوار : ٥٢ / ٢٩١.

(٨) الشيعة والرجعة : ١ / ٢٢٥.

(٩) منتخب الأنوار المضيئة : ١٩٥.

١٣٧

لما قال عليه‌السلام : « إنّ كلّ سنة يمكث مقدار عشر سنوات ، وقال : كيف تطول السنون ؟

قال عليه‌السلام : يأمر الله تعالى الفلك باللبوث وقلّة الحركة.

قال : قالت له : إنّهم يقولون : إنّ الفلك إن تغيّر فسد ؟

قال عليه‌السلام : ذاك قول الزنادقة ، وأمّا المسلمون فلا سبيل لهم إلى ذلك ، وقد شقّ الله القمر لنبيّه ، وردّ الشمس ليوشع بن نون ، وأخبر بطول القيامة ، وأنّه كألف سنة ممّا تعدوّن » (١).

وأجاب الشيخ المفيد على بعض الشبهات بعد تأييده لرواية السبع قائلاً : لقد روي أنّ مدّة حكومة القائم عليه‌السلام تسعة عشر سنة ، ولكنّها سنين طويلة أيّامها وأشهرها ، وهذا أمرٌ غيبي لا يمكننا الإحاطة به ، ولكم كذا وردت الروايات عندنا ، ولهذا لا يمكننا أن نجزم ونقطع شيء واحد ، وإن كانت رواية السبع سنين أظهر (٢).

السؤال الخامس والثلاثون :

أين يسكن الإمام المهدي عليه‌السلام ؟

الجواب : سكن الإمام عليه‌السلام من حين ولد إلى اليوم وحين الظهور في أماكن خاصّة ، وإليك ما وصل إلينا حول سكنه بحسب الفترات الزمنيّه التي عاش فيها :

١ ـ الفترة التي قبل غيبته

لا شكّ أنّ الحجّة القائم المهدي عليه‌السلام ولد في مدينة سامراء ، ولقد بقي هناك إلى

_________________________

(١) الشيعة والرجعة : ١ / ٢٢٥.

(٢) الإرشاد : ٣٤٥.

١٣٨

يوم استشهاد والده الكريم الإمام الحسن العسكري عليه‌السلام. وقد رأته حكيمة عمّة الإمام العسكري في نفس الدار التي ولد فيها ، ورآه أحمد بن إسحاق (١) وغيره (٢) هناك ، ورآه أيضاً أبو الأديان وجعفر الكذّاب في نفس الدار بعد استشهاد الإمام العسكري عليه‌السلام ، حيث صلّى على والده الكريم.

وإنّ طلب الإمام عليه‌السلام من والدته المعروفة بالجدّة أن تذهب به إلى المدينة بسنة قبل وفاته عليه‌السلام (٣).

٢ ـ فترة الغيبة الصغرى

لم نعثر في رواياتنا على سكن معروف بعينه للإمام المهدي عليه‌السلام في هذه الفترة ، أي الغيبة الصغرى ، التي استمرّت حوالي ٧٤ سنة ، رغم وجود بيت والده الكريم الإمام العسكري عليه‌السلام في سامراء.

فالإمام المهدي وإن شوهد في الدار ولكن لم يدلّ أي دليل على أنّه كان ساكناً بها. روى الشيخ الطوسي عن جماعة ، عن جعفر بن محمّد بن قولويه وغيره ، عن محمّد بن يعقوب الكليني ، عن عليّ بن قيس ، عن بعض جلاوزة السواد ، قال : « شهدت نسيماً آنفاً بسرّ من رأى وقد كسر باب الدار ، فخرج إليه وبيده طبرزين ، فقال : ما تصنع في داري ؟

قال نسيم : إنّ جعفراً زعم أنّ أباك مضى ولا ولد له ، فإن كانت دارك فقد انصرفت عنك ، فخرج عن الدار » (٤) ، ويبدو أنّه كان يسكن في العراق وإن

_________________________

(١) بشارة الإسلام : ١٦٧.

(٢) كتال الغيبة : ١٦٥.

(٣) راجع : حياة الإمام العسكري عليه‌السلام : ٢٤٢.

(٤) كتاب الغيبة : ١٦١.

١٣٩

لم يثبت ذلك أيضاً : لأنّ نوّابه الأربعة كانوا على اتّصال دائم معه ، وحيث أنّهم كانوا يسكنون في العراق ، وعلى الخصوص مدينة بغداد ، ومن استلامهم لرسائل النّاس وحملها إلى الإمام ، والحصول على أجوبتها يمكن الحدس بأنّ سكنه كان في مكان بحيث يسهل على نوّابه اللقاء به ، فلهذا كان مكانه معروفاً لدى النوّاب الأربعة فقط لا غير.

فعن إسحاق بن عمّار ، قال : « سمعت أبا عبدالله جعفر بن محمّد عليهما‌السلام يقول : للقائم غيبتان ، احداهما طويلة والإخرى قصيرة ، فالاُولى يعلم بمكانه فيها خاصّة من شيعته ، والاُخرى لا يعلم بمكانه فيها إلاّ خاصّة مواليه في دينه » (١).

ويشهد أيضاً أنّه لم يختار سكناً معيّناً في الغيبة الصغرى ، ما رواه الكليني مرفوعاً عن الزهري ، قال : « طلبت هذا الأمر طلباً شاقّاً حتّى ذهب لي فيه مال صالح ، فرفعت إلى العمري وخدمته ولزمته وسألته بعد ذلك عن صاحب الزمان ، فقال لي : ليس إلى ذلك وصول ، فخضعت فقال لي : بكّر بالغداة ، فوافيت فاستقبلني معه شاب من أحسن النّاس وجهاً ، وأطيبهم رائحة بهيئة التجّار ، وفي كمّه شيء كهيئة التجّار ، فلمّا نظرت إليه دنوت من العمري فأومأ إليَّ فعدلت إليه وسألته ، فأجابني عن كلّ ما أردت ، ثمّ مرّ ليدخل الدار ـ وكانت من الدور التي لا يكترث لها ـ فقال العمري : إن أردت أن تسأل سل ، فإنّك لا تراه بعد ذا ، فذهبت لأسأل فلم يسمع ، ودخل الدار ، وما كلّمني بأكثر من أن قال : ملعون ملعون من أخّر العشاء إلى أن تشتبك النجوم ، ملعون من أخّر الغداة إلى أن تنقضي النجوم ودخل الدار » (٢) ، وعدم الاكتراث ، أي عدم الاعتناء بها.

_________________________

(١) بحار الأنوار : ٥٢ / ١٥٥.

(٢) كتاب الغيبة : ١٦٤.

١٤٠