الإمام المهدي المصلح العالمي المنتظر

الشيخ محمّد جواد الطبسي

الإمام المهدي المصلح العالمي المنتظر

المؤلف:

الشيخ محمّد جواد الطبسي


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار الهدى
المطبعة: الظهور
الطبعة: ٢
ISBN: 978-964-497-086-3
الصفحات: ٢١٦
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة



لا ريب أنّ الإمام المهدي المنتظر عليه‌السلام غنيّ عن تعريفنا أو تعريف أحد من الخلق غير المعصومين ، حيث وصفوه بأحسن ما يكون ، فالذي يكون أكثر إشراقاً من الشمس ، وأضوءَ من السماء المظلمة لا يحتاج إلى توصيفه بعد أن وصفه الله بأنّه بقيّة الله ، وحجّته على الأرض ، وخليفته على خلقه ، وذخيرته على عباده.

فهذه الشخصيّة العظيمة لها مميّزاتها الذاتيّة الخاصّة بها ، والتي قد لا توجد في غيرة من المعصومين عليهم‌السلام ، ويختصّ هذا الفصل بذكر هذه المميّزات.

السؤال الرابع والعشرون :

لماذا يقوم النّاس حينما يسمعون باسم قائم آل محمّد (عج) ؟

الجواب : لا شكّ أنّ هذه السيرة الحسنة الموجودة والمتداولة بين الشيعة الإماميّة وما زالت مستمرّة إلى الآن متّخذة عن المعصومين عليهم‌السلام ، فإنّهم عملوا ذلك تعظيماً لبقيّة الله وحجّته ، وإن لم يولد بعد ، وطلبوا منّا كذلك تعظيماً واحتراماً له ، وعلى رأي الميرزا النوري رحمه‌الله ، هذا يكشف عن وجود مأخذ لذلك ، وإن لم نعثر عليه.

ثمّ قال : لقد ذكر بعض العلماء نقلاً عن العالم المتبحّر السيّد عبدالله سبط المحدّث الجزائري ، حيث سئل عنه ، وقد أجاب عن ذلك في بعض تصانيفه قائلاً :

١٠١

ففي خبر ورد عن الصادق عليه‌السلام أنّه ذكر إسم المهدي في مجلس كان فيه ، فقام الإمام عليه‌السلام إحتراماً وتعظيماً له (١).

وأيضاً ورد في بعض الروايات : « أنّ دعبل بن عليّ الخزاعي لما دخل على الإمام الرضا عليه‌السلام وقرأ عليه التائيّة المعروفة ، ووصل إلى أبياته التي قالها في المهدي عليه‌السلام (٢) ، وسمع ذلك منه قام الرضا عليه‌السلام قائماً على قدميه ، وطأطأ رأسه منحنياً به إلى الأرض بعد أن وضع كفّه اليمنى على هامته » (٣).

وأضاف الميرزا النوري : « وروي أنّه لما ذكر إسم الحجّة بن الحسن عند الرضا عليه‌السلام قام ووضع كلتا يديه على رأسه ، وقال : اللّهمّ عجّل فرجه ، وسهّل مخرجه » (٤).

وسئل الإمام الصادق عليه‌السلام عن سبب القيام عند ذكر لفظ القائم من ألقاب الحجّة عليه‌السلام ، قال : « لأنّ له غيبة طويلة ، ومن شدّة الرأفة بأحبّته ينظر إلى كلّ من يذكره بهذا اللقب ، فعلى العبد الخاضع لصاحبه أن يقوم عندما ينظر المولى الجليل إليه ، فليقم وليطلب من الله جلّ ذكره وتعجيل فرجه » (٥).

ألّف بعض الأعلام كتباً في هذا الموضوع ، واعتبروه من الاُمور المستحبّة ، ومن جملتهم والدنا المرحوم آية الله الشيخ محمّد رضا الطبسي رحمه‌الله في رسالته ( السيف المشتهر في استحباب القيام عند سماع القائم المنتظر ).

_________________________

(١) النجم الثاقب : ٤٤٤.

(٢) قال دعبل :

خروج إمام لا محالة خارج

يقوم على إسم الله والبركات

يميّز فينا كلّ حقّ وباطل

ويجزي على النعماء والنقمات

(٣ ـ ٥) منتخب الأثر : ٥٠٥.

١٠٢

السؤال الخامس والعشرون :

هل يحرم التصريح باسم الإمام المهدي عليه‌السلام ؟

الجواب : ذكر العلاّمة المجلسي رحمه‌الله في باب خصّه بالنهي عن التسمية ثلاثة عشر رواية عن تسعة من الأئمّة المعصومين في النهي عن تسمية الإمام المهدي باسمه الشريف.

وفي هذه الروايات تصريح لا ينكر على هذا النهي ، حيث قال عليّ عليه‌السلام لعمر بن الخطّاب : « لا اُحدّث باسمه » ، وقال الصادق عليه‌السلام : « لا يحلّ لكم تسميته » ، وقال الكاظم عليه‌السلام : « يحلّ لهم تسميته » ، وقال الرضا عليه‌السلام : « لا يسمّى باسمه » ، وقال الجواد عليه‌السلام : « ويحرم عليهم تسميته » ، وقال الهادي عليه‌السلام : « لا يحلّ ذكره باسمه » ، وقال العسكري عليه‌السلام : « ولا يحلّ لكم ذكره » ، وقال الحجّة القائم عليه‌السلام : « من سمّاني في مجمع من النّاس باسمي فعليه لعنة الله ».

وكما ترى أنّ أكثر هذه الروايات منعت الشيعة من التصريح باسم الإمام المهدي عليه‌السلام ، ففي بعضها لا يحلّ ، وفي بعضها يحرم ، وخصوصاً بملاحظة ما ورد عن الصادق عليه‌السلام حيث قال : « لا يسمّيه با سمه إلا كافر » ، لا نشكّ في عدم جواز ذكر إسمه الصريح ، إن صحّ الإسناد.

ولكن بملاحظة روايات اُخرى التي تصرّح باسم الإمام المهدي المذكور عن لسان المعصومين عليهم‌السلام علينا التأمّل في ذلك.

وأمّا ما روي في النهي عن ذكر إسمه فإليك بعضها :

روي الصدوق عن أبيه وابن الوليد معاً ، عن سعد ، عن اليقطيني ، عن إسماعيل بن أبان ، عن عمرو بن شمر ، عن جابر ، عن أبي جعفر ، قال : « سأل عمر

١٠٣

أمير المؤمنين عليه‌السلام عن المهدي ، فقال : يابن أبي طالب ، أخبرني عن المهدي ما اسمه ؟ قال : أمّا اسمه فلا إن حبيبي وخليلي عهد إليَّ أن لا اُحدّث باسمه حتّى يبعثه الله عز وجلّ ، وهو ممّا استودع الله عزّ وجلّ رسوله في علمه » (١).

وعن النعماني بسنه عن أبي خالد الكابلي ، قال : « لما مضي عليّ بن الحسين دخلت على محمّد بن عليّ الباقر عليه‌السلام ، فقلت : جعلت فداك ، قد عرفت إنقطاعي إلى أبيك ، واُنسي به ، ووحشتي من النّاس.

قال : صدقت يا أبا خالد ، تريد ماذا ؟

قلت : جعلت فداك ، قد وصف لي أبوك صاحب هذا الأمر بصفة لو رأيته في بعض الطرق لأخذت بيده.

قال : فتريد ماذا يا أبا خالد ؟

قال : اُريد أن تسمّيه لي حتّى أعرفه باسمه.

فقال : سألتني والله يا أبا خالد عن سؤال مجهد ، ولقد سألتني عن أمر ما لو كنت محدّثاً به أحداً لحدّثتك ، ولقد سألتني عن أمر لو أنّ بني فاطمة عرفوه حرصوا على أن يقطعوه بضعة بضعة » (٢).

وعن الصادق جعفر بن محمّد عليه‌السلام أنّه قال : « المهدي من ولدي ، الخامس من ولد السابع ، يغيب عنكم شخصه ، ولا يحلّ لكم تسميته » (٣).

وقال الإمام موسى بن جعفر عليه‌السلام : « يخفى على النّاس ولادته ، ولا يحلّ لهم

_________________________

(١) بحارالأنوار : ٥١ / ٣٣.

(٢) المصدر المتقدّم : ٣١.

(٣) المصدر المتقدّم : ٣٢.

١٠٤

تسميته حتّى يظهره الله عزّوجلّ ، فيملأ به الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً » (١).

وعن المهدي عليه‌السلام كما في توقيع خرج عنه : « ملعون ملعون من سمّاني في محفل من النّاس » (٢).

فعلى أساس ما مرّ عليك ، علينا أن نعرف ما هو هدف المعصومين عليهم‌السلام من النهي عن ذكر إسم المهدي عليه‌السلام ، فهل كان نظر هم يختصّ بزمان معيّن وضمن شروط خاصّة ؟

فبعض الأعلام مثل الشيخ الصدوق والعلاّمة المجلسي رحمه‌الله قد نهوا عن التصريح باسم الإمام عليه‌السلام إعتماداً على ما سبق من الأحاديث ، من دون إختصاصهم بزمان دون زمان.

فقال الصدوق عند ذكر أخبار اللوح المصرّح باسم المهدي : « جاء هذا الحديث هكذا بتسمية القائم عليه‌السلام ، والذي أذهب إليه النهي عن تسميته عليه‌السلام » (٣).

وقال مجلسي رحمه‌الله في شرحه لرواية الإمام موسى بن جعفر عليه‌السلام : « هذه التحديدات مصرّحة في قول من خصّ ذلك بزمان الغيبة الصغرى تعويلاً على بعض العلل المستنبطة والاستبعادات الوهميّة (٤).

ولعلّ منع الأئمّة من ذكر إسم المهدي عليه‌السلام يرجع إلى زمان خاصّ ، حيث أرادوا من ستر إسم المهدي أن يحفظوا شيعتهم من خطر الحوادث ، وعلى الأقلّ حفظ النوّاب الأربعة من تعرّض الأعداء ، ويستشهد بالتوقيع الذي خرج عنه عليه‌السلام بقوله :

_________________________

(١) بحار الأنوار : ٥١ / ٣٢

(٢ ـ ٤) المصدر المتقدّم : ٣٣.

١٠٥

« ملعون ملعون من سمّاني في محفل من النّاس » (١) ، فمن الممكن أنّ كلمة النّاس في هذا التوقيع الصادر عنه عليه‌السلام هو أعداء أهل البيت.

نعم ، لو كانت هذه المكاتبة صدرت عنه في الغيبة الكبرى ، كالتوقيع الذي صدر من الناحية المقدّسة إلى المفيد رحمه‌الله لقلنا بمقالة الشيخ الصدوق والمجلسي في النهي عن التصريح بذكر اسمه المبارك ، ولكن كما تعلم أنّ هذه المكاتبة صدرت في الغيبة الصغرى. فمع غضّ النظر عن كلّ هذه الاحتمالات نقول : إنّ هذه الروايات وإن صدرت قبل ولادة الإمام المهدي عليه‌السلام ، ولكن هي ناظرة إلى زمان خاصّ وهي الغيبة الصغرى.

فإن كان الأمر غير ذلك ، فلماذا جاء التصريح باسم الإمام المهدي في روايات الأئمّة الإثني عشر ، وعلى الخصوص الحديث الذي يرويه جابر بن عبدالله الأنصاري عن فاطمة بنت رسول الله ، المعروف بحديث اللوح (٢) ، حيث ذكر في هذا الحديث أسماء الأئمّة الاثني عشر ، ومن جملتهم ذكر إسم الإمام المهدي عليه‌السلام ، منها : ما قاله النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله لسلمان الفارسي ، فقال : « ثمّ ابنه محمّد بن الحسن المهدي القائم بأمر الله » (٣).

وهكذا صرّح بعض أئمّة أهل البيت باسم الإمام المهدي ، ومنهم الإمام الحسن العسكري عليه‌السلام ، حيث قال لجاريته : « ستحملين ذكراً ، واسمه محمّد ، وهو القائم من بعدي » (٤) ، أو لمّا سئل عنه عليه‌السلام : فمن الحجّة والإمام بعدك ؟ فقال : « ابني

_________________________

(١) بحارالأنوار : ٥١ / ٣٣.

(٢) كمال الدين : ١ / ٤٢٣.

(٣) دلائل الإمامة : ٢٣٧.

(٤) بحار الأنوار : ٥١ / ٢.

١٠٦

محمّد ، وهو الإمام والحجّة بعدي » (١).

ممّا يقوّي الظنّ أنّ هذا النهي ورد في إفشاء السرّ بولادته في زمان خاصّ ، فلو كان هذا التصريح غير جائز فلماذا صرّح النبيّ في عدد كثير من الروايات كما سبق ، ولماذا قال : « اسمه اسمي » ، ولعلّ الهدف كان من ذلك أن نستخدم ألقاب الإمام فقط ، كالمهدي وحجّة والقائم وبقيّة الله وغير ذلك ، كما صرّح به الإمام الحسن العسكري لأبي هاشم الجعفري لمّا قال له : فكيف نذكره ؟

فقال : « قولوا : الحجّة من آل محمّد صلوات الله عليهم » (٢).

السؤال السادس والعشرون :

لماذا لقّب الإمام المهدي بالمنتقم ؟

الجواب : لقد اشتهر كلّ واحد من المعصومين عليهم‌السلام بلقب خاصّ ، مثلاً : لقّب الإمام عليّ بن أبي طالب بأمير المؤمنين ، اشتهر الإمام الحسين عليه‌السلام بسيّد الشهداء ، ولهذه الألقاب أصل روائي ، وأطلق الأئمّة في بعض الأحاديث لقب المنتقم على المهدي المنتظر عليه‌السلام ، بل الله عزّ وجلّ لقّب وليّه بهذا اللقب ، كما ورد في حديث المعراج عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : « قال عزّ وجلّ : إرفع رأسك ، فرفعت رأسي ، فإذا بأنوار عليّ وفاطمة والحسن والحسين ، وعليّ بن حسين ، ومحمّد بن عليّ ، وجعفر بن محمّد ، وموسى بن جعفر ، وعليّ بن موسى ، ومحمّد بن عليّ ، وعليّ بن محمّد ، والحسن بن عليّ ، ومحمّد بن الحسن القائم في وسطهم كأنّه كوكب درّيّ.

_________________________

(١) كمال الدين : ٢ / ٤٠٩.

(٢) مستدرك الوسائل : ١٢ / ٢٨٤.

١٠٧

فقلت : يا ربّ ، من هؤلاء ؟

قال : هؤلاء الأئمّة ، وهذا القائم الذي يحلّ حلالي ، ويحرّم حرامي ، وبه أنتقم من أعدائي ، وهو راحة لأوليائي ، وهو الذي يشفي قلوب شيعتك من الظالمين والجاحدين والكافرين » (١).

قالت عائشة : « كانت لنا مشربة ، وكان النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله إذا أراد لقاء جبرئيل عليه‌السلام لقيه فيها ، فلقيه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله مرّة فيها ، وأمرني أن لا يصعد إليه أحد ، فدخل عليه الحسين بن عليّ عليهما‌السلام ، فقال جبرئيل : من هذا ؟

فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ابني ، فأخذه النبيّ فأجلسه على فخذه.

فقال له جبرئيل : أما إنّه سيُقتل.

فقال رسول الله : ومن يقتله ؟ قال : اُمّتك تقتله.

قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : تقتله ؟!

قال : نعم ، وإن شئت أخبرتك بالأرض التي يُقتل فيها ، وأشار إلى الطفّ بالعراق ، وأخذ منه تربة حمراء فأراه إيّاها ، وقال : هذه من مصرعه ، فبكى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال له جبرئيل : يا رسول الله ، لا تبك ، فسوف ينتقم الله منهم بقائمكم أهل البيت.

فقال رسول الله : حبيبي جبرئيل ، ومن قائمنا أهل البيت ؟

قال : هو التاسع من ولد الحسين » (٢).

وقال الباقر عليه‌السلام في قوله تعالى : ( وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا

_________________________

(١) كفاية الأثر : ١٥٣. كمال الدين : ١ / ٢٥٣. عيون أخبار الرضا عليه‌السلام : ١ / ٥٨. إثبات الهداة : ١ / ٦٤٨.

(٢) كفاية الأثر : ١٨٧.

١٠٨

فَلَا يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنصُورًا ) (١) ، قال : « هو الحسين بن عليّ عليه‌السلام قتل مظلوماً ، ونحن أولياؤه ، والقائم منّا قام منّا طلب بثار الحسين ، فيقتل حتّى يقال : قد أسرف في القتل والقرآن يقول : ( فلا يسرف في القتل ) » (٢).

فتلخّص أنّ الإمام إنّما سمّي منتقماً لأنّه ينتقم من أعداء الله ورسوله والأئمّة ، وخصوصاً من قاتلي الإمام الحسين عليه‌السلام.

قال الصادق في تفسير الآية المشار إليها : « إنّما نزلت في الحسين عليه‌السلام لو قتل وليّه أهل الأرض به ما كان سرفاً » (٣).

السؤال السابع والعشرون :

ممّن سينتقم الإمام المهدي عليه‌السلام حينما يظهر ؟

الجواب : لقد اتّضح ممّا سبق أنّ الإمام الحجّة عليه‌السلام سوف ينتقم من أعداء الله والرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله والأئمّة عليهم‌السلام ، وعلى الخصوص من قتلة الإمام الحسين بن عليّ عليهما‌السلام ، أمّا كيف يمكن أن نتصوّر هكذا انتقام ، مع العلم أنّ قتلة جدّة الحسين قد مرّ على موتهم مئات من السنين.

ومن الممكن ان نتصوّر هذا الإنتقام بالبيان الآتي :

١ ـ إنّ الله تعالى سوف يحييهم ثمّ ينتقم منهم.

٢ ـ إنّ الإمام المهدي سينتقم من أحفاد قتلة الإمام الحسين عليه‌السلام ، وإن كان بينهم وبين أجدادهم الذين قتلوا الحسين عشرات الأظهر ، ولكن ذلك الإنتقام

_________________________

(١) الإسراء (١٧) : ٣٣.

(٢) تفسير العيّاشي : ٢ / ٢٩٠.

(٣) الكافي : ٨ / ٢٥٥.تأول الآيات : ١ / ٢٨٠.كامل الزيارات : ٦٣.

١٠٩

سيكون بدليل : أنّ هؤلاء راضون بأفعال أجدادهم ، فلهذه العلّة سيشملهم إنتقام الحجّة عليه‌السلام ، وإن مضى على واقعة كربلاء أكثر من ألف سنة مثلاً.

قال الصادق عليه‌السلام في تفسير قوله تعالى : ( وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ ) ، قال : « ذلك قائم آل محمّد يخرج فيقتل بدم الحسين بن عليّ ... ، ثمّ قال أبو عبدالله عليه‌السلام : يقتل والله ذراري قتلة الحسين بفعال آباءهم » (١).

وعن الصدوق في العلل والعيون ، عن عليّ ، عن أبيه ، عن الهروي ، قال : « قلت لأبي الحسن الرضا عليه‌السلام : يابن رسول الله ، ما تقول في حديث روي عن الصادق أنّه قال : إذا خرج القائم قتل ذراري قتلة الحسين عليه‌السلام بفعال آبائها ؟

فقال : هو كذلك.

فقلت : وقول الله عزّ وجلّ : ( وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ ) (٢) ؟!

قال : صدق الله في جميع أقواله ، ولكن ذراري قتلة الحسين يرضون بفعال آبائهم ، ويفتخرون بها ، ومن رضي شيئاً كان كمن أتاه ، ولو أنّ رجلاً قتل بالمشرق فرضى بقتله رجل في المغرب ، لكان الراضي عند الله عزّ وجلّ شريك القاتل ، وإنّما يقتلهم القائم عليه‌السلام إذا خرج لرضاهم بفعل آباءهم.

قال : قلت له : بأي شيء يبدأ القائم منكم إذا قام ؟

قال : يبده ببني شيبة ، فيقطع أيديهم ؛ لأنّهم سرّاق بيت الله عزّ وجلّ » (٣).

وممّا يشهد بأنّه عليه‌السلام ينتقم من الجبّارين ما روي عن الصادق عليه‌السلام في ذيل

_________________________

(١) كامل الزيارة : ٦٣. بحار الأنوار : ٤٥ / ٢٩٨.

(٢) الأنعام (٦) : ١٦٤. الإسراء (١٧) : ١٥ ، فاطر (٣٥) : ١٨. الزمر (٣٩) : ٧.

(٣) بحار الأنوار : ٥٢ / ٣١٢.عيون أخبار الرضا عليه‌السلام : ٢ / ٣٤٧.

١١٠

قوله تعالى : ( إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا * وَأَكِيدُ كَيْدًا * فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا ) (١) ، قال : « ما له قوّة يقوى بها على خالقه ، ولا ناصر من الله ينصره إن أراد سوءاً.

قلت : إنّهم يكيدون كيداً ؟

قال : كادوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وكادوا عليه‌السلام ، وكادوا فاطمة عليها‌السلام ، فقال الله : يا محمّد ، إنّهم يكيدون كيداً ، وأكيداً كيداً ، فمهّل الكافرين ـ يا محمّد ـ أمهلهم رويداً لوقت بعث القائم عليه‌السلام ، فينتقم لي من الجبّارين والطواغيت من قريش وبني اُميّة وسائر النّاس » (٢).

السؤال الثامن والعشرون :

لماذا لقّب الإمام المهدي عليه‌السلام بقائم آل محمّد عليهم‌السلام ؟

الجواب : لا شكّ أنّ كلّ الأئمّة عليهم‌السلام هم القائمون بالحقّ وبأمر الله تعالى ، كما أشارت به عدّة روايات ، ولكنّ هذا اللقب يختصّ بالمهدي عجّل الله فرجه الشريف.

وأمّا أنّهم قائمون بالحقّ ، فهو ممّا أجاب به الإمام موسى بن جعفر ليونس بن عبدالرحمن ، قال : « دخلت على موسى بن جعفر عليهما‌السلام فقلت : يابن رسول الله ، أنت القائم بالحقّ ؟

قال : أنا القائم بالحقّ ، ولكنّ القائم الذي يطهّر الأرض من أعداء الله ، ويملأها عدلاً كما ملئت جوراً ، هو الخامس من ولدي ، له غيبة يطول أمدها خوفاً على

_________________________

(١) الطارق (٨٦) : ١٥ ـ ١٧.

(٢) تفسير القمّي : ٢ / ٤١٦.

١١١

نفسه ، يرتدّ فيها أقوام ، ويثبت فيها آخرون » (١).

وقال عبد العظيم بن عبدالله الحسني : « قلت لمحمّد بن عليّ بن موسى : إنّي لأرجوك أن تكون القائم من أهل بيت محمّد الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً.

فقال عليه‌السلام : يا أبا القاسم ، ما منّا إلاّ قائم بأمر الله ، وهادي إلى دين الله ، ولكنّ القائم الذي يطهّر الله عزّ وجلّ به الأرض من أهل الكفر والجحود ، ويملأها عدلاً وقسطاً ، هو الذي يخفى على النّاس ولادته ، ويغيب عنهم شخصه ، ويحرم عليهم تسميته ، وهو سميّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وكنيّه ... » (٢).

وأمّا لماذا لقّب الإمام بهذا اللقب ، فذكر في ذلك عدّة أقوال ، نذكر بعضها على نحو الإختصار :

١ ـ لقد خصّه الله بذلك اللقب

روي الصدوق بسنده عن أبي حمزة ثابت بن دينار ، قال : « سألت أبا جعفر محمّد بن عليّ الباقر عليه‌السلام : يابن رسول الله ، لِمَ سمّي عليّ عليه‌السلام أمير المؤمنين ، وهو إسم ما سمّي به أحد قبله ولا يحلّ لأحد من بعده ؟

قال : لأنّه ميرة العلم ، يمتار منه ولا يمتار من أحد غيره.

قال : فقلت : يابن رسول الله ، فلِمَ سُمّي سيفه ذا الفقار ؟

فقال عليه‌السلام : لأنّه ما ضرب به أحد من خلق الله إلّا أفقره من هذه الدنيا من أهله وولده ، وأفقره في الآخرة من الجنّة.

_________________________

(١) كفاية الأثر : ٢٦٥.

(٢) المصدر المتقدّم : ٢٧٨.

١١٢

قال : فقلت : يابن رسول الله ، فلستم كلّكم قائمين بالحقّ ؟

قال : بلى.

قلت : فلِمَ سمّي القائم قائماً ؟

قال : لمّا قتل جدّي الحسين عليه‌السلام ضجّت الملائكة إلى الله تعالى بالبكاء والنحيب وقالوا : إلٰهنا وسيّدنا ، أتغفل عمّن قتل صفوتك وابن صفوتك وخيرتك من خلقك ؟

فأوحى الله عزّ وجلّ إليهم : قِرّوا ملائكتي ، فو عزّتي وجلالي لأنتقمنّ منهم ولو بعد حين.

ثمّ كشف الله عزّ وجلّ عن الأئمّة من ولد الحسين عليه‌السلام للملائكة ، فسُرّت الملائكة بذلك ، فإذا أحدهم قائم يصلّي ، فقال الله عزّ وجلّ : بذلك القائم أنتقم منهم » (١).

٢ ـ يقوم لحماية الدين

عن الحسين بن عليّ عليهما‌السلام ، قال : « دخل أعرابي على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يريد الإسلام ، ومعه ضبّ قد اصطاده في البريّة وجعله في كمّه ، فجعل النبيّ يعرض عليه الإسلام.

فقال : لا اُؤمن بك يا محمّد ، أو يؤمن بك هذا الضبّ ، ورمي الضبّ من كمّه ، فخرج الضبّ من المسجد يهرب ، فقال النبيّ : يا ضبّ ، من أنا ؟

قال : أنت محمّد بن عبدالله بن عبدالمطّلب بن هاشم بن عبد مناف.

قال يا ضبّ من تعبد ؟

_________________________

(١) علل الشرائع : ١٦٠.

١١٣

قال : أعبد الذي فلق الحبّة ، وبرأ النسمة ، واتّخذ إبراهيم خليلاً ، وناجى موسى كليماً ، واصطفاك يا محمّد.

فقال الأعرابي : أشهد أن لا إله إلاّ الله ، وأنّك رسول الله حقّاً ، فأخبرني يا رسول الله هل يكون بعدك نبيّ ؟

قال : لا أنا خاتم النبيّين ، ولكن يكون بعدي أئمّة من ذرّيّتي ، قوّامون بالقسط ، كعدد نقباء بني إسرائيل ، أوّلهم عليّ بن أبي طالب ، فهو الإمام والخليفة بعدي ، وتسعة من الأئمّة من صلب هذا ـ ووضع يده على صدري ـ والقائم تاسعهم ، يقوم بالدين في آخر الزمان كما قمت في أوّله ... » (١).

٣ ـ يقوم بالسيف

وعن علقمة بن محمّد الحضرمي ، عن الصادق عليه‌السلام ، عن أبيه ، عن جدّه ، عن عليّ ، قال : « قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : يا عليّ ، إنّ قائمنا إذا خرج يجتمع إليه ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً عدد رجال بدر ، فإذا كان وقت خروجه يكون له سيف مغمود ، ناداه السيف : قم يا وليّ الله فاقتل أعداء الله » (٢).

٤ ـ لأنّه يقوم بعد موت ذكره

وعن الصقر بن أبي دلف ، قال : « سمعت أبا جعفر محمّد بن عليّ بن موسى الرضا عليه‌السلام يقول : الإمام بعدي إبني عليّ ، أمره أمري ، وقوله قولي ، وطاعته طاعتي ، والإمام بعده إبنه الحسن ، أمره أمر أبيه ، وقوله قول أبيه ، وطاعته طاعة أبيه ، ثمّ سكت.

_________________________

(١) كفاية الأثر : ١٧٢.

(٢) المصدر المتقدّم : ٢٦٢.

١١٤

فقلت له : يابن رسول الله ، فمن الإمام بعد الحسن ؟

فبكى عليه‌السلام بكاءً شديداً ، ثمّ قال : إنّ بعد الحسن ابنه القائم بالحقّ المنتظر.

فقلت له : يابن رسول الله ، ولِمَ سمّي القائم ؟

قال : لأنّه يقوم بعد موت ذكره ، وارتداد أكثر القائلين بإمامته.

فقلت له : ولِمَ سمّي المنتظر ؟

قال : لأنّ له غيبة يكثر أيّامها ، ويطول أمدها ، فينتظر خروجه المخلصون ، وينكره المرتابون ، ويستهزئ به الجاحدون ، ويكذب فيها الوقّاتون ، ويهلك فيها المستعجلون ، وينجو فيها المسلّمون » (١).

ونجد في روايات اُخرى تعابير اُخرى يشبه بعضها بعضاً ، كالقائم بأمر الله ، القائم بالقسط ، القائم بالحقّ ، وغيره (٢).

السؤال التاسع والعشرون :

ما هي صفات الأنبياء التي تتواجد في الإمام المهدي عليه‌السلام ؟

الجواب : لقد ورد في كثير من الروايات عن وجود صفات الأنبياء في المهدي المنتظر عليه‌السلام ، فهو عليه‌السلام وارث النبيّ وعليّ ؛ لأنّ عليّاً قد ورث ألف سنةٍ من سنن الأنبياء والمرسلين (٣).

وأمّا الصفات الموجودة في المهدي من الأنبياء فكثيرة ، منها :

_________________________

(١) كفاية الأثر : ٢٧٩.

(٢) المصدر المتقدّم : ١٤٥.

(٣) بصائر الدرجات : ١١٤.

١١٥

١ ـ العمر الطويل

لقج عاش سيّدنا آدم عليه‌السلام ١٠٠٠ سنة (١) ، ونوح عليه‌السلام ٢٥٠٠ سنة (٢).

وورث الإمام المهدي عليه‌السلام هذا العمر الطويل منهما ، ولا يعلم كم يعمّر إلى وقت ظهوره ، والعلم عند الله.

٢ ـ خفاء الولادة

كانت ولادة سيّدنا إبراهيم وموسى عليهما‌السلام سرّاً ، فعلى ما روي : « أنّ اُمّ إبراهيم عليها‌السلام وضعت ولدها في غار خوفاً من نمرود ، وأنّ اُمّ موسى عليها‌السلام كذلك وضعت ولدها في النيل خوفاً من فرعون ، فالصفة التي يحملها قائم آل محمّد عليه‌السلام من هذين الرسولَين من اُولي العزم هي الخفاء في الولادة؛ لأنّ خلفاء بني العبّاس كانوا يترقّبون ولادته لكي يقتلوه.

فالإمام الحسن العسكري عليه‌السلام خوفاً من معرفة أجهزة النظام بذلك أخفى حمل زوجته حتّى عن الخواصّ وأقربائه من أهل بيته ، ولم يطلع على هذا السرّ إلاّ السيّدة حكيمة بنت الإمام الجواد عمّة الإمام العسكري عليه‌السلام ، وذلك في ليلة ولادة المهدي عليه‌السلام ، فإنّه أخبرها ، وأراد منها أن تبقى لتحضر وقت الولادة.

تقول حكيمة : « بعث إليَّ أبو محمّد عليه‌السلام سنة خمس وخمسين ومائتين ، في النصف من شعبان ، وقال : ياعمّة ، إجعلي الليلة إفطارك عندي ، فإنّ الله عزّ وجلّ سيسرّك بوليّه ، وحجّة على خلقه ، خليفتي من بعدي.

قالت حكيمة : فتداخلني لذلك سرور شديد ، وأخذت ثيابي عليَّ وخرجت

_________________________

(١) المستدرك على الصحيحين : ٤ / ٥٨٨.

(٢) الشيعة والرجعة : ١ / ٢٩٥.

١١٦

من ساعتي حتّى انتهيت إلى أبي محمّد عليه‌السلام وهو جالس في صحن داره وجواريه حوله ، فقلت : جعلت فداك يا سيّدي ، الخلف ممّن هو ؟

قال : من سوسن ، فأدرت طرفي فيهنّ فلم أرَ جارية عليها أثر غير سوسن ... » (١).

وممّا يدلّ على خفاء ولادة الإمام المهدي ما رواه الشيخ الطوسي رحمه‌الله في كتاب الغيبة عن أحمد بن عليّ الرازي ، عن محمّد بن عليّ ، عن حنظلة بن زكريّا ، قال : « حدّثني أحمد بن بلال بن داود الكاتب ، وكان عاميّاً بمحلّ من النصب لأهل البيت عليهم‌السلام ، يظهر ذلك ولا يكتمه ، وكان صديقاً لي يظهر مودّة بما فيه من طبع أهل العراق ، فيقول ـ كلّما لقيني ـ لك خبر تفرح به ، ولا اُخبرك به ، فأتغافل عنه ، إلى أن جمعني وإيّاه موضع خلوة ، فاستقصيت عنه وسألته أن يخبرني به ، فقال : كانت دورنا بسر من رأى مقابل دار ابن الرضا ـ يعني أبا محمّد الحسن بن عليّ عليهما‌السلام ـ فغبت عنها دهراً طويلاً إلى قزوين وغيرها ، ثمّ قضى لي الرجوع إليها ، فلمّا وافيتها ، وقد كنت فقدت جميع من خلّفته من أهلي وقراباتي ، إلاّ عجوزاً كانت ربّتني ، ولها بنت معها ، وكانت مع طبع الاُول مستورة صائنة ، لا تحسن الكذب ، وكذلك مواليات لنا بقين في الدار ، فأقمت عندهنّ أيّاماً ، ثمّ عزمت الخروج ، فقالت العجوزة : كيف تستعجل الإنصراف وقد غبت زماناً ؟ فأقم عندنا لنفرح بمكانك.

فقلت لها على جهة الهزؤ : اُريد أن أصير إلى كربلاء ، وكان النّاس للخروج في النصف من شعبان أو ليوم عرفة.

_________________________

(١) كتاب الغيبة : ١٤١.

١١٧

فقالت : يا بنيّ ، اُعيذك بالله أن تستهين ما ذكرت أو تقوله على وجه الهزؤ ، فإنّي اُحدّثك بما رأيته ـ يعني بعد خروجك من عندنا بسنتين ـ كنت في هذا البيت نائمة بالقرب من الدهليز ، ومعي إبنتي ، وأنا بين النائمة واليقظانة ، إذ دخل رجل حسن الوجه ، نظيف الثياب ، طيّب الرائحة ، فقال : يا فلانة ، يجيئك الساعة من يدعوك في الجيران ، فلا تمتنعي من الذهاب معه ، ولا تخافي ، ففزعت.

فناديت إبنتي وقلت لها : هل شعرت بأحد دخل البيت ، فقالت : لا ، فذكرت الله ، وقرأت ونمت ، فجاء الرجل بعينه وقال لي مثل قوله ، ففزعت وصحت يإبنتي ، فقالت : لم يدخل البيت ، فاذكري الله ولا تفزعي ، فقرأت ونمت ، فلمّا كان في الثلاثة جاء الرجل وقال : يا فلانة ، قد جاءك من يدعوك ويقرع الباب ، فاذهبي معه ، وسمعت دقّ الباب ، فقمت وراء الباب وقلت : من هذا ؟

فقال : إفتحي ولا تخافي ، فعرفت كلامه ، وفتحت الباب ، فإذا خادم معه إزار ، فقال : يحتاج إليك بعض الجيران لحاجة مهمّة فادخلي ، ولفّ رأسي بالملاءة وأدخلني الدار ، وأنا أعرفها ، فإذا بشقاق مشدودة وسط الدار ، ورجل قاعد بجنب الشقاق ، فرفع الخادم طرفه فدخلت ، وإذا امرأة قد أخذها الطلق وامرأة قاعدة خلفها كأنّها تقبّلها.

فقالت المرأة : تعيننا فيما نحن فيه ، فعالجتها بما يعالج به مثلها ، فما كانت إلاّ قليلاً حتّى سقط غلام ، فأخذته على كفّي وصحت غلام غلام ، وأخرجت رأسي من طرف الشقاق اُبشّر الرجل القاعد ، فقيل لي : لا تصيحي ، فلمّا رددت وجهي إلى الغلام قد كنت فقدته من كفّي ، فقالت لي المرأة القاعدة : لا تصيحي ، وأخذ الخادم بيدي ولفّ رأسي بالملاءة وأخرجني من الدار ، وردّني إلى داري ، وناولني صرّة ، وقال : لا تخبري بما رأيت أحداً ، فدخلت الدار ورجعت إلى

١١٨

فراشي في هذا البيت ، وابنتي نائمة فأنبهتها ، وسألتها هل علمت بخروجي ورجوعي ؟

فقالت : لا ، وفتحت الصّرة في ذلك الوقت وإذا فيها عشرة دنانير عدداً ، وما أخبرت بهذا أحداً إلاّ في هذا الوقت لما تكلّمت بهذا الكلام على حدّ الهزؤ ، فحدّثتك إشفاقاً عليك ، فإنّ لهؤلاء القوم عند الله عزّ وجلّ شأناً ومنزلة ، وكلّ ما يدّعونه حقّ.

قال : فعجبت من قولها وصرفته إلى السخرية والهزؤ ، ولم أسألها عن الوقت غير أنّي أعلم يقيناً أنّي غبت عنهم في سنة نيف وخمسين ومائتين ، ورجعت إلى سرّ من رأى في وقت أخبرتني العجوزة بهذا الخبر في سنة إحدى وثمانين ومائتين في وزارة عبدالله بن سليمان لمّا قصدته.

قال حنظلة : فدعوت بأبي الفرج المظفّر بن أحمد حتّى سمع معي هذا الخبر » (١).

وأضاف الباقر عليه‌السلام إلى شبه آخر من موسى عليه‌السلام وقال : « وأمّا شبهه من موسى ، فدوام خوفه ، وطول غيبته ، وخفاء ولادته ، وتعب شيعته من بعده بما لقوا من الأذى والهوان » (٢).

٣ ـ مجهوليّة يوسف

لقد غاب يوسف عليه‌السلام مدّة من الزمن لبعض العلل والأسباب ، فقد ألقاه إخوته في البئر ، وكان طفلاً صغيراً ، ولمّا نجا من البئر بقى غائباً عن الأنظار ، حيث كان يعيش بين النّاس ولا يعرفه أحد ، فكان النّاس يرونه ولكن لا يعرفونه شخصيّاً ،

_________________________

(١) كتاب الغيبة : ١٤٥.

(٢) بحار الأنوار : ٥١ / ٢١٨.

١١٩

وكذلك شأن الإمام المهدي عليه‌السلام ، فالنّاس يرونه ولكنّهم لا يعرفونه شخصيّاً.

قال الصادق عليه‌السلام : « وأمّا سنّة من يوسف فالستر ، جعل الله بينه وبين الخلق حجاباً يرونه ولا يعرفونه » (١).

٤ ـ الامتحان الصعب لأيّوب عليه‌السلام

إبتلى أيّوب عليه‌السلام ابتلاءً شديداً ، وخرج منها مرفوع الرأس ، وغمرته الرحمة الإلهيّة الواسعة ، وارتفعت عنه الهموم ، وكذلك الإمام المهدي عليه‌السلام ، فإنّه سوف يحصل له الفرج ، ويظهر بعد ذلك الإمتحان الكبير.

قال الإمام السجّاد عليه‌السلام : « وأمّا من أيّوب ، فالفرج بعد البلوى » (٢).

٥ ـ الشباب ليونس بن متي عليه‌السلام

رجع يونس بن متي عليه‌السلام إلى قومه بعدما غاب عنهم سنين طويلة ، وهو ما زال في سنّ الشباب ، وكان يظنّ النّاس أنّه أصبح شيخاً كبيراً ، والحجّة القائم عليه‌السلام أيضاً سيظهر بعد غيبة طويلة لا يعرف مقدارها ، على صفة شاب في الأربعين.

قال الإمام الباقر عليه‌السلام لمحمّد بن مسلم : « فأمّا شبهه من يونس ، فرجوعه من غيبته وهو شاب بعد كبر السنّ » (٣).

٦ ـ صفة من عيسى عليه‌السلام

اختلف النّاس في نبيّ الله عيسى ، فقال قوم : إنّه لم يولد ، وقال الآخرون : إنّه مات ، وهكذا قيل أيضاً في الإمام المهدي عليه‌السلام.

_________________________

(١) بحار الأنوار : ٥١ / ٢٢٤.

(٢) كمال الدين : ١ / ٣٢٢.

(٣) بحار الأنوار : ٥١ / ٢١٨.

١٢٠