الأمالي

أبي جعفر محمّد بن الحسن بن علي بن الحسن الطّوسي [ شيخ الطائفة ]

الأمالي

المؤلف:

أبي جعفر محمّد بن الحسن بن علي بن الحسن الطّوسي [ شيخ الطائفة ]


المحقق: مؤسسة البعثة
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: دار الثقافة للطباعة والنشر
الطبعة: ١
الصفحات: ٨٨٨

لمولاه معتب : والله ما عنى غيري (١).

١٥٢٠ / ٤ ـ وبهذا الاسناد ، عن إبراهيم بن صالح ، عن محمد بن الفضيل ، وزياد ابن النعمان ، وسيف بن عميرة ، عن هشام بن أحمر ، قال : أرسل إلي أبو عبد الله عليه‌السلام في يوم شديد الحر ، فقال لي : اذهب إلى فلان الإفريقي ، فاعترض جارية عنده من حالها كذا وكذا ، ومن صفتها كذا وكذا ، فأتيت الرجل فاعترضت ما عنده ، فلم أر ما وصف لي ، فرجعت إليه فأخبرته ، فقال : عد إليه فإنها عنده ، فرجعت إلى الإفريقي فحلف لي ما عنده شئ إلا وقد عرضه علي ثم قال : عندي وصيفة مريضة محلوقة الرأس ليست مما يعرض. فقلت له : اعرضها علي ، فجاء بها متوكئة على جاريتين ، تخط برجليها الأرض ، فرأيتها فعرفت الصفة فقلت : بكم هي؟ فقال لا : اذهب بها إليه فيحكم فيها. ثم قال لي : قد والله أردتها منذ ملكتها ، فما قدرت عليها ، وأخبرني الذي اشتريتها منه عند ذلك أنه لم يصل إليها ، وحلفت الجارية أنها نظرت إلى القمر وقع في حجرها ، فأخبرت أبا عبد الله عليه‌السلام بمقالته ، فأعطاني مائتي دينار فذهبت بها إليه ، فقال الرجل : هي حرة لوجه الله ( تعالى ) ، إن لم يكن بعث إلي بشرائها من المغرب ، فأخبرت أبا عبد الله عليه‌السلام بمقالته فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : يا بن أحمر ، أما إنها تلد مولودا ليس بينه وبين الله حجاب.

١٥٢١ / ٥ ـ وبهذا الاسناد ، عن إبراهيم بن صالح ، عن إبراهيم بن مهزم ، قال : سمعت الصادق جعفر بن محمد عليهما‌السلام يقول : من أخرجه الله ( عزوجل ) من ذل المعاصي إلى عز التقوى أغناه بلا مال ، وأعزه بلا عشيرة ، وآنسه بلا بشر ، ومن خاف الله لم يخف من كل شئ ومن لم يخف الله أخافه الله من كل شئ ، ومن رضي من الله باليسير من المعاش رضي الله منه باليسير من العمل ، ومن لم يستح من طلب

__________________

(١) سقط تمام هذا الحديث من المطبوع ، وسقط أوله من الحجرية ، وقد روى الحر العاملي قطعة منه بهذا الاسناد ـ وهو الاسناد المتقدم في الحديث : ١٥١٢ ـ انظر الوسائل ١٧ : ٣٠٩ / ٢٤ ، طبع مؤسسة آل البيت عليهم‌السلام.

٧٢١

الحلال خفت مؤنته ونعم أهله ، ومن زهد في الدنيا أثبت الله الحكمة في قلبه ، وأطلق بها لسانه ، وبصره عيوب الدنيا داءها ودواءها ، وأخرجه الله من الدنيا سالما إلى دار السلام.

١٥٢٢ / ٦ ـ وبهذا الاسناد ، عن إبراهيم بن صالح ، عن سلام الحناط ، عن هاشم ابن سعيد ، وسليمان الديلمي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : خرجت مع أبي حتى انتهينا إلى القبر والمنبر ، فإذا أناس من أصحابه ، فوقف عليهم فسلم ، وقال : والله إني لأحبكم ، وأحب ريحكم وأرواحكم ، فأعينونا على ذلك بورع واجتهاد ، فإنكم لن تنالوا ولايتنا إلا بالورع والاجتهاد ، من ائتم بامام فليعمل بعمله.

ثم قال : أنتم شرطة الله ، وأنتم شيعة الله ، وأنتم السابقون الأولون ، والسابقون الآخرون ، أنتم السابقون في الدنيا إلى ولايتنا ، والسابقون في الآخرة إلى الجنة ، ضمنا لكم الجنة بضمان الله ( عزوجل ) وضمان رسوله ، أنتم الطيبون ، ونساؤكم الطيبات ، كل مؤمن صديق ، وكل مؤمنة حوراء ، كم من مرة قد قال علي عليه‌السلام لقنبر : بشر وأبشر واستبشر ، فوالله لقد مات رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وإنه لساخط على جميع أمته إلا الشيعة ، إن لكل شئ عروة ، وإن عروة الدين الشيعة ، ألا وإن لكل شئ إماما ، وإن إمام الأرض أرض تسكنها الشيعة ، ألا وإن لكل شئ شهوة ، وإن شهوة الدنيا لسكني الشيعة فيها ، والله لولا ما في الأرض منكم ما استكمل أهل خلافكم طيبات مالهم ، وما لهم في الآخرة من نصيب ، وكل مخالف ـ وإن تعبد ـ منسوب إلى هذه الآية : ( وجوه يومئذ خاشعة * عاملة ناصبة * تصلى نارا حامية * تسقى من عين آنية ) (١).

والله ما دعا مخالف دعوة خير إلا كانت إجابة دعوته لكم ، ولا دعا منكم أحد دعوة خير إلا كانت له من الله مائة ، ولا سأله إلا كانت له من الله مائة ، ولا عمل أحد منكم حسنة إلا لم تحص تضاعيفها ، والله إن صائمكم ليرتع في رياض الجنة ، والله إن حاجكم ومعتمركم لمن خاصة الله ، وإنكم جميعا لأهل دعوة الله وأهل إجابته ، لا

__________________

(١) سورة الغاشية ٨٨ : ٢ ـ ٥.

٧٢٢

خوف عليكم ولا أنتم تحزنون ، كلكم في الجنة ، فتنافسوا في الدرجات ، فوالله ما أحد أقرب إلى عرش الله من شيعتنا ، ما أحسن صنيع الله إليهم!

والله لقد قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : يخرج شيعتنا من قبورهم قريرة أعينهم ، قد أعطوا الأمان ، يخاف الناس ولا يخافون ، ويحزن الناس ولا يحزنون.

والله ما سعى أحد منكم إلى الصلاة إلا وقد اكتنفته الملائكة من خلفه ، يدعون الله له بالفوز حتى يفرغ ، ألا وإن لكل شئ جوهرا ، وجوهر ولد آدم محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأنتم يا سليمان.

وزاد فيه عيثم بن أسلم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : لولا ما في الأرض منكم ما زخرفت الجنة ، ولا خلقت حوراء ، ولا رحم طفل ، ولا أذيقت بهيمة ، والله إن الله أشد حبا لكم منا.

١٥٢٣ / ٧ ـ وبهذا الاسناد ، عن إبراهيم بن صالح ، عن زيد بن الحسن ، عن أبيه ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : رقدت بالأبطح على ساعدي ، وعلي عن يميني ، وجعفر عن يساري ، وحمزة عند رجلي. قال : فنزل جبرئيل وميكائيل وإسرافيل ، ففزعت لخفق أجنحتهم. قال : فرفعت رأسي ، فإذا إسرافيل يقول لجبرئيل : إلى أي الأربعة بعثت وبعثنا معك؟ قال : فركض برجله ، فقال : إلى هذا ـ وهو محمد سيد النبيين ـ ثم قال : من هذا الآخر؟ قال : هذا أخوه ووصيه وابن عمه ، وهو سيد الوصيين. ثم قال : فمن الآخر؟ قال : جعفر بن أبي طالب ، له جناحان خضيبان ، يطير بهما في الجنة. قال : ثم قال : فمن الآخر؟ قال : عمه حمزة ، وهو سيد الشهداء يوم القيامة.

١٥٢٤ / ٨ ـ وعنه ، قال : أخبرنا أحمد بن محمد بن الصلت ، قال : أخبرنا أحمد ابن محمد بن سعيد الهمداني ، قال : حدثنا أحمد بن القاسم أبو جعفر الأكفاني من أصل كتابه ، قال : حدثنا عباد بن يعقوب ، قال : حدثنا أبو معاذ زياد بن رستم بياع الادم ، عن عبد الصمد ، عن جعفر بن محمد عليهما‌السلام ، قال. قلت : يا أبا عبد الله ، حدثنا حديث عقيل. قال : نعم ، جاء عقيل إليكم بالكوفة ، وكان علي عليه‌السلام جالسا في

٧٢٣

صحن المسجد ، وعليه قميص سنبلاني (١) ، قال : فسأله ، فقال : اكتب لك إلى ينبع. قال : ليس غير هذا. قال : لا.

فبينما هو كذلك إذ أقبل الحسين عليه‌السلام فقال : اشتر لعمك ثوبين ، فاشترى له ، قال : يا بن أخي ما هذا؟ قال : هذه كسوة أمير المؤمنين ، ثم أقبل حتى انتهى إلى علي عليه‌السلام فجلس ، فجعل يضرب يده على الثوبين وجعل يقول : ما ألين هذا الثوب يا أبا يزيد! قال : يا حسن ، أخد (٢) عمك. قال : والله ما أملك صفراء ولا بيضاء. قال : فمر له ببعض ثيابك. قال : فكساه بعض ثيابه. قال : ثم قال : يا محمد ، أخد عمك. قال : والله لا أملك درهما ولا دينارا. قال : فاكسه بعض ثيابك.

قال عقيل : يا أمير المؤمنين ، إئذن لي إلى معاوية. قال : في حل محلل ، فانطلق نحوه ، وبلغ ذلك معاوية ، فقال : اركبوا أفره دوابكم ، والبسوا من أحسن ثيابكم ، فإن عقيلا قد أقبل نحوكم ، وأبرز معاوية سريره ، فلما انتهى إليه عقيل قال معاوية : مرحبا بك يا أبا يزيد ، ما نزع بك؟ قال : طلب الدنيا من مظانها. قال : وفقت وأصبت ، قد أمرنا لك بمائة ألف ، فأعطاه المائة ألف.

ثم قال : أخبرني عن العسكرين اللذين مررت بهما ، عسكري وعسكر علي. قال : في الجماعة أخبرك ، أو في الوحدة؟ قال : لا بل في الجماعة. قال : مررت على عسكر علي ، فإذا ليل كليل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ونهار كنهار النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، إلا أن رسول الله ليس فيهم ، ومررت على عسكرك فإذا أول من استقبلني أبو الأعور وطائفة من المنافقين والمنفرين برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إلا أن أبا سفيان ليس فيهم. فكف عنه حتى إذا ذهب الناس قال له : يا أبا يزيد ، أيش صنعت بي؟ قال : ألم أقل لك : في الجماعة أو في الوحدة ، فأبيت علي؟ قال : أما الآن فاشفني من عدوي. قال : ذلك عند الرحيل.

__________________

(١) القميص السنبلاني : السابغ الطول ، وقيل : المنسوب إلى بلد بالروم.

(٢) يقال : أخديته ، أي أعطيته.

٧٢٤

فلما كان من الغد شد غرائره ورواحله ، وأقبل نحو معاوية ، وقد جمع معاوية حوله ، فلما انتهى إليه قال : يا معاوية ، من ذا عن يمينك؟ قال : عمرو بن العاص ، فتضاحك ثم قال : لقد علمت قريش أنه لم يكن أحصى لتيوسها من أبيه ، ثم قال : من هذا؟ قال : هذا أبو موسى ، فتضاحك ثم قال : لقد علمت قريش بالمدينة أنه لم يكن بها امرأة أطيب ريحا من قب (١) أمه.

قال : أخبرني عن نفسي يا أبا يزيد. قال : تعرف حمامة ، ثم سار ، فألقي في خلد معاوية ، قال : أم من أمهاتي لست أعرفها! فدعا بنسابين من أهل الشام ، فقال : أخبراني عن أم من أمهاتي يقال لها حمامة لست أعرفها. فقالا : نسألك بالله لا تسألنا عنها اليوم قال : أخبراني أو لأضربن أعناقكما ، لكما الأمان. قالا : فإن حمامة جدة أبي سفيان السابعة وكانت بغيا ، وكان لها بيت توفي فيه. قال جعفر بن محمد عليهما‌السلام : وكان عقيل من أنسب الناس.

١٥٢٥ / ٩ ـ وعنه ، قال : أخبرنا ابن الصلت ، عن أحمد بن محمد بن سعيد ، قال : أخبرنا أحمد بن القاسم ، قال : أخبرنا عباد ، قال : حدثنا علي بن عابس ، عن الحصين ، عن عبد الله بن معقل ، عن علي عليه‌السلام : أنه قنت في الصبح فلعن معاوية وعمرو بن العاص وأبا موسى وأبا الأعور وأصحابهم.

__________________

(١) القب : ما بين الأليتين أو الوركين.

٧٢٥

[٤٤]

مجلس يوم الجمعة

الثالث من ذي القعدة سنة سبع وخمسين وأربع مائة

فيه بقية أحاديث ابن الصلت الأهوازي.

بسم الله الرحمن الرحيم

١٥٢٦ / ١ ـ حدثنا الشيخ أبو جعفر محمد بن الحسن بن علي بن الحسن الطوسي ( قدس الله روحه ) ، قال : أخبرنا أحمد بن محمد بن موسى بن الصلت ، قال : حدثنا أحمد بن محمد بن سعيد ، عن أحمد بن القاسم ، عن عباد ، عن عبد الله بن الزبير ، عن عبد الله بن شريك ، عن أبيه ، قال : صعد علي عليه‌السلام المنبر يوم جمعة ، فقال : أنا عبد الله وأخو رسوله ، لا يقولها بعدي إلا كذاب ، ما زلت مظلوما منذ قبض رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، أمرني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بقتال الناكثين طلحة والزبير ، والقاسطين معاوية وأهل الشام ، والمارقين وهم أهل النهروان ، ولو أمرني بقتال الرابعة لقاتلتهم.

١٥٢٧ / ١ ـ وبهذا الاسناد ، عن أحمد بن محمد بن سعيد ، عن محمد بن جبارة ، عن سعاد بن سلمان ، عن يزيد بن أبي زياد ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، قال : شهد مع علي عليه‌السلام يوم الجمل ثمانون من أهل بدر ، وألف وخمس مائة من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله.

٧٢٦

١٥٢٨ / ٣ ـ وبهذا الاسناد ، عن أحمد بن محمد بن سعيد ، عن الحسن بن علي ابن عفان ، عن الحسن بن عطية ، قال : حدثنا ناصح أبي عبد الله ، عن قريبة جارية لهم ، قالت : كان عندنا رجل خرج على الحسين عليه‌السلام ، ثم جاء بجمل وزعفران ، قالت : فلما دقوا الزعفران صار نارا. قالت : فجعلت المرأة تأخذ منه الشئ فتلطخه على يدها فيصير منه برص. قالت : ونحروا البعير ، قالت : فكلما حزوا بالسكين صار مكانها نارا. قالت : فجعلوا يسلخونه فيصير مكانه نارا. قالت : فقطعوه فخرجت منه النار. قالت : فطبخوه فكلما أوقدوا النار فارت القدر نارا. قالت : فجعلوه في الجفنة فصار نارا. قالت : وكنت صبية يومئذ فأخذت عظما منه فطينت عليه ، فسقط وأنا يومئذ امرأة ، فأخذناه نصنع منه اللعب. قالت : فلما حززناه بالسكين صار مكانه نارا ، فعرفنا أنه ذلك العظم فدفناه.

١٥٢٩ / ٤ ـ وعنه ، قال. أخبرنا ابن الصلت ، قال : أخبرنا أحمد بن محمد بن سعيد ، قال : حدثنا الحسن بن علي بن عفان ، عن الحسن بن عطية ، قال : سمعت جدي أبا أمي بزيعا ، قال : كنا نمر ونحن غلمان زمن خالد على رجل في الطريق جالس ، أبيض الجسد أسود الوجه ، وكان الناس يقولون : خرج على الحسين عليه‌السلام.

١٥٣٠ / ٥ ـ وعنه ، قال : أخبرنا ابن الصلت ، عن أحمد بن محمد بن سعيد ، قال : حدثنا الحسن بن صالح الهمداني أبو علي من كتابه في ربيع الأول سنة ثمان وسبعين ، وأحمد بن يحيى ، قالا : حدثنا محمد بن عمرو ، قال : حدثنا عبد الكريم ، قال : حدثنا القاسم بن أحمد ، قال : حدثنا أبو الصلت عبد السلام بن صالح الهروي.

قال أبو العباس أحمد بن محمد : وحدثنا القاسم بن الحسن العلوي الحسني ، قال : حدثنا أبو الصلت ، قال : حدثنا علي بن عبد الله بن النعجة ، قال : حدثنا أبو سهيل ابن مالك ، عن مالك بن أوس بن الحدثان ، قال : لما ولي علي بن أبي طالب عليه‌السلام أسرع الناس إلى بيعته المهاجرون والأنصار وجماعة الناس ، لم يتخلف عنه أحد من أهل الفضل إلا نفر يسير خذلوا وبايع الناس.

وكان عثمان قد عود قريشا والصحابة كلهم ، وصبت عليهم الدنيا صبا ، وآثر

٧٢٧

بعضهم على بعض ، وخص أهل بيته من بني أمية ، وجعل لهم البلاد ، وخولهم العباد ، فاظهروا في الأرض الفساد ، وحمل أهل الجاهلية والمؤلفة قلوبهم على رقاب الناس حتى غلبوه على أمره ، فأنكر الناس ما رأوا من ذلك ، فعاتبوه فلم يعتبهم ، وراجعوه فلم يسمع منهم ، وحملهم على رقاب الناس حتى انتهى إلى أن ضرب بعضا ، ونفى بعضا ، وحرم بعضا ، فرأى أصحاب رسول الله أن يدفعوه بالبيعة ، وما عقدوا له في رقابهم ، فقالوا : إنما بايعناه على كتاب الله وسنة نبيه والعمل بهما ، فحيث لم يفعل ذلك لم تكن له علينا طاعة.

فافترق الناس في أمره على خاذل وقاتل ، فأما من قاتل فرأى أنه حيث خالف الكتاب والسنة ، واستأثر بالفئ ، واستعمل من لا يستأهل ، رأوا أن جهاده جهاد ، وأما من خذله ، فإنه رأى أنه يستحق الخذلان ، ولم يستوجب النصرة بترك أمر الله حتى قتل.

واجتمعوا على علي بن أبي طالب عليه‌السلام فبايعوه ، فقام وحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ، وصلى على النبي وآله ، ثم قال : أما بعد ، فإني قد كنت كارها لهذه الولاية ، يعلم الله في سماواته وفوق عرشه على أمة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله حتى اجتمعتم على ذلك ، فدخلت فيه ، وذلك أني سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : أيما وال ولي أمر أمتي من بعدي أقيم يوم القيامة على حد الصراط ، ونشرت الملائكة صحيفته ، فإن نجا فبعدله ، وإن جار انتقض به الصراط انتقاضة تزيل ما بين مفاصله حتى يكون بين كل عضو وعضو من أعضائه مسيرة مائة عام ، يخرق به الصراط ، فأول ما يلقى به النار أنفه وحر وجهه ، ولكني لما اجتمعتم علي نظرت فلم يسعني ردكم حيث اجتمعتم ، أقول ما سمعتم ، واستغفر الله لي ولكم.

فقام إليه الناس فبايعوه ، فأول من قام فبايعه طلحة والزبير ، ثم قام المهاجرون والأنصار وسائر الناس حتى بايعه الناس ، وكان الذي يأخذ عليهم البيعة عمار بن ياسر وأبو الهيثم بن التيهان ، وهما يقولان : نبايعكم على طاعة الله وسنة رسوله ، وإن لم نف لكم فلا طاعة لنا عليكم ، ولا بيعة في أعناقكم ، والقرآن إمامنا وإمامكم.

٧٢٨

ثم التفت علي عليه‌السلام عن يمينه وعن شماله ، وهو على المنبر ، وهو يقول : ألا لا يقولن رجال منكم غدا قد غمرتهم الدنيا ، فاتخذوا العقار ، وفجروا الأنهار ، وركبوا الخيول الفارهة ، واتخذوا الوصائف الروقة ، فصار ذلك عليهم عارا وشنارا إن لم يغفر لهم الغفار ، إذا منعوا ما كانوا فيه ، وصيروا إلى حقوقهم التي يعلمون ، يقولون : حرمنا ابن أبي طالب ، وظلمنا حقوقنا ، ونستعين بالله ونستغفره ، وأما من كان له فضل وسابقة منكم ، فإنما أجره فيه على الله ، فمن استجاب لله ولرسوله ودخل في ديننا ، واستقبل قبلتنا ، وأكل ذبيحتنا ، فقد استوجب حقوق الاسلام وحدوده.

فأنتم أيها الناس ، عباد الله المسلمون ، والمال مال الله يقسم بينكم بالسوية ، وليس لاحد على أحد فضل إلا بالتقوى ، وللمتقين عند الله خير الجزاء وأفضل الثواب ، لم يجعل الله الدنيا للمتقين جزاء ، وما عند الله خير للأبرار ، إذا كان غدا فاغدوا ، فإن عندنا مالا اجتمع ، فلا يتخلفن أحد كان في عطاء ، أو لم يكن إذا كان مسلما حرا ، احضروا رحمكم الله.

فاجتمعوا من الغد ، ولم يتخلف عنه أحد ، فقسم بينهم ثلاثة دنانير لكل إنسان الشريف والرضيع والأحمر والأسود ، لم يفضل أحدا ، ولم يتخلف عنه أحد إلا هؤلاء الرهط : طلحة والزبير وعبد الله بن عمر وسعيد بن العاص ومروان بن الحكم وناس معهم.

فسمع عبيد الله بن أبي رافع وهو كاتب علي بن أبي طالب عليه‌السلام عبد الله بن الزبير وهو يقول للزبير وطلحة وسعيد بن العاص : لقد التفت إلى زيد بن ثابت فقلت له : إياك أعني واسمعي يا جارة. فقال له عبيد الله : يا سعيد بن العاص وعبد الله بن الزبير ، إن الله يقول في كتابه : ( وأكثرهم للحق كارهون ) (١). قال عبيد الله : فأخبرت عليا عليه‌السلام فقال : لئن سلمت لأحملنهم على الطريق ، قاتل الله ابن العاص ، لقد علم في كلامي أني أريده وأصحابه بكلامي ، والله المستعان.

__________________

(١) سورة المؤمنون ٢٣ : ٧٠.

٧٢٩

قال مالك بن أوس : وكان علي بن أبي طالب عليه‌السلام أكثر ما يسكن القناة (١) ، فبينا نحن في المسجد بعد الصبح إذ طلع الزبير وطلحة ، فجلسا في ناحية عن علي عليه‌السلام ، ثم طلع مروان وسعيد وعبد الله بن الزبير والمسور بن مخرمة فجلسوا ، وكان علي عليه‌السلام جعل عمار بن ياسر على الخيل ، فقال لأبي الهيثم بن التيهان ولخالد بن زيد أبي أيوب ولأبي حية ولرفاعة بن رافع في رجال من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : قوموا إلى هؤلاء القوم ، فإنه بلغنا عنهم ما نكره من خلاف أمير المؤمنين إمامهم ، والطعن عليه ، وقد دخل معهم قوم من أهل الجفاء والعداوة ، وإنهم سيحملونهم على ما ليس من رأيهم.

قال : فقاموا ، وقمنا معهم حتى جلسوا إليهم ، فتكلم أبو الهيثم بن التيهان ، فقال : إن لكما لقدما في الاسلام وسابقة وقرابة من أمير المؤمنين ، وقد بلغنا عنكما طعن وسخط لأمير المؤمنين ، فإن يكن أمر لكما خاصة فعاتبا ابن عمتكما وإمامكما ، وإن كان نصيحة للمسلمين فلا تؤخراه عنه ، ونحن عون لكما ، فقد علمتما أن بني أمية لن تنصحكما أبدا وقد عرفتما ـ وقال أحمد : عرفتم ـ عداوتهم لكما ، وقد شركتما في دم عثمان ومالأتما ، فسكت الزبير وتكلم طلحة ، فقال : افرغوا جميعا مما تقولون ، فإني قد عرفت أن في كل واحد منكم خبطة.

فتكلم عمار بن ياسر رحمه‌الله فحمد الله وأثنى عليه ، وصلى على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقال : أنتما صاحبا رسول الله ، وقد أعطيتما إمامكما الطاعة والمناصحة ، والعهد والميثاق على العمل بطاعة الله وطاعة رسوله ، وأن يجعل كتاب الله إمامنا ـ قال أحمد : وجعل كتاب الله إماما ـ ، وهو علي بن أبي طالب طلق النفس عن الدنيا ، وقدم كتاب الله ، ففيم السخط والغضب على علي بن أبي طالب عليه‌السلام! فغضب الرجال في الحق : أنصرا نصركما الله.

فتكلم عبد الله بن الزبير ، فقال : لقد تهذرت يا أبا اليقظان. فقال له عمار : مالك

__________________

(١) القناة : واد من أودية المدينة.

٧٣٠

تتعلق في مثل هذا يا أعبس ، ثم أمر به فأخرج ، فقام الزبير فالتفت إلى عمار رحمه‌الله فقال : عجلت يا أبا اليقظان على ابن أخيك رحمك الله. فقال عمار بن ياسر : يا أبا عبد الله ، أنشدك الله أن تسمع قول من رأيت ، فإنكم معشر المهاجرين لم يهلك من هلك منكم حتى استدخل في أمره المؤلفة قلوبهم. فقال الزبير : معاذ الله أن نسمع منهم. فقال عمار : والله يا أبا عبد الله ، لو لم يبق أحد إلا خالف علي بن أبي طالب لما خالفته ، ولا زالت يدي مع يده ، وذلك لان عليا لم يزل مع الحق منذ بعث الله نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فإني أشهد أنه لا ينبغي لاحد أن يفضل عليه أحدا.

فاجتمع عمار بن ياسر وأبو الهيثم ورفاعة وأبو أيوب وسهل بن حنيف ، فتشاوروا أن يركبوا إلى علي عليه‌السلام بالقناة فيخبروه بخبر القوم ، فركبوا إليه فأخبروه باجتماع القوم وما هم فيه من إظهار الشكوى والتعظيم لقتل عثمان ، وقال له أبو الهيثم : يا أمير المؤمنين ، انظر في هذا الامر ، فركب بغلة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ودخل المدينة ، وصعد المنبر ، فحمد الله وأثنى عليه ، واجتمع أهل الخير والفضل من الصحابة والمهاجرين ، فقالوا لعلي عليه‌السلام : إنهم قد كرهوا الأسوة ، وطلبوا الأثرة ، وسخطوا لذلك. فقال علي عليه‌السلام : ليس لأحد فضل في هذا المال ، وهذا كتاب الله بيننا وبينكم ، ونبيكم محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله وسيرته.

ثم صاح بأعلى صوته : يا معشر الأنصار ، أتمنون علي باسلامكم ـ قال أحمد : على الله باسلامكم ـ بل لله ورسوله المن عليكم إن كنتم صادقين ، أنا أبو الحسن القرم (١). ونزل عن المنبر وجلس ناحية المسجد ، وبعث إلى طلحة والزبير فدعاهما ، ثم قال لهما : ألم تأتياني وتبايعاني طائعين غير مكرهين (٢) ، فما أنكرتم ، أجور في

__________________

(١) القرم : النحل من الإبل ، وقيل للسيد العظيم على التشبيه بالفحل.

(٢) الظاهر أن سقطا في هذا الموضع ، يدل عليه ما يأتي في جواب أمير المؤمنين عليه‌السلام من ذكر الاستشارة ، والسقط على ما في رواية ابن أبي الحديد ٧ : ٤٠ : « قالا : بلى. فقال : غير مجبرين ولا مقسورين ، فأسلمتما لي بيعتكما ، وأعطيتماني عهدكما؟ قالا : نعم. قال : فما دعاكما بعد إلى ما أرى؟ قالا : أعطيناك بيعتنا على ألا تقضي الأمور ولا تقطعها دوننا ، وأن تستشيرنا في كل أمر ، ولا تستبد بذلك عليا ، ولنا من الفضل على غيرنا ما قد علمت ، فأنت تقسم القسم وتقطع الامر ، وتمضي الحكم بغير مشاورتنا ولا علمنا ».

٧٣١

حكم أو استئثار في فئ؟ قالا : لا. قال عليه‌السلام : أو في أمر دعوتماني إليه من أمر المسلمين فقصرت عنه؟ قالا : معاذ الله.

قال عليه‌السلام. فما الذي كرهتما من أمري حتى رأيتما خلافي؟ قالا : خلافك عمر بن الخطاب في القسم ، وانتقاصنا حقنا من الفئ ، جعلت حظنا في الاسلام كحظ غيرنا مما أفاء الله علينا بسيوفنا ، ممن هو لنا فئ ، فسويت بيننا وبينهم.

فقال علي عليه‌السلام : الله أكبر ، اللهم إني أشهدك وأشهد من حضر عليهما ، أما ما ذكرتما من الاستشارة فوالله ما كانت لي في الولاية رغبة ، ولا لي فيها محبة ، ولكنكم دعوتموني إليها ، وحملتموني عليها ، فكرهت خلافكم ، فلما أفضت إلي نظرت إلى كتاب الله وما وضع وأمر فيه بالحكم وقسم وسن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فأمضيته ، ولم احتج فيه إلى رأيكما ودخولكما معي ولا غيركما ، ولم يقع أمر جهلته فأتقوى فيه برأيكما ومشورتكما ، ولو كان ذلك لم أرغب عنكما ، ولا عن غيركما ، إذا لم يكن في كتاب الله ولا في سنة نبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فأما ما كان فلا يحتاج فيه إلى أحد ، وأما ما ذكرتما من أمر الأسوة فإن ذلك أمر لم أحكم أنا فيه ، ووجدت أنا وأنتما ما قد جاء به محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله من كتاب الله ، فلم احتج فيه إليكما ، قد فرغ من قسمه كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، تنزيل من حكيم حميد ، وأما قولكما جعلتنا فيه كمن ضربناه بأسيافنا ، وأفاء الله علينا ، فقد سبق رجال رجالا فلم يفضلهم ( رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولم يستأثر عليهم من سبقهم ، ولم يضرهم حين استجابوا لربهم ، والله مالكم ولا لغيركم إلا ذلك ، ألهمنا الله وإياكم الصبر عليه.

فذهب عبد الله بن الزبير يتكلم ، فأمر به فوجئت عنقه وأخرج من المسجد ، فخرج وهو يصيح ويقول : أردد إليه بيعته. فقال علي عليه‌السلام : لست مخرجكما من أمر دخلتما فيه ، ولا مدخلكما في أمر خرجتما منه ، فقاما عنه فقالا : أما إنه ليس عندنا أمر إلا الوفاء. قال : فقال علي عليه‌السلام : رحم الله عبدا رأى حقا فأعان عليه ، أو رأى جورا فرده ، وكان عونا للحق على من خالفه.

٧٣٢

[٤٥]

مجلس يوم الجمعة

السادس من صفر سنة ثمان وخمسين وأربع مائة

فيه أحاديث الشيخ المفيد.

بسم الله الرحمن الرحيم

١٥٣١ / ١ ـ حدثنا الشيخ أبو جعفر محمد بن الحسن بن علي بن الحسن الطوسي رحمه‌الله ، قال : أخبرنا محمد ، قال : حدثنا أبو بكر محمد بن عمر ، قال : حدثنا علي ابن العباس بن الوليد ، قال : قال : لا إله إلا الله نصف الميزان ، والحمد لله ملؤه.

١٥٣٢ / ٢ ـ وعنه ، قال : أخبرنا محمد ، قال. حدثنا أبو بكر محمد بن عمر ، قال : حدثنا علي بن العباس بن الوليد ، قال : حدثنا ابن عثمان الحضرمي ، عن الأعمش ، عن مورق العجلي ، قال : رأيت أبا ذر آخذا بحلقة باب الكعبة وهو يقول : من عرفني فأنا جندب ، وإلا فأنا أبو ذر الغفاري ، برح الخفاء ، سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : إنما مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح ، من ركبها نجا ، ومن تخلف عنها غرق ، ومثل باب حظة ، يحط الله به الخطايا.

١٥٣٣ / ٣ ـ وعنه ، قال : أخبرنا الشيخ أبو عبد الله ، قال : أخبرني أبو الحسن أحمد بن محمد بن الحسن بن الوليد ، عن أبيه ، عن محمد بن الحسن الصفار ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن يونس بن عبد الرحمن ، عن العلاء بن رزين ، عن

٧٣٣

محمد بن مسلم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : من قال بعد صلاة الصبح قبل أن يتكلم : بسم الله الرحمن الرحيم ، لا حول ولا قوة إلا بالله العلق العظيم ) يعيدها سبع مرات ، دفع الله عنه سبعين نوعا من أنواع البلاء ، أهونها الجذام والبرص.

١٥٣٤ / ٤ ـ وعنه ، قال : أخبرنا الشيخ أبو عبد الله ، قال : أخبرني أبو نصر محمد ابن الحسين المقرئ ، قال : حدثنا أبو العباس أحمد بن محمد بن سعيد ابن عقدة ، قال : حدثني شيخ من أصحابنا يعرف بعبد الرحمن بن إبراهيم ، قال : حدثنا صباح الحذاء ، قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : من كانت له إلى الله حاجة فليقصد إلى مسجد الكوفة ، وليسبغ وضوءه ، وليصل في المسجد ركعتين ، يقرأ في كل واحدة منهما فاتحة الكتاب وسبع سور معها ، وهي : المعوذتان ، وقل هو الله ، وقل يا أيها الكافرون ، وإذا جاء نصر الله والفتح ، وسبح اسم ربك الاعلى ، وإنا أنزلناه في ليلة القدر ، فإذا فرغ من الركعتين وتشهد وسلم ، سأل الله ، فإنها تقضى بعون الله إن شاء الله.

قال علي بن الحسين بن فضال : وقال لي هذا الشيخ : إني فعلت ذلك ، ثم دعوت الله أن يوسع رزقي ، فأنا من الله بكل نعمة ، ثم دعوته أن يرزقني الحج فرزقته ، وعلمته رجلا من أصحابنا وكان مقترا عليه رزقه ، فرزقه ، الله ( تعالى ) ووسع عليه.

٧٣٤

[٤٦]

مجلس يوم التروية

من سنة ثمان وخمسين وأربع مائة

فيه أحاديث ابن أبي جيد القمي.

بسم الله الرحمن الرحيم

١٥٣٥ / ١ ـ حدثنا الشيخ أبو جعفر محمد بن الحسن بن علي بن الحسن الطوسي رضي‌الله‌عنه في يوم التروية سنة ثمان وخمسين وأربع مائة في مشهد مولانا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (صلوات الله عليه) ، قال : حدثنا الشيخ ابن أبي جيد ، عن محمد بن الحسن بن الوليد ، عن محمد بن الحسن الصفار ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن الحسين بن سعيد ، عن يونس بن عبد الرحمن ، عن إبراهيم بن عمر اليماني ، عن جابر بن يزيد الجعفي ، ورواه محمد بن جعفر الأسدي أبو الحسين ، عن أبيه ، عن محمد بن سنان ، عن عمرو بن شمر ، عن جابر ، قال : دخلت على أبي جعفر الباقر عليه‌السلام فقال لي : يا جابر ، أيكتفي من ينتحل التشيع أن يقول بحبنا أهل البيت! فوالله ما شيعتنا إلا من اتقى الله وأطاعه ، وما كانوا يعرفون ـ يا جابر ـ إلا بالتواضع والتخشع والأمانة وكثرة ذكر الله والصلاة والصوم ، وبر الوالدين ، وتعاهد الجيران والفقراء والمساكين والغارمين والأيتام ، وصدق الحديث ، وتلاوة القرآن ، وكف الألسن عن الناس إلا من خير ، وكانوا أمناء عشائرهم في الأشياء.

٧٣٥

قال جابر : فقلت : يا بن رسول الله ، ما نعرف اليوم أحدا بهذه الصفة. فقال : يا جابر ، لا تذهبن بك المذاهب ، حسب الرجل أن يقول أحب عليا وأتولاه ، ثم لا يكون مع ذلك فعالا ، فلو قال : إني أحب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ورسول الله خير من علي ، ثم لا يتبع سيرته ، ولا يعمل بسنته ، ما نفعه حبه إياه شيئا ، فاتقوا الله واعملوا لما عند الله ، ليس بين الله وبين أحد قرابة ، أحب العباد إلى الله وأكرمهم عليه أتقاهم له ، والله ما يتقرب إلى الله إلا بالعمل ، وما معنا براءة من النار ، وما لنا على الله ( لاحد ) من حجة ، من كان ( لله ) مطيعا فهو لنا ولي ، ومن كان ( لله ) عاصيا فهو لنا عدو ، والله لا تنال ولايتنا إلا بالعمل.

١٥٣٦ / ٢ ـ ذكر الفضل بن شاذان رحمه‌الله في كتابه الذي نقض به على ابن كرام ، قال : روى عثمان بن عفان ، عن محمد بن عباد البصري صاحب عبادان ورئيس الغزاة ، قال عثمان : قال لي محمد بن عباد : يا شجري ألا أحدثك بأعجب حديث سمعته قط؟ قال : قلت : حدثني رحمك الله. قال : كان في جواري هاهنا رجل من أحد الصالحين ، فبينا هو ذات ليلة نائم إذا رأى كأنه قد مات ، وحشر إلى الحساب ، وقرب إلى الصراط. قال : فلما جزت إلى الصراط ، فإذا أنا بالنبي عليه‌السلام جالس على شفير الحوض ، والحسن والحسين عليهما‌السلام بيديهما كأس النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يسقيان الأمة ، فدنوت إلى الحسن عليه‌السلام فقلت : اسقني ، فأبى علي ، فدنوت إلى الحسين عليه‌السلام فقلت له : اسقني ، فأبى علي.

فأتيت النبي عليه‌السلام فقلت : يا رسول الله ، مر الحسن والحسين يسقياني ، قال : لا تسقياه. قلت : بأبي أنت وأمي ، أنا مؤمن بالله وبك ، لم أخالفك ، فكيف لا تسقونني! مر الحسن والحسين أن يسقياني ، فقال : لا تسقياه ، فإن في جواره رجلا يلعن عليا فلم يمنعه ، فدفع إلي سكينا وقال : اذهب فاذبحه ، فذهبت في منامي فذبحته ، ثم رجعت فقلت بأبي أنت وأمي قد فعلت ما أمرتني به. قال : هات السكين ، فدفعته ، قال : يا حسين اسقه. قال : فسقاني الحسين عليه‌السلام وأخذت الكأس بيدي ، ولا أدري شربت أم لا ، ولكني استنبهت من نومي ، وإذا بي من الرعب غير قليل ، فقمت إلى صلاتي ، فلم أزل أصلي وأبكي حتى انفجر عمود الصبح ، فإذا بولولة وصيحة ، وإذا هم ينادون

٧٣٦

فلان ذبح على فراشه ، وإذا أنا بالحرس والشرطة يأخذون البرئ والجيران ، فقلت : سبحان الله ، هذا شئ رأيته في المنام ، فحققه الله! فقمت إلى الأمير فقلت : أصلحك الله ، هذا أنا فعلته والقوم براء. قال لي : ويحك ما تقول! فقلت : أيها الأمير ، هذه رؤيا رأيتها في منامي ، فإن كان الله حققها فما ذنب هؤلاء وقصصت عليه الرؤيا ، فقال الأمير : اذهب فجزاك الله خيرا ، أنت برئ ، والقوم براء.

قال عثمان بن عفان : فهذا أعجب حديث سمعته قط.

١٥٣٧ / ٣ ـ قال الفضل : وروى محمد بن رافع ، وأحمد بن نصر ، وحميد بن زنجويه ، زاد بعضهم على بعض ، عن علي بن عاصم ، والنضر بن شميل ، عن عوف عن أبي القموص ، قال : شرب إنسان الخمر قبل أن تحرم ، فاقبل ينوح على قتلى المشركين ، الذين قتلهم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يوم بدر ، فقال :

نحيي بالسلامة أم بكر

وهل لك بعد رهط من سلام

ذريني اصطبح يا بكر إني

رأيت الموت رحب عن (١) هشام

يود بنو المغيرة لو فدوه

بألف من رجال أو سوام

يحدثني النبي بأن سنحيا

وكيف حياة أصداء وهام

ألا من مبلغ الرحمن عني

بأني تارك شهر الصيام

أيقتلني إذا ما كنت حيا

ويحييني إذا رمت عظامي

إذا ما الرأس فارق منكبيه

فقد شبع الأنيس من الطعام

وقال بعض الشعراء في ذلك :

لولا فلان وسوء سكرته

كانت حلالا كسائغ العسل

انتهى بحمد الله ومنه كتاب الأمالي لشيخ الطائفة

محمد بن الحسن الطوسي رحمه‌الله.

__________________

(١)كذا والظاهر أنه تصحيف : قرب من.

٧٣٧
٧٣٨

الفهارس

١ ـ فهرس الآيات القرآنية................................................................ ٧٤١

٢ ـ فهرس الأحاديث والآثار............................................................. ٧٥٧

٣ ـ فهرس القوافي....................................................................... ٨٢٧

٤ ـ فهرس المحتوى....................................................................... ٨٣١

٧٣٩
٧٤٠