الأمالي

أبي جعفر محمّد بن الحسن بن علي بن الحسن الطّوسي [ شيخ الطائفة ]

الأمالي

المؤلف:

أبي جعفر محمّد بن الحسن بن علي بن الحسن الطّوسي [ شيخ الطائفة ]


المحقق: مؤسسة البعثة
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: دار الثقافة للطباعة والنشر
الطبعة: ١
الصفحات: ٨٨٨

فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : أما إني سأعطيها من يأخذها بحقها ، ومن لا يقول مثل ما تقول ، يا علي هاكها خالصة لا يحاقك فيها أحد ، يا علي اقبل وصيتي وأنجز مواعيدي وأد ديني ، يا علي اخلفني في أهلي ، وبلغ عني من بعدي.

قال علي عليه‌السلام. فلما نعى إلي نفسه ، رجف فؤادي وألقي علي لقوله البكاء ، فلم أقدر أن أجيبه بشئ ، ثم عاد لقوله فقال : يا علي ، أو تقبل وصيتي؟ قال : فقلت ، وقد خنقتني العبرة ، ولم أكد أن أبين. نعم ، يا رسول الله.

فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : يا بلال ائتني بسوادي (١) ، ائتني بذي الفقار ، ودرعي ذات الفضول ، ائتني بمغفري ذي الجبين ، ورايتي العقاب ، وائتني بالعنزة (٢) والممشوق (٢)؟ فأتى بلال بذلك كله إلا درعه كانت يومئذ مرتهنة.

ثم قال : ائتني بالمرتجز (٤) والعضباء (٥) ، ائتني باليعفور والدلدل (٦) ، فأتى بها ، فأوقفها بالباب ، ثم قال : ائتني بالاتحمية (٧) والسحاب ، فأتاه بهما فلم يزل يدعو بشئ شئ ، فافتقد عصابة كان يشد بها بطنه في الحرب ، فطلبها فأتي بها ، والبيت غاص يومئذ بمن فيه من المهاجرين والأنصار.

ثم قال : يا علي ، قم فاقبض هذا؟ ومد إصبعه ، وقال : في حياة مني ، وشهادة من في البيت ، لكيلا ينازعك أحد من بعدي ، فقمت وما أكاد أمشي على قدم حتى استودعت ذلك جميعا منزلي. فقال : يا علي أجلسني ، فأجلسته وأسندته إلى صدري.

__________________

(١) أي أمتعته وثقله ، ويطلق السواد على المال أيضا.

(٢) العنزة : شبه العكازة ، أطول من العصاء وأقصر من الرمح ، ولها زج من أسفلها.

(٣) الممشوق من القضبان : الطويل الدقيق.

(٤) المرتجز : فرسه صلى‌الله‌عليه‌وآله سمي به لحسن صهيله.

(٥) العضباء : ناقته صلى‌الله‌عليه‌وآله سميت به لنجابتها.

(٦) اليعفور : حمار كان لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، الدلدل : بغلة شهباء كانت له صلى‌الله‌عليه‌وآله.

(٧) الاتحمية : ضرب من البرود ينسج في بلاد العرب.

٦٠١

قال علي عليه‌السلام : فلقد رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وإن رأسه ليثقل ضعفا ، وهو يقول يسمع أقصى أهل البيت وأدناهم : إن أخي ووصيي ووزيري وخليفتي في أهلي علي بن أبي طالب ، يقضي ديني ، وينجز موعدي ، يا بني هاشم ، يا بني عبد المطلب ، لا تبغضوا عليا ، ولا تخالفوا أمره فتضلوا ، ولا تحسدوه وترغبوا عنه فتكفروا ، أضجعني يا علي ، فأضجعته فقال : يا بلال ائتني بولدي الحسن والحسين ، فانطلق فجاء بهما فأسندهما إلى صدره ، فجعل صلى‌الله‌عليه‌وآله يشمهما. قال علي عليه‌السلام : فظننت أنهما قد غماه ـ قال أبو الجارود : يعني أكرباه ـ فذهبت لآخذهما عنه ، فقال : دعهما يا علي يشماني وأشمهما ، ويتزودا مني وأتزود منهما ، فسيلقيان من بعدي أمرا عضالا ، فلعن الله من يخيفهما ، اللهم إني أستودعكهما وصالح المؤمنين.

١٢٤٥ / ٢ ـ وعنه ، قال : أخبرنا جماعة ، عن أبي المفضل ، قال : حدثنا أبو أحمد عبيد الله بن الحسين بن إبراهيم العلوي النصيبي ، قال : حدثنا أبي ، قال : حدثنا عبد العظيم بن عبد الله الحسني بالري ، قال : حدثنا أبو جعفر محمد بن علي بن موسى الرضا ، عن أبيه ، عن آبائه ، عن علي بن الحسين ، عن الحسين بن علي ، عن أمير المؤمنين عليهم‌السلام ، أنه قال : المرض لا أجر فيه ، ولكنه لا يدع على العبد ذنبا إلا حطه ، وإنما الاجر في القول باللسان والعمل بالجوارح ، وإن الله بكرمه وفضله يدخل العبد بصدق النية والسريرة الصالحة الجنة.

١٢٤٦ / ٣ ـ وعنه ، قال. أخبرنا جماعة ، عن أبي المفضل ، قال : حدثنا محمد بن جعفر بن الحسن الرزاز أبو العباس ، قال : حدثنا أبو أمي محمد بن عيسى أبو جعفر القيسي ، قال : حدثنا إسحاق بن يزيد الطائي ، عن عبد الغفار بن القاسم ، عن عبد الله بن شريك العامري ، عن جندب بن عبد الله البجلي ، عن علي بن أبي طالب عليه‌السلام ، قال : دخلت على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قبل أن يضرب الحجاب وهو في منزل عائشة ، فجلست بينه وبينها فقالت : يا بن أبي طالب ، ما وجدت لاستك مكانا غير فخذي أمط عني ، فضرب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بين كتفيها ، ثم قال لها : ويل لك ما

٦٠٢

تريدين من أمير المؤمنين ، وسيد المسلمين ، وقائد الغر المحجلين.

١٢٤٧ / ٤ ـ وعنه ، قال : أخبرنا جماعة ، عن أبي المفضل ، قال : حدثنا جعفر بن محمد أبو القاسم الموسوي في منزله بمكة ، قال : حدثني عبيد الله بن أحمد بن نهيك الكوفي بمكة ، قال : حدثنا جعفر بن محمد الأشعري القمي ، قال : حدثني عبد الله بن ميمون القداح ، عن جعفر بن محمد ، عن آبائه ، عن علي عليهم‌السلام ، قال : جاء رجل من الأنصار إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : يا رسول الله ، ما حق العلم؟ قال : الانصات له. قال : ثم مه. قال : الاستماع له. قال : ثم مه. قال : ثم الحفظ. قال : ثم مه ، يا نبي الله. قال : العمل به. قال : ثم مه. قال : ثم نشره.

١٢٤٨ / ٥ ـ وعنه ، قال : أخبرنا جماعة ، عن أبي المفضل ، قال : حدثنا محمد بن محمود ابن بنت الأشج الكندي بأسوان ، قال : حدثنا محمد بن عيسى بن هشام الناشري الكوفي ، قال : حدثنا الحسن بن علي بن فضال ، قال : حدثنا عاصم بن حميد الحناط ، عن أبي حمزة ثابت بن أبي صفية ، قال : حدثني أبو جعفر محمد بن علي عليهما‌السلام ، عن آبائه عليهم‌السلام. قال عاصم : وحدثني أبو حمزة ، عن عبد الله بن الحسن بن الحسن ، عن أمه فاطمة بنت الحسين عليهما‌السلام ، عن أبيها الحسين ، عن أبيه عليهما‌السلام ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله. ثلاث خصال من كن فيه استكمل خصال الايمان : الذي إذا رضي لم يدخله رضاه في باطل ، وإذا غضب لم يخرجه الغضب من الحق ، وإذا قدر لم يتعاط ما ليس له.

١٢٤٩ / ٦ ـ وعنه ، قال : أخبرنا جماعة ، عن أبي المفضل ، قال. حدثنا محمد بن أحمد بن أبي الثلج ، قال : حدثنا محمد بن يحيى الخنيسي ، قال : حدثنا منذر بن جيفر العبدي ، عن الرصافي ـ واسمه عبيد الله بن الوليد ـ ، عن أبي جعفر محمد بن علي عليهما‌السلام ، عن أم سلمة ( رضي‌الله‌عنها ) ، قالت : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : صنائع المعروف تقي مصارع السوء ، والصدقة خفيا تطفئ غضب الرب ، وصلة الرحم زيادة في العمر ، وكل معروف صدقة ، وأهل المعروف في الدنيا أهل المعروف في الآخرة ، وأهل المنكر في الدنيا أهل المنكر في الآخرة ، وأول من يدخل الجنة أهل المعروف.

٦٠٣

١٢٥٠ / ٧ ـ وعنه ، قال : أخبرنا جماعة ، عن أبي المفضل ، قال : حدثنا عبد الله ابن سليمان بن الأشعث السجستاني ، قال : حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن زيد النهشلي شاذان ، قال. حدثنا زكريا بن يحيى الخزاز ، قال : حدثنا مندل بن علي العنزي ، عن الأعمش ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في بيته ، فغدا إليه علي عليه‌السلام في الغداة ، وكان يحب أن لا يسبقه إليه أحد ، فدخل فإذا النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في صحن الدار ، وإذا رأسه في حجر دحية بن خليفة الكلبي ، فقال : السلام عليك ، كيف أصبح رسول صلى‌الله‌عليه‌وآله؟ قال : بخير ، يا أخا رسول الله. فقال علي عليه‌السلام : جزاك الله عنا أهل البيت خيرا. قال له دحية : إني أحبك ، وإن لك عندي مديحة أهديها إليك. أنت أمير المؤمنين ، وقائد الغر المحجلين ، وسيد ولد آدم ما خلا النبيين والمرسلين ، لواء الحمد بيدك يوم القيامة ، تزف أنت وشيعتك مع محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله وحزبه إلى الجنان ، قد أفلح من والاك ، وخاب وخسر من خلاك ، محبو محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله محبوك ، ومبغضوه مبغضوك ، لا تنالهم شفاعة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ادن من صفوة الله. فأخذ رأس النبي عليه‌السلام فوضعه في حجره ، فانتبه النبي عليه‌السلام فقال : ما هذه الهمهمة ، فأخبره الحديث ، فقال : لم يكن دحية ، كان جبرئيل عليه‌السلام سماك باسم سماك الله ( تعالى ) به ، وهو الذي ألقى محبتك في قلوب المؤمنين ، ورهبتك في صدور الكافرين.

١٢٥١ / ٨ ـ قال أبو المفضل : سمعت عبد الله بن أبي داود قبل أن يبنى له المنبر ، يعتذر إلى أبي عبد الله المستملي من النصب ، ثم أملى ذلك المجلس كله من حفظه في فضائل أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وهذا الحديث أول ما بدأ به :

قال أبو المفضل : وحدثنا عبد الله بن سليمان بن الأشعث ، قال : حدثنا هشام بن يونس اللؤلؤي ، قال : حدثنا حسين بن سليمان ـ يعني الأنصاري الرفاء ـ ، عن عبد الملك بن عمير ، عن أنس بن مالك ، قال : نظر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى علي بن أبي طالب عليه‌السلام ، فأخذ بيده ، وقال : يا علي ، كذب من زعم أنه يحبني وهو يبغضك.

١٢٥٢ / ٩ ـ وعنه ، قال : أخبرنا جماعة ، عن أبي المفضل ، قال : حدثنا أبو جعفر

٦٠٤

محمد بن الحسين بن حفص الخثعمي بالكوفة ، قال : حدثنا عباد بن يعقوب أبو سعيد الأسدي ، قال : أخبرني السيد بن عيسى الهمداني ، عن الحكم بن عبد الرحمن بن أبي نعم ، عن أبي سعيد الخدري ، قال : كانت أمارة المنافقين بغض علي بن أبي طالب عليه‌السلام ، فبينا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في المسجد ذات يوم ، في نفر من المهاجرين والأنصار ، وكنت فيهم ، إذ أقبل علي عليه‌السلام فتخطى القوم حتى جلس إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وكان هناك مجلسه الذي يعرف به ، فسار رجل رجلا وكانا يرميان بالنفاق ، فعرف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ما أرادا ، فغضب غضبا شديدا حتى التمع وجهه ، ثم قال : والذي نفسي بيده ، لا يدخل عبد الجنة حتى يحبني ، ألا وكذب من زعم أنه يحبني وهو يبغض هذا ، وأخذ بكف علي عليه‌السلام ، فأنزل الله ( عزوجل ) هذه الآية في شأنهما ( يا أيها الذين آمنوا إذا تناجيتم فلا تتناجوا بالاثم والعدوان ومعصية الرسول ) (١) إلى آخر الآية.

__________________

(١) سورة المجادلة ٥٨ : ٩.

٦٠٥

[٢٨]

مجلس يوم الجمعة

السابع من ربيع الآخر سنة سبع وخمسين وأربع مائة

فيه بقية أحاديث أبي المفضل محمد بن عبد الله الشيباني.

بسم الله الرحمن الرحيم

١٢٥٣ / ١ ـ حدثنا الشيخ أبو جعفر محمد بن الحسن بن علي بن الحسن الطوسي ( قدس الله روحه ) ، قال : أخبرنا جماعة ، قال : حدثنا أبو المفضل محمد بن عبد الله ابن المطلب الشيباني ، قال : حدثنا محمد بن القاسم بن زكريا المحاربي ، قال : حدثنا عباد بن يعقوب ، قال : أخبرنا مطر بن أرقم ، عن الحسن بن عمرو النعيمي ، عن أبي قبيصة صفوان بن قبيصة ، عن الحارث بن سويد : أنه حدثه أن عبد الله بن مسعود أخبرهم ، قال : قرأت على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله سبعين سورة من القرآن ، أخذتها من فيه ، وزيد ذو ذؤابتين يلعب مع الصبيان ، وقرأت سائر ـ أو قال : بقية ـ القرآن على خير هذه الأمة وأقضاهم بعد نبيهم صلى‌الله‌عليه‌وآله علي بن أبي طالب (صلوات الله عليه).

١٢٥٤ / ٢ ـ وعنه ، قال : أخبرنا جماعة ، عن أبي المفضل ، قال : حدثنا محمد بن فيروز بن غياث الجلاب بباب الأبواب ، قال : حدثنا محمد بن الفضل بن المختار الباني ، ويعرف بفضلان صاحب الجار ، قال : حدثني أبي الفضل بن مختار ، عن الحكم ابن ظهير الفزاري الكوفي ، عن ثابت بن أبي صفية أبي حمزة ، قال : حدثني أبو عامر

٦٠٦

القاسم بن عوف ، عن أبي الطفيل عامر بن واثلة ، قال : حدثني سلمان الفارسي رضي‌الله‌عنه ، قال : دخلت على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في مرضه الذي قبض فيه ، فجلست بين يديه وسألته عما يجد ، وقمت لأخرج ، فقال لي : اجلس يا سلمان ، فسيشهدك الله ( عزوجل ) أمرا إنه لمن خير الأمور ، فجلست فبينا أنا كذلك إذ دخل رجال من أهل بيته ورجال من أصحابه ، ودخلت فاطمة عليها‌السلام ابنته فيمن دخل ، فلما رأت ما برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من الضعف خنقتها العبرة حتى فاض دمعها على خدها ، فأبصر ذلك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : ما يبكيك يا بنية ، أقر الله عينك ، ولا أبكاها؟ قالت : وكيف لا أبكي ، وأنا أرى ما بك من الضعف. قال لها : يا فاطمة ، توكلي على الله ، واصبري كما صبر آباؤك من الأنبياء ، وأمهاتك من أزواجهم ، ألا أبشرك يا فاطمة؟ قالت : بلى يا نبي الله ـ أو قالت : يا أبه ـ.

قال : أما علمت أن الله ( تعالى ) اختار أباك فجعله نبيا ، وبعثه إلى كافة الخلق رسولا ، ثم اختار عليا فأمرني فزوجتك إياه واتخذته بأمر ربي وزيرا ووصيا.

يا فاطمة ، إن عليا أعظم المسلمين على المسلمين بعدي حقا ، وأقدمهم سلما ، وأعلمهم علما ، وأحلمهم حلما ، وأثبتهم في الميزان قدرا ، فاستبشرت فاطمة عليها‌السلام ، فأقبل عليها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : هل سررتك يا فاطمة؟ قالت : نعم يا أبه. قال : أفلا أزيدك في بعلك وابن عمك من مزيد الخير وفواضله؟ قالت : بلى يا نبي الله.

قال : إن عليا أول من آمن بالله ( عزوجل ) ورسوله من هذه الأمة ، هو وخديجة أمك ، وأول من وازرني على ما جئت.

يا فاطمة ، إن عليا أخي وصفيي وأبو ولدي ، إن عليا أعطي خصالا من الخير لم يعطها أحد قبله ولا يعطاها أحد بعده ، فأحسني عزاك ، واعلمي أن أباك لاحق بالله ( عزوجل ).

قالت : يا أبتاه فرحتني وأحزنتني. قال : كذلك يا بنية أمور الدنيا ، يشوب سرورها حزنها ، وصفوها كدرها ، أفلا أزيدك يا بنية؟ قالت : بلى يا رسول الله.

٦٠٧

قال : إن الله ( تعالى ) خلق الخلق فجعلهم قسمين ، فجعلني وعليا في خيرهما قسما ، وذلك قوله ( عزوجل ) : ( وأصحاب اليمين ما أصحاب اليمين ) (١) ثم جعل القسمين قبائل ، فجعلنا في خيرها قبيلة ، وذلك قوله ( عزوجل ) : ( وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم ) (٢) ثم جعل القبائل بيوتا ، فجعلنا في خيرها بيتا في قوله ( سبحانه ) : ( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ) (٣) ، ثم إن الله ( تعالى ) اختارني من أهل بيتي ، واختار عليا والحسن والحسين وأختارك ، فأنا سيد ولد ادم ، وعلي سيد العرب ، وأنت سيدة النساء ، والحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة ، ومن ذريتكما المهدي ، يملا الله ( عزوجل ) به الأرض عدلا كما ملئت من قبله جورا.

١٢٥٥ / ٣ ـ وعنه ، قال : أخبرنا جماعة ، عن أبي المفضل ، قال : حدثنا محمد بن محمد بن سليمان الباغندي ، قال : حدثني هشام بن ناجية أبو ثور القرشي بسلمية ، قال : حدثني عطاء بن مسلم الحلبي ، عن أزهر بن راشد ، عن أبي هارون العبدي ، عن أبي سعيد الخدري : أنه ذكروا عليا عليه‌السلام ، فقال : إنه كان من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بمنزلة خاصة ، ولقد كانت له عليه دخلة لم تكن لاحد من الناس.

١٢٥٦ / ٤ ـ وعنه ، قال : أخبرنا جماعة ، عن أبي المفضل ، قال : حدثنا محمد بن العباس بن اليزيدي النحوي أبو عبد الله ، قال : حدثنا أبو الأسود الخليل بن أسد النوشجاني ، قال : حدثني محمد بن سلام الجمحي ، قال : حدثني يونس بن حبيب النحوي ، وكان عثمانيا ، قال. قلت للخليل بن أحمد : أريد أن أسألك عن مسألة فتكتمها علي؟ قال : إن قولك يدل على أن الجواب أغلظ من السؤال ، فتكتمه أنت أيضا؟ قال : قلت : نعم ، أيام حياتك. قال : سل. قال : قلت. ما بال أصحاب رسول

__________________

(١) سورة الواقعة ٥٦ : ٢٧.

(٢) سورة الحجرات ٤٩ : ١٣.

(٢) سورة الأحزاب ٣٣ : ٣٣.

٦٠٨

الله ( صلى‌الله‌عليه‌وآله ورحمهم ) كأنهم كلهم بنو أم واحدة وعلي بن أبي طالب من بينهم كأنه ابن علة (١)؟ قال : من أين لك هذا السؤال؟ قال : قلت : قد وعدتني الجواب. قال : وقد ضمنت الكتمان. قال : قلت : أيام حياتك.

فقال : إن عليا عليه‌السلام تقدمهم إسلاما ، وفاقهم علما ، وبذهم (١) شرفا ، ورجحهم زهدا ، وطالهم جهادا فحسدوه ، والناس إلى أشكالهم وأشباههم أميل منهم إلى من بان منهم ، فافهم.

١٢٥٧ / ٥ ـ وعنه ، قال : أخبرنا جماعة ، عن أبي المفضل ، قال. حدثنا أبو دلف هاشم بن مالك الخزاعي في مسجد الشرقية ببغداد سنة أربع وثلاث مائة ، قال : حدثنا العباس بن الفرج الرياشي ، قال : حدثنا أبو زيد سعيد بن أوس ، قال : سمعت أبا عمرو ابن العلاء :

لكل امرئ شكل من الناس مثله

فأكثرهم شكلا أقلهم عقلا

لان صحيح العقل لست بواجد له

في طريق حين تفقده شكلا

١٢٥٨ / ٦ ـ وعنه ، قال : أخبرنا جماعة ، عن أبي المفضل ، قال : حدثنا الحسن ابن علي بن زكريا البصري ، قال : حدثنا سليمان بن داود أبو أيوب الشاذكوني البصري ، قال : حدثنا سفيان بن عيينة ، قال : سمعت جعفر بن محمد عليه‌السلام يقول في مسجد الخيف : إنما سموا إخوانا لنزاهتهم عن الخيانة ، وسموا أصدقاء لأنهم يصادقوا حقوق المودة.

١٢٥٩ / ٧ ـ وعنه ، قال : أخبرنا جماعة ، عن أبي المفضل ، قال : حدثنا إسحاق ابن محمد بن مروان الغزال ، قال. حدثنا أبي ، قال : حدثنا أبو حفص الأعشى ، قال : سمعت الحسن بن صالح بن حي ، قال : سمعت جعفر بن محمد عليهما‌السلام يقول : لقد عظمت منزلة الصديق حتى إن أهل النار يستغيثون به ويدعونه قبل القريب الحميم ،

__________________

(١) العلة : الضرة ، وبنو الغلات : بنو رجل وأحد من أمهات شتى.

(٢) أي غلبهم وفاقهم.

٦٠٩

قال الله ( تعالى ) مخبرا : ( فما لنا من شافعين * ولا صديق حميم ) (١).

١٢٦٠ / ٨ ـ وعنه ، قال : أخبرنا جماعة ، عن أبي المفضل ، قال : حدثنا أبو عبد الله جعفر بن محمد بن جعفر العلوي الحسني ، قال : حدثنا أبو نصر أحمد بن عبد المنعم بن نصر الصيداوي ، قال : حدثنا عبد الله بن بكير ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه عليهما‌السلام ، عن جابر بن عبد الله ، قال. قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : لو أن الدنيا كلها لقمة واحدة فأكلها العبد المسلم ثم قال : « الحمد لله » ، لكان قوله ذلك خيرا له من الدنيا وما فيها.

١٢٦١ / ٩ ـ وعنه ، قال : أخبرنا جماعة ، عن أبي المفضل ، قال : أخبرنا رجاء بن يحيى أبو الحسين العبرتائي الكاتب ، قال : حدثنا أبو هاشم داود بن القاسم بن المفضل ، قال : حدثنا عبيد الله بن الفضل أبو عيسى النبهاني بالقسطاس ، قال : حدثنا هارون بن عيسى بن بهلول المصري الدهان ، قال : حدثنا بكار بن محمد بن شعبة اليمامي ، قال. حدثني محمد بن شعبة الذهلي قاضي اليمامة ، قال : حدثني بكر بن الملك الأعتق البصري ، عن علي بن الحسين ، عن أبيه ، عن جده أمير المؤمنين عليهم‌السلام ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : يا علي ، خلق الله الناس من أشجار شتى ، وخلقني وأنت من شجرة واحدة ، أنا أصلها وأنت فرعها ، فطوبى لعبد تمسك بأصلها ، وأكل من فرعها.

١٢٦٢ / ١٠ ـ وعنه ، قال : أخبرنا جماعة ، عن أبي المفضل ، قال : حدثنا محمد ابن سعيد بن محمد بن شرحبيل أبو بكر الترخمي بحمص ، وعبد الرزاق بن سليمان ابن غالب الأزدي بأرتاح واللفظ له ، قالا : حدثنا أبو عبد الغني الحسن بن علي الأزدي المعاني بمعان ، قال : حدثنا عبد الرزاق بن همام ، قال. أخبرني أبي ، عن مينا بن أبي مينا مولى عبد الرحمن بن عوف ، قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : أنا الشجرة ، وفاطمة فرعها ، وعلي لقاحها ، والحسن والحسين ثمرها.

__________________

(١) سورة الشعراء ٢٦ : ١٠٠ ، ١٠١.

٦١٠

وزاد عبد الرزاق : وشيعتنا ورقها ، الشجرة أصلها في جنة عدن ، والفرع والورق والثمر في الجنة.

١٢٦٣ / ١١ ـ وعنه ، قال : أخبرنا جماعة ، عن أبي المفضل ، قال : حدثنا عبد الله ابن إسحاق بن إبراهيم بن حماد الخطيب المدائني ، قال : حدثنا عثمان بن عبد الله بن عمرو بن عثمان ، قال : حدثنا عبد الله بن لهيعة ، عن أبي الزبير ، قال : سمعت جابر بن عبد الله يقول : بينا النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بعرفات وعلي عليه‌السلام تجاهه ونحن معه ، إذ أومأ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى علي عليه‌السلام فقال : ادن مني يا علي ، فدنا منه ، فقال : ضع خمسك ـ يعني كفك ـ في كفي ، فأخذ بكفه ، فقال : يا علي ، خلقت أنا وأنت من شجرة ، أنا أصلها ، وأنت فرعها ، والحسن والحسين أغصانها ، من تعلق بغصن من أغصانها أدخله الله الجنة.

١٢٦٤ / ١٢ ـ وعنه ، قال : أخبرنا جماعة ، عن أبي المفضل ، قال : حدثنا الحسن ابن علي بن زكريا العاصمي ، قال : حدثنا صهيب بن عباد بن صهيب ، قال : حدثنا أبي ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن جده ، عن أبيه ، عن علي بن أبي طالب عليهم‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : أنا الشجرة ، وفاطمة فرعها ، وعلي لقاحها ، والحسن والحسين ثمرها ، وأغصان الشجرة ذاهبة على ساقها ، فأي رجل تعلق بغصن من أغصانها أدخله الله الجنة برحمته.

قيل : يا رسول الله ، قد عرفنا الشجرة وفرعها ، فمن أغصانها؟ قال : عترتي ، فما من عبد أحبنا أهل البيت ، وعمل بأعمالنا ، وحاسب نفسه قبل أن يحاسب ، إلا أدخله الله ( عزوجل ) الجنة.

٦١١

[٢٩]

مجلس يوم الجمعة

الحادي والعشرين من شهر ربيع الآخر سنة سبع وخمسين وأربع مائة

فيه بقية أحاديث أبي المفضل محمد بن عبد الله الشيباني.

بسم الله الرحمن الرحيم

١٢٦٥ / ١ ـ حدثنا الشيخ أبو جعفر محمد بن الحسن بن علي بن الحسن الطوسي ( قدس الله روحه ) ، قال : أخبرنا جماعة ، عن أبي المفضل ، قال : حدثنا يحيى بن علي بن عبد الجبار السدوسي بالسيرجان ، قال : حدثني عمي محمد بن عبد الجبار ، قال : حدثنا حماد بن عيسى ، عن عمر بن أذينة ، عن أبان ومعاوية بن الريان ، جميعا عن شهر بن حوشب ، عن أبي أمامة صدي بن عجلان الباهلي ، قال : كنا ذات يوم عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله جلوسا ، فأتى علي عليه‌السلام فدخل المسجد ، وقد وافق من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قياما ، فلما رأى عليا جلس ، ثم أقبل عليه ، فقال : يا أبا الحسن ، إنك أتيت ووافق قياما فجلست لك ، أفلا أخبرك ببعض ما فضلك الله به؟ أخبرك أني ختمت النبيين ، وختمت أنت يا علي الوصيين ، وحق على الله ألا يوقف موسى بن عمران عليه‌السلام موقفا إلا أوقف معه وصيه يوشع بن نون ، وإني أقف وتوقف وأسأل وتسأل ، فاعدد يا بن أبي طالب جوابا ، فإنما أنت مني تزول أينما زلت.

قال علي عليه‌السلام : يا نبي الله ، فما الذي تبينه لي ، لأهتدي بهداك لي؟

٦١٢

فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : يا علي ، من يهدي الله فلا مضل له ومن يضلل الله فلا هادي له ، وإنه ( عزوجل ) هاديك ومعلمك ، وحق لك أن تعي ، لقد أخذ الله ميثاقي وميثاقك وميثاق شيعتك وأهل مودتك إلى يوم القيامة ، فهم شيعتي وذوي مودتي ، وهم ذوي الألباب ، يا علي حق على الله أن ينزلهم في جناته ، ويسكنهم مساكن الملوك ، وحق لهم أن يطيبوا.

١٢٦٦ / ٢ ـ وعنه ، قال : أخبرنا جماعة ، عن أبي المفضل ، قال. حدثنا محمد بن جعفر الرزاز القرشي ، قال : حدثنا أيوب بن نوح بن دراج ، قال : حدثني محمد بن أبي عقيلة ، قال : حدثني الحسين بن زيد ، قال : حدثني أبي زيد بن علي ، عن أبيه علي بن الحسين عليهما‌السلام ، قال : سمعته يقول : من تعزى عن الدنيا بثواب الآخرة فقد تعزى عن حقير بخطير ، وأعظم من ذلك من عد فائتها سلامة نالها ، وغنيمة أعين عليها.

١٢٦٧ / ٣ ـ وعنه ، قال : أخبرنا جماعة ، عن أبي المفضل ، قال : حدثنا عبيد الله ابن محمد بن عبيد بن ياسين بن محمد بن عجلان التميمي العابد ، قال : سمعت سيدي أبا الحسن علي بن محمد ابن الرضا عليهم‌السلام بسر من رأى ، يقول : الغوغاء قتلة الأنبياء ، والعامة اسم مشتق من العمى ، ما رضي الله لهم أن شبههم بالانعام حتى قال : ( بل هم أضل ) (١).

١٢٦٨ / ٤ ـ وعنه ، قال : أخبرنا جماعة ، عن أبي المفضل ، قال : أخبرنا رجاء بن يحيى أبو الحسين العبرتائي الكاتب ، قال : حدثنا هارون بن مسلم بن سعدان الكاتب بسر من رأى ، عن مسعدة بن صدقة ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه محمد بن علي عليهم‌السلام ، قال : أردت سفرا ، فأوصاني أبي علي بن الحسين عليه‌السلام فقال في وصيته : إياك يا بني أن تصاحب الأحمق أو تخالطه واهجره ولا تحادثه ، فإن الأحمق هجنة (٢) غائبا كان أو حاضرا ، إن تكلم فضحه حمقه ، وإن سكت قصر به عيه ، وإن

__________________

(١) سورة الفرقان ٢٥ : ٤٤.

(٢) الهجنة في الكلام : العيب والقبح ، وفي العلم : إضاعته.

٦١٣

عمل أفسد ، وان استرعى أضاع ، لأعلمه من نفسه يغنيه ، ولا علم غيره ينفعه ، ولا يطيع ناصحه ، ولا يستريح مقارنه ، تود أمه أنها ثكلته ، وامرأته أنها فقدته ، وجاره بعد داره ، وجليسه الوحدة من مجالسته ، إن كان أصغر من في المجلس أعني من فوقه ، وإن كان أكبرهم أفسد من دونه.

١٢٦٩ / ٥ ـ وعنه ، قال : أخبرنا جماعة ، عن أبي المفضل ، قال : حدثني إبراهيم ابن حفص بن عمر العسكري بالمصيصة ، قال : حدثنا عبيد بن الهيثم الأنماطي بحلب ، قال : حدثنا الحسين بن علوان الكاتب ، قال : سمعت جعفر بن محمد عليهما‌السلام ، يحدث عن آبائه عليهم‌السلام ، عن علي (صلوات الله عليه) رفعه ، قال : حسن البشر بالناس نصف العقل ، والتقدير نصف المعيشة ، والمرأة الصالحة أحد الكاسبين.

١٢٧٠ / ٦ ـ وباسناده ، عن علي عليه‌السلام ، قال : ثلاثة لا ينتصفون من ثلاثة : شريف من وضيع ، وحليم من سفيه ، ومؤمن من فاجر.

١٢٧١ / ٧ ـ وعنه ، قال : أخبرنا جماعة ، عن أبي المفضل ، قال : حدثنا عبد الرزاق بن سليمان بن غالب الأزدي بأرتاح ، قال : حدثنا أبو عبد الغني الحسن بن علي الأزدي المعاني ، قال : حدثنا عبد الوهاب بن همام الحميري ، قال : حدثنا جعفر ابن سليمان الضبعي البصري قدم علينا اليمن ، قال : حدثنا أبو هارون العبدي ، عن ربيعة السعدي ، قال : حدثني حذيفة بن اليمان ، قال : لما خرج جعفر بن أبي طالب من أرض الحبشة إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قدم جعفر والنبي عليه‌السلام بأرض خيبر ، فأتاه بالفرع (١) من الغالية والقطيفة ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : لأدفعن هذه القطيفة إلى رجل يحب الله ورسوله ، ويحبه الله ورسوله ، فمد أصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أعناقهم إليها ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : أين علي؟ فوثب عمار بن ياسر فدعا عليا عليه‌السلام ، فلما جاء قال له النبي عليه‌السلام : يا علي ، خذ القطيفة إليك ، فأخذها علي عليه‌السلام وأمهل حتى قدم المدينة ، فانطلق إلى البقيع ، وهو سوق المدينة ، فأمر صائغا ففصل

__________________

(١) فرع كل شئ أعلاه ، والمراد بالنفيس العالي منهما.

٦١٤

القطيفة سلكا سلكا ، فباع الذهب ، وكان ألف مثال ، ففرقه علي عليه‌السلام في فقراء المهاجرين والأنصار ، ثم رجع إلى منزله ، ولم يترك له من الذهب قليلا ولا كثيرا ، فلقيه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله من غد في نفر من أصحابه فيهم حذيفة وعمار ، فقال : يا علي ، إنك أخذت بالامر ألف مثقال ، فاجعل غدائي اليوم وأصحابي هؤلاء عندك ، ولم يكن علي عليه‌السلام يرجع يومئذ إلى شئ من العروض (١) ذهب أو فضة ، فقال حياء منه وتكرما : نعم يا رسول الله ، وفي الرحب والسعة ، ادخل يا نبي الله أنت ومن معك. قال : فدخل لنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ثم قال لنا : ادخلوا.

قال حذيفة : وكنا خمسة نفر ، أنا وعمار وسلمان وأبو ذر والمقداد ( رضي‌الله‌عنهم ) ، فدخلنا ودخل علي على فاطمة عليها‌السلام يبتغي عندها شيئا من زاد ، فوجد في وسط البيت جفنة من ثريد تفور ، وعليها عراق (٢) كثير ، كأن رائحتها المسك ، فحملها علي عليه‌السلام حتى وضعها بين يدي النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ومن حضر معه ، فأكلنا منها حتى تملأنا ، ولا ينقص منها قليل ولا كثير ، وقام النبي عليه‌السلام حتى دخل على فاطمة عليها‌السلام ، وقال : أنى لك هذا الطعام ، يا فاطمة؟ فردت عليه ونحن نسمع قولهما فقالت : ( هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب ) (٣).

فخرج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله إلينا مستعبرا ، وهو يقول. الحمد لله الذي لم يمتني حتى رأيت لابنتي ما رأى زكريا عليه‌السلام لمريم. كان إذا دخل عليها المحراب وجد عندها رزقا فيقول لها : يا مريم أنى لك هذا؟ فتقول : ( هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب ).

١٢٧٢ / ٨ ـ وعنه ، قال. أخبرنا جماعة ، عن أبي المفضل ، قال : حدثنا محمد بن جعفر بن قيس بن مسكان أبو عمر المصيصي الفقيه من أصل كتابه ، قال : حدثنا

__________________

(١) العروض : جمع عرض ، وهو المتاع وحطام الدنيا.

(٢) العراق : العظم جرد لحمه.

(٣) سورة آل عمران ٣ : ٣٧.

٦١٥

عبد الله بن الحسين بن جابر أبو محمد إمام جامع المصيصة ، قال. حدثني عبد الحميد ابن عبد الرحمن بن بشير الحماني ، قال : حدثني عبد الله بن قيس بن الربيع ، عن أبي هارون العبدي ، عن أبي سعيد الخدري ، قال : أصبح علي عليه‌السلام ذات يوم ساغبا ، فقال : يا فاطمة ، هل عندك شئ تطعميني؟ قالت : والذي أكرم أبي بالنبوة ، وأكرمك بالوصية ، ما أصبح عندي شئ يطعمه بشر ، وما كان من شئ أطعمك منذ يومين إلا شئ كنت أوثرك به على نفسي وعلى الحسن والحسين. قال : أعلى الصبيين! ألا أعلمتني فآتيكم بشئ؟ قالت : يا أبا الحسن ، إني لأستحي من إلهي أن أكلفك ما لا تقدر.

فخرج واثقا بالله حسن الظن به ، فاستقرض دينارا ، فبينا الدينار في يد علي عليه‌السلام إذ عرض له المقداد رضي‌الله‌عنه في يوم شديد الحر ، قد لوحته الشمس من فوقه وتحته ، فأنكر علي عليه‌السلام شأنه ، فقال : يا مقداد ، ما أزعجك هذه الساعة؟ قال : خل سبيلي يا أبا الحسن ، ولا تكشفني عما ورائي. قال. إنه لا يسعني أن تجاوزني حتى أعلم علمك. قال : يا أبا الحسن ، إلى الله ثم إليك أن تخلي سبيلي ، ولا تكشفني عن حالي. فقال علي عليه‌السلام : إنه لا يسعك أن تكتمني حالك. فقال : إذا أبيت ، فوالذي أكرم محمدا بالنبوة وأكرمك بالوصية ما أزعجني إلا الجهد ، ولقد تركت عيالي بحال لم تحملني لها الأرض ، فخرجت مهموما وركبت رأسي فهذه حالي فهملت عينا علي عليه‌السلام بالدموع حتى أخضلت دموعه لحيته ، ثم قال : أحلف بالذي حلفت به ، ما أزعجني من أهلي إلا الذي أزعجك ، ولقد استقرضت دينارا فخذه ، فدفع الدينار إليه ، وآثره به على نفسه.

وانطلق إلى أن دخل مسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فصلى فيه الظهر والعصر والمغرب ، فلما قضى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله المغرب مر بعلي بن أبي طالب وهو في الصف الأول ، فغمزه برجله ، فقام علي عليه‌السلام مستعقبا خلف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حتى لحقه على باب من أبواب المسجد ، فسلم عليه ، فرد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : يا أبا الحسن ، هل عندك شئ نتعشاه فنميل معك؟ فمكث

٦١٦

مطرقا لا بحير جوابا حياء من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهو يعلم ما كان من أمر الدينار ، ومن أين أخذه ، وأين وجهه ، وقد كان أوحى الله ( تعالى ) إلى نبيه محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله أن يتعشى الليلة عند علي بن أبي طالب عليه‌السلام ، فلما نظر رسول الله إلى سكوته فقال : يا أبا الحسن ، مالك لا تقول : لا ، فانصرف ، أو تقول : نعم ، فأمضي معك؟ فقال حياء وتكرما : فاذهب بنا.

فأخذ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : يد علي بن أبي طالب عليه‌السلام فانطلقا حتى دخلا على فاطمة الزهراء عليها‌السلام وهي في مصلاها ، قد قضت صلاتها ، وخلفها جفنة تفور دخانا ، فلما سمعت كلام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في رحلها خرجت من مصلاها ، فسلمت عليه ، وكانت أعز الناس عليه ، فرد عليها‌السلام ، ومسح بيده على رأسها ، وقال لها : يا بنتاه ، كيف أمسيت رحمك الله. قالت : بخير ، قال : غفر الله لك وقد فعل ، فأخذت الجفنة ، فوضعتها بين يدي النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فلما نظر علي بن أبي طالب عليه‌السلام إلى الطعام وشم رائحته ، رمى فاطمة عليها‌السلام ببصره رميا شحيحا ، فقالت له فاطمة عليها‌السلام : سبحان الله ، ما أشح نظرك وأشده! هل أذنبت فيما بيني وبينك ذنبا استوجبت به السخطة؟ قال : وأي ذنب أعظم من ذنب أصبته؟ أليس عهدي بك اليوم الماضي ، وأنت تحلفين بالله مجتهدة ، ما طعمت طعاما مذ يومين؟ قال : فنظرت إلى السماء فقالت : إلهي يعلم في سمائه ويعلم في أرضه أني لم أقل إلا حقا. فقال لها : يا فاطمة ، أنى لك هذا الطعام الذي لم أنظر إلى مثل لونه قط ، ولم أشم مثل ريحه قط ، وما أكلت أطيب منه قط؟

قال : فوضع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : كفه الطيبة المباركة بين كتفي علي بن أبي طالب عليه‌السلام ، فغمزها ، ثم قال : يا علي ، هذا بدل دينارك ، وهذا جزاء دينارك من عند الله ( إن الله يرزق من يشاء بغير حساب ) (١) ثم استعبر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله باكيا ، ثم قال : الحمد لله الذي أبى لكم أن تخرجا من الدنيا حتى يجزيكما ، ويجزيك يا علي

__________________

(١) سورة آل عمران ٣ : ٣٧.

٦١٧

بمنزلة زكريا ، ويجري فاطمة مجرى مريم بنت عمران ، كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا.

١٢٧٣ / ٩ ـ وعنه ، قال : أخبرنا جماعة ، عن أبي المفضل ، باسناده عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سألت أم سلمة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : عن فضل النساء في خدمة أزواجهن ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : ما من امرأة رفعت من بيت زوجها شيئا من موضع إلى موضع تريد به صلاحا إلا نظر الله إليها ، ومن نظر الله إليه لم يعذبه.

فقالت أم سلمة ( رضي‌الله‌عنها ) : زدني في النساء المساكين من الثواب بأبي أنت وأمي. فقال : يا أم سلمة ، إن المرأة إذا حملت كان لها من الاجر كمن جاهد بنفسه وماله في سبيل الله ( عزوجل ) ، فإذا وضعت قيل لها : قد غفر لك ذنبك فاستأنفي العمل ، فإذا أرضعت فلها بكل رضعة تحرير رقبة من ولد إسماعيل.

١٢٧٤ / ١٠ ـ وعنه ، قال : أخبرنا جماعة ، عن أبي المفضل ، قال : حدثني احمد ابن إسحاق بن العباس أبو القاسم الموسوي بديبل ، قال : أخبرني أبي إسحاق بن العباس ، قال : حدثني إسماعيل بن محمد بن إسحاق بن جعفر بن محمد ، قال : حدثني علي بن جعفر بن محمد وعلي بن موسى بن جعفر ، هذا عن أخيه ، وهذا عن أبيه موسى بن جعفر ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن جده علي بن الحسين ، عن أبيه الحسين ، عن أبيه علي بن أبي طالب عليهم‌السلام : أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : أغزى عليا عليه‌السلام في سرية وأمر المسلمين أن ينتدبوا معه في سريته ، فقال رجل من الأنصار لأخ له : اغز بنا في سرية علي ، لعلنا نصيب خادما أو دابة أو شيئا نتبلغ به ، فبلغ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قوله ، فقال : إنما الأعمال بالنيات ، ولكل امرئ ما نوى ، فمن غزا ابتغاء ما عند الله ، فقد وقع أجره على الله ، ومن غزا يريد عرض الدنيا أو نوى عقالا لم يكن له إلا ما نوى.

١٢٧٥ / ١١ ـ وعنه ، قال : أخبرنا جماعة ، عن أبي المفضل ، قال. حدثنا علي بن جعفر بن مسافر الهذلي بتنيس ، قال : حدثنا أبي ، قال : حدثنا محمد بن يعلى ، عن أبي نعيم عمر بن صبح الهروي ، عن مقاتل بن حيان ، عن الضحاك بن مزاحم ، عن النزال

٦١٨

ابن سبرة ، عن علي عليه‌السلام وعبد الله بن مسعود ، عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال : من خرج يطلب بابا من علم ليرد به باطلا إلى حق أو ضلالة إلى هدى ، كان عمله ذلك كعبادة متعبد أربعين عاما.

١٢٧٦ / ١٢ ـ وعنه ، قال : أخبرنا جماعة ، عن أبي المفضل ، قال. حدثنا أبو محمد الحسن بن علي بن نعيم بن سهل بن أبان النعيمي الطائفي ، وكان مجاورا بمكة ، قال : حدثنا عقبة بن المنهال بن بحر أبو زياد ، قال. حدثنا عبد الله بن جعفر الهاشمي ، قال : حدثنا المتفجع بن مصعب بن توبة بن ثبيت المزني ، قال : حدثنا جعفر ابن محمد ، عن أبيه ، عن جده. قال : وحدثنا عقبة بن المنهال بن بحر ، قال : حدثنا عبد الله بن حميد بن البناء ، قال : حدثني موسى بن إسماعيل بن موسى ، عن أبيه ، عن جده ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن جابر ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : جاءني جبرئيل من عند الله بورقة آس خضراء مكتوب فيها ببياض. إني افترضت محبة علي على خلقي ، فبلغهم ذلك عني.

١٢٧٧ / ١٣ ـ وعنه ، قال : أخبرنا جماعة ، عن أبي المفضل ، قال : حدثنا أبو يعلى محمد بن زهير القاضي بالأبلة ، قال : حدثنا علي بن أيمن ، قال. حدثني مصبح ابن هلقام أبو علي العجلي ، قال : حدثنا محمد بن إبراهيم بن قروزي بالرملة ، قال : حدثنا أبو أمية محمد بن إبراهيم بن مسلم الطرسوسي ، قال : حدثنا الحسن بن عطية ، قال : كان أبي ينال من علي بن أبي طالب عليه‌السلام ، فأتي في المنام فقيل له : أنت الساب عليا؟ فخنق حتى أحدث في فراشه ثلاثا ، يعني صنع به ذلك في المنام ثلاث ليال.

١٢٧٨ / ١٤ ـ وعنه ، قال : أخبرنا جماعة ، عن أبي المفضل ، قال : حدثنا محمد ابن إبراهيم بن توزون ، قال : حدثنا أحمد بن داود بن موسى المكي بمصر ، قال : حدثنا زكريا بن يحيى الكسائي ، قال : حدثنا نوح بن دراج القاضي ، عن ابن أبي ليلى ، عن أبي جعفر المنصور ، قال : كان عندنا بالشراة قاض إذا فرغ من قصصه ذكر عليا عليه‌السلام فشتمه ، فبينا هو كذلك إذ ترك ذلك يوما ومن الغد ، فقالوا : نسي ، فلما كان اليوم الثالث

٦١٩

تركه أيضا ، فقالوا له وسألوه ، فقال : لا والله لا أذكره بشتيمة أبدا ، بينا أنا نائم والناس قد جمعوا فيأتون النبي عليه‌السلام فيقول لرجل : أسقهم ، حتى وردت على النبي عليه‌السلام فقال له : اسقه ، فطردني فشكوت ذلك إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فقلت : يا رسول الله ، مره فليسقني. قال : اسقه ، فسقاني قطرانا ، فأصبحت وأنا أتحشاه.

١٢٧٩ / ١٥ ـ وعنه ، قال. أخبرنا جماعة ، عن أبي المفضل ، قال : حدثنا أحمد ابن جعفر بن محمد بن أصرم البجلي بالكوفة ، قال. حدثنا محمد بن عمارة الأسدي ، قال : أخبرني يحيى بن ثعلبة ، قال : وحدثني أبو نعيم محمد بن جعفر بن محمد الحافظ بالرملة ، قال. حدثنا أحمد بن عبيد بن ناصح ، قال : حدثنا هشام بن محمد بن السائب أبو المنذر ، قال : حدثني يحيى بن ثعلبة أبو المقوم الأنصاري ، عن أمه عائشة بنت عبد الرحمن بن السائب ، عن أبيها ، قال. جمع زياد بن أبيه شيوخ أهل الكوفة وأشرافهم في مسجد الرحبة ليحملهم على سب أمير المؤمنين عليه‌السلام والبراءة منه ، وكنت فيهم ، فكان الناس من ذلك في أمر عظيم ، فغلبتني عيناي فنمت ، فرأيت في النوم شيئا طويلا ، طويل العنق ، أهدل ، أهدب (١) فقلت : من أنت؟ فقال : أنا النقاد ذو الرقبة. قلت : وما النقاد؟ قال : طاعون بعثت إلى صاحب هذا القصر لاجتثه من جديد الأرض ، كما عتا وحاول ما ليس له بحق. قال. فانتبهت فزعا ، وأنا في جماعة من قومي ، فقلت : هل رأيتم ما رأيت؟ فقال رجلان منهم. رأينا كيت وكيت بالصفة ، وقال الباقون : ما رأينا شيئا ، فما كان بأسرع من أن خرج خارج من دار زياد ، فقال : يا هؤلاء انصرفوا ، فإن الأمير عنكم مشغول ، فسألناه عن خبره ، فخبرنا أنه طعن في ذلك الوقت ، فما تفرقنا حتى سمعنا الواعية عليه ، فأنشأت أقول في ذلك.

قد جشم الناس أمرا ضاق ذرعهم

بحملهم حين ناداهم إلى الرحبة

يدعو على ناصر الاسلام حين يرى

له على المشركين الطول والغلبة

ما كان منتهيا عما أراد بنا

حتى تناوله النقاد ذو الرقبة

__________________

(١) الأهدل. المسترخي المشفر أو الشفة ، والأهدب : الذي طال هدب عينيه ، وكثرت أشفارهما.

٦٢٠