الأمالي

أبي جعفر محمّد بن الحسن بن علي بن الحسن الطّوسي [ شيخ الطائفة ]

الأمالي

المؤلف:

أبي جعفر محمّد بن الحسن بن علي بن الحسن الطّوسي [ شيخ الطائفة ]


المحقق: مؤسسة البعثة
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: دار الثقافة للطباعة والنشر
الطبعة: ١
الصفحات: ٨٨٨

١
٢

[١]

المجلس الأول

فيه أحاديث الشيخ المفيد محمد بن محمد بن

النعمان ، رواية أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي عنه.

بسم الله الرحمن الرحيم

١ / ١ ـ أملى علينا أبو عبد الله محمد بن محمد بن النعمان رحمه‌الله ، قال : حدثنا أبو الطيب الحسين بن علي بن محمد التمار ، قال : حدثنا محمد بن أحمد ، قال : حدثني جدي ، قال : حدثنا علي بن حفص المدائني ، قال : أخبرنا إبراهيم بن الحارث ، عن عبد الله بن دينار ، عن ابن عمر ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لا تكثروا الكلام بغير ذكر الله ، فإن كثرة الكلام بغير ذكر الله ، قسوة القلب ، إن أبعد الناس من الله القلب القاسي.

٢ / ٢ ـ قال : وحدثنا أبو الطيب ، قال : حدثنا علي بن ماهان ، قال : حدثنا عمي ، قال : حدثنا محمد بن عمر ، قال : حدثنا ثور بن يزيد ، عن مكحول ، قال : لما كان يوم خيبر خرج رجل من اليهود يقال له مرحب ، وكان طويل القامة عظيم الهامة ، وكانت اليهود تقدمه لشجاعته ويساره. قال : فخرج في ذلك اليوم إلى أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فما واقفه قرن (١) إلا قال : أنا مرحب ، ثم حمل عليه فلم يثبت له. قال :

__________________

(١) القرن : المثل في الشجاعة.

٣

وكانت له ظئر (١) ، وكانت كاهنة ، وكانت تعجب بشبابه وعظم خلقته ، وكانت تقول له : قاتل كل من قاتلك وغالب كل من غالبك إلا من تسمى عليك بحيدرة ، فإنك إن وقفت له هلكت.

قال : فلما كثر مناوشته ، وبعل الناس بمقامه (٢) شكوا ذلك إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وسألوه أن يخرج إليه عليا عليه‌السلام ، فدعا النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله عليا عليه‌السلام ، وقال له : يا علي اكفني مرحبا ، فخرج إليه أمير المؤمنين عليه‌السلام ، فلما بصر به مرحب أسرع إليه فلم يره يعبأ به ، فأنكر ذلك وأحجم عنه ، ثم أقدم وهو يقول :

أنا الذي سمتني أمي مرحبا

فأقبل علي عليه‌السلام بالسيف ، وهو يقول :

أنا الذي سمتني أمي حيدره

فلما سمعها منه مرحب هرب ولم يقف خوفا مما حذرته منه ظئره ، فتمثل له إبليس في صورة حبر من أحبار اليهود ، فقال : إلى أين يا مرحب؟ فقال : قد تسمى علي هذا القرن بحيدرة. فقال له إبليس : فما حيدرة؟ فقال : إن فلانة ظئري كانت تحذرني من مبارزة رجل اسمه حيدرة ، وتقول : إنه قاتلك. فقال له إبليس : شوها لك ، لو لم يكن حيدرة إلا هذا وحده لما كان مثلك يرجع عن مثله ، تأخذ بقول النساء وهن يخطئن أكثر مما يصبن ، وحيدرة في الدنيا كثير ، فارجع فلعلك تقتله ، فإن قتلته سدت قومك وأنا في ظهرك استصرخ اليهود لك. فرده فوالله ما كان إلا كفواق (٣) ناقة حتى ضربه علي عليه‌السلام ضربة سقط منها لوجهه وانهزم اليهود وهم يقولون : قتل مرحب ، قتل مرحب.

قال : وفي ذلك يقول الكميت بن زيد الأسدي رحمه‌الله في مدحه

__________________

(١) الظئر : المرضعة.

(٢) أي تحيروا ودهشوا.

(٣) الفواق : الوقت بين الحلبتين

٤

لعلي عليه‌السلام :

سقى جرع الموت ابن عثمان بعدما

تعاورها منه وليد ومرحب

فالوليد هو ابن عتبة خال معاوية بن أبي سفيان ، وعثمان بن طلحة من قريش ، ومرحب من اليهود.

٣ / ٣ ـ قال : وحدثنا أبو الطيب ، قال : حدثنا أحمد بن محمد ، قال : حدثنا أبو عثمان ، قال : حدثنا العتبي ، قال : سمعت أعرابيا يدعو ويقول : « اللهم ارزقني عمل الخائفين وخوف العاملين حتى أتنعم بترك النعيم ، رغبة فيما وعدت ، وخوفا مما أوعد ت ».

قال : وسمعت آخر يدعو فيقول في دعائه : اللهم إن لك علي حقوقا فتصدق علي بها ، وللناس علي تبعات فتحملها عني ، وقد أوجبت لعل ضيف قرى (١) ، وأنا ضيفك ، فاجعل قراي الليلة الجنة ».

٤ / ٤ ـ قال : وحدثنا أبو الطيب ، قال : حدثنا محمد بن القاسم الأنباري ، قال : حدثني أبي ، قال : حدثنا أبو الحسن علي بن الحسن الاعرابي ، قال : حدثنا علي بن عمروس ، عن هشام بن السائب ، عن أبيه ، قال : خطب الناس يوما معاوية بمسجد دمشق وفي الجامع يومئذ من الوفود علماء قريش وخطباء ربيعة ومدارهها (٢) ، وصناديد اليمن وملوكها ، فقال معاوية : إن الله ( تعالى ) أكرم خلفاءه فأوجب لهم الجنة فأنقذهم من النار ، ثم جعلني منهم وجعل أنصاري أهل الشام الذابين عن حرم الله ، المؤيدين بظفر الله ، المنصورين على أعداء الله.

قال : وفي الجامع من أهل العراق الأحنف بن قيس وصعصعة بن صوحان ، فقال الأحنف لصعصعة : أتكفيني أم أقوم أنا إليه؟ فقال صعصعة : بل أكفيكه أنا. ثم قام صعصعة فقال : يا بن أبي سفيان ، تكلمت فأبلغت ولم تقصر دون ما أردت ، وكيف

__________________

(١) القرى : ما يقدم إلى الضيف من طعام ونحوه.

(٢) المداره : جمع مدره ، السيد الشريف ، وزعيم القوم وخطيبهم المتكلم عنهم.

٥

يكون ما تقول وقد غلبتنا قسرا وملكتنا تجبرا ودنتنا بغير الحق ، واستوليت بأسباب الفضل علينا؟! فأما إطراؤك أهل الشام فما رأيت أطوع لمخلوق وأعصى لخالق منهم ، قوم ابتعت منهم دينهم وأبدانهم بالمال ، فإن أعطيتهم حاموا عنك ونصروك ، وإن منعتهم قعدوا عنك ورفضوك. فقال معاوية : اسكت يا بن صوحان ، فوالله لولا أني لم أتجرع غصة غيظ قط أفضل من حلم وأحمد من كرم سيما في الكف عن مثلك والاحتمال لدونك لما عدت إلى مثل مقالتك. فقعد صعصعة فأنشأ معاوية يقول :

قبلت جاهلهم حلما وتكرمة

والحلم عن قدر في فضل من الكرم

٥ / ٥ ـ قال : وحدثنا أبو الطيب الحسين بن علي التمار ، قال : حدثنا أحمد بن محمد ، قال : حدثنا محمد بن عبد الله بن أيوب ، قال : حدثنا يحيى بن عنبسة الجعفي ، عن حميد الطويل ، عن أنس بن مالك ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ما فتح لاحد باب دعاء إلا فتح الله له فيه باب إجابة ، فإذا فتح لأحدكم باب دعاء فليجهد ، فإن الله ( عزوجل ) لا يمل حتى تملوا.

قال أبو الطيب : الملل من الانسان الضجر والسأمة ، ومن الله ( تعالى ) على جهة الترك للفعل ، وإنما وصف نفسه بالملل للمقابلة بملل الانسان ، كما قال : ( نسوا الله فنسيهم ) (١) أي تركوا طاعته فتركهم من ثوابه.

٦ / ٦ ـ قال : وحدثنا أبو الطيب ، قال : حدثنا محمد بن القاسم الأنباري ، قال : حدثني أبي ، قال : حدثنا العنزي ، قال أبو بكر : وقد سمعت هذا الحديث من العنزي ، وقرأته عليه ، قال : حدثني إبراهيم بن مسلم ، قال : حدثنا عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد ، عن مروان بن سالم ، قال : حد ثنا الأعمش ، عن أبي وائل وزيد بن وهب ، عن حذيفة بن اليمان ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : تاركوا الترك ما تركوكم ، فإن أول من يسلب أمتي ملكها وما خولها الله لبنو قنطور بن كركرة ، وهم الترك.

٧ / ٧ ـ قال : وحدثنا أبو الطيب ، قال : حدثنا محمد بن القاسم الأنباري ، قال :

__________________

(١) سورة التوبة ٩ : ٦٧.

٦

حدثنا أبو بكر محمد بن علي بن عمر ، قال : حدثنا داود بن رشيد ، قال : حدثنا الوليد ابن مسلم ، عن عبد الله بن لهيعة ، عن مشرح بن هاعان ، عن عقبة بن عامر ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : لا يعذب الله قلبا وعى القران.

٨ / ٨ ـ وحدثنا أبو عبد الله محمد بن محمد بن النعمان في شهر رمضان سنة تسع وأربعمائة ، قال : حدثنا أبو حفص عمر بن محمد بن علي الصيرفي ، المعروف بابن الزيات ، قال : حدثنا أبو علي محمد بن همام الإسكافي ، قال : حدثنا جعفر بن محمد بن مالك ، قال : حدثنا أحمد بن سلامة الغنوي ، قال : حدثنا محمد بن الحسين العامري ، قال : حدثنا أبو معمر ، عن أبي بكر بن عياش ، عن الفجيع العقيلي ، قال : حدثني الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم‌السلام ، قال : لما حضرت والدي الوفاة أقبل يوصي ، فقال : هذا ما أوصى به علي بن أبي طالب أخو محمد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وابن عمه وصاحبه ، أول وصيتي أني أشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسوله وخيرته اختاره بعلمه وارتضاه لخيرته ، وأن الله باعث من في القبور ، وسائل الناس عن أعمالهم عالم بما في الصدور.

ثم إني أوصيك ـ يا حسن ـ وكفى بك وصيا بما أوصاني به رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فإذا كان ذلك يا بني الزم بيتك ، وابك على خطيئتك ، ولا تكن الدنيا أكبر همك ، وأوصيك يا بني بالصلاة عند وقتها ، والزكاة في أهلها عند محالها ، والصمت عند الشبهة والاقتصاد ، والعدل في الرضا والغضب ، وحسن الجوار ، وإكرام الضيف ، ورحمة المجهود وأصحاب البلاء ، وصلة الرحم ، وحب المساكين ومجالستهم ، والتواضع فإنه من أفضل العبادة ، وقصر الامل ، واذكر الموت ، وازهد في الدنيا ، فإنك رهين موت ، وغرض بلاء ، وصريع سقم.

وأوصيك بخشية الله في سر أمرك وعلانيتك ، وأنهاك عن التسرع بالقول والفعل ، له إذا عرض شئ من أمر الآخرة فابدأ به ، وإذا عرض شي من أمر الدنيا فتأنه حتى تصيب رشدك فيه ، وإياك ومواطن التهمة والمجلس المظنون به السوء ، فإن قرين السوء يغر جليسه.

٧

وكن لله يا بني عاملا ، وعن الخنا (١) زخورا ، وبالمعروف أمرا ، وعن المنكر ناهيا ، وواخ الاخوان في الله ، وأحب الصالح لصلاحه ، ودار الفاسق عن دينك ، وابغضه بقلبك ، وزايله بأعمالك ، كي لا تكون مثله ، وإياك والجلوس في الطرقات ، ودع المماراة ، ومجاراة من لا عقل له ولا علم.

واقتصد يا بني في معيشتك ، واقتصد في عبادتك ، وعليك فيها بالامر الدائم الذي تطيقه ، والزم الصمت تسلم ، وقدم لنفسك تغنم ، وتعلم الخير تعلم ، وكن لله ذاكرا على كل حال ، وارحم من أهلك الصغير ، ووقر منهم الكبير ، ولا تأكلن طعاما حثى تتصدق منه قبل أكله ، وعليك بالصوم فإنه زكاة البدن وجنة لأهله ، وجاهد نفسك ، واحذر جليسك ، واجتنب عدوك ، وعليك بمجالس الذكر ، وأكثر من الدعاء فإني لم آلك يا بني نصحا ، وهذا فراق بيني وبينك.

وأوصيك بأخيك محمد خيرا ، فإنه شقيقك وابن أبيك ، وقد تعلم حبي له ، فأما أخوك الحسين فهو ابن أمك ، ولا أزيد الوصاة بذلك ، والله الخليفة عليكم ، وإياه أسأل أن يصلحكم ، وأن يكف الطغاة البغاة عنكم ، والصبر الصبر حثى ينزل الله الامر ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

٩ / ٩ ـ حدثنا محمد بن محمد ، قال : أخبرني أبو الحسن علي بن محمد الكاتب ، قال : حدثنا الحسن بن علي الزعفراني ، قال : حدثنا أبو إسحاق إبراهيم بن محمد الثقفي ، قال : حدثنا المسعودي ، قال : حدثنا محمد بن كثير ، عن يحيى بن حماد القطان ، قال : حدثنا أبو محمد الحضرمي ، عن أبي علي الهمداني : أن عبد الرحمن بن أبي ليلى قام إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام فقال : يا أمير المؤمنين ، إني سائلك لاخذ عنك ، وقد انتظرنا أن تقول من أمرك شيئا فلم تقله ، ألا تحدثنا عن أمرك هذا ، أكان بعهد من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أم شئ رأيته؟ فإنا قد أكثرنا فيك الأقاويل ، وأوثقه عندنا ما قلناه عنك وسمعناه من فيك ، إنا كنا نقول : لو رجعت إليكم

__________________

(١) الخنا : الفحش في الكلام.

٨

بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لم ينازعكم فيها أحد ، والله ما أدري إذا سئلت ما أقول ، أأزعم أن القوم كانوا أولى بما كانوا فيه منك ، فان قلت ذلك فعلى م نصبك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بعد حجة الوداع ، فقال : « أيها الناس من كنت مولاه فعلي مولاه » وان كنت أولى منهم بما كانوا فيه فعلى م نتولاهم؟

فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : يا عبد الرحمن ، إن الله ( تعالى ) قبض نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله وأنا يوم قبضه أولى بالناس مني بقميصي هذا ، وقد كان من نبي الله إلي عهد لو خزمتموني (١) بأنفي لأقررت سمعا لله وطاعة ، وإن أول ما انتقصنا بعده إبطال حقنا في الخمس ، فلما دق أمرنا طمعت رعيان قريش فينا ، وقد كان لي على الناس حق لو ردوه إلي عفوا قبلته وقمت به ، وكان إلي أجل معلوم ، وكنت كرجل له على الناس حق إلى أجل ، فإن عجلوا له ماله أخذه وحمدهم عليه ، وإن أخروه أخذه غير محمودين ، وكنت كرجل يأخذ السهولة وهو عند الناس محزون ، وإنما يعرف الهدى بقلة من يأخذه من الناس ، فإذا سكت فاعفوني ، فإنه لو جاء أمر تحتاجون فيه إلى الجواب أجبتكم ، فكفوا عني ما كففت عنكم.

فقال عبد الرحمن : يا أمير المؤمنين ، فأنت لعمرك كما قال الأول.

لعمري لقد أيقظت من كان نائما

وأسمعت من كانت له أذنان

١٠ / ١٠ ـ حدثنا أبو عبد الله محمد بن محمد ، قال : أخبرني أبو القاسم جعفر ابن محمد ، قال : حدثني محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري ، عن أبيه ، عن هارون ابن مسلم ، عن مسعدة بن زياد ، قال : سمعت جعفر بن محمد عليهما‌السلام وقد سئل عن قوله ( تعالى ) : ( فلله الحجة البالغة ) (٢).

فقال : إن الله تعالى يقول للعبد يوم القيامة : عبدي أكنت عالما؟ فإن قال : نعم ، قال له : أفلا عملت بما علمت؟ وإن قال : كنت جاهلا ، قال له : أفلا تعلمت حتى

__________________

(١) خزمه : شكه وثقبه وخزمه بأنفه : أذله وسخره.

(٢) سورة الأنعام ٦ : ١٤١.

٩

تعمل؟ فيخصمه ، فتلك الحجة البالغة.

١١ / ١١ ـ حدثنا محمد بن محمد بن النعمان ، قال : حدثني أبو الحسن علي ابن خالد المراغي ، قال : حدثنا القاسم بن محمد بن حماد ، قال : حدثنا عبيد بن يعيش ، فال : حدثنا يونس بن بكير ، قال : أخبرنا يحيى بن أبي حية أبو جناب الكلبي ، عن أبي العالية ، قال : سمعت أبا أمامة يقول : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ست من عمل بواحدة منهن جادلت عنه يوم القيامة حتى تدخله الجنة ، تقول : أي رب قد كان يعمل بي في الدنيا : الصلاة ، والزكاة ، والحج ، والصيام ، وأداء الأمانة ، وصلة الرحم.

١٢ / ١٢ ـ وأخبرنا محمد بن محمد ، قال : أخبرنا أبو القاسم جعفر بن محمد ( ابن قولويه ) رضي‌الله‌عنه ، قال : حدثنا علي بن الحسين بن موسى بن بابويه ، قال : حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن الهيثم بن أبي مسروق النهدي ، عن يزيد بن إسحاق ، عن الحسن بن عطية ، عن أبي عبد الله جعفر بن محمد عليه‌السلام ، قال : المكارم عشر ، فإن استطعت أن تكون فيك فلتكن ، فإنها تكون في الرجل ولا تكون في ولده ، وتكون في الابن ولا تكون في أبيه ، وتكون في العبد ولا تكون في الحر.

قيل : وما هن ، يا بن رسول الله؟ قال : صدق اللسان ، وصدق البأس (١) ، وأداء الأمانة ، وصلة الرحم ، وإقراء الضيف ، وإطعام السائل ، والمكافأة على الصنائع ، والتذمم للجار ، والتذمم للصاحب ، ورأسهن الحياء.

١٣ / ١٣ ـ أملى علينا محمد بن محمد ، قال : أخبرني أبو الطيب الحسين بن علي بن محمد التمار النحوي ، قال : حدثنا محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أبو نعيم ، قال : حدثنا صالح بن عبد الله ، قال : حدثنا هشام عن أبي مخنف ، عن الأعمش ، عن أبي إسحاق السبيعي ، عن الأصبغ بن نباتة رحمه‌الله ، قال إن أمير المؤمنين عليه‌السلام خطب ذات يوم ، فحمد الله وأثنى عليه ، وصلى على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ثم قال : أيها

__________________

(١) في نسخة : الناس.

١٠

الناس ، اسمعوا مقالتي وعوا كلامي ، إن الخيلاء من التجبر ، والنخوة من التكبر ، وإن الشيطان عدو حاضر يعدكم الباطل ، ألا إن المسلم أخو المسلم ، فلا تنابزوا ، ولا تخاذلوا ، فإن شرائع الدين واحدة ، وسبله قاصدة ، من أخذ بها لحق ، ومن تركها مرق ، ومن فارقها محق ، ليس المسلم بالخائن إذا ائتمن ، ولا بالمخلف إذا وعد ، ولا بالكذوب إذا نطق ، نحن أهل بيت الرحمة وقولنا الحق ، وفعلنا القسط ، ومنا خاتم النبيين ، وفينا قادة الاسلام وأمناء الكتاب ، ندعوكم إلى الله ورسوله وإلى جهاد عدوه ، والشدة في أمره ، وابتغاء رضوانه ، والى إقامة الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وحج البيت ، وصيام شهر رمضان ، وتوفير الفئ لأهله.

ألا وان أعجب العجب أن معاوية بن أبي سفيان الأموي وعمرو بن العاص السهمي يحرضان الناس على طلب الدين بزعمهما ، وإني والله لم أخالف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قط ، ولم أعصه في أمر قط ، أقيه بنفسي في المواطن التي تنكص فيها الابطال ، وترعد فيها الفرائص ، بقوة أكرمني الله بها ، فله الحمد. ولقد قبض النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وإن رأسه في حجري ، ولقد وليت غسله بيدي ، تقلبه الملائكة المقربون معي ، وأيم الله ما اختلفت أمة بعد نبيها إلا ظهر باطلها على حقها إلا ما شاء الله.

قال : فقام عمار بن ياسر ( رحمه‌الله تعالى ) فقال : أما أمير المؤمنين فقد أعلمكم أن الأمة لم تستقم عليه ، فتفرق الناس وقد نفذت بصائرهم.

١٤ / ١٤ ـ عنه ، قال : أخبرني أبو الحسن علي بن خالد ، قال : حدثنا زيد بن الحسين الكوفي ، قال : حدثنا جعفر بن نجيح ، قال : حدثنا جندل بن والق التغلبي ، قال : حدثنا محمد بن محمد بن عمر المازني ، عن أبي زيد الأنصاري ، عن سعيد بن بشير ، عن قتادة ، عن سعيد بن المسيب ، قال : سمعت رجلا يسأل ابن عباس عن علي ابن أبي طالب عليه‌السلام ، فقال له ابن عباس : إن علي بن أبي طالب عليه‌السلام صلى

١١

القبلتين ، وبايع البيعتين ، ولم يعبد صنما ولا وثنا ، ولم يضرب على رأسه بزلم (١) ولا يقدح ، ولد على الفطرة ، ولم يشرك بالله طرفة عين.

فقال الرجل : إني لم أسألك عن هذا ، إنما أسألك عن حمله سيفه على عاتقه يختال به حتى أتى البصرة فقتل بها أربعين ألفا ، ثم صار إلى الشام فلقي حواجب العرب فضرب بعضهم ببعض حتى قتلهم ، ثم أتى النهروان وهم مسلمون فقتلهم عن آخرهم.

فقال له ابن عباس : أعلي أعلم عندك أم أنا؟ فقال : لو كان علي أعلم عندي منك لما سألتك.

قال : فغضب ابن عباس حثى اشتد غضبه ، ثم قال : ثكلتك أمك ، علي عليه‌السلام علمني ، وكان علمه من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ورسول الله علمه الله من فوق عرشه ، فعلم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله من الله ، وعلم علي عليه‌السلام من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وعلمي من علم علي عليه‌السلام ، وعلم أصحاب محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله كلهم في علم علي كالقطرة الواحدة في سبعة أبحر.

١٥ / ١٥ ـ حدثنا أبو عبد الله محمد بن محمد بن النعمان ، قال : أخبرني أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه ، قال : حدثنا محمد بن الحسن بن الوليد ، قال : حدثنا محمد بن الحسن الصفار ، قال : حدثنا محمد بن الحسين بن أبي الخطاب ، عن علي بن أسباط ، عن علي بن أبي حمزة ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله جعفر بن محمد عليهما‌السلام ، قال : أوحى الله إلى عيسى بن مريم عليه‌السلام : يا عيسى ، هب لي من عينيك الدموع ، ومن قلبك الخشوع ، واكحل عينيك بميل الحزن إذا ضحك البطالون ، وقم على قبور الأموات فنادهم بالصوت الرفيع لعلك تأخذ موعظتك منهم ، وقل : إني لاحق في اللاحقين.

١٦ / ١٦ ـ حدثنا أبو عبد الله محمد بن محمد بن النعمان رحمه‌الله ، قال : حدثنا

__________________

(١) الزلم : واحد الأزلام.

١٢

أبو الحسن علي بن مالك النحوي ، قال : حدثنا أبو عمر محمد بن عبد الواحد الزاهد ، قال : حدثنا أحمد بن عبد الجبار ، قال : حدثنا يونس بن بكير ، عن عبد الحميد بن بهرام الفزاري ، قال : حدثني شهر بن حوشب ، عن أبي سعيد الخدري ، أنه قال : بينا رجل من أسلم في غنيمة له يهش عليها ببيداء ذي الخليفة ، إذ عدا عليه الذئب ، فانتزع شاة من غنمه ، فهجهج به (١) الرجل ورماه بالحجارة حتى استنقذ منه شاته.

قال : فأقبل الذئب حتى أقعى مستثفرا بذنبه (٢) مقابلا للرجل ، ثم قال له : أما اتقيت الله ( عزوجل ) ، حلت بيني وبين شاة رزقنيها الله؟ فقال الرجل : بالله ما سمعت كاليوم قط. فقال الذئب : مم تعجب؟ قال : أعجب من مخاطبتك إياي. فقال الذئب : أعجب من ذلك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بين الحرتين في النخلات يحدث الناس بما خلا ، ويحدثهم بما هو آت ، وأنت هاهنا تتبع غنمك.

فلما سمع الرجل قول الذئب ساق غنمه يحوزها حتى إذا أدخلها قباء ـ قرية الأنصار ـ سأل عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فصادفه في بيت أبي أيوب ، فأخبره خبر الذئب ، فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : صدقت ، أحضر العشية ، فإذا رأيت الناس قد اجتمعوا فأخبرهم ذلك. فلما صلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الظهر واجتمع الناس إليه أخبرهم الا سلمى خبر الذئب ، فقال لهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : صدق صدق صدق ، فتلك الأعاجيب بين يدي الساعة ، أما والذي نفس محمد بيده ليوشك الرجل أن يغيب عن أهله الروحة أو الغدوة فيخبره سوطه أو عصاه أو نعله بما أحدث أهله من بعده.

١٧ / ١٧ ـ حدثنا محمد بن محمد بن النعمان ، قال : حدثنا أبو حفص عمر بن محمد بن علي الزيات ، قال : حدثنا عبيد الله بن جعفر بن محمد بن أعين ، قال : حدثنا مسعر بن يحيى النهدي ، قال : حدثنا شريك بن عبد الله القاضي ، قال : حدثنا أبو

__________________

(١) أي صاح به وزجره ليكف.

(٢) استثفر الذنب بذنبه : جعله بين فخذيه.

١٣

إسحاق الهمداني ، عن أبيه ، عن أمير المؤمنين عليه‌السلام ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ثلاثة من الذنوب تعجل عقوبتها ولا تؤخر إلى الآخرة : عقوق الوالدين ، والبغي على الناس ، وكفر الاحسان.

١٨ / ١٨ ـ عنه ، قال : أخبرني أبو الحسين أحمد بن الحسين بن أسامة البصري إجازة ، قال : حدثنا عبد الله بن محمد الواسطي ، قال : حدثنا أبو جعفر محمد بن يحيى ، قال : حدثنا هارون بن مسلم بن سعدان ، قال : حدثنا مسعدة بن صدقة ، قال : حدثني جعفر بن محمد ، عن أبيه عليهما‌السلام أنه قال : أرسل النجاشي ملك الحبشة إلى جعفر بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه وأصحابه ، فدخلوا عليه وهو في بيت له جالس على التراب وعليه خلقان الثياب (١) ، قال : فقال جعفر بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه : فأشفقنا منه حين رأيناه على تلك الحال ، فلما رأى ما بنا وتغير وجوهنا قال : الحمد لله الذي نصر محمدا وأقر عيني به ، ألا أبشركم؟ فقلت : بلى أيها الملك. فقال : إنه جاءني الساعة من نحو أرضكم عين من عيوني هناك ، وأخبرني أن الله قد نصر نبيه محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله وأهلك عدوه ، وأسر فلان وفلان وفلان ، وقتل فلان وفلان وفلان ، التقوا بواد يقال له « بدر » ، لكأني أنظر إليه حيث كنت أرعى لسيدي هناك وهو رجل من بني ضمرة.

فقال له جعفر : أيها الملك الصالح ، مالي أراك جالسا على التراب وعليك هذه الخلقان؟ فقال : يا جعفر ، إنا نجد فيما أنزل الله على عيسى (صلوات الله عليه) أن من حق الله على عباده أن يحدثوا لله تواضعا عندما يحدث لهم من نعمة ، فلما أحدث الله لي نعمة نبيه محمد أحدثت لله هذا التواضع.

قال : فلما بلغ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ذلك قال لأصحابه : إن الصدقة تزيد صاحبها كثرة فتصدقوا يرحمكم الله ، إن التواضع يزيد صاحبه رفعة فتواضعوا يرفعكم الله ، وإن العفو يزيد صاحبه عزا فاعفوا يعزكم الله.

__________________

(١) الخلقان : جمع خلق ، والخلق من الثياب : البالي.

١٤

١٩ / ١٩ ـ حدثنا محمد بن محمد ، قال : أخبرني أبو الحسن أحمد بن محمد بن الحسن بن الوليد ، قال : حدثني أبي ، قال : حدثنا محمد بن الحسن الصفار ، عن أحمد ابن محمد بن عيسى ، عن هارون بن مسلم ، عن مسعدة بن صدقة ، قال : سألت أبا عبد الله جعفر بن محمد عليهما‌السلام أن يعلمني دعاء أدعو به في المهمات ، فأخرج إلي أوراقا من صحيفة عتيقة ، فقال : انتسخ ما فيها فهو دعا ، جدي علي بن الحسين زين العابدين عليه‌السلام للمهمات ، فكتبت ذلك على وجهه ، فما كربني شئ قط وأهمني إلا دعوت به ففرج الله همي وكشف كربي وأعطاني سؤلي ، وهو : » اللهم هديتني فلهوت ، ووعظت فقسوت ، وأبليت الجميل فعصيت ، وعرفت فأصررت ثم عرفت ، فاستغفرت فأقلت ، فعدت فسترت.

فلك الحمد إلهي ، تقحمت أودية هلاكي ، وتحللت شعاب تلفي ، وتعرضت فيها لسطواتك ، وبحلولها لعقوباتك ، ووسيلتي إليك التوحيد ، وذريعتي أني لم أشرك بك شيئا ، ولم اتخذ معك إلها ، وقد فررت إليك من نفسي ، واليك يفر المسئ وأنت مفزع المضيع حظ نفسه.

فلك الحمد إلهي ، فكم من عدو انتضى علي سيف عداوته ، وشحذ لي ظبات مدينه (١) ،

فديته ، وأرهف لي شبا (٢) حده ، وداف لي قواتل سمومه ، وسدد نحوي صوائب سهامه ، ولم تنم عني عين حراسته ، وأضمر أن يسومني المكروه ، ويجرعني ذعاف (٣) مرارته.

فنظرت يا إلهي إلى ضعفي عن احتمال الفوادح ، وعجزي عن الانتصار ممن قصدني بمحاربته ، ووحدتي في كثير عدد من ناوأني ، وأرصد لي البلاء فيما لم أعمل فيه فكري ، فابتدأتني بنصرتك ، وشددت أزري بقوتك ، ثم فللت لي حده ، وصيرته

__________________

(١) الظبة : حد السيف أو السنان ونحوه ، وجمعها : ضبات والمدية : الشفرة الكبيرة.

(٢) الشبا : جمع شباة ، وشباة كل شئ : طرفه.

(٣) الذعاف : السم القاتل.

١٥

من بعد جمع وحده ، وأعليت كعبي ، وجعلت ما سدده مردودا عليه ، فرددته لم يشف غليله ، ولم تبرد حرارة غيظه ، قد عض على شواه (١) ، وأدبر موليا قد أخلفت سراياه.

وكم من باغ بغاني بمكائده ، ونصب لي أشراك مصائده ، ووكل بي تفقد رعايته ، وأضبأ إلي إضباء السبع لطريدته ، انتظارا لانتهاز الفرصة لفريسته.

فناديتك يا إلهي مستغيثا بك ، واثقا بسرعة إجابتك ، عالما أنه لن يضطهد من آوى إلى ظل كنفك ، ولن يفزع من لجأ إلى معاقل انتصارك ، فحصنتني من بأسه بقد رتك.

وكم من سحائب مكروه قد جليتها وغواشي كربات كشفتها ، لا تسأل عما تفعل ، وقد سئلت فأعطيت ، ولم نسأل فابتدأت ، واستميح فضلك فما أكديت ، أبيت إلا إحسانا ، وأبيت إلا تقحم حرماتك ، وتعدي حدودك ، والغفلة عن وعيد ك.

فلك الحمد إلهي من مقتدر لا يغلب ، وذي أناة لا يعجل ، هذا مقام من اعترف لك بالتقصير ، وشهد على نفسه بالتضييع.

اللهم إني أتقرب إليك بالمحمدية الرفيعة ، وأتوجه إليك بالعلوية البيضاء ، فأعذني من شر ما خلقت ، وشر من يريدني سوءا ، فإن ذلك لا يضيق عليك في وجدك ، ولا يتكأدك (٢) في قدرتك وأنت على كل شئ قدير.

اللهم ارحمني بترك المعاصي ما أبقيتني ، وارحمني بترك تكلف ما لا يعنيني ، وارزقني حسن النظر فيما يرضيك عني ، والزم قلبي حفظ كتابك كما علمتني ، واجعلني أتلوه على ما يرضيك به عني ، ونور به بصري ، وأوعه سمعي ، واشرح به صدري ، وفرج به عن قلبي ، وأطلق به لساني ، واستعمل به بدني ، واجعل فن من الحول والقوة ما يسهل ذلك علي ، فإنه لا حول ولا قوة إلا بك.

__________________

(١) الشوى : تطلق على سائر أعضاء الجسم.

(٢) أي لا يصعب عليك.

١٦

اللهم اجعل ليلي ونهاري ودنياي وآخرتي ومنقلبي ومثواي عافية منك ومعافاة وبركة منك.

اللهم أنت ربى ومولاي ، وسيدي وأملي وإلهي ، وغياثي وسندي ، وخالقي وناصري ، وثقتي ورجائي ، لك محياي ومماتي ، ولك سمعي وبصري ، وبيدك رزقي ، وإليك أمري في الدنيا والآخرة ، ملكتني بقدرتك وقدرت علي بسلطانك ، لك القدرة في أمري ، وناصيتي بيدك ، لا يحول أحد دون رضاك ، برأفتك أرجو رحمتك ، وبرحمتك أرجو رضوانك ، لا أرجو ذلك بعملي ، فقد عجز عني عملي ، فكيف أرجو ما قد عجز عني؟ أشكو إليك فاقتي وضعف قوتي ، وإفراطي في أمري ، وكل ذلك من عندي ، وما أنت أعلم به مني ، فاكفني ذلك كله.

اللهم اجعلني من رفقاء محمد حبيبك وإبراهيم خليلك ، ويوم الفزع الأكبر من الآمنين ، فآمني وببشارتك فبشرني ، وباظلالك فأظلني ، وبمفازة من النار فنجني ، ولا تمسني السوء ولا تخزني ، ومن الدنيا فسلمني ، وحجتي يوم القيامة فلقني ، وبذكرك فذكرني ، ولليسرى فيسرني ، وللعسرى فجنبني ، والصلاة والزكاة ما دمت حيا فألهمني ، ولعبادتك فوفقني ، وفي الفقه وفي مرضاتك فاستعملني ، ومن فضلك فارزقني ، ويوم القيامة فبيض وجهي ، وحسابا يسيرا فحاسبني ، وبقبيح عملي فلا تفضحني ، وبفداك فاهدني ، وبالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة فثبتني ، وما أحببت فحببه إلي ، وما كرهت فبغضه إلي ، وما أهمني من الدنيا والآخرة فاكفني ، وفي صلاتي وصيامي ودعائي ونسكي وشكري ودنياي وآخرتي فبارك لي ، والمقام المحمود فابعثني ، وسلطانا نصيرا فاجعل لي ، وظلمي وجرمي واسرافي في أمري فتجاوز عني ، ومن فتنة المحيا والممات فخلصني لا ، ومن الفواحش ما ظهر منها وما بطن فنجني ، ومن أوليائك يوم القيامة فاجعلني ، وأدم لي صالح الذي آتيتني ، وبالحلال عن الحرام فاغنني ، وبالطيب عن الخبيث فاكفني ، أقبل بوجهك الكريم إلي ولا تصرفه عني ، له إلى صراطك المستقيم فاهدني ، ولما تحب وترضى فوفقني.

اللهم إني أعوذ بك من الرياء والسمعة ، والكبرياء والتعظم ، والخيلاء والفخر

١٧

والبذخ والأشر والبطر والاعجاب بنفسي والجبرية رب فنجني ، رب وأعوذ بك من البخل والعجز والشح والحسد والحرص والمنافسة والغش ، وأعوذ بك من الطمع والطبع والهلع والجزع والزيغ والقمع ، وأعوذ بك من البغي والظلم والاعتداء والفساد والفجور والفسوق ، وأعوذ بك من الخيانة والعدوان والطغيان ، رب وأعوذ بك من المعصية والقطيعة والسيئة والفواحش والذنوب ، وأعوذ بك من الاثم والمأثم والحرام والمحرم والخبيث وكل ما لا تحب ، رب وأعوذ بك من الشيطان وبغيه وظلمه وعدوانه وشركه وزبانيته وجنده ، وأعوذ بك من شر ما ينزل من السماء وما يعرج فيها ، وأعوذ بك من شر ما خلقت من دابة وهامة أو جن أو إنس مما يتحرك ، وأعوذ بك من شر ما ينزل من السماء وما يعرج فيها ومن شر ما ذرئ في الأرض وما يخرج منها ، وأعوذ بك من شر كل كاهن وساحر وزاكن (١) ونافث وراق ، وأعوذ بك من شر كل حاسد وطاغ وباغ ونافس وظالم ومعتد وجائر ، وأعوذ بك من العمى والصمم والبكم والبرص والجذام والشك والريب ، وأعوذ بك من الكسل والفشل والعجز والتفريط والعجلة والتضييع والتقصير والابطاء ، وأعوذ بك من شر ما خلقت في السماوات والأرض وما بينهما وما تحت الثرى ، رب وأعوذ بك من الفقر والحاجة والمسكنة والضيقة والعايلة ، وأعوذ بك من العيلة والذلة ، وأعوذ بك من الضيق والشدة والقيد والحبس والوثاق والسجون والبلاء وكل مصيبة لا صبر لي عليها ، آمين رب العالمين.

اللهم أعطنا كل الذي سألناك وزدنا من فضلك على قدر جلالك وعظمتك بحق لا إله إلا أنت العزيز الحكيم ».

٢٠ / ٢٠ ـ أخبرنا محمد بن محمد ، قال : أخبرني أبو محمد عبد الله بن محمد الأبهري ، قال : حدثنا علي بن أحمد بن الصباح ، قال : حدثنا إبراهيم بن عبد الله ابن أخي عبد الرزاق ، قال : حدثني عمي عبد الرزاق بن همام ، قال : أخبرني أبي همام بن

__________________

(١) زكن عليه : شبه ولبس ، والزاكن : المتفرس.

١٨

نافع ، قال : أخبرني مينا مولى عبد الرحمن بن عوف الزهري ، قال : قال لي عبد الرحمن : يا مينا ، ألا أحدثك بحديث سمعته من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله؟ قلت : بلى. قال : سمعته يقول : أنا شجرة ، وفاطمة فرعها ، وعلي لقاحها ، والحسن والحسين ثمرها ، ومحبوهم من أمتي ورقها.

٢١ / ٢١ ـ حدثنا محمد بن محمد بن النعمان ، قال : حدثنا أبو بكر محمد بن عمر الجعابي ، قال : حدثني محمد بن علي بن إبراهيم ، قال : حدثنا محمد بن أبي العنبر ، قال : حدثنا علي بن الحسين بن واقد ، عن أبيه ، عن أبي عمرو بن العلاء ، عن عبد الله بن بريدة ، عن بشير بن كعب ، عن شداد بن أوس ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله. « لا إله إلا الله » نصف الميزان ، و « الحمد الله » يملاه.

٢٢ / ٢٢ ـ أخبرنا محمد بن محمد ، قال : أخبرني أبو محمد بن عبد الله بن أبي شيخ إجازة ، قال : أخبرنا أبو عبد الله محمد بن أحمد الحكيمي ، قال : أخبرنا عبد الرحمن بن عبد الله أبو سعيد البصري ، قال : حدثنا وهب بن جرير ، عن أبيه ، قال : حدثنا محمد بن إسحاق بن يسار المدني ، قال : حدثني سعيد بن مينا ، عن غير واحد من أصحابه : أن نفرا من قريش اعترضوا لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله منهم : عتبة بن ربيعة ، وأمية بن خلف ، والوليد بن المغيرة ، والعاص بن سعيد ، فقال : يا محمد ، هلم فلتعبد ما نعبد فنعبد ما تعبد فنشرك نحن وأنت في الامر ، فإن يكن الذي نحن عليه الحق فقد أخذت بحظك منه ، وإن يكن الذي أنت عليه الحق فقد أخذنا بحظنا منه ، فأنزل الله ( تبارك وتعالى ) : ( قل يا أيها الكافرون * لا أعبد ما تعبدون * ولا أنتم عابدون ما أعبد ) (١) إلى آخر السورة. ثم مشى أبي بن خلف بعظم رميم ففته في يده ثم نفخه ، وقال : أتزعم أن ربك يحيي هذا بعد ما ترى؟ فأنزل الله ( تعالى ) : ( وضرب لنا مثلا ونسي خلقة قال من يحى العظام وهي رميم * قل يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل

__________________

(١) سورة الكافرون ٠٩ ١ : ١ ـ ٣.

١٩

خلق عليم ) (١) إلى آخر السورة.

٢٣ / ٢٣ ـ أخبرنا محمد بن محمد ، قال : أخبرني أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه ، قال : حدثنا أبي ، قال : حدثنا محمد بن القاسم ماجيلويه ، عن محمد بن علي الصيرفي ، عن نصر بن مزاحم ، عن عمر بن سعد ، عن فضيل بن خديج ، عن كميل بن زياد النخعي ، قال : كنت مع أمير المؤمنين عليه‌السلام في مسجد الكوفة وقد صلينا العشاء الآخرة ، فأخذ بيدي حتى خرجنا من المسجد ، فمشى حتى خرج إلى ظهر الكوفة ولا يكلمني بكلمة ، فلما أصحر (٢) تنفس ، ثم قال : يا كميل ، إن هذه القلوب أوعية فخيرها أوعاها ، احفظ عني ما أقول ، الناس ثلاثة : عالم رباني ، ومتعلم على سبيل نجاة ، وهمج رعاع ، أتباع كل ناعق ، يميلون مع كل ريح ، لم يستضيئوا بنور العلم ، ولم يلجأوا إلى ركن وثيق.

يا كميل ، العلم خير من المال ، العلم يحرسك ، وأنت تحرس المال ، والمال تنقصه النفقة ، والعلم يزكو على الانفاق.

يا كميل ، صحبة العالم دين يدان الله به ، تكسبه الطاعة في حياته ، وجميل الأحدوثة بعد وفاته.

يا كميل ، منفعة المال تزول بزواله. يا كميل ، مات خزان المال والعلماء باقون ما بقي الدهر ، أعيانهم مفقودة ، وأمثالهم في القلوب موجودة ، هاه هاه إن هاهنا ـ وأشار بيده إلى صدره ـ لعلما جما لو أصبت له حملة ، بلى أصبت له لقنا غير مأمون ، يستعمل آلة الدين في الدنيا ، ويستظهر بحجج الله على خلقه ، وبنعمه على عباده ، ليتخذه الضعفاء وليجة دون ولي الحق ، أو منقادا للحكمة لا بصيرة له في أحنائه ، يقدح الشك في قلبه بأول عارض لشبهة ، ألا لا ذا ولا ذاك ، أو منهوما باللذات ، سلس القياد بالشهوات ، أو مغرى بالجمع والادخار ، ليس من رعاة الد ين ، أقرب شبها بهؤلاء

__________________

(١) سورة يس ٣٦ : ٧٨ و ٧٩.

(٢) أي برز في الصحراء.

٢٠