الأمالي

أبي جعفر محمّد بن الحسن بن علي بن الحسن الطّوسي [ شيخ الطائفة ]

الأمالي

المؤلف:

أبي جعفر محمّد بن الحسن بن علي بن الحسن الطّوسي [ شيخ الطائفة ]


المحقق: مؤسسة البعثة
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: دار الثقافة للطباعة والنشر
الطبعة: ١
الصفحات: ٨٨٨

البيهقي ، قال : حدثنا هارون بن عمرو المجاشعي ، قال : حدثنا محمد بن جعفر بن محمد ، قال : حدثنا أبي أبو عبد الله ، قال المجاشعي : وحدثناه الرضا علي بن موسى ، قال. حدثني أبي موسى بن جعفر ، عن أبيه أبي عبد الله جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن جده علي بن الحسين عليهم‌السلام ، قال : حدثني عمر وسلمة ابنا أم سلمة ربيبا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : أنهما سمعا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول في حجته حجه الوداع علي يعسوب المؤمنين ، والمال يعسوب الظالمين ، علي أخي ومولى المؤمنين من بعدي ، وهو مني بمنزلة هارون من موسى ، ألا إن الله ( تعالى ) ختم النبوة بي فلا نبي بعدي ، وهو الخليفة في الأهل والمؤمنين بعدي.

١١٤٨ / ٥٥ ـ أخبرنا جماعة ، عن أبي المفضل ، قال. حدثنا الفضل بن محمد ابن المسيب أبو محمد البيهقي الشعراني بجرجان ، قال. حدثنا هارون بن عمرو بن عبد العزيز بن محمد أبو موسى المجاشعي ، قال : حدثنا محمد بن جعفر بن محمد عليهما‌السلام ، قال : حدثنا أبي أبو عبد الله عليه‌السلام. قال المجاشعي : وحدثناه الرضا علي بن موسى عليه‌السلام ، عن أبيه موسى ، عن أبيه أبي عبد الله جعفر بن محمد ، عن آبائه ، عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهم‌السلام ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : العالم بين الجهال كالحي بين الأموات ، وإن طالب العلم يستغفر له كل شئ حتى حيتان البحر وهوامه وسباع البر وأنعامه ، فاطلبوا العلم فإنه السبب بينكم وبين الله ( عزوجل ) ، وان طلب العلم فريضة على كل مسلم.

١١٤٩ / ٥٦ ـ وباسناده ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إذا كان يوم القيامة وزن مداد العلماء بدماء الشهداء ، فيرجح مداد العلماء على دماء الشهداء.

١١٥٠ / ٥٧ ـ وباسناده : أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : إنا أمرنا معاشر الأنبياء بمداراة الناس كما أمرنا بإقامة الفرائض.

١١٥١ / ٥٨ ـ وباسناده : أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : قال ( تبارك وتعالى ) : ( كل يوم هو

٥٢١

في شأن ) (١) فإن من شأنه أن يغفر ذنبا ، ويفرج كربا ، ويرفع قوما ويضع آخرين.

١١٥٢ / ٥٩ ـ وباسناده ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ما عمل امرؤ عملا بعد إقامة الفرائض خيرا من إصلاح بين الناس ، يقول خيرا ويتمنى خيرا.

١١٥٣ / ٦٠ ـ وباسناده ، عن علي عليه‌السلام قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : عليكم بسنتي ، فعمل قليل في سنة خير من عمل كثير في بدعة.

١١٥٤ / ٦١ ـ قال : وسمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : إصلاح ذات البين أفضل من عامة الصلاة والصوم (٢).

١١٥٥ / ٦٢ ـ قال : وسمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : من عال يتيما حتى يبلغ أشده ، أوجب الله ( عزوجل ) له بذلك الجنة ، كما أوجب لآكل مال اليتيم النار.

١١٥٦ / ٦٣ ـ وباسناده ، عن علي بن أبي طالب عليه‌السلام ، قال : كان ضحك النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله التبسم ، فاجتاز ذات يوم بفئة من الأنصار وإذا هم يتحدثون ويضحكون بملء أفواههم ، فقال : يا هؤلاء ، من غره منكم أمله وقصر به في الخير عمله ، فليطلع في القبور وليعتبر بالنشور ، واذكروا الموت فإنه هادم اللذات.

١١٥٧ / ٦٤ ـ وباسناده ، قال : سمعت عليا عليه‌السلام يقول : لا تتركوا حج بيت ربكم ، لا يخل منكم ما بقيتم ، فإنكم إن تركتموه لم تنظروا ، وإن أدنى ما يرجع به من أتاه أن يغفر له ما سلف ، وأوصيكم بالصلاة وحفظها فإنها خير العمل وهي عمود دينكم ، وبالزكاة فإني سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : الزكاة قنطرة الاسلام فمن أداها جاز القنطرة ومن منعها احتبس دونها ، وهي تطفئ غضب الرب ، وعليكم بصيام شهر رمضان فإن صيامه جنة حصينة من النار ، وفقراء المسلمين أشركوهم في معيشتكم ، والجهاد في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم فإنما يجاهد في سبيل الله

__________________

(١) سورة الرحمن ٥٥ : ٢٩.

(٢) في هامش النسخة المخطوطة : أقول : إن المعنى في ذلك أن يكون المراد صلاة التطوع والصوم.

٥٢٢

رجلان إمام هدى أو مطيع له مقتد بهداه ، وذرية نبيكم صلى‌الله‌عليه‌وآله لا يظلمون بين أظهركم وأنتم تقدرون على الدفع عنهم.

وأوصيكم بأصحاب نبيكم ، لا تسبوهم ، وهم الذين لم يحدثوا بعده حدثا ، ولم يأتوا محدثا ، فإن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أوصى بهم ، وأوصيكم بنسائكم وما ملكت أيمانكم ، ولا يأخذنكم في الله لومة لائم ، يكفكم الله من أرادكم وبغى عليكم ، وقولوا للناس حسنا كما أمركم الله ( عزوجل ) ، ولا تتركوا الامر بالمعروف والنهي عن المنكر ، فيولي الله أموركم شراركم ثم تدعون فلا يستجاب لكم ، وعليكم بالتواضع والتباذل ، وإياكم والتقاطع والتدابر والتفرق ، وتعاونوا على البر والتقوى ، ولا تعاونوا على الاثم والعدوان ، واتقوا الله إن الله شديد العقاب.

١١٥٨ / ٦٥ ـ وباسناده ، عن علي عليه‌السلام ، قال : سلوني عن كتاب الله ( عزوجل ) ، فوالله ما نزلت آية منه في ليل أو نهار ولا مسير ولا مقام إلا وقد أقرأنيها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وعلمني تأويلها.

فقال ابن الكواء : يا أمير المؤمنين ، فما كان ينزل عليه وأنت غائب عنه؟ قال : كان يحفظ على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ما كان ينزل عليه من القرآن وأنا عنه غائب حتى أقدم عليه فيقرئنيه ، ويقول لي. يا علي ، أنزل الله علي بعدك كذا وكذا ، وتأويله كذا وكذا ، فيعلمني تنزيله وتأويله.

١١٥٩ / ٦٦ ـ وباسناده ، قال : سمعت عليا (صلوات الله عليه) يقول لرأس اليهود : على كم افترقتم؟ فقال : على كذا وكذا فرقة. فقال علي عليه‌السلام. كذبت يا أخا اليهود : ثم أقبل على الناس فقال : والله لو ثنيت لي الوسادة لقضيت بين أهل التوراة بتوراتهم ، وبين أهل الإنجيل بإنجيلهم ، وبين أهل الزبور بزبورهم ، وبين أهل القرآن بقرآنهم.

أيها الناس ، افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة ، سبعون منها في النار ، وواحدة ناجية في الجنة ، وهي التي اتبعت يوشع بن نون وصي موسى عليه‌السلام! وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة ، إحدى وسبعين في النار ، وواحدة في الجنة ، وهي التي اتبعت شمعون وصي عيسى عليه‌السلام ، وستفترق هذه الأمة على

٥٢٣

ثلاث وسبعين فرقة ، اثنتان وسبعون فرقة في النار ، وفرقة في الجنة ، وهي التي اتبعت وصي محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وضرب بيده على صدره ، ثم قال : ثلاث عشرة فرقة من الثلاث والسبعين كلها تنتحل مودتي وحبي ، واحدة منها في الجنة وهم النمط الأوسط ، واثنتا عشرة في النار.

١١٦٠ / ٦٧ ـ وباسناده ، عن علي عليه‌السلام ، قال : الاسلام هو التسليم ، والتسليم هو اليقين ، واليقين هو التصديق ، والتصديق هو الاقرار ، والاقرار هو الأداء ، والأداء هو العلم.

١١٦١ / ٦٨ ـ وباسناده ، عن علي عليه‌السلام ، قال : من أراد عزا بلا عشيرة ، وهيبة من غير سلطان ، وغنى من غير مال ، وطاعة من غير بذل ، فليتحول من ذل معصية الله إلى عز طاعته ، فإنه يجد ذلك كله.

تم كتاب الأمالي وهو ثمانية عشر مجلسا

٥٢٤

[١٩]

مجلس يوم الجمعة

الرابع من المحرم سنة سبع وخمسين وأربع مائة

فيه بقية أحاديث أبي المفضل محمد بن عبد الله الشيباني.

بسم الله الرحمن الرحيم

١١٦٢ / ١ ـ حدثنا الشيخ أبو جعفر محمد بن الحسن بن علي الطوسي رحمه‌الله ، قال : أخبرنا جماعة ، عن أبي المفضل ، قال : حدثنا رجاء بن يحيى بن الحسين العبرتائي الكاتب سنة أربع عشرة وثلاث مائة وفيها مات ، قال. حدثنا محمد بن الحسن بن شمون ، قال : حدثني عبد الله بن عبد الرحمن الأصم ، عن الفضيل بن يسار ، عن وهب بن عبد الله بن أبي دبي الهنائي ، قال : حدثني أبو حرب بن أبي الأسود الدؤلي ، عن أبيه أبي الأسود ، قال : قدمت الربذة فدخلت على أبي ذر جندب بن جنادة فحدثني أبو ذر ، قال : دخلت ذات يوم في صدر نهاره على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في مسجده ، فلم أر في المسجد أحدا من الناس إلا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وعلي عليه‌السلام إلى جانبه جالس ، فاغتنمت خلوة المسجد ، فقلت : يا رسول الله ، بأبي أنت وأمي أوصني بوصية ينفعني الله بها. فقال : نعم وأكرم بك يا أبا ذر ، إنك منا أهل البيت ، وإني موصيك بوصية إذا حفظتها فإنها جامعة لطرق الخير وسبله ، فإنك إن حفظتها كان لك بها كفلان.

٥٢٥

يا أبا ذر ، اعبد الله كأنك تراه ، فإن كنت لا تراه فإنه ( عزوجل ) يراك ، واعلم أن أول عبادته المعرفة به فإنه الأول قبل كل شئ فلا شئ قبله ، والفرد فلا ثاني معه ، والباقي لا إلى غاية ، فاطر السماوات والأرض وما فيهما وما بينهما من شئ ، وهو الله اللطيف الخبير ، وهو على كل شئ قدير ، ثم الايمان بي والاقرار بأن الله ( عزوجل ) أرسلني إلى كافة الناس بشيرا ونذيرا ، وداعيا إلى الله بأذنه وسراجا منيرا ، ثم حب أهل بيتي الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا.

واعلم يا أبا ذر ، أن الله ( تعالى ) جعل أهل بيتي كسفينة النجاة في قوم نوح ، من ركبها نجا ، ومن رغب عنها غرق ، ومثل باب حطة في بني إسرائيل من دخلها كان آمنا.

يا أبا ذر ، احفظ ما أوصيتك به تكن سعيدا في الدنيا والآخرة.

يا أبا ذر ، نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس : الصحة ، والفراغ.

يا أبا ذر ، اغتنم خمسا قبل خمس : شبابك قبل هرمك ، وصحتك قبل سقمك ، وغناك قبل فقرك ، وفراغك قبل شغلك ، وحياتك قبل موتك.

يا أبا ذر ، إياك والتسويف بأملك ، فإنك بيومك ولست بما بعده ، فإن يكن غد لك تكن في الغد كما كنت في اليوم ، له ان لم يكن غد لك لم تندم على ما فرطت في اليوم.

يا أبا ذر ، كم من مستقبل يوما لا يستكمله ومنتظر غدا لا يبلغه.

يا أبا ذر ، لو نظرت إلى الاجل ومسيره لأبغضت الامل وغروره.

يا أبا ذر ، كن في الدنيا كأنك غريبا وكعابر سبيل ، وعد نفسك في أهل القبور.

يا أبا ذر ، إذا أصبحت فلا تحدث نفسك بالمساء ، وإذا أمسيت فلا تحدث نفسك بالصباح ، وخذ من صحتك قبل سقمك ، ومن حياتك قبل موتك ، ـ فإنك لا تدري ما اسمك غدا.

يا أبا ذر ، إياك أن تدركك الصرعة عند الغرة فلا تمكن من الرجعة ، ولا يحمدك من خلفت بما تركت ، ولا يعذرك من تقدم عليه بما به اشتغلت.

يا أبا ذر ، ما رأيت كالنار نام هاربها ، ولا مثل الجنة نام طالبها.

٥٢٦

يا أبا ذر ، كن على عمرك أشح منك على درهمك ودينارك.

يا أبا ذر ، هل ينتظر أحدكم إلا غنى مطغيا ، أو فقيرا منسيا ، أو مرضا مضنيا ، أو هرما مفندا (١) ، أو موتا محيرا أو الدجال فإنه شر غائب ينتظر ، أو الساعة والساعة أدهى وأمر.

يا أبا ذر ، إن شر الناس عند الله ( تعالى ) يوم القيامة عالم لا ينتفع بعلمه ، ومن طلب علما ليصرف به وجوه الناس إليه لم يجد ريح الجنة.

يا أبا ذر ، إذا سئلت عن علم لا تعلمه فقل : لا أعلمه. تنج من تبعته ، ولا تفت الناس بما لا علم لك به تنج من عذاب يوم القيامة.

يا أبا ذر ، يطلع قوم من أهل الجنة إلى قوم من أهل النار فيقولون : ما أدخلكم النار ، وإنما دخلنا الجنة بفضل تأديبكم وتعليمكم! فيقولون : إنا كنا نأمركم بالخير ولا نفعله.

يا أبا ذر ، إن حقوق الله أعظم من أن يقوم بها العباد ، وإن نعم الله ( عزوجل ) أكثر من أن يحصيها العباد ، ولكن أمسوا تائبين وأصبحوا تائبين.

يا أبا ذر ، إنكم في ممر الليل والنهار في آجال منقوصة وأعمال محفوظة ، والموت يأتي بغتة ، فمن يزرع خيرا يوشك أن يحصد رغبة ، ومن يزرع شرا يوشك أن يحصد ندامة ، ولكل زارع ما زرع.

يا أبا ذر ، لا يسبق بطئ بحظه ، ولا يدرك حريص ما لم يقدر له ، ومن أعطى خيرا فالله ( عزوجل ) أعطاه ، ومن وقى شرا فإن الله وقاه.

يا أبا ذر ، المتقون سادة ، والفقهاء قادة ، ومجالستهم زيادة.

يا أبا ذر ، إن المؤمن ليرى ذنبه كأنه تحت صخرة يخاف أن تقع عليه ، والكافر يرى ذنبه كأنه ذباب مر على أنفه.

يا أبا ذر ، إن الله إذا أراد بعبد خيرا جعل الذنوب بين عينيه ممثلة.

__________________

(١) فند : خرف وضعف عقله.

٥٢٧

يا أبا ذر ، لا تنظر إلى صغر الخطيئة ولكن انظر إلى من عصيت.

يا أبا ذر ، إن نفس المؤمن أشد تقلبا وخيفة من العصفور حين يقذف به في شرك.

يا أبا ذر ، من وافق قوله فعله فذاك الذي أصاب حظه ، ومن خالف قوله فعله فذلك المرء إنما يوبخ نفسه.

يا أبا ذر ، إن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه.

يا أبا ذر ، إنك إذا طلبت شيئا من الآخرة واتبعته تيسر لك ، وإذا رأيت شيئا من أمر الدنيا واتبعته عسر عليك ، فإنك على حال خشيته.

يا أبا ذر ، لا تنطق فيما لا يعنيك فإنك لست منه في شئ واحرز لسانك كما تحرز رزقك.

يا أبا ذر ، إن الله ( جل ثناؤه ) ليدخل قوما الجنة فيعطيهم حتى تنتهي أمانيهم ، وفوقهم قرم في الدرجات العلى ، فإذا نظروا إليهم عرفوهم فيقولون. ربنا إخواننا كنا معهم في الدنيا ، فبم فضلتهم علينا؟ فيقال : هيهات ، إنهم كانوا يجوعون حين تشبعون ، ويظمأون حين تروون ، ويقومون حين تنامون ، ويشخصون حين تخفضون.

يا أبا ذر ، إن الله ( تعالى ) جعل قرة عيني في الصلاة وحببها إلي كما حبب إلى الجائع الطعام ، وإلى الظمآن الماء ، فإن الجائع إذا أكل الطعام شبع ، وإذا شرب الماء روي ، وأنا لا أشبع من الصلاة.

يا أبا ذر ، إن الله ( تعالى ) بعث عيسى بن مريم بالرهبانية ، وبعثت بالحنيفية السمحة ، وحببت إلي النساء والطيب ، وجعلت في الصلاة قرة عيني.

يا أبا ذر ، أيما رجل تطوع في يوم اثنتي عشرة ركعة سوى المكتوبة ، كان له حقا واجبا بيت في الجنة.

يا أبا ذر ، صلاة في مسجدي هذا تعدل مائة ألف صلاة في غيره من المساجد إلا المسجد الحرام ، وصلاة في المسجد الحرام تعدل مائة ألف صلاة في غيره ، وأفضل من هذا كله صلاة يصليها الرجل في بيته حيث لا يراه إلا الله ( عزوجل ) يطلب بها

٥٢٨

وجه الله ( تعالى ).

يا أبا ذر ، إنك ما دمت في الصلاة فإنك تقرع باب الملك ، ومن يكثر قرع باب الملك يفتح.

يا أبا ذر ، ما من مؤمن يقوم إلى الصلاة إلا تناثر عليه البر ما بينه وبين العرش ، ووكل به ملك ينادي : يا بن آدم ، لو تعلم ما لك في صلاتك ومن تناجي ما سئمت ولا التفت.

يا أبا ذر ، طوبى لأصحاب الألوية يوم القيامة ، يحملونها فيسبقون الناس إلى الجنة ، ألا وهم السابقون إلى المساجد بالاسحار وغيرها.

يا أبا ذر ، لا تجعل بيتك قبرا ، واجعل فيه من صلاتك يضئ بها قبرك.

يا أبا ذر ، الصلاة عمود الدين واللسان أكبر ، والصدقة تمحو الخطيئة واللسان أكبر.

يا أبا ذر ، الدرجة في الجنة فوق الدرجة كما بين السماء والأرض ، وإن العبد ليرفع بصره فيلمع له نور يكاد يخطف بصره ، فيفرح فيقول : ما هذا؟ فيقال. هذا نور أخيك المؤمن. فيقول : هذا أخي فلان ، كنا نعمل جميعا في الدنيا ، وقد فضل علي هكذا! فيقال : إنه كان أفضل منك عملا ، ثم يجعل في قلبه الرضا حتى يرضى.

يا أبا ذر ، الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر ، وما أصبح فيها مؤمن إلا وهو حزين ، وكيف لا يحزن المؤمن وقد أوعده الله أنه وارد جهنم ولم يعده أنه صادر عنها!

يا أبا ذر ، ومن أوتي من العلم ما لا يعمل به لحقيق أن يكون أوتي علما لا ينفعه الله ( عزوجل ) به ، لان الله ( جل ثناؤه ) نعت العلماء فقال : ( إن الذين أوتوا العلم من قبله إذا يتلى عليهم يخرون للأذقان سجدا ) إلى قوله : ( يبكون ) (١).

يا أبا ذر ، من استطاع أن يبكي قلبه فليبك ، ومن لم يستطع فليشعر قلبه الحزن

__________________

(١) سورة الإسراء ١٧ : ١٠٧ ـ ١٠٩.

٥٢٩

وليتباك.

يا أبا ذر ، إن القلب القاسي بعيد من الله ولكن لا تشعرون.

يا أبا ذر ، ما من خطيب إلا عرضت عليه خطبته يوم القيامة وما أراد بها.

يا أبا ذر ، إن صلاة النافلة في السر تفضل على العلانية كفضل الفريضة على النافلة.

يا أبا ذر ، ما يتقرب العبد إلى الله بشئ أفضل من السجود.

يا أبا ذر ، أذكر الله ذكرا خاملا. قلت : يا رسول الله ، وما الذكر الخامل؟ قال : الذكر الخفي.

يا أبا ذر ، يقول الله ( عزوجل ) : لا أجمع على عبدي خوفين ، ولا أجمع له أمنين ، فإذا أمنني أخفته يوم القيامة ، وإذا خافني أمنته يوم القيامة.

يا أبا ذر ، لو أن رجلا كان له مثل عمل سبعين نبيا لاحتقره وخشي أن لا ينجو من شر يوم القيامة.

يا أبا ذر ، إن العبد لتعرض عليه ذنوبه يوم القيامة فيقول : أما إني قد كنت منك مشفقا ، فيغفر له.

يا أبا ذر ، إن الرجل ليعمل الحسنة فيتكل عليها ، ويعمل المحقرات فيأتي الله ( عزوجل ) وهو من الأشقياء ، وإن الرجل ليعمل السيئة فيفرق منها فيأتي الله ( عزوجل ) آمنا يوم القيامة.

يا أبا ذر ، إن العبد ليذنب فيدخل إلى الله بذنبه ذلك الجنة. فقلت. وكيف ذلك ، يا رسول الله؟ قال : يكون ذلك الذنب نصب عينه تائبا منه فارا إلى الله حتى يدخل الجنة.

يا أبا ذر ، إن الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت ، والعاجز من اتبع نفسه وهواها ، وتمنى على الله ( عزوجل ) الأماني.

يا أبا ذر ، إن أول شئ يرفع من هذه الأمة الأمانة والخشوع حتى لا تكاد ترى خاشعا.

٥٣٠

يا أبا ذر ، والذي نفس محمد بيده لو أن الدنيا كانت تعدل عند الله ( عزوجل ) جناح بعوضة ما سقى الكافر والفاجر منها شربة من ماء.

يا أبا ذر ، إن الدنيا ملعونة ، ملعون ما فيها إلا ما ابتغى به وجه الله ( عزوجل ).

يا أبا ذر ، ما من شئ أبغض إلى الله من الدنيا ، خلقها ثم أعرض عنها فلم ينظر إليها ، ولا ينظر إليها حتى تقوم الساعة ، وما من شئ أحب إلى الله ( تعالى ) من الايمان به وترك ما أمر أن يترك.

يا أبا ذر ، إن الله ( تعالى ) أوحى إلى أخي عيسى عليه‌السلام : يا عيسى ، لا تحب الدنيا فإني لست أحبها ، وأحب الآخرة فإنها دار المعاد.

يا أبا ذر ، إن جبرئيل عليه‌السلام أتاني بخزائن الدنيا على بغلة شهباء ، فقال : يا محمد ، إن هذه خزائن الأرض ولا تنقصك من حظك عند ربك ( تعالى ) ، فقلت : حبيبي جبرئيل ، لا حاجة لي فيها ، إذا شبعت شكرت ربي ، وإذا جعت سألته.

يا أبا ذر ، إذا أراد الله بعبد خيرا فقهه في الدين ، وزهده في الدنيا ، وبصره بعيوب نفسه.

يا أبا ذر ، ما زهد عبد في الدنيا إلا أثبت الله الحكمة في قلبه ، وأنطق بها لسانه ، وبصره عيوب الدنيا وداءها ودواءها ، وأخرجه منها سالما إلى دار السلام.

يا أبا ذر ، إذا رأيت أخاك قد زهد في الدنيا فاستمع منه ، فإنه يلقي إليك الحكمة. ففلت : يا رسول الله ، من أزهد الناس؟ قال : من لم ينس المقابر والبلى ، وترك ما يفنى لما يبقى ، ومن لم يعد غدا من أيامه ، وعد نفسه في الموتى.

يا أبا ذر ، إن الله ( تعالى ) لم يوح إلي أن أجمع المال ، لكن أوحى إلي أن سبح بحمد ربك وكن من الساجدين ، واعبد ربك حتى يأتيك اليقين (١).

يا أبا ذر ، إني ألبس الغليظ ، وأجلس على الأرض ، وأركب الحمار بغير سرج ، وأردف خلفي ، فمن رغب عن سنتي فليس مني.

__________________

(١) تضمين من سورة الحجر ١٥ : ٩٨ و ٩٩.

٥٣١

يا أبا ذر ، حب المال والشرف مذهب لدين الرجل.

قال : قلت : يا رسول الله ، الخائفون الخاضعون المتواضعون الذاكرون الله كثيرا يستبقون الناس إلى الجنة؟ قال : لا ، ولكن فقراء المؤمنين ، فإنهم يأتون يوم القيامة فيتخطون رقاب الناس ، فيقول لهم خزنة الجنة : كما أنتم (١) حتى تحاسبوا. فيقولون : بم نحاسب! فوالله ما ملكنا حتى نجور ونعدل ، ولا أفيض علينا فنقبض ونبسط ، ولكنا عبدنا ربنا حتى أتانا اليقين.

يا أبا ذر ، إن الدنيا مشغلة للقلب والبدن ، فإن الله ( عزوجل ) يسأل أهل الدنيا عما نعموا في حلالها ، فكيف بما نعموا في حرامها!

يا أبا ذر ، إني قد سألت الله ( عزوجل ) أن يجعل رزق من أحبني الكفاف ، ويعطي من أبغضني المال والبنين.

يا أبا ذر ، طوبى للزاهدين في الدنيا ، الراغبين في الآخرة ، الذين اتخذوا أرض الله بساطا ، وترابها فراشا ، وماءها طيبا ، واتخذوا الكتاب شعارا ، والدعاء لله دثارا ، وقرضوا الدنيا قرضا.

يا أبا ذر ، إن حرث الآخرة العمل الصالح ، وحرث الدنيا المال والبنون.

يا أبا ذر ، إن ربي ( تبارك اسمه ) أخبرني ، فقال : وعزتي وجلالي ، ما أدرك العابدون درك البكاء عندي شيئا ، واني لابني لهم في الرفيق الاعلى قصرا لا يشاركهم فيه أحد.

قال : قلت : يا رسول الله ، أي المؤمنين أكيس؟ قال : أكثرهم للموت ذكرا ، وأحسنهم له استعدادا.

يا أبا ذر ، إذا دخل النور القلب انفتح القلب واستوسع. قلت : فما علامة ذلك ، بأبي أنت وأمي يا رسول الله؟ قال : الإنابة إلى دار الخلود ، والتجافي عن دار الغرور ، والاستعداد للموت قبل نزوله.

يا أبا ذر ، اتق الله ولا تري الناس أنك تخشى الله فيكرموك وقلبك فاجر.

__________________

(١) أي لا تبرحوا.

٥٣٢

يا أبا ذر ، إن لله ملائكة قياما من خيفته ما رفعوا رؤوسهم حتى ينفخ في الصور النفخة الآخرة ، فيقولون جميعا : سبحانك وبحمدك ما عبدناك كما ينبغي لك أن نعبد ، ولو كان لرجل عمل سبعين نبيا لاستقل عمله من شده ما يرى يومئذ ، ولو أن دلوا صب من غسلين في مطلع الشمس لغلت منه جماجم من في مغربها ، ولو أن زفرات جهنم زفرت لم يبق ملك مقرب ولا نبي مرسل إلا خر جاثيا على ركبتيه ، يقول : رب نفسي نفسي حتى ينسى إبراهيم إسحاق عليهما‌السلام يقول : يا رب أنا خليلك إبراهيم لا تنسني.

يا أبا ذر ، لو أن امرأة من نساء أهل الجنة أطلعت من سماء الدنيا في ليلة ظلماء لأضاءت لها الأرض أفضل مما يضئ القمر ليلة البدر ، ولوجد ريح نشرها جميع أهل الأرض ، ولو أن ثوبا من ثياب أهل الجنة نشر اليوم في الدنيا لصق من ينظر إليه وما حملته أبصارهم.

يا أبا ذر ، اخفض صوتك عند الجنائز ، وعند القتال ، وعند القرآن.

يا أبا ذر ، إذا تبعت جنازة فليكن عقلك فيها مشغولا بالتفكر والخشوع ، واعلم أنك لاحق به.

يا أبا ذر ، اعلم أن كل شئ إذا فسد فالملح دواؤه ، فإذا فسد الملح فليس له دواء ـ قال الشيخ : هذا المثل لعلماء السوء ـ واعلم أن فيكم خلتين : الضحك من غير عجب ، والكسل من غير سهر.

يا أبا ذر ، ركعتان مقتصرتان في تفكر خير من قيام ليلة والقلب ساه.

يا أبا ذر ، الحق ثقيل مر ، والباطل خفيف حلو ، ورب شهوة ساعة تورث حزنا طويلا.

يا أبا ذر ، لا يفقه الرجل كل الفقه حتى يرى الناس كلهم في جنب الله أمثال الأباعر ، ثم يرجع إلى نفسه فيكون هو أحقر حاقر لها.

يا أبا ذر ، لا يصيب الرجل حقيقة الايمان حتى يرى الناس كلهم حمقى في دينهم عقلاء في دنياهم.

٥٣٣

يا أبا ذر ، حاسب نفسك قبل أن تحاسب ، فإنه أهون لحسابك غدا ، وزن نفسك قبل أن توزن ، وتجهز للعرض الأكبر يوم تعرض لا يخفى على الله خافية ، استح من الله ، فإني والذي نفسي بيده لا ظل حين أذهب إلى الغائط متقنعا بثوبي استحي من الملكين اللذين معي.

يا أبا ذر ، أتحب أن تدخل الجنة؟ قلت : نعم فداك أبي. قال : فاقصر من الامل ، واجعل الموت نصب عينك ، واستح من الله حق الحياء.

قال : قلت يا رسول الله ، كلنا نستحي من الله. قال : ليس كذلك الحياء ، ولكن الحياء من الله أن لا تنسى المقابر والبلى ، والجوف وما وعى ، والرأس وما حوى ، فمن أراد كرامة الاجر فليدع زينة الدنيا ، فإذا كنت كذلك أصبت ولاية الله.

يا أبا ذر ، يكفي من الدعاء مع البر ما يكفي الطعام من الملح.

يا أبا ذر ، مثل الذي يدعو بغير عمل ، كمثل الذي يرمي بغير وتر.

يا أبا ذر ، إن الله يصلح بصلاح العبد ولده وولد ولده ، ويحفظه في دويرته والدور حوله ما دام فيهم.

يا أبا ذر ، إن ربك ( عزوجل ) يباهي الملائكة بثلاثة نفر. رجل يصبح في الأرض فردا ، فيؤذن ثم يصلي ، فيقول ربك للملائكة : انظروا إلى عبدي يصلي ولا يراه أحد غيري ، فينزل سبعون ألف ملك يصلون وراءه ويستغفرون له إلى الغد من ذلك اليوم ، ورجل قام من الليل فصلى وحده فسجد ونام وهو ساجد ، فيقول ( تعالى ) : انظروا إلى عبدي روحه عندي ، وجسده في طاعتي ساجد ، ورجل في زحف فر أصحابه وثبت وهو يقاتل حتى يقتل.

يا أبا ذر ، ما من رجل يجعل جبهته في بقعة من بقاع الأرض إلا شهدت له بها يوم القيامة ، وما من منزل نزله قوم إلا وأصبح ذلك المنزل يصلي عليهم أو يلعنهم.

يا أبا ذر ، ما من صباح ولا رواح إلا وبقاع الأرض ينادي بعضها بعضا : يا جارة ، هل مر بك اليوم ذاكر لله ( تعالى ) ، أو عبد وضع جبهته عليك ساجدا لله ( تعالى )؟ فمن قائلة : لا. ومن قائلة : نعم ، فإذا قالت : نعم ، اهتزت وانشرحت وترى أن لها فضلا على جارتها.

٥٣٤

يا أبا ذر ، إن الله ( جل ثناؤه ) لما خلق الأرض وخلق ما فيها من الشجر ، لم يكن في الأرض شجرة يأتيها بنو آدم إلا أصابوا منها منفعة ، فلم تزل الأرض والشجر كذلك حتى تكلم فجرة بني آدم ، والكلمة العظيمة قولهم : اتخذوا لله ولدا ، فلما قالوها اقشعرت الأرض وذهبت منفعة الأشجار.

يا أبا ذر ، إن الأرض لتبكي على المؤمن إذا مات أربعين صباحا.

يا أبا ذر ، إذا كان العبد في أرض قفر فتوضأ أو تيمم ثم أذن وأقام وصلى ، أمر الله ( عزوجل ) الملائكة فصفوا خلفه صفا لا يرى طرفاه ، يركعون بركوعه ، ويسجدون بسجوده ، ويؤمنون على دعائه.

يا أبا ذر ، من أقام ولم يؤذن ، لم يصل معه إلا الملكان اللذان معه.

يا أبا ذر ، ما من شاب يدع لله الدنيا ولهوها ، وأهرم شبابه في طاعة الله ، إلا أعطاه الله أجر اثنين وسبعين صديقا.

يا أبا ذر ، الذاكر في الغافلين كالمقاتل في الفارين ..

يا أبا ذر ، الجليس الصالح خير من الوحدة ، والوحدة خير من جليس السوء ، وإملاء الخير خير من السكوت ، والسكوت خير من إملاء الشر.

يا أبا ذر ، لا تصاحب إلا مؤمنا ، ولا يأكل طعامك إلا تقي ، ولا تأكل طعام الفاسقين.

يا أبا ذر ، أطعم طعامك من تحبه في الله ، وكل طعام من يحبك في الله ( عزوجل ).

يا أبا ذر ، إن الله ( عزوجل ) عند لسان كل قائل ، فليتق الله امرؤ ، وليعلم ما يقول.

يا أبا ذر ، اترك فضول الكلام ، وحسبك من الكلام ما تبلغ به حاجتك.

يا أبا ذر ، كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمعه.

يا أبا ذر ، ما من شئ أحق بطول السجن من اللسان.

يا أبا ذر ، إن من إجلال الله إكرام العلم والعلماء ، وذي الشيبة المسلم ، واكرام حملة القرآن وأهله ، واكرام السلطان المقسط.

يا أبا ذر ، من فر من رزقه كما يفر من الموت لأدركه رزقه كما يدركه الموت.

٥٣٥

يا أبا ذر ، ألا أعلمك كلمات ينفعك الله ( عزوجل ) بهن؟ قلت : بلى ، يا رسول الله. قال : احفظ الله يحفظك ، احفظ الله تجده أمامك ، تعرف إلى الله ( عزوجل ) في الرخاء يعرفك في الشدة ، وإذا سألت فاسأل الله ( عزوجل ) ، وإذا استعنت فاستعن بالله ، فقد جرى القلم بما هو كائن إلى يوم القيامة ، فلو أن الخلق كلهم جهدوا أن ينفعوك بشئ لم يكتب لك ما قدروا عليه ، ولو جهدوا أن يضروك بشئ لم يكتبه الله عليك ما قدروا عليه ، فإن استطعت أن تعمل لله ( عزوجل ) بالرضا في اليقين فافعل ، وإن لم تستطع فإن في الصبر على ما تكره خيرا كثيرا ، وان النصر مع الصبر ، والفرج مع الكرب ، وإن مع العسر يسرا.

يا أبا ذر ، استغن بغناء الله يغنك الله. فقلت : وما هو ، يا رسول الله؟ فقال : غداء يوم وعشاء ليلة ، فمن قنع بما رزقه الله فهو أغنى الناس.

يا أبا ذر ، إن الله ( تبارك وتعالى ) يقول : إني لست كل كلام الحكيم أتقبل ولكن همه وهواه ، فإن كان همه وهواه فيما أحب وأرضى جعلت صمته حمدا لي ووقارا وإن لم يتكلم.

يا أبا ذر ، إن الله ( تبارك وتعالى ) لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أموالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم.

يا أبا ذر ، التقوى التقوى هاهنا ، وأشار إلى صدره.

يا أبا ذر ، أربع لا يصيبهن إلا مؤمن : الصمت وهو أول العبادة ، والتواضع لله ( سبحانه وتعالى ) ، وذكر الله ( سبحانه وتعالى ) في كل حالة ، وقلة الشئ ، يعني قلة المال.

يا أبا ذر ، هم بالحسنة ، وإن لم تعملها ، لكيلا تكتب من الغافلين.

يا أبا ذر ، من ملك ما بين فخذيه وبين لحييه دخل الجنة. قلت : يا رسول الله ، إنا لنؤخذ بما تنطق به ألسنتنا؟ قال : يا أبا ذر ، وهل يكب الناس على مناخرهم في النار إلا حصائد ألسنتهم ، إنك لا تزال سالما ما سكت ، فإذا تكلمت كتب لك أو عليك.

يا أبا ذر ، إن الرجل يتكلم بالكلمة من رضوان الله ( جل ثناؤه ) فيكتب له بها رضوانه إلى يوم القيامة ، وإن الرجل ليتكلم بالكلمة في المجلس ليضحكهم بها فيهوي في

٥٣٦

جهنم ما بين السماء والأرض.

يا أبا ذر ، ويل للذي يحدث فيكذب ليضحك القوم ، ويل له ، ويل له ، ويل له.

يا أبا ذر ، من صمت نجا ، فعليك بالصدق ، ولا تخرجن من فيك كذبة أبدا.

قلت : يا رسول الله ، فما توبة الرجل الذي يكذب متعمدا؟ قال : الاستغفار ، والصلوات الخمس تغسل ذلك.

يا أبا ذر ، إياك والغيبة ، فإن الغيبة أشد من الزنا. قلت : يا رسول الله ، وما ذاك بأبي أنت وأمي؟ قال : لان الرجل يزني فيتوب إلى الله فيتوب الله عليه ، والغيبة لا تغفر حتى يغفرها صاحبها.

يا أبا ذر ، سباب المسلم فسوق ، وقتاله كفر ، وأكل لحمه من معاصي الله ، وحرمة ماله كحرمة دمه.

قلت : يا رسول الله ، ما الغيبة؟ قال : ذكرك أخاك بما يكرهه. قلت : يا رسول الله ، فإن كان فيه ذاك الذي يذكر به. قال : اعلم إذا ذكرته بما هو فيه فقد اغتبته ، وإذا ذكرته بما ليس فيه فقد بهته.

يا أبا ذر ، من ذب عن أخيه المؤمن الغيبة كان حقه على الله ( عزوجل ) أن يعتقه من النار.

يا أبا ذر ، من اغتيب عنده أخوه المسلم وهو يستطيع نصره فنصره ، نصره الله ( عزوجل ) في الدنيا والآخرة ، فإن خذله وهو يستطيع نصره خذله الله في الدنيا والآخرة.

يا أبا ذر ، لا يدخل الجنة قتات. قلت : ما القتات؟ قال : النمام.

يا أبا ذر ، صاحب النميمة لا يستريح من عذاب الله ( عزوجل ) في الآخرة.

يا أبا ذر ، من كان ذو وجهين ولسانين في الدنيا ، فهو ذو لسانين في النار.

يا أبا ذر ، المجالس بالأمانة ، وإفشاؤك سر أخيك خيانة فاجتنب ذلك ، واجتنب مجلس العشيرة.

يا أبا ذر ، تعرض أعمال أهل الدنيا على الله من الجمعة إلى الجمعة في يوم

٥٣٧

الاثنين والخميس. يغفر لكل عبد مؤمن إلا عبدا كان بينه وبين أخيه شحناء ، فيقال : اتركوا عمل هذين حتى يصطلحا.

يا أبا ذر ، إياك والهجران لأخيك المؤمن ، فإن العمل لا يتقبل مع الهجران.

يا أبا ذر ، من أحب أن يتمثل له الرجال قياما فليتبوأ مقعده من النار.

يا أبا ذر ، من مات وفي قلبه مثقال ذرة من كبر ، لم يجد رائحة الجنة إلا أن يتوب قبل ذلك. فقال رجل : يا رسول الله ، إني ليعجبني الجمال حتى وددت أن علاقة سوطي وقبال نعلي (١) حسن ، فهل ترهب علي ذلك؟ فقال : كيف تجد قلبك؟ قال : أجده عارفا للحق مطمئنا إليه. قال : ليس ذلك بالكبر ، ولكن الكبر أن تترك الحق وتتجاوزه إلى غيره ، وتنظر إلى الناس فلا ترى أحدا عرضه كعرضك ولا دمه كدمك.

يا أبا ذر ، أكثر من يدخل النار المستكبرون. فقال رجل : وهل ينجو من الكبر أحد ، يا رسول الله؟ قال : نعم ، من لبس الصوف ، وركب الحمار ، وحلب العنز ، وجالس المساكين.

يا أبا ذر ، من حمل بضاعته ، فقد برئ من الكبر ، يعني ما يشتري من السوق.

يا أبا ذر ، من جر ثوبه خيلاء ، لم ينظر الله ( تعالى ) إليه يوم القيامة.

يا أبا ذر ، إزرة (٢) المؤمن إلى أنصاف ساقيه ، ولا جناح عليه فيما بينه وبين كعبه.

يا أبا ذر ، من رقع ذيله ، وخصف نعله ، وعفر وجهه ، فقد برئ من الكبر.

يا أبا ذر ، من كان له قميصان فليلبس أحدهما وليكن الآخر لأخيه.

يا أبا ذر ، سيكون ناس من أمتي يولدون في النعيم ويغذون به ، همتهم ألوان الطعام والشراب ، ويمدحون بالقول ، أولئك شرار أمتي.

يا أبا ذر ، من ترك لبس الجمال ، وهو يقدر عليه تواضعا لله ، كساه الله حلة

__________________

(١) قبال النعل : الزمام الذي يكون بين الإصبع الوسطى والتي تليها.

(٢) الازرة. هيئة الائتزار.

٥٣٨

الكرامة.

يا أبا ذر ، طوبى لمن تواضع لله ( عزوجل ) في غير منقصة ، وأذل نفسه في غير مسكنة ، وأنفق مالا جمعه في غير معصية ، ورحم أهل الذل والمسكنة ، وخالط أهل الفقر والحكمة ، طوبى لمن صلحت سريرته ، وحسنت علانيته ، وعزل عن الناس شره ، طوبى لمن عمل بعلمه ، وأنفق الفضل من ماله ، وأمسك الفضل من قوله.

يا أبا ذر ، البس الخشن من اللباس ، والصفيق (١) من الثياب ، لئلا يجد الفخر فيك مسلكا.

يا أبا ذر ، يكون في آخر الزمان قوم يلبسون الصوف في صيفهم وشتائهم ، يرون أن لهم الفضل بذلك على غيرهم ، أولئك يلعنهم ملائكة السماوات والأرض.

يا أبا ذر ، ألا أخبرك بأهل الجنة؟ قلت : بلى يا رسول الله. قال : كل أشعث أغبر ذي طمرين لا يوبه (٢) به لو أقسم على الله لأبره.

١١٦٣ / ٢ ـ قال أبو ذر رحمه‌الله : ودخلت يوما على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وهو في المسجد جالس وحده ، فاغتنمت وحدته فقال : يا أبا ذر ، إن للمسجد تحية. قلت : وما تحيته ، يا رسول الله؟ قال : ركعتان تركعهما.

ثم التفت إليه فقلت. يا رسول الله ، أمرتني بالصلاة ، فما الصلاة؟ قال : خير موضوع ، فمن شاء أقل ، ومن شاء أكثر.

قلت. يا رسول الله ، أي الأعمال أحب إلى الله ( عزوجل ) قال : الايمان بالله ، ثم الجهاد في سبيله.

قلت : يا رسول الله ، أي المؤمنين أكملهم إيمانا؟ قال. أحسنهم خلقا.

قلت : فأي المؤمنين أفضل؟ قال : من سلم المسلمون من يده ولسانه.

قلت : أي الهجرة أفضل؟ قال : من هجر السوء.

__________________

(١) الثوب الصفيق : الكثيف النسج.

(٢) الطمر : الثوب الخلق ، ولا يؤبه به : لا يلتفت إليه ولا يعتد به.

٥٣٩

قلت : فأي الليل أفضل؟ قال : جوف الليل الغابر.

قلت : فأي الصلاة أفضل؟ قال : طول القنوت.

قلت : فأي الصدقة أفضل؟ قال : جهد من مقل إلى فقير في سر.

قلت : فما الصوم؟ قال : فرض مجز وعند الله أضعاف ذلك.

قلت : فأي الزكاة أفضل؟ قال : أعلاها ثمنا ، وأنفسها عند أهلها.

قلت : فأي الجهاد أفضل؟ قال : من عقر جواده ، وأهرق دمه.

قلت : وأي آية أنزلها الله عليك أعظم. قال : آية الكرسي.

قال : قلت يا رسول الله ، فما كانت صحف إبراهيم عليه‌السلام؟ قال : كانت أمثالا كلها وكان فيها : أيها الملك المسلط المبتلى ، إني لم أبعثك لتجمع الدنيا بعضها على بعض ، ولكن بعثتك لترد عني دعوة المظلوم ، فإني لا أردها وإن كانت من كافر أو فاجر فجوره على نفسه.

وكان فيها أمثال : وعلى العاقل ما لم يكن مغلوبا على عقله أن يكون له ساعات. ساعة يناجي فيها ربة ، وساعة يتفكر في صنع الله ( تعالى ) ، وساعة يحاسب فيها نفسه فيما قدم وأخر ، وساعة يخلو فيها بحاجته من الحلال في المطعم والمشرب ، وعلى العاقل أن لا يكون ظاعنا إلا في ثلاث : تزود لمعاد ، أو مرمة لمعاش ، أو لذة في غير محرم ، وعلى العاقل أن يكون بصيرا بزمانه ، مقبلا على شأنه ، حافظا للسانه ، فإن من حسب كلامه من عمله قل كلامه إلا فيما يعنيه.

قلت : يا رسول الله ، فما كانت صحف موسى عليه‌السلام؟ قال : كانت عبرا كلها ، وفيها : عجب لمن أيقن بالنار ثم ضحك ، عجب لمن أيقن بالموت كيف يفرح ، عجب لمن أبصر الدنيا وتقلبها بأهلها حالا بعد حال ثم هو يطمئن إليها ، عجب لمن أيقن بالحساب ثم لم يعمل!

قلت : يا رسول الله ، فهل في الدنيا شئ مما كان في صحف إبراهيم وموسى عليهما‌السلام مما أنزل الله عليك؟ قال : اقرأ يا أبا ذر ( قد أفلح من تزكى * وذكر أسم ربه فصلى * بل تؤثرون الحياة الدنيا * والآخرة خير وأبقى * إن هذا لفي

٥٤٠